رياض المسائل الجزء السادس ::: 136 ـ 150
(136)
    ( وقيل : لا يحلّ أحدهما إلّا بالنية ، ولكن الأولى‏ تجديد التلبية ) القائل الحلّي (1) ، وتبعه الفاضل وولده (2) للأصل ، والاتفاق على‏ أن القارن لا يمكنه العدول إلى‏ التمتع والإحلال ما لم يبلغ الهدي محلّه ، وتظافر الأخبار به كما مرّ إليها الإشارة.
    ولأن الإحرام عبادة لا تنفسخ إلّا بعد الإتيان بأفعال ما أُحرم له أو ما عدل إليه وإن نوى‏ الانفساخ ، كالمعتمر لا يحلّ ما لم يأت بطواف العمرة وسعيه ، والحاجّ ما لم يأت بالوقوفين والطوافين للحج ، وإنما الأعمال بالنيات ، فلا ينصرف الطواف المندوب إلى‏ طواف الحج ، ولا ينقلب الحج عمرة بلا نية ، بل حج القارن لا ينقلب عمرة مع النية أيضاً.
    وفي الجميع نظر لوجوب تخصيص الأصل بما مرّ. والثاني نقول بموجَبه. والثالث اجتهاد في مقابلة النص ، وتخصيصه بالمفروض من الطوافين في العمرة أو في الحج بعد الوقوفين غير ظاهر الوجه ، مع أني أجد بين الأصحاب قائلاً بالفرق بينه وبين الندب ، بل صريح التهذيب ثبوت الإحلال بالطواف من غير تلبية في الفرض (3).
    وهنا قول آخر بالتفصيل بين المفرد والقارن ، عكس الأول ، حكاه في التنقيح عن المرتضى‏ والمفيد (4). ولكن الموجود في غيره (5) عنهما أنهما وكذا الديلمي والقاضي (6) أوجبوا تجديد التلبية على‏ القارن دون المفرد ،
1 ـ السرائر 1 : 525.
2 ـ الفاضل في المختلف : 262 ، والتذكرة 1 : 360 ، والقواعد 1 : 73 ، وولده في ايضاح الفوائد 1 : 262.
3 ـ التهذيب 5 : 44.
4 ـ التنقيح الرائع 1 : 441.
5 ـ المختلف : 262 ، وكشف اللثام 1 : 282.
6 ـ الديلمي في المراسم : 103 ، القاضي في المهذب 1 : 210.


(137)
ولم يصرّحوا بالتحلل بدونها.
    ومستندهم غير واضح ، وبه صرّح في التنقيح.
    قيل : وكأنهم استندوا إلى‏ أن انقلاب حج المفرد إلى‏ العمرة جائز ، دون حج القارن وأن الطواف المندوب قبل الموقفين يوجب الإحلال إن لم يجدّد التلبية بعده ، فالمفرد لا بأس عليه إن لم يجدّدها ، فإنّ غاية أمره انقلاب حجته عمرة ، وهو جائز ، خلاف القارن ، فإنه إن لم يجدّدها لزم انقلاب حجه عمرة ولا يجوز (1). انتهى‏.
    وهو بمني على‏ القول الأول من تحلل القارن والمفرد بترك التلبية ، وأما على‏ المختار من عدم تحلّل القارن بذلك فينبغي أن لا يجب عليه التلبية ، بل ولا على‏ المفرد أيضاً حيث لا يتعيّن عليه الإفراد. وما يحكى‏ عن الشيخ وغيره (2) من وجوب التلبية لعلّه مخصوص بالصورة الأُولى‏ ، وإلّا فلم أعرف للوجوب وجهاً.
    وربما يظهر من عبارة القيل عدم خلاف بينهم في أن بالتحلل ينقلب الحج عمرة ، كما نقل التصريح به عن المبسوط والنهاية (3) ، وفي المسالك عن جماعة (4) ، وفي المدارك إنه ليس في الروايات عليه دلالة (5) ، وهو كذلك.
1 ـ كشف اللثام 1 : 283.
2 ـ الشيخ في النهاية : 208 ، المفيد في المقنعة : 391 ، سلار في المراسم : 103 ؛ وحكاه عنهم في المهذب البارع 2 : 154.
