رياض المسائل الجزء السادس ::: 196 ـ 210
(196)
والمبسوط والمنتهى‏ (1).
    ولا ينافيه قوله : ( ولو كان مطلياً أجزأ ما لم يمض خمسة عشر يوماً ) كما قيل (2) ، بل ربما يؤكده لمكان لفظ « الإجزاء » المستعمل عرفاً في أقل الواجب أو المستحب ، وإنما المقصود من ذكر المدة بيان تأكد الاستحباب بعدها للخبر : إذا أطليت للإحرام الأول كيف أصنع للطلية الأخيرة ، وكم بينهما ؟ قال : « إذا كان بينهما جمعتان خمسة عشر يوماً فأطل » (3).
    ( والغسل ) كما مرّ في كتاب الطهارة. « ولو أكل أو لبس » بعد الغسل ( مالا يجوز له أعاد غسله استحباباً ) للصحيحين (4) وغيرهما (5) ، وزيد في أحدهما التطيب ، كما أفتى‏ به في التهذيب والدروس وغيرهما (6).
    ولا يحلق بالمذكورات غيرها من تروك الإحرام للأصل السالم عن المعارض ، المؤيد بصريح الصحيح في الادّهان قبله وبعده ومعه : ( ليس به بأس ) (7). والمرسل في قصّ الأظفار وتقليمها ، وفيه : « لا يعيد الغسل بل‏
1 ـ النهاية : 211 ، المبسوط 1 : 314 ، المنتهى 2 : 672.
2 ـ المدارك 7 : 248.
3 ـ الكافي 4 : 326/3 ، الفقيه 2 : 201/917 ، التهذيب 5 : 62/198 ، الوسائل 12 : 325 أبواب الإحرام ب 7 ح 4.
4 ـ التهذيب 5 : 71/231 ، 232 ، الوسائل 12 : 332 أبواب الإحرام ب 13 ح 1 ، 2.
5 ـ الكافي 4 : 329/8 ، التهذيب 5 : 65/210 ، الوسائل 12 : 331 أبواب الإحرام ب 11 ح 2.
6 ـ التهذيب 5 : 70 ، الدروس 1 : 343 ؛ وانظر الذخيرة : 586 ، وكشف اللثام 1 : 311 ، والحدائق 15 : 12.
7 ـ الفقيه 2 : 201/918 ، التهذيب 5 : 303/1034 ، الاستبصار 2 : 182/605 ، الوسائل 12 : 461 أبواب تروك الاحرام ب 30 ح 6.


(197)
يمسحها بالماء » (1).
    واعلم أن المتبادر من النص والفتوى‏ أنّ مكان الغسل هو الميقات ، أو ما يكون قريباً منه ، كما صرّح به في الروضة شيخنا (2) ، ومقتضى ذلك عدم جواز تقديمه عليه مطلقاً.
    ( وقيل : يجوز تقديم الغسل على‏ الميقات لمن خاف عوز الماء ، ويعيد ) في الميقات ( لو وجده ) فيه ، والقائل الشيخ وأتباعه (3) ، كما في التنقيح (4) ، وعليه عامة المتأخرين ، بل لا خلاف فيه أجده ، وبه صرّح في الذخيرة (5) ، مشعراً بدعوى‏ الإجماع ، كما صرّح به في المدارك بالنسبة إلى‏ جواز التقديم لخائف عوز الماء (6) للصحاح وغيرها (7).
    بل ظاهر جملة منها جواز التقديم مطلقاً ولو لم يخف عوز الماء ، وقوّاه جماعة من متأخري أصحابنا (8) ، إلّا أن في التنقيح أنه لم يقل به قائل ، مؤذناً بدعوى‏ الإجماع ، وجعله السبب في التقييد.
    ومما ذكرنا ظهر الإجماع المنقول على‏ كلّ من جواز التقديم مع خوف عوز الماء ، وعدمه مع عدمه.
1 ـ الكافي 4 : 328/6 ، الفقيه 2 : 202/924 ؛ التهذيب 5 : 66/211 ، الوسائل 12 : 331 أبواب الإحرام ب 12 ح 2.
2 ـ الروضة البهية 2 : 229.
3 ـ المبسوط 1 : 314.
4 ـ التنقيح الرائع 1 : 454.
5 ـ الذخيرة : 586.
6 ـ المدارك 7 : 251.
7 ـ الوسائل 12 : 326 أبواب الإحرام ب 8.
8 ـ منهم : صاحب المدارك 7 : 251 ، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 311 ، وصاحب الحدائق 15 : 13.


