رياض المسائل الجزء الخامس ::: 436 ـ 450
(436)
    للأصل ، مع عدم تقصيره في الفوات ، لسعة الوقت ابتداءً وعروض العذر إضراراً ، ومعه يبعد التكفير جدّاً ، إذ هو لستر الذنب غالباً ، والنادر كالعدم.
    وللصحيح : « إن كان برئ ثم تواني قبل أن يدركه الرمضان الآخر صام الذي أدركه ، وتصدق عن كلّ يوم بمدّ من طعام على‏ مسكين ، وعليه قضاؤه » الحديث (1).
    ونحوه خبران آخران ، مرويّ أحدهما عن تفسير العيّاشي بزيادة التعليل بقوله : « من أجل أنّه ضيّع ذلك الصيام » (2) وبُدّل التواني بالتهاون في الثاني (3).
    وقريب منها خبر ثالث (4) ، لعلّه لا يخلو عن قصور في سند ، ونوع إجمال في دلالة ، وتقريبها فيما عداه واضح ؛ لاشتراط التكفير فيها أجمع بالتهاون والتواني ، وشي‏ء منهما لا يصدق فيما نحن فيه.
    خلافاً للمحكي عن الصدوقين والعماني ، فأطلقوا التكفير بالتأخير (5) ، بحيث يشمله وما يأتي ، وهو خيرة جماعةٍ من المتأخّرين (6) لإطلاق الأمر
1 ـ الكافي 4 : 119 / 1 ، التهذيب 4 : 250 / 743 ، الاستبصار 2 : 110 / 361 ، الوسائل 10 : 335 أبواب احكام شهر رمضان ب 25 ح 1.
2 ـ تفسير العياشي 1 : 79 / 178 ، الوسائل 10 : 339 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 11.
3 ـ التهذيب 4 : 251 / 746 ، الاستبصار 2 : 111 / 364 ، الوسائل 10 : 337 أبواب احكام شهر رمضان ب 25 ح 6.
4 ـ الكافي 4 : 120 / 3 ، التهذيب 4 : 251 / 745 ، الاستبصار 2 : 111 / 363 ، الوسائل 10 : 336 أبواب احكام شهر رمضان ب 25 ح 3.
5 ـ حكاه عنهم في المختلف : 240 ؛ وانظر المقنع : 64.
6 ـ منهم الشهيد الثاني في المسالك 1 : 78 ؛ وصاحبا المدارك 6 : 218 والذخيرة : 527.


(437)
به في نحو الصحيح : « إن كان صحّ فيما بينهما ولم يصم حتى أدركه شهر رمضان آخر صامهما جميعاً وتصدّق عن الأول » (1).
    وفيه نظر لوجوب حمله على ما مرّ ، حَملَ المطلق على‏ المقيّد.
     [ ولو ترك القضاء تهاوناً ] بأن لم يعزم عليه في ذلك الوقت ، أو عزم فلمّا ضاق الوقت عزم على‏ عدمه [ صام الحاضر وقضى الأول ] قطعاً.
    [ وكفّر عن كلّ يوم منه بمُدّ ] وجوباً على‏ الأشهر الأقوى‏ ، بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا وجملة من قدمائهم أيضاً (2).
    عدا الحلّي ، فلم يوجبه هنا ولا فيما مضى (3).
    وهو مع ندوره الأخبارُ المتقدّمة ـ مع استفاضتها وصحّة جملة منها واشتهارها ـ حجّة على‏ خلافه. والخبر المخالف لها (4) ـ مع ضعفه سنداً ـ مطروح ، أو مؤوّل بما يؤول إليها جمعاً ، وإن أمكن الجمع بحملها على‏ الاستحباب. إلّا أنّ الأول أولى‏ لرجحانها بما مضى ، فينبغي صرف التوجيه إلى‏ هذا.

