رياض المسائل الجزء الخامس ::: 481 ـ 495
(481)
     [ و ] صوم [ الصمت ] بأن ينوي الصوم ساكتاً ، فإنّه محرّم في شرعنا ، لا الصوم ساكتاً بدون جعله وصفاً للصوم بالنيّة.
    [ و ] صوم [ الوصال ] كذلك :
    [ وهو ] عند الأكثر ـ كما في المدارك والذخيرة (1) ـ بل المشهور ـ كما في المسالك (2) ـ : [ أن يجعل عشاءه سحوره ] كما في الصحيحين (3) ، وغيرهما (4).
    وفي السرائر وعن الاقتصاد والمعتبر : إنّه صوم يومين بليلة (5) للخبر (6). وفي سنده ضعف.
    وفي المسالك والروضة (7) وغيرهما (8) : حصوله بكلّ منهما.
    وهو حسن إن أُريد من حيث التحريم لعموم بعض الأدلّة ، وهو كونه بدعة.
    وإن أُريد من حيث حصول الوصال الشرعي ، المنهي عنه بالخصوص في النصوص ، حتى لو نذر أن لا يأتي به كفّر لو أتى به بالتفسير الثاني ، فمشكل ، لضعف ما دلّ عليه سنداً وعدداً واشتهاراً ، بالإضافة إلى‏ ما دلّ على‏ الأول.
1 ـ المدارك 6 : 283 ، الذخيرة : 522.
2 ـ المسالك 1 : 81.
3 ـ الكافي 4 : 95 / 2 ، 3 الوسائل 10 : 521 أبواب الصوم المحرم ب 4 ح 7 ، 9.
4 ـ الفقيه 2 : 112 / 477 ، الوسائل 10 : 521 أبواب الصوم المحرم ب 4 ح 5.
5 ـ السرائر 1 : 420 ، الاقتصاد : 293 ، المعتبر 2 : 714.
6 ـ الكافي 4 : 92 / 5 ، التهذيب 4 : 307 / 927 ، الاستبصار 2 : 138 / 452 ، الوسائل 10 : 496 أبواب الصوم المندوب ب 29 ح 3.
7 ـ المسالك 1 : 81 ، الروضة 2 : 141.
8 ـ كالحدائق 13 : 393.


(482)
    والأصل في تحريم الثلاثة ـ بعد الإجماع الظاهر ، المصرّح به في عبائر جماعة (1) ـ : الاعتبار المتقدّمة إليه الإشارة ، والنصوص المستفيضة ، المتكفّل جملة منها للجميع كرواية الزهري (2) ، والفقه الرضوي (3) وجملة منها لآحادها ، وفيها الصحيح وغيره (4).
    وفي العامّة لها التصريح بحرمتها ، ومقتضاها فسادها أيضاً ، كما نقل عن ظاهر الأصحاب في المدارك والذخيرة (5) وغيرهما (6).
    وربما احتمل صحّتها ما عدا الأول وإن حرمت لصدق الامتثال بالإمساك عن المفطرات مع النيّة ، وتوجّه النهي إلى‏ خارج العبادة (7).
    وهو ضعيف ، بعد وجود النصّ المُضيف للتحريم إلى‏ نفس الصوم ، المنجبر ضعف سنده أو قصوره بفتوى‏ الأصحاب.
    مع أنّ الصوم عبادة تتوقّف صحّتها على‏ قصد القربة ، وهي في الصيام المزبورة غير حاصلة ، فتفسد أيضاً من هذه الجهة. ولعلّه لذا ورد النهي عنها.
    وبموجب ذلك يصحّ الصوم نهاراً صمتاً ووصلاً ، حيث لم يحصلا في النيّة ابتداءً ، وإن حصلا أخيراً اتّفاقاً ، وبذلك صرّح بعض أصحابنا (8) ،
1 ـ كصاحبي المدارك 6 : 282 ، والذخيرة : 522.
2 ـ الكافي 4 : 83 / 1 ، الفقيه 2 : 46 / 206 ، التهذيب 4 : 294 / 895 ، الوسائل 10 : 513 أبواب الصوم المحرم ب 1 ح 1.
3 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 202 ، المستدرك 7 : 556 أبواب الصوم المحرم ب 9 ح 1.
4 ـ انظر الوسائل 10 : أبواب الصوم المحرم الأبواب 4 ، 5 ، 6.
5 ـ المدارك 6 : 282 ، الذخيرة : 522.
6 ـ كما في الحدائق 13 : 391.
7 ـ المدارك 6 : 283.
8 ـ الشهيد الثاني في المسالك 1 : 81 ، والروضة 2 : 142.