(198)
    وهو معتضد في الأوّل بعدم ظهور الخلاف فيه ، إلّا من العبارة لنسبتها إياه إلى‏ القيل ، المشعرة بالتوقف فيه أو التمرض. ولا وجه له بعد استفادته من الصحاح وغيرها ، المعتضدة بعمل الأصحاب كافّة عداه.
    مع احتمال رجوع تردّده ـ ولو على‏ بُعد ـ إلى‏ تقييد الجواز بخوف عوز الماء ؛ لإطلاق الأخبار ، حتى ما ذكر فيه خوف عوز الماء (1) ، فإن غاية ذلك الاختصاص ، لا التخصيص ، فلا ينافي الإطلاق.
    ومرجعه إلى‏ احتمال جواز التقديم على‏ الإطلاق ، كما عليه جماعة من المتأخرين. وهو حسن ، لولا الإجماع المنقول الموجب للتقييد ، مع نوع تردّد في شمول الإطلاق لصورة عدم خوف عوز الماء.
    ويحتمل رجوع التردّد إلى‏ الحكم الأخير لعدم دليل واضح عليه.
    وما استدل به جماعة من المتأخرين من قوله عليه السلام في بعض الصحاح بعد رخصة التقديم لخوف عوز الماء : « ولا عليكم أن تغتسلوا إن وجدتم » أي الماء « إذا بلغتم ذا الخليفة » (2) غير واضح الدلالة ؛ فإنّ نفي البأس غير الاستحباب.
    وفيه مناقشة ؛ فإنه إذا لم يكن به بأس كان راجحاً ، لكونه عبادة.
    وممّا ذكر ظهر عدم وجه للتردّد في شي‏ء من الأحكام الثلاثة.
    ( ويجزئ غسل النهار ليومه ، وكذا غسل الليل ) لليلته ، بلا خلاف أجده ؛ للنصوص المستفيضة ، وفيها الصحيح والموثق وغيرهما.
    بل في الصحيح : « غسل يومك يجزيك لليلتك ، وغسل ليلتك‏
1 ـ الكافي 4 : 328/7 ، الفقيه 2 : 201/918 ، التهذيب 5 : 63/202 ، الوسائل 12 : 326 أبواب الإحرام ب 8 ح 1.
2 ـ الفقيه 2 : 201/918 ، الوسائل 12 : 326 أبواب الإحرام ب 8 ح 2.


(199)
يجزيك ليومك » (1).
    وبه أفتى‏ جماعة من متأخري المتأخرين (2) ، تبعاً للمحكي عن المقنع (3). ولا بأس به.
    ولكن الأفضل الإعادة لصريح بعض الأخبار السابقة ، المؤيد بلفظ الإجزاء في هذه الرواية.
    وذلك ( ما لم ينم ) وإلّا فيستحب الإعادة ، وفاقاً للأكثر للصحيح : عن الرجل يغتسل للإحرام ثم ينام قبل أن يحرم ، قال : « عليه إعادة الغسل » (4) ونحوه غيره (5).
    مؤيدين بما يدل على‏ مثله لمن اغتسل لدخول مكّة أو الطواف ، كالصحيح : عن الرجل يغتسل لدخول مكّة ثمّ ينام فيتوضأ قبل أن يدخل ، أيجزيه ذلك أو يعيد ؟ قال : « لا يجزيه ، لأنه إنما دخل بوضوء » (6).
    ويفهم منه نقض الغسل بالنوم ، ومشاركة باقي الأحداث له في ذلك. وصرّح بالأخير الشهيدان في الدروس والمسالك (7) ، مستنداً ثانيهما
1 ـ الفقيه 2 : 202/923 ، الوسائل 12 : 328 أبواب الإحرام ب 9 ح 1.
2 ـ منهم : صاحب المدارك 7 : 252 ، والسبزواري في الذخيرة : 586 ، وصاحب الحدائق 15 : 15.
3 ـ المقنع : 70.
4 ـ الكافي 4 : 328/3 ، التهذيب 5 : 65/206 ، الاستبصار 2 : 164/537 ، الوسائل 12 : 329 أبواب الإحرام ب 10 ح 1.
5 ـ الكافي 4 : 328/5 ، التهذيب 5 : 65/207 ، الاستبصار 2 : 164/538 ، الوسائل 12 : 330 أبواب الإحرام ب 10 ح 2.
6 ـ الكافي 4 : 400/8 ، التهذيب 5 : 99/335 ، الوسائل 13 : 201 أبواب مقدمات الطواف ب 6 ح 1.
7 ـ الدروس 1 : 343 ، المسالك 1 : 106.


