رياض المسائل الجزء الخامس ::: 526 ـ 540
(526)
    فيرجع الخارج لضرورة إليه وإن كان في مسجد آخر أفضل منه إلّا مع الضرورة كضيق الوقت فيصلّيها حيث أمكن ، مقدّماً للمسجد مع الإمكان احتياطاً.
    ومن الضرورة إلى‏ الصلاة في غيره : إقامة الجمعة فيه دونه ؛ وللصحيح الماضي (1) ، فيخرج إليها.
    وبدون الضرورة لا تصحّ الصلاة أيضاً للنهي.
    [ إلّا بمكّة ] فيصلّي إذا خرج لضرورة بها حيث شاء ، ولا يختصّ بالمسجد ، ولا خلاف في هذا أيضاً للصحيحين المشار إليهما.

     [ وأمّا أقسامه ]
    [ فهو ] على‏ قسمين : [ واجب ، ومندوب ].
     [ فالواجب : ما وجب بنذر وشبهه ] ـ من عهد ويمين ـ وبنيابةٍ حيث تجب.
    ويشترط في النذر وما في معناه : إطلاقه ، فيحمل على‏ ثلاثة ، أو تقييده بها فصاعداً ، أو بما لا ينافيها كنذر يوم لا أزيد.
    وأمّا غيرهما ، فبحسب الملتزم (2) ، فإن قصر عن الثلاثة اشترط إكمالها في صحّته ، ولو عن نفسه.
    [ وهو ] أي الواجب [ يلزم بالشروع ] فيه ، بلا إشكال مع تعيّن الزمان ، ويستشكل فيه مع إطلاقه ، لعدم ما يقتضيه.
    ولذا قيل بمساواته للمندوب في عدم وجوب المضيّ فيه قبل‏
1 ـ المتقدم في ص : 519.
2 ـ في « ص » : الملزم.


(527)
اليومين (1) وهو بناءً على‏ منع العموم الدالّ على‏ حرمة إبطال الأعمال.
    ولو قيل به ـ إلّا ما أخرجه الدليل ، وهو المندوب على‏ الإطلاق ، كما هو ظاهر الأصحاب ـ لم يكن بعيداً من الصواب.
    ونحو المتن ـ في الحكم باللزوم بالشروع ـ الشرائع والقواعد (3) ، وربّما عزي إلى‏ المشهور (3) ، وفي التنقيح : أنّه لا خلاف فيه (4).
    [ والمندوب : ما يتبرّع به ] من غير موجب.
     [ ولا يجب بالشروع ] فيه ، على‏ الأظهر الأشهر ، بل عليه عامّة من تأخّر للأصل ، وصريح الصحيحين الآتيين.
    خلافاً للمحكي عن المبسوط والحلبي ، فيجب (5).
    ولعلّه لعموم النهي عن إبطال العمل ، كما في التنقيح (6).
    أو لإطلاق نحو الصحيح : عن امرأة كان زوجها غائباً فقدم ، وهي معتكفة بإذن زوجها ، فخرجت ـ حين بلغها قدومه ـ من المسجد الذي هي فيه ، فتهيّأت لزوجها حتى واقعها ، فقال : « إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تمضي ثلاثة ، ولم تكن اشترطت في اعتكافها ، فإنّ عليها ما على‏ المظاهر » (7).
1 ـ انظر المدارك 6 : 339.
2 ـ الشرائع 1 : 218 ، القواعد 1 : 70.
3 ـ الحدائق 13 : 479.
4 ـ التنقيح الرائع 1 : 403.
5 ـ المبسوط 1 : 293 ، الحلبي في الكافي في الفقه : 186.
6 ـ التنقيح الرائع 1 : 403.
7 ـ الكافي 4 : 177 / 1 ، الفقيه 2 : 121 / 524 ، التهذيب 4 : 289 / 877 ، الاستبصار 2 : 130 / 422 ، الوسائل 10 : 548 أبواب الاعتكاف ب 6 ح 6 بتفاوت.


