|
|||
(511)
لمن يخاف بصومه الضعف عن الدعاء (1) ، ونفى عنه البأس في المختلف ، والبعد في المدارك (2).
استناداً إلى أنّ التشاغل فيه مطلوب للشارع ، فجاز الإفطار. وضعفه ظاهر ، فإنّ ذلك لا يوجب حصول التتابع المأمور به شرعاً ، بل مع الإفطار يجب عليه استئناف الثلاثة من أولها. وأظهر من هذا ضعفاً ما يحكى عن المبسوط والجمل من اغتفار التفريق بينها إذا صام يومين منها مطلقاً (3) إذ لم أرَ له حجّةً يعتد بها ، عدا ما في المختلف من أنّ تتابع الأكثر يجري مجرى تتابع الجميع (4). وهو كما ترى. وهل تجب المبادرة إلى الثالث بعد زوال العذر ؟ وجهان : من إطلاق النصوص (5) وأكثر الفتاوي. ومن وجوب الاقتصار في ترك الواجب للضرورة على قدرها. وهذا أحوط وأولى ، وبه أفتى صريحاً بعض أصحابنا (6) ، حاكياً له عن ابن سعيد. والحمد للَّه تعالى
1 ـ حكاه عنه في المختلف : 305. 2 ـ المختلف : 305 ، وفي المدارك 8 : 54 ، لم ينف البعد عن قول ابن حمزة بل استبعده. 3 ـ حكاه عنهما في المختلف : 249. 4 ـ المختلف : 249. 5 ـ انظر الوسائل 14 : 195 أبواب الذبح ب 52. 6 ـ الفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 363. (512)
(513)
و هو لغةً : الاحتباس واللبث الطويل. وشرعاً : اللبث المخصوص للعبادة.
و شرعيته ثابتة بالكتاب والسنّة والإجماع. قال اللَّه سبحانه : [ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ ] (1). وقال عزّ وجل : [ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ] (2). وفي الصحيح : « كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد وضربت له قبّة من شعر ، وشمّر المئزر وطوى فراشه » الحديث (3). 1 ـ البقرة : 187. 2 ـ البقرة : 125. 3 ـ الكافي 4 : 175 / 1 ، الفقيه 2 : 120 / 517 ، الوسائل 10 : 533 أبواب الاعتكاف ب 1 ح 1. (514)
ويستفاد منه ومن غيره من النصوص (1) أنّ أفضل أوقاته العشر الأواخر من شهر رمضان ، حتى أنّ في بعضها « لا اعتكاف إلّا في العشر الأواخر من شهر رمضان » كما في نسخة (2) ، أو العشرين منه ، كما في أُخرى (3).
وفي الخبر : « اعتكاف عشر في شهر رمضان يعدل حجّتين وعمرتين » (4). وهو في الأصل مستحب ، وإنّما يجب بالنذر وبمضيّ يومين فيجب الثالث ، وكذا كل ثالث كالسادس والتاسع ، على الخلاف الآتي. [ والكلام ] في هذا الكتاب يقع [ في ] أمور ثلاثة : [ شروطه ، وأقسامه ، وأحكامه ]. [ أمّا الشروط فـ ] هي [ خمسة ] : الأول : [ النيّة ] بلا خلاف ، كما في كلّ عبادة ، وقد مضى تحقيقها في كتاب الطهارة. [ و ] الثاني : [ الصوم ] بالإجماع ، والمعتبرة المستفيضة ـ وفيها الصحيح وغيره ـ : « لا اعتكاف إلّا بصوم » (5). وفي الصحيح : « تصوم ما دمت معتكفاً » (6) ونحوه في إيجاب الصوم 1 ـ الوسائل 10 : 533 أبواب الاعتكاف ب 1. 2 ـ التهذيب 4 : 290 / 884 ، الاستبصار 2 : 126 / 411 ، الوسائل 10 : 534 أبواب الاعتكاف ب 1 ح 5. 3 ـ الكافي 4 : 176 / 2 ، الوسائل 10 : 534 أبواب الاعتكاف ب 1 ح 5. 4 ـ الفقيه 2 : 122 / 531 ، الوسائل 10 : 534 أبواب الاعتكاف ب 1 ح 3. 5 ـ الوسائل 10 : 535 أبواب الاعتكاف ب 2. 6 ـ الكافي 4 : 176 / 3 ، الوسائل 10 : 535 أبواب الاعتكاف ب 2 ح 1. (515)
حال الاعتكاف كثير (1).
