رياض المسائل الجزء السادس ::: 166 ـ 180
(166 )
    ( ولـ ) أهل ( اليمن ) جبل يقال له : ( يَلَملَم ) وألملَم ، هو على‏ مرحلتين من مكة ، كما في القاموس وغيره (1).
    ( ولأهل الطائف قرن المنازل ) بفتح القاف وسكون الراء.
    قيل : خلافاً للجوهري فإنه فتحها ، وزعم أن أُويساً القَرَني بفتح الراء منسوب إليه ، واتّفق العلماء على‏ تغليطه فيهما ، وإنما أُويس من بني قرن بطن من مراد يقال له : قرن الثعالب ، وقرن بلا إضافة ، وهو جبل مشرف على‏ عرفات على‏ مرحلتين من مكة. وقيل : إن قرن الثعالب غيره ، وإنه جبل مشرف على‏ أسفل منى ، بينه وبين مسجدها ألف وخمسمائة ذراع ، والقرن : الجبل الصغير ، أو قطعة مفردة من الجبل ، وفي القاموس : إنه قرية من الطائف أو اسم الوادي كلّه وقيل : القرن بالإسكان : الوادي ، وبالفتح : الطريق (2).
    ومن لم يعرف أحد هذه المواقيت أجزأه أن يسأل الناس والأعراب عنها ، كما في الصحيح الوارد في العقيق (3).
    ( وميقات المتمتع لحجّه مكة ) إجماعاً فتوىً وروايةً ، كما تقدّم إليه الإشارة.
    ( وكلّ من كان منزله أقرب من الميقات ) إلى‏ مكة كما في النصوص المستفيضة المتقدم إلى‏ بعضها الإشارة ، وفيها الصحيح وغيره ( فميقاته منزله ).
    واعتبار القرب إلى‏ مكة ـ كما فيها ـ محكي عن النهاية والمبسوط
1 ـ القاموس 4 : 179 ، وانظر المصباح المنير : 19.
2 ـ كشف اللثام 1 : 306.
3 ـ الفقيه 2 : 198/905 ، الوسائل 11 : 315 أبواب المواقيت ب 5 ح 1.


(167)
والمهذّب والجمل والعقود والسرائر وشرح القاضي لجمل العلم والعمل (1) ، واختاره جماعة من المتأخرين ومتأخريهم (2). وهو الأقرب.
    خلافاً للمحكي عن الماتن في موضع من المعتبر فإلى‏ عرفة وأطلق (3) ، وتبعه في اللمعة في الحج وقطع (4) ، واستوجهه شيخنا الشهيد الثاني في المسالك والروضة لولا النصوص مصرّحاً باعتبارها في العمرة ، قال : لأن الحج بعد الإهلال به من الميقات لا يتعلق الغرض فيه بغير عرفات ، بخلاف العمرة ، فإن مقصدها بعد الإحرام مكة ، فينبغي اعتبار القرب فيها إلى‏ مكة (5). انتهى‏.
    ثم إن أهل مكة على‏ هذا القول يحرمون من منازلهم لأنها أقرب إلى‏ عرفات من الميقات ، كما ذكره جماعة (6).
    ويشكل على‏ المختار إذ لا دليل عليه من الأخبار ، لأن الأقربية لا تتم ، لاقتضائها المغايرة. ولكنه مشهور بين الأصحاب ، كما ذكره جماعة (7) ، بل زاد بعضهم فنفى‏ الخلاف فيه بينهم (4) ، مشعراً بدعوى‏
1 ـ النهاية : 211 ، المبسوط 1 : 313 ، المهذب 1 : 214 ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 226 ، السرائر 1 : 529 ، شرح جمل العلم والعمل : 214.
2 ـ منهم : المحقق الثاني في جامع المقاصد 3 : 159 ، والشهيد الثاني في المسالك 1 : 104 ، وصاحب المدارك 7 : 223 ، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 306 ، وصاحب الحدائق 14 : 450.
3 ـ المعتبر 2 : 786.
4 ـ اللمعة ( الروضة البهية ) 2 : 210.
5 ـ المسالك 1 : 104 ، الروضة 2 : 211.
6 ـ منهم : الشهيد الثاني في الروضة 2 : 211 ، وصاحب المدارك 7 : 223 ، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 306.