(200)
بالفحوى‏ للاتفاق على‏ ناقضية الحدث غيره مطلقاً ، والخلاف فيه على‏ بعض الوجوه.
    وهو مبني على‏ كون الإعادة للنقض لا تعبّداً ، كما قدّمنا ويدلُّ عليه الموثق صريحاً ، وفيه : عن غسل الزيارة يغتسل بالنهار ويزور بالليل بغسل واحد ، قال : « يجزيه إن لم يحدث فإن أحدث ما يوجب وضوءاً فليعد غسله » (1).
    خلافاً لسبطه وبعض من تأخر عنه (2) ، فجعلاها تعبداً ، ولم يستحباها لباقي الأحداث.
    وخلاف الحلّي بعدم استحباب الإعادة ولو في النوم (3) مبني على‏ الأصل ، وعدم حجيّة الآحاد. وهو ضعيف.
    نعم ، في الصحيح : عن الرجل يغتسل للإحرام بالمدينة ويلبس ثوبين ثم ينام قبل أن يحرم ، قال : « ليس عليه غسل » (4).
    وهو قاصر عن المقاومة لما مرّ بعد صراحته وتعدّده واعتضاده بالعمل ، فيحمل على‏ نفي الوجوب كما هو ظاهره من وجه ، وعليه الشيخ (5) ، أو على‏ نفي تأكد الاستحباب كما هو ظاهره من آخَر ، وعليه جماعة ممن تأخر (6). ولعلّه أظهر.
1 ـ التهذيب 5 : 251/850 ، الوسائل 14 : 248 أبواب زيارة البيت ب 3 ح 2.
2 ـ المدارك 7 : 253 ، وانظر الذخيرة : 586 ، كشف اللثام 1 : 311.
3 ـ السرائر 1 : 530 و602.
4 ـ الفقيه 2 : 202/925 ، التهذيب 5 : 65/208 ، الاستبصار 2 : 164/539 ، الوسائل 12 : 330 أبواب الإحرام ب 10 ح 3.
5 ـ التهذيب 5 : 65 ، الاستبصار 2 : 164.
6 ـ كالمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 6 : 254 ، وصاحب المدارك 7 : 253 ، والعلامة المجلسي في ملاذ الأخيار 7 : 314.


(201)
    ( ولو أحرم بغير غسل أو بغير صلاة أعاد ) الإحرام بعد تداركهما استحباباً ، على‏ الأظهر الأشهر ، كما عن المسالك ، وفيه : وقيل بوجوبها (1).
    أقول : ولعلّه لظاهر الأمر بها في الصحيح : رجل أحرم بغير صلاة أو بغير غسل جاهلاً أو عالماً ، ما عليه في ذلك ؟ وكيف ينبغي له أن يصنع ؟ فكتب : « يعيد » (2).
    ويضعف بظهور السؤال في الاستحباب ، فيطابقه الجواب مضافاً إلى‏ فحوى ما دلّ على‏ استحباب أصل الغسل والصلاة مع أن القول بالوجوب لم ينقل في كلام أكثر الأصحاب ، وإنما المنقول القول بنفي الاستحباب.
    نعم ، عبارة النهاية المحكية ظاهرة في الوجوب (3) ، لكنه رجع عنه في المبسوط (4) ، وكذا عبارة الإسكافي المحكية وإن كانت أيضاً ظاهرة في الوجوب بل صريحة (5) ، إلّا أن المستفاد منها أنه لوجوب أصلهما ، لا الإعادة ، كما هو مفروض المسألة.
    ويكف كان فلا ريب في الاستحباب.
    خلافاً للحلّي ، فأنكره إن أُريد من الإحرام ما يشمل النية ، قال : فإنه إذا نواه انعقد (6) ، ولم يمكنه الإخلال إلّا بالإتمام أو ما يقوم ما يقوم مقامه إذا صدّ أو أُحصر.
1 ـ المسالك 1 : 106.
2 ـ الكافي 4 : 327/4 ، التهذيب 5 : 78/360 ، الوسائل 12 : 347 أبواب الإحرام ب 20 ح 1.
3 ـ النهاية : 213.
4 ـ المبسوط 1 : 314.
5 ـ نقله عنه في المختلف : 264.
6 ـ السرائر 1 : 532.


