رياض المسائل الجزء السادس ::: 151 ـ 165
(151)
لكونها غير مشروعة ، وهو يستلزم فساد العمل ، وخصوصاً الإحرام الذي عمدته النية (1).
    لكنه فصلّ فقال : والتحقيق أنه إن جمع في النية على‏ أنه محرم بهما الآن وأن ما يفعله من الأفعال أفعال لهما ، أو على‏ أنه محرم بهما الآن ولكن الأفعال متمايزة إلّا أنه لا يحلّ إلّا بعد إتمام مناسكهما جميعاً ، أو على‏ أنه محرم بالعمرة أوّلاً مثلاً ثم بالحج بعد إتمام أفعالها من غير إحلال في البين ، فهو فاسد ، مع احتمال صحة الأخير ، بناءً على‏ أن عدم تخلل التحلل غير مبطل ، بل يقلّب العمرة حجّاً.
    وإن جمع بمعنى أن قصد من أول الأمر الإتيان بالعمرة ، ثم الإحلال ، ثم بالحج ، أو بالعكس ، فلا شبهة في صحة النية وأوّل النسكين ، إلّا من جهة مقارنة النية للتلبية إن كانت كتكبيرة الإحرام في الصلاة ، فإن جدّد للنسك الآخر نيّةً صحّ أيضاً وإلّا فلا.
    ثم قال : وفي الخلاف : إذا قرن بين العمرة والحج في إحرامه لم ينعقد إحرامه إلّا بالحج ، فإن أتى بأفعال الحج لم يلزمه دم ، وإن أراد أن يأتي بأفعال العمرة ويحل ويجعلها متعة جاز ذلك ويلزمه الدم.
    وبمعناه ما في المبسوط من أنه متى أحرم بهما يمضي في أيّهما شاء.
    وما في الجامع من أنه إن كان فرضه المتعة قضى العمرة ثم حجّ وعليه دم ، وإن كان فرضه الحج فعله ولا دم عليه.
    وكأنهما أرادا المعنى‏ الأخير ، وأنّ قصده إلى‏ ثاني النسكين عزم لا نية ،
1 ـ كشف اللثام 1 : 284.

(152)
ولا ينافي صحة الأول ونيته.
    وإن أرادا أحد المعنيين الأوّلين بناءً على‏ أن الإحرام بهما إحرام بأحدهما وزيادة ، فغاية الأمر إلغاء الزائد لا إبطالهما جميعاً ، فيرد عليهما أنه نوى‏ عبادةً مبتدعةً ، كما إذا نوى‏ ركعة من صلاته أنها من صلاتي الظهر والعصر جميعاً.
    وإن أرادا المعنى‏ الباقي احتمل البطلان لأن الذي قصده من عدم التحلل في البين مخالف للشرع ، والصحة بناءً على‏ أنه أمر خارج عن النسك ، والواجب إنما هو نيته ، ولا ينافيها نية خارج مخالف للشرع ، بل غايتها اللغو ؛ مع أن عدم التحلل في البين مشروع في الجملة ، لأنه لا يبطل العمرة بل يقلّبها حجة (1). انتهى‏.
    ومرجعه إلى‏ تحقيق موضوع المسألة ، وأن المراد بالقِران ما هو ؟ والظاهر من كلمة القوم أنه المعنيان الأوّلان ، لا الأخيران ، مع أن النية فيهما بالإضافة إلى‏ النسك الثاني عزم لا نية ، وقد أشار هو إليه أيضاً ، فلا يرتبطان بموضع مسألتنا ، فرجع حاصل البحث إلى‏ الفساد كما أطلقه القوم.
    ولعلّ المقصود من هذا التحقيق الإشارة إلى‏ عدم القطع بمخالفة الشيخ في الفساد في محل البحث ، لاحتمال إرادته المعنيين الأخيرين الخارجين عنه.
    واعلم أنه يستفاد من بعض الأصحاب اتّحاد هذه المسألة مع المتقدمة في الفرق بين القارن والمفرد ، حيث لم يشبع الكلام هنا بل أحال إلى‏ ما مضى (2)
1 ـ كشف اللثام 1 : 284.
