|
|||
(391)
وضعف السند مجبور بعمل الأكثر ، بل الإجماع ، كما في الخلاف وفي المنتهى والتنقيح (1).
وعن المعتبر : أنّها وإن كانت ضعيفة السند إلّا أنّ أصحابنا ادّعوا الإجماع على صحّة مضمونها ، مع ظهور الفتوى بها ، ونسبة الفتوى إلى الأئمّة عليهم السلام ، وإذا عُرِف ذلك لم يعتدّ بالناقلين إذ يُعلَم أقوال أرباب المذاهب بنقل أتباعهم وإن استندت في الأصل إلى الضعفاء (2). انتهى. وهو حسن. وإطلاق الرواية بل عمومها الناشئ عن ترك الاستفصال يقتضي عدم الفرق في المرأة بين كونها زوجةً دائمة أو منقطعة ، وبه صرّح جماعة (3) ، من غير خلاف بينهم أجده. وفي التحمّل عن الأمة والأجنبية ، وتحمّل المرأة لو أكرهته ، وتحمّل الأجنبي لو أكرههما ، والنائمة ، اختلاف بين الأصحاب وإشكال. ومقتضى الأصل : العدم ، حتى في الأمة والأجنبي لمنع الأولوية في الأخير بعد قوّة احتمال مانعية عظم الذنب قبوله للتكفير ، سيّما مع وجود النظير ، ومنع صدق المرأة مضافة إليه حقيقةً على الأمة عرفاً وعادة. ولكن الأحوط : التحمّل في الجميع ، ولا سيّما ما صرّحنا فيه بالعدم لقوّة الشبهة فيه ، خصوصاً الأمة ، لتسميتها امرأة حقيقةً لغةً ، وهو مقدّم على العرف والعادة على قول جماعة لا يخلو عن قوّة. 348 ، الوسائل 10 : 56 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 12 ح 1. 1 ـ الخلاف 2 : 182 ، المنتهى 2 : 571 ، التنقيح 1 : 370. 1 ـ المعتبر 2 : 681. 3 ـ منهم : الشهيد الثاني في المسالك 1 : 74 ، والسبزواري في الذخيرة : 512 ، وصاحب الحدائق 13 : 237. (392)
[ و ] اعلم أنّه [ يعتبر في ] صحة صوم
[ الرجل : العقل ، والإسلام ].
[ وكذا ] يعتبران [ في ] صوم [ المرأة مع ] شرط زائد ، وهو : [ اعتبار الخلوّ من الحيض والنفاس ]. [ فلا يصحّ من الكافر ] بأنواعه لعدم تأتّي قصد القربة وامتثال الأمر به منه ، لإنكاره له ، مع أنّه شرط في الصحّة إجماعاً نصّاً وفتوى ، فإذا انتفى الشرط انتفى المشروط تحقيقاً للشرطية. [ وإن وجب عليه ] عندنا بناءً على أنّه مكلّف بالفروع ، كما حُقّق في محلّه مستقصىً ، وفي المنتهى : أنّه مذهب علمائنا (1) أجمع : [ ولا من المجنون ]. قال في المنتهى : لأنّ التكليف يستدعي العقل ، لأنّ تكليف غير العاقل قبيح ، ولقوله عليه السلام : « وعن المجنون حتى يُفيق » (2). ولا يؤمر بالصوم كما يؤمر الصبي به بلا خلاف لأنّه غير مميّز ، بخلاف الصبي فإنّه مميّز ، فكان للتكليف في حقّه فائدة ، بخلاف المجنون. هذا إذا كان جنونه مطبقاً. أمّا لو أفاق وقتاً دون وقت ، فإن كانت إفاقته يوماً كاملاً وجب عليه الصيام فيه لوجود المقتضي بشرط وهو العقل ذلك اليوم ، وعدم المانع وهو عدم التعقّل ولأنّ صوم كلّ يومٍ عبادة 1 ـ المنتهى 2 : 585. 2 ـ الخصال : 93 / 40 ، الوسائل 1 : 45 أبواب مقدّمة العبادات ب 4 ح 11. (393)
بانفراده ، فلا يؤثّر فيه ما يزيل الحكم عن غيره (1).
