رياض المسائل الجزء السادس ::: 211 ـ 225
(211)
    ونحوه غيره ممّا يأتي.
    ومن استفاضة النصوص أيضاً بعدم جواز المرور عن الميقات إلّا محرماً كما مضى (1).
    والجمع بينهما ممكن بأحد وجهين :
    إما بجمل الأوّلة على‏ أن المراد بها استحباب رفع الصوت بالتلبية ، وإلّا فلا بد من المقارنة ، عملاً بالأخبار الأخيرة.
    ويستأنس لهذا الجمع ملاحظة الصحيح : « إن كنت ماشياً فاجهر بإحرامك وتلبيتك من المسجد ، وإن كانت راكباً فاذا علت راحلتك البيداء » (2).
    والخبر : هل يجوز للمتمتع بالعمرة إلى‏ الحج أن يظهر التلبية في مسجد الشجرة ؟ فقال : « نعم » الحديث (3).
    وذلك لأن المأمور به فيهما الإجهار بالتلبية ، لا نفسها ، وفيهما إشعار ـ لذلك ـ ولا سيّما الثاني بأن التلبية لا بدّ منها.
    أو بحمل الثانية على‏ أن المراد بالإحرام فيها الذي لا يجوز المرور عن الميقات إلّا به إنما هو نيته وليس الثوبين خاصة ، لا التلبية.
    ويستأنس لهذا الجمع بأنّ في الصحاح السابقة ما لا يقبل الجمع الأول إلّا بتكلّف بعيد ، كالصحيح : إنه عليه السلام صلّى‏ ركعتين وعقد في مسجد
1 ـ في ص : 176.
2 ـ التهذيب 5 : 85/281 ، الاستبصار 2 : 17/563 ، الوسائل 12 : 369 أبواب الإحرام ب 34 ح 1.
3 ـ الكافي 4 : 334/12 ، التهذيب 5 : 84/280 ، الاستبصار 2 : 17/562 ، الوسائل 12 : 372 أبواب الإحرام ب 35 ح 2.


(212)
الشجرة ثم خرج فأتى‏ بخَبيص (1) فيه زعفران ، فأكل قبل أن يلبّي منه (2).
    وقريب منه النصوص الآتية.
    وثانياً ملاحظة كلام الشيخ في التهذيب بعد نقل هذه الأخبار الأخيرة حيث قال :
    والمعنى‏ في هذه الأحاديث أن من اغتسل للإحرام وصلّى وقال ما أراد من القول بعد الصلاة لم يكن في الحقيقة محرماً ، وإنما يكون عاقداً للحجّ والعمرة ، وإنما يدخل في أن يكون محرماً إذا لبّى ، والذي يدل على‏ هذا المعنى‏ ما رواه موسى بن القاسم عن صفوان عن معاوية بن عمار ، وغير معاوية ممن روي عنه صفوان هذه الأحاديث ، يعني هذه الأحاديث المتقدّمة ، وقال : هي عندنا مستفيضة ، عن أبي جعفر وأبي عبد اللَّه عليهما السلام أنهما قالا : « إذا صلّى‏ الرجل ركعتين وقال الذي يريد أن يقول من حجّ أو عمرة في مقامه ذلك فإنه إنما فرض على‏ نفسه الحج وعقد عقد الحجّ » وقالا : « إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله حيث صلّى‏ في مسجد الشجرة صلّى‏ وعقد الحجّ » ولم يقولا : صلّى‏ وعقد الإحرام ، فلذلك صار عندنا أن لا يكون عليه فيما أكل ممّا يحرم على‏ المحرم. ولأنه قد جاء في الرجل يأكل الصيد قبل أن يلبّي وقد صلّى‏ وقد قال الذي يريد أن يقول ولكن لم يلبِّ ، وقالوا : قال أبان بن تغلب ، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام : يأكل الصيد وغيره فإنما فرض على‏ نفسه الذي قال ، فليس له عندنا أن يرجع حتى يتم إحرامه ، فإنما فرضه عندنا عزيمة حين فعل ما فعل ، لا يكون له أن يرجع إلى‏ أهله حتى‏
1 ـ الخبيص : طعام معمول من التمر والزبيب والسمن. مجمع البحرين 4 : 167.