(483)
وعزاه في المدارك إلى‏ الأصحاب ، لكن قال : الاحتياط يقتضي اجتناب ذلك ، إذ المستفاد من الرواية تحقّق الوصال بتأخير الإفطار إلى‏ السحر مطلقاً (1).
    وأشار بالرواية إلى‏ الصحيح : « الوصال في الصيام أن يجعل عشاءه سحوره » (2).
    وفيه نظر إذ ظاهره تعريف الوصال في الصيام الشرعي ، يعني : الذي يُقرَن بالقربة ، لا مطلق الصيام.
    وأظهر منه الصحيح الآخر في تعريفه : « يصوم يوماً وليلة ، ويفطر في السحر » (3) لمكان لفظ « الصوم » المضاف إلى‏ الليلة ، وذكر الإفطار بعده ، لصيرورته حقيقة شرعية أو متشرّعة في التناول بعد الإمساك الخاص ، لا مطلق الإمساك ، فتدبّر.
     [ وصوم الواجب سفراً ] على‏ وجه موجب للقصر [ عدا ما استثني ] ممّا مرّ من المنذور المقيّد به ، وثلاثة الهدي ، وبدل البدنة.
    وفُهِمَ من تقييده بالواجب جوازُ المندوب ، وقد مرّ الكلام في الجميع مفصّلاً (4).
1 ـ المدارك 6 : 283.
2 ـ الكافي 4 : 95 / 2 ، التهذيب 4 : 298 / 898 ، الوسائل 10 : 521 أبواب الصوم المحرم ب 4 ح 7.
3 ـ الكافي 4 : 96 / 3 ، الوسائل 10 : 521 أبواب الصوم المحرم ب 4 ح 9.

4 ـ في ص : 400.

(484)
    [ وهي مسائل ] :
     [ الاولى‏ : المريض ] المتضرّر بالصوم [ يلزمه الإفطار ] ولو [ مع ظنّ الضرر ]
    بلا خلافٍ يظهر ، بل عليه الإجماع في كلام جمع (1) ، والنصّ بجوازه مستفيض (2) ، مضافاً إلى‏ العقل ، والكتاب : [ فعدّةٌ من أيّامٍ أُخَر ] (3) فتدبّر.
    والمرجع في الظنّ إلى‏ ما يجده ولو بالتجربة في مثله سابقاً ، أو بقول من يفيد قوله الظنّ ولو كان كافراً.
    ولا فرق في الضرر بين كونه لزيادة وشدّة بحيث لا يتحمّل عادةً ، أو لبُطء برئه.
    [ و ] حيث يحصل الضرر [ لو تكلّفه لم يجزه ] إجماعاً للنهي عنه المفسد للعبادة عندنا.
    وهل الصحيح الذي يخشى‏ المرض بالصيام يباح له الفطر ؟
    تردّد فيه في المنتهى‏ ، قال : من وجوب الصيام بالعموم وسلامته من‏
1 ـ منهم : العلّامة في المنتهى 2 : 596 ، والمحقق الاردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 5 : 286 ، والسبزواري في الذخيرة : 523 ، وصاحب الحدائق 13 : 169.
2 ـ الوسائل 10 : 217 أبواب من يصح منه الصوم ب 18.
3 ـ البقرة : 185.


(485)
المرض ، ومن كون المريض إنّما أُبيح له الفطر لأجل التضرّر به ، وهو حاصل هنا ، لأنّ الخوف من تجدّد المرض في معنى‏ الخوف من زيادته وتطاوله. انتهى‏ (1).
    وقيل (2) : ويمكن ترجيح الثاني بعموم قوله تعالى : [ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ] (3) وقوله : [ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ] (4) وقوله : عليه السلام في صحيحة حريز : « كلّما أضرّ به الصوم فالإفطار له واجب » (5).
    أقول : بل في صدرها دلالة عليه أيضاً حيث قال : « الصائم إذا خاف على‏ عينيه الرمد أفطر » (6) وهو ـ بإطلاقه ـ يشمل صورة السلامة من الرمد ، ولا قائل بالفرق.
    ثم إنّ إطلاق الخوف فيه يشمل ما لو لم يظنّ الضرر ، بل احتمله احتمالاً متساوياً لصدق الخوف عليه حقيقةً عرفاً وعادةً ، وعليه فيتوجّه الإفطار حينئذ.
    لكن ظاهر العبارة ونحوها اعتبار الظنّ ، فإن تمّ إجماعاً ، وإلّا فلعلّ المتوجّه العدم وكفاية الاحتمال المتساوي.
1 ـ المنتهى 2 : 569.
2 ـ الحدائق 13 : 171.
3 ـ الحج : 78.
4 ـ البقرة : 185.
5 ـ الفقيه 2 : 84 / 374 ، الوسائل 10 : 219 أبواب من يصح منه الصوم ب 20 ح 2.
6 ـ الكافي 4 : 118 / 4 ، الفقيه 2 : 84 / 373 ، الوسائل 10 : 218 أبواب من يصح منه الصوم ب 19 ح 1.