(528)
    وهما مقيّدان بما يأتي من صريح الصحيحين المعتضدين بالأصل والشهرة العظيمة القريبة من الإجماع.
    هذا ، وفي الناصرية والسرائر : أنّ عندنا العبادة المندوب إليها لا تجب بالدخول فيها (1).
    وهو ـ كما ترى ـ ظاهر في انعقاد إجماعنا عليه (2) مطلقاً (3).
    ويشهد لصحّة دعواه تتبّع كثير من المستحبّات المحكوم فيها عند الأصحاب بعدم وجوبها بالشروع فيها.
    [ فإذا مضى يومان ، ففي وجوب الثالث قولان ] بين الأصحاب.
    [ و ] لكن [ المروي : أنّه يجب ].
    ففي الصحيح : « إذا اعتكف الرجل يوماً ، ولم يكن اشترط ، فله أن يخرج وأن يفسخ اعتكافه ، وإن أقام يومين ، ولم يكن اشترط ، فليس له أن يفسخ اعتكافه حتى يُمضي ثلاثة أيّام » (4) ونحوه آخر سيذكر.
    وعليه أكثر القدماء والمتأخّرين ، وفي التنقيح واللمعتين والنكت : أنّه الأشهر (5).
    خلافاً للمرتضى‏ والحلّي والفاضلين في المعتبر والمختلف ، فلا يجب (6) للأصل ، وبعض الأُمور الاعتباريّة ، المخصّصين ـ على‏ تقدير
1 ـ الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : 207 ، السرائر 1 : 424.
2 ـ اي على الوجوب بالشروع ( منه رحمه الله ).
3 ـ أي ولو في غير الاعتكاف ( منه رحمه الله ).
4 ـ الكافي 4 : 177 / 3 ، الفقيه 2 : 121 / 526 ، الوسائل 10 : 543 أبواب الاعتكاف ب 4 ح 1 بتفاوت يسير.
5 ـ التنقيح 1 : 404 ، الروضة 2 : 154.
6 ـ المرتضى في الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : 207 ، الحلّي في السرائر 1 : 424 ،


(529)
تسليمهما ـ بما مرّ من الصحيحين المعتضدين ـ مضافاً إلى‏ الشهرة ـ بإطلاق نحو الصحيحة السابقة.
    والجواب عن الصحيحين بضعف السند كما في المختلف (1) ، أو الدلالة كما في الذخيرة (2) ، لا وجه له.
    لاختصاص ضعف السند برواية الشيخ (3) ، وإلّا فهما في الكافي والفقيه مرويّان صحيحاً كما قلنا.
    ومع ذلك ، الضعف بابن فضّال ، وهو موثّق ، وهو حجّة على‏ الأصح ، سيّما إذا اعتضد بالشهرة الظاهرة والمحكية في عبائر جماعة حدّ الاستفاضة.
    وأمّا ضعف الدلالة فلا وجه له بالكلّية ، عدا احتمال إرادة الكراهة ، وهو مرجوح في الغاية بالنسبة إلى‏ لفظ : « ليس له » الوارد في الرواية ، وليس كلفظ النهي المحتمل لها قريناً أو متساوياً في أخبار الأئمّة عليهم السلام ، كما عليه صاحب الذخيرة.
    مع أنّه اختار ذلك في النهي حيث لم تنضمّ إليه الشهرة ، وإلّا فهو قد جعل الشهرة دائماً قرينة على‏ تعيّن الحرمة ، وهي أيضاً في المسألة حاصلة.
    فمناقشته في الدلالة ـ على‏ أيّ تقدير ـ ضعيفة ، بل واهية.
    [ وقيل : لو اعتكف ثلاثاً فهو بالخيار في الزائد ، فإن اعتكف يومين آخرين وجب الثالث ].
    للصحيح : « ومن اعتكف ثلاثة أيّام فهو يوم الرابع بالخيار ، إن شاء
المعتبر 2 : 737 ، المختلف : 252.
1 ـ المختلف : 252.
2 ـ الذخيرة : 539.
3 ـ التهذيب 4 : 288/ 872 ، و 289 / 879 ، الاستبصار 2 : 129 / 420 و 421 ، الوسائل 10 : 543 أبواب الاعتكاف ب 4 ح 1 ، 3.


