رياض المسائل الجزء الخامس ::: 346 ـ 360
(346)
    وسيأتي أيضاً ماله ارتباط بهذه المسألة في المسألة الرابعة.
     [ الثانية : الكفّارة ] الواجبة هنا مخيّرة بين خصالٍ ثلاث ، وهي : [ عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستّين مسكيناً ] على‏ الأشهر الأقوى‏ ، بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا.
    وفي صريح الانتصار وظاهر الغنية : أنّ عليه إجماعنا (1) وهو الحجّة ، مضافاً إلى‏ النصوص المستفيضة ، المتضمّنة للصحيح والموثّق وغيرهما (2) ، وقد تقدّمت إلى‏ جملةٍ منها الإشارة.
    [ وقيل ] والقائل العماني والمرتضى‏ في أحد قوليه (3) [ هي مرتّبة ] كما في العبارة ، واحتمله الشيخ في الخلاف (4) واستدلّ لهم بأخبارٍ ليست بواضحة الدلالة ، زيادة على‏ ما هي عليه من ضعف السند وقصوره عن الصحّة.
    نعم ، في الصحيح المروي في الوسائل وغيره ، عن عليّ بن جعفر في كتابه ، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام ، قال : سألته عن رجل نكح امرأته وهو صائم في رمضان ، ما عليه ؟ قال : « عليه القضاء وعتق رقبة ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، وإن لم يستطع فإطعام ستّين مسكيناً ، فإن لم يجد فليستغفر اللَّه تعالى » (5).
1 ـ الانتصار : 69 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 571.
2 ـ الوسائل 10 : 44 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8.
3 ـ حكاه عن العماني في المختلف : 225 ، المرتضى في جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى 3 ) : 55.
4 ـ الخلاف 2 : 186.
5 ـ مسائل علي بن جعفر : 116 / 47 ، الوسائل 10 : 48 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 9.


(347)
    وهو ظاهرٌ ـ بل صريحٌ ـ في الترتيب ، إلّا أنّه قاصر عن مقاومة ما مرّ ، المعتضد ـ ، زيادةً على‏ ما هو عليه من الكثرة والشهرة ، بأصالة البراءة ، والمخالفة لما عليه أكثر العامّة ، ومنهم : أبو حنيفة ، على‏ ما حكاه جماعة (1) ، فليحمل هذا على‏ التقيّة أو الأفضلية.
    وأمّا الموثّق الدالّ على‏ أنّها كفّارة الجمع بين ما مرّ من الخصال (2) ، فمع قصور سنده شاذّ مؤوّل ، بحمل الواو فيه على‏ « أو » لشيوعه.
    أو على‏ ما إذا أفطر على‏ محرّم ، كما أفتى‏ به الصدوق في الفقيه ، وابن حمزة ، على‏ ما حكاه عنه فخر الإسلام والفاضل المقداد في التنقيح والإيضاح ، تبعاً للفاضل في المختلف ، مقوّيين له أيضاً ، والفاضل في صريح الإرشاد القواعد وظاهر التحرير ، والشهيدين في الدروس والمسالك واللمعتين (3) ، ومال إليه جماعة من متأخّري المتأخّرين (4).
    لروايةٍ مفصّلة ، جامعة بين الأخبار المختلفة ، أشار إليها الماتن بقوله : [ وفي رواية : أنّه تجب عن الإفطار بالمحرّم كفّارة الجمع ].
    رواها الصدوق ـ رحمه الله ـ عن عبد الواحد بن عبدوس ، عن عليّ بن محمّد بن قتيبة ، عن حمدان بن سليمان ، عن عبد السلام بن صالح الهروي : قال : قلت للرضا عليه السلام : يا ابن رسول اللَّه ، قد روي عن آبائك عليهم السلام‏
1 ـ نقله عنه في الانتصار : 69 ، والخلاف 2 : 186 ، وقال به الشوكاتي في نيل الأوطار 4 : 295.
2 ـ التهذيب 4 : 208 / 604 ، الاستبصار 2 : 97 / 315 ، الوسائل 10 : 54 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 10 ح 2.
3 ـ الفقيه 2 : 74 ، أيضاح الفوائد 1 : 233 ، التنقيح الرائع 1 : 365 ، المختلف : 226 ، الارشاد 1 : 298 ، القواعد : 66 ، التحرير 2 : 110 ، الدروس 1 : 273. المسالك 1 : 71 ، الروضة 2 : 120.
4 ـ منهم صاحبا المدارك 6 : 82 ، والحدائق 13 : 222.