     [ الثانية : يقضي عن الميّت ] الذكر [ أكبر أولاده ] الذكر [ ما تركه من صيام ، لمرضٍ وغيره ] من الأعذار الشرعية إذا كان [ ممّا تمكّن من‏
1 ـ الكافي 4 : 119 / 2 ، الفقيه 2 : 95 / 429 ، التهذيب 4 : 250 / 744 ، الاستبصار 2 : 111 / 362 ، الوسائل 10 : 335 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 2.
2 ـ حكاه عن والد الصدوق في المختلف : 240 ، الصدوق في المقنع : 64 ؛ وانظر النهاية : 158.
3 ـ السرائر 1 : 397.
4 ـ التهذيب 4 : 252 / 749 ، الاستبصار 2 : 111 / 365 ، الوسائل 10 : 337 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 7.


(438)
قضائه ولم يقضه ].
    بلا خلاف ظاهر إلّا من العماني ، فأوجب الصدقة عنه (1) ، وللمرتضى‏ في الانتصار ، فأوجبها إن خلّف مالاً ، وإلّا فعلى وليّه القضاء (2).
    وادّعى‏ الأول تواتر الأخبار بذلك ، وشذوذ ما عليه الأصحاب قاطبةً عداهما.
    ولا ريب في وهن هذه الدعوى‏ بقسميها :
    أمّا الثانية : فلما يظهر من تتبّع الفتاوي ، حتى أنّ الشيخ في الخلاف والحلّي في السرائر (3) ادّعيا الإجماع على‏ القضاء (4) ، وعزاه في المنتهى‏ إلى‏ علمائنا أيضاً (5) ، من غير أن يذكر قوله من أحد من علمائنا أصلاً ، مؤذناً بكون خلافه إجماعياً. وكذلك المرتضى‏ في كتابه الذي مضى ، لكن على‏ التفصيل الذي قدّمناه عنه.
    وكذلك الأُولى‏ ، فإنّ الأخبار المستفيضة القريبة من التواتر ـ بل لعلّها متواترة ـ مصرّحة بثبوت القضاء (6) وإن اختلفت في الدلالة على‏ ثبوته ووجوبه في الجملة أو مطلقاً ، ومع ذلك فهي مخالفة لما عليه جمهور العامّة كما صرّح به جماعة (7).
1 ـ كما حكاه عنه في المختلف : 241.
2 ـ الانتصار : 70.
3 ـ الخلاف 2 : 208 ، السرائر 1 : 395.
4 ـ وكذا الفاضل في المختلف ـ ص : 305 ـ في كتاب الحج في صيام بدل الهدي. ( منه رحمه الله).
5 ـ المنتهى 2 : 604.
6 ـ الوسائل 10 : 329 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23.
7 ـ منهم الشيخ في الخلاف 2 : 208 ، والعلّامة في المنتهى 2 : 604.


(439)
    ولا معارض لها عدا الصحيح المروي في التهذيبين ، وفيه : « إن صحّ ثم مرض حتى يموت وكان له مال تصدّق عنه ، فإن لم يكن له مال تصدّق عنه وليّه » (1).
    لكنّه مرويّ في الكافي والفقيه بمتن مغاير ، وهو قوله : « إن صحّ ثم مات وكان له مال تصدّق عنه مكان كلّ يوم بمدّ ، فإن لم يكن له مال صام عنه وليّه » (2).
    والطريق في الأول وإن ضعف إلّا أنّه في الثاني موثّق كالصحيح بأبان ، المجمع على‏ تصحيح ما يصحّ عنه.
    وهذا المتن مغاير لما ذكره (3) وإن وافقه في الجملة ، لكنّها غير كافية.
    وكيف كان ، فمثل هذه الرواية يشكل أن يعترض بها ما اشتهر بين الطائفة ، المستند إلى‏ الإجماعات المحكيّة ، وجملة من الأخبار المعتبرة ، الواضحة الدلالة على‏ وجوب القضاء على‏ الوليّ مطلقاً ، من غير تفصيل بين ما إذا كان له مال أم لا.
    وتنزيلها عليه وإن أمكن بالخبر المتقدّم المروي في الكتابين الأخيرين ، إلّا أنّه فرع التكافؤ المفقود من وجوه شتّى‏. فطرحه ، أو حمله على‏ اشتباه في المتن ، وأنّه المتن الأول وصحّف ، ثمّ على‏ التقيّة لما عرفته متعيّن.
    وأمّا الصحيح : قلت له : رجل مات وعليه صوم ، يصام عنه أو
1 ـ التهذيب 4 : 248 / 735 ، الاستبصار 2 : 109 / 356 ، الوسائل 10 : 331 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 8 بتفاوت.
2 ـ الكافي 4 : 123 / 3 ، الفقيه 2 : 98 / 439 ، الوسائل 10 : 331 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 7.
3 ـ من اِطلاق التصدّق ( منه رحمه الله ).


