رياض المسائل الجزء الخامس ::: 361 ـ 375
(361)
نظرت لم يكن عليك شي‏ء ».
    بل عمومه الناشئ عن ترك الاستفصال ، الشامل لما نحن فيه ، بل ولغيره ، المعتضد في محلّ البحث بعدم معلومية الفساد ، لعدم معلومية حصول الإفطار الشرعي بمثله وإن فسد الصوم اللغوي والعرفي ، لعدم التلازم بينه وبين الفساد الشرعي ، فكم من صوم شرعي ليس بصوم لغوي ولا عرفي وبالعكس ، كما إذا تناول ناسياً ، فإنّه ليس بصوم لغوي ولا عرفي قطعاً ، مع أنّه صوم شرعي إجماعاً.
    فلعلّ ما نحن فيه من قبيله وإن لم نقطع به. فإذا لم يثبت الفساد شرعاً وجب عليه إمساكه تحصيلاً لامتثال الأمر القطعي بصومه.
    ولا يجب القضاء لكونه بفرض جديد ، ولم يثبت إلّا بدليل مفقود فيما نحن فيه وأمثاله ، ممّا يكون المكلّف فيه غير مقصّر في إفطاره بوجهٍ لاجتهاده ، فيكون كالناسي.
    فيبعد غاية البعد شمول ما دلّ على‏ القضاء بتناول المفطرات لمثله ، سيّما مع اختصاصه بصوم رمضان ، فلا يعمّ ما نحن فيه.
    وهذا الأصل يختصّ بالواجب المعيّن لأنّه الذي يفرض فيه القضاء المتوقّف على‏ أمر جديد منفيّ فيما نحن فيه.
    ولا كذلك الواجب المطلق لأنّ أمره ـ لعدم توقيته بوقت ـ باق ، فلا بدّ من اخرج من عهدته ، ولا يحصل بمثل هذا الصوم المشكوك في صحّته وفساده.
    ومن هنا يظهر الحكم في المندوب بقسميه (1).
    وهذا الوجه (2) لعلّه أقوى ، وفاقاً لجماعة من متأخّري متأخّري‏
1 ـ أي المطلق والمعَّين ( منه رحمه الله ).
2 ـ أي شمول الحكم ـ بعدم وجوب القضاء مع المراعاة ـ للواجب المعيّن أيضاً.


(362)
أصحابنا (1).
    ويذبّ عن اختصاص الموثّق برمضان بعدم معارضته لعموم الدليل بعد وجوده.
    وعن إطلاق الصحيح وتاليه ـ مع ضعف سنده ـ باختصاصه بحكم التبادر ـ الموجب عن ملاحظة سياقهما ـ بما إذا لم يراع ، فلا يعارض عموم الصحيح المذكور في الوجه الثاني ، المعتضد بالأصل الماضي (2).
    ولا يعارضه الحسن بعدهما لقصور سنده وإن اعتُبِر ، مع وروده ـ كالخبر التالي ـ في قضاء رمضان.
    و هل يجوز فعل المفطر مع الشكّ في دخول الفجر ؟
    قال في الخلاف (3) : لا. وربّما تشير اليه نصوص القضاء ، مضافاً إلى‏ تعلّق الأمر بإمساك النهار ، الذي هو اسم لما هو نهار واقعاً ، فيجب ولو من باب المقدّمة.
    وهذا الدليل جارٍ فيما إذا حصل له الظنّ بالبقاء لعدم اعتبارٍ به في نحو ما نحن فيه (4).
    لكن في المدارك : لا خلاف في جواز فعل المفطر مع الظنّ الحاصل من استصحاب بقاء الليل ، بل مع الشكّ في طلوع الفجر (5).
    ويعضده ـ مضافاً إلى‏ الأصل (6) ـ ظاهر الآية الكريمة : ( حَتَّى يَتَبَيَّن
1 ـ كصاحبي المدارك 6 : 93 ، الذخيرة : 501.
2 ـ وهو عدم وجوب القضاء ووجوب صوم ذالك اليوم ؛ تحصيلاً لبراءة اليقينية من أمره ( منه رحمه الله ).
3 ـ الخلاف 2 : 174.