(202)
    قيل : وليس كالصلاة التي تبطل بمنافياتها وبالنية ، فلا يتوجه ما في المختلف من أنه كالصلاة التي يستحبّ إعادتها إذا نسي الأذان والإقامة.
    والجواب : أن الإعادة لا تفتقر إلى‏ الإبطال ، لمَ لا يجوز أن يستحب تجديد النية وتأكيدها للرواية ، وقد ينزل عليه ما في المختلف (1). انتهى‏.
    وهو حسن إن تمّ منع افتقار الإعادة إلى‏ الإبطال. وفيه نظر لتبادره منها عرفاً ، وقد صُرّح في الأُصول بأنها عبارة عن الإتيان بالشي‏ء ثانياً بعد الإتيان به أوّلاً لوقوعه على‏ نوع خلل ، قالوا : كتجرّده عن شرط معتبر ، أو اقترانه بأمر مبطل ، فتدبر.
    ولعلّه لذا لم يُجب عن الحلّي أحد من المتأخرين إلّا بابتناء مذهبه هنا على‏ مذهبه في أخبار الآحاد من عدم حجيتها ، وهو ضعيف.
    وعلى‏ هذا فالمعتبر من الإحرامين ثانيهما ، كما هو ظاهر المختلف والمنتهى‏ وغيرهما (2).
    خلافاً للشهيدين فأولهما (3). قال ثانيهما : إذ لا وجه لإبطال الإحرام بعد انعقاده (4) ، فلا وجه لاستئناف النية ، بل ينبغي أن يكون المُعاد هو التلبية واللبس خاصة. انتهى‏.
    وفيه ما عرفته من ظهور النص في الإبطال ، من جهة لفظ الإعادة ، المفهوم منه ذلك عرفاً وعادةً.
    هذا ، مضافاً إلى‏ ما ذكره بعض المحدّثين في الجواب عنه : بأن النية الأُولى‏ إنما كانت معتبرة بمقارنة اللبس أو التلبية ، مثل نية الصلاة المقارنة
1 ـ كشف اللثام 1 : 311.
2 ـ المختلف : 264 ، المنتهى 2 : 673 ؛ وانظر الذخيرة : 586.
3 ـ الشهيد الأول في الدروس 1 : 344 ، الشهيد الثاني في المسالك 1 : 106.
4 ـ إلي هنا عبارة المسالك ، وما بعدها عبارة المدارك 7 : 254.


(203)
للتكبيرة ، فاذا أبطل تكبيرة الإحرام بطلت النية الأُولى‏ ، فكذا هنا.
    وتظهر ثمرة الخلاف في وجوب الكفارة للتخلل بين الإحرامين ، واحتساب الشهر بين العمرتين ، والعدول إلى‏ عمرة التمتع لو وقع الثاني في أشهر الحجّ.
    لكن ظاهر القواعد خروج الأول من البين ، ووجوب الكفارة على‏ القولين (1). فإن تمّ إجماعاً ، وإلّا فهو منفي على‏ المختار قطعاً ، وكذا مع التردد بينه وبين مقابله ، عملاً بالأصل السالم عن المعارض ، إلّا أن يمنع باستصحاب بقاء الإحرام الأول الموجب للكفارة بالجناية فيه ، والإعادة لا تقطعه بناءً على‏ الفرض ، وفيه نظر.
    ( وأن يحرم عقيب ) الصلاة بلا خلاف للصحاح المستفيضة (2). ولا يجب للأصل المعتضد بعدم الخلاف فيه إلّا من الإسكافي (3) ، وهو نادر.
    وأن يكون ( فريضة الظهر ) فقد فعله النبي صلى الله عليه وآله ، كما في الصحيح (4) ، وفي آخر : إنه أفضل (5).
    وما دلّ على‏ التسوية لنا ، وأن فعله صلى الله عليه وآله كان لضرورة فقد الماء (6) ، محمول على‏ التسوية في غير الفضيلة ، يعني الإجزاء لما عرفت من‏
1 ـ القواعد 1 : 80.
2 ـ الوسائل 12 : 344 أبواب الإحرام ب 18.
3 ـ نقله عنه في المختلف : 264.
4 ـ التهذيب 5 : 78/255 ، الاستبصار 2 : 167/549 ، الوسائل 12 : 339 أبواب الإحرام ب 15 ح 3.
5 ـ الكافي 4 : 331/1 ، التهذيب 5 : 78/256 ، الوسائل 12 : 338 أبواب الإحرام ب 15 ح 1. وفيه : « إن أفضل ذلك عند زوال الشمس ».
6 ـ الكافي 4 : 332/4 ، الفقيه 2 : 207/940 ، الوسائل 12 : 339 أبواب الإحرام ب 15 ح 5.