7 ـ منهم : الفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 310 ، والسبزواري في الذخيرة : 576.
8 ـ الحدائق 14 : 450.


(168)
الإجماع ، كما حكاه في الذخيرة عن التذكرة (1).
    قيل (2) : ويؤيده ما روي عن النبي صلى الله علهي وآله من قوله : « فمن كان دونهن فمهلّه من أهله » (3).
    أقول : ونحوه أو قريب منه المرسل المروي في الفقيه : عن رجل منزله خلف الجحفة من أين يحرم ؟ قال : « من منزله » (4).
    لكن في الصحيحين الواردين في المجاور أمره بالإحرام بالحج من الجعرانة (5) ، سواء انتقل فرضه إلى‏ فرض أهله أم لا ، إلّا أن يقيد بالأخير ، أو يجعل ذلك من خصائص المجاور كما قيل (6).
    ( وكل من حج ) أو اعتمر ( على‏ طريق ) كالشامي يمرّ بذي الحليفة ( فميقاته ميقات أهله ) بغير خلاف أجده ، وبه صرّح في الذخيرة (7) ، مشعراً بدعوى‏ الإجماع عليه ، كما في عبائر جماعة (8) ، بل في المنتهى‏ إنه لا يعرف فيه خلافاً (9) ، مشعراً بدعوى‏ الإجماع عليه من الخاصة والعامة.
    للنبوي : ( هنّ لهنّ ولمن أتى عليهنّ من غير أهلهن ) (10) وبمعناه‏
1 ـ الذخيرة : 572.
2 ـ كشف اللثام 1 : 306.
3 ـ سنن البيهقي 5 : 29.
4 ـ الفقيه 1 : 199/911 ، الوسائل 11 : 335 أبواب المواقيت ب 17 ح 6.
5 ـ الكافي 4 : 300/5 ، و302/9 ، الوسائل 11 : 267 أبواب أقسام الحج ب 9 ح 5 ، 6.
6 ـ انظر الحدائق 14 : 540.
7 ـ الذخيرة : 576.
8 ـ منهم : صاحبا المدارك 7 : 226 ، والحدائق 14 : 455.
9 ـ المنتهى 2 : 667.
10 ـ سنن البيهقي 5 : 29.


(169)
الصحيح (1) وغيره (2).
    ولانتفاء العسر والحرج في الشريعة.
    ولو حج إلى‏ طريق لا يفضي إلى‏ أحد المواقيت ـ كالبحر مثلاً ـ أحرم عند محاذاة أقربها إلى‏ طريقه ؛ لأصالة البراءة من المسير إلى الميقات ، واختصاص نصوص المواقيت في غير أهلها بمن أتاها.
    وللصحيح في المدني : « يخرج في غير طريق المدينة ، فإن كان حذاء الشجرة مسيرة ستة أميال فليحرم منها » (3).
    ولكن في الكافي بعد نقله : وفي رواية : ( يحرم من الشجرة ثم يأخذ أيّ طريق شاء ) (4).
    لكنها مرسلة ، فلا تعارض الرواية الصحيحة ، سيّما مع اعتضادها بالأصل ، ونفي الحرج في الشريعة ، والشهرة العظيمة في الجملة ، إذ لم نجد مخالفاً في المسألة عدا الماتن في ظاهر الشرائع ، حيث عزا الحكم إلى‏ القيل (5) ، مشعراً بتمريضه أو توقفه فيه ، وتبعه فيه جماعة من المتأخرين (6). ولا وجه له بعد ما عرفته.
    كما لا وجه لاعتبار الأقرب إلى‏ مكة ، كما في القواعد وغيره (7). ولا
1 ـ الكافي 4 : 323/2 ، الوسائل 11 : 331 أبواب المواقيت ب 15 ح 1.
2 ـ التهذيب 5 : 57/179 ، الوسائل 11 : 332 أبواب المواقيت ب 15 ح 2.
3 ـ الفقيه 2 : 200/913 ، الوسائل 11 : 318 أبواب المواقيت ب 7 ح 3.
4 ـ الكافي 4 : 321/9 ، الوسائل 11 : 318 أبواب المواقيت ب 7 ح 2.