2 ـ وهو صاحب المدارك 7 : 212.


(153)
وهو كما ترى فإنّ مورد هذه المسألة حرمة القِران أو جوازه كما عليه الإسكافي والعماني (1) ، وتلك إن الفارق بين المفرد والقارن ما هو ، من غير نظر إلى‏ جواز القران بهذا المعنى‏ وعدمه.
    ( ولا إدخال أحدهما على‏ الآخر ) بأن ينويه قبل الإحلال من الآخر وإتمام أفعاله ، أتمّ الأفعال بعد ذلك أولا ، لأنه بدعة وإن جاز نقل النية من أحدهما إلى‏ الآخر اضطراراً ، أو مطلقاً ، وحكمنا بانقلاب العمرة حجة مفردة إن أحرم بالحج قبل التقصير.
    وكأنّ الحكم إجماعي كما ذكره جماعة (2) ، وحكاه بعضهم عن الخلاف والسرائر (3) ، وهو الحجة المعتضدة ـ بعدما مرّ ـ بالصحيح الوارد في الفاعل ذلك ناسياً أنه يستغفر اللَّه تعالى‏ (4).
1 ـ حكاه عن الاسكافي في الدروس 1 : 329 ، وعن العماني في المختلف : 259.
2 ـ منهم : الشهيد الثاني في المسالك 1 : 103 ، وصاحب المدارك 7 : 212 ، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 284.
3 ـ حكاه عنهما في كشف اللثام 1 : 284.
4 ـ الكافي 4 : 440/2 ، التهذيب 5 : 91/299 ، الاستبصار 2 : 175/579 ، الوسائل 12 : 411 أبواب الاحرام ب 54 ح 3.


(154)
( المقدمة الرابعة : )
( في ) تعيين ( المواقيت )
    أي الأمكنة المحدودة شرعاً للإحرام ، بحيث لا يجوز لأهلها من غيرها اختياراً ، إلّا إذا لم يؤدّ الطريق إليها.
    ( وهي ستة ) في المشهور بين الأصحاب ، كما في المسالك (1) ، ولكن اختلفت عبائرهم في التعبير عن السادس بعد الاتفاق على‏ الخمسة الاُول ، وهي إلى‏ قَرن المنازل ، فجعل في عبارة دويرة الأهل (2) ، وفي اُخرى‏ بدلها مكة لحج التمتع (3) ، وفي ثالثة ذكرا معاً (4).
    فتصير المجموع سبعة مع أنها فُرضت ستة ، فيحتمل كون الزائد عليها منها دويرة الأهل كما يفهم من بعض ، قال : لأن المنزل الأقرب غير محدود (5).
    ويفهم من الشرائع كونه الآخر حيث عدّ من الستة الدويرة بدله (6).
    وربما حُصرت في عشرة ، وهي مجموع السبعة ومحاذاة الميقات لمن لم يمرّ به وحاذاه ، وأدنى الحلّ أو مساواة أقرب المواقيت إلى‏ مكة لمن لم يحاذ ، وفَخّ لإحرام الصبي (7).
1 ـ المسالك 1 : 103.
2 ـ كما في النهاية : 211 ، والسرائر 1 : 529.
3 ـ الروضة البهية 2 : 225.
4 ـ راجع القواعد 1 : 79 ، ومفاتيح الشرائع 1 : 310.
5 ـ كشف اللثام 1 : 304.
6 ـ الشرائع 1 : 241.
7 ـ كما في الدروس 1 : 340.


(155)
    وفي المنتهى‏ والتحرير (1) اقتصر على‏ الخمسة ، وهو المستفاد من جملة من الصحاح :
    منها : « الإحرام من مواقيت خمسة وقّتها رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، لا ينبغي لحاجّ ولا معتمر أن يحرم قبلها ولا بعدها ، وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة وهو مسجد الشجرة يصلي فيه ويفرض الحج ، ووقّت لأهل الشام الجحفة ووقّت لأهل نجد العقيق ، ووقّت لأهل الطائف قَرن المنازل ، ووقّت لأهل اليمن يلملم » الخبر (2).