والمراد بالوجوب فيها : الشرطي ـ كما في سابقها ـ لا الشرعي ، وإلّا لزاد الشرط على مشروطه. وإطلاق النصّ والفتوى يقتضي عدم الفرق في الصوم بين كونه ندباً أو واجباً ، لرمضان أو غيره ، ومحصّله : أنّه لا يعتبر وقوعه لأجله ، بل يكفي حصوله على أيّ وجهٍ اتّفق ، وبه صرّح جماعة (2) ، معربين عن عدم خلاف فيه كما صرّح به بعضهم (3) ، وعن المعتبر : أنّ عليه فتوى علمائنا (4). أقول : ويدلّ عليه ـ بعد الإجماع والإطلاقات ـ صريح ما مرّ من النصوص المرغّبة لإيقاعه في شهر رمضان بناءً على ما مرّ في الصوم من أنّه لا يقع في شهر رمضان غيره إجماعاً (5). وعلى هذا الشرط [ فلا يصحّ ] الاعتكاف [ إلّا في زمانٍ يصحّ صومه ، ممّن يصحّ منه ] الصوم ، فلا يصحّ الاعتكاف في العيدين ، ولا من الحائض والنفساء والمريض المتضرّر بالصوم. [ و ] الثالث : [ العدد ، وهو ثلاثة أيّام ] فلا اعتكاف في أقلّ منها بإجماعنا الظاهر المصرّح به في جملة من العبائر مستفيضاً (6) ، والمعتبرة به ـ مع ذلك ـ مستفيضة جدّاً ، ففي جملةٍ منها : « لا يكون اعتكاف أقلّ من 1 ـ الوسائل 10 : 535 أبواب الاعتكاف ب 2. 2 ـ المدارك 6 : 315 ، مفاتيح الشرائع 1 : 276 ، الحدائق 13 : 457. 3 ـ كالفيض في مفاتيح الشرائع 1 : 277. 4 ـ المعتبر 2 : 726. 5 ـ راجع ص : 283. 6 ـ منهم : المحقق في المعتبر 2 : 728 ، والعلامة في التذكرة 1 : 284 ، وصاحب الحدائق 13 : 418 ، والفيض في مفاتيح الشرائع 1 : 276. (516)
ثلاثة أيّام » (1).
ولا خلاف في دخول ليلتي الثاني والثالث ـ ممّن عدا الشيخ في موضعٍ من الخلاف - (2) بل عليه الإجماع في ظاهر جملة من العبائر ، كالمعتبر والمنتهى (3) وغيرهما (4) وقول الشيخ بالخروج متروك كما في عبائر ، ومنها الدروس (5). وفي دخول ليلة الأول خلاف ، الأقرب الخروج ، وفاقاً للمشهور ، ومنهم : الشيخ في موضع من الخلاف ، والفاضلان في المعتبر والتحرير ، والشهيدان في الروضة والدروس ، والفاضل المقداد في التنقيح (6) ، وجماعة من محقّقي متأخّري المتأخّرين (7). لأنّ المتبادر من لفظ « اليوم » الوارد في الفتوى والنصّ : إنّما هو من عند الفجر إلى الغروب. وإنّما قلنا بدخول الليلتين لما مرّ من الإجماع المنقول على دخولهما بالخصوص. مضافاً إلى الإجماع على أن أقلّ الاعتكاف ثلاثة إذ لو لم يدخلا لتحقّق الخروج منه بدخول الليل ، فجاز فعل المنافي ، فانقطع اعتكاف ذلك اليوم عن غيره ويصير منفرداً ، فحصل اعتكاف أقلّ من ثلاثة 1 ـ الوسائل 10 : 544 أبواب الاعتكاف ب 4 ح 2 ، 4 ، 5. 2 ـ الخلاف 2 : 239. 3 ـ المعتبر 2 : 728 ، المنتهى 2 : 630. 4 ـ كالتذكرة 1 : 284 ، والحدائق 13 : 459. 5 ـ الدروس 1 : 298. 6 ـ الخلاف 2 : 238 ، المعتبر 2 : 728 ، التحرير 1 : 86 ، الروضة 2 : 150 ، الدروس 1 : 298 ، التنقيح الرائع 1 : 400. 7 ـ منهم صاحب المدارك 6 : 317 ، والفيض في المفاتيح 1 : 276 ، والسبزواري في الذخيرة : 540 ، وصاحب الحدائق 13 : 460. (517)
أيّام ، وهذا خلف.