(204)
تصريح الصحيحة بالأفضلية.
    ( أو عقيب فريضة ) مكتوبة لظاهر إطلاق الصحيحين (1) ، وصريح الخبرين الآمرين بتأخير الإحرام عما بعد العصر إلى‏ المغرب (2). وهما مختصان بها ، وما قبلهما بالمكتوبة ، وظاهرها الفرائض الخمس اليومية المؤدّاة خاصة. خلافاً لإطلاق نحو العبارة فعمّمت لها وللمقضيّة وللكسوف ونحوها ، وبه صرّح الشهيدان في المسالك والدروس (3).
    ( ولو لم يتّفق ) فريضة ( فعقيب ستة ركعات ) لرواية ضعف سندها بعمل الأصحاب مجبور ، مضافاً إلى‏ أدلة المسامحة ، وفيها : « تصلّي للإحرام ستّ ركعات تحرم في دبرها » (4).
    وظاهرها استحباب هذه الستّ مطلقاً ولو أحرم عقيب الفريضة ، كما هو ظاهر أكثر الأصحاب وإن اختلفوا في استحباب تقديمها على‏ الفريضة والإحرام في دبرها ، كما يعزى إلى‏ المشهور (5) ، ومنهم : المفيد في المقنعة ، والشيخ في المبسوط والنهاية ، والحلّي والشهيدان (6) ، غيرهما (7) لصريح‏
1 ـ الكافي 4 : 331/2 و334/14 ، الفقيه 2 : 206/939 ، التهذيب 5 : 77/253 ، 78/258 ، الاستبصار 2 : 166/548 ، الوسائل 12 : 340 أبواب الإحرام ب 16 ح 1 ، وص 344 ب 18 ح 1.
2 ـ الفقيه 2 : 208/945 ، التهذيب 5 : 78/259 ، الوسائل 12 : 346 أبواب الإحرام ب 19 ح 3 ، 4.
3 ـ المسالك 1 : 106 ، الدروس 1 : 343.
4 ـ التهذيب 5 : 78/257 ، الاستبصار 2 : 166/545 ، الوسائل 12 : 345 أبواب الإحرام ب 18 ح 4.
5 ـ كشف اللثام 1 : 311.
6 ـ المقنعة : 396 ، المبسوط 1 : 315 ، النهاية : 213 ، الحلي في السرائر 1 : 531 ، الشهيد الأول في الدروس 1 : 343 ؛ الشهيد الثاني في المسالك 1 : 106.
7 ـ كالمحقق الثاني في جامع المقاصد 3 : 164 ، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 311.


