|
|||
(451)
للخبر : « إذا مات رجل وعليه صيام شهرين متتابعين من علّةٍ فعليه أن يتصدّق عن الشهر الأول ، ويقضي الشهر الثاني » (1).
وفيه ضعف سنداً. خلافاً للحلّي ، فأوجب قضاءهما ، إلّا ؟ أن يكونا من كفّارة مخيّرة ، فيتخيّر بينه وبين العتق أو الإطعام من مال الميّت (2) وهو خيرة الفاضل (3) وجماعة (4). ولا يخلو عن قرب ، استناداً في وجوب القضاء إلى عموم جملة من النصوص الواردة في أصل المسألة ، ومورد أكثرها وإن كان قضاء رمضان خاصّةً إلّا أنّ في الجواب ما هو ظاهر في العموم ، مع أنّه لا قائل بتخصيص الحكم بالمورد ، بل يتعدّى عنه ولو في الجملة إجماعاً ، فتأمّل. وفي التخيير بينه وبين غيره إلى الأصل السلم عمّا يصلح للمعارضة ، عدا الخبر السابق ، وقد عرفت جوابه ، مع عدم معلومية انصرافه إلى المخيّرة ، بل ظاهره غيرها ، كما صرّح به في الذخيرة (5). وبمثله يجاب عن إطلاق النصوص الواردة في أصل المسألة ، فإنّ أكثرها مختصّة بقضاء شهر رمضان ، وبعضها ظاهر في الصوم المتعيّن لا المخيّر. ومن هنا يظهر ضعف القول بوجوب القضاء مطلقاً ، كما اختاره بعض متأخّري أصحابنا (6). 1 ـ الكافي 4 : 124 / 6 ، التهذيب 4 : 249 / 742 ، الوسائل 10 : 334 أبواب أحكام شهر رمضان ب 24 ح 1. 2 ـ السرائر 1 : 398. 3 ـ المختلف : 244. 4 ـ منهم صاحب المدارك 6 : 230 ، وانظر مجمع الفائدة 5 : 279. 5 ـ الذخيرة : 529. 6 ـ كالشهيد الثاني في المسالك 1 : 78. (452)
ولو لا ظهور اتّفاق الأصحاب على اشتغال ذمّة الولي بشيء ما هنا ، لكان القول ببراءتها متعيّناً لعدم دليل على شيء من الأقوال ، حتى قول الحلّي ، لعدم دليل عليه بالخصوص ، والأصل أيضاً ينفيه ، لكن شبهة الإجماع دَعَتْنا إلى قبوله بعد ما ظهر فساد قول غيره بمخالفته بالأصل ، مع ضعف الدليل الخاص المستدلّ به عليه.
ثم إنّ ظاهر العبارة التخيير بين القضاء وما في الرواية وظاهرها تعيّن ما فيها. [ الرابعة : قاضي رمضان مخيّر ] : في الإفطار مع سعة الوقت [ حتى تزول الشمس ] على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامّة من تأخّر للأصل ، والمعتبرة المستفيضة ، وفيها الصحاح وغيرها. منها : في الذي يقضي شهر رمضان « أنّه بالخيار إلى زوال الشمس ، فإن كان تطوّعاً فإنّه إلى الليل بالخيار » (1). خلافاً لظاهر العماني ، والحلبي ، فلا خيار (2) لعموم النهي عن إبطال العمل (3) ، ويخصّص بما مرّ ، للصحيح (4) وغيره (5) ، وحُمِلا على الاستحباب أو على ضيق الوقت جمعاً (6). 1 ـ التهذيب 4 : 280 / 849 ، الاستبصار 2 : 122 / 396 ، الوسائل 10 : 16 أبواب وجوب الصوم ونيته ب 4 ح 4 2 ـ نقله عن العماني في المختلف : 247 ، الحلبي في الكافي : 184. 3 ـ سورة محمد : 33. 4 ـ التهذيب 4 : 186 / 522 ، الوسائل 10 : 17 أبواب وجوب الصوم ونيته ب 4 ح 6. 5 ـ التهذيب 4 : 279 / 846 ، الاستبصار 2 : 121 / 393 ، الوسائل 10 : 348 أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 3. 4 ـ راجع الذخيرة : 509. (453)
[ ثم ] بعد الزوال [ يلزمه المضيّ ] به بلا خلاف
[ فإن أفطر لغير عذر ] أثِمَ و [ أطعم عشرة مساكين ] لكلّ مسكين مدّ
[ ولو عجز صام ثلاثة أيّام ] على الأظهر الأشهر للخبر (1) المنجبر بالعمل ، المؤيّد بالصحيح (2) القريب منه دلالةً.