(348)
في من جامع في شهر رمضان أو أفطر فيه ، ثلاث كفّارات ، وروى عنهم أيضاً كفّارة واحدة ، فبأيّ الخبرين نأخذ ؟ قال : « بهما جميعاً ، فمتى‏ جامع الرجل حراماً أو أفطر على‏ حرام في شهر رمضان فعليه ثلاث كفّارات : عتق رقبة ، وصيام شهرين متتابعين ، وإطعام ستّين مسكيناً ، وقضاء ذلك اليوم ، وإن كان نكح حلالاً أو أفطر على‏ حلال فعليه كفّارة واحدة » (1).
    وقد حكم بصحّتها جماعة ، كالفاضل في التحرير في بحث الكفّارات ، وشيخنا في الروضة (2) ، مع أنّ الأول في المختلف قال في حقّ الراوي الأول : إنّه لا يحضرني حاله ، فإن كان ثقة فالرواية صحيحة (3).
    وهو ـ كما ترى ـ ظاهر في جهالة حال الراوي عنده ، وهو كذلك ، فإنّه لم يُذكر في الرجال.
    نعم ، ذكر شيخنا في المسالك (4) وغيره (5) : أنّه شيخ الصدوق ، وهو قد عمل بها ، فهو في قوّة الشهادة له بالثقة ، ومن البعيد أن يروي الصدوق عن غير الثقة بلا واسطة.
    أقول : وفي إفادة ذلك التوثيق بالمعنى المصطلح بين المتأخّرين مناقشة واضحة.
    نعم ، غايته إفادة القوّة ، فلا وجه للحكم بالصحّة ، ولو سلّم فإنّما يتّجه لو خلا السند عن غيره ممّن يقدح بسببه فيها.
1 ـ الفقيه 3 : 238 / 1128 ، العيون 1 : 244 / 88 ، الوسائل 10 : 54 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 10 ح 1 ؛ بتفاوت يسير.
2 ـ التحرير 2 : 110 ، الروضة 2 : 120.
3 ـ المختلف : 226.
4 ـ المسالك 1 : 71.
5 ـ كصاحب المدارك 6 : 84.


(349)
    وليس كذلك سند هذه الرواية لاشتماله على‏ عليّ بن محمد القتيبي ، وعبد السلام بن صالح الهروي.
    ولم يوثّق الأول ، بل قيل : إنّه فاضل اعتمد عليه الكشّي (1). وغاية ذلك إفادة المدح على‏ تقدير تسليمه ، فلا يمكن الصحّة أيضاً من جهته.
    والثاني وإن وثّقه النجاشي وكثير (2) ، إلّا أنّه ضعّفه الشيخ بأنّه عامّي (3) ، والجمع بينهما يقتضي كونه موثّقاً ، فلا وجه للحكم بالصحّة.
    وبالجملة : فلا ريب في قصور الرواية عن الصحّة ، فيشكل الخروج بها عن الأدلّة المشهورة ، سيّما وأنّ ظاهر جملة من القائلين بمضمونها الاستناد فيه إلى‏ غيرها ، كالصدوق نفسه في الفقيه ، وفخر الدين.
    فقد قال الأول ـ بعد الفتوى‏ ـ : لوجود ذلك في روايات أبي الحسين الأسدي (4) رضي اللَّه تعالى عنه فيما ورد عليه عن الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري رضي اللَّه تعالى عنه (5).
    وقال الثاني : لأنّه أحوط (6).
    وفي الدليلين نظر لقطع الخبر وإن كان الظاهر الاتّصال إلى‏ مولانا صاحب الزمان عجّل اللَّه تعالى فرجه ، لكن في الاكتفاء بمثل هذا الظهور في الخروج عن أدلّة المشهور فتور.
1 ـ رجال العلّامة : 94.
2 ـ رجا النجاشي : 245 / 643 ؛ وانظر رجال الكشي 2 : 872 ، ورجال العلّامة 117.
3 ـ رجال الشيخ : 380 / 14.
4 ـ الفقيه 2 : 73 / 317 ، الوسائل 10 : 55 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 10 ح 3.
5 ـ الفقيه 2 : 74.
6 ـ اِيضاح الفوائد 1 : 233.