(440)
يتصدّق ؟ قال : « يتصدّق عنه فإنّه أفضل » (1).
    فمع عدم ظهور قائل به من التخيير وأفضلية الصدقة ، فمحمول على‏ ما إذا لم يكن له وليّ من الأولاد الذكور ، كما حمل عليه الفاضل في المختلف الرواية السابقة (2) ، ولكنّه فيها بعيد غايته.
    مع أنّ مقتضى‏ هذه الرواية حصول البراءة بالقضاء أيضاً ، فيكون أولى‏ تَفادياً من طرح ما عليه معظم العلماء ، مع عدم خروج عنها.
    واعلم أنّ إطلاق جملة من النصوص المعتبرة والفتوى‏ يقتضي عدم الفرق في القضاء عنه بين ما فات عذراً أو عمداً.
    خلافاً لجماعة ، فخصّوه بالأول (3) حملاً لها على‏ الغالب من الترك ، وهو ما كان على‏ هذا الوجه.
    ولا بأس به ، سيّما مع قوّة احتمال ظهور سياقها في ذلك كما لا يخفى‏ على‏ المتدبّر فيها. ولكن الأحوط القضاء مطلقاً.
     [ ولو مات في مرضه ] ولم يتمكّن من القضاء [ لا ] يجب أن [ يقضى عنه و ] إن [ استحبّ ].
    أمّا الأول : فبالنصّ المستفيض ، المتضمّن للصحاح وغيرها (4) ، مضافاً إلى‏ الإجماع الظاهر المصرّح به في الخلاف (5) ، وقريب منه بعض العبائر (6).
1 ـ الفقيه 3 : 236 / 1119 ، الوافي 11 : 349 / 11010.
2 ـ المختلف : 242.
3 ـ كالشيخ في النهاية : 157 ، والشهيد في الذكرى : 138 ، والخوانساري في المشارق : 479.
4 ـ الوسائل 10 : 329 ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 23.
5 ـ الخلاف 2 : 207.
6 ـ كما في المنتهى 2 : 603.


(441)
    وأمّا الثاني : فقد صرّح به جماعة (1) ، وعزاه في المنتهى‏ إلى‏ أصحابنا ، قال : لأنّه طاعة فعلت عن الميّت ، فيصل إليه ثوابها (2).
    وفيه نظر وفاقاً لجملة ممّن تأخّر (3) ، إذ لا كلام في جواز التطوّع عنه ، وإنّما الكلام في قضاء الفائت عنه ، والوظائف الشرعية إنّما تستفاد من النقل ، ولم يرد التعبّد بذلك ، بل ورد خلافه صرحياً في الخبر : عن امرأة مرضت في شهر رمضان فماتت في شوّال ، وأوصتني أن أقضي عنها ، قال : « هل برئت من مرضها ؟ » قلت : لا ، ماتت عليه ، قال : « لا تقض عنها ، فإن اللَّه تعالى لم يجعله عليها » قلت : فإنّي أشتهي أن أقضي عنها وقد أوصتني ، قال : « فكيف تقضي شيئاً لم يجعله اللَّه تعالى عليها ؟! » (4).
    لكنّه غير واضح السند وإن اُلحقَ بالموثّق لعدم ظهور الوجه.
    وما تقدّمه من الاعتبار حسن إن لم نكتف في نحو المقام (5) بفتوى‏ جماعةٍ فضلاً عن الجماعة كما هنا على‏ ما قيل.
    وأمّا معه (6) ـ كما هو الأقوى‏ ـ فلا. إلّا أن يقال : إنّه (7) حيث لا يحتمل التحريم ، وهو هنا يحتمل ، لظاهر الخبر المؤيّد بالنهي أو النفي‏
1 ـ منهم : المحقّق في المعتبر 2 : 700 ، والعلّامة في المنتهى 2 : 603 ، والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة : 259 ، وصاحب الحدائق 13 : 308.
2 ـ المنتهى 2 : 603.
3 ـ كصاحبي المدارك 6 : 211 ، والذخيرة : 527.
4 ـ الكافي 4 : 137 / 8 ، التهذيب 4 : 248 / 737 ، الاستبصار 2 : 109 / 358 ، علل الشرائع : 382 / 4 ، الوسائل 10 : 332 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 12.
5 ـ من الاستحباب. ( منه رحمه الله ).
6 ـ أي : مع الاكتفاء. ( منه رحمه الله ).
7 ـ أي : الاكتفاء والتسامح. ( منه رحمه الله ).