خلافاً للحلبي ، وابن زهرة ، فخيّرا بينهما (3). وللقاضي ، فكفّارة يمين (4). ولم أقف على حجّةٍ للقولين ، عدا ما في الغنية من دعوى الإجماع على الأول ، ووهنها ظاهر ، مع قصوره عن مقاومة الخبر السابق. وللصدوقين ، فكفّارة شهر رمضان (5) للموثّق (6) ، والرضوي (7). وحُمِلا على الاستحباب (8). وللعماني ، فلا كفّارة أصلاً (9) للموثّق (10). وهو محمول على التقيّة 1 ـ الكافي 4 : 122 / 5 ، الفقيه 2 : 96 / 430 ، التهذيب 4 : 278 / 844 ، الاستبصار 2 : 120 / 391 ، الوسائل 10 : 347 أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 1. 2 ـ التهذيب 4 : 279 / 845 ، الاستبصار 2 : 12 / 392 ، الوسائل 10 : 347 أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 2. 3 ـ الحلبي في الكافي : 184 ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 572. 4 ـ المهذّب 1 : 200 ، 203. 5 ـ نقله عن والد الصدوق في المختلف : 246 ، المقنع : 63. 6 ـ التهذيب 4 : 279 / 846 ، الاستبصار 2 : 121 / 393 ، الوسائل 10 : 348 أبواب احكام شهر رمضان ب 29 ح 3. 7 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 213 ، المستدرك 7 : 454 أبواب أحكام شهر رمضان ب 21 ح 1. 8 ـ كما في المعتبر 2 : 705 ، والذخيرة : 509. 9 ـ حكاه عنه في المختلف : 247. 10 ـ التهذيب 4 : 280 / 747 ، الاستبصار 2 : 121 / 394 ، الوسائل 10 : 348 أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 4. (454)
لكونه مذهب الجمهور كافّة عدا قتادة ، كما في المنتهى (1).
وسيأتي مزيد تحقيق للمسألة في كتاب الكفّارات مستقصىً. واحترز بقضاء رمضان عن غيره في الحكم التكليفي ، كقضاء النذر المعيّن حيث أخلّ به في وقته ، فلا تحريم فيه مطلقاً ، فضلاً عن الكفّارة. وكذا كلّ واجبٍ غير معيّن ، كالنذر المطلق والكفّارة ، وبه صرّح جماعة (2). خلافاً للحلبي (4) وغيره (5) ، فيحرم ، للنهي السابق (3) ، مضافاً إلى الخبر : في قوله : « الصائم بالخيار إلى زوال الشمس » قال : « إنّ ذلك في الفريضة ، فأمّا النافلة فله أن يفطر أيّ وقت شاء إلى غروب الشمس » (6). ونحوه آخر : « صوم النافلة لك أن تفطر ما بينك وبين الليل متى ما شئت ، وقضاء صوم الفريضة لك أن تفطر إلى زوال الشمس ، فإذا زالت الشمس فليس لك أن تفطر » (7). وفيه قوّة ، لا للخبرين ، لضعف سندهما ، وعدم صراحتهما في غير قضاء رمضان ، بل يحتملان الاختصاص به ، للغلبة ، أو التبادر. احکام شهر رمضان ب 29 ح 4. 