رياض المسائل الجزء الخامس ::: 496 ـ 510
(496)
في المهذّب فيما حكي (1) ، وغيرهم (2).
    [ وقيل : لا تجب عليهما ] الفدية [ مع العجز ، و ] أنّه إنّما [ يتصدّقان مع المشقّة ] خاصّة.
    والقائل به : المفيد والمرتضى‏ وابن زهرة والديلمي والحلّي والحلبي فيما حكي والفاضل في المختلف وشيخنا في المسالك والروضة والمحقق الثاني (3) ، وكثير (4) ، وعن التذكرة والمنتهى‏ : أنّه مذهب الأكثر (5).
    ولعلّه الأظهر للأصل ، وظاهر الخبر المروي في الفقيه والتهذيب :
    قلت له عليه السلام : رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى‏ الخلاء ، ولا يمكنه الركوع والسجود ، فقال : « ليومئ برأسه إيماءً » إلى‏ أن قال : قلت له : فالصيام ؟ قال : « إذا كان في ذلك الحدّ فقد وضع اللَّه تعالى عنه ، وإن كانت له مقدرة فصدقة مدّ من طعام بدل كلّ يوم أحبّ إليّ ، وإن لم يكن له يسار فلا شي‏ء عليه » (6).
1 ـ النهاية : 159 ، الاقتصاد : 294 ، المبسوط 1 : 285 ، حكاه عن العماني والإسكافي وابن بابويه في المختلف : 244 ، الصدوق في المقنع : 61 ، القاضي في المهذّب 1 : 196 ، الشرائع 1 : 210 ، الارِشاد 1 : 304 ، القواعد 1 : 67 ، المنتهى 2 : 618 ، الدروس 1 : 291 ، اللمعة ( الروضة 2 ) : 127 ، المهذّب البارع 2 : 86.
2 ـ كصاحب المدارك 6 : 293 ، وانظر مجمع الفائدة 5 : 321.
3 ـ المفيد في المقنعة : 351 ، جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى 3 ) : 56 ، ابن زهرة في الغنية ، ( الجوامع الفقهية ) : 571 ، الديلمي في المراسم : 97 ، الحلي في السرائر 1 : 400 ، الحلبي في الكافي في الفقه : 182 ، المختلف : 244 ، المسالك 1 : 81 ، الروضة 2 : 128 ، المحقق الثاني في جامع المقاصد 3 : 154.
4 ـ كالفيص في المفاتيج 1 : 242 ، وصاحب الحدائق 13 : 422.
5 ـ التذكرة 1 : 280 ، المنتهى 2 : 618.
6 ـ الفقيه 1 : 238 / 1052 ، التهذيب 3 : 307 / 951 ، الوسائل 10 : 212 أبواب


(497)
    وقريب منه الصحيحة الأُولى‏ (1) ، على‏ احتمال (2) لا يخلو عن قرب.
    وضعف السند مجبور بالشهرة الظاهرة والمحكية (3) ، مضافاً إلى‏ دعوى الإجماع عليه في الانتصار (4) ، ونفي الخلاف عنه في الغنية (5) ، وأقلّهما ـ إن لم نقل بكونهما حجّة مستقلّة ـ إفادة الشهرة العظيمة القديمة بلا شبهة ، فيجبر بها ـ مضافاً إلى‏ ما مرّ ـ ضعف الرواية.
    وبهذا يقيّد إطلاق المستفيضة إن سلم عن دعوى اختصاصه بحكم التبادر بالصورة الثانية ، وإلّا كما هو ظاهر جماعة (6) فلا معارضة له لما قدّمناه من الحجّة.
    نعم ، ربّما كان ظاهر بعض الأخبار الإطلاق ، بل خصوص الصورة المقابلة (7) ، لكنه ـ لضعف السند ، وعدم المعارضة ـ لا يصلح للحجّية.
    هذا ، والمسألة مع ذلك لا تخلو عن شبهة ، ولذا تردّد فيها جماعة (8) ، فالأحوط ما في العبارة ، وإن كان ما اخترناه لا يخلو عن قوّة.
من يصح منه الصوم ب 15 ، ح 10 ، وفيها : قلت لأبي عبد الله عليه السلام.
1 ـ المتقدمة في ص : 491.
2 ـ وهو كون المراد بما لا يقدر عليه : الصوم ، لا الفدية .. ووجه القرب إشعار لفظة : « لا حرج عليهما » بالقدرة في الجمله ، وممّا ذكرنا يظهر فساد دعوى كون هذه الصحيحة مطلقة شاملة للصورة الأولى أيضاً ؛ أذ على تقدير تساوي الاحتمالين تكون الرواية بالنسبة اليها مجملة ، محتمله لها وللصورة الأخرى خاصة. ودعوى ظهور الاحتمال المقابل بعيدة ، بل العلّها فاسدة. ( منه رحمه الله ).
3 ـ انظر الحدائق 13 : 423.
4 ـ الانتصار : 67.
5 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 571.
6 ـ كالفيض في المفاتيح 1 : 242 ، وصاحب الحدائق 13 : 422.
7 ـ الوسائل 10 : 212 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 الأحاديث 7 ، 11 ، 12.
8 ـ انظرالمهذب البارع 2 : 86 ، والذخيرة : 536 ، والكفاية : 53.


