رياض المسائل الجزء السادس ::: 241 ـ 255
(241)
« يقطع صاحب العمرة المفردة التلبية إذا وضعت الإبل أخفافها في الحرم » (1) وبمعناه الموثق (2) وغيره (3) ، بحملها على‏ ما إذا لم يخرج من مكّة.
    لكن هنا أخبار أُخر مختلفة ، ففي الصحيح : « من اعتمر من التنعيم فلا يقطع التلبية حتى ينظر إلى‏ المسجد » (4).
    وفي الخبر ، بل الموثق كما قيل (5) : عن الرجل يعتمر عمرة مفردة ، من أين يقطع التلبية ؟ قال : « إذا رأيت بيوت ذي طوى‏ فاقطع التلبية » (6).
    وفي آخر : عمن أحرم من حوالي مكّة من الجَعرانة والشجرة ، من أين يقطع التلبية ؟ قال : ( يقطع التلبية عند عروش مكّة ، وعروش مكّة ذو طوى ) (7).
    لكنه يحتمل عمرة التمتع ، كالخبر : عمن دخل بعمرة فأين يقطع التلبية ؟ فقال : « حيال العقبة ، عقبة المدنيّين » ( فقلت ) أين عقبة المدنيين ؟ قال : « حيال القصّارين » (8).
    لكن الصدوق حمله على‏ المفردة ، وجمع بينه وبين ما تقدّم‏
1 ـ الكافي 4 : 537/1 ، الفقيه 2 : 277/1355 ، الوسائل 12 : 394 أبواب الإحرام ب 45 ح 6.
2 ـ التهذيب 5 : 94/309 ، الاستبصار 2 : 176/583 ، الوسائل 12 : 393 أبواب الإحرام ب 45 ح 1.
3 ـ التهذيب 5 : 95/313 ، الاستبصار 2 : 177/586 ؛ الوسائل 12 : 394 أبواب الإحرام ب 45 ح 2.
4 ـ الكافي 4 : 537/3 ، الوسائل 12 : 394 أبواب الإحرام ب 45 ح 2.
5 ـ المدارك 7 : 296.
6 ـ الفقيه 2 : 277/1354 ، التهذيب 5 : 95/314 ، الاستبصار 2 : 177/587 ، الوسائل 12 : 394 أبواب الإحرام ب 45 ح 3.
7 ـ التهذيب 5 : 94/311 ؛ الوسائل 12 : 391 أبواب الإحرام ب 43 ح 8.
8 ـ تقدم مصدره في ص : 339 الهامش ( 4 ).


(242)
بالتخيير (1) ، وهو القول المشار إليه بقوله :
    ( وقيل بالتخيير ، وهو أشبه ) عند الماتن هنا وفي الشرائع والفاضل المقداد في التنقيح (2) ، قيل : ولا بدّ منه ، للجمع بين خبر المسجد وغيره (3).
    وظاهر الشيخ في التهذيب والاستبصار (4) أنه إن خرج من مكّة ليعتمر قطعها إذا رأى الكعبة ، وإلّا فان جاء من العراق فعند ذي طوى ، وإن جاء من المدينة فعند عقبة المدنيين ، وإلّا فعند دخول الحرم.
    وقصد بذلك الجمع بين الأخبار.
    وحكي عنه في الجمل والاقتصاد والمصباح ومختصره أنه أطلق قطعها عند دخول الحرم (5) ، لكن ظاهر سياق كلامه في الأخيرين في غير من خرج من مكّة (6).
    وعن الحلبي أنه أطلق قطعه إذا عاين البيت (7).
    والعمل بما عليه الأكثر أحوط لعدم منافاته القول بالتخيير ، وضعف ما عداه من الأقوال ولا سيما الأخير.
    ( والتلفظ بما يعزم عليه ) من حجّ أو عمرة للصحاح المستفيضة ، منها : « تقول : لبيك » إلى‏ قوله : « بحجة تمامها عليك » (8).
1 ـ انظر الفقيه 2 : 277.
2 ـ الشرائع 1 : 248 ، التنقيح الرائع 1 : 463.
3 ـ كشف اللثام 1 : 316.
4 ـ التهذيب 5 : 96 ، الاستبصار 2 : 178.
5 ـ كما في كشف اللثام 1 : 316.