4 ـ أي مما هو من موضاعات ( منه رحمه الله ).
5 ـ المدارك 6 : 91.
6 ـ أي أصالة أباحة الفعل ( منه رحمه الله ).


(363)
لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ ) (1).
    والموثّق : عن رجلين قاما فنظرا إلى‏ الفجر فقال أحدهما : هوذا ، وقال الآخر : ما أرى‏ شيئاً ، قال : « فليأكل الذي لم يستبن له الفجر ، وقد حرم على‏ الذي زعم أنّه رأى الفجر ، إنّ اللَّه عزّ وجلّ يقول : ( كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ ) الآية » (2).
    وهذا أقوى ، وفاقاً لشيخنا الشهيد الثاني أيضاً (3).
    ودلالة لزوم القضاء على‏ منع الفعل ضعيف جدّاً لعدم التلازم بينهما.
    وعليه فهل يكفي في وجوب الكفّ حصول الظنّ بالفجر ، أم لا بدّ من حصول القطع به ؟
    الأوجه : الثاني لأنّ الظنّ في الموضوعات لا عبرة به.
    ولو تناول حينئذٍ (4) فصادف الفجر ، فهل يجب القضاء به ، أم لا ؟
    يحتمل الثاني للأصل ، والشكّ في انصراف ما دلّ على‏ وجوبه إلى‏ نحو ما نحن فيه ، بعد وقوع الفعل برخصةٍ من الشارع وأمره.
    ويحتمل الأول لإطلاق ما دلّ على‏ القضاء بتناول المفطر وفعله ، مع عدم معلومية صلوح الشكّ بالمسبّب المذكور مقيّداً له.
    ولعلّ هذا أقرب ، سيّما مع تأيّده بما دلّ على‏ وجوبه مع الظنّ ببقاء الليل ، وعدم خروجه بإخبار المختبر مضافاً إلى‏ استصحاب بقائه.
1 ـ البقرة : 187.
2 ـ الكافي 4 : 97 / 7 ، الفقيه 2 : 82 / 365 ، التهذيب 4 : 317 / 967 ، الوسائل 10 : 119 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 48 ح 1.
3 ـ كما في المسالك 1 : 72.
4 ـ اي مع الظّن بالفجر ( منه رجمه الله ).


(364)
     [ وكذا ] يجب القضاء خاصّةً [ لو أخلد إليه ] أي إلى‏ المخبر [ في دخول الليل فأفطر ، وبان كذبه ، مع القدرة على‏ المراعاة ].
    بلا خلاف ، إلّا من السيّد في المدارك ، فاستشكل في إطلاق الحكمين ، وخصّ وجوب القضاء بما إذا لم يَجُز للمفطر الإخلاد إليه ، وإلّا فلم يجب أيضاً ، وعدمَ وجوب الكفّارة بما إذا جاز ، وإلّا وجبت أيضاً (1).
    ولا مخالفة له مع الأصحاب في الأول ، إلّا مع فرض وجود مخبرٍ يجوز الإخلاد إليه في الإفطار ، ولم يذكره الأصحاب ، بل مقتضى‏ أُصولهم العدم ، إلّا إذا كان المخبر عدلين.
    ومَنْ جوّز الإخلاد إليهما ـ كالمحقّق الثاني (2) ـ صرّح بما ذكره من انتفاء القضاء. ومَنْ لا ، فلا وجه للتخصص عنده ، بل يجب عنده القضاء مطلقاً.
    وتدلّ عليه ـ مضافةً إلى‏ إطلاق ما دلّ على‏ وجوبه بتناول المفطر وفعله ـ فحوى ما دلّ على‏ وجوبه مع الإخلاد إليه في طلوع الفجر ، فإنّه مع جواز المفطر يظنّ استصحاب بقاء الليل ـ كما قلنا ـ إذا وجب القضاء ، فلئن يجب مع عدم جوازه بظنّ استصحاب بقاء النهار بطريقٍ أولى‏.
    وفي الغنية والخلاف : الإجماع على‏ وجوبه خاصّةً هنا إذا أفطر شاكّاً (3).