(486)
     [ الثانية : المسافر ] حيث يجب عليه قصر الصلاة [ يلزمه الإفطار ] أيضاً :
    [ ولو صام عالماً بوجوبه قضاه ] بإجماعنا الظاهر المصرّح به في جملة من العبائر ، كالإنتصار والخلاف والمنتهى‏ والمدارك (1).
    [ و ] فيه (2) وفي غيره (3) : الإجماع على‏ أنّه [ لو كان جاهلًا ] بالحكم [ لم يقض ] كما هو الظاهر وهو الحجّة في المقامين.
    مضافاً إلى‏ النهي المفسد للعبادة في الأول ، والصحاح المستفيضة فيه وفي الثاني :
    منها : « إن كان بلغه أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله نهى‏ عن ذلك فعليه القضاء ، وإن لم يكن بلغه فلا شي‏ء عليه » (4).
    وفي إلحاق الناسي به أم بالعامد وجهان ، بل قولان :
    من تقصيره في التحفّظ.
    ومن فوات وقته ، ومنع تقصير الناسي ، ولرفع الحكم عنه.
    والأحوط : الثاني لإطلاق النصّ (5) الشامل لمحلّ الفرض ، وإن احتمل اختصاصه بحكم التبادر بالعمد. وعلى‏ هذا الشهيد في اللمعة ، ويميل إلى‏ الآخر شارحها (6).
1 ـ الانتصار : 66 ، الخلاف 2 : 201 ، المنتهى 2 : 597 ، المدارك 6 : 285.
2 ـ المدارك 6 : 285.
3 ـ الحدائق 13 : 397.
4 ـ الكافي 4 : 128 / 1 ، الفقيه 2 : 93 / 417 ، التهذيب 4 : 220 / 643 ، الوسائل 10 : 179 أبواب من يصح منه الصوم ب 2 ح 3.
5 ـ الوسائل 10 : 179 أبواب من يصح منه الصوم ب 2 ح 1 ، 4.
6 ـ الروضة 2 : 126.


(487)
    ولو علم الجاهل والناسي في أثناء النهار أفطرا ، وقضيا قطعاً.

     [ الثالثة : الشروط المعتبرة في قصر الصلاة معتبرة في قصر الصوم ].
    بلا خلاف أجده فتوىً ورواية ، إلّا ما سبقت إليه الإشارة في كتاب الصلاة.
    [ و ] لكن [ يشترط في قصر الصوم تبييت النيّة ] للسفر من الليل ، عند الماتن هنا وفي الشرائع والمعتبر (1) ، وفاقاً للشيخ في النهاية والجمل والقاضي (2) في الجملة (3).
    للنصوص المستفيضة ، أظهرها سنداً الموثّق : في الرجل يسافر في شهر رمضان ، أيفطر في في منزله ؟ قال : « إذا حدّث نفسه في الليل بالسفر أفطر إذا خرج من منزله ، وإن لم يحدّث نفسه من الليل ، ثم بدا له في السفر من يومه ، أتمّ صومه » (4).
    ونحوه المراسيل الثلاثة ، أكثرها لجملة ممّن أجمعت العصابة على‏ تصحيح ما يصحّ عنهم ، كصفوان وابن مسكان ، ـ وهي بجملتها أو أكثرها ـ ظاهرة في الخروج قبل الزوال.
    فإنّ في بعضها : « فإن هو أصبح ولم ينو السفر قصّر ولم يفطر » (5).
1 ـ الشرائع 1 : 210 ، المعتبر 2 : 715.
2 ـ النهاية : 161 ، الجمل ( الرسائل العشر ) : 221 ، القاضى في المهذّب 1 : 194.
3 ـ متعلق بقوله « وفاقاً » ؛ وذلك لأن ظاهر المصنف جواز القصر ، بل وجوبه مع التبييت أيّ وقت سافر ، وطاهر الشيخ في النهاية أنه ـ مع التبييت ـ لو سافر بعد الزوال كان عليه الإمساك والقضاء ، وكذالك في المبسوك ، لكنه لم يذكر وجوب القضاء ( منه رحمه الله ).
4 ـ التهذيب 4 : 228 /669 ، الاستبصار 2 : 98 / 319 ، الوسائل 10 : 187 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 10.
5 ـ التهذيب 4 : 225 / 662 ، الاستبصار 1 : 227 / 806 ، الوسائل 10 : 187