6 ـ مصباح المجتهد : 620.
7 ـ الكافي في الفقه : 193.
8 ـ التهذيب 5 : 92/301 ، الوسائل 12 : 383 أبواب الإحرام ب 40 ح 3.


(243)
    ومنها : « تقول : لبيك ، اللّهمّ لبيك » إلى‏ قوله : « لبيك بمتعة بعمرة إلى‏ الحج » (1).
    قيل : وهذا الذي ذكره ابن حمزة ، لكنه زاد بعد ذلك : لبيك (2).
    ومنها : كيف ترى أن أُهلّ ؟ فقال : « إن شئت سمّيت وإن شئت لم تسمّ شيئاً » فقلت : كيف تصنع أنت : فقال : « أجمعهما فأقول : لبيك بحجة وعمرة معاً » (3).
    قيل : وهذا الذي ذكره القاضي ، ونهى عنه الحلبيّان والمختلف ، لأن الإحرام لا يتعلق بهما ، وهو الوجه إن أُريد ذلك ، وإن أُريد التمتع بالعمرة إلى‏ الحجّ جاز (4).
    أقول : ما ذكره في الصورة المفروضة قد صرّح به جماعة ، بل زادوا فجعلوه أفضل (5) ، تبعاً للمحكي عن المبسوط والنهاية والفاضل في المنتهى‏ والتذكرة (6).
    ولا يجب ، وفاقاً لظاهر أكثر من وقفت على‏ كلامه من الأصحاب ، بل لم ينقل أحد منهم فيه خلافاً ، معربين عن الإجماع.
    للأصل ، وخلوّ أكثر الأخبار عنه ، والصحيح الماضي ، بل في آخر
1 ـ التهذيب 5 : 84/277 ، الاستبصار 2 : 169/559 ، الوسائل 12 : 382 أبواب الإحرام ب 40 ح 1.
2 ـ كشف اللثام 1 : 317.
3 ـ التهذيب 5 : 88/291 ، الاستبصار 2 : 173/573 ، الوسائل 12 : 343 أبواب الإحرام ب 17 ح 3.
4 ـ كشف اللثام 1 : 317.
5 ـ منهم : صاحب المدارك 7 : 299 ، والفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1 : 3314.
6 ـ المبسوط 1 : 316 ، النهاية : 215 ، المنتهى 2 : 676 ، التذكرة 1 : 327.


(244)
أمرنا أبو عبد اللَّه عليه السلام أن نلبّي ولا نسمّي شيئاً ، وقال : « أصحاب الإضمار أحبّ إليّ » (1).
    وفي ثالث : « لا تسمّ حجّا ولا عمرة ، وأضمر في نفسك المتعة ، فإن أدركت متمتعاً وإلّا كنت حاجّاً » (2).
    وظاهرهما ولا سيّما الأول رجحان الإضمار.
    وقد حملهما جماعة على‏ حال التقية (3).
    وحمل (4) عليها أيضاً المعتبرة الآمرة للمتمتع بالإهلال بالحجّ ثم الإهلال بالعمرة ، كالصحيح : كيف أتمتع ؟ قال : « تأتي الوقت فتلبّي بالحج ، فاذا دخلت مكّة طفت بالبيت وصلّيت ركعتين خلف المقام وسعيت بين الصفا والمروة وقصّرت وأحللت من كل شي‏ء ، وليس لك أن تخرج من مكّة حتى تحجّ » (5).
    والموثق : « لبّ بالحج فاذا دخلت مكة طفت بالبيت وصلّيت وأحللت » (6).
1 ـ الكافي 4 : 333/8 ، التهذيب 5 : 87/287 ، الاستبصار 2 : 172/569 ، الوسائل 12 : 344 أبواب الإحرام ب 17 ح 5.
2 ـ التهذيب 5 : 89/286 ، الاستبصار 2 : 172/568 ، الوسائل 12 : 349 أبواب الإحرام ب 21 ح 4.
3 ـ منهم : الفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 314 ، وصاحب الحدائق 15 : 36.