[ و ] لا من [ المغمى عليه ، ولو سبقت منه النيّة ، على الأشبه ]. وعليه الأكثر ، كما في المنتهى وغيره (2) ، وفي شرح الشرائع للصيمري والذخيرة : أنّه المشهور بين الأصحاب (3). قيل : لأنّ زوال العقل مسقط للتكليف ، فلا يصحّ منه مع السقوط وأنّ كلّ ما أفسد الصوم إذا وجد في جميعه أفسده إذا وجد في بعضه ، كالجنون والحيض وأنّ سقوط القضاء يستلزم سقوط الأداء في الصوم ، والأول ثابت على ما يأتي ، فيثبت الثاني (4). وأُجيب (5) عن الأول : بمنع الكبرى مستنداً بالنائم. وعن الثاني : بمنع كون الإغماء في جميع النهار مع سبق النيّة مفسداً للصوم ، فإنّه أول البحث. وعن الثالث : بمنع الاستلزام المذكور. وهذه الأجوبة حسنة إلّا الأوّل لابتنائه على عدم الفرق بين النوم والإغماء ، مع أنّ الفرق بينهما واضح ، كما نبّه عليه جماعة ، منهم شيخنا في المسالك ، وقد أطنب الكلام فيه بما لا مزيد عليه (6). أو أشار بـ : « الأشبه » إلى خلاف المفيد والمرتضى ، حيث صحّحا صومه مع سبق النيّة ، ونفيا عنه القضاء حينئذ (7). 1 ـ المنتهى 2 : 585. 2 ـ المنتهى 2 : 585 ، وانظر المدارك 6 : 331. 3 ـ الذخيرة : 525. 4 ـ قال به العلّامة في المنتهى 2 : 585. 5 ـ كما في الذخيرة : 525. 6 ـ المسالك 1 : 74. 7 ـ المفيد في المقنعة : 352 ، المرتضى في جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى 3 ) : 57. (394)
ولا دليل عليه يعتدّ به. مع أنّه لا ثمرة بين القولين بالنسبة إلى القضاء لاتّفاقهما على نفيه ، بل سيأتي أنّ الأظهر الأشهر عدم وجوبه عليه مطلقاً ، ولو لم تسبق منه النيّة (1).
نعم ، تحصل الثمرة فيما لو أفطر عامداً في نهارٍ نوى صومه ثم أُغمي عليه في بعضه ، فتجب الكفّارة عليه على الثاني دون الأول. وهو الأقرب ، ويعضده ـ زيادةً على ما دلّ على صحته ـ الأصل. [ ولا من الحائض والنفساء ] باتّفاق العلماء ، كما عن المعتبر وفي المنتهى ، (2) و النصوص به مستفيضة جدّاً (3). والحكم بذلك مطلق [ ولو ] في صورةٍ [ صادف ذلك ] أي الدم المدلول عليه بالمقام [ أول جزءٍ من النهار ، أو آخر جزء منه ]. وفي المنتهى : أنّه لا خلاف فيه بين العلماء ، قال : ويدلّ عليه ما تقدّم من الأحاديث. لا يقال : قد روى الشيخ عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام ، قال : « إن عرض للمرأة الطمث في شهر رمضان قبل الزوال فهي في سعةٍ أن تأكل وتشرب ، وإن عرض لها بعد الزوال لتغتسل ولتعتدّ بصوم ذلك اليوم ما لم تأكل وتشرب » (4). لأنّا نمنع صحّة سنده إذ في طريقه عليّ بن فضّال ، وهو فطحي. قال الشيخ : هذا الحديث وهمٌ من الراوي ، لأنّه إذا كان رؤية الدم هو 1 ـ راجع ص : 430. 2 ـ المعتبر 2 : 683 ، المنتهى 2 : 585. 3 ـ الوسائل 10 أبواب من يصح منه الصوم ب 25 ، 26. 4 ـ التهذيب 1 : 393 / 1216 ، الاستبصار 1 : 146 / 500 ، الوسائل 10 : 232 أبواب من يصح منه الصوم ب 28 ح 4. (395)
المفطر فلا يجوز لها أن تعتدّ بذلك اليوم. وإنّما يستحبّ لها أن تمسك بقيّة النهار تأديباً إذا رأت الدم بعد الزوال لما رواه محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن المرأة ترى الدم غدوةً أو ارتفاع النهار أو عند الزوال ، قال : « تفطر ، وإن كان بعد العصر أو بعد الزوال فلتمض على صومها ، ولتقض ذلك اليوم » (1) (2).