(530)
زاد ثلاثة أُخرى ، وإن شاء خرج من المسجد ، وإن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتى يُتمّ ثلاثة أيّام أُخر » (1).
    والقائل : الشيخ والإسكافي والتقي (2) ، بل في التنقيح : أنّه فرع القول بالوجوب بالثالث فيما سبق (3). وهو ظاهر في عدم القائل بالفرق.
    لكن في الروضة ما يدلّ على‏ وجوده ، فإنّه قال : وعلى‏ الأشهر يتعدّى‏ إلى‏ كلّ ثالث على‏ الأقوى‏ ، كالسادس والتاسع لو اعتكف خمسةً وثمانية ، وقيل : يختصّ بالأول خاصّة ، وقيل في المندوب ، دون ما لو نذر خمسةً فلا يجب السادس ، ومال إليه المصنّف في بعض تحقيقاته (4). انتهى‏.
    ولم أجد القائل الذي حكاه مؤذناً بعدم تفرّع هذه المسألة على‏ سابقتها ، كما هو ظاهر المتن أيضاً.
    وكيف كان ، فما قوّاه في محلّه لصراحة الصحيح فيه ولو في الجملة ، وتتمّ الكلّية بعدم القائل بالفرق بين مورده وغيره على‏ الظاهر ، المصرّح به في المدارك (6) وغيره.

     [ وأمّا أحكامه ]
    [ فمسائل ] ثلاثة :
     [ الاولى‏ : يستحبّ للمعتكف أن يشترط ] في ابتدائه الرجوع فيه‏
1 ـ الكافي 4 : 177 / 4 ، الفقيه 2 : 121 / 527 ، الوسائل 10 : 544 أبواب الاعتكاف ب 4 ح 3.
2 ـ الشيخ في المبسوط 1 : 290 ، حكاه عن الاسكافي في المختلف : 251 ، التقي في الكافي في الفقه : 186.
3 ـ التنقيح الرائع 1 : 404.
4 ـ الروضة البهية 2 : 154.
5 ـ المدارك 6 : 313.


(531)
عند العارض [ كالمُحرم ].
    بإجماع العلماء عدا مالك ، كما عن التذكرة والمنتهى‏ (1) ، والنصوص به مستفيضة جدّاً (2). فيرجع عنده وإن مضى يومان.
    وقيل : يجوز اشتراط الرجوع فيه مطلقاً ـ ولو اقتراحاً ـ فيرجع متى شاء وإن لم يكن لعارض (3). ولعلّه الأقوى‏ ، وفاقاً لجماعة ـ ومنهم الشهيد الأول (4) ـ عملاً بالصحيحين المتقدّمين (5) ، الظاهرين في ذلك :
    أحدهما : الوارد في المعتكفة بإذن زوجها ، الخارجة من المسجد بعد أن بلغها قدومه لظهور أنّ حضور الزوج ليس من الأعذار المرخّصة للخروج.
    وثانيهما : المتضمّن لقوله : « وإن أقام يومين ، ولم يكن اشترط ، فليس له أن يفسخ اعتكافه حتى يُمضي ثلاثة أيّام » لظهور أنّ الفرق ـ في جواز الرجوع بعد اليومين وعدمه ـ بالاشتراط وعدمه إنّما يظهر مع عدم الضرورة المسوّغة للخروج بنفسها.
    وحيث ثبت منهما جواز اشتراط الرجوع لغير ضرورة ، ظهر أنّ المراد من التشبيه بالمُحرم فيما عداهما : التشبيه في أصل جواز الاشتراط ، لا كيفيّته.
    نعم ، هما مجملان بالإضافة إلى‏ مطلق العارض والاقتراح.
    وحيث إنّ المشهور بين الأصحاب انحصار القول بينهم في الاقتراح أو الضرورة المسوّغة خاصّة ، أمكن تتميم دلالتهما على‏ الأول بعدم القائل بينهم بالعارض المطلق ، فيكون من قبيل التتميم بالإجماع المركّب.
1 ـ التذكرة 1 : 293 ، المنتهى 2 : 638.
2 ـ الوسائل 10 : 552 أبواب الاعتكاف ب 9.
3 ـ العلامة في القواعد 1 : 70.
4 ـ كما في الدروس 1 : 301.
5 ـ المتقدمين في ص : 524 ، 525.