    وإذا أُريد بالشكّ في عبارتهما ما قابل اليقين ـ كما هو معناه لغةً ، ويفهم من كثيرٍ من الأخبار الواردة في بحث الشكوك في الصلاة ، بل‏
1 ـ المدارك 6 : 94.
2 ـ انظر جامع المقاصد 1 : 153.
3 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 571 ، الخلاف 2 : 175.


(365)
وفتاوى‏ القدماء ـ دلّ على‏ وجوبه مع الظنّ أيضاً ، فإنّه أحد أفراده ، ولا فرق فيه بين المستفاد من خبر العدلين وغيرهما ، كما هو مقتضى‏ إطلاق الفتاوى‏ هنا أيضاً من غير خلاف إلّا ممّن قدّمنا.
    ويمكن أن يكون التخصيص (1) لإخراج نحو الأعمى‏ ممّن لا يتمكّن مع المراعاة ـ لعدم وجوب القضاء عليه ، كما يأتي ـ بناءً على‏ أنّ عبارة الشرائع مطلقة بالنسبة إليه أيضاً ، حيث لم يقيّد فيها بصورة القدرة على‏ المراعاة (2).
    فمراده بالإطلاق هذا ، فهو المخصَّص ، لا إطلاق ما هنا (3) لعدم فردٍ له يمكن إخراجه ، حتّى العدلين عند السيّد ، لتصريحه بانتفاء ما يدلّ على‏ جواز التعويل عليهما على‏ وجه العموم ، خصوصاً في موضعٍ يجب فيه تحصيل اليقين كما هنا (4).
    وحينئذٍ فإشكاله متوجّه ، إلّا أنّ دخول نحو الأعمى‏ في إطلاق عباراتهم غير معلوم ، ولا سيّما عبارة الشرائع ، كما لا يخفى‏ على‏ مَن تدبّرها ، بل الظاهر المتبادر منها : مَن لا يسوغ له التقليد خاصّة. ولا مخالفة له على‏ هذا التقدر أيضاً.
    ولا في الثاني (5) ، إلّا على‏ تقدير وجود دليلٍ يدلّ على‏ وجوب‏
1 ـ أي : تخصيص صاحب المدارك وجوب القضاء بما اِذا لم يجز للمفطر الإخلاد اِلى المخبر.
2 ـ الشرائع 1 : 192.
3 ـ أي : مراد المدارك بالاطلاق الذي استشكل فيه ، اِطلاق الشرائع لا اِطلاق النافع.
4 ـ المدارك 6 : 95.
5 ـ عطف على قوله : من الأول ـ راجع ص 364 ـ أي : ولا مخالفة لصاحب المدارك مع الأصحاب في التخصيص الثاني.


(366)
الكفّارة بمطلق الإفطار من غير إذنٍ شرعي.
    ولم نجده كذلك لاختصاص ما دلّ عليه من الفتوى‏ والنصوص مع كثرتها ـ بحكم التبادر وغيره ـ بما إذا أفطر عامداً متعمّداً عالماً بكون الزمان الذي أفطر فيه نهاراً.
    وما نحن فيه لا ريب في عدم تبادره منها عند الإطلاق جدّاً ، واللازم حينئذٍ الرجوع في غير المتبادر (1) إلى‏ مقتضى‏ الأصل ، وهو العدم كما ذكره الأصحاب ، وقد صرّح السيّد بذلك في غير باب.
    ولعلّه إلى‏ هذا نظر صاحب الذخيرة في اعتراضه على‏ السيّد ـ بعد نقل تفصيله ـ بقوله : وفيه تأمّل ، فإنّ مقتضى‏ كون المفطر ممّن لا يسوغ له التقليد ترتّب الإثم على‏ الإفطار لا القضاء والكفّارة.
    ثم قال : ولا يبعد أن يقال : إن حصل الظنّ بإخبار المخبر اتّجه سقوط القضاء والكفّارة لصحيحة زرارة المذكورة في المسألة الآتية (2) ، ولا يبعد انتفاء الإثم أيضاً.
    وإلّا فالظاهر ترتّب الإثم لقوله تعالى : ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) فإنّ مقتضاها وجوب تحصيل العلم أو الظنّ بالامتثال ، وهو منتفٍ في الفرض المذكور.