(442)
الراجع إليه في كثيرٍ من الأخبار.
    فالترك لعلّه أحوط وإن كان في تعيّنه نظر.
    [ وروى القضاء عن المسافر ] مطلقاً [ ولو مات في ذلك السفر ]
    ففي الصحيح (1) و الموثّق (2) : عن امرأةٍ مرضت أو طمثت أو سافرت فماتت قبل خروج شهر رمضان ، هل يُقضى‏ عنها ؟ قال : « أمّا الطمث والمرض فلا ، وأمّا السفر فنعم » ونحوهما الخبر (3).
    وفي الموثّق الآخر : عن رجل سافر في رمضان فأدركه الموت قبل أن يقضيه ، قال : « يقضيه أفضل أهل بيته » (4)
    وهي ـ مع قصور أكثرها سنداً وضعف بعضها دلالةً ـ لم أرَ عاملاً بها صريحاً ، بل ولا ظاهراً ، عدا الشيخ في التهذيب (5) ، مع أنّه رجع عنه في الخلاف إلى‏ ما عليه الماتن وأكثر الأصحاب ، [ و ] هو : أنّ [ الأولى‏ مراعاة التمكّن ، ليتحقّق الاستقرار ] مدّعياً عليه الإجماع (6).
    وهو الأقوى‏ له ، مضافاً إلى‏ الأصل وشذوذ الروايات ومعارضتها بما يدلّ على‏ أنّ وجوب القضاء على‏ الوليّ ـ بل جوازه ـ مشروط بوجوبه على‏
1 ـ الكافي 4 : 137 / 9 ، الفقية 2 : 94 / 423 ، الوسائل 10 : 330 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 4.
2 ـ التهذيب 4 : 249 / 741 ، الوسائل 10 : 334 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 16.
3 ـ التهذيب 4 : 249 / 740 ، الوسائل 10 : 334 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 15.
4 ـ التهذيب 4 : 325 / 1007 ، الوسائل 10 : 332 أبواب احكام شهر رمضان ب 23 ح 11.
5 ـ التهذيب 4 : 249.
6 ـ الخلاف 2 : 207.


(443)
الميّت من الروايات.
    منها ـ زيادةً على‏ الخبر المتقدّم قريباً ـ المرسل كالموثّق : « فإن مرض فلم يصم شهر رمضان ، ثم صحّ بعد ذلك فلم يقضه ، ثم مرض فمات ، فعلى وليّه أن يقضي عنه ، لأنّه قد صحّ فلم يقض ووجب عليه » (1).
    وقصور السند أو ضعفه منجبر بالعمل والموافقة لمقتضى‏ الأصل.
    ولشيخنا في المسالك والروضة قول آخر بالتفصيل بين السفر الضروري فالثاني (2) ، وغيره فالأول (3).
    ولم أقف على‏ مستنده ، عدا أمر اعتباري استنبطه ممّا ذكره في الدروس توجيهاً للرواية ، من أنّ السرّ فيها تمكّن المسافر من الأداء ، وهو أبلغ من التمكّن من القضاء إذا كان ترك السفر سائغاً ، وما ذكره في ردّه بقوله : وهو ممنوع ، لجواز كونه ضرورياً كالسفر الواجب ، فالتفصيل أجود (4).
    وهو كما ترى ، فإنّه اجتهاد صرف لا دليل عليه أصلاً ، فلا يمكن الاستناد إليه جدّاً.
     [ ولو كان ] له [ وليّان ] فصاعداً [ قضيا بالحصص ] وفاقاً للشيخ (5) وجماعة (6).
1 ـ التهذيب 4 : 249 / 739 ، الاستبصار 2 : 110 / 360 ، الوسائل 10 : 303 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 3.
2 ـ أي لا يجب القضاء ( منه رحمه الله ).
3 ـ المسالك 1 : 78 ، الروضة 2 : 124.
4 ـ الروضة 2 : 124.
5 ـ انظر المبسوط 1 : 286.
6 ـ منهم المحقق في المعتبر 2 : 703 ، والعلّامة في المختلف : 242 ، والشهيد في الروضة 2 : 122 ، وصاحب المدارك 6 : 226.