(532)
    وهو وإن كان لا يخلو عن إشكال ـ لعدم معلوميّة بلوغ ذلك مرتبة الإجماع ، سيّما مع وجود قائل به كما يأتي ـ إلّا أن التمسّك بالأصل لعلّه كافٍ في ذلك.
    بيانه : أنّ الأصل عدم وجوب الاعتكاف بأحد موجباته ، إلّا ما قام الدليل القاطع على خلافه ، ومورده ـ بحكم التبادر وغيره ـ مختصّ بصورة عدم الاشتراط مطلقاً ، أمّا معه ـ ولو في الجملة ـ فلا.
    خلافاً لآخرين (1) ـ ومنهم شيخنا الشهيد الثاني ـ (2) فاختاروا الأول (3). لتشبيهه بشرط المُحرم في الصحيح أو الموثّق : « وينبغي للمعتكف إذا اعتكف أن يشترط كما يشترط الذي يحرم » (4).
    وأظهر منه غيره : « واشترط على‏ ربّك في اعتكافك كما تشترط عند إحرامك ، أن يحلّك من اعتكافك عند عارض إن عرض من علّة تنزل بك من أمر اللَّه تعالى » (5).
    وليسا بمكافئين لما قدّمنا سنداً ودلالةً ، فليحملا على‏ أنّ المراد : جواز اشتراط ذلك لا الحصر فيه ، مع احتمال الأول ـ كالعبارة ونحوها ـ الحمل على‏ جعل التشبيه في أصل الاشتراط لا كيفيّته.
    ولبعض المتأخّرين هنا قول آخر ، هو : التقييد بالعارض ، مع تعميمه‏
1 ـ عطف على قوله : وفاقاً لجماعة ، في ص 528.
2 ـ الروضة البهية 2 : 154 ـ 155 ، المسالك 1 : 85.
3 ـ أي القول باشتراط الرجوع في الاعتكاف عند العارض.
4 ـ الكافي 4 : 177 / 2 ، الفقيه 2 : 121 / 525 ، التهذيب 4 : 289 / 876 ، الاستبصار 2 : 128 / 418 ، الوسائل 10 : 552 أبواب الاعتكاف ب 9 ح 1.
5 ـ التهذيب 4 : 289 / 878 ، الاستبصار 2 : 129 / 419 ، الوسائل 10 : 552 أبواب الاعتكاف ب 9 ح 2.