(350)
    والاحتياط إنّما يكون دليلاً شرعياً حيث لم يقم دليل على‏ الخلاف ، وقد مرّ قيامه.
    إلّا أن يقال : إنّ غايته الإطلاق الغير المعلوم انصرافه كإطلاق فتوى الأصحاب بالكفّارة الواحدة إلى‏ مفروض المسألة لقوّة احتمال وروده على‏ ما يقتضيه الأصل في أفعال المسلمين من الصحّة ، وهو هنا الإفطار بالحلال دون الحرام.
    فلا يخلو ما ذكره عن القوّة ، سيّما مع اعتضاده بالروايتين المتقدّمة إليهما الإشارة ، بل لا يبعد جعلهما حجّة ، لاعتبار سنديهما بلا شبهة.
    والحجّة غير منحصرة فيما اتّصف سنده بالصحّة ، بل الحقّ حجّية الأخبار الموثّقة والحسنة ، سيّما مع التأيّد بفتوى‏ من قدّمناه من الجماعة ، الذين لا مخالف صريح لهم من الطائفة.

     [ الثالثة : لا تجب الكفّارة ] أي جنسها كائنةً ما كانت ، بالإفطار [ في شيء من ] أقسام [ الصيام ، عدا شهر رمضان ، والنذر المعيّن ، وقضاء رمضان ] إذا كان الإفطار فيه [ بعد الزوال ، والاعتكاف على‏ وجه ] يأتي بيانه في بحثه إن شاء اللَّه تعالى.
    فلا تجب في النذر المطلق ، وصوم الكفّارة ، وقضاء غير رمضان ، وقضائه قبل الزوال ، والمندوب كالأيّام المستحبّ صومها ، والاعتكاف المندوب ، وإن فسد الصوم في ذلك كلّه.
    بلا خلافٍ في ذلك أجده ، وبه صرّح في الذخيرة (1) ، وفي المدارك :
1 ـ الذخيرة : 517.

(351)
أنّه موضع وفاق بين الأصحاب (1). بل قال في المنتهى‏ : إنّه قول العلماء كافّة (2).
    وهو الحجّة ، مضافاً إلى‏ الأصل ، واختصاص الموجب لها بالأقسام الأربعة.
    وأمّا الوجوب فيها فهو الأظهر الأشهر بين أصحابنا ، بل في المنتهى‏ : أنّه مذهب علمائنا (3). ونفى عنه الخلاف في المدارك في ما عدا الأخير ، وعزا الوجوب فيه إلى‏ الأكثر ، وعدمه إلى‏ العماني (4).
    وسيأتي الكلام فيه ، بل فيما عدا الاعتكاف في بحث الكفّارات ، وأمّا كفّارة صوم الاعتكاف فسيأتي الكلام فيها إن شاء اللَّه تعالى في كتابه.
     [ الرابعة : من أجنب ] ليلاً من رمضان [ ونام ناوياً للغسل ] قبل الفجر [ حتى طلع الفجر فلا قضاء ] عليه [ ولا كفّارة ] بلا خلاف أجده.
    وفي المنتهى‏ : أنّه الصحيح عندي ، وعمل الأصحاب عليه (5). وفي المدارك : أنّه مذهب الأصحاب ، لا أعلم فيه مخالفاً (6). وجعله في الذخيرة مشهوراً لنقله الخلاف فيه بالفساد ووجوب القضاء عن الماتن في موضع من المعتبر (7).
1 ـ المدارك 6 : 80.
2 ـ المنتهى 2 : 576.
3 ـ المنتهى 2 : 576
4 ـ المدارك 6 : 78 ، ويظهر منه وجود الخلاف في الثالث ـ وهو قضاء ـ لا الأخير وهو صوم الاعتكاف.
5 ـ المنتهى 2 : 566.
6 ـ المدارك 6 : 60.
7 ـ الذخيرة : 498 ، المعتبر 2 : 655.


