رياض المسائل الجزء الخامس ::: 511 ـ 525
(511)
لمن يخاف بصومه الضعف عن الدعاء (1) ، ونفى عنه البأس في المختلف ، والبعد في المدارك (2).
    استناداً إلى‏ أنّ التشاغل فيه مطلوب للشارع ، فجاز الإفطار.
    وضعفه ظاهر ، فإنّ ذلك لا يوجب حصول التتابع المأمور به شرعاً ، بل مع الإفطار يجب عليه استئناف الثلاثة من أولها.
    وأظهر من هذا ضعفاً ما يحكى‏ عن المبسوط والجمل من اغتفار التفريق بينها إذا صام يومين منها مطلقاً (3) إذ لم أرَ له حجّةً يعتد بها ، عدا ما في المختلف من أنّ تتابع الأكثر يجري مجرى تتابع الجميع (4). وهو كما ترى.
    وهل تجب المبادرة إلى‏ الثالث بعد زوال العذر ؟ وجهان :
    من إطلاق النصوص (5) وأكثر الفتاوي.
    ومن وجوب الاقتصار في ترك الواجب للضرورة على‏ قدرها. وهذا أحوط وأولى ، وبه أفتى‏ صريحاً بعض أصحابنا (6) ، حاكياً له عن ابن سعيد.
والحمد للَّه تعالى

1 ـ حكاه عنه في المختلف : 305.
2 ـ المختلف : 305 ، وفي المدارك 8 : 54 ، لم ينف البعد عن قول ابن حمزة بل استبعده.
3 ـ حكاه عنهما في المختلف : 249.
4 ـ المختلف : 249.
5 ـ انظر الوسائل 14 : 195 أبواب الذبح ب 52.
6 ـ الفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 363.


(512)

(513)
    و هو لغةً : الاحتباس واللبث الطويل. وشرعاً : اللبث المخصوص للعبادة.
    و شرعيته ثابتة بالكتاب والسنّة والإجماع.
    قال اللَّه سبحانه : [ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ ] (1).
    وقال عزّ وجل : [ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ] (2).
    وفي الصحيح : « كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد وضربت له قبّة من شعر ، وشمّر المئزر وطوى‏ فراشه » الحديث (3).
1 ـ البقرة : 187.
2 ـ البقرة : 125.
3 ـ الكافي 4 : 175 / 1 ، الفقيه 2 : 120 / 517 ، الوسائل 10 : 533 أبواب الاعتكاف ب 1 ح 1.


(514)
    ويستفاد منه ومن غيره من النصوص (1) أنّ أفضل أوقاته العشر الأواخر من شهر رمضان ، حتى أنّ في بعضها « لا اعتكاف إلّا في العشر الأواخر من شهر رمضان » كما في نسخة (2) ، أو العشرين منه ، كما في أُخرى (3).
    وفي الخبر : « اعتكاف عشر في شهر رمضان يعدل حجّتين وعمرتين » (4).
    وهو في الأصل مستحب ، وإنّما يجب بالنذر وبمضيّ يومين فيجب الثالث ، وكذا كل ثالث كالسادس والتاسع ، على‏ الخلاف الآتي.
    [ والكلام ] في هذا الكتاب يقع [ في ] أمور ثلاثة : [ شروطه ، وأقسامه ، وأحكامه ].
     [ أمّا الشروط فـ ] هي [ خمسة ] :
    الأول : [ النيّة ] بلا خلاف ، كما في كلّ عبادة ، وقد مضى تحقيقها في كتاب الطهارة.
     [ و ] الثاني : [ الصوم ] بالإجماع ، والمعتبرة المستفيضة ـ وفيها الصحيح وغيره ـ : « لا اعتكاف إلّا بصوم » (5).
    وفي الصحيح : « تصوم ما دمت معتكفاً » (6) ونحوه في إيجاب الصوم‏
1 ـ الوسائل 10 : 533 أبواب الاعتكاف ب 1.
2 ـ التهذيب 4 : 290 / 884 ، الاستبصار 2 : 126 / 411 ، الوسائل 10 : 534 أبواب الاعتكاف ب 1 ح 5.
3 ـ الكافي 4 : 176 / 2 ، الوسائل 10 : 534 أبواب الاعتكاف ب 1 ح 5.
4 ـ الفقيه 2 : 122 / 531 ، الوسائل 10 : 534 أبواب الاعتكاف ب 1 ح 3.
5 ـ الوسائل 10 : 535 أبواب الاعتكاف ب 2.
6 ـ الكافي 4 : 176 / 3 ، الوسائل 10 : 535 أبواب الاعتكاف ب 2 ح 1.