(488)
    وفي آخر : « إذا خرجت بعد طلوع الفجر ولم تنو السفر من الليل فأتمّ الصوم ، واعتدّ به من شهر رمضان » (1).
    وفي الثالث : « إذا أردت السفر في شهر رمضان فنويت الخروج من الليل ، فإن خرجت قبل الفجر أو بعده فأنت مفطر ، وعليك قضاء ذلك اليوم » (2).
    وعليها ينزّل إطلاق المستفيضة الآمرة بالصيام إذا سافر في النهار ، كالحسن أو الموثّق : عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان حين يصبح ، قال : « يتمّ صومه ذلك » (3).
    والخبر : « إذا أصبح في أهله فقد وجب عليه صيام ذلك اليوم ، إلّا أن يدلج دُلْجَة » (4).
    بحملها على‏ ما إذا لم يبيّت ، بل ظاهر الحسن ذلك ، للفظ : « يتمّ صومه » الظاهر في نيّته من الليل ، فتأمّل.
    وعلى‏ صورة التبييت يحمل ما دلّ على‏ الإفطار ، ولو مع السفر بعد الزوال.
أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 11.
1 ـ التهذيب 4 : 22 8/ 670 ، الاستبصار 2 : 98 / 320 ، الوسائل 10 : 188 أبواب من يصح منه الصوم ب ح 12.
2 ـ التهذيب 4 : 229 / 673 ، الاستبصار 2 : 99 / 323 ، الوسائل 10 : 188 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 13.
3 ـ التهذيب 4 : 228 / 668 ، الاستبصار 2 : 98 / 318 ، الوسائل 10 : 186 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 5.
4 ـ التهذيب 4 : 227 / 667 ، الاستبصار 2 : 98 / 317 ، الوسائل 10 : 186 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 6 ، والدُّلجَة : سير الليل يقال اًدلَج بالتخفيف : اذا سار من أول الليل ، وبالتشديد : اذا سار من اّخره ـ مجمع البحرين 2 : 300 ـ 302.


(489)
    وهو حسن ، لولا المعتبرة المستفيضة الآتية المفصّلة بين السفر قبل الزوال فيفطر ، وبعده فيتمّ ، فإنّها لا تقبل الحمل على‏ شي‏ء من ذلك ، إلّا بتكلّف بعيد (1) لا وجه له ، عدا الجمع بين النصوص المختلفة في المسألة ، وهو غير منحصر في ذلك.
    فيحتمل الجمع بوجه آخر ، وهو : حمل نصوص هذا القول بجملتها ـ مفصّلها ومطلقها ، بعد التنزيل ـ على‏ التقية ، فقد حكي القول بوجوب الصوم مع تبييت نيّته عن جماعة من العامّة ، كالشافعي ومالك والأوزاعي وأبي ثور والنخعي وأبي حنيفة (2).
    بل هذا الجمع أولى لرجحان المستفيضة الآتية سنداً واعتضاداً بفتوى‏ جماعة من أعيان القدماء وأكثر المتأخّرين ، مع وضوح الشاهد عليه نصّاً (3) واعتباراً.
    [ و ] لذا [ قيل : الشرط خروجه قبل الزوال ] فيفطر معه مطلقاً (4) ، ويصوم مع عدمه ، كذلك.
    والقائل : المفيد ، والإسكافي ، والحلبي ـ لكنّه أوجب القضاء مطلقاً ـ والصدوق في ظاهر الفقيه ، والمقنع ، والكليني في الكافي ، وإليه ذهب الفاضل في أكثر كتبه ، وولده ، والشهيدان (5) ، وغيرهم من‏
1 ـ وهو حمل الإفطار قبل الزوال فيها على صورة التبييت ، والصوم بعده على صورة العدم ( منه رحمه الله ).
2 ـ حكاه العلامة في المنتهى 2 : 599 ؛ واًنظر المغني لابن قدامة 3 : 90.
3 ـ وهو قوله « خذ بما خالف العامة » ( منه رحمه الله ) ، اُنظر الكافي 1 : 67 / 10 ، الفقيه 3 : 5 / 18 ، التهذيب 6 : 301 / 845 ، الوسائل 27 : 106 أبواب صفات القاضي ب 9 ح 1.
4 ـ سواء بيَّت نيّة السفر لأم لا ( منه رحمه الله ).
5 ـ المفيد في المقنعة : 354 ، عن الإسكافي في المختلف : 230 الحلبي في