(444)
    لعموم نحو الصحيح : « يقضي عنه أولى‏ الناس بميراثه » (1) لشموله ـ بإطلاقه ـ المتّحد والمتعدّد ، ويتساوون ، لامتناع الترجيح من غير مرجّح.
    خلافاً للقاضي ، فالتخيير ، ومع الاختلاف فالقرعة (2).
    وللحلّي ، فلا يجب على‏ أحدهم بالكلّية (3).
    ولا حجّة لهما أجدها ، عدا ما استدلّ للأول من عموم ما دلّ على‏ أنّ القرعة لكلّ أمر مشكل.
    وهو ـ بعد تسليم جريانه في نحو العبادات ، مع أنّه قد أنكره الفاضل في المختلف (4) ـ لا يتمّ بإثبات التخيير فتأمّل.
    وللثاني من الأصل واختصاص الموجب للقضاء بالولد الأكبر ، وليس هنا بمقتضى‏ الفرض.
    وضعفه ظاهر إن سُلّم العموم المتقدّم. ولا يخلو عن نظر لتبادر الواحد ، مع ندرة المتعدد المتحدين بحسب السنّ لرجل واحد ، بحيث لا يزيد أحدهما على‏ الآخر بشي‏ء ولو من نحو دقيقة ، بأن ينفصلا دفعةً واحدة.
    فلما ذكره وجه إن لم ينعقد الإجماع على‏ خلافه كما هو الظاهر لعدم مخالف فيه عداه ، وهو نادر.
    مع أنّه يمكن أن يقال : بأنّ المعتبر اتّحاد السنّ العرفي لا اللغوي ، ولا يشترط فيه ما مرّ (5) ، بل لو انفصلا متعاقبين بينهما دقيقة ـ بل دقائق ـ كانا متّحدين سنّاً عرفاً ، والاتّحاد بهذا المعنى‏ غير نادر.
1 ـ الكافي 4 : 123 / 1 ، الوسائل 10 : 330 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 5.
2 ـ المهذّب 1 : 196.
3 ـ السرائر 1 : 399.
4 ـ السرائر 1 : 399.
5 ـ وهو الانفصال دفعة واحدة.