[ ويصحّ ] الصوم [ من الصبي المميّز ] وفاقاً للشيخ (3) وجماعة ، ومنهم الفاضلان (4) ، بل يظهر من ثانيهما في المنتهى عدم خلافٍ فيه بيننا. فإنّه قال : ولا خلاف بين أهل العلم في شرعيّة ذلك لأن النبيّ صلى الله عليه وآله أمر وليّ الصبي بذلك. ومن طرق الخاصّة : ما رواه الشيخ في الحسن ، عن الحلبي ، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال : « إنّا نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا بني سبع سنين ما أطاقوا من صيام اليوم ، فإذا غلبهم العطش أفطروا » (5). ولأنّ فيه تمريناً على الطاعة ومنعاً عن الفساد ، فكان شرعه ثابتاً في نظر الشرع. إذا ثبت ذلك فإنّ صومه صحيح شرعي ، ونيّته صحيحة شرعية ، 1 ـ التهذيب 1 : 393 / 1217 ، الاستبصار 1 : 146 / 501 ، الوسائل 10 : 232 أبواب من يصح منه الصوم ب 28 ح 3. 2 ـ المنتهى 2 : 585. 3 ـ المبسوط 1 : 278. 4 ـ كما في الشرائع 1 : 197 ، والمنتهى 2 : 584 ـ 585. 5 ـ الكافي 4 : 124 / 1 ، الفقيه 1 : 182 / 861 ، التهذيب 2 : 380 / 1584 ، الاستبصار 1 : 409 / 1564 ، الوسائل 10 : 234 أبواب من يصح منه الصوم ب 29 ح 3 بتفاوت يسير. (396)
وينوي الندب ، لأنّه الوجه الذي يقع عليه ، فلا ينوي غيره.
وقال أبو حنيفة : إنّه ليس بشرعي ، وإنّما هو إمساك عن المفطرات. وفيه قوّة. وكذا المرأة تؤمر بالصيام قبل سنّ البلوغ ـ وهو تسع ـ أو الإنزال ، أو الحيض على ما يأتي لأنّ المقتضي في الصبي موجود فيها ، فيثبت الأثر (1). انتهى. لكنّه ـ زيادةً على تقويته الخلاف هنا ـ خالف صريحاً في المختلف ، ووافق ما قوّاه ، قال : لأنّ التكليف مشروط بالبلوغ ، ومع انتفاء الشرط ينتفي المشروط (2). وهو خيرة ولده في الإيضاح (3) وغيره (4). وهو غير بعيد لقوّة دليله ، وضعف ما استدلّ به على خلافه. أمّا الأول : فلعموم رفع القلم ، الشامل للندب أيضاً. وما يقال في الجواب : من اختصاصه بالوجوب والمحرّم (5) ، فغير واضح الوجه. وأمّا الثاني : فلأنّ أمر الولي بأمر الصبي بالصيام ليس أمراً له به ، وعلى تقدير التسليم فالذي يظهر من جملة من النصوص أنّه أمرُ تأديب. ففي رواية الزهري (6) والفقه الرضوي (7) : « وأمّا صوم التأديب : فإنّه 1 ـ المنتهى 2 : 584 ـ 585. 2 ـ المختلف : 216. 3 ـ الايضاح 1 : 243. 4 ـ كالمحقق الثاني في جامع المقاصد 3 : 82. 5 ـ كما في الحدائق 13 : 54. 6 ـ الكافي 4 : 83 / 1 ، الفقيه 2 : 46 / 208 ، التهذيب 4 : 294 / 895 ، الخصال : 534 / 2 ، الوسائل 10 : 234 أبواب من يصح منه الصوم ب 29 ح 4 بتفاوت. 7 ـ فقه الرضا عليه السلام : 202 ، المستدرك 7 : 391 أبواب من يصح منه الصوم ب 16 ح 1. (397)
يؤمر الصبي إذا بلغ سبع سنين بالصوم تأديباً ، وليس ذلك بفرض ».