3 ـ المبسوط 1 : 311 ، النهاية : 208.
4 ـ المسالك 1 : 102.
5 ـ المدارك 7 : 201


(138)
    نعم ، في الموثق السابق : ( إن كان لبّى بعد ما سعى‏ قبل أن يقصّر فلا متعة له ) ومفهومه أنه إن لم يكن لبّى له متعة. وهو نصّ في أن له المتعة مع النية ، أما بدونها بحيث يحصل الانقلاب إلى‏ العمرة قهراً كما هو ظاهر الجماعة فغير مفهوم من الرواية.
    ( ويجوز للمفرد إذا دخل مكة العدول بالحج إلى‏ المتعة ) إذا لم يتعيّن عليه ، بلا خلاف بيننا أجده ، بل عليه إجماعنا في ظاهر عبائر جماعة (1) ، وصريح الخلاف والمعتبر والمنتهى‏ (2) للمعتبرة المستفيضة :
    منها الصحيح : عن رجل لبّى بالحج مفرداً ثم دخل مكة وطاف بالبيت وسعى‏ بين الصفا والمروة ، قال : « فليحلّ وليجعلها متعة ، إلّا أن يكون ساق الهدي فلا يستطيع أن يحلّ حتى يبلغ الهدي محلّه » (3).
    وإطلاقه كغيره يقتضي عدم الفرق بين ما لو كان في نيته العدول حين الإحرام وعدمه ، والثاني ظاهر الصحيح وغيره ، والأول صريح الموثق والصحيح المروي في الكشّي عن عبد اللَّه بن زرارة ، وفيه : « وعليك بالحج أن تهلّ بالإفراد وتنوي الفسخ إذا قدمت مكة وطفت وسعيت فسخت ما أهللت به ، وقلّبت الحج عمرة ، وأحللت إلى‏ يوم التروية ، ثم استأنف الإهلال بالحج مفرداً إلى‏ منى » إلى‏ أن قال : « فكذلك حجّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وهكذا أمر أصحابه أن يفعلوا أن يفسخوا ما أهلّوا به ويقلّبوا الحج عمرة »
1 ـ منهم : صاحب المدارك 7 : 203 ، والسبزواري في الذخيرة : 554 ، وصاحب الحدائق 13 : 399 ، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 283.
2 ـ الخلاف 2 : 269 ، المعتبر 2 : 797 ، المنتهى 2 : 663.
3 ـ التهذيب 5 : 89/293 ، الاستبصار 2 : 174/575 ، الوسائل 12 : 352 أبواب الإحرام ب 22 ح 5.


(139)
الحديث (1).
    ومنه يظهر فساد ما عن الإسكافي من اشتراط العدول بالجهل بوجوب العمرة (2).
    وقريب منه ما في المدارك من تخصيص الحكم بما إذا لم يكن في نيّته العدول حين الإحرام (3).
    ويستفاد من قوله عليه السلام : « وكذلك حجّ رسول صلى الله عليه وآله ـ جواز الاستناد لإثبات هذا الحكم بالأخبار المتظافرة بأمر النبي صلى الله عليه وآله أصحابه بالعدول ، كما فعله جماعة (4).
    ولكن أُورد عليه بأنها ليست من محل البحث في شي‏ء فإن الظاهر منها أن هذا العدول على‏ سبيل الوجوب ، حيث أنه نزل جبرئيل عليه السلام بوجوب التمتع على‏ أهل الآفاق ، ومبدأ النزول كان فراغه من السعي ، ونزلت الآية في ذلك المقام بذلك ، فأمرهم بجعل ما طافوا وسعوا عمرة ـ حيث إن جملة من كان معه من أهل الآفاق ـ وأن يحلّوا ويتمتعوا بها إلى‏ الحج ، فهو ليس ممّا نحن فيه من جواز العدول وعدمه في شي‏ء (5).
    ويمكن الجواب عنه بأن أمره صلى الله عليه وآله جميع أصحابه بذلك أوضح دليل على‏ ذلك للقطع بأن منهم من أدّى الواجب عليه من فريضة حج الإسلام‏
1 ـ رجال الكشي 1 : 349/221 ، الوسائل 11 : 257 أبواب أقسام الحج ب 5 ح 11.