2 ـ الفقيه 2 : 208/948 ، التهذيب 5 : 82/275 ، الاستبصار 2 : 188/633 ، الوسائل 12 : 333 أبواب الإحرام ب 14 ح 3.


(213)
يمضي ، وهو مباح له قبل ذلك ، وله أن يرجع متى ما شاء ، وإذا فرض على‏ نفسه الحج ثم أتمّ بالتلبية فقد حرم عليه الصيد وغيره ، ووجب عليه في فعله ما يجب على‏ المحرم لأنه قد يوجب الإحرام ثلاثة أشياء : الإشعار والتلبية والتقليد ، فاذا فعل شيئاً من هذه الثلاثة فقد أحرم ، وإذا فعل الوجه الآخر قبل أن يلبّي فقد فرض (1). انتهى‏.
    ولعلّ الترجيح لهذه الجمع لوضوح الشاهد عليه من النصوص المعتبرة المفتى بها عند شيخ الطائفة.
    إلّا أن يقال : إن ظاهرها انعقاد الإحرام بالنية من غير تلبية من جهة ، وعدمه من جهة أُخرى.
    وهذا التفصيل لم يظهر به قائل من الفقهاء ، بل ظاهرهم أنه إن انعقد بها من دون التلبية انعقد مطلقاً ، فيحرم عليه الصيد أيضاً ، وإلّا فلا كذلك ، فيجوز له الرجوع والمضي إلى‏ أهله. وفتوى الشيخ غير معلومة لاحتمال ذكره ذلك احتمالاً وجمعاً. لكنه خلاف الظاهر ، وعدم ظهور قائل بخلاف ذلك أو ظهور كلام الأكثر فيه ليس إجماعاً ، سيّما مع فتواهم بجواز المحرّمات بعد النية قبل التلبية من غير تصريح بوجوب إعادتها عند التلبية كما يأتي ، فيكون النصّ الشاهد عن المعارض سليماً ، فيتعيّن العمل به جدّاً.
    وعلى‏ هذا فمعنى‏ عدم الانعقاد إلّا بها أنه ما لم يلبِّ كان له ارتكاب المحرّمات على‏ المحرم ، ولا كفارة عليه وإن لم يجز له فسخ النية. ولكن الأحوط مراعاة المقارنة ، خروجاً عن شبهة الخلاف فتوىً وروايةً.
    ( أمّا القارن فله أن يعقده ) أي الإحرام ( بها ) أي بالتلبية ( أو
1 ـ التهذيب 5 : 83.

(214)
بالإشعار أو التقليد على‏ الأظهر ) الأشهر ، بل عليه عامة من تأخر ، وفي ظاهر الخلاف والغنية بل المنتهى‏ والمختلف الإجماع عليه (1) للصحاح المستفيضة الصريحة ، وغيرها من المعتبرة :
    منها ـ زيادةً على‏ ما مرّ هنا قريباً ، وفي بحث امتياز القران عن الإفراد سابقاً (2) ـ الصحيح : « يوجب الإحرام ثلاثة أشياء : التلبية أو الإشعار أو التقليد ، فاذا فعل شيئاً من هذه الثلاثة فقد أحرم » (3) وبمعناه كثير.
    ومنها الصحيح (4) وغيره (5) : هما بمنزلة التلبية.
    خلافاً للمرتضى‏ والحلّي (6) ، فاقتصرا على‏ التلبية لأدلة لا وقع لها في مقابلة ما سمعته ، إلّا على‏ تقدير عدم الاعتماد على‏ الآحاد ولو كانت صحيحة ، كما هو أصلهما فيها.
    وفيه : أنها محفوفة بالقرينة ، وهي عمل الأصحاب كافة ، بل المرتضى‏ مخالفته غير معلومة ، كما أشار إليه في المختلف ، فقال بعد نقل أدلته على‏ وجوب التلبية : والظاهر أنه ذكرها مبطلة لاعتقاد مالك والشافعي وأحمد من استحباب التلبية مطلقاً ، فتوهّم ابن إدريس أن ذلك في حق القارن أيضاً (7). انتهى‏.
