رياض المسائل الجزء الخامس ::: 466 ـ 480
(466)
    قالوا : جمعاً بين ما ورد في الأمر بصومه « وأنّه كفّارة سنة » (1) وما ورد من أنّ : « من صامه كان حظّه من ذلك حظّ آل زياد وابن مرجانة » (2) عليهم اللعنة.
    ولا شاهد على‏ هذا الجمع من رواية ، بل في جملة من الأخبار المانعة ما يشيّد خلافه ، وأنّ صومه مطلقاً بدعة ليس فيه رخصة.
    منها : « إنّ الصوم لا يكون للمصيبة ، ولا يكون إلّا شكراً للسلامة ، وإنّ الحسين عليه السلام أصيب يوم عاشوراء ، فإن كنت فيمن أُصيب به فلا تصم ، وإن كنت [ شامتاً ] ممّن سرّه سلامة بني أُميّة فصم شكراً للَّه تعالى » (3).
    لكنّها ـ كغيرها ـ غير نقيّة الأسانيد ، فلا يمكن أن يثبت بها التحريم كما هو ظاهرها.
    ومال إليه ـ بل قال به ـ لذلك بعض مَن عاصرناه ، وحَمَل المعارضة على‏ التقيّة (4) ، كما يفهم من بعضها.
    وهو ضعيف في الغاية لما عرفته ، مضافاً إلى‏ شذوذ المنع مطلقاً ولو كراهةً ، إذ لم نعثر على‏ قائل به من الطائفة ، بل كلّ من وصل إلينا كلامه مفتٍ بما في العبارة.
    وعليه فلا يمكن أن تخصَّص العمومات القطعية باستحباب الصوم في نفسه وأنّه من النار جُنّة ، وخصوص الأخبار المرغّبة وإن قصرت‏
1 ـ التهذيب 4 : 300 / 907 ، الاستبصار 2 : 134 / 439 ، الوسائل 10 : 457 أبواب الصوم المندوب ب 20 ح 3.
2 ـ الكافي 4 : 147 / 6 ، التهذيب 4 : 301 / 912 ، الاستبصار 2 : 135 / 443 ، الوسائل 10 : 461 أبواب الصوم المندوب ب 21 ح 4.
3 ـ أمالي الطوسي : 677 ، الوسائل 10 : 462 أبواب الصوم المندوب ب 21 ح 7.
4 ـ الحدائق 13 : 375.


(467)
أسانيدها جملةً لانجبارها بعمل الأصحاب جملةً ولو في الجملة ، حتى نحو الحلّي وابن زهرة (1) ، ممّن لم يعمل بأخبار الآحاد إلّا حيث تكون محفوفةً بالإجماع وغيره من القرائن القطعية.
    نعم يبقى‏ الإشكال في الاستحباب من حيث الخصوصية ، ولو في الجملة (2). وهو ـ إن لم ينعقد عليه إجماع ـ محلّ مناقشة لعدم دليل عليها إلّا النصوص المرغبة ، وهي ـ مع قصور أسانيدها ، وعدم ظهور عامل بإطلاقها بالكلّية ـ معارَضة بأكثر منها كثرة زائدة ، تكاد تقرب التواتر.
    ولأجلها لا يمكن العمل بتلك ، ولو من باب المسامحة إذ هي حيث لم تحتمل منعاً ولو كراهةً ، وهي محتملة من جهة الأخبار المانعة.
    إلّا أن يقال : إنّ أكثرها يقبل الحمل الذي ذكره الجماعة ، وما لا تقبله منها قليلة نادرة ، لا يُعبأ بما فيها من احتمال حرمةٍ أو كراهةٍ في مقابلة الإجماع المنقول ـ كما عرفته ـ المعتضد بالشهرة العظيمة ، على‏ وجه الجمع الذي ذكره الجماعة.