(498)
    وهل يجب عليهما القضاء مع القدرة ؟
    قيل : نعم (1) ، وهو الأشهر على‏ ما صرّح به جمع (2).
    وقيل : لا (3) ، كما هو ظاهر سياق العبارة ، وحكي عن والد الصدوق أيضاً (4).
    ولعلّه الأقوى‏ للأصل ، وإطلاق الصحيحة الأُولى (5) ، والرضوي (6).
    وحملهما ـ كالعبارة ونحوها ـ على‏ الغالب من عدم القدرة على‏ القضاء ، وإن كان متوجّهاً ، إلّا أنّ ثبوت القضاء في غيره هنا لم نجد له دليلاً ، لا خصوصاً ولا عموماً ، لاختصاص نحو الكتاب : [ فعدّةٌ من أيّامٍ أُخر ] (7) بالفائت مرضاً أو سفراً ، وليس محلّ الفرض منهما ، فيكون الوجوب فيه بالأصل مدفوعاً.
    [ وذو العُطاش ] بضمّ أوله ، وهو : داء لا يَروى‏ صاحبه ، ولا يتمكّن من ترك شرب الماء طول النهار [ يفطر ] إجماعاً على‏ الظاهر ، المصرّح به في جملة من العبائر ، كالتحرير والتذكرة والمنتهى‏ (8) ، وغيرها (9) ، وللكتاب (10) ، والسنّة المستفيضة عموماً وخصوصاً ، ومنه الصحيح الذي‏
1 ـ انظر الشرائع 1 : 211 ، والمختلف : 245.
2 ـ الكفاية : 53 ، المفاتيح 1 : 241 ، الحدائق 13 : 423.
3 ـ المفاتيح 1 : 241.
4 ـ حكاه عن والد الصدوق في المختلف : 245.
5 ـ المتقدمة في ص : 491.
6 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 211 ، المستدرك 7 : 387 أبواب من يصح منه الصوم ب 12 ح 3.
7 ـ البقرة : 184 ، 185.
8 ـ التحرير 1 : 85 ، التذكرة 1 : 281 ، المنتهى 2 : 619.
9 ـ كالذخيرة : 536.
10 ـ البقرة : 184 ، 185.


(499)
مضى (1) ، والموثق (2) ، وغيرها (3).
    [ ويتصدّق عن كلّ يوم بمدٍّ ] من طعام.
    [ ثم إن برئ قضى‏ ] بلا خلافٍ في وجوبه ، كما في ظاهر المختلف (4) وغيره (5) وصريح الحلّي (6) لأنّه مريض ، فيشمله عموم ما دلّ على‏ وجوبه في حقّه.
    ونفيه على‏ الإطلاق في الصحيح الماضي محمول على‏ صورة العجز عنه باستمرار المرض وعدم برئه جمعاً بينه وبين سابقه (7) ، لرجحانه بشهرته وقطعيّته ، دون الصحيح ، لظنيّته.
    وليس التعارض بينهما تعارض العموم والخصوص مطلقاً ، فيكون الصحيح ـ لخصوصيّته ـ بالتقديم أولى‏ لأنّ خصوصيّته إنّما هي بالنسبة إلى‏ خصوص المرض ، وأمّا بالنسبة إلى‏ انقطاعه واستمراره فعامّ.
    كما أنّ سابقه بالإضافة إلى‏ انقطاع المرض خاص ، وبالإضافة إلى‏ نفسه (8) عام (9).
    فيمكن تخصيص كلّ منهما بصاحبه ، فلا بدّ من الترجيح. ولا ريب‏
1 ـ في ص : 494.
2 ـ الكافي 4 : 117 / 6 ، الفقيه 2 : 84 / 376 ، التهذيب 4 : 240 / 702 ، الوسائل 10 : 214 أبواب من يصح منه الصوم ب 16 ح 1.
3 ـ الوسائل 10 : 210 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 3 ، 6 وب 16 ح 2.
4 ـ المختلف : 245.
5 ـ المسالك 1 : 81.
6 ـ السرائر 1 : 400.
7 ـ أي : عموم ما دلّ على وجوبه في حقّه.
8 ـ أي نفس المرض.
9 ـ يشمل العطاش وغيره ( منه رحمه الله ).