5 ـ الشرائع 1 : 241.
6 ـ منهم : صاحب المدارك 7 : 223 ، والسبزواري في الذخيرة : 577 ، وصاحب الحدائق 14 : 453.
7 ـ القواعد 1 : 79 ؛ وانظر الروضة 2 : 227.


(170)
للتخيير بين المحاذاة لأيّ ميقات كان ، كما عن الحلّي والإسكافي (1).
    ويكفي الظن بالمحاذاة ، كما عن المبسوط والجامع والتحرير والمنتهى‏ والتذكرة والدروس (2) للحرج ، والأصل.
    فإن ظهر التقدّم أعاد ، كما في الأخير قيل : لعدم جوازه مطلقاً (3).
    وإن ظهر التأخّر قيل : فالأظهر الإجزاء كما في غير الأولين للحرج ، وأصل البراءة ، لأنه كلّف باتّباع ظنه.
    وإن لم يكن له طريق إلى‏ علم أو ظن قيل : أحرم من بُعد بحيث يعلم أنه لم يجاوز الميقات إلّا محرماً ، كذا في التحرير والمنتهى‏. وفيه نظر ظاهر (4).
    ولو لم يحاذِ شيئاً منها قيل : يحرم من مساواة أقربها إلى‏ مكة ، وهو مرحلتان تقريباً لأنّ هذه المسافة لا يجوز لأحد قطعها إلّا محرماً (5).
    وقيل : من أدنى‏ الحلّ لأصالة البراءة من وجوب الزائد (6).
    وربما يستبعد الفرض بأن المواقيت محيطة بالحرم ، فذو الحليفة شامية ، ويلملم يمانية ، وقَرن شرقية ، والعقيق غربية ، فلا طريق لا تؤدي إلى‏ الميقات ولا إلى‏ المحاذاة ، إلّا أن يراد الجهل بالمحاذاة.
    ( ويجرّد الصبيان من فَخّ ) بفتح الفاء وتشديد الخاء ، وهو بئر
1 ـ الحلي في السرائر 1 : 529 ، ونقله عن الاسكافي في المختلف 263.
2 ـ المبسوط 1 : 313 ، الجامع للشرائع : 181 ، التحرير 1 : 95 ، المنتهى 1 : 671 ، التذكرة 1 : 322 ، الدروس 1 : 341.
3 ـ كشف اللثام 1 : 307.
4 ـ كشف اللثام 1 : 307.
5 ـ المسالك 1 : 104.
6 ـ استحسنه صاحب المدارك 7 : 224.


(171)
معروف على‏ نحو فرسخ من مكة ، على‏ ما ذكره جماعة (1) ، وعن القاموس أنه موضع بمكة (2) ، والنهاية الأثيرية موضع عندها (3).
    ولا خلاف في الحكم للصحيحين (4) وإن اختلفوا في المراد بالتجريد ، أهو الإحرام كما عن صريح الماتن في المعتبر (5) ، وقريب منه الفاضل في التحرير والمنتهى‏ (6) ، وأفتى به في الدروس (7) ، وقوّاه في المسالك وإن جعل الإحرام بهم من الميقات أولى‏ (8) ، وتبعه في الجواز جملة من المتأخرين (9) ، وعزاه بعضهم إلى‏ الأكثر (10) ، ويظهر آخر عدم الخلاف فيه (11).
    أو نزع الثياب خاصة ولكن يحرم بهم من الميقات ، كما عن السرائر (12) ، وبه أفتى‏ المحقق الثاني (13) ، وجعله مراد الماتن في التنقيح (14) ؟
1 ـ كالفاضل المقداد في التنقيح 1 : 448 ، وصاحب المدارك 7 : 227 ، والسبزواري في الذخيرة : 583 ، والمجلسي في ملاذ الأخيار 8 : 404.
2 ـ القاموس 1 : 275.
3 ـ انظر النهاية 3 : 418.
4 ـ الأول : الفقيه 2 : 265/1292 ، الوسائل 11 : 336 أبواب المواقيت ب 18 ح 1.
    الثاني : التهذيب 5 : 409/1422 ، الوسائل 11 : 336 أبواب المواقيت ب 18 ذيل الحديث 1.
5 ـ المعتبر 2 : 804.