    وهو حسن ، وإن كان في النفس بعد ذلك منه شي‏ء ، سيّما مع احتمال تفسير الصوم على‏ وجه الحزن في العبائر بما ذكره جماعة ، من استحباب الإمساك عن المفطرات إلى‏ العصر (3) ، كما في النصّ : « صمه من غير تبييت ، وأفطره من غير تشميت ، ولا تجعله يوم صوم كملاً ، وليكن إفطارك بعد العصر بساعة ، على‏ شربة من ماء ، فإنّه في ذلك الوقت من‏
1 ـ الحلّي في السرائر 1 : 418 ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 573.
2 ـ أي من جهة الحزن خاصة ( منه رحمه الله ).
3 ـ منهم الشهيد في المسالك 1 : 80 ، والفيض في المفاتيح 1 : 284 ، وانظر مجمع الفائدة والبرهان 5 : 190 ، والحدائق 13 : 376.


(468)
ذلك اليوم تجلّت الهيجاء عن آل الرسول صلى الله عليه وآله ، وانكشفت الملحمة عنهم ».
    قالوا : وينبغي أن يكون العمل على‏ هذا الحديث ، لاعتبار سنده (1). انتهى‏. وهو حسن.
     [ ويوم المباهلة ] في المشهور بين الطائفة ، ولم أجد به رواية مسندة ، وإنّما عُلّل بالشرافة (2).
    نعم ، رواها الخال العلّامة عليه الرحمة مرسلةً ، وفيها ـ كما قالوا ـ : « إنّه الرابع والعشرون من ذي الحجّة » (3).
    وفي المسالك : قيل إنّه الخامس والعشرون (4). ولم أجد قائله.
    وذكر الحلّي والكفعمي (5) : أنّ فيه تصدّق أمير المؤمنين عليه السلام بخامته في ركوعه ، ونزلت فيه آية الولاية (6).
    [ وكلّ خميسٍ وجمعة ] وقيل : لشرفهما (7).
    وفي روايةٍ عاميّة : « الاثنين والخميس » (8).
    والإسكافي لا يستحبّ إفراد يوم الجمعة ، إلّا أن يصوم معه ما قبله أو
1 ـ مصباح المتهجد : 724 ، الوسائل 10 : 458 أبواب الصوم المندوب ب 20 ح 7 بتفاوت.
2 ـ كما في المدارك 6 : 268 ، والحدائق 13 : 376.
3 ـ كما في المنتهى 2 : 611.
4 ـ زاد المعاد : 359.
5 ـ المسالك 1 : 80.
6 ـ الحلّي في السرائر 1 : 418 ، مصباح الكفعمي : 688.
7 ـ [ انما وليّكم الله ورسوله ... ] ، المائدة : 55.
8 ـ قال به صاحب المدارك 6 : 270.
9 ـ سنن البيهقي 4 : 293 ، المغني لابن قدامة 3 : 115 / 2140.


(469)
ما بعده ، وبه خبر عامّي (1) قال : وصوم الاثنين والخميس منسوخ ، وصيام السبت منهيّ عنه (2). والمشهور خلافه.
    نعم ، ورد من طرقنا ذمّ يوم الاثنين (3) ، فالأولى‏ ترك صيامه ، بل ترك صيام الجمعة أيضاً.
    للمكاتبة الصحيحة : رجل نذر أن يصوم يوماً من الجمعة دائماً ، فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر ، أو أضحى ، أو يوم جمعة ، أو أيّام التشريق ، أو سفر ، أو مرض ، هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه ، أو كيف يصنع ذلك يا سيّدي ؟ فكتب إليه : « قد وضع اللَّه الصيام في هذه الأيّام كلّها ، ويصوم يوماً بدل يومٍ إن شاء » (4).
    وليس في أُخرى قوله : « أو يوم جمعة » (5) وكأنّه الصحيح.
    أقول : وتعضد هذه المكاتبة جملة من المعتبرة الواردة بالترغيب إلى‏ الصوم فيها :
    منها الصحيح : في الرجل يريد أن يعمل شيئاً من الخير ، مثل الصدقة ، والصوم ، ونحو هذا ، قال : « يستحبّ أن يكون ذلك اليوم الجمعة ، فإنّ العمل يوم الجمعة يضاعف » (6).