(515)
حال الاعتكاف كثير (1).
    والمراد بالوجوب فيها : الشرطي ـ كما في سابقها ـ لا الشرعي ، وإلّا لزاد الشرط على‏ مشروطه.
    وإطلاق النصّ والفتوى‏ يقتضي عدم الفرق في الصوم بين كونه ندباً أو واجباً ، لرمضان أو غيره ، ومحصّله : أنّه لا يعتبر وقوعه لأجله ، بل يكفي حصوله على‏ أيّ وجهٍ اتّفق ، وبه صرّح جماعة (2) ، معربين عن عدم خلاف فيه كما صرّح به بعضهم (3) ، وعن المعتبر : أنّ عليه فتوى علمائنا (4).
    أقول : ويدلّ عليه ـ بعد الإجماع والإطلاقات ـ صريح ما مرّ من النصوص المرغّبة لإيقاعه في شهر رمضان بناءً على‏ ما مرّ في الصوم من أنّه لا يقع في شهر رمضان غيره إجماعاً (5).
    وعلى‏ هذا الشرط [ فلا يصحّ ] الاعتكاف [ إلّا في زمانٍ يصحّ صومه ، ممّن يصحّ منه ] الصوم ، فلا يصحّ الاعتكاف في العيدين ، ولا من الحائض والنفساء والمريض المتضرّر بالصوم.

     [ و ] الثالث : [ العدد ، وهو ثلاثة أيّام ] فلا اعتكاف في أقلّ منها بإجماعنا الظاهر المصرّح به في جملة من العبائر مستفيضاً (6) ، والمعتبرة به ـ مع ذلك ـ مستفيضة جدّاً ، ففي جملةٍ منها : « لا يكون اعتكاف أقلّ من‏
1 ـ الوسائل 10 : 535 أبواب الاعتكاف ب 2.
2 ـ المدارك 6 : 315 ، مفاتيح الشرائع 1 : 276 ، الحدائق 13 : 457.
3 ـ كالفيض في مفاتيح الشرائع 1 : 277.
4 ـ المعتبر 2 : 726.
5 ـ راجع ص : 283.
6 ـ منهم : المحقق في المعتبر 2 : 728 ، والعلامة في التذكرة 1 : 284 ، وصاحب الحدائق 13 : 418 ، والفيض في مفاتيح الشرائع 1 : 276.


(516)
ثلاثة أيّام » (1).
    ولا خلاف في دخول ليلتي الثاني والثالث ـ ممّن عدا الشيخ في موضعٍ من الخلاف - (2) بل عليه الإجماع في ظاهر جملة من العبائر ، كالمعتبر والمنتهى‏ (3) وغيرهما (4)
    وقول الشيخ بالخروج متروك كما في عبائر ، ومنها الدروس (5).
    وفي دخول ليلة الأول خلاف ، الأقرب الخروج ، وفاقاً للمشهور ، ومنهم : الشيخ في موضع من الخلاف ، والفاضلان في المعتبر والتحرير ، والشهيدان في الروضة والدروس ، والفاضل المقداد في التنقيح (6) ، وجماعة من محقّقي متأخّري المتأخّرين (7).
    لأنّ المتبادر من لفظ « اليوم » الوارد في الفتوى‏ والنصّ : إنّما هو من عند الفجر إلى‏ الغروب.
    وإنّما قلنا بدخول الليلتين لما مرّ من الإجماع المنقول على‏ دخولهما بالخصوص. مضافاً إلى‏ الإجماع على‏ أن أقلّ الاعتكاف ثلاثة إذ لو لم يدخلا لتحقّق الخروج منه بدخول الليل ، فجاز فعل المنافي ، فانقطع اعتكاف ذلك اليوم عن غيره ويصير منفرداً ، فحصل اعتكاف أقلّ من ثلاثة
1 ـ الوسائل 10 : 544 أبواب الاعتكاف ب 4 ح 2 ، 4 ، 5.
2 ـ الخلاف 2 : 239.
3 ـ المعتبر 2 : 728 ، المنتهى 2 : 630.
4 ـ كالتذكرة 1 : 284 ، والحدائق 13 : 459.
5 ـ الدروس 1 : 298.
6 ـ الخلاف 2 : 238 ، المعتبر 2 : 728 ، التحرير 1 : 86 ، الروضة 2 : 150 ، الدروس 1 : 298 ، التنقيح الرائع 1 : 400.
7 ـ منهم صاحب المدارك 6 : 317 ، والفيض في المفاتيح 1 : 276 ، والسبزواري في الذخيرة : 540 ، وصاحب الحدائق 13 : 460.