(445)
     [ ولو تبرّع بعضهم ] فأتى‏ بعضاً ممّا يجب على‏ الآخر [ صحّ ] عند الشيخ (1) ومَن تبعه (2) ، بل والقاضي. أيضاً على‏ ما يقتضيه مذهبه من التخيير كما عرفته (3).
    قيل : لأنّ المقصود براءة الذمّة وقد حصل (4).
    خلافاً للحلّي ، فمنع (5). وللمنتهى‏ ، فتردّد أولاً من الوجوب على‏ الولي ـ فلا يخرج عن العهدة بفعل المتبرّع ، كالصلاة عنه حيّاً ـ ومن كون الحقّ على الميّت ، فاُسقط بفعل المتبرع عنه الوجوب ، لكن استقرب أخيراً المنع فقال : والأقرب في ذلك كلّه عدم الإجزاء عملاً بالأصل (6). وأشار بـ : « كلّه » إلى‏ التبرّع بالإذن ، أو الأمر أو الاستئجار.
    وينبغي القطع ببراءة ذمّة الميّت لعموم ما دلّ على‏ انتفاعه بما يرد عليه من العبادات ، حتى أنّه ليكون في شدّةٍ فيوسّع عليه (7) ».
    ويتعلّق الإشكال ببراءة الولي خاصّة ، لكن الأقرب فيه البراءة أيضا ، بناء على ما يستفاد من تتبّع الأخبار ـ بل والفتاوي ـ أنّ المقصود من أمر الولي بالقضاء ليس إلّا إبراء ذمّة ميّتة.
    بل ورد في جملة من الأخبار : « فليقض عنه أفضل أهل بيته » (8) أو « من‏
1 ـ كما في المبسوط 1 : 286.
2 ـ كالمحقق في الشرائع 1 : 204 ، والشهيد الأول في الدروس 1 : 289 ، والشهيد الثاني في المسالك 1 : 78 ، وصاحب المدارك 6 : 227.
3 ـ المهذّب 1 : 196.
4 ـ المسالك 1 : 78.
5 ـ السرائر 1 : 399.
6 ـ المنتهى 2 : 604.
7 ـ الوسائل 2 : 443 أبواب الاحتضار ب 28 ؛ وج 8 : 276 أبواب قضاء الصلوات 12.
8 ـ التهذيب 4 : 325 / 1007 ، الوسائل 10 : 332 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 11 ،


(446)
شاء من أهل بيته » (1) فتأمّل.
    وفي النبوي : إنّ أُمّي ماتت وعليها صوم شهر ، أفأقضيه عنها ؟ قال صلى الله عليه وآله : « لو كان على‏ أُمّك دينٌ أكنتَ تقضيه عنها ؟ » قال : نعم ، قال : « فدَين اللَّه تعالى أحقّ أن يُقضى‏ » (2).
    وفي المختلف ـ بعد نقله ـ : وهذا الحديث وإن أورده الجمهور في الصحيح إلّا أنّه مناسب للمعقول (3).
    هذا ، مضافاً إلى‏ الشهرة ، وعموم : « يقضيه أولى‏ الناس بميراثه » (4) ، بناءً على‏ صدقه على‏ المتعدّد.
    والتزام التخصيص بينهم إنّما هو لدفع إلزام بعضهم بالتكليف من غير مرجّح ، وإلّا فلو تكلّفه بعضهم صدق أنّه قضاه أولى‏ الناس به. ولعلّه لهذا قال القاضي بالتخيير ، والشيخ ومَن تبعه بالصحّة مع التبرّع.
    وكيف كان ، فما اختاروه في غاية القوّة.
    و [ يُقضى عن المرأة ما تركته ] من الصيام ، على‏ نحو ما يُقضى‏ عن الرجل ، بلا خلافٍ في جوازه.
    و [ على تردّد ] في وجوبه على‏ الولي :
    من اشتراكها مع الرجل في الأحكام غالباً ، ودلالة الصحيح والموثّق صريحاً على‏ أنّه يُقضى‏ عنها ما فاتها سفراً (5) ، وقريب منهما رواية أُخرى‏
بتفاوت.
1 ـ الفقيه 2 : 98 / 440 ، الوسائل 10 : 329 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 1.
2 ـ صحيح مسلم 2 : 804 / 155.
3 ـ المختلف : 243.
4 ـ الكافي 4 : 123 / 1 ، الوسائل 10 : 330 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 5.
5 ـ راجع ص 442.


(447)
مضت ـ كالخبرين ـ قريباً (1).
    ومن الأصل ، وضعف الظنّ الحاصل من الاشتراك هنا ، وقصور دلالة الروايات على‏ الوجوب ، وغايتها الجواز ، ونحن نقول به ، مع كونه مجمعاً عليه كما مضى. مع أنّ الخبرين الأولين لا يقول بمضمونهما الأكثر لتضمّنهما ثبوت القضاء على‏ الولي مع عدم تمكّن الميّت منه.
    وهذا الوجه أقوى ، وفاقاً للحلّي ، والمحقّق الثاني فيما يحكى‏ عنه ، وشيخنا في المسالك (2) وغيرهم (3).
    خلافاً للشيخ ، والفاضل في جملة من كتبه ـ ومنها : المختلف ، حاكياً له فيه عن القاضي ـ والشهيد في الدروس ، والفاضل المقداد في شرح الكتاب (4) ، وغيرهم (5) ، فاختاروا الأول ، ولا ريب أنّه أحوط.