6 ـ التحرير 1 : 94 ، المنتهى 2 : 667.
7 ـ الدروس 1 : 342.
8 ـ المسالك 1 : 104.
9 ـ منهم صاحب المدارك 7 : 227.
10 ـ كالمجلسي في مرآة العقول 17 : 210 ؛ وصاحب الحدائق 14 : 457.
11 ـ مفاتيح الشرائع 1 : 310.
12 ـ السرائر 1 : 537.
13 ـ جامع المقاصد 3 : 160.
14 ـ التنقيح الرائع 1 : 448.


(172)
    وتردّد بينهما بعض المتأخرين ، قال : من عموم نصوص المواقيت ، والنهي عن تأخير الإحرام عنها ، وعدم تضمن الصحيحين سوى‏ التجريد ، فالتأخير تشريع.
    ومن عموم لزوم الكفارة على‏ الولي إذا لم يجتنبوا ما يوجبها ومنه لبس المخيط (1) والصحيح : « قدّموا من معكم من الصبيان إلى‏ الجحفة أو إلى بطن مَرّ ، ثم يصنع بهم ما يصنع بالمحرم » (2) وأن الإحرام بهم مندوب فلا يلزم من الميقات ، لطول المسافة ، وصعوبة تجنبهم عن المحرّمات ، كما لا يلزم من أصله (3).
    وفي الأدلة من الطرفين نظر ، ولا سيّما الصحيح المستدل به على‏ الوجه الثاني وإن استدل به الشهيدان في الدروس والمسالك (4) عليه‏
1 ـ في هذا الدليل نوع غموض ، ولعل المراد أنه لو كان الاحرام بهم من الميقات لازماً على ما هو مقتضي الوجه المقابل ، للزم منه تخصيص العمومات الدالة على لزوم الكفارة بليس المخيط ، بناءً على جوازه للصبيان قبل فخ بالنص والاجماع ، واذا جاز تأخير الاحرام بهم من فخ كانت العمومات المزبورة باقية على حالها ، ولا ريب أن الأصل بقاء العموم على حاله الي أن يظهر الصارف ، وليس بصارف. وفيه نظر واضح ، اذ التخصيص على كل تقدير لازم بناءً على ما سيأتي في المتن من أن التأخير إلي فخ انما هو على وجه الجواز لا الوجوب وأنه لاخلاف في جواز الاحرام بهم من الميقات ، وحينئذ فلو احرموا بهم منه والبسوا المخيط لم يلزم الكفارة للرخصة فيه ، فلا يستعقب كفارة ، فقد خصصت أدلة وجوبها هنا أيضاً على هذا التقدير أيضاً. ( منه رحمه الله ).
2 ـ الكافي 4 : 304/4 ، الفقيه 2 : 266/1294 ، التهذيب 5 : 409/1423 ، الوسائل 11 : 287 أبواب أقسام الحج ب 17 ح 3 ، مر ـ وزان فلس ـ موضع بقرب مكة من جهة الشام نحو مرحلة. مجمع البحرين 3 : 481.
3 ـ اُنظر كشف اللثام 1 : 306.
4 ـ الدروس 1 : 342 ، المسالك 1 : 104.


(173)
أيضاً ، فإنه على‏ خلافه أظهر ، ولذا استدل به جماعة على‏ أفضلية الإحرام بهم من الميقات بعد أن حكوها عن الشيخ وغيره ، واستدلوا على‏ جواز إحرامهم من فَخّ ـ بعد نقلهم له عنهما ـ بالصحيحين ، زعماً منهم ظهور التجريد في الإحرام (1).
    والمسألة قوية الإشكال ، وحيث إن المستفاد من جماعة عدم إشكال في جواز الإحرام بهم من الميقات ، بل وأفضليته ، وأن التأخير إلى‏ فَخّ إنما هو على‏ سبيل الجواز ، كان الإحرام بهم من الميقات أولى‏ وأحوط.
    ( وأحكام المواقيت تشتمل على‏ مسائل ) ثلاث :
    ( الاولى : لا يصح الإحرام قبل الميقات ) بإجماعنا الظاهر ، المنقول في جملة من العبائر (2) للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة (3).