4 ـ الحامل هو الفاضل في المنتهى ، فانه قال بعد الحكم باستحباب التلفظ بما يحرم به : فان لم يمكنه للتقية أو غيرها فاقتصر علي ذكره الحج ، فاذا دخل مكة طاف وسعي وقصر وجعلها عمرة كانت أيضاً جائزاً ، لما رواه الشيخ ، ثم ساق بنحو الخبرين ، فتأمل. منه رحمه الله.
5 ـ التهذيب 5 : 86/284 ، الاستبصار 2 : 171/566 ، الوسائل 12 : 352 أبواب الإحرام ب 22 ح 3.
6 ـ التهذيب 5 : 86/283 ، الاستبصار 2 : 171/565 ، الوسائل 12 : 352 أبواب الإحرام ب 22 ح 2.


(245)
    ولكن ظاهر بعض الأصحاب العمل بها من غير اشتراط التقية (1). ولا بأس به ، ولكن ينوي به المتعة ، كما في الصحيح : « لبّ بالحجّ وانو المتعة ، فإذا دخلت مكة فطفت وصليت الركعتين خلف المقام وسعيت بين الصفا والمروة وقصّرت ففسختها وجعلتها متعة » (2).
    وقال الشهيد في الدروس ـ بعد أن ذكر أن في بعض الروايات الإهلال بعمرة التمتع ، وفي بعضها الإهلال بالحجّ ، وفي ثالث بهماـ : وليس ببعيد إجزاء الجميع إذ الحج المنوي هو الذي دخلت فيه العمرة ، فهو دالّ عليها بالتضمن ونيتهما معاً باعتبار دخول الحج فيها (3).
    وهو مصير إلى‏ ما اخترناه ، ويعضده أيضاً فحوى ما مرّ من جواز عدول المفرد إذا دخل مكة إلى‏ المتعة.
    ( والاشتراط ) على‏ ربه سبحانه بـ ( أن يحلّه حيث حبسه ، وإن لم تكن حجّة فعمرة ) بلا خلاف فيه بيننا أجده ، وبه صرّح في الذخيرة (4) ، مشعراً بالإجماع ، كما في صريح كلام جماعة حدّ الاستفاضة (5) ، والصحاح به مع ذلك مستفيضة (6).
    ويتأدى بكل لفظ أفاد المراد ، عملاً بالإطلاق ، وبه صرّح في‏
1 ـ اُنظر المدارك 7 : 300.
2 ـ التهذيب 5 : 86/285 ، الاستبصار 2 : 172/567 ، الوسائل 12 : 352 أبواب الإحرام ب 22 ح 4.
3 ـ الدروس 1 : 346.
4 ـ الذخيرة : 584.
5 ـ منهم العلامة في المختلف : 267 ، والفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 312 وصاحب الحدائق 15 : 100.
6 ـ الوسائل 12 : 354 أبواب الإحرام ب 23.


(246)
المنتهى‏ (1) وإن كان الإتيان باللفظ المنقول أولى‏ :
    وهو في الصحيح : « اللّهم إني أُريد التمتع بالعمرة إلى‏ الحج على‏ كتابك وسنّة نبيّك صلى الله عليه وآله ، فإن عرض لي شي‏ء يحبسني فحلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت عليّ ، اللّهمّ إن لم تكن حجة فعمرة ، أحرم لك شعري وبشري ولحمي ودمي وعظامي ومخّي وعصبي من النساء والطيب ، أبتغي بذلك وجهك والدار الآخرة » (2).
    ولو نوى‏ الاشتراط ولم يتلفظ به ففي الاعتداد به أم العدم وجهان ، وجعل ثانيهما أوجه وأحق في التحرير والمنتهى‏ (3).
    ( وأن يحرم في الثياب القطن ) فيما قطع به الأصحاب على‏ الظاهر ، المصرَّح به في بعض العبائر (4) للتأسي ، فقد روي لبسه في الإحرام عن النبي صلى الله عليه وآله (5).
    وفي الصحيح : « كان ثوبا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله اللذان أحرم فيهما يمانيين عبري وأظفار » (6).
1 ـ المنتهى 2 : 680.
2 ـ الكافي 4 : 331/2 ، الفقيه 2 : 206/939 ، التهذيب 5 : 77/253 ، الوسائل 12 : 340 أبواب الإحرام ب 16 ح 1.
3 ـ التحرير 1 : 96 ، المنتهى 2 : 680.