    وأمّا وجوب القضاء ففيه تأمّل لعدم دليلِ دالّ عليه ، وعدم الاستلزام بين حصول الإثم ووجوب القضاء (3). انتهى‏.
    وهو حسن ، إلّا أنّ ما ذكره من سقوط القضاء بالظنّ الحاصل من‏
1 ـ أي الافطار اِلى المخبر مع عدم الجواز ( منه رحمه الله ).
2 ـ في ص : 371.
3 ـ الذخيرة : 502.


(367)
الخبر ـ بدعوى‏ دلالة الصحيحة عليه ـ محلّ نظر ، وجهه سيذكر.
    وكذا ما ذكره من عدم دليلٍ دالّ على‏ القضاء في صورة الشكّ لأنّك قد عرفت الدليل الدالّ عليه هنا فيما مضى (1).
    واحترز بالقدرة على‏ المراعاة عمّن تناول كذلك (2) مع عدم إمكانها لغيم أو حبس أو عمى‏ ، حيث لا يجد من يقلّده ، فإنّه لا يقضي.
    وهو كذلك ، لا لما قيل من أنّ المرء متعبّد بظنّه (3) إذ لم أقف على‏ دليل عليه على‏ إطلاقه.
    بل للأصل ، وعدم دليل على‏ وجوب القضاء حينئذٍ لاختصاص ما دلّ عليه من الأولوية ونحوها بما إذا أفطر قادراً على‏ المراعاة ، لا مطلقاً.
    والشكّ في عبارتي الخلاف والغنية (4) ليس نصّاً في المعنى‏ الأعم.
    فيحتمل الأخصّ ، الذي ليس منه محلّ الفرض لحصول الظنّ بإخبار الغير غالباً. ولو فرض العدم اتّجه الوجوب لعموم الإجماع المنقول.
    هذا ، ويؤيّد عدم وجوب القضاء في أصل الفرض (5) ما سيأتي من النصوص في المسألة الآتية (6).
    ويفهم من العبارة ونحوها انتفاء القضاء إذا راعى. ولا ريب فيه مع اليقين بدخول الليل ، ومع الظنّ به إشكال. ومقتضى الأصل الانتفاء إذا جاز الاعتماد عليه شرعاً ، وإلّا فالثبوت أقوى ، عملاً بعموم ما دلّ على‏ إيجاب‏
1 ـ من الفحوى والاجماعين المحكيين ( راجع ص 364 ) ( منه رحمه الله ).
2 ـ أي اِخلاداً إلى المخبر ( منه رحمه الله ).
3 ـ اًنطر المسالك 1 : 72 ، الروضة 2 : 93.
4 ـ راجع ص : 364.
5 ـ وهو الإفطار مع الإخلاد مع عدم القدرة على المراعاة ( منه رحمه الله ).
6 ـ انظر ص : 371.


(368)
فعل المفطرات القضاء.
    ويحتمل وجوب الكفّارة أيضاً هنا وفي ما مضى ، كما ذكره في المدارك وفاقاً لجدّه (1).
    إمّا لصدق التعمّد عليه حقيقةً كما ذكراه ، أو لعموم بعض النصوص الصحيحة بوجوبها بفعل المفطر مطلقاً (2) ، من غير تقييدٍ بالتعمّد ، وإنّما هو في أكثر أخبارها في كلام الرواة خاصّة ، فلا يصلح مقيّداً لما أُطلق من أخبارها.
    وحينئذٍ فالأصل وجوبها مطلقاً ، إلّا ما قام الدليل على‏ العدم فيه ، وليس منه ما نحن فيه.
    وبعض الأخبار الدالّة على‏ اشتراط التعمّد بالنسبة إليها بل والقضاء أيضاً (3) ضعيفة السند ، بل والدلالة ، كما بيّنته في محلٍّ أليق به وأحرى (4).
    اللّهُمَّ إلّا أن يقال بالاتّفاق على‏ التقييد بالعمد فيها.
    وفيه : أنّه لا يتمّ في محلّ النزاع.
    وكيف كان لا ريب أنّها أحوط وأولى.