2 ـ نقله عنه في الدروس 1 : 333.
3 ـ المدارك 7 : 205.
4 ـ منهم : الفاضل المقداد في التنقيح 1 : 443 ، والشهيد الثاني في المسالك 1 : 102 ، وصاحب المدارك 7 : 204.
5 ـ الحدائق 14 : 402.


(140)
قبل ذلك العام ، فيكون حجّه فيه مندوباً ، فعدوله المأمور به من محل البحث وإن كان فيهم أيضاً من وجب عليه الحج في ذلك العام فإنّ دخوله فيها غير قادح بعد شمولها لما هو من محل البحث.
    وحيث قد عرفت شمولها لمن وجب عليه حجّ الإفراد اتّضح وجه ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني من أن تخصيص الحكم بمن لم يتعيّن عليه الإفراد بعيد عن ظاهر النص (1) ، وذلك فإنّ ممن صحبه عليه السلام ذلك العام كان قد وجب عليه حج الإفراد فأحرم له ، كما هو الفرض ، وقد أُمر بالعدول ، ولا يكاد يظهر فرق بينه وبين سائر من وجب عليه من أهل مكة وغيرهم ، لاشتراكهم قبل نزول التمتع في كون الواجب عليهم حج الإفراد.
    اللهم إلّا أن يقال : إن الأخبار الدالة على‏ أن فرض أهل مكة الإفراد تعمّ محل النزاع ، فيشكل الخروج عنها بمجرّد أخبار المسألة :
    أمّا المعتبرة المستفيضة منها فلأنها أيضاً عامة ، والتعارض بينها وبين تلك الأخبار تعارض العموم والخصوص من وجه ، يمكن تخصيص كلّ منهما بالأُخرى‏ ، وحيث لا ترجيح فالأخذ بالمتيقن واجب.
    وأما الأخبار بأمر النبي صلى الله عليه وآله فلأنها لا عموم لها تشمل محل البحث صريحاً لأنها قضية في واقعة ، فيجب الأخذ بالمتيقن منها ، وليس إلّا من وجب عليه الحج وهو ناءٍ ، وهو غير من وجب عليه وهو حاضر ، وعدم ظهور الفرق غير ظهور عدم الفرق ، وهو المعتبر دون الأول.
    فإذاً الأولى‏ والأحوط الاقتصار في العدول على‏ من لم يتعيّن عليه الإفراد بنذر وشبهه ، كما عليه جماعة.
1 ـ المسالك 1 : 102.

(141)
    ثم إن إطلاق الأخبار بجواز العدول يشمل ما لو كان لبّى بعد طوافه وسعيه أم لا ( لكن ) الأحوط والأولى أن ( لا يلبّي بعد طوافه وسعيه ، و ) ذلك لتصريح جماعة كالتهذيب والنهاية والمبسوط والوسيلة والمهذّب والجامع والشرائع والقواعد (1) وغيرهم (2) بأنه ( لو لبّى بعد أحدهما بطلت متعته وبقي على‏ حجه ) اعتماداً ( على‏ رواية ) موثقة تقدّم ذكرها قبيل المسألة متصلة بها (3) ، مؤيدة بالأمر بالتلبية إذا طاف قبل عرفات لعقد الإحرام كما قيل (4).
    خلافاً للمحكي عن الحلّي فقال : إنما الاعتبار بالقصد والنية ، لا التلبية (5) لحديث ( الأعمال بالنيات ) (6) مع ضعف الخبر ووحدته.
    وإليه ميل الماتن هنا لنسبة الأول إلى‏ رواية ، وبه أفتى‏ فخر الإسلام مع حكمه بصحة الخبر ، وقال : وهو اختيار والدي (7).