(352)
    لكنّه في موضع آخر منه قال بمقالة الأصحاب (1) ، كما في الشرائع (2) والكتاب ، وهو صريح في رجوعه عنه ، ولعلّه لذا لم ينقل كثير هنا الخلاف.
    والأصل فيه ـ بعد الأصل ـ جملة من المعتبرة ، المتقدّمة إليها الإشارة (3).
    والصحيحان منها وإن أطلق النوم فيهما بالنسبة إلى‏ نيّة الاغتسال وعدمها ، إلّا أنّ ظاهرهما ـ بحكم لزوم حمل أفعال المسلمين على‏ الصحّة ـ هو النوم مع النيّة على‏ الاغتسال لا عدمها.
    مع أنّ فرداً منه ـ وهو العزم على‏ ترك الاغتسال ـ عمدٌ جزماً ، فيشمله عموم ما دلّ على‏ إيجابه الكفّارة والقضاء (4).
    والفرد الآخر منه ـ وهو عدم العزم على‏ شي‏ء ـ لا حاجة بنا إلى‏ إخراجه من الإطلاق لعدم دليلٍ عليه ، إلّا ما قدّمناه من إطلاق جملة من النصوص بوجوب القضاء بالنوم بقولٍ مطلق ، والرضوي (5). وقد عرفت الجواب عنهما ، مع احتمال النصوص المزبورة للتقيّة أيضاً (6).
    لكن ظاهر المنتهى‏ دعوى الإجماع عليه (7) ، وأنّه موجب للقضاء ،
1 ـ المعتبر 2 : 674.
2 ـ الشرائع 1 : 190.
3 ـ راجع ص : 317.
4 ـ الوسائل 10 : 63 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 16.
5 ـ راجع ص : 318.
6 ـ أي زيادة على ما قدّمناه من التقيد أيضاً لها بالنومة الثانية وأن بعد عن ظاهرها أو الاستحباب. ( منه رحمه الله ).
7 ـ أي على الاخراج من الاطلاق. ( منه رحمه الله ).


(353)
حيث قال : ولو نام غير ناوٍ للغسل فسد صومه وعليه قضاؤه ، ذهب إليه علماؤنا (1).
    ويعضده تعبير كثير من غير خلاف يعرف بينهم بعين ما في المنتهى‏ هنا ، ومنهم الماتن في المعتبر (2).
    لكن الظاهر من استدلاله كالمنتهى‏ أيضاً إرادتهما من النوم على‏ غير نيّة الغسل : النوم مع العزم على‏ تركه ، حيث قالا في الاستدلال على‏ ما ذكراه : لأنّ مع العزم على‏ ترك الاغتسال يسقط اعتبار النوم ، ويعود كالمتعمّد للبقاء على‏ الجنابة.
    ولو لا أنّ مرادهما من العبارة ما ذكرنا لما توجّه الاستدلال وورد عليهما ما أورده بعض الأبدال ، من أنّ عدم نيّة الغسل أعلى‏ من العزم على‏ ترك الاغتسال (3).
    هذا ، مع أنّ مورد الاستدلال هو الغالب من أفراد النوم على‏ غير نيّة الغسل لندور الذهول عن النيّة مطلقاً ، وبه صرّح في المدارك (4).
    وعليه فيمكن تنزيل ما في إطلاقات عبائر القوم على‏ الغالب من النوم على‏ عزم ترك الاغتسال.
1 ـ المنتهى 2 : 573 قال : ولو أجنب ثم نام عير ناوٍ للغسل حتى طلع الفجر وجب عليه القضاء والكفّارة. ثمّ استدلّ له بما سيجيء والظاهر أن المصنّف قد خلط بين تلك العبارة والعبارة الأخرى منه في ص 566 حيث قال : أذا أجنب ليلاً ثم ناو ناوياً للغسل فسد صومه وعليه قضاؤه ، ذهب أليه علماؤنا ... ؛ واِن رجع عنه بعد أسطر وقال بصحة الصوم.
2 ـ المعتبر 2 : 672.
3 ـ انظر المدارك 6 : 59.
4 ـ المدارك 6 : 60.