    هذا هو الأمر الرابع.
    وأمّا الخامس : فهو ما أشار إليه بقوله [ والإفطار للظلمة الموهمة دخول الليل ].
    بلا خلاف ولا إشكال في وجوب القضاء ، إن أُريد بالوهم معناه‏
1 ـ المدارك 6 : 94 ، المسالك 1 : 72.
2 ـ انظر الوسائل 10 : 44 ، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8.
3 ـ الوسائل 10 : 49 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 11.
4 ـ في حاشيتي على الحدائق في بحث سقوط القضاء والكفارة عن المفطر جاهلاً ( منه رحمه الله ).


(369)
المعروف ـ وهو الطرف المرجوح ـ أو الشكّ ، المقابلان للظنّ ، وانكشف فساد الوهم وبقاء النهار.
    لعموم ما دلّ على‏ وجوبه بفعل أحد موجباته ، مضافاً إلى‏ ما مرّ من إجماع الغنية والخلاف على‏ وجوبه مع الشكّ (1) ، فمع الوهم بالمعنى الأول أولى‏.
    ويشكل الحكم بعدم وجوب الكفّارة حينئذٍ ، بل قطع جماعة من متأخّري الأصحاب بوجوبها (2) ، تبعاً للحلّي (3).
    ولعلّه الأقوى‏ عملاً بعموم ما دلّ على‏ وجوبها ، إلّا ما أخرجه النصّ والفتوى‏ اتّفاقاً ، وليس منه ما نحن فيه جدّاً.
    خلافاً للمختلف ، فخطّأ الحلّي في ذلك ، وقال : إنّه كلام من لا يحقّق شيئاً (4).
    ولم أعرف له وجهاً.
    نعم ، لو تبيّن دخول الليل كان ما ذكره حقّا ، كما لو استمرّ الاشتباه على‏ الأقوى‏ ، وفاقاً للمنتهى‏ (5) للأصل ، واختصاص ما دلّ على‏ القضاء بتناول المفطر بصورة العلم بوقوعه نهاراً.
    وإن أُريد بالوهم الظنّ ، بناءً على‏ أنّه أحد معانيه أيضاً ، وربّما تومئ اليه المقابلة له بقوله : [ ولو غلب على‏ ظنّه دخول الليل لم يقض ].
1 ـ في ص : 364.
2 ـ منهم : المحقق الثاني في جامع المقاصد : 65 ، والشهيد الثاني في الروضة 2 : 94 ، وصاحب المدارك 6 : 97.
3 ـ السرائر 1 : 374.
4 ـ المختلف : 224.
5 ـ المنتهى 2 : 578.


(370)
    كان وجوب القضاء محلّ إشكال لاختلاف الأصحاب فيه على‏ قولين بل أقوال بعد اتّفاقهم على‏ عدم وجوب الكفّارة على‏ الظاهر ، المصرّح به في الروضة ، وإن احتمل فيها وجوبها مع ظهور الخطأ ، بل مع استمرار الاشتباه أيضاً (1). ولكنّه نادر جدّاً.
    فالمشهور بين القدماء بل مطلقاً ، كما في المختلف والدروس (2) وجوبه مطلقاً ، ومنهم : المفيد ، والشيخ في المبسوط ، والمرتضى‏ ، والحلبي ، والديلمي ، وغيرهم (3) ، وهو صريح الفاضلين في المعتبر والتحرير والمنتهى‏ (4) ، ويميل الفاضل إليه في المختلف (5).
    لعموم ما دلّ على‏ وجوبه بفعل أحد أسبابه ، وللصحيح أو الموثّق : في قومٍ صاموا شهر رمضان ، فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشمس ، فرأوا أنّه الليل ، فأفطر بعضهم ، ثم إنّ السحاب انجلى‏ فاذا الشمس ، فقال : « على‏ الذي أفطر صيام ذلك اليوم ، إنّ اللَّه عزّ وجلّ يقول : ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) فمن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه لأنّه أكل متعمّداً » (6).
    خلافاً للشيخ في النهاية ، والصدوق ، والقاضي فيما حكي ، والفاضل‏
1 ـ الروضة 2 : 94.