    وقريب منه آخر ، وفيه : « ومن تمام الحج والعمرة أن يحرم من المواقيت التي وقّتها رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، لا تجاوزها إلّا وأنت محرم ، فإنه وقّت لأهل العراق ـ ولم يكن يومئذ عراق ـ بطن العقيق من قبل أهل العراق ، ووقّت لأهل اليمن يلملم ، ووقّت لأهل الطائف قرن المنازل ، ووقّت لأهل المغرب الجحفة وهي مَهْيَعة ، ووقّت لأهل المدينة ذا الحليفة ، ومن كان منزله خلف هذه المواقيت ممّا يلي مكة فوقته منزله » (3) فتدبر.
    وهي ـ أي الخمسة بل الستة ـ مجمع عليها بين الطائفة ، كما صرّح به جماعة (4) ، بل العلماء كافة ، إلّا مجاهد في دويرة الأهل فجعل بدلها مكة ، وأحمد في إحدى‏ الروايتين في مكة لحج التمتع ، فقال : بدله يخرج من‏
1 ـ المنتهى 2 : 665 ، التحرير 1 : 94.
2 ـ الكافي 4 : 319/2 ، الفقيه 2 : 198/903 ، التهذيب 5 : 55/167 ، الوسائل 11 : 308 أبواب المواقيت ب 1 ح 3.
3 ـ الكافي 4 : 318/1 ، التهذيب 5 : 54/166 ، علل الشرائع : 434/2 ، الوسائل 11 : 307 أبواب المواقيت ب 1 ح 2.
4 ـ منهم : العلامة في التذكرة 1 : 320 ؛ وصاحب المدارك 7 : 215 ، الفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 304.


(156)
الميقات فيحرم منه ، كما في المنتهى‏ (1) ، ولم ينقل خلافاً من أحد في شي‏ء من الخمسة ، بل قال بعد عدّها : وهو قول علماء الإسلام ، ولكن اختلفوا في وجه ثبوته ، أمّا الأربعة الأُول ـ وأشار بها إلى‏ ما عدا العقيق ـ فقد اتفقوا [ أهل العلم ] على‏ أنها منصوصة عن الرسول صلى الله عليه وآله وأنها مأخوذة بالتوقيف عنه صلى الله عليه وآله (2).
    أقول : والنصوص من طرقنا بالجميع ـ زيادةً على‏ ما مرّ ـ مستفيضة ، سيأتي إلى‏ جملة منها الإشارة.
    فـ ( لأهل العراق العقيق ) وهو في اللغة كلّ وادٍ عقّه السيل ، أي شقّه ، فأنهره ووسّعه ، وسمّي به أربعة أودية في بلاد العرب ، أحدها الميقات ، وهو واد يندفق سيله في غوريّ تِهامة ، كما عن تهذيب اللغة (3).
    ( و ) المشهور أن ( أفضله المسلح ) (4) وليس في ضبطه شي‏ء يعتمد عليه ، وفي التنقيح وعن فخر الإسلام (5) أنه بالسين والحاء المهملتين ، واحد المسالح ، وهي المواضع العالية. وقيل : بالخاء المعجمة ، لنزع الثياب (6).
    ( و ) أنه يليه في الفضل ( أوسطه غَمرة ) بالغين المعجمة والراء المهملة والميم الساكنة ، منهلة من مناهل طريق مكة ، وهي فصل ما بين‏
1 ـ المنتهى 2 : 667 ، ونقله عن مجاهد وأحمد في المغني والشرح الكبير3 : 217 ، 219.
2 ـ المنتهى 2 : 665.
3 ـ تهذيب اللغة 1 : 59.
4 ـ في « ك » : المسلخ.
5 ـ التنقيح الرائع 1 : 446 ، ونقله عن فخر الاسلام في كشف اللثام 1 : 304.
6 ـ كما حكاه في المسالك 1 : 103.


(157)
نجد وتهامة ، كما عن الأزهري (1). وفي التنقيح وعن فخر الإسلام (2) أنها سمّيت بها لزحمة الناس فيها.
