رياض المسائل الجزء الخامس ::: 376 ـ 390
(376)
     [ و ] السادس : [ تعمّد القي‏ء ] مع عدم رجوع شي‏ء إلى‏ حلقه اختياراً [ وإن ذَرَعَه (1) لم يقض ].
    بلا خلافٍ في الثاني ، إلّا من الإسكافي ، فيقضي من المحرّم ، ويكفّر أيضاً لو استكره (2).
    وهو ـ مع ندوره ، ومخالفته لما يأتي من النصوص ـ دليله غير واضح ، وفي صريح المنتهى‏ وغيره : الإجماع على‏ خلافه (3).
    وعلى‏ الأظهر الأشهر في الأول ، بل عليه عامّة من تأخّر ، وفي صريح الخلاف ومحتمل الغنية ـ بل ظاهره وظاهر المنتهى ‏ ـ : الإجماع عليه (4).
    وهو الحجّة ، مضافاً إلى‏ الأصل في الجملة ، والمعتبرة المستفيضة :
    منها : الصحيح المروي بطريقين كذلك : « إذا تقيّأ الصائم فقد أفطر ، وإن ذرعه من غير أن يتقيّأ فليتمّ صومه » (5).
    والصحيح المروي عن كتاب علي بن جعفر : « إن كان تقيّأ متعمّداً فعليه قضاؤه ، وإن لم يكن تعمّد ذلك فليس عليه شي‏ء » (6).
    والموثّق : « إن كان شي‏ء يبدره فلا بأس ، وإن كان شي‏ء يكره نفسه‏
1 ـ ذَرّعه القيء : ـ سّبَقَّه وغلبه ـ الصحاح 3 : 1210.
2 ـ حكاه عنه في المختلف : 222 ؛ والمحكي عنه في الجواهر 16 : 289 : « استكثر » بدل « استكره ».
3 ـ المنتهى 2 : 579 ، التذكرة 1 : 263.
4 ـ الخلاف 2 : 178 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 571 ، المنتهى 2 : 579.
5 ـ الكافي 4 : 108 / 2 ، التهذيب 4 : 264 / 790 ، الوسائل 10 : 86 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 1.
6 ـ مسائل على بن جعفر : 117 / 55 ، الوسائل 10 : 89 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 10.


(377)
عليه أفطر وعليه القضاء » (1).
    خلافاً للمرتضى‏ والحلّي ، فلا قضاء به وإن حرم (2) للأصل ، والصحيح الحاصر (3). ويخصّصان بما ذكر.
    وللصحيح ـ أو الموثّق كما قيل (4) ـ : « ثلاثة لا يفطرن الصائم : القي‏ء ، والاحتلام ، والحجامة » (5).
    وليس فيه تصريح بالتعمّد ، فيقيد بغيره جمعاً ، حَملَ المطلق على‏ المقيّد. وهو أولى‏ من حمل تلك الأدلّة على‏ الاستحباب لرجحانه في حدّ ذاته على‏ الثاني ، مضافاً إلى‏ رجحانه في المسألة برجحان أدلّة القضاء بالكثرة والشهرة.
    مع أنّ الإجماع المنقول لا يقبل الحمل على‏ الاستحباب كبعض النصوص : « من تقيّأ متعمّداً وهو صائم فقد أفطر وعليه الإعادة ، فإن شاء اللَّه عذّبه ، وإن شاء غفر له » (6) ولا بأس بقصور السند أو ضعفه بعد العمل.
    ولبعض أصحابنا ـ في ما حكاه عنه المرتضى‏ ـ : أنّه يكفّر أيضاً (7).
1 ـ الفقيه 2 : 69 / 291 ، التهذيب 4 : 322 / 991 ، الوسائل 10 : 87 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 5.
2 ـ المرتضى في جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى 3 ) : 54 ، الحلي في السرائر 1 : 378.
3 ـ المتقدّم في ص : 308.
4 ـ العلّامة المجلسي في ملاذ الأخبار 7 : 46.
5 ـ التهذيب 4 : 260 / 775 ، الاستبصار 2 : 90 / 288 ، الوسائل 10 : 88 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 8.
6 ـ التهذيب 4 : 264 / 792 ، الوسائل 10 : 88 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 6.
7 ـ جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى 3 ) : 54.


