رياض المسائل الجزء السادس ::: 226 ـ 240
(226)
    ولم أقف في كيفية لبس الرداء على‏ نصّ ، وظاهر الأصحاب عدم الخلاف في جواز الارتداء به (1) ، وزاد جمع جواز التوشح (2) ، كشيخنا في المسالك ، نافياً الإشكال عنه (3) ، ولا بأس به ، عملاً بالإطلاق.
    والظاهر أنه لا يجب استدامة اللبس ، كما صرّح به جماعة (4) لصدق الامتثال ، وعدم دليل على‏ وجوب الاستمرار.
    ( والمعتبر ) منهما ( ما يصح الصلاة فيه للرجل ) كما هنا وفي الشرائع والتحرير والمنتهى‏ والقواعد واللمعتين والمسالك (5) ، وعن المبسوط والنهاية والمصباح ومختصره والاقتصاد والكافي والغنية والمراسم (6) ، وفي الكفاية : إنه المعروف بين الأصحاب (7) ، معرباً عن عدم خلاف فيه ، كما صرّح به في المفاتيح (8) ، وهو ظاهر المنتهى‏ وغيره (9) ممن ديدنهم نقل الخلاف حيث كان ، ولم ينقلوه هنا.
    فإن تمّ إجماعاً ، وإلّا فمستنده من النصّ غير واضح ، عدا الصحيح‏
1 ـ أي جعله علي المنكبين.
2 ـ أي جعله علي منكب واحد كما عن الشهيد في بعض حواشيه. وعن جماعة من أهل اللغة أنه إدخاله تحت اليد اليمني وإلقاؤه علي المنكب الأيسر. ( منه رحمه الله ).
3 ـ المسالك 1 : 107.
4 ـ منهم : صاحب المدارك 7 : 274 ، والسبزواري في الذخيرة : 580 ، والكفاية : 58.
5 ـ الشرائع 1 : 246 ، التحرير 1 : 96 ، المنتهى 2 : 681 ، القواعد 1 : 80 ، اللمعة ( الروضة البهية 2 ) : 231 ، المسالك 1 : 107.
6 ـ المبسوط 1 : 319 ، النهاية : 217 ، مصباح المجتهد : 618 ، الاقتصاد : 301 ، الكافي في الفقه : 207 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 574 ، المراسم : 108.
7 ـ كفاية الأحكام : 58.
8 ـ مفاتيح الشرائع 1 : 317.
9 ـ المنتهى 2 : 681 ؛ وانظر الذخيرة : 581 ، وكشف اللثام 1 : 315 ، والحدائق 15 : 81.


(227)
« كلّ ثوب تصلّي فيه فلا بأس أن تحرم فيه » (1).
    وهو بعد تسليمه لا يدل على‏ الحرمة صريحاً ؛ لأعمية البأس المفهوم منها ومن الكراهة ، لو سلّم فلم يفهم منه العموم ، وخصوصاً إن الجلود لا تدخل في الثوب عرفاً فلا يجوز الإحرام فيها مطلقاً.
    نعم ، لا شبهة في حرمة لبس المغصوب والميتة مطلقاً ، والحرير للرجل. ويحتمل حرمة النجس لفحوى‏ الصحيح : عن المحرم يصيب ثوبه الجنابة ، قال : « لا يلبسه حتى يغسله ، وإحرامه تامّ » (2).
    وأما سائر ما يشترط في ثوب الصلاة من عدم كونه مما لا يؤكل لحمه ولا شافاً فلا أعرف عليه دليلاً سوى‏ الاتفاق المستشعر مما مرّ ، مع أن المحكي عن كثير من الأصحاب أنهم لم يتعرضوا لذلك كالشيخ في الجمل وابني إدريس وسعيد ، ولم يذكر المرتضى‏ في الجمل سوى‏ الحرير ، فقال : ولا يحرم في إبريسم (3). وابن حمزة سوى‏ النجس (4). وقال المفيد : ولا يحرم في ديباج ولا حرير ولا خزّ مغشوش بوبر الأرانب والثعالب (5).
    فالتعدي مشكل ، سيّما بعد الأصل وإن كان أحوط.
    واعلم أنه يحرم على‏ المحرم لبس المخيط كما سيأتي ، وعليه الإجماع في المنتهى‏ هنا (6).
1 ـ الكافي 4 : 339/3 ، الفقيه 2 : 215/976 ، التهذيب 5 : 66/212 ، الوسائل 12 : 359 أبواب الإحرام ب 27 ح 1.