    والأقرب الأول ؛ لاعتبار سند الخبر ، وعدم ضير في وحدته على‏ الأظهر الأشهر ، سيّما مع اعتضاده بعمل جمع ، فيخصَّص به عموم الحديث السابق ، مع أخصّيته من المدّعى ، فإنه إنما يتمّ في العدول قبل الطواف ، فإنّ العبرة بالنية في الأعمال ، فإذا عدل فطاف وسعى‏ ناوياً بهما عمرة التمتع‏
1 ـ التهذيب 5 : 44 ، النهاية : 208 ، المبسوط 1 : 311 ، الوسيلة : 162 ، المهذب 1 : 217 ، الجامع للشرائع : 179 ، للشرائع 1 : 247 ، القواعد 1 : 81.
2 ـ اُنظر المدارك 7 : 284.
3 ـ راجع ص 135.
4 ـ كشف اللثام 1 : 320.
5 ـ السرائر 1 : 536.
6 ـ التهذيب 4 : 186/518 ، الوسائل 1 : 48 أبواب مقدمة العبادات ب 5 ح 6.
7 ـ ايضاح الفوائد 1 : 290.


(142)
لم يضرّ التلبية بعدهما شيئاً ، والمدّعى‏ أعم منه ومن العدول بعدهما. بل قيل : إن كلامهم فيه ، ولا يعمل حينئذ عملاً يقرنه هذه النية ، ولا دليل على‏ اعتبار هذه النية بلا عمل ، إلّا أن يتمسكوا بأمر النبي صلى الله عليه وآله الصحابة بالعدول بعد الفراغ من السعي من غير تفصيل (1).
    وهو حسن لولا الخبر المفصِّل المعتبر.
    واعلم أن التلبية بعد الطواف والسعي إنما تمنع من العدول إذا كان بعدهما. إلا إذا كان قبلهما فالظاهر أنه متمتع لبّى في غير وقتها ، ولا يضرّ ذلك بعدوله ، ولا تقلب عمرته المعدول إليها حجة مفردة اقتصاراً فيما خالف العمومات الدالة على‏ جواز العدول من غير تقييد بعدم التلبية على‏ مورد الرواية التي هي الأصل في تقييدها به ، وعزاه بعض الأصحاب إلى‏ الأكثر ، قال : خلافاً لظاهر التحرير والمنتهى‏ (2). وتردّد الشهيد (3).
    ( ولا يجوز العدول للقارن ) بالنص والإجماع الظاهر ، المصرَّح به في جملة من العبائر (4) ، ولا فرق فيه بين من تعيّن القران عليه قبل الإحرام أم لا ؛ لتعيّنه عليه بالسياق.
    وإذا عطب هديه قبل مكة لم يجب عليه الإبدال. فهل يصير كالمفرد في جواز العدول ؟ احتمال لتعليل المنع عنه في الأخبار بأنه لا يُحلّ حتى يبلغ الهدي محلّه.
    ( والمكّي إذا بَعُد ثم حجّ على‏ ميقات ) من المواقيت الخمسة التي‏
1 ـ كشف اللثام 1 : 320.
2 ـ كشف اللثام 1 : 320 ؛ وانظر التحرير 1 : 93 ، والمنتهى 2 : 663.
3 ـ الدروس 1 : 332.
4 ـ المنتهى 2 : 663 ، التنقيح 1 : 442 ، كشف اللثام 1 : 283.


(143)
للآفاق ( أحرم منه وجوباً ) بغير خلاف ظاهر ، مصرّح به في جملة من العبائر (1) ، وسيأتي من النصوص ما يدل عليه.
    وليس في العبارة وما ضاهاها دلالة على‏ تعيين النوع الذي يحرم به من الميقات ، والظاهر أنه فرضه ، واختلف في جواز التمتع له ، وقد سبق الكلام فيه.
    ( و ) النائي : ( المجاور بمكة ) لا يخرج بمجرد المجاورة عن فرضه المستقرّ عليه قبلها مطلقاً قطعاً ، وكذا بعدها إذا لم يقم مدة يوجب انتقال الفريضة إلى‏ غيرها.
    بل ( إذا أراد حجة الإسلام خرج إلى‏ ميقاته فأحرم منه ) للتمتع وجوباً ، بلا خلاف أجده ، بل قيل : إجماعاً فتوىً ونصّاً ، وإن اختلفا في تعيين الميقات الذي يخرج إليه ، أنه هل هو ميقات أهله ، كما هو ظاهر العبارة والخلاف والمقنعة والكافي والجامع والمعتبر والتحرير والمنتهى‏ والتذكرة وموضع من النهاية (2) كما حكي ؛ للخبر : عن المجاور أله أن يتمتع بالعمرة إلى‏ الحج ؟ قال : « نعم ، يخرج إلى‏ مُهَلّ أرضه فيلبّي إن شاء » (3).