1 ـ الخلاف 2 : 289 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 574 ، المنتهى 2 : 676 ، المختلف : 265.
2 ـ في ص 126.
3 ـ التهذيب 5 : 43/129 ، الوسائل 11 : 279 أبواب أقسام الحج ب 12 ح 20.
4 ـ الفقيه 2 : 209/956 ، الوسائل 11 : 277 أبواب أقسام الحج ب 12 ح 11.
5 ـ الكافي 4 : 297/5 ، الوسائل 11 : 276 أبواب أقسام الحج ب 12 ح 7.
6 ـ المرتضي في الانتصار : 102 ، الحلي في السرائر 1 : 532.
7 ـ المختلف : 265.


(215)
    وهو حسن ، ويعضده أنه في المنتهى‏ والشيخ وابن زهرة في كتابيهما المتقدم إليهما الإشارة قد ذكروا أدلة السيّد على‏ وجوب التلبية ، مع أنهم ادّعوا الإجماع في عنوان المسألة على‏ وجوبها أو ما يقوم مقامها من الإشعار والتقليد.
    ومع ذلك فمذهبهما في الآحاد ضعيف ، كما حقّق في الأُصول.
    ويحكى عن الشيخ في الجمل والمبسوط وابني حمزة والبّراج (1) اشتراط الانعقاد بهما بالعجز عن التلبية وكأنهم جمعوا بين هذه الأخبار وعمومات الأمر بالتلبية.
    وفيه : أنه ليس أولى‏ من تخصيص الأخيرة بمن عدا القارن ، بل هو أولى‏ كما لا يخفى‏.
    ( وصورتها ) كما هنا وفي الشرائع وعن المقنعة في نقل (2) ، ويميل اليه الفاضل في المنتهى‏ والتحرير (3) ( لبّيك ، اللهم لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ) واختاره شيخنا في المسالك ، وسبطه (4) ، وجماعة ممن تأخر عنهما (5).
    للصحيح : « التلبية أن تقول : لبّيك ، اللهم لبّيك ، لبّيك لا شريك لك‏
1 ـ حكاه عنهم في الكشف اللثام 1 : 314 ؛ وانظر الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 226 ، والمبسوط 1 : 308 ، والوسيلة : 158 ، والمهذب 1 : 215.
2 ـ الشرائع 1 : 246 ، وحكاه عن المقنعة في كشف اللثام 1 : 313 وهو في المقنعة : 397 علي نسخة اشير اليها في الهامش.
3 ـ المنتهى 2 : 677 ، التحرير 1 : 96.
4 ـ المسالك 1 : 107 ، وسبطه في المدارك 7 : 268.
5 ـ منهم : السبزواري في الذخيرة : 578 ، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 313 ، وصاحب الحدائق 15 : 60.


(216)
لبّيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ، لبيك ذا المعارج لبيك » إلى‏ أن قال عليه السلام : « واعلم أنه لا بدّ من التلبيات الأربع التي كنّ أول الكلام ، وهي الفريضة ، وهي التوحيد ، وبها لبّى المرسلون » (1).
    فإنه إنما أوجب التلبيات الأربع ، وهي تتم بلفظ « لبيك » الرابع.
    ( وقيل : ويضيف إلى‏ ذلك : إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ) والقائل جماعة من أعيان القدماء كالقديمين والصدوقين والمقنعة على‏ نقل (2) ، وغيرهم (3) لوروده في الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة (4).
    ولا ينافيها الصحيحة السابقة لاحتمال رجوع الإشارة إلى‏ ما قبل الخامسة ، كما هو ظاهر المختلف (5) ، والرضوي ، وفيه : « تقول : لبيك ، اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك ، لا شريك لك ، هذه الأربعة مفروضات » (6) ونحوه المروي في الخصال (7).
    وهو أحوط وإن كان في تعيّنه نظر لضعف الأحمال في الصحيح ، وقصور الخبرين سنداً عن تقويته ، مع معارضتهما بصريح الصحيح‏
1 ـ الكافي 4 : 335/3 ، التهذيب 5 : 91/300 ، الوسائل 12 : 382 أبواب الإحرام ب 40 ح 2.