(378)
    وهو غير معروف ، ومع ذلك مستنده غير واضح ، عدا تضمّن جملة من النصوص أنّه مفطر (1) ، فيدخل في عموم الأخبار الكثيرة : أنّ من تعمّده كان عليه الكفّارة (2).
    ويضعفه ـ بعد الأصل ، والإجماع على‏ خلافه على‏ الظاهر ـ أنّ تلك النصوص كما تضمّنت ذلك دلّت هي ـ كباقي الأخبار ـ على‏ عدم وجوبها ، من حيث تضمّنها جملةً وجوب القضاء خاصّة ، من غير إشارة إلى‏ الكفّارة ، مع أنّها واردة في مقام الحاجة.
    مع أنّ المتبادر من الإفطار إفسادُ الصوم بالأكل والشرب ، فيجب الحمل عليه خاصّة لأنّ اللفظ إنّما يحمل على‏ الحقيقة. وإطلاق الوصف (3) عليه فيما مرّ من النصوص لا يستلزم كونه من أفرادها لأنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة ، والمجاز أولى‏ من الاشتراك.
    إلّا أن يقال : إنّ التجوّز يستلزم الشركة في وجوه الشبه ، ومنها هنا لزوم الكفّارة.
    وهو حسن إن تساوت في التبادر ونحوه. وفيه مناقشة ، بل المتبادر منها الإثم ولزوم القضاء خاصّة.
    [ و ] السابع : [ إيصال الماء إلى‏ الحلق متعدّياً لا للصلاة ].
    يعني : من أدخل فمه الماء ، فابتلعه سهواً ، فإن كان في غير المضمضة للطهارة ـ كأن كان متبرّداً أو عابثاً ـ فعليه القضاء خاصّة ، وإن كان في المضمضة لها فلا قضاء أيضاً.
1 ـ الوسائل 10 : 86 ايواب ما يمسك عنه الصائم ب 29.
2 ـ الوسائل 10 : 44 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8.
3 ـ أي المفطر ( منه رحمه الله ).


(379)
    ولا خلاف في هذا التفصيل في الجملة بين علمائنا ، بل عزاه في المنتهى‏ إليهم ، مشعراً بكونه إجماعاً (1) ، كما هو صريح الانتصار والخلاف والغنية أيضاً (8).
    وإن اختلفت عبائرهم في التعبير عمّا لا يجب فيه القضاء بالتمضمض للطهارة ولو لنحو البقاء عليها والطواف ، كما في عبارة الانتصار وكثير (3) ، وبه صرّح في السرائر (4) ، ولعلّه يفهم من الغنية والمنتهى‏.
    أو به للصلاة خاصّةً ، كما في عبارة الخلاف (5) وجماعة (6).
    وجَعَلَ هذا محلَّ خلاف في السرائر ، وجعل الأول (7) هو الصحيح ، حاكياً له (8) عن الشيخ في الجمل والعقود والنهاية (9).
    وعمّا يجب فيه القضاء بمطلق ما عدا الطهارة أو الصلاة ، كما في عبارتي الأولين (10) ، أو بالتبرّد خاصّةً من ـ غير إشارة إلى‏ غيره مطلقاً ـ كما في عبارتي الأخيرين (11).
    ويظهر من الإرشاد كون هذا أيضاً محلّ خلاف أيضاً ، حيث ألحق‏
1 ـ المنتهى 2 : 579.
2 ـ الانتصار : 64 ، الخلاف 2 : 215 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 571.
3 ـ الانتصار : 64 ، النهاية : 154 ، الشرائع : 1 : 192.
4 ـ السرائر 1 : 378.
5 ـ الخلاف 2 : 215.
6 ـ كالعلّامة في القواعد 1 : 64 ، والشهيد في الدروس 1 : 274 ، والفيض في المفاتيح 1 : 250 ، وصاحب الحدائق 13 : 90.
7 ـ أي : أن المضمضة للطهارة مطلقاُ لا توجب القضاء.
8 ـ أي : للخلاف.
9 ـ السرائر 1 : 375.
10 ـ أي : المنتهى والانتصار.
11 ـ اي : الخلاف والغنية.