    معتضداً بالصحاح الواردة في ناسي الإحرام أو جاهلة أنه يرجع إلى‏ ميقات أهل أرضه (4) ، بناءً على‏ عدم تعقل خصوصية للناسي وتاليه ، بل‏
1 ـ كالمدارك 7 : 205 ، والذخيرة : 555 ، والحدائق 14 : 406.
2 ـ الخلاف 2 : 285 ، المقنعة : 396 ، الكافي : 202 ، الجامع للشرائع : 178 ، المعتبر 2 : 799 ، التحرير 1 : 95 ، المنتهى 2 : 671 ، التذكرة 1 : 319 ، النهاية : 211.
3 ـ الكافي 4 : 302/7 ، التهذيب 5 : 59/188 ، الوسائل 11 : 264 أبواب أقسام الحج ب 8 ح 1.
4 ـ الوسائل 11 : 328 أبواب المواقيت ب 14.


(144)
لكون الميقات للنائي مُهَلّ أرضه ، كما يفصح عنه العمومات الواردة بالمواقيت.
    أو أيّ ميقات كان ، كما يقتضيه إطلاق الشرائع والقواعد والإرشاد والنهاية والمبسوط والمقنع (1) كما حكي ، وصرّح به شيخنا الشهيد الثاني (2) ؛ للمرسل : ( ليس له أن يحرم من مكة ولكن يخرج إلى‏ الوقت ) الخبر (3).
    مؤيداً بعدم خلاف في أن من مرّ على‏ ميقات أحرم منه وإن لم يكن من أهله.
    أو أدنى‏ ألحلّ ، كما عن الحلبي (4) للصحيح (5) وغيره (6) : قلت : من أين ؟ قال : ( يخرجون من الحرم ).
    وفي الجميع نظر لضعف الخبر الأول سنداً بمعلّى‏ ، ودلالةً بقوله ( إن شاء ) منع احتمال كون المراد الاحتراز عن مكة.
    وبنحوه يجاب عن الصحاح ، مع أن التعدّي عنها قياس ، وعدم تعقّل الفرق غير تعقّل عدم الفرق ، وهو المعتبر فيه دون الآخر.
    وشمول أخبار المواقيت لنحو ما نحن فيه محل مناقشة لعدم تبادره‏
1 ـ الشرائع 1 : 240 ، القواعد 1 : 79 ، الارشاد 1 : 315 ، النهاية : 211 ، المبسوط 1 : 213 ، المقنع : 85.
2 ـ اُنظر المسالك 1 : 105.
3 ـ الكافي 4 : 302/8 ، التهذيب 5 : 60/189 ، الوسائل 11 : 269 أبواب أقسام الحج ب 9 ح 9.
4 ـ الكافي في الفقه : 202.
5 ـ التهذيب 5 : 35/103 ، الوسائل 11 : 267 أبواب أقسام الحج ب 9 ح 3.
6 ـ الكافي 4 : 300/4 ، الوسائل 11 : 268 أبواب أقسام الحج ب 9 ح 7.


(145)
منها بلا شبهة.
    والمرسل كالخبر في الضعف سنداً ، بل ودلالةً لإجمال الوقت فيه المحتمل لإرادة مهلّ أهل الأرض باحتمال اللام للعهد.
    وعدم الخلاف في إجزاء الإحرام من غيره بعد المرور به غير المفروض من حكم المروي.
    والصحيح وغيره نادران ، مع أن خارج الحرم فيهما مطلق يحتمل التقييد بمهلّ أهل الأرض ، أو مطلق الوقت ، أو صورة تعذّر المصير إليهما للاتفاق على‏ الجواز حينئذ كما يأتي ، فيتعيّن ، حملاً للمطلق على المقيّد ولو قصر السند ، للانجبار هنا بالعمل ، لاتفاق من عدا الحلبي (1) على‏ اعتبار الوقت وإن اختلفوا في إطلاقه وتقييده.