(500)
أنّه مع العموم دون الصحيح لقطعيّة متنه واشتهاره ، بل عدم ظهور خلاف فيه فيما نحن فيه ، فينبغي تقييد الصحيح به ، وحمله على‏ صورة بقاء المرض واستمراره.
    فمَيلُ بعض متأخّري المتأخّرين إلى‏ العمل بإطلاق الصحيح وتخصيص العموم به (1) ، فيه ما فيه.
    وأمّا التصدّق ، ففي وجوبه خلاف. والأجود فيه ـ وفاقاً لكثير ، ومنهم : الفاضل في جملة من كتبه ، والمرتضى‏ ، والحلّي (2) ـ التفصيل بين استمرار المرض فيجب بدلاً عن القضاء ، وعدمه فلا.
    استناداً في الأول إلى‏ الصحيح الماضي (3) ، مضافاً إلى‏ عموم ما دلّ على‏ وجوبه على‏ كلّ مريض استمرّ به المرض من رمضان إلى‏ آخر ، كما مرّ (4).
    وفي الثاني إلى‏ الأصل ، وعدم ظهور دليل على‏ تخصيصه ، عدا إطلاق الصحيح الماضي ، وهو ـ بعد تنزيله بالنسبة إلى‏ القضاء على‏ خصوص صورة الاستمرار ـ غير معلوم الشمول لما نحن فيه ، فيحتمل تنزيله بالنسبة إليه عليه أيضاً احتمالاً متساوياً إن لم يكن أولى‏.
    خلافاً للشيخ (5) وجماعة (6) ، فأوجبوه مطلقاً ولم أقف لهم على‏
1 ـ الحدائق 13 : 426.
2 ـ الفاضل في المنتهى 2 : 619 ، والمختلف : 245 ، المرتضى في جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى 3 ) : 56. الحلي في السرائر 1 : 400.
3 ـ المتقدم في ص : 491.
4 ـ في ص : 433.
5 ـ المبسوط 1 : 285 ، النهاية : 159.
6 ـ منهم الصدوق في المقنع : 61 ، الأردبيلي في محمع الفائدة 5 : 326.


(501)
حجّة تعتدّ بها.
     [ والحامل المقرب ] وهي التي قرب زمان وضعها و [ المرضع القليلة اللبن ، يجوز لهما الإفطار ] إذا خافتا على‏ ولدهما أو أنفسهما ، بإجماع فقهاء الإسلام كما في المنتهى‏ (1) للضرورة المبيحة لكلّ محظور بالكتاب والسنّة والإجماع والاعتبار ، ولخصوص ما سيأتي من النصوص.
    [ وتتصدّقان لكلّ يوم بمدٍّ ] من طعام ، بإجماعنا ـ على‏ الظاهر ـ المصرّح به في المنتهى‏ فيما إذا خافتا على‏ ولدهما (2) ، وفي الخلاف مطلقاً (3) وهو الحجّة على‏ الإطلاق.
    مضافاً إلى‏ إطلاق الصحيح ـ بل ظاهره ـ : « الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن لا حرج عليهما أن تفطرا في شهر رمضان ، لأنّهما لا تطيقان الصوم ، وعليهما أن تتصدّق كلّ واحدة منهما في كلّ يوم تفطر فيه بمدّ من طعام ، وعليهما قضاء كلّ يوم أفطرتا فيه تقضيانه بعد » (4).
    وعلى‏ هذا الإطلاق جماعة من الأصحاب ، كابن حمزة ، والفاضلين في ظاهر إطلاق العبارة هنا وفي الشرائع والإرشاد ، وصريح المعتبر والتحرير (5) وغيرهما (6) ، بل ظاهر المعتبر كونه مجمعاً عليه بيننا ، حيث عَزا
1 ـ المنتهى 2 : 619.
2 ـ المنتهى 2 : 619.
3 ـ الخلاف 2 : 196.
4 ـ الكافي 4 : 117 / 1 ، الفقيه 2 : 84 / 378 ، التهذيب 4 : 239 / 701 ، الوسائل 10 : 215 أبواب من يصح منه الصوم ب 17 ح 1.
5 ـ ابن حمزة في الوسيلة : 190 ، الشرائع 1 : 211 ، الرشاد 1 : 304 ، المعتبر 2 : 718 ، التحرير 1 : 85.
5 ـ انظر مجمع الفائدة والبرهان 5 : 327 ، والذخيرة : 536.