(533)
للعذر وغيره (1).
    وهو ضعيف جدّاً لما مضى.
    ولا فرق في جواز الاشتراط بين الواجب وغيره ، لكن محلّه في الأول ـ عند الأصحاب ـ وقت النذر وأخويه ، لا وقت الشروع.
    بخلاف المندوب ، فإنّه عنده ، كما هو ظاهر النصوص. وإنّما خُصّت به دون المنذور ـ مع إطلاقها لهما ـ بناءً على‏ أنّ إطلاق النذر على هذا الشرط يقتضي لزومه وعدم سقوطه ، فلا يؤثّر فيه الشرط الطارئ ، سيّما مع تعيّن زمانه ، ووجوبه في المطلق بمجرّد الشروع فيه عندهم ، كما مرّ (2).
    وأمّا جواز هذا الشرط حين النذر فلعلّه لا خلاف فيه في الجملة ، بل يفهم من التنقيح دعوى الإجماع عليه (3) ، كما يأتي.
    وينبغي تقييده هنا بالعارض لا اقتراحاً ، لمنافاته لمقتضى‏ النذر ، صرّح بذلك المحقّق الثاني (4) وغيره (5).
    وفائدة الشرط : ما أشار إليه بقوله : [ فإن شرط جاز له الرجوع ] مطلقاً ، حتى في الواجب ، ولو بدخول الثالث في المندوب على‏ المشهور.
    خلافاً للمبسوط ، فخصّه فيه (6) باليومين ومنعه في الثالث (7). وهو ضعيف.
1 ـ المدارك 6 : 342.
2 ـ في ص : 526.
3 ـ التنقيح الرائع 1 : 406.
4 ـ جامع المقاصد 3 : 95.
5 ـ كصاحب الحدائق 13 : 485.
6 ـ أي الرجوع في المندوب.
7 ـ المبسوط 1 : 289.


(534)
    [ ولم يجب القضاء ] في المندوب مطلقاً (1) ، وكذا الواجب المعيّن ، إجماعاً كما في التنقيح (2).
    أمّا المطلق فلعلّه ليس كذلك ، كما قطع به جماعة ـ ومنهم شيخنا الشهيد الثاني ، حاكياً له عن الماتن ـ (3) لبقاء الوقت ، مع عدم دليل على‏ السقوط بالشرط ، وإنّما الثابت به جواز الرجوع عن الاعتكاف حيث يجب ، ولا تلازم بينه وبين سقوط الأمر الباقي وقته.
    هذا ، مضافاً إلى‏ إطلاق الخبرين الآتيين ، الشاملين لما نحن فيه أيضاً ، بل للمندوب والواجب المعيّن الوقت بنذرٍ وشبهه ، لكنّهما خرجا منه بفحوى‏ ما دلّ على‏ عدم لزوم الأول من أصله ففرعه أولى‏ ، والإجماع المنقول في الثاني كما مضى.
    وإطلاقهما فيما نحن فيه يشمل صورتي اشتراط التتابع فيه حين الإيجاب (4) وعدمه ، لكن أحدهما ظاهر في وجوب الإعادة من رأس ، والآخر يحتمل إعادة ما بقي.
    ويمكن الجمع بينهما ، بحمل الأول على‏ ما إذا لم يتمّ أقلّ الاعتكاف ، والثاني على‏ ما إذا أتى به فصاعداً ولمّا يُتمّ العدد الواجب.
    وهذه صور أربع من الواجب بالنذر الذي يقترن بالشرط ، يجب القضاء في المطلق منها مطلقاً (5) على‏ التفصيل (6) ، ولا في المعيّن منها
1 ـ مضى يومان ام لا ( منه رحمه الله ).
2 ـ التنقيح الرائع 1 : 406.
3 ـ الروضة البهية 2 : 155.
4 ـ بالنذر وشبهه.
5 ـ أي سواء اشترط فيه التتابع أم لا ( منه رحمه الله ).
6 ـ بين ما اِذا يأت بأقلّ الاعتكاف فيقضى المنذور تماماً ، وما اذا أتي به فصاعداً