    ومنها : رأيته عليه السلام صائماً يوم الجمعة ، فقلت : جعلت فداك ، إنّ‏
1 ـ رواه الشيخ في التهذيب 4 : 315 / 958 ، الوسائل 10 : 413 أبواب الصوم المندوب ب 6 ح 6 ؛ وانظر المغني لابن قدامة 3 : 105 / 2121 ، 2123.
2 ـ حكاه عن الاسكافي في المختلف : 237.
3 ـ الوسائل 11 : 351 أبواب آداب السفر إلى الحج وغيرة ب 4.
4 ـ الاستبصار 2 : 101 / 328 ، الوسائل 10 : 196 أبواب من يصح منه الصوم ب 10 ح 2.
5 ـ التهذيب 4 : 234 / 686 ، الوسائل 10 : 514 أبواب الصوم المحرم ب 1 ح 6.
6 ـ الخصال : 392 / 93 ، الوسائل 10 : 412 أبواب الصوم المندوب ب 5 ح 4.


(470)
الناس يزعمون أنّه يوم عيد ، قال : « كلّا ، إنّه يوم خفض ودعة » (1).
    ومنها النبوي المروي عن العيون : « من صام يوم الجمعة صبراً واحتساباً اعطي ثواب [ صيام ‏ ] عشرة أيّام غرّ زهر لا تشاكل أيّام الدنيا » (2).
    وعليه فلتطرح المكاتبة الاولى‏ مع شذوذها ، أو تحمل على‏ التقية ، كما ربّما يستأنس له بملاحظة الرواية الثانية ، مضافاً إلى‏ كونها مكاتبة.
    والرواية الناهية عن إفرادها بالصوم عاميّة ، والخاصّية الموافقة لها فيه (3) لأجلها محتملة للحمل على‏ التقيّة ، مع أنّها ضعيفة السند أيضاً ، غير مقاومة لإطلاق المعتبرة المستفيضة المتقدّمة ، التي فيها الصحيحان وغيرهما ، المعتضدة بفتوى‏ أصحابنا ، إلّا النادر منهم ، المتقدم إليه الإشارة.
     [ وأول ذي الحجّة ] وهو مولد إبراهيم الخليل على‏ نبيّنا وآله وعليه السلام.
    وصيامه يعدل صيام ستّين شهراً كما في الخبر (4) ، بل ثمانين كما في آخر (5) ، وفيه « فإن صام التسع كتب اللَّه تعالى له صوم الدهر » (6).
     [ ورجب كلّه ، وشعبان كلّه ] أو ما تيسّر منهما ، فقد استفاضت‏
1 ـ التهذيب 4 : 316 / 959. الوسائل 10 : 412 أبواب الصوم المندوب ب 5 ح 5.
2 ـ عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) 2 : 35 / 92 ، الوسائل 10 : 412 أبواب الصوم المندوب ب 5 ح 2 ، وما بين المعقوفين من المصدرين.
3 ـ عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 73 / 346 ، الوسائل 10 : 412 أبواب الصوم المندوب ب 6 ح 3.
4 ـ الكافي 4 : 149 / 2 ، التهذيب 4 : 304 / 919 ، الوسائل 10 : 452 أبواب الصوم المندوب ب 18 ح 1.
5 ـ الفقيه 2 : 52 / 230 ، ثوال الأعمال : 74 ، الوسائل 10 : 453 أبواب الصوم المندوب ب 18 ح 3.
6 ـ الفقيه 2 : 52 / 230 ، ثواب الأعمال : 74 ، الوسائل 10 : 453 أبواب الصوم المندوب ب 18 ح 3.


(471)
النصوص ، بل تواترت بذلك (1).