(380)
المضمضة به للتداوي والعبث بها للصلاة ، قائلاً بعده : على‏ رأي (1).
    والأصحّ في المقامين ما في الانتصار والمنتهى‏ استناداً ـ بعد الإجماع المنقول فيهما عليهما ـ إلى‏ فحوى الصحيح وغيره (2) ، بل صريحهما في الجملة في الثاني (3).
    والموثّق فيهما : عن رجلٍ عبث بالماء يتمضمض به من عطشٍ فدخل حلقه ، قال : « عليه القضاء ، وإن كان في وضوءٍ فلا بأس » (4).
    ومنطوقه يعمّ الوضوء للصلاة وغيرها ـ كما صرّح به الحلّي (5) ـ ومفهومه العبث به وغيره.
    ولكن ينبغي أن يستثني من هذا : ما إذا كان لإزالة النجاسة أو التداوي ، وفاقاً للتذكرة والدروس (6) وغيرهما (7) للأمر بهما شرعاً ، فلا يستعقبان شيئاً ، مع بُعد انصراف الإطلاق إليهما جدّاً.
    بل لولا النصّ والإجماع لكان القول بعدم لزوم القضاء مطلقاً متوجّهاً للصحيح الحاصر (8) ، ولوقوع الفعل سهواً مع جوازه من أصله ، بلا خلاف أجده ، إلّا من الشيخ في كتابي الحديث ، فمنع عنه للتبرّد في‏
1 ـ الإرشاد 1 : 297.
2 ـ الوسائل 10 : 70 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 23.
3 ـ أي في المقام الثاني ، وهو عدم الاختصاص بالتبرّد ( منه رحمه الله ).
4 ـ الفقيه 2 : 69 / 290 ، التهذيب 4 : 322 / 991 ، الوسائل 10 : 71 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 23 ح 4.
5 ـ السرائر 1 : 378.
6 ـ التذكرة 1 : 262 ، الدروس 1 : 274.
7 ـ كالمدارك 6 : 101.
8 ـ المتقدم في ص : 308.


(381)
الاستبصار (1) ، وفي التهذيب : إن كان لغير الصلاة فدخل حلقه فعليه الكفّارة والقضاء (2).
    ولا دليل عليه ، بل في المرسل كالصحيح : وفي الصائم يتمضمض ويستنشق ، قال : « نعم ، ولا يبالغ » (3).
    وفي الموثّق : عن الرجل يتمضمض فيدخل في حلقه الماء وهو صائم ، قال : « ليس عليه شي‏ء إذا لم يتعمّد ذلك » قلت : فإن تمضمض الثانية فدخل في حلقه الماء ؟ قال : « ليس عليه شي‏ء » قلت : فإن تمضمض الثالثة ؟ قال : فقال : « قد أساء ، وليس عليه شي‏ء ولا قضاء » (4).
    وفي المنتهى‏ : لو تمضمض لم يفطر ، بلا خلافٍ بين العلماء كافّة ، سواء كان في الطهارة أو غيرها. أمّا لو تمضمض فدخل الماء إلى‏ حلقه ، فإن تعمّد بابتلاع الماء وجب عليه القضاء والكفّارة ، وهو قول كلّ من أوجبهما بالأكل والشرب وإن لم يقصده ـ بل ابتلعه بغير اختياره ـ فإن كان قد تمضمض للصلاة فلا قضاء عليه ولا كفّارة ، وإن كان للتبرّد أو العبث وجب عليه القضاء خاصّة ، وهو قول علمائنا (5). انتهى‏.
    والنصّ الوارد بوجوب الأمرين بالتمضمض والاستنشاق (6) لا قائل بإطلاقه لشموله ما إذا لم يتعدّ الحق ، فينبغي تقييده بما إذا تعمّد الازدراد
1 ـ الاستبصار 2 : 94.
2 ـ التهذيب 4 : 214.
3 ـ الكافي 4 : 107 / 3 ، الوسائل 10 : 71 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 23 ح 2.
4 ـ التهذيب 4 : 323 / 996 ، الوسائل 10 : 72 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 23 ح 5.
5 ـ المنتهى 2 : 579.
6 ـ التهذيب 4 : 214 / 621 ، الاستبصار 2 : 94 / 305 ، الوسائل 10 : 69 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 22 ح 1.