2 ـ الفقيه 2 : 219/1006 ، الوسائل 12 : 476 أبواب تروك الإحرام ب 37 ح 1.
3 ـ ( رسائل المرتضي ) 3 : 66.
4 ـ الوسيلة : 163.
5 ـ المقنعة : 396.
6 ـ المنتهى 2 : 681.


(228)
    ( و ) عليه فلا ( يجوز ) له ( أن يلبس القباء ) إلّا ( مع عدمهما ) أي ثوبي الإحرام ( مقلوباً ) بلا خلاف فيه في الجملة ، وعلى‏ الظاهر ، المصرح به في عبائر جماعة (1) ، بل قيل : بالإجماع (2) ، والمعتبرة المستفيضة :
    منها الصحيح : « إذا اضطر المحرم إلى‏ القباء ولم يجد ثوباً غيره فيلبسه مقلوباً ولا يدخل يديه في يدي القباء » (3).
    والصحيح : « وإن لم يكن له رداء طرح قميصه على‏ عنقه أو قباءه بعد أن ينكسه » (4).
    والصحيح المروي في آخر السرائر عن جامع البزنطي : « من اضطرّ إلى‏ ثوب وهو محرم وليس له إلّا قباء فلينكّسه ويجعل أعلاه أسفله وليلبسه » (5) ونحوه الحسن (6).
    ويستفاد من هذه الأخبار عدا الأول أن المراد من القلب هو النكس ، وبه صرّح جمع ، ومنهم الحلّي مبالغاً فيه (7).
    خلافاً لظاهر إطلاق المتن ، والمحكي عن النهاية والمبسوط والمهذّب والوسيلة وغيرها (8) ، فالتخيير بينه وبين قلب ظهره لباطنه ، وبه‏
1 ـ منهم : المجلسي في مرآة العقول 17 : 295 ، وصاحب الحدائق 15 : 91.
2 ـ المفاتيح 1 : 318.
3 ـ التهذيب 5 : 70/228 ، الوسائل 12 : 486 أبواب تروك الإحرام ب 44 ح 1.
4 ـ التهذيب 5 : 70/229 بتفاوت ، الوسائل 12 : 486 أبواب تروك الإحرام ب 44 ح 2.
5 ـ مستطرفات السرائر : 33/34 ، الوسائل 12 : 478 أبواب تروك الإحرام ب 44 ح 8.
6 ـ الكافي 4 : 347/5 ، الوسائل 12 : 486 أبواب تروك الإحرام ب 44 ح 3.
7 ـ السرائر 1 : 543.
8 ـ النهاية : 218 ، المبسوط 1 : 320 ، المهذب 1 : 212 ، الوسيلة : 162 ؛ وانظر الإرشاد 1 : 316.


(229)
صرّح من المتأخرين كثير ، ومنهم الفاضل في المنتهى‏ والمختلف (1) جمعاً بينها وبين ظاهر الأول وغيره ، وصريح الخبر ، بل الصحيح ـ كما قيل (2) ـ : « ويلبس المحرم القباء إذا لم يكن له رداء ويقلب ظهره لباطنه » (3).
    وليس بذلك البعيد وإن كان الأول أولى‏ وأحوط ؛ لكثرة ما دلّ عليه وصحته وصراحته ، مضافاً إلى‏ نقل الإجماع في المسالك على‏ إجزائه (4). والجمع بينهما أكمل ، كما صرّح به جمع (5).
    وظاهر أكثر النصوص اشتراط فقد الثوبين معاً ، كما هو صريح المتن وكثير ، حتى جعل مشهوراً بين القدماء ، بل الفتاوي كلّها ، عدا الشهيدين ، فاكتفيا بفقد الرداء خاصّة للصحيح الثاني والأخير ، وزاد ثانيهما فقال : أو أحدهما (6). ولم نجد له مستنداً ، وما عليه الأكثر أحوط وأولى.
    وفي اشتراط الاضطرار كما في أكثر النصوص ، أو العدم كما في الباقي ، وجهان. أحوطهما الأول اقتصاراً في الرخصة على‏ المتيقن ، مضافاً إلى‏ التأيد بالشرط وإن لم يصلح سنداً ، لاحتمال وروده كالإطلاق مورد الغالب ، وهو الاضطرار ، فلا ينصرفان إلى‏ غيره.