     [ الثالثة : إذا كان الأكبر ] أي أكبر أولاده [ أُنثى فلا قضاء ] عليها ، على‏ الأشهر الأقوى‏ للأصل ، وصريح الصحيح (6) والمرسل (7) : « يقضي عنه أولى‏ الناس بميراثه » قلت : فإن كان أولى‏ الناس به امرأة ؟ فقال : « لا ، إلّا الرجل ».
    خلافاً للمفيد ، والصدوقين ، والإسكافي ، والقاضي ، فتقضي (8).
1 ـ راجع ص : 441.
2 ـ الحلي في السرائر 1 : 399 ، المحقق الثاني في جامع المقاصد 1 : 154 ، المسالك 1 : 78.
3 ـ كفخر المحقّقين في اِيضاح الفوائد 1 : 241.
4 ـ الشيخ في المبسوط 1 : 286 ، الفاضل في المنتهى 2 : 605 ؛ التذكرة 1 : 276 ، والمختلف : 243 ، القاضي في المهذّب 1 : 196 ، الدروس 1 : 289 ، الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1 : 384.
5 ـ كصاحب المدارك 6 : 228.
6 ـ الكافي 4 : 123 / 1 ، الوسائل 10 : 330 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 5.
7 ـ الكافي 4 : 124 / 4 ، التهذيب 4 : 246 / 731 ، الاستبصار 2 : 1080 / 354 ، الوسائل 10 : 331 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 6.
8 ـ المفيد في المقنعة : 353 ، نقله عن والد الصدوق في المختلف : 242 ، المقنع :


(448)
    ولا حجّة لهم واضحة ، عدا الإطلاقات بإثبات القضاء على‏ الولي.
    والرضوي : « إذا كان للميّت وليّان فعلى أكبرهما من الرجال أن يقضي عنه ، وإن لم يكن له وليّ من الرجال قضى‏ عنه وليّه من النساء » (1).
    وفيهما نظر :
    أمّا الأول : فلعدم معلوميّة حجّية مثله ، بعد قوّة احتمال وروده لإثبات القضاء في الجملة على‏ الولي ، من غير نظر إلى‏ تشخيصه.
    وربّما يستأنس له ملاحظة سياق الخبرين الماضيين ، حيث إنّه أطلق في صدرهما الحكم بالقضاء عليه من غير تفصيل ، ثم فصّل في ذيلهما ـ بعد السؤال ـ بمن عدا النساء.
    وأمّا الثاني : فلعدم مقاومته للصحيح وغيره ، سيّما بعد اعتضادهما بالأصل ، والشهرة المتأخّرة الظاهرة ، والمحكيّة في المسالك (2) وغيره (3) ، وفتوى : جماعة من القدماء ، كالشيخ في المبسوط والنهاية ، والحلّي ، وابن حمزة (4).
    ومع ذلك فلا قائل بها فيه عدا الصدوقين ، حتى المفيد ، والإسكافي ، والقاضي.
    لقول الأول : بأنّه أكبر الأولاد ، ومع فقده فأكبر أهله من الذكور ، فإن فقدوا فالنساء.
    والثاني : بأنّه أكبر أولاده الذكور ، أو أقرب أوليائه. وكذلك القاضي.
    وأقوالهم متّفقة على‏ تقديم أكبر الأولاد على‏ أكبر مَن عداهم من‏
64 ، القاضى في المهذّب 1 : 195.
1 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 211 ، المستدرك 7 : 449 أبواب أحكام شهر رمضان ب 16 ح 1.
2 ـ المسالك 1 : 78.
3 ـ كالمهذّب البارع 2 : 74.
4 ـ المبسوط 1 : 286 ، النهاية : 157 ، الحلي في السرائر 1 : 399. ابن حمزة في الوسيلة : 150.