    ( و ) أن ( آخره ذات عرق ) بعين مهملة مكسورة فراء مهملة ساكنة ، وهو الجبل الصغير ، وبه سميت ، كما عن النهاية الأثيرية (3). وفي التنقيح وعن فخر الإسلام (4) أنها سمّيت بذلك لأنها كان بها عِرق من الماء ، أي قليل.
    ويجوز الإحرام منها عندهم اختياراً للخبرين ، في أحدهما : « حدّ العقيق أوّله المسلخ وآخره ذات عِرق » (5).
    وفي الثاني : « وقّت رسول صلى الله عليه وآله لأهل العراق العقيق ، وأوله المسلخ ، وأوسطه غمرة ، وآخره ذات عرق ، وأوّله أفضله » (6).
    ونحوه الرضوي إلّا أن بعده بأسطر : « ولا يجوز الإحرام قبل بلوغ الميقات ، ولا يجوز تأخيره عن الميقات إلّا لعليل أو تقية [ فإذا كان الرجل عليلاً أو اتّقى‏ ، فلا بأس بأن يؤخّر الإحرام إلى‏ ذات عرق ] » (7).
    وبظاهره أخذ والد الصدوق كما في المختلف (8) ، وتبعه الشهيد في الدروس وزاد الشيخَ في النهاية (9) ، وعزاه بعض متأخري الأصحاب إلى‏
1 ـ تهذيب اللغة 8 : 129.
2 ـ التنقيح 1 : 446 ، ونقله عن فخر الاسلام في كشف اللثام 1 : 305.
3 ـ النهاية 3 : 219.
4 ـ التنقيح 1 : 447 ، ونقله عن فخر الاسلام في كشف اللثام 1 : 305.
5 ـ التهذيب 5 : 56/171 ، الوسائل 11 : 313 أبواب المواقيت ب 2 ح 7.
6 ـ الفقيه 2 : 199/907 ، الوسائل 11 : 313 أبواب المواقيت ب 2 ح 9.
7 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 216 ، المستدرك 8 : 104 أبواب المواقيت ب 3 ح 1. أضفنا ما بين المعقوفين من المصدر.
8 ـ المختلف : 262.
9 ـ الدروس 1 : 340 و 341 ، النهاية : 210.


(158)
الصدوق أيضاً في المقنع والهداية (1).
    واستدل لهم بالصحيح : « وقّت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لأهل المشرق العقيق نحواً من بريدين ، ما بين بريد البعث إلى‏ غَمرة ، ووقّت لأهل المدينة ذا الحليفة ، ولأهل نجد قرن المنازل ، ولأهل الشام الجحفة ، ولأهل اليمن يلملم ».
    والصحيح : « أول العقيق بريد البعث ، وهو دون المسلخ بستة أميال ممّا يلي العراق ، وبينه وبين غمرة أربعة وعشرون ميلاً بريدان » (3).
    والخبر : « حدّ العقيق ما بين المسلخ إلى‏ عقبة غمرة » (4).
    وربما يميل إليه بعض متأخري المتأخرين ، قال : ولا يبعد عندي حمل الخبرين المشار إليهما على‏ التقية (5) للصحيح المروي في الاحتجاج عن مولانا صاحب الزمان عليه السلام : عن الرجل يكون مع بعض هؤلاء ويكون متصلاً بهم ، يحجّ ويأخذ عن الجادة ولا يحرم هؤلاء من المسلخ ، فهل يجوز لهذا الرجل أن يؤخر إحرامه إلى‏ ذات عرق فيحرم معهم لما يخاف من الشهرة ، أم لا يجوز أن يحرم إلّا من المسلخ ؟ فكتب إليه في الجواب : « يحرم من ميقاته ثم يلبس الثياب ويلبّي في نفسه ، فإذا بلغ إلى‏ ميقاتهم أظهره » (6).
1 ـ كشف اللثام 1 : 305 ؛ وانظر المقنع : 69 ، والهداية : 55.