(535)
مطلقاً (1).
     [ ولو لم يشترط ] على‏ ربّه [ ثم مضى يومان ] في المندوب [ وجب الإتمام ، على‏ الرواية ] السابقة وكذا إذا أتمّ الخامس وجب السادس ، وهكذا ، على‏ الرواية الأُخرى‏ ، المعمول بهما كما مضى (2).
     [ ولو عرض عارض ] ضروري من مرض وطمث ونحوهما [ حرج ، فإذا زال ] العارض [ وجب القضاء ].
    كما في الصحيح : « إذا مرض المعتكف أو طمثت المرأة المعتكفة فإنّه يأتي بيته ، ثم يعيد إذا برئ ويصوم » (3).
    وفي آخر أو الموثّق : في المعتكفة إذا طمثت ، قال : « ترجع إلى‏ بيتها ، فإذا طهرت رجعت فقضت ما عليها » (4).
    وهما ـ بإطلاقهما ـ يشملان ما لو كان مندوباً فوجب ، أو واجباً بالنذر وشبهه ، معيّناً كان أو مطلقاً ، مشروطاً فيه التتابع أم لا. وهو ظاهر العبارة أيضاً.
    لكنّهما اختلفا من جهةٍ أُخرى ، فدلّ الأول على‏ وجوب الإعادة الظاهرة في الاستئناف مطلقاً ، والثاني على‏ قضاء ما عليها كذلك ، وهو مجمل يحتمل الأول وإعادة ما بقي خاصّة.
فيأتي بالباقي. ( منه رحمه الله ).
1 ـ أي سواء اشترط التتابع أم لا ، أتى بأقلّ الاعتكاف أم لا ( منه رحمه الله ).
2 ـ راجع ص : 528 ، 529.
3 ـ الكافي 4 : 179 / 1 ، الفقيه 2 : 122 / 530 ، التهذيب 4 : 294 / 893 ، الوسائل 10 : 554 أبواب الاعتكاف ب 11 ح 1.
4 ـ الكافي 4 : 179 / 2 ، الفقيه 2 : 123 / 536 ، الوسائل 10 : 554 أبواب الاعتكاف ب 11 ح 3.


(536)
    ولا ريب في تعيّن الأول حيث لم يُتمّ أقلّ الاعتكاف مطلقاً (1) ، ويحتمله والثاني لو أتى به فصاعداً ولمّا يُتمّ العدد الواجب ، سواء تعيّن النذر أو أطلق ، لم يشترط في شي‏ء منهما التتابع أو شرط.
    خلافاً للمبسوط في المعيّن المشروط ، فيستأنف (2).
    وللمختلف (3) وغيره (4) فيه أيضاً ، فيبني.
    ولبعضهم ، فعيّن البناء فيما عداه مطلقاً (5) ، إلّا إذا كان مطلقاً واشترط فيه التتابع ، فيستأنف. ولا يخلو عن وجه.
    خلافاً للمحكي عن التذكرة في المستثنى‏ ، فاستشكل فيه بأنّه بالشروع فيه صار واجباً ، فيكون كالمعيّن ، فيبني على‏ ما مضى كما في المعيّن (6).
    هذا ، ولا ريب أنّ الاستئناف في جميع الصور أحوط وأولى عملاً بإطلاق الصحيح الراجح على‏ مقابله سنداً ودلالة.

     [ الثانية : يحرم على‏ المعتكف ] حيث يجب عليه [ الاستمتاع بالنساء ] لمساً وتقبيلاً وجماعاً ، بلا خلاف في تحريم الثلاثة ـ قيل (7) :
    لإطلاق الآية الكريمة ـ (8) ولا في البطلان بالأخير ، بل عليه الإجماع في‏
1 ـ اي في جميع الصور الأربع التي سيشار اليها. ( منه رحمه الله ).
2 ـ المبسوط 1 : 291.
3 ـ المختلف : 253.
4 ـ كالذخيرة : 541.
5 ـ في جميع الصور الثلاث الاُخر. ( منه رحمه الله ).
6 ـ حكاه في المهذَّب البارع 2 : 108 ، وهو في التذكرة 1 : 293.
7 ـ قال به صاحب الحدائق 13 : 491.
8 ـ وهو قوله تعالى : ( ولا تباشروهن وانتم عاكفون في المساجد ) ـ البقرة : 187.