(490)
المتأخّرين (1).
    للمعتبرة المستفيضة ، الراجحة على‏ مقابلتها بما عرفته.
    منها : الصحيح : عن الرجل يخرج من بيته يريد السفر وهو صائم ، قال : فقال : « إن خرج من قبل أن ينتصف النهار فليفطر وليقض ذلك اليوم ، وإن خرج بعد الزوال فليتمّ صومه » (2).
    والصحيح : في الرجل يسافر في شهر رمضان يصوم أو يفطر ؟ قال :
    « إن خرج قبل الزوال فليفطر ، وإن خرج بعد الزوال فليصم » فقال : « يعرف ذلك بقول علي عليه السلام : أصوم وأُفطر حتى إذا زالت الشمس عزم عليّ » يعني الصيام (3).
    ونحوهما الموثّق (4) بابني فضّال وبكير ، المجمع على‏ تصحيح ما يصحّ عنهما.
    وقريب منها الصحيح (5) الدال على‏ الحكم الأول (6) بالمفهوم ، وعلى‏ الثاني بالمنطوق.
الكافي في الفقيه : 182 ، الفقيه 2 : 92 ، المقنع : 62 ، الكافي 4 : 131 ، الفاضل في المنتهى 2 : 598 ـ 599 ، والمختلف : 231 ، والتحرير 1 : 83 ، فخر المحققين في الإيضاح 1 : 244 ، الشهيدان في اللمعة وشرحها ( الروضة 2 : 127 ).
1 ـ كصاحب المدارك 6 : 287.
2 ـ الكافي 4 : 131 / 1 ، الفقيه 2 : 92 / 412 ، التهذيب 4 : 228 / 671 ، الاستبصار 2 : 99 / 321 ، الوسائل 10 : 185 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 2.
3 ـ الكافي 4 : 131 / 3 ، الوسائل 10 : 186 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 3.
4 ـ الكافي 4 : 131 / 2 ، الوسائل 10 : 186 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 4.
5 ـ الكافي 4 : 131 / 4 ، الفقيه 2 : 92 / 413 ، التهذيب 4 : 229 / 672 ، الاستبصار 2 : 99 / 322 ، الوسائل 10 : 185 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 1.
6 ـ هو الإفطار مع السفر قبل الزوال ( منه رحمه الله ).


(491)
    وهذه النصوص ـ مع ما هي عليه من الاستفاضة واعتبار أسانيدها جملة ، بالصحّة في أكثرها ، والقرب منها في باقيها ، وصراحة أكثرها ـ معتضدة في الحكم الأول بعموم الكتاب والسنّة المتواترة بوجوب القصر على‏ كلّ مسافر.
    وخصوصِ المعتبرة والإجماعات ، القائلة على‏ الكلّية : « إذا قصّرت أفطرت ، وإذا أفطرت قصّرت » (1).
    ونفيِ الخلاف عنه للمحكي في السرائر ، لكن مع التبييت خاصّة (2).
    وفي الثاني إلى‏ الإجماع المحكي في الخلاف عليه مطلقاً (3).
    [ وقيل : ] يجب [ أن يقصّر ] في الصوم مطلقاً [ ولو خرج قبل الغروب ] ولم يبيّت نيّة السفر ليلاً.
    والقائل بذلك : والد الصدوق في الرسالة والحلّي في السرائر صريحاً (4) ، والسيّدان والعماني والفاضل في الإرشاد ظاهراً (5).
    للعمومات ، وخصوص الخبر : في الرجل يريد السفر في شهر رمضان ، قال : « يفطر وإن خرج قبل أن تغيب الشمس بقليل » (6).
1 ـ الفقيه 1 : 280 / 1270 ، التهذيب 3 : 220 / 551 ن الوسائل 10 : 184 أبواب من يصح منه الصوم ب 4 ح 1.
2 ـ السرائر 1 : 392.
3 ـ الخلاف 2 : 201.
4 ـ حكاه عن والد الصدوق في المختلف : 230 ، السرائر 1 : 392.
5 ـ جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى 3 ) : 56 ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقيهة ) : 71 ، نقله عن العماني في المختلف : 230 ، الارشاد 1 : 302.
6 ـ التهذيب 4 : 229 / 674 ، الاستبصار 2 : 99/ 324 ، الوسائل 10 : 188 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 14.


