رياض المسائل الجزء السادس ::: 256 ـ 270
(256)
من وفى‏ ما اشترط عليه » فقلت : أفعليه الحج من قابل ؟ قال : « لا » (1).
    وأما عدم سقوط الهدي فللعمومات ، وظاهر الصحيح (2) : « إن الحسين بن علي عليهما السلام خرج معتمراً ، فمرض في الطريق ، فبلغ عليّاً عليه السلام وهو بالمدينة ، فخرج في طلبه فأدركه بالسميّا وهو مريض ، فقال : يا بنيّ ما تشتكي ؟ فقال : أشتكي رأسي ، فدعا عليه السلام ببدنة فنحرها وحلق رأسه وردّه إلى‏ المدينة » (3).
    ونحوه آخر ، إلّا أن فيه : إنه كان ساق بدنة فنحرها (4).
    وعليه فلادخل له ، بل ولا للأول أيضاً بالمسألة لأن موضوعها من عدا القارن ، وأما هو فلا يسقط الهدي عنه ، بل يبعث بهديه ، كما في الصحيح (5) ، ونفي الخلاف عنه (6) ، بل عن فخر الإسلام دعوى إجماع الأُمة عليه (7) ، وكأنه لم يعتن بالصدوق في الفقيه وقد عبّر في الفقيه بمضمون الصحيح بعينه غير أنه بدّل قوله عليه السلام « يبعث بهديه » بـ « لا يبعث بهديه » (8) لكنه ضعيف.
1 ـ التهذيب 5 : 81/270 ، الاستبصار 2 : 169/558 ، الوسائل 12 : 356 أبواب الإحرام ب 24 ح 3.
2 ـ بناء على أن الظاهر أن الحسين عليه السلام كان اشترط في إحرامه أن يحله حيث حبسه ، لاجماعنا فتوي ونصاً على استحبابه ، ويبعد غاية البعد أن لا يكون قد اشترط مع أنه قد أمر به ، فيكون الداخل تحت قوله تعالي : ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون انفسكم ) فتأمل. ( منه رحمه الله ).
3 ـ الكافي 4 : 369/3 ، التهذيب 5 : 421/1465 ، الوسائل 13 : 178 أبواب الإحصار والصد ب 1 ح 3. السقيا بالضم موضع يقرب من المدينة ، وقيل : هي علي يومين منها. مجمع البحرين 1 : 221.
4 ـ الفقيه 2 : 305/1515 ، الوسائل 13 : 186 أبواب الإحصار والصد ب 6 ح 2.
5 ـ الكافي 4 : 371/7 ، الوسائل 13 : 185 أبواب الإحصار والصد ب 4 ح 2.
6 ـ كشف اللثام 1 : 320.
7 ـ إيضاح الفوائد 1 : 327.
8 ـ الفقيه 2 : 306.


(257)
    وعليه فلا دخل للصحيحين بالمقام لورودهما في القارن ، كما صرّح به في أحدهما ، ويرجع إليه إطلاق الآخر.
    والعمومات من الكتاب والسنّة غير واضحة الشمول لمفروض المسألة ، سيّما وأن مفادها وجوب الصبر إلى‏ بلوغ الهدي محلّه ، وقد نفته ظواهر الصحاح المتقدم إلى‏ أوضحها دلالةً الإشارة ، وظاهره أيضاً عدم وجوب الهدي ، لدلالته على‏ التحلّل بمجرد الإحصار من غير تعرّض له مع وروده في مقام الحاجة ، وبه صرّح جماعة (1).
    وعليه فيتقوّى‏ القول بأن فائدته السقوط كما عليه جماعة ، ومنهم المرتضى‏ والحلّي (2) ، مدّعيين الإجماع عليه ، وهو حجة أُخرى مضافة إلى‏ الأصل وما مرّ.
    ومن هنا يظهر ضعف القول بأنه لا فائدة لهذا الشرط ، وأنه إنما هو تعبّد بَحت ودعاء مستحب ، كما عليه شيخنا الشهيد الثاني في كتابيه (3) ، وأكثر العامة ، بل عامتهم ، كما في الانتصار (4).
    مع عدم وضوح مستنده ، سوى‏ العمومات وقد مرّ الجواب عنها والخبرين ، أحدهما الصحيح : « وهو حلّ إذا حبسه ، أشترط أو لم يشترط » (5).
    وهما مع ضعف ثانيهما سنداً غير واضحين دلالةً ، كما صرّح به‏
1 ـ منهم : صاحبا المدارك 7 : 289 ، والحدائق 15 : 102.
2 ـ المرتضي في الانتصار : 105 ، الحلي في السرائر 1 : 533.
3 ـ الروضة 2 : 369 ، المسالك 1 : 108.
4 ـ الانتصار : 105.
5 ـ الكافي 4 : 333/7 ، التهذيب 5 : 80/267 ، الوسائل 12 : 357 أبواب الإحرام ب 25 ح 1.
والخبر الآخر : الكافي 4 : 333/6 ، الفقيه 2 : 207/942 ، التهذيب 5 : 80/266 ، الوسائل 12 : 357 أبواب الإحرام ب 25 ح 2.