(537)
عبائر جماعة (1).
    وألحق بها الاستمناء بأيّ شي‏ء كان في الخلاف ، مدّعياً الإجماع (2) ولعلّه لأنّه أشدّ من اللمس والتقبيل بشهوة ، فيستلزم تحريمهما تحريمه بالأولويّة.
    ولا بأس به إن أُريد من حيث التحريم ، سيّما مع تحريم أصله ، إن لم يكن مع حلاله.
    ويشكل إن أُريد من حيث البطلان ووجوب الكفّارة به ، كما هو ظاهر الخلاف (3) ، فإن تمّ إجماعه عليه ، وإلّا فالأجود عدمهما فيه ، بل وفي الملحق بهما ، للأصل ، مع عدم دليل على‏ شي‏ء منهما.
     [ والبيع ، والشراء ، وشمّ الطيب ] على‏ الأشهر الأظهر ، بل لا خلاف في شي‏ء من ذلك يظهر ، إلّا من المبسوط في الأخير ، فلم يحرّمه (4) ، ومن اللمعتين في الأولَين ، فلم يذكراهما (5).
    وهما نادران ضعيفان ، محجوجان بالصحيح : « المعتكف لا يشمّ الطيب ، ولا يتلذّذ بالريحان ، ولا يماري ، ولا يشتري ، ولا يبيع » (6).
    مع أنّ في الخلاف الإجماع على‏ حرمة استعمال الطيب بقول مطلق (7).
1 ـ كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1 : 406 ، فإنه قال : الجماع لا خلاف في تحريمه واِفسادة. وكذا في المفاتيح 1 : 279 ( منه رحمه الله ).
2 و 3 ـ الخلاف 2 : 238.
4 ـ المبسوط 1 : 293.
5 ـ اُنظر الروضة 2 : 155 ـ 156.
6 ـ الكافي 4 : 177 / 4 ، الفقيه 2 : 121 / 527 ، التهذيب 4 : 288 / 872 ، الاستبصار 2 : 129 / 420 ، الوسائل 10 : 553 أبواب الاعتكاف ب 10 ح 1.
7 ـ الخلاف 2 : 240.


(538)
    وفي الانتصار الإجماع على‏ حرمة الأولَين ، بل كلّ تجارة ، بل فساد الاعتكاف بها (1) ، وتقرب منه ـ في دعوى الإجماع على‏ تحريمهما ـ عبارتا المدارك والذخيرة (2).
    فإن تمّ إجماع السيّد على‏ الفساد بهما ـ مع عدم وضوح دعواه فيه ـ وإلّا فالمتّجه عدم الفساد بهما ، بل ولا بشي‏ء ممّا عدا الجماع ، للأصل ، وتعلّق النهي بالخارج ، وبه أفتى‏ جماعة (3).
    خلافاً لآخرين ، فأفسدوه بهما (4) ، وهو أحوط.
     [ وقيل : يحرم عليه ما يحرم على‏ المُحرم ].
    القائل به : الشيخ في الجمل (5) ، وربّما يحكى‏ عن القاضي وابن حمزة (6).
    [ ولم يثبت ] ذلك من حجة ولا أمارة.
    نعم ، في التنقيح (7) : جعله في المبسوط رواية ، قال : وذلك مخصوص بما قلناه ، لأنّ لحم الصيد لا يحرم عليه ، وكذا المخيط وتغطية الرأس (8).
1 ـ الانتصار : 74.
2 ـ المدارك 6 : 344 ، الذخيرة : 542.
3 ـ نقله العلامة في المختلف : 255 عن المبسوط ، الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 5 : 392.
4 ـ كالحلّي في السرائر 1 : 426.
5 ـ الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 222.
6 ـ حكاه عنهما في المختلف : 253 ، وهو في المهذّب 1 : 204 ، والوسيلة : 154.
7 ـ التنقيح 1 : 406.
8 ـ المبسوط 1 : 293.