    وأما الصحيح : « من أراد أن يخرج من مكة ليعتمر أحرم من جعرانة أو الحديبية أو ما أشبههما » (2) فمحمول على‏ العمرة المفردة كما وردت به المستفيضة (3).
    مع أنه معارض بصريح الموثق في المجاور ، وفيه : ( فإن هو أحبّ أن يتمتع في أشهر الحج بالعمرة إلى‏ الحج فليخرج حتى يجاوز ذات عرق ويجاوز عسفان فيدخل متمتعاً بعمرة إلى‏ الحج ، فإن هو أحب أن يفرد الحج فليخرج إلى‏ الجعرانة فيلبّي منها ) (4) فتدبر.
    وحيث ظهر ضعف أدلة الأقوال وجب الرجوع في المسألة إلى‏
1 ـ في ( ك ) و ( ح ) : الحلي ؛ انظر السرائر 1 : 529.
2 ـ الفقيه 2 : 276/1350 ، الوسائل 11 : 341 أبواب المواقيت ب 22 ح 1.
3 ـ اُنظر الوسائل 11 : 341 أبواب المواقيت ب 22 ح 2 ، وج 298 : 14 أبواب العمرة ب 2 ح 3 ، 6.
4 ـ الفقيه 2 : 274/1335 ، الوسائل 11 : 270 أبواب أقسام الحج ب 10 ح 2.


(146)
مقتضى‏ الأصل الشرعية ، وهو هنا البراءة عن تعيين ميقات عليه إن اتّفق على‏ الصحة مع المخالفة لما يوجب عليه ، ووجوب الأخذ بالمبرئ للذمة منها يقيناً إن كان ما يوجب عليه شرطاً.
    فالذي ينبغي تحصيله تشخيص محل النزاع من تعيين الوقت ، أهو أمر شرطي ، أم تكليفي خاصة ؟
    والظاهر : الثاني لما مرّ من عدم الخلاف في صحة الإحرام من كل وقت يتفق المرور عليه ، وتصريح بعض من صار إلى‏ اعتبار أدنى الحلّ بجوازه وصحة إحرامه من غيره من المواقيت البعيدة (1).
    وعليه فيعود النزاع إلى‏ وجوب الخروج إلى‏ مهلّ أهل الأرض ، أم لا ، بل يجوز الخروج إلى‏ أيّ وقت كان ولو أدنى‏ الحلّ.
    والحقّ : الثاني ، إلّا بالنسبة إلى‏ أدنى‏ الحلّ ، فلا يجوز الخروج إليه اختياراً لدلالة الروايات المعتبرة ولو بالشهرة على‏ وجوب الخروج إلى‏ غيره فيتعيّن.
    وأما وجوب الخروج إلى‏ مهلّ الأرض فالأصل عدمه بعد ما عرفت من ضعف دليله وإن كان أحوط للاتفاق على‏ جوازه.
    ( ولو تعذّر ) الخروج إليه ( خرج إلى‏ أدنى‏ الحلّ ) فأحرم منه كغيره.
    ( ولو تعذّر أحرم من مكة ) بلا خلاف أجده فيهما ، وقد مرّ ما يصلح أن يكون مستنداً في الأول ، وأمّا الثاني فيدل عليه ما دلّ على‏ ثبوت الحكم في ما نحن فيه.
1 ـ الكافي في الفقه : 202.

(147)
    ( ولو أقام ) بها ( سنتين ) كاملتين ( انتقل فرضه ) في الثالثة ( إلى‏ الإفراد والقِران ) لا يجوز له غيرهما.
    وفاقاً للشيخ في كتابي الأخبار والفاضلين والشهيدين وغيرهما (1) ، بل في المسالك وغيره (2) : إنه المشهور بين الأصحاب ، وربما عزي إلى‏ علمائنا من عدا الشيخ (3).
    للصحيحين (4) ، في أحدهما : ( من أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة لا متعة له ، فقلت له عليه السلام : أرأيت إن كان له أهل بالعراق وأهل بمكة ، قال : ( فلينظر أيّهما الغالب عليه فهو من أهله ).