1 ـ المنتهى 2 : 605. 2 ـ منهم : الشهيد الثاني في المسالك 1 : 79 ، وصاحب المدارك 6 : 233 ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : 509. 3 ـ الكافي في الفقه : 185 ، 186. 4 ـ حكاه في المختلف : 247 ، عن الحسن بن أبي عقيل ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 572. 5 ـ عن اِبطال العمل ( منه رحمه الله ). 6 ـ الكافي 4 : 122 / 3 ، الفقيه 2 : 96 / 433 ، التهذيب 4 : 278 / 843 ، الوسائل 10 : 17 أبواب وجوب الصوم ونيته ب 4 ح 8. 7 ـ التهذيب 4 : 278 / 841 ، الاستبصار 2 : 120 / 389 ، الوسائل 10 : 18 أبواب وحوب الصوم ونيته ب 4 ح 9. (455)
بل لعموم النهي عن الإبطال ، السالم هنا عن المعارض ، عدا فحوى ما دلّ على جواز الإفطار في قضاء رمضان قبل الزوال (1) ، ففي غيره أولى ، لما في بعض الأخبار من أنّه عند اللَّه تعالى من أيّام شهر رمضان (2) ، مؤيّداً باتّفاق أكثر الفتاوي بحرمة إفطاره ـ ولو في الجملة ـ دون غيره ، فهو آكد من غيره جدّاً ، فيخصَّص بالإضافة إلى قبل الزوال ، ويبقى ما بعده داخلاً في العموم ، ويعضده الخبران حينئذ.
نعم ، لا تجب الكفّارة قطعاً لعدم دليل عليه هنا أصلاً. [ الخامسة : من نسي غُسل الجنابة حتى خرج الشهر ، فالمروي ] في المعتبرة : أنّ عليه [ قضاء الصلاة والصوم ] معاً. ففي الصحيح : عن رجل أجنب في شهر رمضان ، فنسي أن يغتسل حتى خرج رمضان ، قال : « عليه أن يقضي الصلاة والصيام » (3). ونحوه الخبران (4) ، المنجبران بموافقة الصحيح ، وعمل الأكثر ، كالشيخ في النهاية والمبسوط ، والإسكافي (5) ، وأكثر المتأخّرين ، بل عامّتهم ، حتى الماتن في المعتبر (6). [ و ] لكنّه هنا قال : [ الأشبه : قضاء الصلاة حسبُ ] لكونه مجمعاً عليه نصّاً وفتوىً ، 1 ـ الوسائل 10 : 15 أبواب وجوب الصوم ونيته ب 4. 2 ـ التهذيب 4 : 279 / 846 ، الاستبصار 2 : 121 / 393 ، الوسائل 10 : 348 أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 3. 3 ـ التهذيب 4 : 322 / 990 ، الوسائل 10 : 238 أبواب من يصح منه الصوم ب 30 ح 3. 4 ـ الفقيه 2 : 74 / 320 و 321 ، الوسائل 10 : 237 أبواب من يصح منه الصوم ب 30 ح1 ، 2. 5 ـ النهاية : 165 ، المبسوط 1 : 288 ؛ ونقله عن ابي الجنيد في المختلف : 233. 6 ـ المعتبر 2 : 705. (456)
وبالإجماع عليه صرّح جماعة مستفيضاً (1) ، دون قضاء الصوم ، لعدم إجماع عليه.