    ثم ظاهر النصوص والفتاوي أنه ليس بذلك فداء ، إلّا إذا أدخل اليدين في الكمّين فكما إذا لبس مخيطاً. وبه صرّح جماعة من أصحابنا ، كالفاضل‏
1 ـ المنتهى 2 : 683 ، المختلف : 268.
2 ـ الحدائق 15 : 92.
3 ـ الفقيه 2 : 218/997 ، الوسائل 12 : 487 أبواب تروك الإحرام ب 44 ح 7.
4 ـ المسالك 1 : 107.
5 ـ منهم الفاضل المقداد في التنقيح 1 : 461 ، والشهيد الثاني في المسالك 1 : 107 ، والروضة البهية 2 : 233 ، والأردبيلي في مجمع الفائدة 6 : 221.
6 ـ اللمعة و ( الروضة البهية ) 2 : 232 ، المسالك 1 : 107.


(230)
في التحرير والتذكرة والمنتهى‏ (1) ، والفاضل المقداد في التنقيح (2) ، وغيرهما (3) ، ونفي الخلاف عنه إذا توشّح به في الخلاف (4).
    ( وفي جواز لبس الحرير ) المحض ( للمرأة روايتان ، أشهرهما المنع ) وهو مستفيض :
    منها الصحيح : « المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير والقُفّازَين » (5).
    والصحيح المروي عن جامع البزنطي : عن المتمتع كم يجزيه ؟ قال : « شاة » وعن المرأة تلبس الحرير ؟ قال : « لا » (6).
    وعليه الشيخ والصدوق (7) ، ويوافقه إطلاق عبارتي المفيد والمرتضى‏ المتقدّمتين (8).
    خلافاً للمفيد في كتاب أحكام النساء والحلّي وأكثر المتأخرين (9) ،
1 ـ التحرير 1 : 96 ، التذكرة 1 : 326 ، المنتهى 2 : 683.
2 ـ التنقيح الرائع 1 : 461.
3 ـ انظر جامع المقاصد 3 : 168 والروضة البهية 2 : 233 ، وكشف اللثام 1 : 315.
4 ـ الخلاف 2 : 298.
5 ـ الكافي 4 : 344/1 ، التهذيب 5 : 73/243 ، الاستبصار 2 : 308/1099 ، الوسائل 12 : 368 أبواب الإحرام ب 33 ح 9. القفاز بالضم والتشديد شيء بعمل لليدين ويحشي بقطن وتكون له أزرار تلبسه المرأة من نساء العرب تتوقي به من البرد. مجمع البحرين 4 : 31.
6 ـ مستطرفات السرائر : 33/36 ، 37 ، الوسائل 12 : 368 أبواب الإحرام ب 33 ح 8.
7 ـ الشيخ في النهاية : 218 ، الصدوق في المقنع : 72.
8 ـ في ص : 227.
9 ـ أحكام النساء ( مصنفات الشيخ المفيد ) 9 : 35 ، الحلي في السرائر 1 : 531 ؛ ومن المتأخرين : العلامة في المختلف : 266 والإرشاد 1 : 316 ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 3 : 168 ، والسبزواري في الذخيرة : 581.


(231)
فالجواز مع الكراهة أخذاً بالأصل ، والرواية الثانية ، وهي الصحيح : المرأة تلبس القميص تزرّه عليها وتلبس الحرير والخزّ والديباج ؟ فقال : « نعم لا بأس به » (1).
    والخبر : عن المحرمة أيّ شي‏ء تلبس من الثياب ؟ قال : « تلبس الثياب كلّها إلّا المصبوغة بالزعفران والورَس ، ولا تلبس القُفّازَين » (2).
    والأول مخصِّص بما مرّ من الأدلة. والصحيحة غير صريحة في المحرمة. والخبر ضعيف السند والدلالة لقبوله التخصيص بما عدا الحرير ، كما وقع التصريح به في آخر ، وفيه : ما يحلّ للمرأة أن تلبس وهي محرمة ؟ فقال : « الثياب كلّها ما خلا القفّازَين والبرقع والحرير » الحديث (3).
    وهو أولى‏ من الجمع بالكراهة حيثما حصل بينهما معارضة ، كما مرّ غير مرة.