    ( إلّا لناذر ) له قبله فيصح ( بشرط أن يقع في أشهر الحج ) لو كان لحج أو لعمرة متمتع بها ، وإلّا فيصح مطلقاً على‏ الأقوى‏.
    وفاقاً للشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف والتهذيبين والديلمي والقاضي وابن حمزة (4) ، والمفيد كما حكي (5) ، وعليه أكثر المتأخرين على‏ ما أجده ، أو مطلقاً على‏ ما يستفاد من الذخيرة وغيرها (6) ، وفي المسالك‏
1 ـ المدارك 7 : 227 ، الذخيرة 583 ، الحدائق 14 : 457.
2 ـ كالخلاف 2 : 286 ، والمنتهى 2 : 668 ، والمفاتيح 1 : 311.
3 ـ الوسائل 11 : 323 أبواب المواقيت ب 11.
4 ـ النهاية : 209 ، المبسوط 1 : 311 ، الخلاف 2 : 286 ، الاستبصار 2 : 164 ، التهذيب 5 : 53 ، الديلمي في المراسم : 108 ، القاضي في المهذب 1 : 214 ، ابن حمزة في الوسيلة : 159.
5 ـ حكاه عنه في كشف اللثام 1 : 307.
6 ـ الذخيرة : 574 ؛ وانظر كشف اللثام 1 : 307.


(174)
وغيره (1) : أنه المشهور بين الأصحاب.
    للمعتبرة المتضمنة للصحيح (2) على‏ ما صرّح به جماعة (3) ، وإن تأمل فيها بعض الأجلة (4) والموثق وغيرهما (5).
    خلافاً للحلّي والفاضل في المختلف (6) ، فمنعا عن هذا الاستثناء لانه نذر غير مشروع ، كنذر الصلاة في غير وقتها ، وإيقاع المناسك في غير مواضعها وضعف النصوص ، وظهور احتمالها ما يأتي في بحث المصدود من بعث الرجل من منزله الهدي واجتنابه ما يجتنبه المحرم ، أو المسير للإحرام من الكوفة أو خراسان.
    ولا يخفى‏ عليك ما في هذين الاحتمالين من البعد ومخالفة فهم الأصحاب.
    وضعف النصوص أوّلاً ممنوع ، وثانياً على‏ تقديره فهو بالشهرة الظاهرة والمنقولة مجبور ، فيمنع بها الأصل المتمسك به للمنع ، ونظيره في الصوم موجود.
    هذا ، وطريق الاحتياط واضح بالجمع بين الإحرام من المحل المنذور ومن الميقات ، كما عن المراسم والراوندي (7).
1 ـ المسالك 1 : 104 ؛ وانظر الحدائق 14 : 461.
2 ـ التهذيب 5 : 53/162 ، الاستبصار 2 : 163/534 ، الوسائل 11 : 326 أبواب المواقيت ب 13 ح 1.
3 ـ منهم : العلامة في المنتهى 2 : 669 ، والمحقق الكركي في جامع المقاصد 3 : 161 ، والفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 311.
4 ـ منتقي الجمان 3 : 138 ، الذخيرة : 574.
5 ـ الوسائل 11 : 326 أبواب المواقيت ب 13 ح 2 ، 3.
6 ـ الحلي في السرائر 1 : 527 ، المختلف : 263.
7 ـ المراسم : 108 ، حكاه عن الراوندي في الدروس 1 : 341.


(175)
    وعن غيرهما إن نذر إحراماً واجباً وجب تجديده من الميقات ، وإلّا استحب (1).
    ويستثنى من كلية المنع صورة أُخرى أشار إليها بقوله : ( أو للعمرة المفردة في رجب لمن خشي تقضيه ) بتأخير الإحرام إلى‏ الوقت ، بلا خلاف أجده ، كما في الذخيرة (2) ، وفي ظاهر المعتبر والمنتهى‏ (3) : إن عليه اتفاق علمائنا ، وفي شرح القواعد للمحقق الثاني إن عليه إجماعنا (4) للصحيحين (5).
    قيل : ولم يتعرض له كثير من الأصحاب ، والاحتياط تجديد الإحرام من الميقات (6).