2 ـ نقله عن العماني والإسكافي ووالد الصدوق في المختلف : 265 ، الصدوق في المقنع : 69 ، المقنعة : 397.
3 ـ كالمراسم : 108.
4 ـ الوسائل 12 : 382 أبواب الإحرام ب 40.
5 ـ المختلف : 265.
6 ـ فقه الرضا ( عليه السلام ) : 216 ، المستدرك 9 : 176 أبواب الإحرام ب 23 ح 2.
7 ـ الخصال : 603/9 ، الوسائل 11 : 233 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 29.


(217)
المتضمن لحذفه ، وفيه : « تقول : لبيك ، اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، لبيك ذا المعارج لبيك ، لبيك بحجة تمامها عليك » الحديث (1).
    فمختار المتن أقوى ، إلّا أن يضعف بعدم ظهور قائل به من القدماء ولا المتأخرين عدا الماتن وجملة ممن تأخر عنه ، وقولهم بالإضافة إلى‏ الباقين نادر ، كاد أن يقطع بمخالفتهم لاتفاقهم ، فإن كلماتهم مطبقة على‏ اعتبار هذه الزيادة وإن اختلفت في محلّها :
    فبين من جعلها بعد ما في العبارة ، كمن تقدّم إليهم الإشارة.
    وبين من جعله بعد لبيك الثالثة ، وهم أكثر المتأخرين كما في المدارك (2) ، بل القدماء أيضاً ، فقد حكي عن جمل السيّد وشرحه والمبسوط والسرائر والغنية والكافي والوسيلة والمهذّب والنهاية والإصباح (3) ، وبه أفتى‏ الفاضل في القواعد والتحرير والمنتهى‏ (4) أوّلاً.
    فمخالفتهم مشكل ، سيّما مع موافقة الصحاح المستفيضة وغيرها لهم من غير معارض صريح ، عدا الصحيح الأخير. وصرف التوجيه اليه باحتمال سقوط الزيادة من القلم أسهل ، سيّما مع تضمنه الزيادة المستحبة اتفاقاً ، وهذه الزيادة راجحة إجماعاً ، فكيف لا تتضمنها ؟!
    ويكف كان فمراعاة وجوب الإضافة لعلّه أولى‏.
1 ـ التهذيب 5 : 92/301 ، الوسائل 12 : 383 أبواب الإحرام ب 40 ح 3.
2 ـ المدارك 7 : 268.
3 ـ جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضي 3 ) : 67 ، شرح جمل العلم والعمل : 224 ، المبسوط 1 : 316 ، السرائر 1 : 536 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 574 ، الكافي في الفقه : 193 ، الوسيلة : 161 ، المهذب 1 : 215 ، النهاية : 215.
4 ـ القواعد 1 : 80 ، التحرير 1 : 96 ، المنتهى 2 : 676.


(218)
    وأمّا محلّها فهو ما عليه الطائفة الأُولى‏ لكونه الوارد في الصحاح وغيرها. وأما ما عليه الاُخرى فلم أجد لهم مستنداً ، وبه صرّح جمع من متأخري أصحابنا (1) ، وتعجّبوا عن الشهيد في الدروس حيث جعل ما هم عليه أتمّها ، وما اخترناه حسناً ، وما في المتن مجزياً (2).
    ( وما زاد على‏ ذلك ) من التلبيات الواردة في الصحيح وغيره ( مستحب ) وليس بواجب ، بلا خلاف فيه بيننا على‏ الظاهر ، والمصرَّح به في جملة من العبائر ، بل عن التذكرة وفي المنتهى‏ (3) الإجماع ، وفي الأخير : إن على‏ عدم الوجوب إجماع العلماء.
    وقد مرّ من النصوص ما يصلح لأن يكون لكل من الاستحباب وعدم الوجوب مستنداً.