(492)
    والرضوي : « فإن خرجت في سفر وعليك بقية يوم فأفطر » (1).
    والعمومات مخصّصة بما عرفته.
    والخبر مقطوع ، ومع ذلك في سنده ضعف بالجهالة.
    والرضوي ـ مع قصوره عن الصحّة ـ معارض بمثله المذكور في كتاب الصلاة منه ، وهو قوله : « وإن خرجت بعد طلوع الفجر أتممت صوم ذلك اليوم ، وليس عليك القضاء ، لأنه دخل عليك وقت الفرض على‏ غير مسافرة » (2).
    ومع ذلك ، فهو ـ كسابقه ـ قاصر عن مقاومة الأدلّة المتقدمة ، فلا يمكن المصير إليهما بالكلّية.
    وهنا أقوال أُخر غير واضحة المأخذ ، عدا ما عن المبسوط من جعل الشرط التبييت والخروج قبل الزوال معاً (3) ، وما في المختلف من التخيير بين الصوم والإفطار بعد الزوال (4) ، وتبعه جماعة من متأخّري المتأخّرين ، لكن لم يقيّدوه ببَعد الزوال (5).
    لإمكان استناد الأول إلى‏ الجمع بين النصوص الواردة بالأمرين ، بتقييد إطلاق ما دلّ على‏ الإفطار بما إذا خرج قبل الزوال ، وما دلّ عليه في صورة القيد بما إذا بيّت ، لأنّ التعارض بينهما تعارض العموم والخصوص من وجه ، فيقيّد عموم كلٍّ منهما بخصوص الآخر ، فإنّ الظاهر يحمل على‏
1 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 208 ، المستدرك 7 : 381 أبواب من يصح منه الصوم ب 7 ح 2.
2 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 160.
3 ـ المبسوط 1 : 284.
4 ـ المختلف : 232.
5 ـ كما في المدارك 6 : 290 ، والذخيرة : 538.


(493)
النصّ.
    ومثل هذا الجمع لا يحتاج إلى‏ شاهد ، وهو أولى‏ من الجمع بينهما بالاكتفاء بأحد الأمرين كما في الوسائل (1) ، فإنّه يحتاج إلى‏ شاهد ، ومع ذلك فهو ـ كسابقه ـ فرع التكافؤ بين المتعارضين ، المفقود في البين لرجحان ما دلّ على‏ التحديد بالزوال بما عرفته.
    واستنادِ الثاني إلى‏ الصحيح : « إذا أصبح في بلده ثم خرج ، فإن شاء صام ، وإن شاء أفطر » (2).
    وهو حسن إن وُجد به من القدماء قائل ، وليس.
    ومع ذلك ، فليس لنصوص المختار بمكافئ ، فليطرح أو يحمل على‏ أنّ المراد : صام بتأخير المسافرة إلى‏ بعد الزوال وأفطر بتقديمها عليه.
    هذا ، مع أنّ العمل بالمختار ليس فيه خروج عن مقتضى‏ هذا الصحيح ، فالأحوط الاقتصار عليه على‏ كلّ حال ، وأحوط منه عدم المسافرة إلّا قبل الزوال مع تبييت النية.
    [ وعلى‏ التقديرات ] والأقوال [ لا ] يجوز أن [ يفطر ، إلّا حيث تتوارى‏ جدران البلد الذي خرج منه ، أو يخفى‏ أذانه ] اتّفاقاً ، فتوىً ونصّاً ، كما مضى.