والحاصل : أنّ الليل لا يدخل في مسمّى اليوم إلّا بقرينة أو دليل من خارج ، وهما مختصّان بالأخيرتين. وأمّا دخول الليلة المستقبلة في مسمّاه ـ كما نقل قولاً ـ (1) فلا وجه له. وتتفرّع على الخلاف فروع جليلة لا يليق بهذا المختصر ذكرها جملة. نعم ، لا بأس بذكر ما يتعلّق منها بأمر النيّة ، وهو ابتداء الاعتكاف الذي يجب مقارنتها له ، وهو ـ على المختار ـ عند طلوع الفجر ، وعلى غيره عند الغروب. [ و ] الرابع : [ المكان ، وهو كلّ مسجد جامع ] جمع فيه إمام عدل ، ولو غير إمام الأصل : وفاقاً للمفيد ، وعليه الماتن في كتبه ، والشهيدان (2) ، وجماعة من محقّقي متأخّري المتأخّرين (3). لعموم الآية ، والنصوص المستفيضة ، وفيها الصحيح والموثّق وغيرهما : « لا اعتكاف إلّا بصوم في المسجد الجامع » كما في بعضها (5) ، أو « مسجد جماعة » كما في أُخرى (5). 1 ـ نقله صاحب المدارك 6 : 317. 2 ـ المفيد في المقنعة : 363 ، الماتن في المعتبر 2 : 732 ، والشرائع 1 : 216 ، الشهيد الأول في الدروس 1 : 298 ، الشهيد الثاني في الروضة 2 : 150. 3 ـ منهم : صاحب المدارك 6 : 323 ، والسبزواري في الذخيرة ك 539 ، والفيض في مفاتيح الشرائع 1 : 277. 4 ـ الفقيه 2 : 119 / 516 ، الوسائل 10 : 538 أبواب الاعتكاف ب 3 ح 1. 5 ـ التهذيب 4 : 290 / 881 ، الاستبصار 2 : 127 / 414 ، الوسائل 10 : 539 أبواب الاعتكاف ب 3 ح 6. (518)
[ وقيل : لا يصحّ إلّا في أحد المساجد الأربعة : مكّة ، والمدينة ، وجامع الكوفة والبصرة ].