    ( و ) يتفرع على‏ عدم انعقاد الإحرام إلّا بأحد الأُمور الثلاثة أنه ( لو عقد الإحرام ) أي نواه ولبس الثوبين و ( لم يلبِّ ) ولم يشعر ولم يقلّد ( لم يلزمه كفارة بما يفعله ) مما يوجبها في الإحرام. وبالإجماع هنا بالخصوص صرّح جماعة (4) ، والصحاح به مع ذلك بالخصوص مستفيضة ، مضافاً إلى‏ غيرها من المعتبرة ، وقد مرّ إلى‏ جملة منها الإشارة (5) ، ومنها زيادةً عليه الصحيح : ( لا بأس أن يصلّي الرجل في مسجد الشجرة ويقول‏
1 ـ منهم : صاحب المدارك 7 : 270 ، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 313 ، وصاحب الحدائق 15 : 60.
2 ـ الدروس 1 : 347.
3 ـ التذكرة 1 : 327 ، المنتهى 2 : 677.
4 ـ منهم السيد المرتضي في الانتصار : 96 ، وصاحب المدارك 7 : 273 ، والفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 313.
5 ـ في ص 211.


(219)
الذي يريد أن يقوله ولا يلبّي ، ثم يخرج فيصيب من الصيد وغيره وليس عليه شيء » (1).
    والصحيح : في الرجل يقع على‏ أهله بعد ما يقعد الإحرام ولم يلبِّ ، قال : « ليس عليه شي‏ء » (2).
    وما يخالف ذلك من بعض الصحاح (3) مع قطعه شاذ ، وحمله الشيخ تارة على‏ ما إذا أسرّ بالتلبية (4) ، وأُخرى على‏ الاستحباب (5).
    وهل يلزمه تجديد النية بعد ذلك ؟ ظاهر جملة من الروايات ، ولا سيّما ما تقدم : العدم.
    لكن في المرسل : رجل يدخل مسجد الشجرة فصلّى وأحرم وخرج من المسجد ، فبدا له قبل أن يلبّي أن ينقض ذلك بمواقعة النساء ، إله ذلك ؟ فكتب : « نعم » أو : « لا بأس به » (6).
    وفيه إشعار باللزوم لمكان لفظ النقض في السؤال ، مع التقرير له منه عليه السلام ، وبه صرّح في الانتصار ، فقال : ويجب على‏ هذا إذا أراد الإحرام أن يستأنفه ويلبّي فإن الإحرام الأول قد رجع عنه (7).
1 ـ التهذيب 5 : 82/272 ، الاستبصار 2 : 188/631 ، الوسائل 12 : 333 أبواب الإحرام ب 14 ح 1.
2 ـ التهذيب 5 : 82/274 ، الاستبصار 2 : 188/632 ، الوسائل 12 : 333 أبواب الإحرام ب 14 ح 2.
3 ـ التهذيب 5 : 317/1091 ، الاستبصار 2 : 190/638 ، الوسائل 12 : 337 أبواب الإحرام ب 14 ح 14.
4 ـ التهذيب 5 : 317.
5 ـ الاستبصار 2 : 190.
6 ـ الكافي 4 : 331/9 ، الفقيه 2 : 208/950 ، الوسائل 12 : 337 أبواب الإحرام ب 14 ح 12.
7 ـ الانتصار : 96.


(220)
    وهو أولى‏ وأحوط ، وفاقاً لجمع ممن تأخر (1).
    ولا ريب في لزومه على‏ القول باعتبار المقارنة وثبوته ، وعليه فلا بدّ من تجديد النية في الميقات مع فعل المنافي قبل التلبية بعد تجاوزه مع إمكانه.
    قيل : وعلى‏ تقدير لزوم التجديد يكون المنوي عند عقد الإحرام اجتناب ما يجب على‏ المحرم اجتنابه من حين التلبية (2).
    ( والأخرس يجزئه تحريك لسانه والإشارة بيده ) أي بإصبعه ، كما في القوي : « تلبية الأخرس وتشهده وقراءة القران في الصلاة تحريك لسانه وإشارته بإصبعه » (3).
    وليكن مع عقد قلبه بها ، كما في الشرائع وغيره (4) لأنها بدونه لأ كون إشارة إليها ، ولذا لم يصرّح به الأكثر ، ولا ذكر في الخبر ، وتعرّض له الإسكافي ولم يتعرض للإشارة ، بل قال : يجزئه تحريك لسانه مع عقده إياها بقلبه ، ثم قال : ويلبّى عن الصبي والأخرس والمغمى‏ عليه (5).