    وأما الاستدلال على‏ الجواز بالصحيحة المتقدّمة (4) : « كلّ ثوب تصلّي فيه فلا بأس أن تحرم فيه » والأخبار المعتبرة (5) المتضمنة للفظ « لا يصلح » أو « لا ينبغي » أو الكراهة الظاهرة فيها بالمعنى المصطلح عليه الآن ، ففيه ما فيه‏ :
1 ـ التهذيب 5 : 74/246 ، الاستبصار 2 : 309/1100 ، الوسائل 12 : 366 أبواب الإحرام ب 33 ح 1.
2 ـ الكافي 4 : 344/2 ، التهذيب 5 : 74/244 ، الوسائل 12 : 366 أبواب الإحرام ب 33 ح 2. الورس : صبغ يتخذ منه الحمرة للوجه ، وهو نبات كالسمسم ليس إلا باليمن. مجمع البحرين 4 : 121.
3 ـ الكافي 4 : 345/6 ، التهذيب 4 : 75/247 ، الاستبصار 1 : 309/1101 ، الوسائل 12 : 367 أبواب الإحرام ب 33 ح 3.
4 ـ في ص : 227.
5 ـ اُنظر الوسائل 4 : 367 أبواب لباس المصلي ب 11.


(232)
لأن الخطاب في الصحيح إلى‏ الرجل حتماً أو احتمالاً متساوياً ، وهو غير ما نحن فيه. هذا على‏ القول بجواز صلاة المرأة في الحرير ، وإلّا فالاستدلال ساقط من أصله.
    والألفاظ المزبورة كثيرة الورود في الأخبار للحرمة ، ولذا كانت فيها أعم منها ومن الكراهة.
    لكن الإنصاف أن الصحيحة الأُولى‏ ظاهرة الورود في المحرمة ، لا يقصر ظهورها عن ظهور النهي في الحرمة. فالمسألة محل إشكال وشبهة ، ولكن المنع أحوط بلا شبهة.
    ( ويجوز أن يلبس أكثر من ثوبين ) إن شاء يتّقي بها الحر والبرد ، كما في الصحيح (1) ، وفي آخر : « لا بأس إذا كانت طاهرة » (2).
    ( وأن يبدّل ثياب إحرامه ) كما في الصحيحين (3) وغيرهما (4).
    ( و ) لكن ( لا يطوف إلّا فيهما ) كما في أحدهما ، وظاهر الأمر فيه الوجوب ، قيل : وقد يوهمه عبارات الشيخ وجماعة (5) ، إلّا أن ظاهر المتأخرين الاتفاق على‏ كون ذلك ( استحباباً ) قيل : للأصل ، وعدم نصوصية الخبر في الوجوب (6). وفيه ـ لولا الاتفاق ـ نظر.
    ولا خلاف أجده في شي‏ء من هذه الأحكام ، وبه صرّح في الأول‏
1 ـ الكافي 4 : 341/10 ، التهذيب 5 : 70/230 ، الوسائل 12 : 362 أبواب الإحرام ب 30 ح 1.
2 ـ الكافي 4 : 340/9 ، الوسائل 12 : 363 أبواب الإحرام ب 30 ح 2.
3 ـ الكافي 4 : 341/11 ، الفقيه 218/1000 ، التهذيب 5 : 71/233 ، الوسائل 12 : 363 أبواب الإحرام ب 31 ح 1 ، 2.
4 ـ الوسائل 12 : 364 أبواب الإحرام ب 31 ح 4.
5 و 6 ـ كشف اللثام 1 : 315.


(233)
بعض الأصحاب (1).
    ( والندب : رفع الصوت بالتلبية للرجل إذا عَلَت راحلته البيداء ) وهو على‏ ميل من ذي الحليفة ، على‏ ما في التحرير والمنتهى‏ (2) ، وعن السرائر والتذكرة (3) ( إن حجّ على‏ طريق المدينة ، وإن كان راجلاً فحيث يحرم ) كما هنا وفي الشرائع والقواعد والتحرير والمنتهى‏ والروضة والمسالك (4) ، وغيرها (5) ، وعن الشيخ وابن حمزة (6) ، لكنهما لم يذكرا الجهر ، بل نفس التلبية.
    للصحيح (7). وبه جمع الشيخ (8) بين الأخبار الآمرة بالتأخير إلى‏ البيداء بقول مطلق ، وما دلّ على‏ جواز التلبية من المسجد كذلك من الموثق وغيره (9) ، بحمل الأوّلة على‏ الراكب ، والأخيرين على‏ غيره.