(517)
أيّام ، وهذا خلف.
    والحاصل : أنّ الليل لا يدخل في مسمّى‏ اليوم إلّا بقرينة أو دليل من خارج ، وهما مختصّان بالأخيرتين.
    وأمّا دخول الليلة المستقبلة في مسمّاه ـ كما نقل قولاً ـ (1) فلا وجه له.
    وتتفرّع على‏ الخلاف فروع جليلة لا يليق بهذا المختصر ذكرها جملة.
    نعم ، لا بأس بذكر ما يتعلّق منها بأمر النيّة ، وهو ابتداء الاعتكاف الذي يجب مقارنتها له ، وهو ـ على‏ المختار ـ عند طلوع الفجر ، وعلى‏ غيره عند الغروب.

     [ و ] الرابع : [ المكان ، وهو كلّ مسجد جامع ] جمع فيه إمام عدل ، ولو غير إمام الأصل :
    وفاقاً للمفيد ، وعليه الماتن في كتبه ، والشهيدان (2) ، وجماعة من محقّقي متأخّري المتأخّرين (3).
    لعموم الآية ، والنصوص المستفيضة ، وفيها الصحيح والموثّق وغيرهما : « لا اعتكاف إلّا بصوم في المسجد الجامع » كما في بعضها (5) ، أو « مسجد جماعة » كما في أُخرى (5).
1 ـ نقله صاحب المدارك 6 : 317.
2 ـ المفيد في المقنعة : 363 ، الماتن في المعتبر 2 : 732 ، والشرائع 1 : 216 ، الشهيد الأول في الدروس 1 : 298 ، الشهيد الثاني في الروضة 2 : 150.
3 ـ منهم : صاحب المدارك 6 : 323 ، والسبزواري في الذخيرة ك 539 ، والفيض في مفاتيح الشرائع 1 : 277.
4 ـ الفقيه 2 : 119 / 516 ، الوسائل 10 : 538 أبواب الاعتكاف ب 3 ح 1.
5 ـ التهذيب 4 : 290 / 881 ، الاستبصار 2 : 127 / 414 ، الوسائل 10 : 539 أبواب الاعتكاف ب 3 ح 6.


(518)
    [ وقيل : لا يصحّ إلّا في أحد المساجد الأربعة : مكّة ، والمدينة ، وجامع الكوفة والبصرة ].
    والقائل : الشيخ ، والسيّدان ، والحلبي ، والقاضي ، وابن حمزة ، والحلّي ، والفاضل في القواعد والإرشاد والتحرير والمنتهى‏ ، والمحقّق المقداد في التنقيح (1) ، وغيرهم (2).
    وبالجملة : الأكثر كما في كلام جماعة (3) ، بل المشهور كما في كلام آخرين (4) ، بل عليه الإجماع في صريح الانتصار والغنية والخلاف وظاهر السرائر (5) وهو الحجّة.
    مضافاً إلى‏ الصحيح المروي في الفقيه : ما تقول في الاعتكاف ببغداد في بعض مساجدها ؟ فقال : « لا يعتكف إلّا في مسجد جماعة صلّى‏ فيه إمام عدل جماعة ، ولا بأس بأن يعتكف في مسجد الكوفة والبصرة ومسجد المدينة ومسجد مكّة » (6).
1 ـ الشيخ في المبسوط 1 : 289 ، المرتضى في الانتصار : 72 ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقيهة ) : 572 ، الحلبي في الكافي : 186 ، القاضي في المهذب 1 : 204 ، ابن حمزة في الوسيلة : 153 ، الحلّي في السرائر 1 : 421 ، قواعد الاحكام 1 : 70 ، الارشاد 1 : 305 ، التحرير 1 : 87 ، المنتهى 2 : 632 ، التنقيح الرائع 1 : 401.
2 ـ كسلّار في المراسم : 99.
3 ـ منهم : العلامة في التذكرة 1 : 284 ، والشهيد الثاني في الروضة 2 : 150 ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1 : 401.
4 ـ كالعلامة في المنتهى 2 : 632.
5 ـ الانتصار : 72 : الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 573 ، الخلاف 2 : 233 ، السرائر 1 : 421.
6 ـ الكافي 4 : 176 / 1 ، الفقيه 2 : 120 / 519 ، التهذيب 4 : 290 / 882 ، الاستبصار 2 : 126 / 409 ، الوسائل 10 : 540 أبواب الاعتكاف ب 3 ح 8.