    قيل : استناداً إلى‏ خبر زرارة : إن رجلاً قدم حاجّاً لا يحسن أن يلبّي ، فاستفتي له أبو عبد اللَّه عليه السلام ، فأمر أن يلبّي عنه (6). ولأن أفعال الحجّ والعمرة
1 ـ منهم : صاحب المدارك 7 : 273 ، والفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 313.
2 ـ المدارك 7 : 273.
3 ـ الكافي 4 : 335/2 ، التهذيب 5 : 93/305 ، الوسائل 12 : 381 أبواب الإحرام ب 39 ح 1.
4 ـ الشرائع 1 : 245 ، القواعد 1 : 80 ، الدروس 1 : 347 ، والمدارك 7 : 266 ، كشف اللثام 1 : 314.
5 ـ نقله عن الإسكافي في المختلف : 266.
6 ـ الكافي 4 : 504/13 ، التهذيب 5 : 244/828 ، الوسائل 12 : 381 أبواب الإحرام ب 39 ح 2.


(221)
تقبل النيابة ، ولا تبرأ الذمة عنها بيقين ما لم يوقعها بنفسه أو بنائبه ، وكما يجب تحريك اللسان للتلبية يجب التلفظ بها ليوقع الأول بنفسه والثاني بنائبه ، ولا دلالة لكلامه ولا للخبر على‏ الاجتزاء بالتلبية عنه وعدم وجوب الإشارة ليخالف الخبر الأول وعمل الأصحاب به ، بل الأولى‏ الجمع بين الأمرين. ولا ينافيه قوله أوّلاً : يجزئه تحريك لسانه إلى‏ آخره ، فلعلّه أراد أنه يجزئه فيما يلزمه مباشرته ، فلا يرد عليه ما في المختلف من أنه يشعر بعدم وجوب التلبية عليه ، وأنه يجزئه النيابة مع أنه متمكن من الإتيان بها على‏ الهيئة الواجبة عليه مباشرة ، فكيف يجوز له فيها الاستنابة (1). انتهى‏.
    وفيما ذكر جملة مناقشة :
    أما الرواية فمع عدم وضوح سندها ومخالفتها لما عليه الأصحاب هنا غير واضحة الدلالة لكونها قضية في واقعة ، فيحتمل الورود في غير مفروض المسألة ، بل لعلّه الظاهر ، فإن الظاهر ممن لا يحسن نحو الأعجمي الغير القادر على‏ التكلم بالعربية ، دون الأخرس ، فإنه غير قادر على‏ التلبية ، لا غير محسن لها.
    ويميل إلى‏ هذه الرواية في الأعجمي الشهيد حيث قال : ولو تعذر عليه التلبية ففي ترجمتها نظر ، وروى أن غيره يلبّي عنه (2).
    والظاهر أن مراده من الرواية هذه ، وإلّا فلم نجد غيرها وارداً في خصوص الأعجمي ، وهو مؤيد لما ذكرنا من أنه المفهوم من الرواية ، ومع ذلك فتحتمل هي وكلام الإسكافي الاختصاص بالأخرس الذي لا يتمكن من الإشارة ، كالأصمّ الأبكم الذي لم يسمع التلبية ولا يمكن تعريفها له‏
1 ـ كشف اللثام 1 : 314.
2 ـ الدروس 1 : 347.


(222)
بالكلية.
    وأما قبول أفعال الحجّ النيابة ـ فعلى تقدير تسليمه كليّةً ـ إنما هو مع العجز عن المباشرة ، ولا عجز عنها بعد ورود النص المعتبر المتفق عليه بكفاية تلبيته بتحريك اللسان والإشارة.
    وإلحاق التلفظ بها بتحريك اللسان فيجب الإتيان به ولو نيابةً قياس ؛ لأن وجوب الأصل إنما هو للنص عليه بالخصوص أو العموم ، ولا شي‏ء منهما في الفرع بموجود ، لفقد الخصوص ، بناءً على‏ ما مرّ من ضعف دلالة الخبر على‏ الحكم في محل البحث ، وكذا العموم ، لأنه حديث الميسور (1) ، والمراد به جزء المأمور به الذي الأصل فيه المباشرة عرفاً ولغة ، وتلفظ الغير ليس بجزء حتى يكون ميسوراً من المأمور به ، وإنما الميسور منه هنا تحريك اللسان وعقد القلب خاصة.