والأمر به في الصحيح وغيره وإن أوجبه إلّا أنّه معارَض بأجود منه ، وهو : الصحاح المستفيضة ، المتضمّنة لأنّ الجنب إذا أصبح في النومة الاولى فلا قضاء عليه (2). وهي أيضاً مشهورة ، معتضدة بأصالة البراءة ، السليمة عمّا يصلح للمعارضة ، عدا دعوى اشتراط الصوم بالطهارة (3) ، ولا حجّة عليها بالكلّية. ولأجل هذا اختار الحلّي العدم أيضاً (4). والجمع بينهما ـ بتقييد ما هنا بما إذا عرض النسيان في الليلة الأُولى ، وانتبه قبل طلوع الفجر ، على وجه يمكنه الاغتسال لو كان ذاكراً ، أو أصبح في النومة الثانية ، كما اتّفق لبعض المتأخّرين (5) ـ وإن أمكن ، إلّا أنّه فًرع وجود قائل بهذا التفصيل قبله ، ولم نجده. لكن فتوى المشهور بالمتعارضين في المقامين تستلزم الجمع بينهما بما ذكر ، أو بحمل ما هنا على الناسي ، وتخصيص ذلك بالنائم عالماً عازماً. وفي الروضة : أنّ هذا أوفق ، قال : بل لا تخصيص فيه لأحد النصّين لتصريح ذلك بالنوم عالماً عازماً ، وهذا بالناسي. ثم قال : ويمكن الجمع أيضاً ، بأنّ مضمون هذه الرواية نسيانه الغسل حتى خرج الشهر ، فيفرق بين اليوم والجميع ، عملاً بمنطوقهما ، إلّا أنّه يشكل 1 ـ منهم الحلي في السرائر 1 : 407 ، وصاحب المدارك 6 : 235 ، وانظر الحدائق 13 : 298. 2 ـ الوسائل 10 : 57 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13. 3 ـ كما في المختلف : 233. 4 ـ السرائر 1 : 407. 5 ـ المدارك 6 : 237. (457)
بأنّ قضاء الجميع يستلزم قضاء الأبعاض ، لاشتراكهما في المعنى إن لم يكن أولى. انتهى (1).
وفي بعض ما ذكره نظر لا يخفى. واعلم أنّ هذا الذي تقدّم إنّما هو بعض أقسام الصوم الواجب. [ وأمّا بقيّة أقسام الصوم فسيأتي ] ذكرها [ في أماكنها إن شاء اللَّه تعالى ] وفيها غنى عن ذكرها هنا. 1 ـ الروضة 2 : 117. (458)
فـ [ منه ما لا يختصّ وقتاً ] معيّناً ، كصيام أيّام السنة عدا ما استُثني [ فإنّ الصوم جُنّة من النار ] كما في النبوي (1) ، وفيه : « الصائم في عبادة وإن كان على فراشه ، ما لم يغتب مسلماً » (2).
وفي الحديث القدسي : « الصوم لي ، وأنا أجزي به » (3). وفي الصادقي : « نوم الصائم عبادة ، وصمته تسبيح ، وعمله متقبلّ ودعاؤه مستحاب » (4) وفيه : « من صام للَّه عزّ وجلّ يوماً في شدّة الحرّ ، فأصابه ظمأ ، وكّل اللَّه تعالى به ألف ملك يمسحون وجهه ، ويبشّرونه بالجنّة ، حتى إذا أفطر قال اللَّه جلّ جلاله : ما أطيب ريحك وروحك ، يا ملائكتي اشهدوا أنّي قد غفرت له » (5). ولو لم يكن في الصوم إلّا الارتقاء من حضيض حظوظ النفس 1 ـ الكافي 2 : 18 / 5 ، الفقيه 2 : 44 / 196 ، التهذيب 4 : 151 / 418 ، الوسائل 10 : 173 أبواب من يصح منه الصوم ب 1 ح 1. 2 ـ الفقيه 2 : 44 / 197 ، التهذيب 4 : 190 / 538 ، ثواب الأعمال : 79 / 1 ، الوسائل 10 : 137 أبواب آداب الصائم ب 2 ح 3. 3 ـ الكافي 4 : 63 / 6 ، الوسائل 10 : 397 أبواب الصوم المندوب ب 1 ح 7 وفيهما : أجزي عليه. 4 ـ الفقيه 2 : 46 / 206 ، ثواب الأعمال : 79 / 3 ، الوسائل 10 : 403 أبواب الصوم المندوب ب 1 ح 24. 5 ـ الكافي 4 : 65 / 27 ، الفقيه 2 : 45 / 205 ، ثواب الأعمال : 81 ، امالي الصدوق : 470 / 8 ، الوسائل 10 : 409 أبواب الصوم المندوب ب 3 ح 1 ، وفي الجميع لا توجد : بالجنَّة. (459)
البهيمية إلى ذروة التشبّه بالملائكة الروحانية ، لكفى به فضلاً ومنقبة.