وزاد في الأخير : « وإن لم يقدر إلّا نصف النهار يفطر إذا غلبه العطش ، وكذلك من أفطر لعلّةٍ أول النهار ثم قوي بقيّة يومه أُمر بالإمساك بقيّة يومه تأديباً ، وليس بفرض ، وكذلك المسافر إذا أكل من أول النهار ثم قدم أهله أُمر بقيّة يومه بالإمساك تأديباً ، وليس بفرض » وزاد في الأُولى : « وكذلك الحائض إذا طهرت أمسكت بقيّة يومها ». ونحوهما في التصريح التأديب رواية أُخرى ، مرويّة في الوسائل عن الخصال.(1) وظاهرها ـ سيّما بعد ضمّ الزيادات ـ أنّه ليس بصوم حقيقي ، بل هو إمساك بَحت. وأمّا ما يستدلّ للصحّة بإطلاق الأمر فقد أجاب عنه في الذخيرة : بأنّه للإيجاب ، والظاهر عدم تعلّقه بالصبيان (2). أقول : ولو أُريد به الأوامر المستحبّة ففيه أولاً : أنّها منساقة لبيان أصل الاستحباب ، وأمّا مَن يستحبّ له فالمتضمّن لها بالنسبة إليه مجمل ، مع أنّه يمكن أن يقال : إنّ المتبادر منها بالنسبة إليه مَن عدا الصبيان. ويتفرّع على الخلاف. فروع : منها : ما لو بلغ في أثناء النهار قبل الزوال بغير المبطل ، فعلى الصحّة يجب الإتمام ، وعلى عدمها فلا. 1 ـ الخصال : 501 / 3 ، الوسائل 10 : 237 أبواب من يصح منه الصوم ب 29 ح 13. 2 ـ الذخيرة : 530. (398)
ومنها : ما لو وُقف للصائمين ، فيعُطى الصبيان على الأول ، دون الثاني.
[ و ] يصحّ [ من المستحاضة ، مع فعل ما يجب عليها من الأغسال ] الثلاثة في الكثيرة ، والغسل الواحد في المتوسّطة ، بلا خلاف ولا ريبة ، فتوىً ورواية (1). [ ويصحّ من المسافر في النذر المعيّن المشترط سفراً وحضراً ] أو سفراً خاصّة [ على قولٍ مشهور ]. ذهب إليه الشيخان ، والأتباع (2) ، على ما حكاه عنهم جماعة ، من غير نقل مخالف لهم بالكلّية. فإن تمّ إجماعاً ، كما هو ظاهر المنتهى ، حيث نفى الخلاف عنه (3) ، وصريح غيره ، حيث ادّعى اتّفاق الأصحاب عليه (4). وإلّا ففيه إشكال لعدم وضوح مستنده ، عدا الموثّق : عن الرجل يجعل للَّه تعالى عليه صوم يوم مسمّى ، قال : « يصوم أبداً في السفر والحضر » (5). والمكاتبة الصحيحة : كتب إليه بندار مولى إدريس : يا سيّدي نذرتُ أن أصوم كلّ يوم سبت ، وإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفّارة ؟ فكتب وقرأته : « لا تتركه إلّا من علّة ، وليس عليك صومه في سفر ولا مرض ، إلّا 1 ـ الوسائل 10 : 230 أبواب من يصح منه الصوم ب 27. 2 ـ المفيد في المقنعة : 350 ، الطوسي في النهاية : 163 ، القاضي في المهذّب 1 : 194 ، الديلمي في المراسم : 97 ، المحققّ في المعتبر 2 : 684. 3 ـ المنتهى 2 : 586. 4 ـ الحدائق 13 : 191. 5 ـ الكافي 4 : 143 / 9 ، التهذيب 4 : 235 / 688 ، الاستبصار 2 : 101 / 330 ، الوسائل 10 : 198 أبواب من يصح منه الصوم ب 10 ح 7. (399)