4 ـ كما في كشف اللثام 1 : 317.
5 ـ الكافي 4 : 339/1 ، الفقيه 2 : 155/669 ، التهذيب 5 : 66/213 ، الوسائل 12 : 359 أبواب الإحرام ب 27 ح 3.
6 ـ الكافي 4 : 239/2 ، الفقيه 2 : 214/975 ، الوسائل 12 : 359 أبواب الإحرام ب 27 ح 2 ، عبر بالكسر ما أخذ علي غربي الفرات إلي برية العرب وقبيلة. القاموس 2 : 86 وظفار بالفتح مبني علي الكسر كقطام بلد باليمن لحمير قرب صنعاء. إليه ينسب الجزع الظفاري. مجمع البحرين 3 : 387. وما في النسخ والفقيه والوسائل من قوله : أظفار ، لعله تصحيف ، كما أشير اليه في هامش الكافي وفي مجمع البحرين.


(247)
    وقد ورد الأمر بلبس القطن مطلقاً في جملة من النصوص ، وفي بعضها : « إنه لباس رسول اللَّه صلى الله عليه وآله » (1).
    وزيد في آخر : « هو لباسنا ، ولم يكن الشعر والصوف إلّا من علّة » (2).
    ( وأفضله البيض ) لتظافر الأخبار بالأمر بلبسها وكونها خير الثياب وأحسنها وأطهرها وأطيبها (3).
    ولا بأس بما عداه من الألوان للنصوص (4). عدا السود فيكره للنهي عنه في بعض الأخبار (5) ، المحمول على‏ الكراهة ، لضعفه ، مضافاً إلى‏ الأصل ، وعموم الصحيح : « كل ثوب يصلى فيه فلا بأس بأن يحرم فيه » (6) بناءً على‏ الإجماع على‏ جواز الصلاة في الثياب السود.
    ومنه يظهر ضعف القول بالمنع المحكي عن النهاية والمبسوط والخلاف والمقنعة والوسيلة (7) ، وحمله الحلّي على‏ الكراهة ، لما عرفته (8).
    ( وأما أحكامه فمسائل ) ثلاث :
    ( الأُولى : المتمتع إذا طاف وسعى‏ ثم أحرم بالحج قبل التقصير ناسياً مضى في حجه ) فإنه صحيح ، بلا خلاف أجده ، وبه صرّح في الذخيرة
1 ـ الكافي 6 : 446/4 ، الوسائل 5 : 28 أبواب أحكام الملابس ب 15 ح 1.
2 ـ الخصال : 610/10 ، الوسائل 5 : 35 أبواب أحكام الملابس ب 19 ح 4.
3 ـ اُنظر الوسائل 5 : 26 أبواب أحكام الملابس ب 14.
4 ـ الوسائل 5 : 29 أبواب أحكام الملابس ب 17.
5 ـ الوسائل 4 : 382 أبواب لباس المصلي ب 19.
6 ـ الكافي 4 : 339/3 ، الفقيه 2 : 215/976 ؛ التهذيب 5 : 66/212 ، الوسائل 12 : 359 أبواب الإحرام ب 27 ح 1.
7 ـ النهاية : 217 ، المبسوط 1 : 319 ، الخلاف 2 : 298 ، المقنعة : 396 ، الوسيلة : 163.
8 ـ السرائر 1 : 542.


(248)
والكفاية وغيرهما (1) ، بل نفى عنه في التنقيح الخلاف (2) ، مؤذناً بالإجماع ، كما في صريح كلام الفاضل في المختلف (3) ، مع أنه في التحرير والمنتهى‏ (4) حكى قولاً بالبطلان عن بعض الأصحاب.
    ولا ريب في ضعفه فإن الصحاح مضافاً إلى‏ الإجماع المنقول صريحة في ردّه ، ففي الصحيح : عن رجل أهلّ بالعمرة ونسي أن يقصّر حتى دخل في الحج ، قال : « يستغفر اللَّه ولا شي‏ء عليه وتمّت عمرته » (5).
    وفي آخر : « لا بأس به يبني على‏ العمرة وطوافها وطواف الحجّ على‏ أثره » (6).
    وفي ثالث : « يستغفر اللَّه » (7).