(382)
جمعاً. وتقييده بصورة التعدّي خاصّةً فيه اطراح لما مرّ من الأدلّة.
    وبما ذكرنا ظهر وجه سقوط الكفّارة مطلقاً ، حتّى في صورةٍ يجب فيها القضاء لمخالفتهما الأصل ، فيقتصر فيها على‏ مورد النصّ والفتوى‏ ، مضافاً إلى‏ خلوّ النصوص الآمرة بالقضاء عن التعرّض لها أصلاً ، مع ورودها في مقام الحاجة.
    ثم إنّ ظاهر ما مرّ من الأدلّة عدم الفرق في الطهارة بين كونها الفريضة أو نافلة ، وبه صرّح جماعة (1) ، ومنهم : الشيخ في الخلاف ، مع دعواه الإجماع (2).
    لكن نُقل عن طائفة من الأصحاب الميل إلى‏ الفرق بينهما ، فيجب القضاء في الثانية ، وأمّا الاُولى‏ فلا (3).
    واحتاط به المحقّق الثاني (4). وهو كذلك للصحيح : « إن كان وضوؤه لصلاة فريضة فليس عليه قضاء ، وإن كان وضوؤه لصلاة نافلة فعليه القضاء » (5) وقريب منه المقطوع (6).
    وفي إلحاق الاستنشاق بالمضمضة في إيجاب القضاء وجهان ، بل قولان‏ :
1 ـ كالعلّامة في المنتهى 2 : 579 ، وصاحب المدارك 6 : 101.
2 ـ الخلاف 2 : 215.
3 ـ كالشهيد الثاني في المسالك 1 : 73 ، والفيض في مفاتيح الشرائع 1 : 250 ، وصاحب الحدائق 13 : 90.
4 ـ جامع المقاصد 3 : 66.
5 ـ الكافي 4 : 107 / 1 ، التهذيب 4 : 324 / 999 ، الوسائل 10 : 70 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 23 ح 1 بتفاوت يسير.
6 ـ الكافي 4 : 107 / 4 ، التهذيب 4 : 205 / 593 ، الوسائل 10 : 71 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 23 ح 3.


(383)
    من الأصل ، واختصاص الموجب له بالمضمضة ، فلا يتعدّى‏.
    ومن اتّحادهما في المعنى‏ ، وعلى‏ هذا ابن زهرة في الغنية ، مع دعواه الإجماع (1). وهو أحوط ، إن لم نقل بكونه المتعيّن.
    وعلى‏ الأول السيّد في المدارك وصاحب الذخيرة (2) ، وتردّد بينهما الفاضل في المنتهى‏ (3).
     [ وفي إيجاب القضاء بالحقنة ] بالمائع [ قولان ] :
    أولهما للمرتضى‏ في الناصريات نافياً الخلاف عنه ، والشيخ في الجمل والاقتصاد والمبسوط والخلاف مدّعياً فيه عليه الإجماع ، وابن زهرة في الغنية مدّعياً له أيضاً في محتمل كلامه أو ظاهره ، والقاضي ، والحلبي ، والماتن في موضع من الشرائع ، والقواعد والتحرير والإرشاد والمختلف والدروس (4).
    ولا دليل عليه سوى‏ ما في المختلف من أنّه قد أوصل إلى‏ جوفه ، فأشبه ما لو ابتلعه ، لاشتراكهما في الاغتذاء.
    والصحيح : « الصائم لا يجوز له أن يحتقن » (6) لأنّ تعليق الحكم على‏ الوصف يشعر بالعلّية ، فيكون بين الصوم والاحتقان ـ الذي هو نقيض المعلول ـ منافاة ، وثبوت أحد المتنافيين يستلزم نفي الآخر ، وذلك يوجب‏
1 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 571.
2 ـ المدارك 6 : 100 ، الذخيرة : 506.
3 ـ المنتهى 2 : 579.
4 ـ الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : 242 ، جمل العقود ( الرسائل العشر ) : 213 ، الاقتصاد : 288 ، المبسوط 1 : 272 ، الخلاف 2 : 213 ، الغنية ( الجوامع القهية ) : 571 القاضي في المهذب 1 : 192 ، الحلبي في الكافي : 183 ، الشرائع 1 : 192 ، القواعد : 64 ، التحرير : 78 ، الارشاد 1 : 296 ، المختلف : 221 ، الدروس 1 : 275.
5 ـ الكافي 4 : 110 / 3 ، الفقيه 2 : 69 / 292 ، التهذيب 4 : 204 / 589 ، الاستبصار 2 : 83 / 256 ، الوسائل 10 : 42 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 5 ح 4.