    وما ورد بخلافه في شعبان (2) ـ مع ندوره ، وإجماع الأصحاب على‏ خلافه فيما أجده ، ويستفاد أيضاً من الغنية (3) ـ فقد أجاب عنه الكليني ، فقال : فأمّا الذي جاء في صوم شعبان : أنّه سأل عليه السلام عنه ، فقال : « ما صامه رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولا أحد من آبائي » (4).
    قال ذلك لأنّ قوماً قالوا : إنّ صيامه فرض مثل صيام شهر رمضان ، ووجوبه مثل وجوب شهر رمضان ، وأنّ من أفطر يوماً منه فعليه من الكفّارة مثل ما على‏ من أفطر يوماً من شهر رمضان. وإنّما قال العالم عليه السلام : « ما صامه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، ولا أحد من آبائي » أي ما صاموه فرضاً واجباً تكذيباً لقول من زعم أنّه فرض ، وإنّما كلّفوا بصومه سنّة ، فيها فضل ، وليس على‏ من لم يصمه شي‏ء (5).
    ونحواً منه ذكر الشيخ ، وذكر : أنّ أبا الخطّاب لعنه اللَّه تعالى وأصحابه يذهبون إلى‏ أنّ صوم شعبان فريضة وذكر : أنّ الأخبار التي تضمّنت الفصل بين شهر شعبان وشهر رمضان (6) فالمراد به النهي عن الوصال ، الذي بيّنا فيما مضى أنّه محرّم (7).
1 ـ الوسائل 10 : 474 و 485 أبواب الصوم المندوب ب 26 و 28.
2 ـ التهذيب 4 : 309 ، الوسائل 10 : 419 أبواب الصوم المندوب ب 28 ح 17.
3 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 573.
4 ـ الكافي 4 : 91 ذيل الحديث 6 ، الوسائل 10 : 487 أبواب الصوم المندوب ب 28 ح 6.
5 ـ الكافي 4 : 91 ذيل حديث 6.
6 ـ الوسائل 10 : 495 أبواب الصوم المندوب ب 29.
7 ـ راجع التهذيب 4 : 309.


(472)
    [ ويستحب الإمساك ] تشبها بالصائمين [ في سبعة مواطن ] :
    [ المسافر قدم بلده أو بلدا يعزم فيه الإقامة ] عشرة فصاعدا [ بعد الزوال ] مطلقا [ أو قبله وقد كان تناول ] مفطرا.
    [ وكذا المريض إذا بري‏ء ].
    [ و ] كذا [ تُمسك الحائض ، والنفساء ، والكافر ، والصبي ، والمجنون ، والمغمى‏ عليه ، إذا زالت أعذارهم في أثناء النهار ] مطلقاً [ ولو ] قبل الزوال ، و [ لم يتناولوا ].
    بالنصّ (1) والإجماع في الجميع ، إلّا الصبي والكافر إذا زال ، عذرهما قبل الزوال ولم يتناولا ، فقيل بوجوب الصوم عليهما حينئذ.
    وقد مضى الكلام فيه مفصّلاً (2).
     [ ولا ينعقد صوم الضيف من غير إذن مُضيفه ] إذا كان [ ندباً ، ولا المرأة من غير إذن الزوج ، ولا الولد من غير إذن الوالد ، ولا المملوك من غير إذن المولى ].
    للنهي عنه في الجميع في النصوص المستفيضة جدّاً (3) ، إلّا أنّ ما يتعلّق منها بمن عدا المرأة غير نقيّة الأسانيد ، مع قصور دلالة جملة منها على‏ التحريم ، بل ظهور بعضها في الكراهة ، للتعبير عن المنع فيه بـ : « لا ينبغي » الظاهر فيها عرفاً ، فكذا شرعاً ، للأصل ، وجعل النهي عن صوم هؤلاء في أقسام صوم الإذن في مقابل الصيام المحرّم كما في رواية
1 ـ راجع الوسائل 10 : أبواب من يصح منه الصوم الأبواب 7 ، 23 ، 28.
2 ـ راجع ص : 425.