    وفيه : أن من جملة الأوّلة ما صرّح بالعموم ، كالصحيح : « صلّ المكتوبة ثمّ أحرم بالحجّ أو بالمتعة [ واخرج ] بغير تلبية حتى تصعد إلى‏ أول البيداء إلى‏ أول ميل عن يسارك ، فاذا استوت بك الأرض راكباً كنت أو ماشياً فلبِّ » (10).
1 ـ المفاتيح 1 : 317.
2 ـ التحرير 1 : 96 ، المنتهى 2 : 679.
3 ـ السرائر 1 : 535 ، التذكرة 1 : 327.
4 ـ الشرائع 1 : 248 ، القواعد 1 : 80 ، التحرير 1 : 96 ، المنتهى 2 : 679 ، الروضة 2 : 233 : ، المسالك 1 : 108.
5 ـ انظر التذكرة 1 : 327.
6 ـ الشيخ في التهذيب 5 : 85 ، ابن حمزة في الوسيلة : 161.
7 ـ التهذيب 5 : 85/281 ، الاستبصار 2 : 170/563 ، الوسائل 12 : 369 أبواب الإحرام ب 34 ح 1.
8 ـ التهذيب 5 : 85 ، الاستبصار 2 : 170.
9 ـ الوسائل 12 : 369 أبواب الإحرام ب 34 ، وص 372 ب 35 من تلك الأبواب.
10 ـ الكافي 4 : 334/14 ، الوسائل 12 : 370 أبواب الإحرام ب 34 ح 6 ما بين المعقوفين في النسخ : أحرم ، وما أثبتناه من المصادر.


(234)
    وحكي العمل بها عن جملة من القدماء ، كالشيخ في أحد قوليه والقاضي والصدوق والحلّي (1).
    لكن القاضي لم يذكر الجهر ، بل نفس التلبية ، أخذاً بظاهر الأخبار المطلقة.
    والصدوق والحلّي استحبّا الإسرار بها قبل البيداء والجهر فيها ، وهو ظاهر العبارة وما ضاهاها.
    والظاهر أنه لاعتبار المقارنة عندهم أخذاً بما دلّ على‏ عدم جواز التجاوز عن الوقت بغير إحرام ، فحملوا الأخبار على‏ الإجهار.
    وبذلك صرّح في المنتهى‏ هنا ، حيث قال بعد الحكم باستحباب الإجهار : وهذا يكون بعد التلبية سرّاً في الميقات الذي هو ذو الحليفة ؛ لأن الإحرام لا ينعقد إلّا بالتلبية ، ولا يجوز مجاوزة الميقات إلّا محرماً (2).
    ونحو الفاضل المقداد في التنقيح (3).
    ورجّحه في المسالك ، قال : فتكون هذه التلبية غير التي يعقد بها الإحرام في المسجد (4).
    أقول : ولا ريب أنه أحوط وإن كان في تعيّنه نظر فإن من الصحاح ما لا يقبل الحمل على‏ الجهر إلّا بتكلّف بعيد كما مرّ.
    ولو حجّ من غير طريق المدينة لبّى من موضعه إن شاء ، وإن مشى‏
1 ـ الشيخ في المبسوط 1 : 316 ، القاضي في المهذب 1 : 216 ، الصدوق في الهداية : 55 الحلي في السرائر 1 : 535.
2 ـ المنتهى 2 : 679.
3 ـ التنقيح 1 : 459.
4 ـ المسالك 1 : 108.


(235)
خطوات ثم لبّى كان أفضل ، كما في التحرير والمنتهى‏ والمسالك (1) ، وغيرها (2) للصحاح المتضمنة للأمر بالتلبية بعد المشي خطوات (3). وحملت على‏ الأفضلية جمعاً بينها وبين ما دلّ على‏ الجواز حيث شاء.
    ( ولو أحرم من مكّة رفع بها ) صوته ( إذا أشرف على‏ الأبطح ) للصحيح : « فأحرم بالحجّ ، وعليك السكينة والوقار ، فاذا انتهيت إلى‏ الرَّقطاء دون الرَّدم فلبِّ ، فاذا انتهيت إلى‏ الرَّدم وأشرفت على‏ الأبطح فارفع صوتك بالتلبية حتى تأتي منى » (4).
    وحمل على‏ الفضل للآخر : « وإن أهللت من المسجد الحرام بالحجّ فإن شئت لبّيت خلف المقام ، وأفضل ذلك أن تمشي حتى تأتي الرَّقطاء وتلبّي قبل أن تصير إلى‏ الأبطح » (5).