2 ـ التهذيب 5 : 56/170 ، الوسائل 11 : 309 أبواب المواقيت ب 1 ح 6.
3 ـ الكافي 4 : 321/10 ، التهذيب 5 : 57/175 ، الوسائل 11 : 312 أبواب المواقيت ب 2 ح 2.
4 ـ الكافي 4 : 320/5 ، الوسائل 11 : 312 أبواب المواقيت ب 2 ح 5.
5 ـ الحدائق 14 : 440.
6 ـ الاحتجاج 484 ، الوسائل 11 : 313 أبواب المواقيت ب 2 ح 10.


(159)
    وفيه نظر ، أمّا أوّلاً فلفقد التكافؤ بين الأخبار لاشتهار الخبرين بين الأصحاب بحيث كاد أن يكون إجماعاً ، كما يشعر به كلمات جملة من الأصحاب ، حيث إنهم لم ينقلوا الخلاف مع أن ديدنهم نقله حيث كان.
    وآخرون منهم عزوا مضمونهما إلى‏ الأصحاب والمعروف بينهم (1) ، مشعرين بدعوى‏ الإجماع عليه ، كما في صريح الناصرية والخلاف والغنية (2) ، فتشذّ الروايات المقابلة.
    مع ظهورها أجمع في خروج غمرة أيضاً ، كذات عرق ، ولم يقل به أحد من الطائفة.
    مضافاً إلى‏ قصور دلالة الصحيح الثاني منها على‏ الخروج مطلقاً ، وعدم دلالته عليه بالكلية ، وتضمنه أن أول العقيق دون المسلخ ، وهو خلاف ما اتّفقت عليه كلمة الأصحاب والأخبار وضعف سند الرواية بعده.
    وثانياً : بأن أحد الخبرين والرضوي مصرِّحان بأن العقيق من المواقيت المنصوصة عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، وأن أفضله المسلخ ، وهما مخالفان لمذهب العامة (3) ، ومن متفردات الإمامية.
    وحينئذ فيتعيّن الجمع بينهما بحمل هذه الروايات على‏ أن المراد أن ذات عرق وإن كانت من العقيق إلّا أنها لمّا كانت ميقات العامة ، وكان الفضل إنما هو فيما قبلها ، فالتأخير إليها وترك الفضل إنما يكون لعذر من علّة أو تقية.
    ويشير إليه كلام الحلّي في السرائر ، فإنه قال : ووقّت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله
1 ـ كالعلامة في المنتهى 2 : 666 ، وصاحب المدارك 7 : 216 ؛ وانظر الحدائق 14 : 440.
2 ـ الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : 208 ، الخلاف 2 : 283 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 574.
3 ـ انظر المغني والشرح الكبير 3 : 214.


(160)
لأهل كل صُقع ولمن حجّ على‏ طريقهم ميقاتاً ، فوقّت لأهل العراق العقيق ، فمن أيّ جهاته وبقاعه أحرم ينعقد الإحرام منها ، إلّا أن له ثلاثة أوقاتٍ ، أولها المسلخ ، وهو أفضلها عند ارتفاع التقية ، وأوسطها غمرة ، وهي تلي المسلخ في الفضل مع ارتفاع التقية ، وآخرها ذات عرق ، وهي دونها في الفضل ، إلّا عند التقية والشناعة والخوف فذات عرق هي أفضلها في هذه الحال ، ولا يتجاوز ذات عرق إلّا محرماً (1). انتهى‏.
    ويحتمل ذلك كلام المخالفين في المسألة ، ولعلّه لذا لم يجعلهم الفاضل والشهيد مخالفين صريحاً ، بل قال الأول : وكلام علي بن بابويه يشعر (2). والثاني : وظاهر علي بن بابويه والشيخ في النهاية (3).