أن تكون نويت ذلك » (1)
وفيهما نظر لإطلاق الأول وشموله ما لم يقيّده بالسفر ، ولم يقولوا به عدا المرتضى (2) ، وهو نادر ، ومع ذلك معارَض بأجود منه. وإضمار الثاني ، واشتماله على ما لم يقل به أحد من وجوب الصوم في المرض إذا نوى ذلك. ولعلّه لذا ضعّف الماتن الرواية في المعتبر ، فقال : ولمكان ضعف هذه الرواية جعلناه قولاً مشهوراً (3). وإلّا فهي صحيحة السند. ولا تضرّ جهالة الكاتب لأنّ مقتضى الرواية إخبار الثقة (4) بقراءة المكتوب. والأحوط عدم التعرّض لإيقاع مثل هذا النذر ، ولو أُوقع فالعمل على المشهور ، للإجماع المنقول ، الجابر لضعف الرواية. [ و ] يصحّ منه [ في ثلاثة أيّامٍ لدم المتعة ، وفي بدل البدنة ] وهو ثمانية عشر يوماً [ لمن أفاض من عرفات قبل الغروب عامداً ] كما سيأتي بيانهما مع المستند في كتاب الحجّ إن شاء اللَّه تعالى. [ ولا يصحّ ] منه [ في واجبٍ غير ذلك على الأظهر ] الأشهر ، بل عليه عامّة من تأخّر. للمعتبرة المستفيضة ، القريبة من التواتر ، بل لعلّها متواترة ، وفيها الصحاح والموثّقات وغيرها (5) ، وهي ما بين عامّة لجميع الواجبات ، 1 ـ التهذيب 4 : 235 / 689 ، الاستبصار 2 : 102 / 331 ، الوسائل 10 : 195 أبواب من يصح منه الصوم ب 10 ح 1. 2 ـ اًنظر جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى 3 ) : 56. 3 ـ المعتبر 2 : 684. 4 ـ وهو علي بن مهزيار. 5 ـ الوسائل 10 أبواب من يصح الصوم ب 1 ، 11. (400)
وخاصة بجملةٍ منها ، كالنذر وغيره.
خلافاً للمرتضى في النذر المعيّن وإن لم يقيّد بالسفر (1) لما مرّ. وجوابه قد ظهر. وللمفيد ـ فيما حكاه عنه الفاضلان في المعتبر والمختلف (2) وغيرهما (3) ـ في مطلق الواجب عدا رمضان. وللصدوقين في جزاء الصيد (4). وهذه الأقوال ـ مع ندورها ومتروكيتها ، كما صرّح به في الدروس والمنتهى (5) ـ لم أقف على دليلٍ على شيء منها ، فلا إشكال في ضعفها. [ إلّا أن يكون سفره أكثر من حضره ، أو يعزم الإقامة عشرة أيّام ] فإنّه يصوم في المقامين وما في حكمهما قطعاً ، كما أنّه يتمّ الصلاة فيهما. وأمّا المندوب : ففيه أقوال ، ثالثها الكراهة ، وعليها الأكثر ، عملاً بالخبرين الصريحين في الجواز (6) ، إلّا أنّهما ضعيفا السند ، غير معلومي الجابر حتى الشهرة ، لكونها متأخّرة ، وأمّا القديمة فهي على المنع مطلقاً ، كما يستفاد من المفيد في المقنعة (7). فيشكل الخروج بهما عن مقتضى إطلاق النصوص المستفيضة ، 1 ـ حكاه عنه في المختلف : 229. 2 ـ المعتبر 2 : 685 ، المختلف : 229. 3 ـ كالمهذب البارع 2 : 51 ، والتنقيح الرائع 1 : 372. 4 ـ حكاه عن والد الصدوق في المختلف : 229 ، الصدوق في التنقيح : 63. 5 ـ الدروس 1 : 27 ، المنتهى 2 : 586. 6 ـ الكافي 4 : 130 / 1 و 5 ، التهذيب 4 : 236 / 692 و 693 ، الاستبصار 2 : 102 / 334 و 335 ، الوسائل 10 : 203 أبواب من يصح منه الصوم ب 12 ح 4 و 5. 7 ـ المقنعة : 350. (401)
وخصوص جملة :
كالصحيح : عن الصيام بمكّة والمدينة ونحن في سفر ، قال : « فريضة ؟ » قلت : لا ، ولكنّه تطوّع كما نتطوّع بالصلاة ، فقال : « تقول اليوم وغداً ؟ » قلت : نعم ، قال : « لا تصم » (1). والموثّق : « إذا سافر فليفطر لأنّه لا يحلّ له الصوم في السفر فريضةً كان أو غيره ، والصوم في السفر معصية » (2). لكن ربّما يقال : إنّ المفهوم من الصحيحة الفرق بين الصوم الفريضة والنافلة لسؤاله عليه السلام في مقام الجواب عن كون صومه أيّهما ، ولو لا الفرق لاتّجه الجواب بـ : « لا تصم » مطلقاً من غير استفسار. فهو أوضح شاهد على الفرق ، وليس إلّا كون النهي في النافلة للكراهة إذ لا فارق آخر بينهما غيره إجماعاً. فما عليه الأكثر لعلّه أظهر ، سيّما مع تأيّده بصريح الخبرين ، والصحيح : سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول : « كان أبي يصوم عرفة في اليوم الحارّ في الموقف ، ويأمر بظلّ مرتفع ، فيضرب له فيغتسل ممّا يبلغ منه الحرّ » (3). وإنْ ضعف دلالة هذا باحتمال كون صومه عليه عليه السلام لعدم بلوغ المسافة حدّا يجب فيه التقصير ، فتدبّر. 1 ـ التهذيب 4 : 235 / 690 ، الاستبصار 2 : 102 / 332 ، الوسائل 10 : 202 أبواب من يصح منه الصوم ب 12 ح 2. 2 ـ التهذيب 4 : 328 / 1022 ، الوسائل 10 : 199 أبواب من يصح منه الصوم ب 10 ح 8. 3 ـ التهذيب 4 : 298 / 901 ، الاستبصار 2 : 133 / 433 ، الوسائل 10 : 465 أبواب الصوم المندوب ب 23 ح 3. (402)
وكيف كان ، فلا ريب أنّ المنع مطلقاً أحوط ، إلّا ثلاثة أيّام الحاجة عند قبر النبي صلى الله عليه وآله للصحيح (1).