    وإطلاقهما كالعبارة ونحوها يقتضي عدم الفرق في ذلك بين الراكب والماشي.
    خلافاً للشيخ فيلبّي الماشي من الموضع الذي يصلّي فيه ، والراكب يلبّي عند الرَّقطاء وعند شعب الدب (6) للخبر (7). وفيه ضعف سنداً
1 ـ التحرير 1 : 96 ، المنتهى 2 : 679 ، المسالك 1 : 108.
2 ـ انظر السرائر 1 : 536 ، والجامع للشرائع : 183 ، وجامع المقاصد 3 : 170.
3 ـ الوسائل 12 : 372 أبواب الإحرام ب 35.
4 ـ الكافي 4 : 454/1 ، التهذيب 5 : 167/557 ، الوسائل 12 : 408 أبواب الإحرام ب 52 ح 1. الردم بمكة وهو حاجز يمنع السيل عن البيت المحرم ، والرقطاء موضع دون الردم ويسمعي المدعي. راجع مجمع البحرين 4 :249 ، 71 : 6.
5 ـ الفقيه 2 : 207/943 ، الوسائل 12 : 396 أبواب الإحرام ب 46 ح 1.
6 ـ انظر التهذيب 5 : 168.
7 ـ التهذيب 5 : 169/561 ، الاستبصار 2 : 252/886 ، الوسائل 12 : 397 أبواب الإحرام ب 46 ح 2.


(236)
ودلالةً.
    ثم المستفاد من الرواية الأُولى‏ تأخير التلبية إلى‏ الرقطاء دون الرَّدم فيلبّي سراً ، ثم إذا أشرف على‏ الأبطح جهر بها ، وهو نصّ في عدم اعتبار المقارنة.
    وحكي التصريح بمضمونها بعينه عن الصدوق في الهداية (1) ، مع أنه نقل عنه سابقاً اعتبار المقارنة. وهو مناقضة ، إلّا أن يكون لم يعتبرها هنا واعتبرها ثمة ، كما هو ظاهر المحكي عن السرائر والمنتهى‏ والتذكرة (2) ، حيث إنهم عبّروا عن المستحب هنا بما حكي عن المبسوط والنهاية والجامع والوسيلة (3) من أنه إن كان ماشياً لبّى من موضعه الذي صلّى‏ فيه ، وإن كان راكباً لبّى إذا نهض به بعيره ، فاذا انتهى‏ إلى‏ الرَّدم وأشرف على‏ الأبطح رفع صوته بالتلبية ، وحينئذ فينبغي القطع بعدم اعتبارها هنا.
    خلافاً لشيخنا في المسالك ، حيث قال : والكلام في التلبية التي يعقد بها الإحرام كما مرّ ، فيلبّي سرّاً بعد النية ويؤخر الجهر إلى‏ الأبطح (4).
    واعلم أن استحباب الإجهار للرجل دون وجوبه هو المشهور على‏ الظاهر ، المصرَّح به في كلام جمع (5) للأصل السليم عما يصلح للمعارضة.
    خلافاً للشيخ في التهذيب فيجب بقدر الإمكان (6) ، قال : للصحيح‏
1 ـ الهداية : 60.
2 ـ السرائر 1 : 584 ؛ المنتهى 2 : 686 ، التذكرة 1 : 327.
3 ـ المبسوط 1 : 365 ، النهاية : 248 ، الجامع للشرائع : 204 ، الوسيلة : 177.
4 ـ المسالك 1 : 108.
5 ـ منهم : العلامة في المختلف : 265 ؛ السبزواري في الذخيرة : 584 ، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 316.
6 ـ التهذيب 5 : 92.


(237)
« واجهر بها كلّما ركبت ، وكلّما نزلت ، وكلّما هبطت وادياً ، أو علوت أَكَمَة ، أو لقيت راكباً وبالأسحار » (1).
    وهو نادر ، مع أنه رجع عنه في الخلاف ، قائلاً : لم أجد من ذكر كونه فرضاً (2) ، ومع ذلك ففتواه بالوجوب بالمعنى المصطلح غير معلوم ، وفي المدارك : ولعلّ مراده تأكد الاستحباب (3). ولذا ادّعى‏ بعض الإجماع على‏ خلافه ، قال : كما هو الظاهر (4).
    والأمر في الصحيح للاستحباب بلا خلاف ، ولذا قال في المنتهى‏ في الجواب عنه : انه قد يكون للندب ، خصوصاً مع القرينة ، وهي حاصلة هنا في قوله : ( كلّما ركبت ) الحديث إذ ذلك ليس بواجب (5).