    هذا ، ولا ريب أن الأحوط عدم التأخير إلى‏ ذات عرق ، بل ولا إلى‏ غمرة لما عرفته من دلالة بعض الصحاح على‏ خروجها من العقيق أيضاً ، ولمّا لم يوجد قائل به كان الإحرام منها أفضل من الإحرام من ذات عرق ، وهي دونها في الفضل ، لوجود قائل بخروجها أو عدم جواز الإحرام منها اختياراً ، ولعلّه الوجه في أفضلية غمرة من ذات عرق مضافاً إلى‏ ما فيه من المشقة اللازمة لزيادة الأجر والمثوبة ، وإلّا فلم نجد من النصوص ما يدل عليها ، لدلالتها على‏ أفضلية المسلخ خاصة.
    ( ولأهل المدينة مسجد الشجرة ) كما هنا وفي الشرائع والإرشاد والقواعد والمقنعة والناصرية (4) ، وعن جمل العلم والعمل والكافي‏
1 ـ السرائر 1 : 528.
2 ـ الفاضل في المختلف : 262.
3 ـ الشهيد في الدروس 1 : 340.
4 ـ الشرائع 1 : 241 ، الارشاد 1 : 315 ، القواعد 1 : 79 ، المقنعة : 394 ، الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : 208.


(161)
والإشارة (1) ، وفيها أنه ذو الحليفة.
    وفي الغنية والسرائر والمنتهى‏ والتحرير (2) ، وعن المعتبر والمهذّب وكتب الشيخ والصدوق والقاضي والديلمي والتذكرة (3) : أن ميقاتهم ذو الحليفة ، وأنه مسجد الشجرة ، كما في بعض الصحاح المتقدّمة (4).
    ونحوه الآخر المروي عن قرب الإسناد ، وفيه : « وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة وهي الشجرة » (5).
    والخبر المروي عنه أيضاً : « ولأهل المدينة ومن يليها الشجرة » (6).
    ويعضدها المرسل المروي عن العلل : قلت لأبي عبد اللَّه : لأي علة أحرم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله من مسجد الشجرة ولم يحرم من موضع دونه ؟ فقال : « لأنه لما اسري به إلى‏ السماء وصار بحذاء الشجرة نودي : يا محمّد ، قال صلى الله عليه وآله : لبيك ، قال : ألم أجدك يتيماً فآويتك ، ووجدتك ضالّاً فهديتك ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : إن الحمد والنعمة لك لا شريك لك ، فلذلك أحرم من الشجرة دون المواضع كلّها » (7).
    وفي اللمعة وعن الوسيلة (8) أن الميقات ذو الحليفة ، ولم يزيدا عليه‏
1 ـ جمل العلم والعمل ( رسائل السيد المرتضي ) 3 : 64 ، الكافي في الفقه : 202 ، اشارة السبق : 125.
2 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 574 ، السرائر 1 : 528 ، المنتهى 2 : 665 ، التحرير 1 : 94.
3 ـ المعتبر 2 : 802 ، المهذب 1 : 213 ، الشيخ في النهاية : 210 ، والمبسوط 312 : 1 ، والاقتصاد : 300 ، الصدوق في المقنع : 69 ، والهداية : 55 ، والفقيه 198 : 2 ، القاضي في شرح الجمل : 213 ، الديلمي في المراسم : 107 ، التذكرة 1 : 320.
4 ـ في ص : 155.
5 ـ قرب الإسناد : 164/599 ، الوسائل 11 : 309 أبواب المواقيت ب 1 ح 7.
6 ـ قرب الإسناد : 244/970 ، الوسائل 11 : 310 أبواب المواقيت ب 1 ح 9.
7 ـ علل الشرائع : 433/1 ، الوسائل 11 : 311 أبواب المواقيت ب 1 ح 13.
8 ـ اللمعة ( الروضة البهية ) : 224 ، الوسيلة : 160.


(162)
شيئاً ، كما في الصحاح المستفيضة (1).
    ومقتضى الجمع بينها وبين السابقة تعيّن الإحرام من المسجد.
    خلافاً للشهيدين والمحقّق الثاني (2) فجعلوه أفضل وأحوط ، وصرّح الأخير بأن جواز الإحرام من الموضع كلّه مما لا يكاد يدفع.