وألحقَ المفيد مشاهد الأئمة عليهم السلام (2) ، والصدوقان والحلّي الاعتكافَ في المساجد الأربعة (3). ولم أعرف دليلهما. [ والصبي المميّز ] وكذا الصبيّة فيما قطع به الأصحاب [ يؤخذ بـ ] الصوم [ الواجب لسبع سنين استحباباً مع الطاقة ] وفاقاً لجماعة ، ومنهم : الشيخ في المبسوط ، والماتن في الشرائع ، والفاضل في المختلف والقواعد ، والشهيدان في الدروس واللمعتين (4). ولكن جعل جملة منهم السبع مبدأ التشديد ، ومبدأ الأخذ قبله (5). ومستندهم مطلقاً غير واضح ، عدا الصحيح : « إنّا نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا بني سبع سنين بما أطاقوا من صيام اليوم ما كان إلى نصف النهار وأكثر من ذلك وأقلّ ، وإذا غلبهم العطش والغَرَث (6) أفطروا حتى يتعوّدوا الصوم ويطيقوه ، فمروا صبيانكم إذا كانوا أبناء تسع سنين بما أطاقوا من صيام ، فإذا غلبهم العطش أفطروا » (7). 1 ـ التهذيب 6 : 16 / 35 ، الوسائل 14 : 350 أبواب المزار وما يناسبه ب 11 ح 1. 2 ـ المقنعة : 350. 3 ـ حكاه عن والد الصدوق في المختلف : 230 ، الصدوق في المقنع : 63 ، الحلي في السرائر 1 : 394. 4 ـ المبسوط 1 : 266 ، الشرائع 1 : 198 ، المختلف : 234 ، القواعد : 68 الدروس 1 : 268 ، الروضة 2 : 105. 5 ـ كالمحققّ في الشرائع 1 : 198 ، والعلّامة في القواعد 1 : 68. 6 ـ الغَرّث : الجوع ـ مجمع البحرين 2 : 260. 7 ـ الكافي 4 : 124 / 1 ، الفقيه 1 : 182 / 861 ، التهذيب 2 : 380 / 1584 ، الاستبصار 1 : 409 / 1564 ، الوسائل 10 : 234 أبواب من يصح منه الصوم ب 29 ح 3 بتفاوت يسير. (403)
وظاهره اختصاص السبع بأولادهم عليهم السلام ، وأنّ غيرهم إنّما يؤمرون لتسع ، كما عليه الشيخ في النهاية ، والصدوقان (1) ، وغيرهما (2).
ودلّت عليه أيضاً جملة من النصوص ، كالرضوي (3) ، والمرسل (4). ولعلّه الأقوى. وللمفيد قول بأنّه يؤخذ به إذا بلغ الحلم ، أو قَدَر على صيام ثلاثة أيّامٍ تباعاً (5) للقوي (5). وفي الصحيح : في كم يؤخذ الصبي بالصيام ؟ قال : « ما بينه وبين خمس عشرة سنة وأربع عشرة سنة ، فإن هو صام قبل ذلك فدعه » (7). وفي الموثّق : عن الصبي متى يصوم ؟ قال : « إذا قوي على الصيام » (8) ونحوه غيره (9). وربّما يقال : إنّ الذي يتلخّص من الجمع بين الأخبار بعد ضمّ 1 ـ النهاية : 149 ، حكاه عن والد الصدوق في المختلف : 234 ، الصدوق في المقنع : 61. 2 ـ كصاحب الحدائق 13 : 178. 3 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 211 ، المستدرك 7 : 393 أبواب من يصح منه الصوم ب 19 ح 1. 4 ـ الفقيه 2 : 76 / 329 ، الوسائل 10 : 236 أبواب من يصح منه الصوم ب 29 ح 11. 5 ـ المقنعة : 367. 6 ـ الكافي 4 : 125 / 4 ، الفقيه 2 : 76 / 330 ، التهذيب 4 : 326 / 1013 ، الاستبصار 2 : 123 / 499 ، الوسائل 10 : 235 أبواب من يصح منه الصوم ب 29 ح 5. 7 ـ الكافي 4 : 125 / 2 ، الفقيه 2 : 76 / 332 ، التهذيب 4 : 236 / 1012 ، الوسائل 10 : 233 أبواب من يصح منه الصوم ب 29 ح 1. 8 ـ الكافي 4 : 125 / 3 ، الوسائل 10 : 234 أبواب من يصح منه الصوم ب 29 ح 2. 9 ـ التهذيب 4 : 326 / 1014 ، الوسائل 10 : 236 أبواب من يصح منه الصوم ب 29 ح 9. (404)
بعضها إلى بعض ـ هو : أنّ مراتب الأطفال ـ في القوّة والضعف والإطاقة وعدمها متفاوتة ، وبلوغ التسع أعلى المراتب ، بمعنى إمكان ذلك وتيسّره من الجميع ، وأمّا ما قبلها فالمراتب فيه متفاوتة ، فبعض يُكلَّف قبل السبع ، لإطاقته ذلك ، وبعض بوصولها ، وبعض بعدها.