3 ـ الوسائل 10 : 527 ، 528 ، 529 أبواب الصوم المحرم ب 8 ، 9 ، 10.


(473)
الزهري (1) ، والفقه الرضوي (2) ، وغير ذلك من أمارات الكراهة.
    وأمّا ما يتعلّق بالمرأة ، فهو وإن صحّ سنده ، إلّا أنّه معارَض بمثله ، المروي في الوسائل ، عن علي بن جعفر في كتابه ، عن أخيه عليه السلام : عن المرأة تصوم تطوّعاً بغير إذن زوجها ، قال : « لا بأس » (3).
    ومقتضى الجمع بينهما الكراهة ، كما عليه السيّدان في الجمل والغنية (4) ، وغيرهما (5) ، وفيها : دعوى الإجماع عليها فيها (6) ، وفي صوم العبد بغير إذن مولاه ، والضيف بغير إذن مضيفه ، لكن عبّر عن الكراهة باستحباب الترك.
    والمشهور فيها وفي المملوك : المنع تحريماً ، بل عن المعتبر (7) وفي غيره (8) : دعوى الاتّفاق عليه في المرأة. وعن المنتهى‏ (9) وفي غيره (10) : دعواه في العبد.
    وهذه الإجماعات المنقولة أقوى من إجماع الغنية ، سيّما بعد الاعتضاد بالشهرة العظيمة المتأخّرة ، فترجّح بها الصحيحة المانعة على‏ مقابلتها.
1 ـ الفقيه 2 : 46 / 208 ، الوسائل 10 : 529 أبواب الصوم المحرم ب 10 ح 1.
2 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 202 ، المستدرك 7 : 556 أبواب الصوم المحرم ب 9 ح 1.
3 ـ مسائل علي بن جعفر : 179 / 334 ، الوسائل 10 : 528 أبواب الصوم المحرم ب 8 ح 5.
4 ـ جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى 3 ) : 59 ، لم نعثر عليه في الغنية.
5 ـ المراسم : 96 ، الوسيلة : 147 ن وانظر الروضة 2 : 138.
6 ـ أي : في الغنية دعوى الإجماع على الكراهة في المرأة.
7 ـ المعتبر 2 : 712.
8 ـ كما في المدارك 6 : 284.
9 ـ المنتهى 2 : 614.
10 ـ كما في المدارك 6 : 284.


(474)
    اللّهمّ إلّا أن تخصَّص هذه الإجماعات بصورة نهي الزوج والمولى‏ ، كما يشعر به بعضها ، والتحريم فيها مقطوع به جدّاً. وعليه فيكون النهي في غيرها للكراهة جمعاً بين الصحيحين وإجماع الغنية.
    ولا بأس به ، وإن كان الأحوط : المنع مطلقاً للشهرة العظيمة ، وإطلاق بعض الإجماعات المنقولة.
    هذا بالنسبة إلى‏ صوم المرأة والمملوك.
    وأمّا غيرهما ، فالأصحّ الكراهة مطلقاً ـ إلّا مع النهي في الولد ، فيحرم قطعاً ـ وعليها الأكثر على‏ الظاهر ، المصرّح به في بعض العبائر (1) لما مرّ ، مضافاً إلى‏ دعوى الإجماع عليها في الغنية في الضيف ، ولا قائل بالفرق ، فتدبّر.
     [ ومن صام ندباً ، ودُعِيَ إلى‏ طعام ، فالأفضل ] له [ الإفطار ] للنصوص المستفيضة (2) ، وفيها الصحيح وغيره :
    ولا فرق في إطلاقها ـ كالفتوى ـ‏ بين دعائه أول النهار أو آخره ، ولا بين مهيّئ الطعام له وغيره ، ولا بين من تشقّ عليه المخالفة وغيره. نعم ، يشترط كونه مؤمناً.
    والحكمة في ذلك إجابة دعوة المؤمن ، وإدخال السرور عليه ، وعدم ردّ قوله ، لا مجرّد كونه أكلاً.