[ ومنه ما يختصّ وقتاً ] معيّناً ، وهو كثير. [ و ] لكن [ المؤكّد منه أربعة عشر صوما ] : [ صوم ] ثلاثة أيّام من كلّ شهر : [ أول خميس من الشهر ، وأول أربعاء من العشر الثاني ] منه [ وآخر خميس من العشر الأخير ] منه. فقد كثر الحثّ عليه في السنّة المطهّرة : ففي الصحيح : « يعدلن صوم الدهر ، ويذهبن بوَحَر الصدر » قال الراوي : الوَحَر : الوسوسة ، وفيه أنّ النبي صلى الله عليه وآله قبض عليه (1). وفي الموثّق إنّه : « جميع ما جرت به السنّة » (2). وفي رواية : « لا يقضي شيئاً من صوم التطوّع إلّا الثلاثة الأيّام التي يصومها من كلّ شهر » (3). ويسقط القضاء مع السفر ، كما في الصحيح (4) وغيره (5). وكذا المرض لأنّ المريض أعذر ، وللخبر : « المرض قد وضعه اللَّه تعالى عنك ، والسفر إن شئت فاقضه ، وإن لم تقضه فلا تفضه » (6). 1 ـ الكافي 4 : 89 / 1 ، الفقيه 2 : 49 / 210 ، التهذيب 4 : 302 / 913 ، الاستبصار 2 : 136 / 444 ، ثواب الأعمال : 108 / 6 ، المحاسن : 301 / 8 ، الوسائل 10 : 415 أبواب الصوم المندوب ب 7 ح 1 ، بتفاوت. 2 ـ الكافي 4 : 93 / 9 ، الفقيه 2 : 51 / 220 ، الوسائل 10 : 418 أبواب الصوم المندوب ب 7 ح 6 بتفاوت. 3 ـ الكافي 4 : 142 / 8 ، التهذيب 4 : 233 / 985 ، الاستبصار 2 : 100 / 327 ، الوسائل 10 : 222 أبواب من يصح منه الصوم ب 21 ح 2. 4 ـ الكافي 4 : 130 / 3 ، الوسائل 10 : 223 أبواب من يصح منه الصوم ب 21 ح 3. 5 ـ الكافي 4 : 130 / 4 ، الوسائل 10 : 223 أبواب من يصح منه الصوم ب 21 ح 4. 6 ـ الكافي 4 : 130 / 2 ، الوسائل 10 : 223 أبواب من يصح منه الصوم ب 21 ح 5 ، (460)
لكنّه مع ضعف سنده ، ومخالفته الصحيح في السفر معارَض بآخر : « إن كان من مرض ، فإن برئ فليقضه ، وإن كان من كبر أو عطش فبدل كلّ يوم مدّ » (1).
والعمل بهذا وبسابقه في إثبات القضاء في السفر أحوط بناءً على المسامحة في أدلّة السنن ، وبحمل الصحيح في السفر على نفي التأكّد أو الوجوب ، كما يشعر به سياقه. [ ويجوز تأخيرها مع المشقّة من الصيف إلى الشتاء ] ويكون مؤدّياً للسنّة ، كما في النصوص المستفيضة (2) ، بل يستفاد من إطلاقها جواز التأخير اختياراً ، كما صرّح به جماعة (3). [ وإن عجز تصدّق عن كلّ يوم بمدّ ] من طعام ، أو بدرهم ، كما في النصوص المستفيضة (4) ، وفيها الصحيح وغيره. ثم إنّ ما في العبارة من الكيفية في ترتيب الأيّام الثلاثة هو الأظهر الأشهر فتوىً وروايةً ، كما صرّح به جماعة (5) ، بل عليه الإجماع في ظاهر الغنية (6). و منهما : واِن لم تقضه فلا جناح عليك. 1 ـ التهذيب 4 : 239 / 700 ، الوسائل 10 : 432 أبواب الصوم المندوب ب 10 ح 1. 2 ـ الوسائل 10 : 430 أبواب الصوم المندوب ب 9. 3 ـ منهم : المحقّق في الشرائع 1 : 207 ، والفيض في المفاتيح 1 : 282 ، وصاحب الحدائق 13 : 353. 4 ـ الوسائل 10 : 433 أبواب الصوم المندوب ب 11. 5 ـ كالعلّامة في المختلف : 238 ، والفيض في المفاتيح 1 : 281 ، والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 5 : 183. 6 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 573. (461)
خلافاً للشيخ ، فخيّر بين صوم أربعاء بين خميسين ، أو خميس بين أربعاءين (1) للخبر (2).