    ولا معارض لها عدا رواية أبي بصير الآتية ، ولكنها لقصورها عن المقاومة لها من وجوه شتّى‏ مطروحة ، أو محمولة على‏ العامد جمعاً.
    ( و ) يستفاد منها ولا سيّما الصحيحة الاولى‏ : أنه ( لا شي‏ء عليه ) كما عن الحلّي والديلمي وأكثر المتأخرين (8).
1 ـ الذخيرة : 649 ، الكفاية : 68 ؛ وانظر كشف اللثام 1 : 350.
2 ـ التنقيح الرائع 1 : 463.
3 ـ المختلف : 267.
4 ـ التحرير 1 : 97 ، المنتهى 2 : 686.
5 ـ الكافي 4 : 440/2 ، التهذيب 5 : 91/299 ، الاستبصار 2 : 175/579 ، الوسائل 12 : 411 أبواب الإحرام ب 54 ح 3.
6 ـ الكافي 4 : 440/3 ، التهذيب 5 : 90/298 ، الاستبصار 2 :175/578 ، الوسائل 12 : 411 أبواب الإحرام ب 54 ح 2.
7 ـ الكافي 4 : 440/1 ، الفقيه 2 : 237/1129 ، التهذيب 5 : 90/297 ، الاستبصار 2 : 175/577 ، الوسائل 12 : 410 أبواب الإحرام ب 54 ح 1.
8 ـ الحلي في السرائر 1 : 580 ، الديلمي في المراسم : 124 ؛ وانظر القواعد 1 : 85 ، والمدارك 7 : 280 ، والحدائق 15 : 117.


(249)
    ( و ) لكن ( في رواية ) موثقة كالصحيحة أنه ( عليه دم ) (1) وظاهره الوجوب ، كما عن الشيخ في كتبه وبني زهرة والبّراج وحمزة (2) ، وعليه الفاضل في الإرشاد (3).
    ولا يخلو عن قوة بناءً على‏ حجيّة الموثقة لأنها خاصة ، والصحاح عامة ، فينبغي حملها عليها.
    وهو أولى‏ من الجمع بينها بحمل الموثقة على‏ الاستحباب ، فإنه مجاز ، والتخصيص منه أولى‏ حيثما حصل بينهما معارضة ، إلّا أن يرجح الاستحباب بالشهرة العظيمة بين الأصحاب ، لكنها متأخرة ، فالترجيح بها لا يخلو عن نوع مناقشة ، ومع ذلك فلا ريب أن الوجوب أحوط.
    ( ولو أحرم ) قبل التقصير ( عامداً بطلت متعته ) وصارت حجة مفردة فيكلمها ، ثم يعتمر بعدها عمرة مفردة ( على‏ ) ما يقتضيه إطلاق ( رواية أبي بصير ، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام ) الموثقة ، بل الصحيحة ، كما في المنتهى‏ والمختلف والمسالك والروضة (4) ، وفيها : « المتمتع إذا طاف وسعى‏ ثم لبّى قبل أن يقصّر فليس له أن يقصّر وليس له متعة » (5).
    ورواية أُخرى ضعيفة على‏ المشهور : عن رجل متمتع طاف ثمّ أهلّ‏
1 ـ الفقيه 2 : 237/1128 ، التهذيب 5 : 158/527 ، الاستبصار 2 : 242/527 ، الوسائل 12 : 412 أبواب الإحرام ب 54 ح 6.
2 ـ الشيخ في المبسوط 1 : 363 ؛ والنهاية : 246 ؛ والإقتصاد : 305 ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 579 ، ابن البراج في المهذب 1 : 242 ، ابن حمزة في الوسيلة : 168.
3 ـ الإرشاد 1 : 328.
4 ـ المنتهى 2 : 710 ، المختلف : 267 ، المسالك 1 : 107 ، الروضة 2 : 220.
5 ـ التهذيب 5 : 159/529 ، الاستبصار 2 : 243/846 ، الوسائل 12 : 412 أبواب الإحرام ب 54 ح 5.


(250)
بالحج قبل أن يقصّر ، قال : « بطلت متعته وهي حجة مبتولة » (1).
    وإنما قيّدنا بالعامد جمعاً بينهما وبين ما مضى من الصحيح بالصحة في الناسي.