(258)
جماعة (1) إذ غايتهما الدلالة على‏ ثبوت التحلّل مع الحبس في الحالين ، ونحن نقول به ، ولا يلزم من ذلك تساويهما من كل وجه ، فيجوز افتراقهما بسقوط الدم مع الشرط ، ولزومه بدونه. ولو سلّم فهما محمولان على‏ التقية ، لما عرفته.
    ومثله القول بأن فائدته جواز التحلّل أصالةً ، وبدون الشرط رخصةً ، كما عليه الفاضل المقداد وفخر الإسلام (2) لعدم ظهور أثرها في محل البحث وإن ظهر في نحو النذر.
    وهنا قول آخر في فائدة هذا الشرط ، اختاره الشيخ في التهذيب ، وهو سقوط قضاء الحج لمتمتع فاته الموقفان للصحيح : عن رجل خرج متمتعاً بالعمرة إلى‏ الحج فلم يبلغ مكة إلّا يوم النحر ، فقال : « يقيم على‏ إحرامه ويقطع التلبية حتى يدخل مكة (3) ، فيطوف ويسعى بين الصفا والمروة ويحلق رأسه وينصرف إلى‏ أهله إذا شاء » وقال : « هذا لمن اشترط على‏ ربه عند إحرامه ، فإن لم يكن اشترط فإنّ عليه الحج من قابل » (4).
    ( و ) ردّه من تأخر عنه بأنه ( لا يسقط عنه الحج لو كان واجباً ) مستقراً في الذمة بمجرّد الشرط بلا خلاف ، كما في التنقيح (5) ، بل بالإجماع ، كما في التحرير ، وفي المنتهى‏ : لا نعلم فيه خلافاً (7). ولعلّ نفي الخلاف‏
1 ـ منهم صاحبا المدارك 7 : 292 والحدائق 15 : 108.
2 ـ التنقيح 1 : 466 ، الإيضاح 1 : 292.
3 ـ في الفقيه : حين يدخل الحرم.
4 ـ الفقيه 2 : 243/1160 ، التهذيب 5 : 295/1001 ، الاستبصار 2 : 308/1098 ، الوسائل 14 : 49 أبواب الوقوف بالمشعر ب 27 ح 2.
5 ـ التنقيح 1 : 465.
6 ـ التحرير 1 : 96.
7 ـ المنتهى 2 : 680.


(259)
لرجوع الشيخ عن ذلك في الاستبصار (1).
    وإن كان مندوباً لم يجب بترك الاشتراط بلاخلاف ، كما في التنقيح (2) ، وحملوا الصحيحة المتقدمة ونحوها من الصحاح على‏ الاستحباب ، جمعاً بينها وبين الصحاح المعارضة لها.
    منها : عن الرجل يشترط في الحج أن يحلّه حيث حبسه ، أعليه الحج من قابل ؟ قال : « نعم » (3).
    ونحوه آخر (4) ، والحسن كالصحيح (5).
    ويشهد لهذا الجمع ـ مضافاً إلى‏ الإجماعات المنقولة والأُصول المقررة ـ المروي عن ابن سعيد في الجامع أنه روى‏ عن كتاب المشيخة لابن محبوب خبراً عن عامر بن عبد اللَّه بن جذاعة ، عن مولانا الصادق عليه السلام : في رجل خرج معتمراً فاعتلّ في بعض الطريق وهو محرم ، قال : « ينحر بدنة ويحلق رأسه ويرجع إلى‏ رحله ولا يقرب النساء ، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً ، فإذا برئ من وجعه اعتمر إن كان لم يشترط على‏ ربه في إحرامه ، وإن كان قد اشترط فليس عليه أن يعتمر إلّا أن يشاء فيعتمر » ويجب أن يعود للحج الواجب المستقر وللأداء إن استمرّت الاستطاعة في قابل ، والعمرة الواجبة كذلك في الشهر الداخل ، وإن كانا
1 ـ الاستبصار 2 : 169.
2 ـ التنقيح 1 : 466.
3 ـ التهذيب 5 : 80/268 ، الاستبصار 2 : 168/556 ، الوسائل 13 : 190 أبواب الإحصار والصد ب 8 ح 4.
4 ـ الفقيه 2 : 306/1516 ، الوسائل 13 : 189 أبواب الإحصار والصد ب 8 ح 3.
5 ـ التهذيب 5 : 81/269 ، الاستبصار 2 : 169/557 ، الوسائل 12 : 356 أبواب الإحرام ب 24 ح 2.