(519)
    وما يقال : من أنّ الإجماع ممنوع ، والحديث لا دلالة فيه ، فإنّ الإمام العدل لا يختصّ بالمعصوم عليه السلام كالشاهد العدل ، إلّا أن يُجعل ذكر هذه المساجد قرينة على‏ إرادته عليه السلام ، فيحمل على‏ نفي الفضيلة (1).
    فمردود بعدم وجه لمنع الإجماع ، عدا وجود الخلاف ، وهو ـ على‏ أصلنا ـ غير ضائر ، فينبغي قبول دعواه ، سيّما مع استفاضة نقله ، وشهرة الفتوى‏ به اشتهاراً محقّقاً ومحكيّاً.
    مع عدم ظهور مخالف يعتدّ به من القدماء ، عدا العماني ، حيث جوّز الاعتكاف في كلّ مسجد (2) لعموم الآية ، والموثّق المروي في المعتبر والمنتهى‏ : « لا اعتكاف إلّا بصوم ، وفي مسجد المصر الذي أنت فيه » (3).
    والمفيد ، حيث جوّزه في المسجد الأعظم (4) ، المرجوع إلى‏ الجامع ، كما في كلام الماتن.
    والصدوقين ، حيث جوّزه أولهما في المساجد الأربعة ، مبدلاً البصرة منها بالمدائن (5) ، وثانيهما في الخمسة (6).
    ولا ريب في ندرة الأول وشذوذه ، ومخالفته الإجماع القطعي والنصّ المستفيض ، المخصّص بهما عموم دليلَيه ، على‏ تقدير تسليمه.
    وكذلك الصدوقان ، مع عدم وضوح دليل لهما ، عدا الرضوي لأولهما ،
1 ـ كما في المدارك 6 : 325 ، والمفاتيح 1 : 277 ، والذخيرة : 540.
2 ـ نقله عنه في المختلف : 251.
3 ـ المنتهى 2 : 633 ، المعتبر 2 : 733 ، الوسائل 10 : 541 أبواب الاعتكاف ب 3 ح 11.
4 ـ انظر المقنعة : 363.
5 ـ حكاه عن والد الصدوق في المختلف : 251.
6 ـ الصدوق في المقنع : 66.