(384)
عدم الصوم عند ثبوت الاحتقان ، فوجب القضاء (1).
    ويضعّف الأول : بأنّه قياس مع الفارق ، فإنّ الحقنة لا تصل إلى‏ المعدة ، ولا إلى‏ موضع الاغتذاء ، كما عن المعتبر (2).
    والثاني : بأنّ نقيض المعلول إنّما هو جواز الاحتقان لا نفسه ، واللازم منه انتفاء الصوم عند جوازه لا عند حصوله وإن كان محرّماً.
    فلم يبق إلّا الإجماع المنقول. فإن تمّ ، وإلّا كان [ أشبههما : أنّه لا قضاء ] وفاقاً للمرضى‏ في الجمل ـ حاكياً له عن قوم ـ والحلّي ، والشيخ في النهاية والاستبصار ، والفاضل في المنتهى‏ ، وشيخنا في المسالك ، وسبطه في المدارك (3) ، وجماعة ممّن تأخّر عنه (4).
    وهو ظاهر العماني (5) ، وحيث لم يذكرها في موجبات القضاء والاسكافي ، حيث استّحب تركها (6) ، وحكي عن المعتبر أيضاً (7)
    للأصل ، واستصحاب بقاء صحّة الصوم.
    والنهي عن الاحتقان لا يقتضي فسادة ؛ لاحتمال أن يكون حراماً لا لكونه له مفسداً ، كذا عن المعتبر (8) ، وسلّمه منه جملة ممّن تأخّر عنه (9)
    وفي الاحتمال بُعد ، بل الظاهر خلافه ، كما يشهد له التتبّع ، فيمكن
1 ـ المختلف : 221.
2 ـ المعتبر 2 : 679.
3 ـ جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى 3 ) : 54 ، الحلّي في السرائر 1 : 378 ، النهاية : 156 ، الاستبصار 2 : 84 ، المنتهى 2 : 580 ، المسالك 1 : 71 ، المدارك 6 : 99.
4 ـ كالسبزواري في الكفاية : 46 ، والفيض في المفاتيح 1 : 247.
5 ـ حكاه عنه في المختلف : 221.
6 ـ حكاه عنه في المختلف : 221.
7 ـ المعتبر 2 : 679.
8 ـ المعتبر 2 : 679.
9 ـ كالسبزواري في الذخيرة : 500.


(385)
أن يوجّه به الإفساد الموجب للقضاء ، سيّما مع اعتضاده بنقل الإجماع عديداً ، معتضداً بشهرة القدماء.
    وكيف كان ، لا ريب أنّه أحوط وأولى ، إن لم نقل بكونه متعيّناً.
     [ وكذا ] لا يجب القضاء على‏ [ من نظر إلى‏ امرأة ] ونحوها ، أو أصغى إليهما [ فأمنى‏ ] محلّلةً كانت أو محرّمة.
    إلّا إذا كان معتاداً للإمناء عقيب النظر وقصد ذلك ، فيجب القضاء والكفّارة معاً ، على‏ أصحّ الأقوال وأظهرها.
    استناداً في الأول إلى‏ الأصل ، مع عدم دليل على‏ وجوب شي‏ء بمجرّد النظر مطلقاً ، ولو مع اعتياد الإمناء عقيبه من غير قصد إليه ، مع أنّ في الناصرية والخلاف الإجماع عليه (1).
    وفي الثاني إلى‏ أنّه ـ بقصده النظر واعتياده الإمناء عقيبه ـ متعمّد له ، فيشمله ما دلّ على‏ وجوب القضاء والكفّارة بالاستمناء عمداً.
    والذي أظنّه أنّ هذا ليس محلّ خلاف لأحد في إيجابه الأمرين معاً ، وإنّما الخلاف في عدم وجوبهما في الأول مطلقاً ، كما هو خيرة السيّدين ، والقاضي ، والحلّي ، والفاضلين هنا وفي المعتبر والشرائع والإرشاد ، وشيخنا في المسالك ، وسبطه في المدارك (2).
    أو إذا لم يكن إلى‏ محرّم ، وإلّا فيجب القضاء مطلقاً ، كما عن الشيخين ، والديلمي ، وفي التنقيح ، والتحرير والمنتهى‏ (3) ، لكن فيهما
1 ـ الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : 243 ، الخلاف 2 : 198.
2 ـ المرتضى في الانتصار : 64 ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 571 ، القاضي في المهذب 1 : 193 ، الحلّي في السرائر 1 : 374 / 88 ، الفاضلين في المعتبر 2 : 670 ، والشرائع 1 : 192 ، والارشاد 1 : 296 ، المسالك 1 : 73 ، المدارك 6 : 102.
3 ـ المفيد في المقنعة : 345 ، الطوسي في المبسوط 1 : 272 ، الديلمي في المراسم : 98 ، التنقيح الرائع 1 : 368 ، التحرير 1 : 77 ، المنتهى 2 : 564.