    وعمل بها الشيخ وجماعة (2) حتى أن الشهيدين في الدروس والمسالك (3) ادعيا عليها الشهرة ، فهي جابرة لقصور الرواية على‏ تقديره ، مع أنها ليست بقاصرة عند جماعة كما عرفته ، ومؤيدة بالرواية الأُخرى‏ ، فالعمل بها أقوى.
    خلافاً للحلّي فيبطل الإحرام الثاني ويبقى على‏ عمرته (4) ، ويميل إليه جماعة من المتأخرين ومنهم الماتن ، حيث عزا الحكم إلى‏ الرواية ، مشعراً بتوقفه فيه.
    ولعلّه من حيث النهي عنه ، ووقوع خلاف ما نواه إن أدخل حج التمتع ، وعدم صلاحية الزمان إن أدخل غيره ، فبطلانه أنسب.
    والرواية قاصرة السند ، فيشكل التعويل عليها في حكم مخالف للأصل مع أنها ليست صريحة في ذلك ، لاحتمالها الحمل على‏ متمتع عدل عن الإفراد ثم لبّى بعد السعي ، كما ذكره الشهيد قال : لأنه روي التصريح بذلك في رواية أُخرى (5).
1 ـ التهذيب 5 : 90/296 ، الاستبصار 2 : 175/580 ، الوسائل 12 : 412 أبواب الإحرام ب 54 ح 4.
2 ـ الشيخ في الاستبصار 2 : 243 ، والتهذيب 5 : 159 ؛ وانظر كشف الرموز 1 : 354 ، والمنتهى 2 : 710 ، والمختلف : 267.
3 ـ الدروس 1 : 333 ، والمسالك 1 : 107.
4 ـ السرائر 1 : 581.
5 ـ الدروس 1 : 333.


(251)
    أقول : لعلّها الموثق : رجل يفرد بالحج فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ثم يبدر له أن يجعلها عمرة ، فقال : « إن كان لبّى بعد ما سعى‏ قبل أن يقصّر فلا متعة له » (1) وقد مرّ في بحث جواز الطواف للمفرد والقارن قبل المضيّ إلى‏ عرفات.
    وفيه نظر ، فإن مورد رواية المسألة المتمتع ، وهو حقيقة فيمن حصل فيه مبدأ الاشتقاق حالاً أو ماضياً ، والعادل عن الإفراد إلى‏ التمتع متمتع مجازاً ، والأصل في الاستعمال الحقيقة. والتصريح بذلك في الموثقة الأخيرة مع ورودها في المجازي لا يستلزم ورود المسألة فيه ؛ إذ لا تلازم ولا داعي ، فالرواية بعد الأصل اللفظي صريحة الورود فيما نحن فيه ، ومخالفتها الأُصول لا ريب فيه. لكن لا مانع من تقييدها بها بعد اعتبار السند ، والتأيد بالخبر الآخر ، والانجبار والاعتضاد (2) بعمل الأكثر ، بل المشهور كما حكي.
    وعلى‏ المختار فهل يجزي عن فرضه أم لا ؟ وجهان ، من أنه عدول اختياري ولم يأت بالمأمور به على‏ وجهه ، ومن خلوّ النص (3) عن الأمر بالإعادة مع وروده في بيان الحاجة.
    والأصل يقتضي المصير إلى‏ الأول ، كما اختاره شيخنا الشهيد الثاني قاطعاً به (4) ، وسبطه لكن محتملاً الثاني (5).
1 ـ الفقيه 2 : 204/931 ، التهذيب 5 : 90/295 ، الوسائل 11 : 290 أبواب أقسام الحج ب 19 ح 1.
2 ـ في ( ق ) : أو الاعتضاد.
3 ـ في ( ك ) : النصوص.
4 ـ كما في المسالك 1 : 107.
5 ـ المدارك 7 : 283.


(252)
    والجاهل عامد ؛ لإطلاق النص واختصاص المقيّد له بالناسي ، وبه صرّح شيخنا الشهيد الثاني (1).
    ( الثانية : إذا أحرم الولي بالصبي ) الغير المميز ( فعل به ما يلزم المحرم ) فعله من حضور المطاف والسعي وعرفة وغيرها ( وجنّبه ما يجتنبه المحرم ) من لبس المخيط والصيد ونحوهما.