(354)
    وكيف كان ، فلا دليل يعتدّ به على‏ وجوب القضاء هنا وإن كان أحوط.
    [ ولو انتبه ثم نام ناوياً ] (1) للغسل حتى طلع الفجر [ فعليه القضاء ] خاصّة لعين ما قدّمناه من الأدلّة في الصورة السابقة ، حتى العبارات المشعرة بالإجماع ، إلّا أنّ في المنتهى‏ هنا بدل ما مرّ : ذهب إليه علماؤنا (2).
    وعزى‏ الحكم هنا في الذخيرة إلى‏ المشهور أيضاً (3) ، لكن لم ينقل مخالفاً.
    وكيف كان ، فلا إشكال في هذا الحكم أيضاً إلّا من جهة النصوص الدالّة على‏ أنّه لا شي‏ء في النوم على‏ الجنابة بقولٍ مطلق (4) ، لكن قد عرفت الجواب في ما مضى.
     [ ولو انتبه ] من النومة الثانية [ ثم نام ثالثةً ] حتى طلع الفجر [ قال الشيخان ] في المقنعة والمبسوط والخلاف والنهاية [ عليه القضاء والكفّارة ] (5).
    وتبعهما جماعة ، كالحلّي ، وابن زهرة ، والفاضل في القواعد والإرشاد ، والشهيد في الدروس واللمعة ، والمحقّق الثاني في شرحيه على‏
1 ـ بدل « ناوياً » في المختصر المطبوع : « ثانياً » ، وعليه تكون « ناوياً » من الكلام الشارح.
2 ـ المنتهى 2 : 577 وليس فيه : ذهب اليه علماؤنا ، وفيه الكلام أيضاً بيّناه في التعليقة رقم 1 من الصفحة السابقة.
3 ـ الذخيرة : 498.
4 ـ الوسائل 10 : 57 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13.
5 ـ المقنعة : 347 ، المبسوط 1 : 271 ، الخلاف 2 : 222 ، النهاية : 154.


(355)
القواعد والشرائع (1) ، وغيرهم من الجماعة (2).
    وفي الشرائع : أنّه قول مشهور (3). وأظهر منه في المسالك (4) ، وفي المدارك : أنّه قول الشيخين وأتباعهما (5). وفي الغنية والخلاف والوسيلة وشرح القواعد للمحقّق الثاني : أنّ عليه الإجماع (6).
    فإن تمّ وإلّا ففيه مناقشة لمخالفته الأصل ، مع عدم دليل واضح عليه من النصوص غير ما استدلّ به الشيخ في التهذيب من النصوص الدالّة على‏ لزوم الكفّارة بالبقاء على‏ الجنابة (7).
    وهي مع قصور سندها ـ بل ضعف أكثرها ، وظهور المعتبر منها سنداً في صورة تعمّد البقاء ـ لا إشعار فيها بهذا التفصيل جدّاً ، وحملها عليه ليس بأولى من حملها على‏ صورة تعمّد البقاء ، لو لم نقل أنّه ـ لموافقته الأصل ـ أولى‏.
    وإلى هذا يميل جملة من متأخّري المتأخّرين من أصحابنا (8) ، تبعاً
1 ـ الحلّي في السرائر 1 : 375 ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 571 ، القواعد : 65 ، الارشاد 1 : 296 ، الدروس 1 : 271 ، الروضة 2 : 90 ، جامع المقاصد 1 : 153.
2 ـ كصاحب الحدائق 13 : 121.
3 ـ الشرائع 1 : 192.
4 ـ المسالك 1 : 72.
5 ـ المدارك 6 : 89.
6 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 571 ، الخلاف 2 : 222 ، الوسيلة : 142 ، جامع المقاصد 1 : 153.
7 ـ التهذيب 4 : 212 / 616 و 617 و 618 ، الوسائل 10 : 63 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 16 ح 2 و 3 و 4.
8 ـ كصاحب المدارك 6 : 90 ن والسبزواري في الذخيرة : 499 ، وصاحب الحدائق 13 : 127.