(205)
الرضوي : « فإن كان وقت فريضة فصلِّ هذه الركعات قبل الفريضة ثمّ صلِّ الفريضة » (1).
    أو العكس ، كما عن الجمل والعقود والمهذّب والإشارة والغنية والوسيلة (2).
    وهو أحوط ، عملاً بعموم : « لا نافلة في وقت فريضة » وإن كان الأول لا يخلو عن وجه لصراحة المستند ، وانجبار قصور السند بفتوى‏ الأكثر.
    ويعضده بالإضافة إلى‏ الحكم بتأخير الفريضة وإيقاع الإحرام دبرها أنّ فيه الأخذ بظاهر الأخبار الصحيحة الحاكمة باستحباب الإحرام في دبر الفريضة إذ المتبادر منها التعقيب بغير فاصلة ، كما أشار إليه في الرضوي أيضاً ، فإن فيه بعد ما مرّ : « أنّ أفضل ما يحرم الإنسان في دبر الصلاة الفريضة ، ثمّ أحرم في دبرها ليكون أفضل ».
    نعم ، ينافيه ظاهر الرواية فإن المتبادر منها أيضاً التعقيب للإحرام عقيب النافلة بغير فاصلة ، إلّا أن صرفها إلى‏ المعنى‏ الأعم ممكن ، وهو أولى‏ من العكس ، لضعف سند هذه ووحدتها ، ولا كذلك ما دلّ على‏ التعقيب للفريضة ، فإنها بطرف الضد من الأُمور المزبورة ، مضافاً إلى‏ الشهرة.
    ( وأقلّه ) أي المندوب من الصلاة التي يحرم عقيبها إن لم يتفق في وقت الفريضة ( ركعتان ) للصحيح ( وإن كانت نافلة صلّيت ركعتين وأحرمت دبرها ) (3).
1 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 216 ، المستدرك 9 : 170 أبواب الإحرام ب 13 ح 2.
2 ـ الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 227 ، المهذب 1 : 215 ، إشارة السبق : 126 و127 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 565 ، الوسيلة : 161.
3 ـ تقدم مصدرهفي 204 الهامش ( 1 ).


(206)
    وفي رواية : أربع (1) ، وعمل بها بعض (2). ولا بأس به للمسامحة في أدلة السنن ، مع استحباب أصل الصلاة مطلقاً.
    ويستحب أن ( يقرأ في الاولى‏ ) من هاتين الركعتين ( الحمد والصمد ، وفي الثانية : الحمد والجحد ) كما في كلام جماعة (3) ، وبالعكس في كلام آخرين (4).
    وفي الصحيح : « لا تدع أن تقرأ بقل هو اللَّه أحد وقل يا أيها الكافرون في سبعة مواطن : في الركعتين قبل الفجر ، وركعتي الزوال ، وركعتين بعد المغرب ، وركعتين من أول صلاة الليل ، وركعتي الإحرام ، والفجر إذا أصبحت بها [ وركعتي الطواف ] » (5).
    وليس فيه دلالة إلّا على‏ استحباب السورتين ، دون الترتيب بينهما مطلقاً ، إلّا أن يراعى الترتيب الذكري فيدل على‏ الأول.
    ويدلّ عليه صريحاً المرسل في الكافي والتهذيب والشرائع ، فإن في الأولين بعد نقل الرواية : وفي رواية اُخرى‏ أنه : « يبدأ في هذا كلّه بقل هو اللَّه أحد ، وفي الركعة الثانية بقل يا أيها الكافرون ، إلّا في الركعتين قبل الفجر فإنه يبدأ بقل يا أيها الكافرون ثم يقرأ في الركعة الثانية بقل هو اللَّه أحد » (6).
1 ـ تقدم مصدره في ص 204 الهامش ( 2 ).
2 ـ كالشهيد في الدروس 1 : 343.
3 ـ منهم الشيخ في النهاية : 213 ، والحلي في السرائر 1 : 532 ، والعلامة في التذكرة 1 : 325.
4 ـ منهم : الشيخ في المبسوط 1 : 315 ، والمحقق في الشرائع 1 : 244 ، والعلامة في التحرير 1 : 95.
5 ـ الكافي 3 : 316/22 ، التهذيب 2 : 74/273 ، الخصال 347/20 ، الوسائل 6 : 65 أبواب القرءة في الصلاة ب 15 ح 1 ، ما بين المعقوفين من المصادر.
6 ـ الكافي 3 : 316 ذيل حديث 22 ، التهذيب 2 : 74/274 ، الوسائل 5 : 65 أبواب القراءة في الصلاة ب 15 ح 2.


(207)
    وفي الثالث بعد الفتوى‏ بعكس ما في المتن : وفيه رواية أُخرى (1). ولعلّها المرسلة.
    وفي المسالك : إن الكل مستحب (2). ولا بأس به لإطلاق الصحيح وإن كان ما في المرسل أفضل.
    ( واعلم ) أنه يجوز أن ( تصلّى نافلة الإحرام ولو في وقت الفريضة ما لم يتضيق ) فتقدّم لما عرفته ، مضافاً إلى‏ ظاهر الخبرين بتأخيرها إلى‏ المغرب (3) ، ونحو النصوص الدالّة على‏ أنها من الصلاة التي تصلّى في كلّ وقت ، أظهرها دلالةً الخبر : « خمس صلوات تصلّيهن في كلّ وقت : صلاة الكسوف ، والصلاة على‏ الميت ، وصلاة الإحرام ، والصلاة التي تفوت ، وصلاة الطواف ، من الفجر إلى‏ طلوع الشمس ، وبعد العصر إلى‏ الليل » (4).
    وهو صريح في جواز الإتيان بها في الأوقات المكروهة. ولا ينافيه الأخبار الناهية عن فعلها بعد العصر لتصريحها بعد النهي بأنه لمكان الشهرة (5).