    وأما المميز فيأمره بفعل ما يمكنه منها. ( وكلّ ما يعجز عنه يتولّاه الولي ).
    بلا خلاف في شيء من ذلك بيننا أجده ، والصحاح بها مع ذلك مستفيضة :
    منها : « انظروا من كان معكم من الصبيان ، فقدّموه إلى‏ الجحفة أو إلى‏ بطن مَرّ (2) ، ويصنع بهم ما يصنع بالمحرم ، ويطاف بهم ويرمى عنهم ، ومن لا يجد الهدي منهم فليصم عنه وليّه » (3).
    ومنها : « إذا حج الرجل بابنه وهو صغير فإنه يأمره أن يلبّي ويفرض الحج ، فإن لم يحسن أن يلبّي لبّوا عنه ويطاف به ويصلّى عنه » قلت : ليس لهم ما يذبحون ، قال : « يذبح عن الصغار ، ويصوم الكبار ، ويتقى ما يتقي المحرم من الثياب والطيب ، فإن قتل صيداً فعلى أبيه » (4).
    ( و ) يستفاد منه أنه ( لو فعل ما يوجب الكفارة ) على‏ المكلّف لو فعله [ ضمن عنه ] الولي ، لكن لا مطلقاً كما يقتضيه إطلاق العبارة ونحوها ، بل خصوص ما يوجبها عمداً وسهواً ، وأما غيره فيجب الرجوع‏
1 ـ المسالك 1 : 107.
2 ـ مر ـ وزان فلس ـ موضع بقرب مكه من جهة الشام نحو مرحلة مجمع البحرين 3 : 481.
3 ـ الكافي 4 : 304/4 ، الفقيه 2 : 266/1294 ، التهذيب 5 : 409/1423 بتفاوت ، الوسائل 11 : 287 أبواب أقسام الحج ب 17 ح 3.
4 ـ الكافي 4 : 303/1 ، الفقيه 2 : 265/1291 ، التهذيب 5 : 409/1424 ، الوسائل 11 : 288 أبواب أقسام الحج ب 17 ح 5.


(253)
فيه إلى‏ الأصل ؛ لخروجه عن مورد النص.
    وحكي هذا عن الأكثر (1) ، وظاهر المتن عن النهاية والحلبي (2). ومستنده غير ظاهر ، عدا ما قيل (3) من عموم أدلة وجوب الكفارة ، وإنما تعلّق بمال الوليّ دون المولّى عليه لأنه غرم أدخله عليه بإذنه ، أو الإحرام به.
    وفي العموم منع ؛ لاختصاص ما دلّ على‏ وجوبها بحكم التبادر والخطاب بمن باشر موجبها من المكلّف خاصة ، وإنما أوجبت على‏ الوليّ فيما يوجبها عمداً وسهواً للنص ، وهو مختص به ، فلا يعمّ ما يوجبها عمداً خاصة ، وعمد الصبي خطأ إجماعاً.
    فهذا القول ضعيف ، كالقول بعدم وجوبها مطلقاً حتى في الأوّل ، كما عن الحلّي (4) ؛ لابتنائه على‏ أصله من عدم حجية الآحاد ، فلا يخصَّص بها الأصل ، وهو ضعيف كما برهن عليه في محلّه.
    وهنا أقوال أُخر ضعيفة المستند والمأخذ ، سيّما في مقابلة النص المعتبر.
    ويجب على‏ الوليّ في حج التمتع الهدي في ماله ، كما ذكره جماعة (5) قالوا : لأنه غرم أدخله على‏ الصبي ، كالنفقة الزائدة ، فتكون في ماله.
1 ـ كما في المدارك 7 : 286.
2 ـ حكاه عنهما في كشف اللثام 1 : 286 ، وهو في النهاية : 216 والكافي : 205.
3 ـ كشف اللثام 1 : 286.
4 ـ السرائر 1 : 636.
5 ـ منهم : المحقق في الشرائع 1 : 247 ، والعلامة في القواعد 1 : 74 ، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 286.


(254)
    وفي الموثق : « قال لهم يغتسلون ثم يحرمون ، واذبحوا عنهم كما تذبحون عن أنفسكم » (1).