    وليس في العبارة وجملة من الروايات اشتراط عدم الإخبار بالصوم كما قيل (3) ، بل هي مطلقة. نعم ، في بعضها التقييد بذلك (4). ولعلّه محمول على‏ اشتراطه في ترتّب الثواب المذكور فيه ، وهو : أنّه يُكتَب له صوم سنة.
1 ـ كما في المدارك 6 : 277.
2 ـ الوسائل 10 : 151 أبواب آداب الصائم ب 8.
3 ـ جامع المقاصد 3 : 87.
4 ـ الوسائل 10 : 152 أبواب آداب الصائم ب 8 ح 4 ، 5.


(475)
    وبذلك يجمع بينه وبين ما دلّ على‏ أنّه يُكتَب له بذلك صوم عشرة أيّام (1) ، بحمل هذا على‏ من أخبر بصومه ، والأول على‏ من لم يُخبر.
    لكن في ثالث : « لإفطارك في منزل أخيك المسلم أفضل من صيامك سبعين ضعفاً ، أو تسعين ضعفاً » (2).
    والأمر سهل.
1 ـ الكافي 4 : 150 / 2 ، الوسائل 10 : 151 أبواب آداب الصائم ب 8 ح 1.
2 ـ الكافي 4 : 151 / 6 ، المحاسن 411 : / 145 ، الفقيه 2 : 51 / 221 ، علل الشرائع : 387 / 2 ، الوسائل 10 : 153 أبواب آداب الصائم ب 8 ح 6.


(476)
    [ صوم العيدين ] مطلقاً بإجماع العلماء ، كما عن المعتبر والتذكرة (1) ، بل قيل (2) : بالضرورة من الدين ، واستفاضة النصوص (3).
     [ وأيّام التشريق ] و هي : الثلاثة بعد العيد بإجماعنا عليه في الجملة على‏ الظاهر ، المصرّح به في عبائر جماعة (4).
    ولكن اختلفت العبارات في الإطلاق ، أو التقييد بـ : [ لمن كان بمنى‏ ].
    وهذا أقوى أخذاً بموضع الوفاق ، وتمسّكاً في غيره بالأصل ، والصحيح : « أمّا بالأمصار فلا بأس » (5) والمطلق يحمل على‏ المقيّد.
    هذا ، وفي المختلف : إنّ من أطلق أراد به المقيّد (6).
    وتبعه شيخنا في الروضة ، بل زاد ، فقال : ولا يحرم صومها على‏ من ليس بمنى‏ إجماعاً وإن أُطلق تحريمها في بعض العبارات كالمصنّف في الدروس ، فهو مراد من قيّده. وربّما لحظ المُطلِق أنّ جَمعها كافٍ عن تقييد كونها بمنى‏ لأنّ أقلّ الجمع ثلاثة ، وأيّام التشريق لا تكون ثلاثة إلّا بمنى‏ ،
1 ـ المعتبر 2 : 712. التذكرة 1 : 280.
2 ـ مفاتيح الشرائع 1 : 285.
3 ـ الوسائل 10 : 513 أبواب الصوم المحرم ب 1.
4 ـ منهم : المحقّق في المعتبر 2 : 713 ، والعلّامة في المنتهى 2 : 616 ، والفيض في المفاتيح 1 : 285.
5 ـ التهذيب 4 : 297 / 897 ، الاستبصار 2 : 132 / 429 ، الوسائل 10 : 516 أبواب الصوم المحرم ب 2 ح 1.
6 ـ المختلف : 238.


(477)
فإنّها في غيرها يومان لا غير ، وهو لطيف (1).
    ثم إنّ إطلاق النصّ والفتوى‏ يقتضي عدم الفرق بين الناسك بحجّ أو عمرة وغيره ، ولا بين من يصومها عن كفّارة قتل وغيره.
    خلافاً للفاضل في القواعد ، فقيّده بالناسك (2).
    ولعلّه ناظر إلى‏ حمل الإطلاق على‏ الغالب ، ولا يخلو عن وجه ، إلّا أنّه نادر.