(356)
للفاضلين في المعتبر والمنتهى‏ (1).
    ولكن الأول لعلّه أقوى للإجماعات المحكية ، المعتضدة بالشهرة الظاهرة ، بل المحكية أيضاً ، ومع ذلك فهو أحوط وأولى. ويحتمل التوقّف ، كما هو ظاهر المتن والشرائع والتحرير (2) وغيرها (3).

     [ الخامسة : يجب القضاء دون الكفّارة في الصوم الواجب المعيّن بسبعة أشياء ] :
     [ فعل المفطر ] مطلقاً (4) [ والفجر طالع ] حال كونه [ ظانّاً بقاء الليل ] كما في عبائر جماعة (5) ، أو شاكّاً كما في عبائر آخرين (6).
    وما هنا أولى‏ بالنسبة إلى‏ ثبوت القضاء لإطلاق النصّ أو اختصاصه به ، ويستلزم ثبوته معه ثبوته مع الشكّ بطريقٍ أولى‏.
    وأمّا بالنسبة إلى‏ عدم وجوب الكفّارة فما ذكره هؤلاء أولى‏ لعدم دليل على‏ ثبوتها مع فعله شاكّاً ، كما ربّما يفهم من العبارة إن اُرجع القيد فيها إلى‏ هذا الحكم ، بل مقتضى‏ الأصل ـ مع اختصاص ما دلّ على‏ وجوبها بما إذا تعمّد المفطر ـ العدم هنا. ولا وجه للتردّد في ثبوتها وعدمه أيضاً إن جُعِلَ هو المقصود من التقييد بالظنّ في العبارة.
1 ـ المعتبر 2 : 675 ، المنتهى 2 : 573.
2 ـ الشرائع 1 : 192 ، التحرير 1 : 79.
3 ـ كما في التنقيح الرائع 1 : 367 ، والمسالك 1 : 73 ، ومجمع الفائدة والبرهان 5 : 53.
4 ـ أي أكلاً كان أو شرباً أو غيرهما ( منه رحمه الله ).
5 ـ منهم : ابن حمزة في الوسيلة : 142 ، وصاحب المدارك 6 : 91 ، الفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 249.
6 ـ منهم : العلّامة في المنتهى 2 : 579 ، والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 5 : 88.