(386)
التقييد بشهوة ، كما عن المبسوط أيضاً (1).
    أو إذا لم يقصد الإنزال ولا كرّر النظر ، وإلّا فيجب بقصد الإنزال : القضاء والكفّارة معاً ، وبالتكرار : الأول خاصّة ، كما في المختلف (2).
    ولبعض الأصحاب هنا تفصيل آخر (3) ، ولم أعرف وجهه.
    والمستفاد من الأُصول ما حرّرناه.

     [ السادسة : تتكرّر الكفّارة ] مع فعل موجبها [ بتغاير الأيّام ] ولو من رمضان وحد مطلقاً (4) بإجماعنا على‏ الظاهر ، المصرّح به في عبائر جماعة مستفيضاً (5).
     [ وهل تتكرّر بتكرّر الوطء ] (6) خاصّةً دون غيره مطلقاً في المقامين ؟ كما رواه الصدوق في العيون والخصال ، عن مولانا الرضا عليه السلام (7) ، والفاضل في المختلف ، عن العماني ، عن زكريا بن يحيى‏ صاحب كتاب شمس الذهب ، عنهم عليهم السلام (8).
    أو بتكرّرهما مطلقاً ، كما هو خيرة المرتضى‏ ، وثاني المحققين ، وإليه يميل ثاني الشهيدين (9).
1 ـ المبسوط 1 : 272.
2 ـ المختلف : 223.
3 ـ حكاه عن ابن أبي عقيل في المختلف : 220 ، وانظر المهذب البارع 2 : 39.
4 ـ أي : وان لم يتخلّل التكفير ن واتّحد الجنس أو تغاير ( منه رحمه الله ).
5 ـ منهم : المحقق في المعتبر 2 : 680 ، والعلّامة في المنتهى 2 : 580 ، وصاحب المدارك 6 : 110.
6 ـ في المختصر المطبوع زيادة : في اليوم الواحد.
7 ـ العيون 1 : 198 / 3 ، الخصال : 450 / 54 ، الوسائل 10 : 55 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 11 ح 1.
8 ـ المختلف : 227 ، الوسائل 10 : 55 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 11 ح 2.
9 ـ نقله عن المرتضى في المعتبر 2 : 680 ، وجامع المقاصد 3 : 70 ، المسالك 1 : 73.