2 ـ المختلف : 224 ، الدروس 1 : 273.
3 ـ المفيد في المقنعة : 357 ، المبسوط 1 : 271 ، نقله عن المرتضى في المختلف : 224 ، الحلبي في الكافي في الفقه : 183 : الديلمي في المراسم : 98 ؛ وحكاه عن ابن أبي عقيل في المختلف : 224.
4 ـ المعتبر 2 : 677 ، التحرير 1 : 80 ، المنتهى 2 : 578.
5 ـ المختلف : 224.
6 ـ الكافي 4 : 100 / 2 ، التهذيب 4 : 270 / 815 ، الاستبصار 2 : 115 / 377 ، الوسائل 10 : 121 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 50 ح 1.


(371)
في الإرشاد والقواعد (1) ، وجماعة من متأخّري المتأخّرين (2).
    للنصوص المستفيضة ، منها الصحيح : « وقت المغرب إذا غاب القرص ، فإن رأيته بعد ذلك وقد صلّيت أعدت الصلاة ومضى‏ صومك ، وتكفّ عن الطعام إن كنت أصبت منه شيئاً » (3) ونحوه الخبر (4).
    ومنها الصحيح أيضاً ـ على‏ الظاهر ، كما قيل (5) ـ : عن رجلٍ صام ثم ظنّ أنّ الشمس قد غابت وفي السماء علّة فأفطر ، ثم إنّ السحاب قد انجلى‏ فاذا الشمس لم تغب ، فقال : « قد تمّ صومه ولا يقضيه » (6) ونحوه الخبر (7).
    ومنها الموثّق كالصحيح ـ بل الصحيح كما قيل (8) ـ : في رجل ظنّ أنّ الشمس قد غابت فأفطر ، ثم أبصر الشمس بعد ذلك ، قال : « ليس عليه قضاء » (9).
1 ـ النهاية : 155 ، الصدوق في الفقيه 2 : 75 ، القاضي في المهذّب 1 : 192 ، الارشاد 1 : 297 ، القواعد : 64.
2 ـ كصاحبي المدارك 6 : 95 ، والذخيرة : 502.
3 ـ الفقيه 2 : 75 / 327 ، التهذيب 4 : 271/ 818 ، الاستبصار 2 : 115 / 376 ، الوسائل 10 : 122 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 51 ح 1.
4 ـ الكافي 3 : 279 / 5 ، التهذيب 2 : 261 / 1039 ، الوسائل 10 : 122 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 51 ح 1.
5 ـ انظر روضة المتقين 3 : 333.
6 ـ الفقيه 2 : 75 / 326 ، التهذيب 4 : 270 / 816 الاستبصار 2 : 115 / 374 ، الوسائل 10 : 123 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 51 ح 3 ، وفي الجميع : غيم بدل علة.
7 ـ الفقيه 2 : 75 / 328 ، التهذيب 4 : 271 / 817 ، الاستبصار 2 : 115 / 375 ، الوسائل 10 : 123 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 51 ح 4.
8 ـ انظر المدارك 6 : 95.
9 ـ التهذيب 4 : 318 / 968 ، الوسائل 10 : 123 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 51 ح 2.


(372)
    وهذه النصوص ـ مع استفاضتها ، وصراحة ما عدا الصحيحة الأُولى‏ منها وظهورها أيضاً ، واعتبار أسانيد أكثرها وإن سلّمنا عدم صحّتها ـ لا معارض لها عدا الإطلاقات ، واللازم على‏ تقدير انصرافها إلى‏ محلّ البحث تقييدها بهذه لأخصّيتها بالإضافة إليها.
    والصحيح المتقدّم سنداً للقدماء ـ وهو بعد الإغماض عن سنده ـ غير واضح الدلالة على‏ مطلوبهم إذ ليس فيه إلّا الأمر بصيام ذلك اليوم ، والمراد به إتمامه ، دفعاً لتوهّم أنّ الإفطار في الأثناء يبيحه في الباقي.
    ولا ينافيه الاستدلال بالآية الكريمة ، بل يؤكّده لدلالتها على‏ وجوب الإمساك إلى‏ الليل مطلقاً ، أكل في الأثناء أم لا. وكذا قوله تفريعاً عليها : « فمن أكل » إلى‏ آخره.