(520)
ففيه : « صوم الاعتكاف في المسجد الحرام ، ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله ، ومسجد الكوفة ، ومسجد المدائن ، ولا يجوز الاعتكاف في غير هذه المساجد الأربعة والعلّة في هذه : أنّه لا يُعتكَف إلّا في مسجد جَمَع فيه إمام عدل ، وجمع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بمكّة والمدينة ، وأمير المؤمنين عليه السلام في هذه الثلاثة المساجد » (1).
    وما روي أنّ مولانا الحسن عليه السلام صلّى‏ في مسجد المدائن جماعة (2) لثانيهما.
    وهما ـ مع قصور سنديهما ، بل ضعفهما في مقابلة ما مضى ـ لا مخالفة لهما لما عليه أصحابنا ، من حيث اتّفاقهما لهم في اعتبار مسجد صلّى‏ فيه إمام الأصل جمعة ، كما عليه أكثرهم ، ومنهم جملة من نقلة الإجماع كالسيّدين والحلّي (3) ، أو جماعةً ، كما هما عليه.
    ولذا أنّ كثيراً من أصحابنا (4) ألحقوهما بالمشهور.
    فلم يبق مخالف لهم سوى‏ المفيد ، وهو ـ بالإضافة إليهم ـ نادر وإن وافقه الماتن ، لتأخّره عنهم.
    ومع ذلك ، لا مستند له حيث قيّد المسجد بالأعظم ، إلّا إذا أُريد به الجامع يعني ـ : الذي يجتمع فيه أهل البلد دون نحو مسجد القبيلة ـ فتدلّ عليه المستفيضة المتقدّمة (5) ، لكن قد عرفت أنّ في جملة منها بدل‏
1 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 213 ، المستدرك 7 : 562 أبواب الاعتكاف ب 3 ح 1.
2 ـ المعتبر 2 : 732 ، وليس فيه لفظة « جماعة » اِيضاح الفوائد 1 : 256 ، روضة المتقين 3 : 498 ، مرآة العقول 16 : 428.
3 ـ المرتضى في الانتصار : 72 ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 572 ، الحلي في السرائر 1 : 421.
4 ـ كصاحب الحدائق 13 : 464.
5 ـ في ص : 514.


(521)
« الجامع » « مسجد جماعة » ولا ريب أنّه أعمّ من الجامع ، لصدقه على‏ مسجد القبيلة إذا صُلّي فيه جماعة ، ولم يقولوا به.
    وتقييده بالجامع ـ على‏ تقدير تسليم صحّته ـ ليس بأولى من تقييدهما بما عليه أصحابنا من مسجد صلّى‏ فيه إمام الأصل جمعةً أو جماعة. بل هو أولى‏ للإجماعات الكثيرة ، والشهرة القديمة العظيمة ، وقاعدة توقيفيّة العبادة ، ووجوب الاقتصار فيها على‏ المتيقّن ثبوته من الشريعة. مضافاً إلى‏ الصحيحة المتقدمة (1).
    والجواب عنها بالحمل على‏ الفضيلة ـ بعد الاعتراف بالدلالة ـ لا وجه له لاشتراطه بالتكافؤ المفقود في البين ، لأرجحيّة هذه بالإضافة إلى‏ المستفيضة بما عرفته من الشهرة والإجماعات المحكيّة ، وبمرجوحيّته بالإضافة إلى‏ حمل المطلق على‏ المقيّد (2).
    هذا ، مع احتمال ورود المستفيضة للتقيّة لموافقتها لمذهب جماعة من العامّة ، كأبي حنيفة ومن تبعه (3).
    وبالجملة : المشهور في غاية القوة ، سيّما مع اعتضاده أيضاً بما رواه في المختلف عن الإسكافي ، أنّه قال : روى‏ ابن سعيد عن أبي عبد اللَّه عليه السلام جوازه في كلّ مسجد صلّى‏ فيه إمام عدلٍ صلاة جماعة ، وفي المسجد الذي تصلّى فيه الجمعة بإمام وخطبة (4). فتأمّل.

     [ و ] الخامس : [ الإقامة في موضع الاعتكاف ] بإجماع العلماء
1 ـ في ص : 515.
2 ـ أي : مرجوحيّة حمل الصحيحة على الفضلية بالاضافة إلى حمل المطلق ـ وهو المستفيضة ـ على المقيّد.
3 ـ انُظر عمدة القارئ 11 : 142 ، بدائع الصنائع 2 : 113.
4 ـ المختلف : 251 ، الوسائل 10 : 542 أبواب الاعتكاف ب 3 ح 14 ، بتفاوت.