والقائل : الشيخ ، والسيّدان ، والحلبي ، والقاضي ، وابن حمزة ، والحلّي ، والفاضل في القواعد والإرشاد والتحرير والمنتهى ، والمحقّق المقداد في التنقيح (1) ، وغيرهم (2). وبالجملة : الأكثر كما في كلام جماعة (3) ، بل المشهور كما في كلام آخرين (4) ، بل عليه الإجماع في صريح الانتصار والغنية والخلاف وظاهر السرائر (5) وهو الحجّة. مضافاً إلى الصحيح المروي في الفقيه : ما تقول في الاعتكاف ببغداد في بعض مساجدها ؟ فقال : « لا يعتكف إلّا في مسجد جماعة صلّى فيه إمام عدل جماعة ، ولا بأس بأن يعتكف في مسجد الكوفة والبصرة ومسجد المدينة ومسجد مكّة » (6). 1 ـ الشيخ في المبسوط 1 : 289 ، المرتضى في الانتصار : 72 ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقيهة ) : 572 ، الحلبي في الكافي : 186 ، القاضي في المهذب 1 : 204 ، ابن حمزة في الوسيلة : 153 ، الحلّي في السرائر 1 : 421 ، قواعد الاحكام 1 : 70 ، الارشاد 1 : 305 ، التحرير 1 : 87 ، المنتهى 2 : 632 ، التنقيح الرائع 1 : 401. 2 ـ كسلّار في المراسم : 99. 3 ـ منهم : العلامة في التذكرة 1 : 284 ، والشهيد الثاني في الروضة 2 : 150 ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1 : 401. 4 ـ كالعلامة في المنتهى 2 : 632. 5 ـ الانتصار : 72 : الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 573 ، الخلاف 2 : 233 ، السرائر 1 : 421. 6 ـ الكافي 4 : 176 / 1 ، الفقيه 2 : 120 / 519 ، التهذيب 4 : 290 / 882 ، الاستبصار 2 : 126 / 409 ، الوسائل 10 : 540 أبواب الاعتكاف ب 3 ح 8. (519)
وما يقال : من أنّ الإجماع ممنوع ، والحديث لا دلالة فيه ، فإنّ الإمام العدل لا يختصّ بالمعصوم عليه السلام كالشاهد العدل ، إلّا أن يُجعل ذكر هذه المساجد قرينة على إرادته عليه السلام ، فيحمل على نفي الفضيلة (1).
فمردود بعدم وجه لمنع الإجماع ، عدا وجود الخلاف ، وهو ـ على أصلنا ـ غير ضائر ، فينبغي قبول دعواه ، سيّما مع استفاضة نقله ، وشهرة الفتوى به اشتهاراً محقّقاً ومحكيّاً. مع عدم ظهور مخالف يعتدّ به من القدماء ، عدا العماني ، حيث جوّز الاعتكاف في كلّ مسجد (2) لعموم الآية ، والموثّق المروي في المعتبر والمنتهى : « لا اعتكاف إلّا بصوم ، وفي مسجد المصر الذي أنت فيه » (3). والمفيد ، حيث جوّزه في المسجد الأعظم (4) ، المرجوع إلى الجامع ، كما في كلام الماتن. والصدوقين ، حيث جوّزه أولهما في المساجد الأربعة ، مبدلاً البصرة منها بالمدائن (5) ، وثانيهما في الخمسة (6). ولا ريب في ندرة الأول وشذوذه ، ومخالفته الإجماع القطعي والنصّ المستفيض ، المخصّص بهما عموم دليلَيه ، على تقدير تسليمه. وكذلك الصدوقان ، مع عدم وضوح دليل لهما ، عدا الرضوي لأولهما ، 1 ـ كما في المدارك 6 : 325 ، والمفاتيح 1 : 277 ، والذخيرة : 540. 2 ـ نقله عنه في المختلف : 251. 3 ـ المنتهى 2 : 633 ، المعتبر 2 : 733 ، الوسائل 10 : 541 أبواب الاعتكاف ب 3 ح 11. 4 ـ انظر المقنعة : 363. 5 ـ حكاه عن والد الصدوق في المختلف : 251. 6 ـ الصدوق في المقنع : 66. (520)
ففيه : « صوم الاعتكاف في المسجد الحرام ، ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله ، ومسجد الكوفة ، ومسجد المدائن ، ولا يجوز الاعتكاف في غير هذه المساجد الأربعة والعلّة في هذه : أنّه لا يُعتكَف إلّا في مسجد جَمَع فيه إمام عدل ، وجمع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بمكّة والمدينة ، وأمير المؤمنين عليه السلام في هذه الثلاثة المساجد » (1).