(357)
    وإنّما يجب القضاء إذا كان فعل المفطر [ مع القدرة على‏ مراعاته ] أي الفجر ، لا مطلقاً.
    فلو عجز عنها كما قد يتّفق للمحبوس والأعمى‏ فلا يجب القضاء ، بلا خلافٍ أجده للأصل ، مع اختصاص النصّ والفتوى‏ بحكم التبادر وغيره بصورة القدرة عليها ، كما لا يخفى‏ على‏ من تدبّرهما.
    [ وكذا ] يجب القضاء خاصّةً بفعله [ مع الإخلاد ] والركون [ إلى‏ ] إخبار [ المخبر ببقاء الليل ، مع القدرة على‏ المراعاة ، و ] الحال أنّ [ الفجر طالعٌ ] حين فعله المفطر.
    ولا فرق في المخبر بين كونه واحداً أو كثيراً ، كما يقتضيه إطلاق النصّ والفتوى‏ ، إلّا إذا كان عدلين ، فاستوجه ثاني المحقّقين وثاني الشهيدين (1) وغيرهما (2) سقوط القضاء حينئذ لكونهما حجّة شرعية.
    وزاد غيرهما ، فأحتمل الاكتفاء بالعدل (3) للأصل واختصاص الصحيح الوارد هنا بالجارية (4) ، وغيره (5) الوارد في غيره بغير مفروض المسألة (6).
    والأحوط الإطلاق ، كما عليه إطلاق عبائر باقي الأصحاب لتضمّن ذيل الصحيح ما يدلّ على‏ العموم ، وأنّ المسقط إنّما هو مراعاته له بنفسه.
    ولا ينافيه اختصاص السؤال في الصدر بالجارية فإنّ العبرة بعموم‏
1 ـ كما في جامع المقاصد 1 : 153 ، والمسالك 1 : 72.
2 ـ كصاحب المدارك 6 : 93.
3 ـ كالسبزواري في الذخيرة : 501.
4 ـ الكافي 4 : 97 / 3 ، الفقيه 2 : 83 / 368 ، التهذيب 4 : 269 / 813 ، الوسائل 10 : 118 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 46 ح 1.
5 ـ الوسائل 10 : 115 و 116 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 44 و 45.
6 ـ وهو تناول المفطر من غير اعتماد على ثقة ، بل مطلقا ( منه رحمه الله ).


(358)
الجواب لا خصوص السؤال ، فيخصّص به الأصل ، على‏ تقدير تسليم جريانه في محلّ البحث.
    وكذا يخصّص به عموم ما دلّ على‏ حجّية العدلين على‏ الإطلاق إن كان ، وإلّا فلم نقف عليه كذلك (1) ، فتأمّل.
     [ وكذا ] يجب القضاء خاصّة [ لو ترك قول المخبر بالفجر ، لظنّه كذبة ، ويكون صادقاً ] والحال في المخبر كما مضى.
    خلافاً للشهيدين ، والفاضل في التحرير والمنتهى‏ (2) ، وغيرهم (3) ، فاستقربوا وجوب الكفّارة بإخبار العدلين لما مرّ (4).
    وهو حسن إن تمّ ، وإلّا فالعدم أحسن للأصل السليم عمّا يصلح للمعارضة على‏ هذا التقدير (5).
    واعلم أنّه لا خلاف في الحكمين (6) في هذه الثلاثة غير ما مرّت إليه الإشارة ، بل على‏ الحكم الأول منهما الإجماع في الأولين في الغنية (7) ، ويجري في الثالث بطريقٍ أولى‏ ، وفي الأول منهما في صريح الانتصار والخلاف وظاهر المنتهى‏ (8) وغيرها (9) ، وفي الثالث في ظاهر المدارك‏
1 ـ أي على الاطلاق.
2 ـ الشهيد الاول في الدروس 1 : 273 ، الشهيد الثاني في المسالك 2 : 72 ، التحرير 1 : 80 ، المنتهى 2 : 578.
3 ـ كصاحبي المدارك 6 : 94 ، والمشارق : 407 ، والحدائق 13 : 97.
4 ـ من اًنّهما حجّة شرعية ( منه رحمه الله ).
5 ـ أي وجوب القضاء وعدم الكفارة ( منه رحمه الله ).
6 ـ وهو عدم تمامية كونهما حجة شرعية ( منه رحمه الله ).
7 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 517.
8 ـ الانتصار : 65 ، الاخلاف 2 : 174 ، المنتهى 2 : 577.
9 ـ انظر مجمع الفائدة 5 : 88.