(539)
    ولا حجّة في مثل هذه الرواية لكونها مرسلة ، ومخالفة بعمومها للإجماع ـ ولو في الجملة ـ بلا شبهة.
    ولذا قال في التذكرة : إنّ الشيخ لا يريد به العموم لأنّه لا يحرم على‏ المعتكف لبس المخيط إجماعاً ، ولا إزالة الشعر ، ولا أكل الصيد ، ولا عقد النكاح (1).
    وبالجملة : لا ريب في ضعف هذا القول ، كالقول ببطلانه بكلّ ما يفعله المعتكف من القبائح ويتشاغل به من المعاصي والسيّئات ، كما عليه الحلّي (2) لعدم دليل عليه ، عدا دعواه منافاتها لحقيقة الاعتكاف وماهيّته. وفيه ما فيه.
    نعم ، الأولى‏ تركها ، وترك النظر في معايشه ، والخوض في المباح زيادةً على‏ قدر الضرورة ، ويجوز له معها البيع والشراء اللذان مُنع عنهما ، لكن يجب الاقتصار فيهما على‏ ما تندفع به ، حتى لو تمكّن من التوكيل فَعَل.

     [ الثالثة : يُفسِد الاعتكاف ما يفسد الصوم ] من حيث فوات الصوم ، الذي هو شرط فيه بلا خلاف.
     [ وتجب الكفّارة بالجماع فيه ، مثل كفّارة ] من أفطر [ شهر رمضان ، ليلاً ] كان الجماع فيه [ أو نهاراً ].
    بلا خلاف في أصل وجوب الكفّارة ليلاً أو نهاراً على‏ الظاهر ، المصرّح به في بعض العبائر (3) ، وفي الغنية الإجماع عليه (4)
1 ـ التذكرة 1 : 286 ، وقد نُسب فيها إلى بعض علماؤنا لا إلى الشيخ ، ولعلّ المصنف أخذ النسبة من الحدائق 13 : 495.
2 ـ السرائر 1 : 426.
3 ـ التنقيح الرائع 1 : 407.
4 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 573.


(540)
والمعتبرة بذلك مستفيضة جدّاً :
    ففي الصحيح : عن المعتكف يجامع ، قال : « إذا فعل فعليه مثل ما على‏ المظاهر » (1) ونحوه آخر قد مرّ (2).
    وفي الموثّق : « عليه ما على‏ الذي أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً : عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستّين مسكيناً » (3).
    وفي الخبر : عن رجل وطئ امرأته وهو معتكف ليلاً في شهر رمضان ، قال : « عليه الكفّارة » قال : قلت : فإن وطئها نهاراً ؟ قال : « عليه كفّارتان » (4).
    وما دلّ عليه الموثّق ـ من أنّ عليه كفّارة رمضان مخيّرة ـ مشهور بين الأصحاب على‏ الظاهر ، المصرّح به في جملة من العبائر مستفيضاً (5) ، وعليه الإجماع في الغنية (6) ، وعزاه في المختلف إلى‏ الأصحاب فهو الأقوى‏ ، سيّما مع اعتضاده بالأصل.
    خلافاً للمحكي عن ظاهر المقنع : فما دلّ عليه الصحيحان من أنّها
1 ـ الكافي 4 : 179 / 1 ، الفقيه 2 : 122 / 532 ، التهذيب 4 : 291 / 887 ، الاستبصار 2 : 130 / 424 ، الوسائل 10 : 546 أبواب الاعتكاف ب 6 ح 1.
2 ـ في ص : 527.
3 ـ التهذيب 4 : 292 / 888 ، الاستبصار 2 : 130 / 425 ، الوسائل 10 : 547 أبواب الاعتكاف ب 6 ح 5.
4 ـ الفقيه 2 : 122 / 533 ، التهذيب4 : 292 / 889 ، الوسائل 10 : 547 أبواب الاعتكاف ب 6 ح 4.
5 ـ كالتنقيح 1 : 408 ، والروضة 2 : 157 ، والمدارك 6 : 244 ، والذخيرة : 542 ، والمفاتيح 1 : 261 ، وفي المختلف : 254 ، أنّ الموثقة أوضح عند الأصحاب ... وفيه اِشعار بقرب الشهرة من الإجماع. ( منه رحمه الله ).
6 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 573.
رياض المسائل الجزء الخامس ::: فهرس