وما روي أنّ مولانا الحسن عليه السلام صلّى في مسجد المدائن جماعة (2) لثانيهما. وهما ـ مع قصور سنديهما ، بل ضعفهما في مقابلة ما مضى ـ لا مخالفة لهما لما عليه أصحابنا ، من حيث اتّفاقهما لهم في اعتبار مسجد صلّى فيه إمام الأصل جمعة ، كما عليه أكثرهم ، ومنهم جملة من نقلة الإجماع كالسيّدين والحلّي (3) ، أو جماعةً ، كما هما عليه. ولذا أنّ كثيراً من أصحابنا (4) ألحقوهما بالمشهور. فلم يبق مخالف لهم سوى المفيد ، وهو ـ بالإضافة إليهم ـ نادر وإن وافقه الماتن ، لتأخّره عنهم. ومع ذلك ، لا مستند له حيث قيّد المسجد بالأعظم ، إلّا إذا أُريد به الجامع يعني ـ : الذي يجتمع فيه أهل البلد دون نحو مسجد القبيلة ـ فتدلّ عليه المستفيضة المتقدّمة (5) ، لكن قد عرفت أنّ في جملة منها بدل 1 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 213 ، المستدرك 7 : 562 أبواب الاعتكاف ب 3 ح 1. 2 ـ المعتبر 2 : 732 ، وليس فيه لفظة « جماعة » اِيضاح الفوائد 1 : 256 ، روضة المتقين 3 : 498 ، مرآة العقول 16 : 428. 3 ـ المرتضى في الانتصار : 72 ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 572 ، الحلي في السرائر 1 : 421. 4 ـ كصاحب الحدائق 13 : 464. 5 ـ في ص : 514. (521)
« الجامع » « مسجد جماعة » ولا ريب أنّه أعمّ من الجامع ، لصدقه على مسجد القبيلة إذا صُلّي فيه جماعة ، ولم يقولوا به.
وتقييده بالجامع ـ على تقدير تسليم صحّته ـ ليس بأولى من تقييدهما بما عليه أصحابنا من مسجد صلّى فيه إمام الأصل جمعةً أو جماعة. بل هو أولى للإجماعات الكثيرة ، والشهرة القديمة العظيمة ، وقاعدة توقيفيّة العبادة ، ووجوب الاقتصار فيها على المتيقّن ثبوته من الشريعة. مضافاً إلى الصحيحة المتقدمة (1). والجواب عنها بالحمل على الفضيلة ـ بعد الاعتراف بالدلالة ـ لا وجه له لاشتراطه بالتكافؤ المفقود في البين ، لأرجحيّة هذه بالإضافة إلى المستفيضة بما عرفته من الشهرة والإجماعات المحكيّة ، وبمرجوحيّته بالإضافة إلى حمل المطلق على المقيّد (2). هذا ، مع احتمال ورود المستفيضة للتقيّة لموافقتها لمذهب جماعة من العامّة ، كأبي حنيفة ومن تبعه (3). وبالجملة : المشهور في غاية القوة ، سيّما مع اعتضاده أيضاً بما رواه في المختلف عن الإسكافي ، أنّه قال : روى ابن سعيد عن أبي عبد اللَّه عليه السلام جوازه في كلّ مسجد صلّى فيه إمام عدلٍ صلاة جماعة ، وفي المسجد الذي تصلّى فيه الجمعة بإمام وخطبة (4). فتأمّل. [ و ] الخامس : [ الإقامة في موضع الاعتكاف ] بإجماع العلماء 1 ـ في ص : 515. 2 ـ أي : مرجوحيّة حمل الصحيحة على الفضلية بالاضافة إلى حمل المطلق ـ وهو المستفيضة ـ على المقيّد. 3 ـ انُظر عمدة القارئ 11 : 142 ، بدائع الصنائع 2 : 113. 4 ـ المختلف : 251 ، الوسائل 10 : 542 أبواب الاعتكاف ب 3 ح 14 ، بتفاوت. (522)
كما عن المعتبر والتذكرة والمنتهى (1) ، والصحاح وغيرها به مستفيضة من طرقنا.