(359)
والذخيرة (1) و غيرهما (2)
    والصحاح وغيرها به فيها (3) مستفيضة جدّاً.
    منها : عن رجلٍ تسحّر ثم خرج من بيته وقد طلع الفجر وتبيّن ، قال : « يتمّ صومه ذلك ثم ليقضه ، وإن تسحّر في غير شهر رمضان بعد الفجر أفطر » الخبر (4).
    ومنها : أمرتُ الجارية لتنظر إلى‏ الفجر ، فتقول : لم يطلع بعد ، فآكل ، ثم أنظر فأجده قد كان طلع حين نظرت ، قال : « فاقضه ، أما لو كنت أنت الذي نظرت لم يكن عليك شي‏ء » (5).
    ومنها : عن رجلٍ خرج في شهر رمضان وأصحابه يتسحّرون في بيت ، فنظر إلى‏ الفجر فناداهم : أنّه قد طلع الفجر ، فكفّ بعض وظنّ بعض أنّه يسخر ، فقال : « يتمّ صومه ويقضي » (6) ونحوه الرضوي (7).
    ومنها الموثّق : عن رجلٍ أكل أو شرب بعد ما طلع الفجر في شهر رمضان ، فقال : « إن قام فنظر فلم يرَ الفجر ، فأكل ، ثم عاد فرأى الفجر ، فليتمّ صومه ولا إعادة عليه ، وإن قام فأكل وشرب ثم نظر إلى‏ الفجر فرأى أنّه قد طلع الفجر فليتمّ صومه ويقضي يوماً آخر مكانه لأنّه بدأ بالأكل قبل‏
1 ـ المدارك 6 : 93 ، الذخيرة : 501.
2 ـ الحدائق 13 : 97.
3 ـ أي : بالقضاء في الثلاثة.
4 ـ الكافي 4 : 96 / 1 ، التهذيب 4 / 269 / 812 ، الاستبصار 2 : 116 / 379 ، الوسائل 10 : 115 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 44 ح 1 ، وص 116 ب 45 ح 1.
5 ـ المتقدم ذكر مصادرها في ص : 357.
6 ـ الكافي 4 : 97 / 4 ، الفقيه 2 : 83 / 367 ، التهذيب 4 : 270 / 814 ، الوسائل 10 : 118 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 47 ح 1.
7 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : المستدرك 7 : 347 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32 ح 1.


(360)
النظر ، فعليه الإعادة » (1).
    ويستفاد منه ومن الصحيح الثاني عدم وجوب القضاء مع مراعاته الفجر بنفسه ، ولا خلاف فيه أيضاً ، بل عليه الإجماع في صريح الإنتصار وظاهر المنتهى‏ (2) وغيرهما (3).
    وهل يختصّ هذا الحكم (4) برمضان ، أم يعمّه والواجب المعيّن ؟ وجهان.
    من اختصاص الموثّق برمضان ، وإطلاق الصحيح الأول بلزوم الإفطار في التناول عند الفجر في غير رمضان. ونحوه الخبر : عن رجلٍ شرب بعد ما طلع الفجر وهو لا يعلم في شهر رمضان ، قال : « يصوم يومه ذلك ويقضي يوماً آخر ، وإن كان قضاءً لرمضان في شوال أو غيره فشرب بعد الفجر فليفطر يومه ذلك ويقضي » (5).
    وفي الحسن كالموثّق : يكون عليّ اليوم واليومان من شهر رمضان فأتسحّر مصبحاً ، أُفطر ذلك اليوم وأقضي مكان ذلك يوماً آخر ، أو أُتمّ على‏ صوم ذلك اليوم وأقضي يوماً آخر ؟ فقال : « لا ، بل تفطر ذلك اليوم ، لأنّك أكلت مصبحاً ، وتقضي يوماً آخر » (6).
    ومن إطلاق قوله عليه السلام فيما مرّ من الصحيح : لو كنت أنت الذي‏
1 ـ الكافي 4 : 96 / 2 ، الفقيه 2 : 82 / 366 ، التهذيب 4 : 269 / 811 ، الاستبصار 2 : 116 / 378 ، الوسائل 10 : 115 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 44 ح 3.
2 ـ الانتصار : 65 ، المنتهى 2 : 577.
3 ـ كما في المدارك 6 : 91.
4 ـ أي عدم وجوب القضاء مع المراعاة ( منه رحمه الله ).
5 ـ الكافي 4 : 97 / 6 ، الوسائل 10 : 117 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 45 ح 3.
6 ـ الكافي 4 : 97 / 5 ، الوسائل 10 : 117 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 45 ح 2.
رياض المسائل الجزء الخامس ::: فهرس