وللإسكافي ، فهكذا في شهر ، وهكذا في آخر (3) لآخر (4). وليس في الخبرين مقاومة لما مرّ بوجه. وللعماني ، فجعل الأربعاء الوسط الأخير من العشر الثاني (5). ولم أعثر له على خبر ، فضلاً عن أن يقاوم ما مرّ. وللحلبي ، فأطلق الخميس في العشر الأول ، والأربعاء من الثاني ، والخميس من الثالث لإطلاق جملة من النصوص (6) ، المقيّدة بما مرّ ، حَملَ المطلق على المقيّد. [ وصوم أيّام البيض ] بالإجماع كما في المختلف والغنية (7) ، وعن المنتهى والتذكرة أنّه مذهب العلماء كافّة (8) لروايتي الزهري (9) والفقه الرضوي (10) ، وغيرهما المروي في الوسائل عن بعض الكتب (11). 1 ـ كما في الاستبصار 2 : 137 ذيل حديث 447. 2 ـ التهذيب 4 : 304 / 918 ، الاستبصار 2 : 137 / 448 ، الوسائل 10 : 429 أبواب الصوم المندوب ب 8 ح 1. 3 ـ نقله عنه في المختلف : 238. 4 ـ التهذيب 4 : 303 / 917 ، الاستبصار 2 : 137 / 447 ، الوسائل 10 : 429 أبواب الصوم المندوب ب 8 ح 2. 5 ـ حكاه عنه في المختلف : 238. 6 ـ الوسائل 10 : 415 أبواب الصوم المندوب ب 7. 7 ـ المختلف : 238 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 573. 8 ـ المنتهى 2 : 609 ، التذكرة 1 : 278. 9 ـ الفقيه 2 : 46 / 208 ، الوسائل 10 : 411 أبواب الصوم المندوب ب 5 ح 1. 10 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 201 ، المستدرك 7 : 507 أبواب الصوم المندوب ب 4 ح 1. 11 ـ الوسائل 10 : 436 أبواب الصوم المندوب ب 12. (462)
ورواه أيضاً الصدوق في العلل ، عن النبيّ صلى الله عليه وآله ، مع علّته تسمية الأيّام بالبيض (1) ، بما يرجع حاصله إلى أنّ آدم عليه السلام لمّا أصابته الخطيئة اسودّ لونه فالهم صوم هذه الأيّام.