(502)
التفصيل ـ بين الخوف على‏ الولد فيجب ، وعلى‏ النفس فلا ـ إلى‏ الشافعي خاصة (1).
    خلافاً للفاضل في المنتهى‏ ، وولده في الإيضاح ، وثاني المحققين ، وثاني الشهيدين ، فالتفصيل (2) ، ولا وجه له بعد إطلاق الصحيح ـ بل ظاهره ـ والإجماع المحكي كما مضى.
    نعم ، في مستطرفات السرائر رواية صريحة في الخوف على‏ النفس ، ولم يذكر فيها الصدقة ، بل الفطر والقضاء خاصة (3).
    لكنّها ـ مع ضعف سندها ـ تقبل الإرجاع إلى‏ الصحيح الذي هو أقوى منها سنداً ، فيكون بالترجيح أولى‏ ، سيّما مع اعتضاده بإطلاق الخبر : قلت لأبي الحسن عليه السلام : إنّ امرأتي جعلت على‏ نفسها صوم شهرين ، فوضعت ولدها وأدركها الحبل ، ولم تقوِ على‏ الصوم ، قال : « فلتصدّق مكان كلّ يوم بمدٍّ على‏ مسكين » (4).
    [ وتقضيان ] ما فاتهما على‏ الأشهر الأقوى‏ ، بل عليه إجماع أصحابنا مطلقاً كما في الخلاف (5) ، أو من عدا سلّار ـ كما في صريح المنتهى‏ ـ (6) وظاهر غيره.
1 ـ المعتبر 2 : 719.
2 ـ المنتهى 2 : 619 ، اِيضاح الفوائد 1 : 235 ، المحقق الثاني في جامع المقاصد 1 : 154 ، الشهيد الثاني في المسالك 1 : 82.
3 ـ مستطرفات السرائر : 67 / 11 ، الوسائل 10 : 216 أبواب من يصح منه الصوم ب 17 ح 3.
4 ـ الكافي 4 : 137 / 11 ، الفقيه 2 : 95 / 424 ، الوسائل 10 : 216 أبواب من يصح منه الصوم ب 17 ح 2.
5 ـ الخلاف 2 : 196.
6 ـ المنتهى 2 : 619.


(503)
    وظاهر المختلف والتنقيح (1) وغيرهما (2) عدم الخلاف فيه إلّا من والد الصدوق ، وعزاه (3) في السرائر إلى الديلمي والفقيه (4).
    أقول : ولم يذكره المرتضى‏ ، فكأنّه مخالف أيضاً.
    وكيف كان ، فالخلاف ـ ممّن كان ـ ضعيف جدّاً ، يدفعه الصحيح السابق ورواية السرائر صريحاً.
    ولم أجد للمخالف مستنداً ، عدا الأصل المخصّص بما مرّ.
    والخبرِ الأخير الساكت عن الأمر به مع وروده في مقام الحاجة. وهو ـ مع ضعفه وعدم جابر له فيما نحن فيه ـ لا حجّة فيه ، بعد ورود الأمر به في الصحيح وغيره ، المعتضدين بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع ، بل الإجماع حقيقة كما عرفت حكايته.
    والرضوي (5) ، وهو وإن كان قويّاً في سنده صريحاً في نفيه (6) ، إلّا أنّه غير مقاوم لمقابله.
    وإطلاق النصّ والفتوى‏ يقتضي عدم الفرق في المرضع بين الامّ وغيرها ، ولا بين المتبرّعة والمستأجرة إذا لم يقم غيرها مقامها.
    أمّا لو قام غيرها مقامها بحيث لا يحصل ضرر على‏ الطفل أصلاً ـ
1 ـ المختلف : 245 ، التنقيح الرائع 1 : 396.
2 ـ كما في المفاتيح 1 : 242.
3 ـ أي : الخلاف.
4 ـ السرائر 1 : 400 وفيه : قد ذهب بعض أصحابنا إلى أنه لا قضاء عليهما ، وهو الفقيه سلاّر. انتهى. فنسبة الخلاف فيه إلى الفقيه سهو مع أن ظاهر الفقيه 2 : 84 وجوب القضاء حيث اورد الصحيح الموجب له.
5 ـ فقه الرضا ( رحمه الله ) : 211 ، المستدرك 7 : 387 أبواب من يصح منه الصوم ب 12 ح 3.
6 ـ اي القضاء.