    ( وأما الكيفية ).
    ( فيشمل ) على‏ ( الواجب والمندوب ).
    ( فالواجب ثلاثة )
    الأول : ( النية ، وهو أن يقصد بقلبه إلى‏ ) إيقاع المنوي مع‏
1 ـ الشرائع 1 : 244.
2 ـ المسالك 1 : 106.
3 ـ المتقدمين في ص : 204.
4 ـ الكافي 3 : 287/1 ، التهذيب 2 : 171/682 ، الوسائل 4 : 241 أبواب المواقيت ب 39 ح 5.
5 ـ الوسائل 12 : 346 أبواب الإحرام ب 19 ح 3 ، 4.


(208)
مشخصاته الأربعة من ( الجنس من الحجّ أو العمرة ، والنوع من التمتع أو غيره ) القران والإفراد ( والصفة من واجب أو غيره ، وحجّة الإسلام أو غيرها ) متقرباً إلى‏ اللَّه تعالى‏ ، كما في كل عبادة.
    ولا خلاف ولا إشكال في اعتبار القربة ، وكذا في الباقي حيث يتوقف عليه التعيين لتوقف الامتثال عليه مطلقاً وظواهر الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة هنا ، ففي الصحيح : « ينوي العمرة ويحرم الحجّ » (1).
    وفيه : « ولا تسمِّ حجاً ولا عمرة ، وأضمر في نفسك المتعة ، فإن أدركت متمتعاً ، وإلّا كنت حاجّاً » (2).
    وفيه (3) « انو المتعة » (4).
    وغير ذلك من الأخبار الكثيرة الآمرة بتشخيص المنوي وتعيينه ، المعتضدة بأخبار الدعاء المتضمنة لتعيينه (5) ، وبأنه لو جاز الإهمال كان هو الأحوط لئلّا يفتقر إلى‏ العدول إذا اضطرّ اليه ، ولما احتاج إلى‏ اشتراط : إن لم يكن حجة فعمرة.
    خلافاً للمحكي عن المبسوط والمهذّب والوسيلة (6) ، فيصحّ الإحرام من غير نية كونه لحجّ أو عمرة ، وينصرف إلى‏ العمرة المفردة إن كان في‏
1 ـ التهذيب 5 : 80/264 بتفاوت ، الاستبصار 2 : 168/554 ، الوسائل 12 : 348 أبواب الإحرام ب 21 ح 2.
2 ـ التهذيب 5 : 86/286 ، الاستبصار 2 : 172/568 ، الوسائل 12 : 349 أبواب الإحرام ب 21 ح 4.
3 ـ كذا في النسخ ، والظاهر أن الخبر موثق لأن راويه إسحاق بن عمار.
4 ـ الكافي 4 : 333/5 ، التهذيب 80 : 265 ، الاستبصار 2 : 168/555 ؛ الوسائل 12 : 348 أبواب الإحرام ب 21 ح 1.
5 ـ الوسائل 12 : 340 أبواب الإحرام ب 16.
6 ـ المبسوط 1 : 316 ، المهذب 1 : 219 ، الوسيلة : 161.