(522)
كما عن المعتبر والتذكرة والمنتهى‏ (1) ، والصحاح وغيرها به مستفيضة من طرقنا.
    ففي الصحيح : « ليس للمعتكف أن يخرج من المسجد إلّا إلى‏ الجمعة أو جنازة أو غائط » (2).
    وفي آخرَين : « لا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد الجامع إلّا لحاجة لا بدّ منها ، ثم لا يجلس حتّى يرجع ، والمرأة مثل ذلك » (3).
    وزيد في أحدهما : « ولا يخرج في شي‏ء إلّا لجنازةٍ أو يعود مريضاً » (4).
    وما فيهما ـ من أنّ المرأة مثل الرجل ـ مجمع عليه بيننا ، وبه صرّح في الخلاف (5) وغيره (6) أيضاً.
    وعليه [ فلو خرج ] كلّ منهما عن المسجد بجميع بدنه لا ببعضه ـ على‏ الأقوى‏ - [ أبطله ].
    وكذا لو صعد سطحه على‏ قول (7) ، والأقوى : لا ، وفاقاً للمحكي عن المنتهى‏ ، لأنّه من جملته (8).
    نعم ، الأحوط ترك هذا وسابقه [ إلّا لضرورة ] كتحصيل مأكول‏
1 ـ المعتبر 2 : 733 ، التذكرة 1 : 290 ، المنتهى 2 : 633.
2 ـ الكافي 4 : 178 / 1 ، الوسائل 10 : 550 أبواب الاعتكاف ب 7 ح 6.
3 ـ الكافي 4 : 176 / 2 ، الفقيه 2 : 120 / 521 ، التهذيب 4 : 290 / 884 ، الاستبصار 2 : 126 / 411 بتفاوت يسير ، الوسائل 10 : 549 أبواب الاعتكاف ب 7 ح 1.
4 ـ الكافي 4 : 178 / 3 ، الفقيه 2 : 122 / 529 ، التهذيب 4 : 288 / 871 ، الوسائل 10 : 549 أبواب الاعتكاف ب 7 ح 2.
5 ـ الخلاف 2 : 227.
6 ـ المدارك 6 : 326 ، الحدائق 13 : 468.
7 ـ انظر الدروس 1 : 300.
8 ـ المنتهى 2 : 635.


(523)
ومشروب ، وفعل الأول في غيره (1) لمن عليه فيه غضاضة ، وقضاء حاجة من بول أو غائط ، واغتسال واجب لا يمكن فعله فيه ، ونحو ذلك ممّا لا بدّ منه ، ولا يمكن فعله في المسجد ، ولا يتقدّر معها (2) بقدر إلّا زوالها.
    نعم ، لو خرج عن كونه معتكفاً بطل مطلقاً ، وكذا لو خرج مكرهاً أو ناسياً فطال ، وإلّا رجع حيث ذكر ، فإن أخّر بطل.
    كلّ ذلك على‏ الأظهر ، وفاقاً لجمع (3).
    خلافاً للمحكي عن المعتبر في المكره ، فيبطل بقول مطلق لمنافاته لماهيّة الاعتكاف (4).
    وفيه : ـ على‏ إطلاقه ـ نظر ، والأصل يقتضي الصحّة ، والنهي الموجب للفساد غير متوجّه في هذه الصورة ، ولذا قال ـ كالأكثر ـ بعدم البطلان في الناسي (5) ، وسؤال الفرق متوجّه.
    [ أو طاعة ، مثل تشييع جنازة مؤمن ] للصحيحين المتقدّمين ، وليس فيهما التقييد المؤمن.
    [ أو عيادة مريض ] لفحواهما ، مع التصريح به في أحدهما ، وهو مطلق كالأول ، فالتفصيل (6) غير ظاهر الوجه.
    وعلى‏ جواز الأمرين بقول مطلق الإجماع في الانتصار والغنية والتذكرة (7).
1 ـ أي المسجد.
2 ـ أي مع الضرورة.
3 ـ المسالك 1 : 84 ، المدارك 6 : 331 ، الحدائق 13 : 472.
4 ـ المعتبر 2 : 733.
5 ـ المعتبر 2 : 736.
6 ـ بتقييد الجنازة بالمؤمن واِبقاء المريض على اِطلاقة ( منه رحمه الله ).
7 ـ الانتصار : 74 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 573 ، التذكرة 1 : 291.