    وفي آخر : عن رجل أمر غلمانه أن يتمتعوا ، قال : « عليه أن يضحّي عنهم » قلت : فإنه أعطاهم دراهم فبعضهم ضحّى‏ وبعضهم أمسك الدراهم وصام ، قال : « قد أجزأ عنهم ، وهو بالخيار إن شاء تركها » قال « ولو أنه ارمهم فصاموا كان قد أجزأ عنهم » (2).
    وربما كان فيهما دلالة على‏ ذلك ( و ) لكن الثاني يدل على‏ أنه ( لو كان ) الصبي ( مميزاً جاز ) للوليّ ( إلزامه بالصوم عن الهدي ) ولا يلزمه أن يذبح عنه.
    وقريب منه الصحيح الثاني المتقدم ، بناءً على‏ أن الظاهر أن المراد من الكبار فيه المميزون.
    ولا بأس به وإن كان يظهر من الماتن في الشرائع التردد فيه لنسبته إياه إلى‏ الرواية (3) لاعتبار سندها وتعدّدها.
    فبها يصرف ظاهر الأمر بصوم الوليّ عنه إلى‏ التخيير بينه وبين مفادها ، أو يقيّد بصورة عجز الصبي عن الصوم فإن الحكم فيها ذلك ، كما أشار إليه بقوله : ( ولو عجز ) الصبي عن الصوم ( صام الوليّ عنه ) قطعاً للأمر به في الصحاح.
    منها ـ زيادةً على‏ ما مضى ـ الصحيح : « إذا لم يكن الهدي فليصم عنه‏
1 ـ الكافي 4 : 304/6 ، الوسائل 11 : 287 أبواب أقسام الحج ب 17 ح 2.
2 ـ الكافي 4 : 305/9 ، الفقيه 2 : 266/1295 ، الوسائل 14 : 86 أبواب الذبح ب 2 ح 8.
3 ـ الشرائع 1 : 247.


(255)
وليّه إذا [ كان ] متمتعاً » (1) خرج منها صورة تمكن الصبي من الصوم بما مرّ وبقي غيرها.
    ولا ريب أن العمل بمقتضى‏ هذه مطلقاً أحوط وأولى لصحتها وصراحتها ، بخلاف الرواية فإنّ صحيحها غير صريح ، وصريحها غير صحيح ، فتأمل.
    ( الثالثة : لو اشترط في إحرامه ) بأن يحلّه حيث حبسه عند عروض مانع من حصر أو صدّ ( ثم حصل المانع تحلّل ) إن شاء ( ولا يسقط ) عنه ( هدي التحلّل بالشرط ، بل فائدته جواز التحلل للمحصور ) وهو الممنوع بالمرض ( من غير تربّص ) إلى‏ بلوغ الهدي محلّه ، وفاقاً للشيخ والإسكافي وجماعة (2).
    أما جواز التحلل مع نيته فلعلّه لا إشكال فيه ، بل ولا خلاف ، كما يستفاد من ظاهر المختلف (3) ، وصريح غيره.
    وأما كونه من غير تربّص فلظاهر الصحاح وغيرها من المعتبرة ، أظهرها دلالةً الصحيح : عن رجل تمتع بالعمرة إلى‏ الحج وأحصر بعد ما أحرم ، كيف يصنع ؟ قال : فقال : « أوما أشترط على‏ ربه قبل أن يحرم أن يحلّه من إحرامه عند عارض عرض له من أمر اللَّه تعالى‏ ؟ » فقلت : بلى‏ قد اشترط ذلك ، قال : « فليرجع إلى‏ أهله حلاً لا إحرام عليه ، إنّ اللَّه تعالى‏ أحقّ‏
1 ـ ليست هذه عبارة الرواية ، بل من كلام الشيخ في التهذيب 5 : 410 بعد نقل صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج. وقال بعده : روي ذلك محمد بن القاسم عن أبان ابن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال : يصوم عن الصبي وليه اذا لم يجد هدياً وكان متمتعاً.
2 ـ الشيخ في الخلاف 2 : 431 ونقله عن الإسكافي في المختلف : 267 ؛ وانظر الشرائع 1 : 247 ، والمنتهى 2 : 680 والمختلف : 267 والمسالك 1 : 107.
3 ـ المختلف : 267.
رياض المسائل الجزء السادس ::: فهرس