     [ الرابعة : الشيخ والشيخة إذا عجزا ] عن الصيام أصلاً ، أو مع مشقّة شديدة ، جاز لهما الإفطار إجماعاً ، فتوىً ودليلاً ، كتاباً (3) وسنّة (4) ،
1 ـ الوسائل 10 : 185 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 عنوان الباب.
2 ـ التهذيب 4 : 327 / 1019 ، الوسائل 10 : 187 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 7.
3 ـ البقرة : 184.
4 ـ الوسائل 14 : 209 أبواب من يصح منه الصوم ب 15.


(494)
و [ تصدّقا عن كلّ يوم بمدّ من الطعام ] أو مدّين على‏ الخلاف.
    بلا خلاف أجده في الصورة الثانية ، بل عليه الإجماع في عبائر جماعة (1) وهو الحجّة ، مضافاً إلى‏ الكتاب (2) ، والسنّة المستفيضة ، وفيها الصحاح وغيرها من المعتبرة.
    ففي الصحيح : « الشيخ الكبير والذي به العُطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان ، ويتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمدّ من طعام ، ولا قضاء عليهما ، فإن لم يقدرا فلا شي‏ء عليهما » (3).
    ونحوه آخر لراويه أيضاً ، إلّا أنّه بدّل المدّ فيه بالمدّين (4).
    وحمله الأصحاب على‏ الاستحباب ـ ومنهم الشيخ في الاستبصار (5) ـ جمعاً بينه وبين سائر أخبار المسألة المتضمّنة للمدّ خاصّة ، ومنها الرواية الأُولى‏ لراوي هذه الرواية كما عرفته.
    وحمله في التهذيب على‏ اختلاف مراتب الناس في القدرة (6). ولا شاهد له.
    وفيه (7) : عن رجل كبير يضعف عن صوم شهر رمضان ، قال‏ :
1 ـ منهم السيد المرتضى في الانتصار : 68 ، والعلامة في المختلف : 245.
2 ـ البقرة : 184.
3 ـ الكافي 4 : 116 / 4 ، الفقيه 2 : 84 / 375 ، التهذيب 4 : 238 / 697 ، الاستبصار 2 : 104 / 338 ، الوسائل 10 : 209 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 2.
4 ـ التهذيب 4 : 238 / 698 ، الاستبصار 2 : 104 / 339 ، الوسائل 10 : 210 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 2.
5 ـ الاستبصار 2 : 104.
6 ـ التهذيب 4 : 238 ـ 239.
7 ـ أي في الصحيح ( منه رحمه الله ).


(495)
« يتصدّق في كلّ يوم بما يجزي من طعام مسكين » (1) ونحوه آخر (2).
    وفي مرسلة ابن بكير المجمع على‏ تصحيح ما يصحّ عنه في قول اللَّه عزّ وجل : [ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ] (3) قال :
    « الذين كانوا يطيقون الصوم فأصابهم كبر أو عطاش أو شبه ذلك ، فعليهم لكلّ يوم مدّ » (4).
    وفي المروي في تفسير العيّاشي ـ كما حكي في تفسيرها ـ أنّه : « هو الشيخ الكبير الذي لا يستطيع ، والمريض » (5).
    وفي المروي فيه أيضاً فيه أنّه : « المرأة تخاف على‏ ولدها والشيخ الكبير » (6).
    وإطلاق أكثر هذه النصوص يشمل الصورة الأُولى‏ ، فتجب فيها الفدية أيضاً ، كما عليه الشيخ في النهاية والاقتصاد والمبسوط ، والعماني ، والإسكافي ، وابنا بابويه ، والقاضي ، والماتن هنا وفي الشرائع ، والفاضل في الإرشاد والقواعد والمنتهى‏ ، والشهيد في الدروس واللمعة ، وابن فهد
1 ـ الكافي 4 : 116 / 3 ، الوسائل 10 : 211 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 5.
2 ـ التهذيب 4 : 237 / 694 ، الاستبصار 2 : 103 / 336 ، الوسائل 10 : 212 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 9.
3 ـ البقرة : 184.
4 ـ الكافي 4 : 116 / 5 ، الفقيه 2 : 84 / 377 ، الوسائل 10 : 211 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 6.
5 ـ تفيسر العياشي 1 : 78 / 177 ، الوسائل 10 : 212 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 7.
6 ـ تفسير العياشي 1 : 79 / 180 ، الوسائل 10 : 212 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 8.
رياض المسائل الجزء الخامس ::: فهرس