    خلافاً للمحكي عن الإسكافي والنهاية والمبسوط والحلّي (5) ، فاشترطوا ثلاث سنين للأصل. ويخصَّص بما مرّ.
    وما ورد من الصحاح وغيرها بأقلّ من ذلك كالسنة والستة أشهر (6) شاذّ مطروح ، أو مؤوّل.
1 ـ التهذيب 5 : 34 ، الاستبصار 2 : 159 ، المحقق في المعتبر 2 : 799 ، والشرائع 1 : 240 ، والعلامة في التحرير 1 : 93 ، المنتهى 2 : 664 ، والمختلف : 261 ، الشهيد الأول في الدروس 1 : 331 ، والشهيد الثاني في الروضة البهية 2 : 217 ، وانظر المدارك 7 : 207.
2 ـ المسالك 1 : 102 ؛ وانظر الذخيرة : 556 ، والحدائق 14 : 425.
3 ـ انظر المنتهى 2 : 664.
4 ـ الأول : التهذيب 5 : 341/10 ، الاستبصار 2 : 159/519 ، الوسائل 11 : 265 أبواب أقسام الحج ب 9 ح 1.
    الثاني : التهذيب 5 : 34/102 ، الوسائل 11 : 266 أبواب أقسام الحج ب 9 ح 2.
5 ـ حكاه عن الاسكافي في المختلف : 261 ، النهاية : 206 ، المبسوط 1 : 308 ، الحلي في السرائر 1 : 522.
6 ـ الوسائل 11 : 264 أبواب أقسام الحج ب 8 ح 3 ، 4 وب 9 ح 7 ، 8 ، 9.


(148)
    وحمله على‏ التخيير ضعيف لفقد التكافؤ بالشذوذ.
    وأضعف منه الميل إلى‏ العمل بها ، وصَرف التوجيه إلى‏ ما قابلها ، بحمله على‏ أن المراد الدخول في الثنية إذ لا داعي له سوى‏ الكثرة ، وهي مضمحلة في جنب الشذوذ والندرة.
    مع أن الصحيح الثاني لا يقبله على‏ نسخة ، وفيها : « فإذا جاوز سنتين كان قاطناً وليس له أن يتمتع ».
    والمجاوزة صريحة في اعتبار تمام الثانية بل وزيادة ، ولذا جعل على‏ هذه النسخة دليلاً للنهاية ، ولكنه محل مناقشة.
    لكن النسخة المشهورة كما قيل (2) بدل جاوز بالزاء المعجمة جاور بالراء المهملة ، وهو يقبل الحمل الذي ذكره.
    ومقتضى إطلاق النص والفتوى‏ عدم الفرق في الإقامة الموجبة لانتقال الفرض بين كونها بنية الدوام أو المفارقة ، كما ذكره جماعة ، ومنهم شيخنا في المسالك وسبطه وغيرهما (3).
    وربما قيّد بالثاني ولعلّه لإطلاق ما دلّ على‏ أن أهل مكة فرضهم الإفراد والقران ، بناءً على‏ صدق العنوان على‏ من جاوز بنية الدوام بمجرد النية ، وبه صرّح في المسالك.
    وفي كلّ من القولين نظر لأن بين إطلاقيهما عموماً وخصوصاً من وجه لتواردهما في المجاور سنتين بنية الدوام ، وافتراق الأول عن الثاني في المجاور سنتين بغير النية ، والعكس فيما نحن فيه. فترجيح أحدهما
1 ـ انظر الوافي 12 : 451.
2 ـ المسالك 1 : 102 ، سبطه في المدارك 7 : 210 ؛ وانظر الذخيرة : 566 ، والحدائق 14 : 429.


(149)
على‏ الآخر وجعله المقيّد له غير ظاهر الوجه ، ولكن مقتضى‏ الأصل ـ وهو استصحاب عدم انتقال الفرض ـ يرجح الأول (1).