(504)
فالأجود عدم جواز الإفطار لانتفاء الضرورة المسوّغة للفدية ، ولرواية السرائر المتقدمة إليها الإشارة ، فإنّ فيها : « إن كانت ممّن يمكنها اتّخاذ ظئر (1) استرضعت لولدها وأتمّت صيامها ، وإن كان ذلك لا يمكنها أفطرت وأرضعت ولدها وقضت صيامها متى ما أمكنها ».

     [ الخامسة : لا يجب صوم النافلة بـ ] مجرّد [ الشروع فيه ] بل يجوز الإفطار فيه إلى‏ الغروب ، كما في النصوص المستفيضة ، وفيها الصحيح وغيره (2) ، ولا خلاف فيه أجده ، بل عليه الإجماع في عبائر جماعة (3).
    [ و ] لكن [ يكره إفطاره بعد الزوال ] للنصّ المصرّح بوجوبه حينئذ (4) ، المحمول على‏ تأكّد الاستحباب جمعاً ، والتفاتاً إلى‏ قصوره عن الإيجاب سنداً ومقاومةً لمقابله من وجوه شتّى‏ ، وإن صرّح به متناً.
    ويستثنى من الكراهة من دُعي إلى‏ طعام لما مرّت إليه الإشارة (5).

     [ السادسة : كلّ ما يشترط فيه التتابع إذا أفطر ] في الأثناء [ لعذر ] كحيض ومرض وسفر ضروري [ بنى‏ ] بعد زواله مطلقاً ، كان قبل تجاوز النصف أو بعده ، كان الصوم شهرين أم ثمانية عشر أم ثلاثة.
    بلا خلاف أجده إلّا من الفاضل في القواعد ، والشهيد في الدروس ،
1 ـ الاصل في الظئر : العطف ... فسمّيت المرضعة طئراً لأنها تعطف غلى الرضيع مجمع البحرين 3 : 386.
2 ـ الوسائل 10 : 15 أبواب وجوب الصوم ب 4.
3 ـ منهم العلّامة في المنتهى 2 : 620 ، وصاحب المدارك 6 : 273.
4 ـ التهذيب 4 : 281 / 850 ، الاستبصار 2 : 122 / 397 ، الوسائل 10 : 19 أبواب وجوب الصوم ونيته ب 4 ح 11.
5 ـ في ص : 473.


(505)
وشيخنا في المسالك والروضة ، وسبطه (1) ، فجزموا بوجوب الاستئناف في كلّ ثلاثة يجب تتابعها ، سواء كان لعذر أم لا ، إلّا ثلاثة الهدي لمن صام يومين وكان الثالث العيد.
    بل زاد الأخير ، فاستجود اختصاص البناء ـ مع الإخلال بالتتابع للعذر ـ بصيام الشهرين المتتابعين ، والاستئناف في غيره ، قال : لأنّ الإخلال بالمتابعة يقتضي عدم الإتيان بالمأمور به على‏ وجهه ، فيبقى‏ المكلّف تحت العهدة إلى‏ أن يتحقّق الامتثال. انتهى‏.
    وهو حسن إن لم يستفد من الاعتبار والنصوص الواردة في الشهرين ما يتعدّى‏ به الحكم إلى‏ غيرهما ، وإلّا فلا. وما نحن فيه من قبيل الثاني لشهادة الاعتبار بالعموم ، كجملة من الأخبار ، وفيها الصحيح وغيره.
    أمّا الأول فواضح.
    وأمّا الثاني فلتضمنّه تعليل الحكم بأنّ اللَّه تعالى حبسه ، كما في الصحيح (2) ، وأنّ هذا ممّا غلب اللَّه عليه وليس على‏ ما غلب اللَّه تعالى عليه شي‏ء ، كما في غيره (3).
    وهو ـ كما ترى ـ عامّ يشمل محلّ النزاع وغيره. واختصاص المورد بالشهرين غير قادح فإنّ العبرة بعموم اللفظ لا خصوصه.
    ومن العجب أنّه استدلّ بهذا التعليل لتعميم العذر للمرض ونحوه (4) ،
1 ـ القواعد 1 : 69 ، الدروس 1 : 296 ، المسالك 1 : 79 ، الروضة 2 : 131 ، المدارك 6 : 247.
2 ـ التهذيب 4 : 284 / 859 ، الاستبصار 2 : 124 / 402 ، الوسائل 10 : 374 أبواب بقية الصوم الواجب ب 3 ح 10.
3 ـ التهذيب 4 : 284 / 858 ، الاستبصار 2 : 124 / 402 ، الوسائل 10 : 374 أبواب بقية الصوم الواجب ب 3 ح 12.
4 ـ انظر المدارك 6 : 248.