    ودعوى‏ عدم المنافاة بين الخبرين والكلامين مكابرة ، بل المنافاة سيّما بين الخبرين لظهور كلّ منهما ولا سيّما الأول بإجزاء ما فيه عن الفرض مطلقاً.
    وكيف كان ، فما عليه الأصحاب أقوى وإن كان الجمع بين الأمرين أحوط وأولى.
    ( الثالث : لبس ثوبي الإحرام ، وهما واجبان ) بغير خلاف أجده ، وبه صرّح جماعة (2) ، مؤذنين بدعوى‏ الإجماع عليه ، كما في صريح التحرير وغيره (3) ، بل في المنتهى‏ : لا نعلم فيه خلافاً (4).
1 ـ عوالي اللاليء 4 : 58/205.
2 ـ منهم : السبزواري في الكفاية : 58 ، والذخيرة : 580.
3 ـ التحرير 1 : 96 ؛ والمفاتيح 1 : 313.


(223)
    والأصل فيه بعده التأسي ، والصحاح المستفيضة المتضمنة للأمر به (1). وضعف دلالته على‏ الوجوب فيها ـ لكونه من الأئمّة عليهم السلام ، ووروده في سياق الأوامر المستحبة ـ مجبور بالإجماع عموماً وخصوصاً كما عرفته.
    وما يقال على‏ الأول من أن اللبس من العادات التي لم يثبت كونه من العبادات ، فيه ما فيه فإن الاستمرار على‏ مثل هذا النوع من اللبس ، والتجرد من المخيط في الوقت ، ممّا يقطع بكونه من العبادات ، فتأمل.
    وهل هو شرط في صحة الإحرام حتى لو أحرم عارياً أو لابساً مخيطاً لم ينعقد ، كما عن ظاهر الإسكافي (2) ؛ أم لا ، بل يترتب عليه الإثم خاصة ، كما صرّح به من المتأخرين جماعة (3) ؟
    ظاهر الأصحاب كما ذكره الشهيد العدم (4) ، قال : لأنهم قالوا : لو أحرم وعليه قميص نزعه ولا يشقه ، ولو لبسه بعد الإحرام وجب شقه وإخراجه من تحت ، كما هو مروي (5).
    ويضعف : بأن كلامهم هذا قد يدل على‏ عدم الانعقاد ، فإن الشق والإخراج من تحت للتحرز عن ستر الرأس ، فلعلّهم لم يوجبوه في الأول لعدم الانعقاد.
    وفيه نظر لبعد الاحتمال ، إذ لو كان لعدم الانعقاد للزمهم التصريح‏
1 ـ الوسائل 12 : 408 أبواب الإحرام ب 52.
2 ـ نقله عنه في المختلف : 264.
3 ـ منهم : الشهيد الثاني في الروضة البهية 2 : 232 ، وصاحب المدارك 7 : 274 ، والسبزواري في الذخيرة : 580.
4 ـ الدروس 1 : 345.
5 ـ الكافي 4 : 348/1 ، التهذيب 5 : 72/238 ، الوسائل 12 : 488 أبواب تروك الإحرام ب 45 ح 2.


(224)
كي لا يتوهم الخلاف ، سيّما وأنه ظاهر جملة من النصوص الدالّة على‏ هذا الحكم :
    منها : الخبر فيمن أحرم في قميصه وهو ينتف شعره ويضرب وجهه بعد ما لامه الناس وقالوا له : عليك بدنة والحجّ من قابل وحجك فاسد ، فدنا من مولانا الصادق عليه السلام ، فقال له عليه السلام : « اسكن يا عبد اللَّه ، ما تقول ؟ » قال : كنت رجلاً أعمل بيدي ، فاجتمعت لي نفقة فجئت أحجّ لم أسأل أحداً عن شي‏ء ، فأفتوني هؤلاء أن أشق قميصي وأنزعه من قبل رجلي وأن حجي فاسد وأن عليّ بدنة ، فقال عليه السلام : « متى لبست قميصك ، أبعد ما لبّيت أم قبل ؟ » قال : قبل أن أُلبّي ، قال : « فأخرجه من رأسك فإنه ليس عليك بدنة ، وليس عليك حجّ من قابل ، أيّ رجل ركب أمراً بجهالة فلا شي‏ء عليه ، طُف بالبيت سبعاً ، وصلّ عند مقام إبراهيم ، واسعَ بين الصفا والمروة ، وقصّر من شعرك ، فاذا كان يوم التروية فاغتسل وأهلّ بالحجّ واصنع كما يصنع الناس » (1).