ففي الصحيح : « ليس للمعتكف أن يخرج من المسجد إلّا إلى الجمعة أو جنازة أو غائط » (2). وفي آخرَين : « لا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد الجامع إلّا لحاجة لا بدّ منها ، ثم لا يجلس حتّى يرجع ، والمرأة مثل ذلك » (3). وزيد في أحدهما : « ولا يخرج في شيء إلّا لجنازةٍ أو يعود مريضاً » (4). وما فيهما ـ من أنّ المرأة مثل الرجل ـ مجمع عليه بيننا ، وبه صرّح في الخلاف (5) وغيره (6) أيضاً. وعليه [ فلو خرج ] كلّ منهما عن المسجد بجميع بدنه لا ببعضه ـ على الأقوى - [ أبطله ]. وكذا لو صعد سطحه على قول (7) ، والأقوى : لا ، وفاقاً للمحكي عن المنتهى ، لأنّه من جملته (8). نعم ، الأحوط ترك هذا وسابقه [ إلّا لضرورة ] كتحصيل مأكول 1 ـ المعتبر 2 : 733 ، التذكرة 1 : 290 ، المنتهى 2 : 633. 2 ـ الكافي 4 : 178 / 1 ، الوسائل 10 : 550 أبواب الاعتكاف ب 7 ح 6. 3 ـ الكافي 4 : 176 / 2 ، الفقيه 2 : 120 / 521 ، التهذيب 4 : 290 / 884 ، الاستبصار 2 : 126 / 411 بتفاوت يسير ، الوسائل 10 : 549 أبواب الاعتكاف ب 7 ح 1. 4 ـ الكافي 4 : 178 / 3 ، الفقيه 2 : 122 / 529 ، التهذيب 4 : 288 / 871 ، الوسائل 10 : 549 أبواب الاعتكاف ب 7 ح 2. 5 ـ الخلاف 2 : 227. 6 ـ المدارك 6 : 326 ، الحدائق 13 : 468. 7 ـ انظر الدروس 1 : 300. 8 ـ المنتهى 2 : 635. (523)
ومشروب ، وفعل الأول في غيره (1) لمن عليه فيه غضاضة ، وقضاء حاجة من بول أو غائط ، واغتسال واجب لا يمكن فعله فيه ، ونحو ذلك ممّا لا بدّ منه ، ولا يمكن فعله في المسجد ، ولا يتقدّر معها (2) بقدر إلّا زوالها.
نعم ، لو خرج عن كونه معتكفاً بطل مطلقاً ، وكذا لو خرج مكرهاً أو ناسياً فطال ، وإلّا رجع حيث ذكر ، فإن أخّر بطل. كلّ ذلك على الأظهر ، وفاقاً لجمع (3). خلافاً للمحكي عن المعتبر في المكره ، فيبطل بقول مطلق لمنافاته لماهيّة الاعتكاف (4). وفيه : ـ على إطلاقه ـ نظر ، والأصل يقتضي الصحّة ، والنهي الموجب للفساد غير متوجّه في هذه الصورة ، ولذا قال ـ كالأكثر ـ بعدم البطلان في الناسي (5) ، وسؤال الفرق متوجّه. [ أو طاعة ، مثل تشييع جنازة مؤمن ] للصحيحين المتقدّمين ، وليس فيهما التقييد المؤمن. [ أو عيادة مريض ] لفحواهما ، مع التصريح به في أحدهما ، وهو مطلق كالأول ، فالتفصيل (6) غير ظاهر الوجه. وعلى جواز الأمرين بقول مطلق الإجماع في الانتصار والغنية والتذكرة (7). 1 ـ أي المسجد. 2 ـ أي مع الضرورة. 3 ـ المسالك 1 : 84 ، المدارك 6 : 331 ، الحدائق 13 : 472. 4 ـ المعتبر 2 : 733. 5 ـ المعتبر 2 : 736. 6 ـ بتقييد الجنازة بالمؤمن واِبقاء المريض على اِطلاقة ( منه رحمه الله ). 7 ـ الانتصار : 74 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 573 ، التذكرة 1 : 291. (524)
[ أو شهادة ] تحمّلًا وإقامةً ، إن لم يمكن بدون الخروج ، سواء تعيّنت عليه أم لا.