(506)
مع أنّ المورد خصوص المرض ، وقد وَرَد فيه (1) في الشهرين وجوب الاستئناف في الصحيح (2) وغيره (3) ، وهو ـ رحمه الله ـ قد حملهما ـ لذلك - (4) على‏ الاستحباب ، ناقلاً عن الشيخ حملهما على‏ مرض لا يمنع الصوم (5).
    وذلك فإنّ التعليل كما صلح حجّة لمّا ذكره فكذا لما ذكرنا ، بل بطريق أولى‏ ، لخلوّه عن المعارض الصريح ، دون ما ذكره ، لما عرفت من الصحيح وغيره الآمرين بالاستئناف.
    وبالجملة : فما في العبارة ونحوها ـ كعبارة الشرائع والإرشاد واللمعة ، وصريح التحرير والسرائر والغنية (6) ـ من التعميم أولى : سيّما وأنّ في الكتاب الأخير ادّعى‏ عليه إجماعنا.
    وأمّا الصحيح : « كلّ صوم يفرق إلّا ثلاثة أيّام في كفّارة اليمين » (7).
    فمحمول على‏ أنّ المراد : أنّ بقيّة الكفّارات يجوز تفريقها في الجملة بعد تجاوز النصف لا مطلقاً ، أو الحصر إضافي وإلّا فهو شاذّ لا نجد به قائلاً ، حتى الشهيدين وسبط ثانيهما كما لا يخفى‏ (8).
1 ـ أي في المرض.
2 ـ الكافي 4 : 138 / 1 ، التهذيب 4 : 284 / 861 ، الاستبصار 2 : 124 / 404 ، الوسائل 10 : 371 أبواب بقية الصوم الواجب ب 3 ح 3.
3 ـ الكافي 4 : 139 / 7 ، التهذيب 4 : 285 / 862 ، الاستبصار 2 : 125 / 405 ، الوسائل 10 : 372 أبواب بقية الصوم الواجب ب 3 ح 6.
4 ـ أي لعموم التعليل ( منه رحمه الله ).
5 ـ المدارك 6 : 249 ـ وهو في الاستبصار 2 : 125 ذيل حذيث 405.
6 ـ الشرائع 1 : 205 ، الارشاد 1 : 304 ، اللمعة ( الروضة 2 ) : 131 ، التحرير : 85 ، السرائر 1 : 411 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 572.
7 ـ الكافي 4 : 140 / 1 ، الوسائل 10 : 382 ، أبواب بقيّة الصوم الواجب ب 10 ح 1.
8 ـ لعدم قولهم بحصر ما يجب فيه التتابع مطلقاً ـ ولو مع العذر في كفارة اليمين ، بل تعميمهم لكل ثلاثة ( منه رحمه الله ).


(507)
     [ ولو أفطر لا لعذر استأنف ] قطعاً ، وإجماعاً فتوىً ودليلاً [ إلّا ثلاثة مواضع ] :
    الأول : [ من وجب عليه صوم شهرين متتابعين ، فصام شهراً ومن الثاني شيئاً ] ولو يوماً بإجماعنا المحقّق المصرّح به في الغنية والتذكرة والمنتهى‏ (1) وغيرها (2) ، وأخبارنا المستفيضة جدّاً ، وفيها الصحاح وغيرها (3).
    [ و ] الثاني : [ من وجب عليه صوم شهر بنذر ] وشبهه [ فصام خمسة عشر يوماً ] على‏ الأشهر الأقوى‏ ، بل ظاهر المختلف (4) وغيره (5) : أنّه لا خلاف فيه أصلاً. وسيأتي بيانه وبيان سائر ما يتعلّق بهذه المسائل في كتاب الكفّارات مفصّلاً.
    [ و ] الثالث : [ في ] صوم [ الثلاثة الأيّام ] بدلاً [ عن هدي التمتّع ، إذا صام يومين ] منها [ وكان الثالث العيد ، أفطر وأتمّ الثالث بعد أيّام التشريق إن كان بمنى‏ ].
    بلا خلاف فيه أجده في الجملة ، إلّا من بعض متأخّري متأخّري الطائفة ، فتردّد فيه (6). وهو ضعيف ، بل على‏ خلافه الإجماع في المختلف (7) ، وعن السرائر مطلقاً (8) ، وفي الغنية مع الضرورة (9).
1 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 572 ، التذكرة 1 : 282 ، المنتهى 1 : 621.
2 ـ اِيضاح الفوائد 4 : 100.
3 ـ الوسائل 10 : 371 ، أبواب بقية الصوم الواجب ب 3.
4 ـ المختلف : 248.
5 ـ كالذخيرة : 535.
6 ـ المدارك 8 : 51.
7 ـ المختلف : 305.
8 ـ السرائر 1 : 593.
9 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 572.