    ( الثانية : لا يجاوز ) من أراد النسك من ( الميقات إلّا محرماً ) في حال الاختيار ، بالنص وإجماع العلماء ، كما عن المعتبر والمنتهى‏ (7) ، وفي التحرير وغيره (8) : الإجماع مطلقاً لأن ذلك مقتضى‏ التوقيت ، مضافاً إلى‏ وقوع التصريح به في جملة من الصحاح‏
1 ـ اُنظر كشف اللثام 1 : 307.
2 ـ الذخيرة : 574.
3 ـ المعتبر 2 : 806 ، المنتهى 2 : 669.
4 ـ جامع المقاصد 3 : 161.
5 ـ الأول : الكافي 4 : 323/8 ، التهذيب 5 : 53/161 ، الاستبصار 2 : 163/533 ، الوسائل 11 : 325 أبواب المواقيت ب 12 ح 1.
    الثاني : الكافي 4 : 323/9 ، التهذيب 5 : 53/160 ، الاستبصار 2 : 162/532 ، الوسائل 11 : 326 أبواب المواقيت ب 12 ح 2.
6 ـ كشف اللثام 1 : 308.
7 ـ المعتبر 2 : 808 ، المنتهى 2 : 669.
8 ـ التحرير 1 : 94 ، وانظر كشف اللثام 1 : 308.


(176)
    منها : « من تمام الحج والعمرة أن تحرم من المواقيت التي وقّتها رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لا تجاوزها إلّا وأنت محرم » (1).
    ومنها : « لا تجاوز الجحفة إلّا محرماً » (2).
    ومنها : « لا ينبغي لحاجّ ولا معتمر أن يحرم قبلها ولا بعدها » (3).
    ويجوز لعذر من نحو حرّ أو برد عند الشيخ (4) لانتفاء العسر والحرج.
    وللصحيح : « فلا يجاوز الميقات إلّا من علة » (5).
    وأظهر منه المرسل : « إذا خاف الرجل على‏ نفسه أخّر إحرامه إلى‏ الحرم » (6).
    خلافاً للحلّي حيث حمل فتوى الشيخ على‏ تأخير الصورة الظاهرة للإحرام من التعرّي ولبس الثوبين ، دون غيرها ، فإن المرض والتقية ونحوهما لا تمنع النية والتلبية ، وإن منعت التلبية كان كالأخرس ، وإن أُغمي عليه لم يكن هو المؤخّر ، قال : وإن أراد وقصد شيخنا غير ذلك فهذا يكون قد ترك الإحرام متعمداً من موضعه ، فيؤدّي إلى‏ إبطال حجه بغير خلاف (7).
    وارتضاه الفاضل في المختلف والتحرير والمنتهى‏ (8) ، ويميل إليه‏
1 ـ الكافي 4 : 318/1 ، التهذيب 5 : 54/166 ، علل الشرائع : 434/2 ، الوسائل 11 : 307 أبواب المواقيت ب 1 ح 2.
2 ـ التهذيب 5 : 177/57 ، الوسائل 11 : 316 أبواب المواقيت ب 6 ح 3.
3 ـ الكافي 4: 319/2 ، الفقيه 2 : 98/903 ، التهذيب 5 : 55/167 ، الوسائل 11 : 308 أبواب المواقيت ب 1 ح 3.
4 ـ كما في المبسوط 1 : 311.
5 ـ الكافي 4 : 323/2 ، الوسائل 11 : 331 أبواب المواقيت ب 15 ح 1.
6 ـ التهذيب 5 : 58/182 ، الوسائل 11 : 331 أبواب المواقيت ب 15 ح 1.
7 ـ السرائر 1 : 527.
8 ـ المختلف : 263 ، التحرير 1 : 94 ، المنتهى 2 : 671.


(177)
الماتن في المعتبر وغيره (1).
    ولعلّه لحديث : « الميسور لا يسقط بالمعسور » (2).
    ويؤيده الحديث المتقدم فيمن مرّ على‏ المسلخ مع العامة ولم يمكنه إظهار الإحرام تقية ، المتضمن لأنه : « يحرم من ميقاته ثم يلبس الثياب ويلبّي في نفسه وإذا بلغ ميقاتهم أظهره » (3).