(387)
    أو مع تخلّل التكفير ، وإلّا فلا مطلقاً ، كما عن الإسكافي (1).
    أو مع تغاير الجنس وإلّا فلا ، إلّا مع تخلّل التكفير فتتكرّر ؟ كما عليه الفاضل في القواعد والمختلف والإرشاد (2) ، إلّا أنّ فيه تخصيص التكرّر بالاختلاف فقط.
    أو بتكرّر الوطء مطلقاً ، وغيره بشرط تغاير الجنس أو تخلّل التكفير ، وإلّا فلا ؟ كما في الدروس واللمعة (3).
    أو لا تتكرّر مطلقاً ؟ كما عليه الشيخ في المبسوط والخلاف (5) ، وابن حمزة في الوسيلة (4) ، والماتن في كتبه الثلاثة ، والفاضل في المنتهى‏ (6).
    [ قيل : نعم ] مطلقاً ، أو في الجملة ، على‏ التفصيل الذي مضى لكلّ قائلٍ بحسب قوله.
    [ والأشبه : أنّها لا تتكرّر ] وفاقاً لمن مرّ ، وتبعهم جملة ممّن تأخّر (7) للأصل ، واختصاص أكثر ما دلّ على‏ وجوبها من النصوص بتعمّد الإفطار ، وهو إنّما يتحقّق بفعل ما يحصل به المفطر ويفسد به الصوم ، وهو الظاهر المتبادر من إطلاق باقيها ، فيرجع فيما عداه إلى‏ مقتضى‏ الأصل.
    والخبران الأولان غير واضحي السند ، فيشكل الخروج بهما عن مقتضاه ، مع ندورهما ، لعدم ظهور قائل بما فيهما ، لأنّ الأقوال التي وصلت إلينا
1 ـ حكاه عنه في المعتبر 2 : 680.
2 ـ القواعد 1 : 65 ، المختلف : 227 ، الارشاد 1 : 298.
3 ـ الدروس 1 : 275 ، الروضة 2 : 99.
4 ـ المبسوط 1 : 274 ، الخلاف 2 : 189.
5 ـ حيث قال : وبالتكرّر في يوم واحد لا تتكرّر ، وفي أكثر تتكرّر ( منه رحمه الله ) ، انظر الوسيلة : 146.
6 ـ المعتبر 2 : 680 ، الشرائع 1 : 194 ، المنتهى 2 : 580.
7 ـ كصاحبي المدارك 6 : 111 ، والذخيرة : 511.


(388)
هي ما قدّمنا ، وليس هو شيئاً منها ، فيشكل المصير إليه ولو كان الخبر صحيحاً.
    ولم نجد لشي‏ء من الأقوال الأُخر حجّةً ودليلاً ، عدا ما في المختلف من أمرٍ اعتباري ضعيف ، مبني هو ـ كما استدلّ به للقول الأول ، من أنّ تعدّد الأسباب يقتضي تعدّد المسبّبات ـ على‏ دعوى عموم أخبار الكفّارة للمتكرّر من موجبها لغةً. وقد عرفت ضعفها.
    [ ويعزَّر ] بما يراه الحاكم [ من أفطر ] في شهر رمضان عالماً عامداً لكن [ لا مستحلا ] بل معتقداً للعصيان [ مرّة ].
    [ و ] إن لم ينجع فيه ذلك ، بل عاد [ ثانيةً ] عُزِّر أيضاً.
    [ فإن ] لم ينجع فيه أيضاً و [ عاد ثالثةً قُتل ] فيها ، وفاقاً للأكثر كما في المدارك والذخيرة (1) ، وفي غيرهما : أنّه المشهور بين الأصحاب (2).
    لموثّقة سماعة المضمرة عن رجلٍ أُخذ في شهر رمضان ، وقد أفطر ثلاث مرّات ، وقد رفع إلى‏ الإمام ثلاث مرّات ، قال : « فليُقتَل في الثالثة » (3).
    مضافاً إلى‏ عموم الصحيح : « أصحاب الكبائر إذا أُقيم عليهم الحدّ مرّتين قتلوا في الثالثة » (4).
    وقيل : يقتل في الرابعة (5) لما رواه الشيخ عنهم عليهم السلام مرسلاً : « إنّ‏
1 ـ المدارك 6 : 111 ، الذخيرة : 512.
2 ـ كما في الحدائق 13 : 239.
3 ـ الكافي 4 : 103 / 6 ، الفقيه 2 : 73 / 315 ، التهذيب 4 : 207 / 598 ، الوسائل 10 : 249 أبواب أحكام شهر رمضان ب 2 ح 2 بتفاوت يسير.
4 ـ الكافي 7 : 219 / 6 ، الفقيه 4 : 51 / 182 ، التهذيب 10 : 95 / 369 ، الاستبصار 4 : 212 / 791 ، الوسائل 28 : 234 أبواب حد المسكر ب 11 ح 2 بتفاوت يسير.
5 ـ قال به الشهيد في المسالك 1 : 74.