وهو قريب من الصواب ، ومرجعه إلى العمل بالموثّقة وما في معناها من تحديد وقت الأخذ بالطاقة ، وإرجاع ما تضمّن التحديد بسبعٍ أو تسعٍ إليها بحمله على الغالب من حصول الطاقة بهما ، لا أنّهما حدّان لا يستحبّ التمرين قبلهما. وربّما يفهم هذا من المنتهى ، فإنّه قال : ويؤخذ الصبي بالصوم إذا أطاقه ، ثم قال : قال الشيخ : وحدّه إذا بلغ تسع سنين ، ويختلف حاله بحسب المكنة والطاقة (1). [ ويُلزَم به ] كلّ منهما [ عند البلوغ ] إجماعاً فتوىً ودليلاً. [ ولا يصحّ ] الصوم [ من المريض مع التضرّر به ] ولو بخوف زيادة المرض بسببه ، أو بطول (2) برئه ، أو بحصول مشقّةٍ لا يتحمّل مثلها عادةً ، أو بحدوث مرضٍ آخر. بالكتاب ، والسنّة ، والإجماع ، قال سبحانه : ( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) (3). وفي الصحيح : « الصائم إذا خاف على عينيه من الرمد أفطر » (4). 1 ـ المنتهى 2 : 584. 2 ـ في « ح » : بُطء. 3 ـ البقرة : 184. 4 ـ الكافي 4 : 118 / 4 ، الفقيه 2 : 84 / 373 ، الوسائل 10 : 218 أبواب من يصح منه الصوم ب 19 ح 1. (405)
وقال عليه السلام : « كلّما أضر به الصوم فالإفطار له واجب » (1).
[ ويصحّ لو لم يتضرّر ] به بإجماعنا ، وفي المنتهى : أنّ عليه أكثر العلماء ، وحكى عن قوم ـ لا اعتداد بهم ـ إباحة الفطر بكلّ مرض ، سواء زاد في المرض أو لم يزد (2). والأصل عليه ـ بعده ـ عمومات وجوب الصوم على من شهد الشهر ، مع اختصاص إطلاق ما دلّ على الفطر بالمرض ـ بحكم التبادر الموجَب عن الغالب ـ بالمضرّ منه لا مطلقاً. مضافاً إلى فحاوي جملة من النصوص الواردة في المسألة [ و ] منها ما دلّ على [ أنه يرجع في ذلك ] أي المرض المبيح للإفطار وغيره [ إلى نفسه ]. وهي مستفيضة ، منها : الصحيح : « ذاك إليه ، هو أعلم بنفسه ، إذا قوي فليصم » (3). ونحوه آخر بزيادة قوله « بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ » (4). والموثّق : « هو مؤتمن عليه ، مفوّض إليه ، فإن وجد ضعفاً فليفطر ، وإن وجد قوّةً فليصمه كان المرض ما كان » (5). 1 ـ الفقيه 2 : 84 / 374 ، الوسائل 10 : 219 أبواب من يصح منه الصوم ب 20 ح 2. 2 ـ المنتهى 2 : 596. 3 ـ الكافي 4 : 119 / 8 ، الوسائل 10 : 219 أبواب من يصح منه الصوم ب 20 ح 2. 4 ـ الكافي 4 : 118 / 3 ، الفقيه 2 : 83 / 369 باختلاف في السند ، التهذيب 4 : 256 / 758 ، الاستبصار 2 : 114 / 371 ؛ المقنعة : 355 ، الوسائل 10 : 220 أبواب من يصح منه الصوم ب 20 ح 5. 4 ـ الكافي 4 : 118 / 3 ، التهذيب 4 : 256 / 759 مرسلاً ، الاستبصار 2 : 114 / 372 ، الوسائل 10 : 220 من يصح منه الصوم ب 20 ح 4. |
|||
|