    ولا بأس به لقوة دليله ، مع قصور الخبرين بعد إرسال أحدهما على‏ التصريح بخلافه.
    ( ويرجع إليه ) أي إلى‏ الميقات ( لو لم يحرم منه ) عمداً أو سهواً ، أو جهلاً بالحكم أو بالوقت ، بلا خلاف بين العلماء كما في المنتهى‏ (4).
    أما في العمد فلتوقف الواجب عليه.
    وأما في غيره فللصحاح وغيرها ، منها في الناسي : « يخرج إلى‏ ميقات أهل أرضه ، فإن خشي أن يفوته الحج أحرم من مكانه ، فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج من الحرم » (5).
    ومنها في الجاهل : « إن كان عليها مهلة فترجع إلى‏ الوقت فلتحرم منه ، فإن لم يكن عليها وقت فلترجع إلى‏ ما قدرت عليه بعد ما يخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها الحج فتحرم » (6).
1 ـ المعتبر 2 : 809 ، وانظر المدارك 7 : 231.
2 ـ عوالي اللآلئ 4 : 58/205.
3 ـ راجع ص : 158.
4 ـ المنتهى 2 : 669.
5 ـ الكافي 4 : 323/1 ، التهذيب 5 : 283/965 ، الوسائل 11 : 328 أبواب المواقيت ب 14 ح 1 ؛ بتفاوت يسير.
6 ـ الكافي 4 : 325/10 ، التهذيب 5 : 389/1362 ، الوسائل 11 : 329 أبواب المواقيت ب 14 ح 4.


(178)
    ومنها : عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم ، فقال : « يرجع إلى‏ ميقات بلاده الذي يحرمون منه فيحرم ، فإن خشي أن يفوته الحج فليحرم من مكانه ، فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج » (1).
    ونحوه غيره المروي عن قرب الإسناد (2).
    وأما ما في جملة من المعتبرة في الجاهل ـ من الأمر بالخروج إلى‏ خارج الحرم بقول مطلق كما في الصحيح (3) ، أو بالإحرام من مكانه من مكة أو من المسجد كذلك كما في الموثق (4) ، ونحوه عبارة الغنية (5) ـ فمحمول على‏ صورة عدم التمكن من الخروج إلى‏ الميقات ، كما هو الغالب ، فيحمل الإطلاق عليه ، حملاً للمطلق على‏ المقيد ، واقتصاراً في الإطلاق على‏ المتيقن.
    لكن في بعض الأخبار المنقولة عن قرب الإسناد الواردة في الجاهل : « إن كان جاهلاً فليبن من مكانه [ ليقضي ] فإن ذلك يجزيه إن شاء اللَّه ، وإن رجع إلى‏ الميقات الذي يحرم منه أهل بلده فإنه أفضل » (6).
    وهو كالصريح ، بل صريح في جواز الإحرام من غير الميقات مع التمكن من الرجوع إليه ، إلّا أن سنده غير واضح ، ومع ذلك فلندوره وعدم مكافأته لما مرّ من وجوه عن المعارضة له قاصر.
    وربما يستفاد من العبارة وجوب الرجوع على‏ من لا يريد النسك ثم‏
1 ـ التهذيب 5 : 58/180 ، الوسائل 11 : 330 أبواب المواقيت ب 14 ح 7.
2 ـ قرب الإسناد : 241/955 ، الوسائل 11 : 331 أبواب المواقيت ب 14 ح 9.
3 ـ الكافي 4 : 325/7 ، التهذيب 5 : 284/966 ، الوسائل 11 : 329 أبواب المواقيت ب 14 ح 3.
4 ـ الكافي 4 : 326/12 ؛ الوسائل 11 : 329 أبواب المواقيت ب 14 ح 5.
5 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 574.
6 ـ قرب الإسناد : 242/956 ، الوسائل 11 : 331 أبواب المواقيت ب 14 ح 10 ، وأضفنا ما بين المعقوفين من المصدر.


(179)
أراده. وهو مقطوع به بين الأصحاب على‏ الظاهر ، المصرَّح به في عبائر جماعة كالمدارك والذخيرة وغيرهما (1) ، مشعرين بعدم خلاف فيه ، كما صرّح به في المفاتيح (2) ، بل ظاهر المنتهى‏ أنه لا خلاف فيه بين العلماء إلّا من بعض العامة العمياء (3) وهو الحجة.