(389)
أصحاب الكبائر يقتلون فيها » (1).
    وهو أحوط ، وإن كان الأول أظهر للتعدّد ، واعتبار السند ، مضافاً إلى‏ أخصّية الموثّق ، واعتضاده بالصحيحة والشهرة.
    واحترز بقوله" لا مستحلا" عمّا لو كان مستحلا ، فإنّه مرتدّ إجماعاً إن كان ممّن عرف قواعد الإسلام ، وكان إفطاره بما علم تحريمه من دين الإسلام ضرورة ، كالأكل ، والشرب المعتادين ، والجماع قبلاً.
    ولا يكفّر المستحلّ بغيره. خلافاً للحلبي ، فيكفّر (2) ، ولا دليل له يظهر.
    هذا إذا لم تدّع الشبهة المحتملة في حقّه ، وإلّا دُرئ عنه الحدّ.
    وفي الصحيح : عن رجلٍ شهد عليه شهود أنّه أفطر في شهر رمضان ثلاثة أيّام ، قال : « يُسأل : هل عليك في إفطارك إثم ؟ فإن قال : لا ، فإن على‏ الإمام أن يقتله ، وإن قال : نعم ، فإنّ على‏ الإمام أن ينهكه ضرباً » (3).
    واعلم : أنّه إنّما يقتل في الثالثة أو الرابعة لو رُفع إلى‏ الإمام وعُزِّر في كلٍّ مرّة ، وإلّا فإنّه يجب عليه التعزير خاصّة ، كذا عن التذكرة (4) ، واستحسنه جماعة (5). وهو كذلك اقتصاراً فيما خالف الأصل على‏ المتيقّن من الفتوى‏ والرواية.

     [ السابعة : من وطئ زوجته مكرهاً لها لزمه كفّارتان ، ويعزَّر ] هو
1 ـ المبسوط 1 : 129.
2 ـ كما في الكافي في الفقه : 183.
3 ـ الكافي 4 : 103 / 5 ، الفقيه 2 : 73 / 314 ، الوسائل 10 : 248 أبواب أحكام شهر رمضان ب 2 ح 1.
4 ـ التذكرة 1 : 265.
5 ـ كصاحبي المدارك 6 : 116 ، والذخيرة : 512.


(390)
بخمسين سوطاً ، ولا شي‏ء عليها حتّى القضاء.
    بلا خلافٍ إلّا من العماني ، فأوجبه عليها (1).
    وهو مع ندوره ، لم أعرف له مستنداً ، بعد فرض كونها مكرهة بناءً على‏ ما مرّ من صحّة صوم المكره ، وأنّه لا شي‏ء عليه أصلاً (2).
    [ ولو طاوعته ] ولو في الأثناء [ كان على‏ كلّ واحدٍ منهما كفّارة ] عن نفسه ، زيادةً على‏ القضاء.
    [ ويعزّران ] أي كلّ منهما بنصف ما مضى.
    بلا خلاف ولا إشكال في هذا (3) لإقدام كلّ منهما على‏ الموجب اختياراً.
    وإنّما هما (4) في اجتماع الكفّارتين على‏ المكرِه لها لمخالفته الأُصول بناءً على‏ أنّه لا كفّارة ولا قضاء على‏ المكرَهة ، لصحّة صومها ، فلا وجه لتحمّل الكفّارة عنها.
    ولذا نفي عنه العماني الكفّارة عنها ، كما عزاه في المختلف إلى‏ ظاهره (5) ، ولكن باقي الأصحاب على‏ خلافه.
    وإيجابهما عليه للنصّ : في رجلٍ أتى امرأته وهو صائم وهي صائمة ، فقال : « إن استكرهها فعليه كفّارتان ، وإن كانت طاوعته فعليه كفّارة وعليها كفّارة ، وإن كان أكرهها فعليه ضرب خمسين سوطاً نصف الحدّ ، وإن كانت طاوعته ضُرب خمسة وعشرين سوطاً وضُربت خمسة وعشرين سوطاً » (6).
1 ـ نقله عنه في المختلف : 223.
2 ـ راجع ص : 325.
3 ـ أي لزوم القضاء والكفّارة على كلّ منها ( منه رحمه الله ).
4 ـ أي الخلاف والاشكال.
5 ـ المختلف : 223.
6 ـ الكافي 4 : 103 / 9 ، الفقيه 2 : 73 / 313 ، التهذيب 4 : 215 / 625 ، المقنعة :
رياض المسائل الجزء الخامس ::: فهرس