(508)
    وقريب من الأول (1) المنتهى‏ ، فإنّ فيه : أجمع علماؤنا على‏ إيجاب التتابع فيها ، إلّا إذا فاته قبل يوم التروية ، فإنّه يصوم التروية ويوم عرفة ويفطر العيد ، ثم يصوم يوماً آخر بعد انقضاء أيّام التشريق [ ولو غيّر ] (2) هذه الأيّام وجب فيها التتابع ثلاثة (3). انتهى‏.
    وهو الحجّة ، مضافاً إلى‏ جملة من المعتبرة ولو بالشهرة ، مع أنّ فيها الصحيح كما قيل (4) ، ولا يبعد ، أو الموثق أو الحسن كما في الذخيرة (5) : عن رجل قدم يوم التروية متمتّعاً وليس له هدي ، فصام يوم التروية ويوم عرفة ، قال : « يصوم يوماً آخر بعد أيّام التشريق » (6) وبمعناه‏
1 ـ أي من المختلف.
2 ـ في « ح » : ولو كان غير ، وفي المنتهى : ولو صام غير.
3 ـ المنتهى 2 : 743.
4 ـ القائل السيد نعمه الله الجزائري في شرحه على التهذيب ، حيث قال في الرّد على من ضعّف هذا الحديث ، فقال اِنّه ممنوع ؛ وذلك لأنّ يحيى الأزرق هو يحيى بن عبد الرحمن الثقة الذي يروي عنه صفوان وقد سبق التصريح به في باب الخروج إلى الصفا حيث قال : عن صفوان وعلي بن النعمان عن يحيى بن عبد الرحمن الأزرق ، والذي حمله على تضعيفه أنّ الصدوق روى الحديث في الفقيه عن يحيى الازرق ، وقال في مشيخته : وكلّ ما في هذا الكتاب عن يحيى الازرق فقد رويته عن فلان عن فلان عن أبان بن عثمان عن يحيى بن حسّان الازرق .. و [ لم ] يذكر طريقه إلى يحيى بن عبد الرحمن الازرق أيضاً ، فالتمييز مشكل ، وهذا غير مناف لما قلنا من أنّ جماعة من محققّي علماء الرجال حكموا باتحاد الرجلين ، وهو غير بعيد.
انتهى. أقول : ونحوه بعض من وصف أحاديث الاستبصار الموجود عندي ، فكتب في الحاشية : صح ، وكتب تحت يحيى الازرق الطاهر أنّه يحيى بن عبد الرحمن الازرق. ( منه رحمه الله ) وقد وصف الرواية بالصحة المحقق الاردبيلي أيضاً في مجمه الفائدة 7 : 295.
5 ـ الذخيرة : 672 ، وفيه : وعن يحيى الأزرق بإسناد لا يبعد أن يعدّ موثقاً.
6 ـ الفقيه 2 : 304 / 1509 ، التهذيب 5 : 231 / 781 ، الاستبصار 2 : 279 / 992 ، الوسائل 14 : 196 أبواب الذبح ب 52 ح 2.