    بل قوله في تعليل القضاء بأنّه « أكل متعمّداً » يؤكّد إرادة ما ذكرناه ، وإلّا فالأكل بظنّ الغروب ليس أكلًا متعمّداً ، كما لا يخفى‏.
    ولئن تنزلّنا ، فلا أقلّ من احتمال ما ذكرناه احتمالاً متساوياً ، فتكون به الرواية مجملةً لا تصلح للحجّية ، فضلاً عن أن تُعارَض بها تلك الأخبار المستفيضة ، التي في الدلالة هي ما بين صريحة وظاهرة.
    مع أنّها موافقة لما عليه الجمهور ، كما صرّح به في المنتهى‏ (1) ، فينبغي حملها على‏ التقيّة وإن سلمت عمّا قدّمناه من وجوه المناقشة.
    فهذا القول في غاية القوّة ، سيّما مع اعتضاده بأصالة البراءة.
    وإن كان الأول أحوط للشهرة العظيمة القريبة من الإجماع من القدماء لولا مخالفة الصدوق ، لرجوع الشيخ في المبسوط عمّا في النهاية ، وعدم معلومية مذهب القاضي في المسألة لاختصاص عبارته المنقولة في‏
1 ـ المنتهى 2 : 578.

(373)
المختلف بصورة الشكّ ، كعبارتي الخلاف والغنية (1).
    ويحتمل إرادتهم منهم معناه المعروف لغةً ، المقابل لليقين ، الشامل للظنّ أيضاً ، فتكون فتواهم فيه الحكم بوجوب القضاء مع دعوى الإجماع عليه ، كما مضى.
    وأمّا الفاضل ، فهو وإن اختار الثاني فيما مرّ من كتبه ، لكنّه في المختلف ـ الذي هو آخر مؤلّفاته ـ قد رجع عنه ومال إلى‏ الأول (2).
    فيمكن ترجيح الإطلاقات على‏ ما قابلها من النصوص لقطعيّتها وشذوذه على‏ ما فرضنا ، سيّما مع قصور سند أكثره عن الصحّة ، وعدم صراحة دلالة الصحيحة بما ذكره في المختلف ، من أنّ مضيّ الصوم لا يستلزم عدم القضاء (3).
    أقول : مع أنّها بإطلاقها شاذّة لا عامل بها لشمولها لصور الوهم والشكّ والظنّ ، مع العجز من تحصيل العلم بالمراعاة وعدمه. ولا قائل بها في الأُوليين منها قطعاً ، وكذا في الأخيرة مع إمكان العلم.
    خلافاً لصاحب الذخيرة فيها ، فظاهره عدم وجوب القضاء (4) لإطلاق هذه الصحيحة ، بل جملة نصوص المسألة.
    وفيه : أنّ سياق ما عداها ظاهر في الاختصاص بصورة عدم الإمكان كما لا يخفى‏. وأمّا هي فيمكن تخصيصها بهذه الصورة ، توفيقاً بينها وبين الأُصول المقتضية لاعتبار تحصيل العلم بدخول الليل ، المؤيّدة بجملة من‏
1 ـ المتقدمين في ص : 364.
2 ـ المختلف : 224.
3 ـ المختلف : 224.
4 ـ الذخيرة : 502.


(374)
النصوص الدالة على‏ لزوم مراعاة الوقت بالنظر إلى‏ القرص أو الحمرة (1) ، مع دلالة بعضها ـ كما قيل (2) ـ على‏ أنّه مع عدم العذر لا بدّ في الحكم بدخول الوقت من العلم بغيبوبة القرص أو زوال الحمرة.
    هذا ، وما أبعد ما بين هذا وبين ما يستفاد من كلام المفيد المحكي في المختلف في المسألة ، من عدم جواز التعويل على‏ الظنّ مع الضرورة ، ولزوم التأخير إلى‏ تيقّن الوقت ، تحصيلاً للبراءة اليقينية (3).