    أقول : وقريب منه باقي الأخبار المتضمنة للأمر به ، حتى المرسل القريب من الصحيح : « لمّا أحرم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أتاه جبرئيل عليه السلام فأمره بالعَجّ والثجّ ، والعَجّ : رفع الصوت بالتلبية ، والثجّ : نحر البدن » فإن في آخره : قال جابر بن عبد اللَّه : فما مشى‏ الرَّوحاء حتى بَحَّتْ أصواتنا (6).
    فإن ظاهره الإجهار بالتلبية المكررة ، فحالها حال الصحيحة السابقة.
1 ـ التهذيب 5 : 92/301 ، الوسائل 12 : 383 أبواب الإحرام ب 40 ح 3.
2 ـ الخلاف 2 : 291.
3 ـ المدارك 7 : 294.
4 ـ كشف اللثام 1 : 316.
5 ـ المنتهى 2 : 677.
6 ـ الكافي 4 : 336/5 ، الفقيه 2 : 210/960 ، التهذيب 5 : 92/302 ، الوسائل 12 : 378 أبواب الإحرام ب 37 ح 1. الروحاء كحمراء : بلد من عمل الفُرع على نحو أربعين يوماً والفرع : قرية من نواحي المدينة بينها وبين المدينة ثمانية برد على طريق مكة. معجم البلدان 3 : 76 و4 : 252. بحت أصواتنا أي : خشنت. انظر القاموس 1 : 222.


(238)
    واحترز بالرجل عن المرأة فليس عليها إجهار بلا خلاف للمستفيضة : منها : « وضع عن النساء أربعاً : الجهر بالتلبية ، والسعي بين الصفا والمروة ، والاستلام ، ودخول الكعبة » (1) والمراد بالسعي الهرولة ، كما وقع التصريح به في رواية عن الفقيه مروية (2).
    ( وتكرارها ) للمعتبرة المتقدم بعضها قريباً.
    وحدّها : ( إلى‏ يوم عرفة عند الزوال للحاجّ ) مطلقاً فيقطعها بعده بلا خلاف أجده ، والصحاح وغيرها به مستفيضة (3) ، وظاهر الأمر فيها الوجوب ، كما حكي التصريح به عن والد الصدوق والخلاف والوسيلة (4).
    ( والمعتمر بالمتعة ) يكررها ندباً ( حتى يشاهد بيوت مكّة ) فيقطعها وجوباً بالإجماع ، كما في الخلاف (5) وللصحاح المستفيضة وغيرها (6).
    وأما الموثق : « إذا دخل البيوت ، بيوت مكّة ، لا بيوت الأبطح » (7) فمع قصور السند وعدم مقاومته لباقي الأخبار المصرّحة بالنظر إليها لا الدخول يحتمل الحمل على‏ الإشراف ، كما في الصحيح : « إذا دخلت مكّة وأنت متمتع فنظرت إلى‏ بيوت مكّة فاقطع التلبية » (8).
1 ـ التهذيب 5 : 93/303 ، الوسائل 12 : 379 أبواب الإحرام ب 38 ح 1.
2 ـ الفقيه 2 : 210/961 ، الوسائل 12 : 380 أبواب الإحرام ب 38 ح 2.
3 ـ اُنظر الوسائل 12 : 391 أبواب الإحرام ب 44.
4 ـ حكاه عن والد الصدوق في الدروس 1 : 348 ، الخلاف 2 : 292 ، الوسيلة : 177.
5 ـ الخلاف 2 : 293 و331.
6 ـ الوسائل 12 : 388 أبواب الإحرام ب 43.
7 ـ التهذيب 5 : 468/1638 ، الوسائل 12 : 390 أبواب الإحرام ب 43 ح 7.
8 ـ الكافي 4 : 399/1 ، التهذيب 5 : 94/309 ، الاستبصار 2 : 176/583 ، الوسائل 12 : 388 أبواب الإحرام ب 43 ح 1.


(239)
    وأما الخبر : عن تلبية المتمتع متى تقطع ؟ قال : « حين يدخل الحرم » (1) فهو مع ضعف السند يحتمل الجواز كما في (2) الفقيه والاستبصار (3) ، بمعنى أنه إذا دخله لم يتأكد استحبابها ، كهي قبله.