    وللشيخ ، فقيّده بمن لم يصمها عن الكفّارة ، وإلّا فهو جائز (3).
    وإلى قوله أشار بقوله : [ وقيل : القاتل في أشهر الحرم يصوم شهرين منها ، وإن دخل فيهما العيد وأيّام التشريق ].
    [ لرواية زرارة ] الصحيحة : قال : قلت للباقر عليه السلام : رجل قتل رجلاً في الحرم ، قال : [ عليه دية وثلث ، ويصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم ، ويعتق رقبة ، ويطعم ستّين مسكيناً ] قال : قلت : فيدخل في هذا شي‏ء ، قال : « وما يدخل » ؟ قلت : العيدان وأيّام التشريق ، قال يصوم ، فإنّه حقّ لزمه » (4).
    وإليه يميل بعض متأخّري المتأخّرين (5) ، زاعماً فتوى الشيخ بها في كتابي الحديث (6) ، وانحصار جواب القوم عنها في ضعف الطريق لما اتّفق‏
1 ـ الروضة 2 : 138.
2 ـ القواعد 1 : 68.
3 ـ كما في المبسوط 1 : 281.
4 ـ الكافي 4 : 140 / 9 ، الوسائل 10 : 380 أبواب بقية الصوم الواجب ب 8 ح 2.
5 ـ الشيخ حسن في منتفى الجمان 2 : 567.
6 ـ التهذيب 4 : 297 ، الاستبصار 2 : 131.


(478)
في بعض طرقها ، مع أنّه رواها الشيخ في كتاب الديات بطريق صحيح (1) ، وكذلك رواها الصدوق في الفقيه (2).
    [ والمشهور ] على‏ الظاهر المصرّح به هنا وفي المختلف (3) وغيرهما (4) : [ عموم المنع ] لمورد الرواية وغيرها.
    ولعلّه الأقوى‏ ، لندرة الرواية وشذوذها ، كما أشار إليه في المختلف ، فقال في الجواب عنها : إنّ العمومات المعلومة بالإجماع وبالأخبار المتواترة لا يجوز تخصيصها بمثل هذا الخبر الشاذّ النادر.
    ثم قال : مع قصوره عن إفادة المطلوب إذ ليس فيه أن يصوم العيد ، وإنّما أمره بصوم أشهر الحرم ، وليس في ذلك دلالة على‏ صوم العيد ، وأيّام التشريق يجوز صومها في غير منى (5).
    ومنه يظهر فساد الزعم الثاني المتقدّم حيث إنّ الفاضل لم يُجب عنه يضعف السند ، بل بالندرة ، مؤذناً بمخالفتها الإجماع.
    ويمكن تطرّق النظر إلى‏ الزعم الأول أيضاً بناءً على‏ ما يقال من عدم ظهور فتوى الشيخ في كتابي الحديث. نعم ، في التنقيح : أنّه خيرته أيضاً في المبسوط (6).
    وأمّا ما ذكره الفاضل في الجواب ـ علاوة بقصور الدلالة ـ فهو بعيد غايته عن سياق الرواية ، كما لا يخفى‏ على‏ من تدبّره.
1 ـ التهذيب 10 : 216 / 851.
2 ـ الفقيه 4 : 81 / 256 ، 257.
3 ـ المختلف : 238.
4 ـ كما في المنتهى 2 : 616 ، والحدائق 13 : 388.
5 ـ المختلف : 239.
6 ـ التنقيح الرائع 1 : 390.


(479)
     [ وصوم آخر شعبان ] الذي يشكّ فيه أنّه من رمضان بالغيم ، أو تحدّث الناس برؤية الهلال فيه ، أو شهادة من لا يثبت بقوله [ بنيّة الفرض ] المعهود ، وهو رمضان ، وإن ظهر كونه منه ، بلا خلافٍ فيه أجده ، وعليه الإجماع في الغنية (1) للنهي عنه في النصوص المستفيضة (2).