    ولا ريب أنّ هذا أوفق بالأُصول ، بل يتعيّن العمل عليه ، لولا فحوى ما دلّ على‏ جواز التعويل على‏ الظنّ بدخول الوقت في الصلاة (4) ، فهنا أولى‏ ، أمّا معها فلا.
    سيّما وفي المدارك : لا خلاف بين علمائنا ظاهراً في جواز الإفطار عند ظنّ الغروب إذا لم يكن للظانّ طريق إلى‏ العلم (5) وقريب منه عبارة الفاضل في المختلف (6).
    لكن قد عرفت خلاف المفيد ، مع أنّه يتوجّه عليه ما في الذخيرة
1 ـ الوسائل 10 : 124 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 52.
2 ـ الحدائق 13 : 102.
3 ـ المختلف : 224.
4 ـ كالروايات الدالّه على التعويل في دخول الوقت على صياح الديك وأذان الثقة. انظر الوسائل 4 : 170 ب 14 أبواب المواقيت ، وج 5 : 378 ب 3 أبواب الأذان والإقامة.
5 ـ المدارك 6 : 95.
6 ـ حيث قال في جملة كلام له ( ص : 224 ) : وقول الشيخ : أنّه مكلّف بالظّن ، قلنا : ما لم يظهر الكذب فيه ، ولهذا لو ظّن الطهارة لوجبت عليه الصلاة ، فلو انكشف فساد ظنّه وجبت عليه الإعادة ، وهو كثير النظائر. فعلم أنّ مطلق الظن غير كاف في السقوط ؛ بل ما لم يظهر فساده. انتهى. وهو كما ترى ظاهر في أنه لاخلاف ولااِشكال في جواز الاعتماد على الظن والإ لمنعه ولو جدلاً ، فتأمّل جداً. ( منه رحمه الله ).


(375)
من أنّ ما ذكره من نفي الخلاف غير واضح ، فإنّ أكثر عباراتهم خالٍ عن التصريح ، وقال المصنّف في التذكرة : الأحوط للصائم الإمساك عن الإفطار حتّى تيقّن الغروب لأصالة بقاء النهار ، فيستصحب إلى‏ تيقّن خلافه. ولو اجتهد وغلب على‏ ظنّه دخول الليل فالأقرب جواز الأكل وظاهره وجود الخلاف في الحكم المذكور ، وما قربه متّجه ، لصحيحة زرارة (1).
    أقول : وممّن ظاهره المخالفة ، وعدم جواز التعويل على‏ الظنّ : الحلّي في السرائر ، لكن في الظنّ غير القوي ، كما يستفاد من عبارته ، حيث أوجب فيها القضاء مع الظنّ ونفاه مع غلبته ، معلّلاً الثاني بصيرورة تكليفه في عبادته غلبة ظنّه (2).
    وهو ظاهر ـ بل صريح ـ في أنّ تكليفه مع الظنّ غير الغالب الصبر وعدم جواز الاعتماد عليه.
    وما ذكره الحلّي ـ من هذا التفصيل في أصل المسألة ـ غير واضح المأخذ والحجّة ، بل إطلاق النصوص المتقدّمة يدفعه. مع أنّ مراتب الظنّ غير منضبطة إذ ما من ظنٍّ إلّا وفوقه أقوى ودونه أدنى‏ ، لاختلاف الأمارات الموجبة له ، فالوقوف على‏ أول جزء من مراتبه لا يكاد يتحقّق ، بل ولا على‏ ما فوقه. وبذلك ردّه من المتأخّرين جماعة (3).
    وقد تلخص ممّا ذكرنا أنّ الأقوال في المسألة ثلاثة : وجوب القضاء مطلقاً ، وعدمه كذلك ، والتفصيل بين ضعيف الظنّ فالأول ، وقويّه فالثاني ، وخيرها : أوسطها ، لولا ما قدّمناه ، وأحوطها : أولها قطعاً.
1 ـ الذخيرة : 502 ، وتقدّمت صحيحة زرارة في ص 371.
2 ـ السرائر 1 : 377.
3 ـ كالشهيد الثاني في المسالك 1 : 72 ، وصاحب المدارك 6 : 97.
رياض المسائل الجزء الخامس ::: فهرس