    وقريب منه آخر (2).
    وفرقهما بين الجهل والعمد الظاهر أنه إنما هو بالإضافة إلى‏ نفي الكفارة ، وإلّا فالجهل ليس عذراً لصحة العبادة مع المخالفة وعدم المطابقة ، فتأمل.
    هذا ، ويؤيد عدم الاشتراط إطلاق ما مرّ من الصحاح من أن الإحرام ينعقد بالتلبية وما في معناه ، وأنه عبارة عنها ، فتدبر.
    والمراد بالثوبين الإزار والرداء بلا إشكال فيه ، ولا في كون المعتبر من‏
1 ـ التهذيب 5 : 72/29 ، الوسائل 12 : 488 ، أبواب تروك الإحرام ب 45 ح 3.
2 ـ الكافي 4 : 348/2 ، الوسائل 12 : 489 أبواب تروك الإحرام ب 45 ح 4.


(225)
الأول ما يستر العورة وما بين الركبتين إلى‏ السرّة ، ومن الثاني ما يوضع على‏ المنكبين ، كما في صريح المسالك وظاهر غيره (1) ، ويستفاد من النصوص.
    ففي الصحيح : « والتجرد في إزار ورداء أو إزار وعمامة يضعها على‏ عاتقه لمن لم يكن له رداء » (2).
    وفي التوقيع المروي في الاحتجاج ، عن مولانا صاحب الزمان عجل اللَّه تعالى‏ فرجه : « جائز أن يتّزر الإنسان كيف شاء إذا لم يحدث في المئزر حدثاً بمقراض ولا إبرة يخرجه عن حدّ المئزر وغرزه غرزاً (3) ، ولم يعقده ولم يشدّ بعضه ببعض ، وإذا غطّى‏ السرة والركبتين كليهما ، فإن السنّة المجمع عليها بغير خلاف تغطية السرّة والركبتين ، والأحب إلينا والأكمل لكل أحد شدّه على‏ السبيل المألوفة المعروفة [ للناس ] جميعاً إن شاء اللَّه تعالى‏ » (4).
    وما فيه من النهي عن عقد الإزار الأحوط مراعاته ، فقد ورد في غيره كالقولي ، أو الصحيح ـ كما قيل ـ : نهى‏ عن عقده في عنقه (5).
    والمروي في قرب الإسناد : « المحرم لا يصلح له أن يعقد إزاره على‏ رقبته ، ولكن يثنّيه على‏ عنقه ولا يعقده » (6).
    وحكي عن الفاضل والشهيد في الدروس وغيرهما (7).
1 ـ المسالك 1 : 107 ؛ وانظر الروضة 2 : 232 والمدارك 7 : 274.
2 ـ الكافي 4 : 249/7 ، الوسائل 11 : 223 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 15.
3 ـ غرز الابرة في الشيء : أدخلها. لسان العرب 5 : 386.
4 ـ الاحتجاج : 485 ، الوسائل 12 : 502 أبواب تروك الإحرام ب 53 ح 3 ومابين المعقوفين أضفناه من المصدر.
5 ـ الفقيه 2 : 221/1023 ، الوسائل 12 : 502 أبواب تروك الإحرام ب 53 ح 1.
6 ـ قرب الإسناد : 241/953 ، الوسائل 12 : 503 أبواب تروك الإحرام ب 53 ح 5.
7 ـ حكاه عنهم السبزواري في الذخيرة : 580.
رياض المسائل الجزء السادس ::: فهرس