    وبعضها وإن كان مطلقاً إلّا أنّه محمول على‏ ذلك ، جمعاً بينه وبين ما دلّ على‏ الجواز منها ، وعملاً بما دلّ على‏ التفصيل ، كرواية الزهري ، والفقه الرضوي (3) ، وغيرهما ممّا سبقت إليه الإشارة في بحث استحباب صومه بنيّة شعبان (4).
    وأمّا ما لا يقبل الحمل على‏ ذلك ، كالموثّق : إنّي جعلت على‏ نفسي أن أصوم حتى يقوم القائم ، فقال : « لا تصم في السفر ، ولا في العيدين وأيّام التشريق ، ولا اليوم الذي يشك فيه » (5).
    فمحمول على‏ التقية لكونه مذهب العامّة ، كما صرّح به جماعة (6) ، واستفيد من جملة من النصوص ، منها ـ زيادة على‏ ما مرّ ثمّة ـ :
    الموثّق : قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام : رجل صام يوماً ، ولا يدري أمن رمضان هو أو من غيره ، فجاء قوم فشهدوا أنّه كان من رمضان ، فقال بعض‏
1 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 573.
2 ـ الوسائل 10 : 25 أبواب وجوب الصوم ونيته ب 6.
3 ـ المتقدمتان في ص : 471.
4 ـ راجع ص : 299.
5 ـ الكافي 4 : 141 / 1 يتفاوت يسير ، الوسائل 10 : 515 أبواب الصوم المحرم ب 1 ح 8.
6 ـ منهم الصدوق في الفقيه 2 : 79 ، والمجلسيان في روضة المتقين 3 : 353 ، ومراّة العقول 16 : 350 ، وصاحب الحدائق 13 : 41.


(480)
الناس عندنا : لا يعتدّ به ، فقال : « بلى‏ » فقلت : إنّهم قالوا : صمت وأنت لا تدري أمن شهر رمضان هذا أم من غيره ، فقال : « بلى ، فاعتدّ به ، فإنّما هو شي‏ء وفّقك اللَّه تعالى [ ‏ له ] ، إنّما يصام يوم الشكّ من شعبان ، ولا يصومه من شهر رمضان » الحديث (1).
    هذا ، مضافاً إلى‏ إجماعنا الظاهر ، المصرّح به في جملة من العبائر مستفيضاً ـ كما مضى (2) ـ على‏ استحباب صومه بنيّة شعبان.
    مؤيّداً بجملة من النصوص المستفيضة ، الواردة فيمن صامه ثم ظهر كونه من رمضان أنّه وفّق له (3) ، والمتضمّنة لقوله عليه السلام : « لأن أصوم يوماً من شعبان أحبّ إليّ من أن أُفطر يوماً من شهر رمضان » (4).
    فإنّها ظاهرة غاية الظهور في استحباب صوم اليوم المزبور بالنهج المذكور (5).
    فما يوجد في كلام بعض متأخّري المتأخّرين ـ من أنّ الأولى‏ ترك صومه مطلقاً ، لإطلاق الموثّق المزبور (6) ـ ففي غاية الضعف والقصور.
     [ وصوم نذر المعصية ] بجعله شكراً على‏ ترك الواجب أو فعل المحرّم ، وزجراً على‏ العكس.
1 ـ الكافي 4 : 82 / 6 ، التهذيب 4 : 182 / 508 ، الوسائل 10 : 21 أبواب وجوب الصوم ونيته ب 5 ح 4 وما بين المعقوفين من المصادر.
2 ـ في ص : 298.
3 ـ الوسائل 10 : 20 أبواب وجوب الصوم ونيته ب 5.
4 ـ الفقيه 2 : 79 / 348 ، الوسائل 10 : 23 أبواب وجوب الصوم ونيته ب 8 ح 9.
5 ـ على انه من شعبان ( منه رحمه الله ).
6 ـ مفاتيح الشرائع 1 : 286.
رياض المسائل الجزء الخامس ::: فهرس