    وحدّ بيوت مكّة ـ على‏ ما في شرح القواعد للمحقّق الثاني والمسالك والروضة (4) ـ عقبة المدنيّين إن دخلها من أعلاها ، وعقبة ذي طوى‏ من أسفلها.
    وفي الصحيح : « وحدّ بيوت مكّة بيوت التي كانت قبل اليوم عقبة المدنيّين ، فإن الناس قد أحدثوا بمكّة ما لم يكن ، فاقطع التلبية ، وعليك بالتكبير والتهليل والتحميد والثناء على‏ اللَّه عزّ وجلّ بما استطعت » (5).
    وفسّر عقبة المدنيّين في الخبر ، بل الصحيح ـ كما قيل (6) ـ بحيال القصّارين (7).
    وفي آخر : عن المتمتع متى يقطع التلبية ؟ قال : « إذا نظر إلى‏ عراش مكّة ذي طوى » قال : قلت : بيوت مكّة ؟ قال : « نعم » (8).
1 ـ التهذيب 5 : 95/312 ، الاستبصار 2 : 177/585 ، الوسائل 12 : 391 أبواب الإحرام ب 43 ح 9.
2 ـ في « ك » : عن.
3 ـ حكاه عنهما في كشف اللثام 1 : 316 ؛ وانظر الفقيه 2 : 277 ، الاستبصار 2 : 177.
4 ـ جامع المقاصد 3 : 169 ، المسالك 1 : 108 ، الروضة 2 : 234.
5 ـ تقدم مصدره في ص : 238 الهامش ( 8 ).
6 ـ ملاذ الأخيار 7 : 369.
7 ـ الفقيه 2 : 277/1353 ، التهذيب 5 : 96/316 ، الاستبصار 2 : 177/589 ، الوسائل 12 : 395 أبواب الإحرام ب 45 ح 11.
8 ـ الكافي 4 : 399/4 ، التهذيب 5 : 94/310 ، الاستبصار 2 : 176/584 ، الوسائل 12 : 389 أبواب الإحرام ب 43 ح 4.


(240)
    قيل : وجمع السيّد والشيخ بينهما بأن الأول أتى على‏ طريق المدينة ، والثاني لطريق العراق ، وتبعهما الديلمي والحلّي. وجمع الصدوقان والمفيد بتخصيص الثاني بطريق المدينة ، قال في المختلف : ولم نقف لأحدهم على‏ دليل. وفي الغنية والمهذّب : حدّها من عقبة المدنيّين إلى‏ عقبة ذي طوى. وعن العماني : حدّها عقبة المدنيّين والأبطح. وذو طوى على‏ ما في المصباح المنير : وادٍ بقرب مكّة على‏ نحو فرسخ في طريق التنعيم ، ويعرف الآن بالزاهر. ونحو منه في تهذيب الأسماء ، إلّا أنه قال : موضع بأسفل مكّة ، ولم يحدّد ما بينهما بفرسخ أو غيرها (1). انتهى‏.
    أقول : ومذهب العماني مخالف لظاهر الموثقة ، المؤذنة بتغاير بيوت الأبطح لبيوت مكّة ، فكيف تدخل في بيوتها كما ذكره ؟! فتدبر.
    ( و ) المعتمر ( بـ ) العمرة ( المفردة ) يكرّرها ( حتى يدخل الحرم إن كان أحرم ) من بعض المواقيت ( من خارجه ، وحتى‏ يشاهد الكعبة إن أحرم من الحرم ) فيقطعها على‏ المشهور في الظاهر ، المصرح به في بعض العبائر (2) للصحيح : « من خرج من مكّة يريد العمرة ثم دخل معتمراً لم يقطع التلبية حتى ينظر إلى‏ الكعبة » (3).
    ومرسل المفيد : أنه عليه السلام سئل عن الملبّي بالعمرة المفردة بعد فراغه من الحج متى يقطع التلبية ؟ قال : « إذا رأى البيت » (4).
    وبهما يقيّد إطلاق المعتبرة بقطع التلبية عند دخول الحرم كالصحيح‏
1 و 2 ـ كشف اللثام 1 : 316.
3 ـ الفقيه 2 : 276/1350 ، التهذيب 5 : 95/315 ، الاستبصار 2 : 177/588 ، الوسائل 12 : 395 أبواب الإحرام ب 45 ح 8.
4 ـ المقنعة : 499 ، الوسائل 12 : 396 أبواب الإحرام ب 45 ح 13.
رياض المسائل الجزء السادس ::: فهرس