    وفيه ـ بعد ما عرفت من توافق الأخبار على‏ خلافه ـ نظر ، سيّما مع اعتضاده بعمل الأكثر ، بل في ظاهر الناصرية والغنية ـ بعد التعبير بما مرّ ـ الإجماع ، فتأمل.
    وبالصحيح ـ مضافاً إلى‏ ما مرّ ـ : « من أقام بالمدينة شهراً وهو يريد الحج ثم بدا له أن يخرج في غير طريق أهل مدينة الذي يأخذونه ، فليكن إحرامه من مسيرة ستة أميال فيكون حذاء الشجرة من البيداء » (3).
    وأما الصحيح : « وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة وهو مسجد الشجرة كان يصلي فيه ويفرض الحج ، فإذا خرج من المسجد وسار واستوت به البيداء حين يحاذي الميل الأول أحرم » (4) فليس فيه دلالة على‏ جواز الإحرام من خارج المسجد ، كما ربما يفهم من الذخيرة (5) ، إلّا على‏ تقدير أن يراد من الإحرام فيه معناه الحقيقي ، وليس قطعاً ، لمنافاته لصدره (6) ، بل المراد
1 ـ الوسائل 11 : 307 أبواب المواقيت ب 1.
2 ـ الشهيد الأول في الدروس 1 : 340 ، الشهيد الثاني في الروضة 2 : 224 ، المحقق الثاني في جامع المقاصد 3 : 158.
3 ـ الكافي 4 : 321/9 ، التهذيب 5 : 57/178 ، الوسائل 11 : 317 أبواب المواقيت ب 7 ح 1.
4 ـ الفقيه 2 : 198/903 ، الوسائل 11 : 308 أبواب المواقيت ب 1 ح 4.
5 ـ الذخيرة : 576.
6 ـ وهو : قوله : « كان يفرض فيه الحج » وتفسير ذي الخليفة الذي هو الميقات اجماعاً فتويً ونصاً بمسجد الشجرة. ( منه رحمه الله )


(163)
به إمّا التلبية نفسها كما قيل (1) ، أو الإجهار بها كما عن المتأخرين.
    وحيث قد تعيّن الإحرام من المسجد فلو كان المحرم جنباً أو حائضاً أحرما به مجتازين لحرمة اللبث.
    وإن تعذّر فهل يحرمان من خارجه ، كما صرّح به جماعة (2) ، من غير مخالف لهم أجده ، أم يؤخرانه إلى‏ الجحفة ؟ إشكال ، من وجوب قطع المسافة من المسجد إلى‏ مكة محرماً ، ومن كون العذر ضرورة مبيحة للتأخير إلى‏ الجحفة.
    والأحوط الإحرام منهما وإن كان ما ذكره الجماعة لا يخلو عن قوة لمنع عموم الضرورة في الفتوى‏ والرواية لمثل هذا ، سيّما مع التصريح في جملة منها في بيانها بمثل المرض والمشقة الحاصلة من نحو البرد والحرّ.
    هذا ميقاتهم اختياراً.
    ( وعند الضرورة ) المفسَّر بما عرفته ( الجُحفة ) بجيم مضمومة فحاء مهملة ففاء ، على‏ سبع مراحل من المدينة وثلاث من مكة ، كما عن بعض أهل اللغة (3) ، وعنه : أن بينها وبين البحر نحو ستة أميال ، وعن غيره ميلان ، قيل : ولا تناقض ، لاختلاف البحر باختلاف الأزمنة (4).
    وفي القاموس : كانت قرية جامعة على‏ اثنين وثلاثين ميلاً من مكة (5).
    وفي المصباح المنير : منزل بين مكة والمدينة قريب من رابع بين بدر
1 ـ انظر الوافي 12 : 481.
2 ـ منهم صاحب المدارك 7 : 219 ، السبزواري في الذخيرة : 576 ، صاحب الحدائق 14 : 443.
3 ـ نقله في كشف اللثام 1 : 305 عن تحرير النووي وتهذيبه.
4 ـ كشف اللثام 1 : 305.
5 ـ القاموس المحيط 3 : 125.


(164)
وخُلَيص (1).