(524)
    [ أو شهادة ] تحمّلًا وإقامةً ، إن لم يمكن بدون الخروج ، سواء تعيّنت عليه أم لا.
    بلا خلاف ولا إشكال في الصورة الأُولى‏ لكونها من الحاجة المرخّص في الخروج لأجلها.
    ويشكل في الثانية ، وإن ذكر جواز الخروج فيها أيضاً جماعة ، ومنهم الفاضل في المنتهى‏ ، معلّلاً بكونها من الحاجة المرخّص لها (4).
    وهو مشكل جدّاً ، إلّا أن يتمسّك بفحوى‏ الجواز للتشييع وعيادة المريض ، لكونهما مستحبّاً ، فالجواز لهما يستدعي الجواز للواجب ـ ولو كفايةً ـ بطريق أولى‏.
     [ ولا ] يجوز أن [ يجلس لو خرج ] لشي‏ء من الأُمور المذكورة [ ولا ] أن [ يمشي تحت الظلال ] اختياراً.
    بلا خلاف في الأول في الجملة ، وإن اختلفت العبارات في الإطلاق كما في الصحيحين الماضيين (2) ، أو التقييد بتحت الظلال كما في الخبر (3) ، لكنّه قاصر عن المقاومة لهما سنداً ودلالة ، فإذاً الأول أظهر ، مع أنه أحوط.
    وعلى‏ الثاني جماعة ، ومنهم : الشيخ في أكثر كتبه ، والحلّي ، والحلبي كما حكي ، والمرتضى‏ في الانتصار ، مدّعياً عليه الإجماع (4) ، كما هو ظاهر المحقّق الثاني ، حيث عزاه إلى‏ الشيخ والجماعة (5).
1 ـ المنتهى 2 : 634.
2 ـ المتقدمين في ص : 519.
3 ـ الكافي 4 : 178 / 2 ، الفقيه 2 : 122 / / 528 ، التهذيب 4 : 287 / 870 ، الوسائل 10 : 550 أبواب الاعتكاف ب 7 ح 3.
4 ـ الشيخ في المبسوط 1 : 293 ، والنهاية : 172 الحلّي في السرائر 1 : 425 ، الحلبي في الكافي : 187 ، الانتصار : 74.
5 ـ جامع المقاصد 1 : 156.


(525)
    فإن تمّ كان هو الحجّة ، وإلّا فالأصل يقتضي الجواز ، كما في الغنية ، وعن الشيخ في المبسوط ، والمفيد ، والديلمي (1) ، وأكثر المتأخّرين (2).
    ولكن في النسبة مناقشة ، فإنّ القدماء المحكي عنهم ذلك ليست عباراتهم المحكيّة صريحة في ذلك ، وإنّما الموجود فيها النهي عن الجلوس تحت الظلال خاصّة ، من غير تعرّض للمشي ، وهو ليس بصريح في جواز المشي تحتها.
    وأمّا المتأخّرون ، فلم أقف على‏ مصرّح به ، سوى‏ الماتن في المعتبر ، والفاضل في المختلف ، وشيخنا في المسالك والروضة (3) ، وبعض من تأخّر عنهم (4) ، والأولان وافقا الجماعة في أكثر كتبهما (5). والشهيد في الدروس وإن كان ظاهره الميل إليه (6) إلّا أنّه في اللمعة وافق الجماعة (7).
    وكيف كان ، فلا ريب أنّ المنع أحوط ، إن لم نقل بكونه أظهر.
     [ ولا ] يجوز أن [ يصلّي خارج المسجد ] الذي اعتكف فيه ، بلا خلاف للصحيحين (8).
1 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 573 ، المبسوط 1 : 293 ، المفيد في المقنعة : 363 ، الديلمي في المراسم : 99.
2 ـ منهم صاحبا المدارك 6 : 329 ، والحدائق 13 : 472.
3 ـ المعتبر 2 : 735 ، المختلف : 255 ، المسالك 1 : 84 ، الروضة 2 : 152.
4 ـ كصاحب المدارك 6 : 329 ، والسبزواري في الذخيرة : 541 ، وصاحب الحدائق 13 : 472.
5 ـ كما في الشرائع 1 : 217 ، التذكرة 1 : 291 ، المنتهى 1 : 635.
6 ـ الدروس 1 : 299.
7 ـ اللمعة ( الروضة 2 ) : 151.
8 ـ الكافي 4 : 177 / 5 ، الفقيه 2 : 121 / 523 ، التهذيب 4 : 293 / 892 ، 891 ، الاستبصار 2 : 128 / 417 ، 416 ، الوسائل 10 : 551 أبواب الاعتكاف ب 8 ح 2 ،
رياض المسائل الجزء الخامس ::: فهرس