وفيه : أنّه الثالث عشر ، والرابع عشر ، والخامس عشر ، من كلّ سهر ، كما هو المشهور ، بل قيل : إنّه مذهب العلماء كافّة. وعن العماني : أنّها الثلاثة الأيّام من كلّ شهر المتقدّمة (2). ولا أعرف وجهه. والمشهور في وجه التسمية خلاف ما في الرواية من أنّها إنّما سُمّيت بذلك لبياض لياليها جُمَع بضوء القمر. وعلى هذا الوجه يحتاج إلى حذف الموصوف في العبارة ، أي : أيام الليالي البيض ، وعلى الوجه الآخر العبارة جارية على ظاهرها من غير حذف. ثم إنّ الصدوق ذكر ـ بعد نقل الرواية ـ : أنّه منسوخ بصوم الخميس والأربعاء (3). وربّما يشعر به بعض الصحاح (4) ، لكنّه ـ لما عرفت ـ شاذ. [ ويوم الغدير ، ومولد النبيّ صلى الله عليه وآله ، ومبعثه ، ودحو الأرض ] وهذه الأيّام هي الأربعة التي يصام فيهنّ في السنة ، كما في النصوص : منها : عن الأيّام التي تصام في السنة ، فقال : « اليوم السابع عشر من 1 ـ علل الشرائع : 379 / 1 ، الوسائل 10 : 436 أبواب الصوم المندوب ب 12 ح 1. 2 ـ قال به العلّامة في المنتهى 2 : 609. 3 ـ نقله عنه في المختلف : 238. 4 ـ علل الشرائع : 380. 5 ـ الكافي 4 : 90 / 2 ، الوسائل 10 : 423 أبواب الصوم المندوب ب 7 ح 16. (463)
ربيع الأول ، وهو اليوم الذي وُلد فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، واليوم السابع والعشرون من رجب ، وهو اليوم الذي فيه بُعث رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، واليوم الخامس والعشرون من ذي القعدة ، وهو اليوم الذي دُحيَت فيه الأرض من تحت الكعبة » أقول : أي بُسطت « واليوم الثامن عشر من ذي الحجّة ، وهو يوم الغدير » (1).
والنصوص ـ بتأكّد استحباب صوم آحادها بالخصوص ـ مستفيضة ، ولا سيّما في الأول ، فإنّها فيه كادت تبلغ التواتر ، بل لعلّها متواترة. ففي جملة منها : « إنّ صومه يعدل صوم ستّين سنة » (2). وفي بعضها : « كفّارة ستّين سنة » (3). وفي آخر : « يعدل عند اللَّه عزّ وجلّ في كلّ عام مائة حجّة ومائة عمرة مبرورات متقبّلات ، وهو عيد اللَّه الأكبر » (4). وما في الرواية ـ من تفسير الأيّام الأربعة بما فيها (5) ـ ممّا لا خلاف فيه بيننا فتوىً وروايةً ، إلّا من الكليني في مولد النبي صلى الله عليه وآله ، فجعله الثاني عشر من الشهر (6) ، كما صحّحه الجمهور ، ومال إليه شيخنا الشهيد الثاني 1 ـ مصباح المتجهد : 754 ، الخرائج والجرائح 2 : 759 / 78 ، الوسائل 10 : 455 أبواب الصوم المندوب ب 19 ح 3. 2 ـ الموجود فيها هو صوم ستّين شهراً ، وفي بعضها : أفضل من عمل ستّين سنة ، اًنطر الوسائل 10 : 440 أبواب الصوم المندوب 14 ح 2 ، 7 ، 10. 3 ـ الفقيه 2 : 55 / 241 ، ثواب الأعمال : 102 / 3 ، الوسائل 10 : 442 أبواب الصوم المندوب ب 14 ح 5. 4 ـ التهذيب 3 : 143 / 317 ، الوسائل 10 : 442 أبواب الصوم المندوب ب 14 ح 4. 5 ـ التهذيب 4 : 305 / 922 ، الوسائل 10 : 441 أبواب الصوم المندوب ب 14 ح 3. 5 ـ اًنظر الكافي 1 : 439. (464)
في فوائد القواعد ، كما في المدارك والذخيرة (1) ، وفيهما وفي الروضة : إنّ الأول هو المشهور (2).