    والأصل في الحكم بعد عدم خلاف فيه أجده ـ وبه صرّح في الذخيرة (2) ، بل الإجماع كما في المدارك (3) المعتبرة المستفيضة (4).
    وليس في شي‏ء منها التقييد بحال الضرورة ، كما فعله الأصحاب بغير خلاف ظاهر ولا محكي ، إلّا من ظاهر الوسيلة والجعفي (5) فأطلقاها ، كما هو ظاهر الصحاح منها.
    نعم ، ربما أشعر به الحسن : « وقد رخّص رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لمن كان مريضاً أو ضعيفاً أن يحرم من الجحفة » (6).
    وقريب منه الموثق (7).
    لكن في تقييد الصحاح بهما إشكال لعدم الصراحة التي هي مناط التخصيص والتقييد.
    إلّا أن يقال : دلالة الصحاح على‏ العموم ليست بذلك الوضوح أيضاً ، فيشكل الخروج به عن الأدلة الدالة على‏ تأقيت ذي الحليفة من الفتوى‏ والرواية والإجماعات المنقولة ، الظاهرة في عدم جواز العدول عنها مطلقاً ولو مع الضرورة ، لكنها خرجت اتفاقاً ، فتوىً وروايةً ، وبقي حال الاختيار تحتها مندرجة.
1 ـ المصباح المنير : 91.
2 ـ الذخيرة : 576.
3 ـ المدارك 7 : 219.
4 ـ الوسائل 11 : 316 أبواب المواقيت ب 6.
5 ـ الوسيلة : 160 ، وحكاه عن الجعفي في الدروس 1 : 493.
6 ـ الكافي 4 : 324/3 ، الوسائل 11 : 317 أبواب المواقيت ب 6 ح 5.
7 ـ التهذيب 5 : 57/176 ، الوسائل 11 : 317 أبواب المواقيت ب 6 ح 4.


(165)
    فإذاً الأحوط مراعاة الضرورة ، سيّما مع اشتهارها بين الأصحاب شهرة عظيمة.
    وهل التقييد بالضرورة مطلق ، فلا يجوز سلوك طريق لا يؤديه إلى‏ ذي الحليفة اختياراً ، كما احتمله بعض (1) لإطلاق الأخبار بكونه ميقاتاً ، مع النهي عن الرغبة عن مواقيته عليه السلام. أو مقيّد بما إذا مرّ به ، كما في الدروس والمدارك وغيرهما (2) ؟ وجهان.
    ولعلّ الثاني أقوى للأصل ، وعموم جواز الإحرام من أيّ ميقات يتّفق المرور عليه ولو لغير أهله ، مع اختصاص الإطلاق المتقدم بحكم التبادر وغيره بصورة القيد.
    ثم على‏ التقييد السابق لا ريب في حصول الإثم بالتأخير اختياراً. وهل يصحّ الإحرام حينئذ؟ وجهان ، قطع بأوّلهما في المدارك تبعاً للدروس (3) ، وتأمل فيه بعض (4). ولا يخلو عن وجه.
    ( وهي ) أي الجحفة ( ميقات أهل الشام اختياراً ) كما في الصحاح المستفيضة (5) ، وفي جملة منها : إنها ميقات أهل المغرب ومصر أيضاً (6) ، وبه أفتى‏ جماعة (7).
1 ـ اُنظر كشف اللثام 1 : 306.
2 ـ الدروس 1 : 341 ، المدارك 7 : 220 ، وانظر كشف اللثام 1 : 306.
3 ـ المدارك 7 : 220 ، الدروس 1 : 341.
4 ـ انظر مجمع الفائدة 6 : 183 والحدائق 14 : 446.
5 ـ اُنظر الوسائل 11 : 308 ، 309 أبواب المواقيت ب 1 الأحاديث 3 ، 5 ـ 12.
6 ـ الوسائل 11 : 307 و309 أبواب المواقيت ب 1 الأحاديث 1 ، 2 ، 5.
7 ـ منهم : صاحب المدارك 7 : 221 ، والسبزواري في الذخيرة : 576 ، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 306.
رياض المسائل الجزء السادس ::: فهرس