(509)
غيره (1).
    وهي بإطلاقها ـ بل عمومها الناشئ عن ترك الاستفصال ـ تعمّ صورتي الاختيار والضرورة ، كما هو ظاهر العبارة هنا وفي الشرائع ، والتحرير والمنتهى‏ والقواعد ، والتهذيبين ، واللمعتين ، والسرائر ، وعن المبسوط والجمل (2) ، بل صريحها وصريح ابن حمزة على‏ ما حكاه بعض الأجلّة (3) ، قال : وخالف فيه القاضي والحلبيّان والمحقّق الثاني ، فاشترطوا الضرورة (4).
    أقول : وظاهر الغنية دعوى الإجماع.
    وعليه فيمكن الجمع بين ما مرّ من المعتبرة والصحاح المعارضة ، منها : في متمتّع دخل يوم التروية ولا يجد هدياً : « فلا يصوم ذلك اليوم ولا يوم عرفة ، ويتسحّر ليلة الحصبة (5) ، فيصبح صائماً ، وهو يوم النفر ،
1 ـ التهذيب 5 : 231 / 780 ، الاستبصار 2 : 279 / 991 ، الوسائل 14 : 195 أبواب الذبح ب 52 ح 1.
2 ـ الشرائع 1 : 262 ، التحرير 1 : 105 ، المنتهى 2 : 743 ، القواعد 1 : 88 ، التهذيب 5 : 231 ، الاستبصار 2 : 280 ، الروضة 2 : 132 ، السرائر 1 : 592 ، المبسوط 1 : 370 ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 236.
3 ـ الفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 363 ، ولم يعدّ فيه المحقق الثاني من جملة المخالفين ، ولم نعثر على مخالفته في جامع المقاصد.
4 ـ القاضي في المهذب 1 : 200 ، الحلبي في الكافي في الفقه : 188 ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 572.
5 ـ المُحَصَّب : موضع الجمار عند أهل اللغة ، والمراد به هنا ـ كما نَصَّ عليه بعض شرَّاح الحديث ـ الابطح ، اذ المُحَصَّب يصح أن يقال لكل موضع كثيرة حصباؤه ، والابطح ميل واسع فيه دقاق الحصى ، وهذا الموضع تارة يسمى بالأبطح وأخرى بالمُحَصَّب ، أوله عند منقطع الشّعب من وادي منى وآخره متصل بالمقبرة التى


(510)
ويصوم يومين بعده » (1).
    بحمل الأوّلة على‏ حال الضرورة ، وهذه على‏ الصورة المقابلة.
    ولا ريب أنّ هذا التفصيل أحوط ، وإن كان الجمع بينهما بحمل الأخيرة على‏ الاستحباب لعلّه أظهر ، للأصل ، وشهرة الإطلاق ، والعموم للصورتين ، الموجب لوهن الإجماع ، الذي هو الشاهد على‏ الجمع الأول.
    ومنه يظهر ضعف ما يحكى‏ عن بعض المتأخّرين من اشتراط الجهل بكون الثالث العيد (2).
    [ ولا ] يجوز أن [ يبني لو كان الفاصل ] بينها [ غيره ] أي غير العيد مطلقاً ، على‏ الأشهر الأقوى‏ لعموم ما دلّ على‏ وجوب التتابع فيها من النصّ (3) والفتوى‏.
    خلافاً للمحكي عن ابن حمزة ، فاستثنى‏ ما لو كان الفاصل يوم عرفة
تسمى عند اهل مكة بالمعلّي ، وليس المراد بالمُحصَّب موضع الجمار بمنى ، وذلك لأن السنّة يوم النفر من منى أن ينفر بعد رمي الجمار وأول وقته بعد الزوال وليس له أن يلبث حتى يمسي ، وقد صلى به النبي المغرب والعشاء الاّخرة وقد رقد به رقدة ، فعلمنا أن المراد من المحّب ما ذكرناه. و « التَّحصيب » المستحب هو النزول في مسجد المحصبة والاستلقاء فيه ، وهو في الأبطح ، وهذا الفعل مستحب تأسياً بالنبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وليس لهذا المسجد أثر في هذا الزمان فتتأدى السنة بالنزول في الأبطخ قليلاً ثم يدخل البيوتَ من غير أن ينام بلأبطح. و « ليلة الحَصبة » بالفتح بعد أيام التشريق ، وهو صريح بأن يوم الحَصْبة هو يوم الرابع عشر لا يوم النَّفر ، يؤيده ما روى عن أبي الحسن ( عليه السلام ) وقد سُئل عن متمتع لم يكن له هدى ؟ فأجاب : « يصوم أيام منى ، فإن فاته ذلك صام صبيحة يوم الحَصبة ويومين بعد ذلك » ـ مجمع البحرين 2 : 43 ـ 44.
1 ـ الكافي 4 : 508 / 4 ، الوسائل 14 : 197 أبواب الذبح ب 52 ح 5.
2 ـ الفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 363.
3 ـ الوسائل 14 : 198 أبواب الذبح ب 53.
رياض المسائل الجزء الخامس ::: فهرس