بلا خلاف ولا إشكال في الصورة الأُولى لكونها من الحاجة المرخّص في الخروج لأجلها. ويشكل في الثانية ، وإن ذكر جواز الخروج فيها أيضاً جماعة ، ومنهم الفاضل في المنتهى ، معلّلاً بكونها من الحاجة المرخّص لها (4). وهو مشكل جدّاً ، إلّا أن يتمسّك بفحوى الجواز للتشييع وعيادة المريض ، لكونهما مستحبّاً ، فالجواز لهما يستدعي الجواز للواجب ـ ولو كفايةً ـ بطريق أولى. [ ولا ] يجوز أن [ يجلس لو خرج ] لشيء من الأُمور المذكورة [ ولا ] أن [ يمشي تحت الظلال ] اختياراً. بلا خلاف في الأول في الجملة ، وإن اختلفت العبارات في الإطلاق كما في الصحيحين الماضيين (2) ، أو التقييد بتحت الظلال كما في الخبر (3) ، لكنّه قاصر عن المقاومة لهما سنداً ودلالة ، فإذاً الأول أظهر ، مع أنه أحوط. وعلى الثاني جماعة ، ومنهم : الشيخ في أكثر كتبه ، والحلّي ، والحلبي كما حكي ، والمرتضى في الانتصار ، مدّعياً عليه الإجماع (4) ، كما هو ظاهر المحقّق الثاني ، حيث عزاه إلى الشيخ والجماعة (5). 1 ـ المنتهى 2 : 634. 2 ـ المتقدمين في ص : 519. 3 ـ الكافي 4 : 178 / 2 ، الفقيه 2 : 122 / / 528 ، التهذيب 4 : 287 / 870 ، الوسائل 10 : 550 أبواب الاعتكاف ب 7 ح 3. 4 ـ الشيخ في المبسوط 1 : 293 ، والنهاية : 172 الحلّي في السرائر 1 : 425 ، الحلبي في الكافي : 187 ، الانتصار : 74. 5 ـ جامع المقاصد 1 : 156. (525)
فإن تمّ كان هو الحجّة ، وإلّا فالأصل يقتضي الجواز ، كما في الغنية ، وعن الشيخ في المبسوط ، والمفيد ، والديلمي (1) ، وأكثر المتأخّرين (2).
ولكن في النسبة مناقشة ، فإنّ القدماء المحكي عنهم ذلك ليست عباراتهم المحكيّة صريحة في ذلك ، وإنّما الموجود فيها النهي عن الجلوس تحت الظلال خاصّة ، من غير تعرّض للمشي ، وهو ليس بصريح في جواز المشي تحتها. وأمّا المتأخّرون ، فلم أقف على مصرّح به ، سوى الماتن في المعتبر ، والفاضل في المختلف ، وشيخنا في المسالك والروضة (3) ، وبعض من تأخّر عنهم (4) ، والأولان وافقا الجماعة في أكثر كتبهما (5). والشهيد في الدروس وإن كان ظاهره الميل إليه (6) إلّا أنّه في اللمعة وافق الجماعة (7). وكيف كان ، فلا ريب أنّ المنع أحوط ، إن لم نقل بكونه أظهر. [ ولا ] يجوز أن [ يصلّي خارج المسجد ] الذي اعتكف فيه ، بلا خلاف للصحيحين (8). 1 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 573 ، المبسوط 1 : 293 ، المفيد في المقنعة : 363 ، الديلمي في المراسم : 99. 2 ـ منهم صاحبا المدارك 6 : 329 ، والحدائق 13 : 472. 3 ـ المعتبر 2 : 735 ، المختلف : 255 ، المسالك 1 : 84 ، الروضة 2 : 152. 4 ـ كصاحب المدارك 6 : 329 ، والسبزواري في الذخيرة : 541 ، وصاحب الحدائق 13 : 472. 5 ـ كما في الشرائع 1 : 217 ، التذكرة 1 : 291 ، المنتهى 1 : 635. 6 ـ الدروس 1 : 299. 7 ـ اللمعة ( الروضة 2 ) : 151. 8 ـ الكافي 4 : 177 / 5 ، الفقيه 2 : 121 / 523 ، التهذيب 4 : 293 / 892 ، 891 ، الاستبصار 2 : 128 / 417 ، 416 ، الوسائل 10 : 551 أبواب الاعتكاف ب 8 ح 2 ، |
|||
|