(209)
غير أشهر الحج ، ويتخير بينهما إن كان فيها.
    قيل : وهو خيرة التذكرة والمنتهى‏. ولعلّه أقوى لأن النسكين في الحقيقة غايتان للإحرام غير داخلين في حقيقته ، ولا يختلف حقيقة الإحرام نوعاً ولا صنفاً باختلاف غاياته ، فالأصل عدم وجوب التعيين ، وأخباره مبنية على‏ الغالب أو الفضل ، وكذا العدول والاشتراط (1). انتهى‏.
    وفيه نظر كسائر ما استدل به لهذا القول.
    وأما اعتبار نية الوجه ففيه حيثما لا يتوقّف عليه التعيين الكلام المعروف المتقدم في كتاب الطهارة.
    ( ولو نوى‏ نوعاً ) مثلاً ( ونطق بغيره ) عمداً أو سهواً ( فالمعتبر النية ) أي المنوي كما في بعض الصحاح المتقدّمة (2) مضافاً إلى‏ (3) أن النية أمر قلبي فلا اعتبار بالنطق ، فيصحّ الإحرام بمجرد النية ولو من دونه.
    وعليه يدل نحو الصحيح : إني أُريد التمتع بالعمرة إلى‏ الحجّ ، فكيف أقول ؟ فقال : « تقول : اللّهمّ إني أُريد أن أتمتع بالعمرة إلى‏ الحج على‏ كتابك وسنّة نبيك ، وإن شئت أضمرت الذي تريد » (4).
    ( الثاني : التلبيات الأربع ) الآتي بيان صورتها.
    ( ولا ينعقد الإحرام للمفرد والمتمتع إلّا بها ) بإجماع علمائنا ، كما في الانتصار والغنية والخلاف والتذكرة والمنتهى‏ (5) ، عن‏
1 ـ كشف اللثام 1 : 312.
2 ـ الوسائل 12 : 354 أبواب الإحرام ب 22 ح 8.
3 ـ في « ق » و « ك » زيادة : ما دل علي.
4 ـ الكافي 4 : 332/3 ، الفقيه 2 : 207/941 ، التهذيب 5 : 79/261 ، الاستبصار 2 : 167/551 ، الوسائل 12 : 342 أبواب الإحرام ب 17 ح 1.
5 ـ الانتصار : 102 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 574 ، الخلاف 2 : 289 ؛ التذكرة 1 : 327 ؛ المنتهى 2 : 676.


(210)
وغيرها (1) ، والنصوص مستفيضة جدّاً كما سيأتي إليها الإشارة أيضاً.
    وهل يعتبر مقارنة النية لها ، كما في صريح السرائر واللمعة والمنتهى‏ والتنقيح (2) ، وعن غيرها صريحاً وظاهراً (3) ، أم لا ، كما عن جملة من القدماء (4) ، وذهب إليه جماعة من متأخري المتأخرين أيضاً (5) ، وعزاه في الروضة إلى‏ المشهور ؟ إشكال :
    من استفاضة الصحاح وغيرها برجحان تأخيرها لمن حجّ من طريق المدينة من المسجد إلى‏ أن تعلو راحلته البيداء ، ففي الصحيح بعد ذكر الدعاء المستحب عند الإحرام : « ويجزيك أن تقول هذا مرة واحدة حين تحرم ، ثم قم فامش هنيئة ، فإذا استوت بك الأرض ماشياً أو راكباً فلبِّ » (6).
    وظاهره وإن أفاد الوجوب كغيره إلّا أنه محمول على‏ الفضيلة ، كما يستفاد من آخر : « إن أحرمت من غمرة أو بريد البعث صلّيت وقلت ما يقول المحرم في دبر صلاتك ، وإن شئت لبّيت من موضعك ، والفضل أن تمشي قليلاً ثم تلبّي » (7).
1 ـ جواهر الفقه : 41 ، الذخيرة : 578 ، الحدائق 15 : 40.
2 ـ السرائر 1 : 536 ، اللمعة ( الروضة البهية 2 ) : 229 ، المنتهى 2 : 676 ، التنقيح الرائع 1 : 459.
3 ـ الدروس 1 : 347 ، المسالك 1 : 106 ، وحكاه فيه عن المحقق الثاني ايضاً.
4 ـ منهم : الشيخ في المبسوط 1 : 316 ، التهذيب 5 : 84 ، وابن حمزة في الوسيلة : 161.
5 ـ منهم : السبزواري في الذخيرة : 578 ، والفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 313 ، وصاحب الحدائق 15 : 41.
6 ـ الكافي 4 : 331/2 ، الفقيه 2 : 206/939 ، التهذيب 5 : 77/253 ، الوسائل 12 : 340 أبواب الإحرام ب 16 ح 1.
7 ـ الفقيه 2 : 208/944 ، الوسائل 12 : 372 أبواب الإحرام ب 35 ح 1.
رياض المسائل الجزء السادس ::: فهرس