    ولو انعكس الفرض فأقام المكي في الآفاق لم ينتقل فرضه ولو أقام سنتين فصاعداً عملاً بالأصل ، مع اختصاص النص بالانتقال مع إقامتهما بصورة العكس ، وحرمة القياس. معم ، لو أقام بنية الدوام اتّجه انتقال فرضه إلى‏ التمتع مطلقاً لصدق النائي عليه حينئذ حقيقةً عرفاً ، بل ولغةً ، مع خلوه عن المعارض.
    ( ولو كان له منزلان ) أحدهما ( بمكة ) وما في معناها ( و ) الآخر بمحلّ ( ناء ) عنها ( اعتبر ) في تعيين الفرض ( أغلبهما عليه ) إقامةً ، فيتعين عليه فرضه ، ولو تساويا تخيّر في التمتع وغيره ، بلا خلاف في المقامين ظاهراً.
    استناداً في الثاني إلى‏ عدم إمكان الترجيح من غير مرجّح ، وانتفاء التكليف بالحج المتعدد بالعسر المنفي مضافاً إلى‏ قوة احتمال الإجماع على‏ نفيه.
    وفي الأول إلى‏ الصحيح المتقدم. ويجب تقييده ـ وفاقاً لجماعة (2) ـ بما إذا لم يكن إقامتة بمكة سنتين متواليتين ، فإنه حينئذ يلزمه حكم أهل‏
1 ـ مع أنه يمكن أن يقال : مقتضي أخبار المسألة اشتراط الاقامة سنتين في صدق اطلاق الكون من أهل مكة ، وحينئذ فلا يكون المقيم أقل من سنتين من أهل مكة ، ولا يشمله اطلاق أخبار تلك المسألة. وموضوعها أهل مكلة ، ولا يصدق على من لم يمض عليه السنتان مقتشى أخبار المسألة. وذلك واضح بحمد الله سبحانه. ( منه رحمه الله ).
2 ـ منهم : المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 6 : 34 ، وصاحب المدارك 7 : 211 ، والسبزواري في الذخيرة : 555.


(150)
مكة وإن كانت إقامته في النائي أكثر لما مرّ من أن إقامة السنتين توجب انتقال حكم النائي الذي ليس له بمكة منزل أصلاً ، فمن له مسكن أولى‏. ومنع الأولوية ـ كما اتّفق لبعض المعاصرين (1) ـ لم أعرف له وجهاً.
    ( و ) اعلم أنه ( لا يجب على المفرد والقارن هدي ) التمتع ( و ) إن استحب لهما الأُضحيّة ، بل ( يختص الوجوب بالتمتع ) بالكتاب والسنّة والإجماع. وسيأتي الكلام مفصّلاً في المقامين إن شاء اللَّه تعالى‏.
    ( ولا يجوز القران بين الحج والعمرة بنية واحدة ) بمعنى أن يكتفي بها لهما ولم يحتج إلى‏ إحرام آخر ، بل ولا إحلال في البين ، سواء في ذلك القران وغيره ، على‏ المشهور ، بل عن الخلاف أنّ عليه الإجماع (2).
    قيل : لأنهما عبادتان متباينتان لا يجوز الإتيان بإحداهما إلّا مع الفراغ من الأُخرى‏ ، ولا بدّ في النية من مقارنتها المنوي ، فهو كنية صلاتي الظهر والعصر دفعة (3).
    وفيه : أن مقتضاه الفساد ، لا التحريم ، كما هو محل البحث في ظاهر العبارة وغيرها ، بل صريح بعضها ، إلّا أن ينضم إلى‏ النية قصد التشريع فيحرم من جهته ، فلا بدّ من ذكر هذا القيد في الدليل.
    ثم إن ما أفاده الدليل من الفساد هو ظاهر كل من منع من الأصحاب على‏ ما يظهر من المختلف وصرّح به (4) ، وكذا الشهيدان في الدروس واللمعتين (5) ، وعلّله ثانيهما بالنهي المفسد للعبادة ، وغيره بفساد النية ،
1 ـ الحدائق 14 : 431.
2 ـ الخلاف 2 : 261.
3 ـ كشف اللثام 1 : 284.
4 ـ المختلف : 261.
5 ـ الدروس 1 : 334 ، اللمعة ( الروضة البهية ) : 219.
رياض المسائل الجزء السادس ::: فهرس