(449)
الرجال.
    ولا كذلك الرضوي لدلالته على‏ تقديم أكبر الرجال مطلقاً ، حتى لو اجتمع أبو الميّت وأكبر أولاده تحتّم على‏ أبيه ، وينعكس على‏ قول الباقين.
    وعلى‏ المختار ، هل يجب مع فقد أكبر الأولاد الذكور على‏ أكبر الرجال ، كما يقتضيه إطلاق الصحيح وما بعده ؟!
    أم لا ، كما يقتضيه الأصل ، وعدم قائل به بعد نفي الوجوب عن أكبر النساء ؟
    وجهان ، ولا ريب أنّ الثاني أقوى إن أفاد عدم القائل به بعد ذلك إجماعاً ، ولعلّه الظاهر من تتبّع الفتاوى ، وتشير إليه العبارة هنا ، وفي التنقيح (1) ، وغيرهما (2) ، كما لا يخفى‏ على‏ المتدبّر جدّاً ، ولعله لذا اشتهر بين المتأخّرين أن الولي هو أكبر أولاده الذكور خاصّة.
    مضافاً إلى‏ الأصل ، مع إجمال في إطلاقات الولي كما عرفت ، فينبغي الاقتصار فيما خالفه على‏ المجمع عليه فتوىً ورواية. ولعلّه إلى‏ هذا نظر من استدلّ عليه بأنّ الأصل براءة الذمّة إلّا ما حصل الاتّفاق عليه (3) ، فتدبّر.
    ثم إنّ المراد بأكبر أولاده ـ على‏ ما في كلام شيخنا الشهيد الثاني (4) وغيره (5) ـ هو : من ليس له أكبر منه ، وإن لم يكن له ولد متعدّدون ، مع بلوغه عند موته ولعلّه لإطلاق لفظ الولي في أكثر الأخبار.
1 ـ التنقيح الرائع 1 : 384.
2 ـ كالمختلف : 242.
3 ـ كما في المعتبر 2 : 702 ، والمختلف : 242 ، والروضة 2 : 123 ، التنقيح 1 : 384.
4 ـ المسالك 2 : 78.
5 ـ كصاحب المدارك 6 : 225.


(450)
    ووروده في بعضها بلفظ أفعل التفضيل (1) لا يقتضي التقييد لوقوعه جواباً عن السؤال عن الوليّين.
    وفي وجوبه عليه عند بلوغه إذا كان صغيراً عند موته وجهان ، بل قيل : قولان (2).
    وكما لا قضاء كذا لا فداء على‏ الأقوى‏ ، وفاقاً لجماعة (3) للأصل السليم عمّا يصلح للمعارضة.
    [ وقيل : يتصدّق من التركة عن كلّ يومٍ بمد ] والقائل الشيخ (4) وجماعة (5) ، بل المشهور ، كما في المختلف والدروس (6) للصحيحة المتقدّمة في صدر المسألة الثانية (7).
    وليس لها عليه دلالة بالكلّية ، وبه صرّح أيضاً جماعة (8).
     [ ولو كان عليه شهران متتابعان ، جاز أن يقضي الولي شهراً ، ويتصدّق عن شهر ] وفاقاً للشيخ (9) وجمع (10).
1 ـ الوسائل 10 : 330 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 3.
2 ـ كما في الروضة 2 : 122 ، المدارك 6 : 225 ، والذخيرة : 528.
3 ـ منهم : الفاضل الاّبي في كشف الرموز 1 : 305 ، والفاضل المقداد في التنقيح 1 : 384 ، والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 5 : 278.
4 ـ المبسوط 1 : 286.
5 ـ منهم : ابن حمزة في الوسيلة : 150 ، والعلّامة في الإرشاد 1 : 303.
6 ـ المختلف : 242 ، 244 ، الدروس 1 : 288.
7 ـ راجع ص 439.
8 ـ منهم : الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1 : 384 ، وصاحب المدارك 6 : 224 ؛ وانظر الحدائق 13 : 328.
9 ـ الشيخ في النهاية : 158.
10 ـ كالقاضي في المهذب 1 : 196 ، والعلّامة في القواعد 1 : 67 ظن واللمعة ( الروضة البهية 2 ) : 125.
رياض المسائل الجزء الخامس ::: فهرس