    مضافاً إلى‏ إطلاق بعض الصحاح المتقدمة المعتضد بما في المعتبر والمنتهى‏ (4) بأنه متمكن من الإتيان بالنسك على‏ الوجه المأمور به فيكون واجباً. ومرجعه إلى‏ ما في المدارك من إطلاق النهي عن مجاوزة الميقات لكل حاجّ ومعتمر (5). ولا يخلو عن نظر.
    ثم إن هذا مع إمكان الرجوع.
    ( فإن لم يتمكن ) منه ( فلا حج له إن كان ) المتجاوز عن الميقات بغير إحرام ( عامداً ) كما عن النهاية والاقتصاد والوسيلة والسرائر والجامع وكتب الماتن والمهذّب والغنية (6) ، وفي المنتهى‏ والتحرير والدروس واللمعتين والمسالك (7) ، وبالجملة : الأكثر ، كما في الذخيرة (8) ، وربما يفهم‏
1 ـ المدارك 7 : 234 ، الذخيرة : 574.
2 ـ مفاتيح الشرائع 1 : 311.
3 ـ المنتهى 2 : 670 ؛ وانظر المغني والشرح الكبير 3 : 221.
4 ـ المعتبر 2 : 808 ، المنتهى 2 : 670.
5 ـ المدارك 7 : 234.
6 ـ النهاية : 210 ، الاقتصاد : 300 ، الوسيلة : 159 ، السرائر 1 : 527 ، الجامع للشرائع : 178 ؛ الماتن في المعتبر 2 : 808 ، والشرائع 1 : 242 ، المهذب 1 : 214 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 574.
7 ـ المنتهى 2 : 669 ، التحرير 1 : 94 ، الدروس 1 : 340 ، اللمعة ( الروضة البهية 2 ) : 223 ، المسالك 1 : 105.
8 ـ الذخيرة : 575.


(180)
من المنتهى‏ وغيره (1) عدم خلاف فيه بيننا.
    لأن الإحرام من غير الميقات خلاف ما أمر به الشارع فلا يصح إلا فيما أذن فيه ، ولا إذن هنا لاختصاص النصوص الآذنة بمن عدا العامد.
    وإطلاق بعض الصحاح المتقدمة غير معلوم الانصراف إلى‏ مفروض المسألة ، كما صرّح به في الذخيرة بالإضافة إلى‏ الجاهل (2) ، فما ظنّك بالعامد ؟!
    مع أنه معارض بإطلاق جملة من المعتبرة :
    منها الصحيح : « من أحرم دون الميقات فلا إحرام له » (3).
    ومنها المروي في العيون عن مولانا الرضا عليه السلام أنه كتب إلى‏ المأمون في كتاب : « ولا يجوز الإحرام دون الميقات ، قال اللَّه سبحانه : ( وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) » (4).
    فإنه إذا لم يجز كان فاسداً لأنه عبادة منهي عنها. وإرجاعها إلى‏ الأول بتقييد أو صرف ظاهر ليس بأولى من العكس ، بل هو أولى‏ من وجوه لا تخفى‏.
    فظهر ضعف القول بإلحاقه بالناسي إذا وجب الحج عليه مضيقاً ، كما قوّاه جماعة من متأخري المتأخرين (5) ، ويحتمله إطلاق المبسوط والمصباح ومختصره كما حكي (6) ، ويأتي في ما فيه سابقه.
1 ـ المنتهى 2 : 669 ؛ وانظر التذكرة 1 : 321.
2 ـ الذخيرة : 574.
3 ـ الكافي 4 : 322/4 ، التهذيب 5 : 52/157 ، الاستبصار 2 : 162/529 ، الوسائل 11 : 320 أبواب المواقيت ب 9 ح 3.
4 ـ عيون الأخبار 2 : 120/1 ، الوسائل 11 : 320 أبواب المواقيت ب 9 ح 4.
5 ـ منهم صاحب المدارك 7 : 235 ، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 309 ، وانظر الحدائق 14 : 474.
6 ـ حكاه في كشف اللثام 1 : 309.
رياض المسائل الجزء السادس ::: فهرس