أقول : وبه ـ زيادة على ما مضى ـ نصوص مذكورة في غير الكتب الأربعة (3) ، وضعف أسنادها بالشهرة فتوىً وعملاً مجبور. [ ويوم عرفة ، لمن لم يضعفه عن الدعاء ] المقصود له في ذلك اليوم كمّيةً وكيفيّةً [ مع تحقّق الهلال ] وعدم التباس فيه لغيم أو غيره للمعتبرة المستفيضة ، وفيها : الصحيح ، والموثّق ، وغيرهما. في بعضها : « إن صومه يعدل السنة » (4). وفي آخر : « إنّه كفّارة سنتين » (5). وإنّما حُملت على صورة اجتماع الشرطين للمعتبرة الأُخر ، الدالّة على الكراهة مع فقدهما أو أحدهما : منها الصحيح : « من قوي عليه فحسن إن لم يمنعك من الدعاء ، فإنّه يوم دعاء ومسألة ، فأتخوّف أن يضعفني عن الدعاء ، وأكره أن أصومه ، أتخوّفُ أن يكون يومُ عرفة يومَ أضحى وليس يوم صوم » (6). وعليهما ينزَّل إطلاق بعض الأخبار المانعة (7) ، بحمله على صورة فقد 1 ـ المدارك 6 : 264 ، الذخيرة : 519. 2 ـ الروضة 2 : 134. 3 ـ الوسائل 10 : 454 أبواب الصوم المندوب ب 19 الأحاديث 2 ، 3 ، 4 ، 5 ، 6 ، 7. 4 ـ التهذيب 4 : 298 / 900 ، الاستبصار 2 : 133 / 432 ، الوسائل 10 : 465 أبواب الصوم المندوب ب 23 ح 5. 5 ـ الفقيه 2 : 52 / 231 ، الوسائل 10 : 467 أبواب الصوم المندوب ب 23 ح 11. 6 ـ الفقيه 2 : 53 / 235 ، التهذيب 4 : 299 / 903 ، الاستبصار 2 : 133 / 435 ، الوسائل 10 : 467 أبواب الصوم المندوب ب 23 ح 11. 7 ـ الكافي 4 : 146 / 3 ، التهذيب 4 : 300 / 909 ، الاستبصار 2 : 134 / 440 ، الوسائل 10 : 462 أبواب الصوم المندوب ب 21 ح 6. (465)
أحد الشرطين.
وربّما يجمع بين النصوص جملةً ، بحمل المرغّبة منها على التقيّة ـ كما يفهم من بعضها من أنّه يومئذٍ مذهب العامّة (1) ـ والناهية على صومه بنيّة السنّة ، كما هم عليه. ومرجعه إلى عدم خصوصية لهذا اليوم في الترغيب ، ومساواته لسائر الأيّام في الاستحباب المطلق (2). وما ذكرناه أظهر لوضوح الشاهد عليه من الفتوى والنصّ ، مع أنّ في الغنية الإجماع عليه (3) ، كما هو الظاهر. هذا ، مع أنّ المانع قاصر سنداً ، لا يكافئ المرغّبة لصحّة جملة منها ، وانجبار باقيها بأدلّة التسامح في السنن وأدلّتها. وأمّا ما ورد في جملة منها ـ من أنّه لم يصمه النبيّ صلى الله عليه وآله منذ نزل شهر رمضان ، وكذا الحسنان عليهما السلام حال إمامتهما ـ فوجهه لئلّا يتأسّى الناس بهم ، كما صرّح به في بعضها. وخوفهم عليهم السلام عن التأسّي لعلّه ليس لتوهّم الوجوب كما قيل (4) ، بل لئلّا يحرم الضعفاء به عن الدعاء ، الذي هو أفضل منه هنا ، كما مضى. [ وصوم يوم عاشوراء حزناً ] بمصاب آل محمّدٍ عليهم السلام ، بغير خلاف أجده ، بل عليه الإجماع في ظاهر الغنية (6). 1 ـ انظر الوسائل 10 : 465 أبواب الصوم المندوب ب 23 ح 6. 2 ـ انظر الحدائق 13 : 367. 3 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 573. 4 ـ الوسائل 10 : 464 أبواب الصوم المندوب ب 23 ح 2 ، 7 ، 13. 5 ـ قاله الحرّ العاملي في الوسائل 10 : 468 أبواب الصوم المندوب ب 23 ذيل الحديث 13. 6 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 573. |
|||
|