(260)
متطوعين فهما بالخيار (1).
    وقصور السند مجبور في محل البحث بما مرّ ، وأما في غيره وهو وجوب الهدي وعدم سقوطه بالشرط كما هو ظاهره فلم يظهر له جابر ، ولكن العمل به أحوط ، بل لا ينبغي أن يترك.
    واعلم أن ما اختاره الماتن من الفائدة في المحصور قد اختارها أيضاً في المصدود ، كما يأتي إن شاء اللَّه تعالى‏ في بحثه ، فلا وجه لتخصيصه بالذكر. وقد يوجّه بأن المراد أنه لا يحتاج إلى‏ التربص حتى يذبح الهدي في موضع الصدّ. وهو بعيد (2).
    
( ومن اللواحق : التروك ، وهي محرّمات ومكروهات )
    ( فالمحرّمات ) أُمور ذكر الماتن منها ( أربعة عشر ) :
    منها : ( صيد البرّ ) أي مصيدة ، اصطياداً أي حيازةً و ( إمساكاً وأكلاً ولو صاده محلّ ) بلا أمر منه ولا دلالة ولا إعانة ( وإشارةً ) لصائده إليه ( ودلالةً ) له عليه بلفظ وكتابة وغيرهما و ( إغلاقاً ) لباب عليه حتى يموت و ( ذبحاً ).
    كلّ ذلك بالكتاب (3) وإجماعنا الظاهر ، المصرَّح به في جملة من العبائر (4) ، بل عن المنتهى‏ إجماع أهل العلم (5) ، وفي غيره إجماع المسلمين في الأوّل ، وإجماعنا في البواقي (6).
1 ـ الجامع للشرائع : 222.
2 ـ في « ق » : حسن.
3 ـ المائدة : 95 ، 96.
4 ـ منهم : صاحب المدارك 7 : 304 ، والفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 319 ، وصاحب الحدائق 15 : 135.
5 ـ المنتهى 2 : 802.
6 ـ اُنظر كشف اللثام 1 : 322.


(261)
    خلافاً للثوري وإسحاق في الأكل مطلقاً (1).
    ولأبي حنيفة إذا ذبحه وصاده المحلّ (2).
    والسنّة من طرقنا مضافاً إلى‏ عموم الكتاب بردّ هؤلاء ، وإثبات تحريم الصيد مطلقاً مستفيضة ، بل متواترة.
    ففي الصحيح : « لا تستحلّنّ شيئاً من الصيد وأنت حرام ، ولا تدلّنّ عليه محلا ولا محرماً فيصطاده ، ولا تشر إليه فيستحلّ من أجلك ، فإن فيه فداءً لمن تعمّده » (3).
    وفيه : « واجتنب في إحرامك صيد البرّ كلّه ، ولا تأكل ممّا صاده غيرك ، ولا تشر إليه فيصيده » (4).
    وفيه : « ولا تأكل من الصيد وأنت حرام وإن كان أصابه محلّ » (5).
    إلى‏ غير ذلك من الصحاح وغيرها.
    وهل يحرم الإشارة والدلالة لمن يرى‏ الصيد بحيث لا يفيده ذلك شيئاً ؟ الوجه العدم ، وفاقاً لجمع (6) للأصل ، واختصاص النص بحكم التبادر وغيره بما تسبّب للصيد ، والدلالة عرفاً بما لا يعلمه المدلول بنفسه.
    وإن ضحك ، أو تطلّع عليه ففطن غيره فصاده ، فإن تعمّد ذلك للدلالة عليه أثم ، وإلّا فلا.
1 ـ كما نقله عنهما في المغني والشرح الكبير 3 : 292.
2 ـ علي ما حكاه عنه في المغني 3 : 292.
3 ـ الكافي 4 : 381/1 ، الوسائل 12 : 415 أبواب تروك الإحرام ب 1 ح 1.
4 ـ التهذيب 5 : 300/1021 ، الوسائل 12 : 416 أبواب تروك الإحرام ب 1 ح 5.
5 ـ الكافي 4 : 381/3 ، التهذيب 5 : 315/1085 ، الوسائل 13 : 68 أبواب كفارات الصيد ب 31 ح 1.
6 ـ منهم : الشهيد الثاني في المسالك 1 : 108 ، وصاحب المدارك 7 : 306 ، والسبزواري في الذخيرة : 589 ، وصاحب الحدائق 15 : 139.


(262)
    وكما يحرم الصيد يحرم فرخه وبيضه بلا خلاف يعرف ، كما في الذخيرة ، قال : ونقل المصنف في التذكرة الإجماع عليه ، ويدلُّ عليه الروايات المتضمنة لثبوت الكفارة فيه (1). وسيأتي ذكرها ، وتحقيق معنى‏ الصيد ، والخلاف الواقع فيه ، في بحث الكفّارات إن شاء اللَّه تعالى‏.
    ( ولو ذبحه ) المحرم ( كان ميتة ) كما في الشرائع والإرشاد والقواعد وغيرها (2) ، وعن الخلاف والسرائر والمهذّب والجامع (3) ، وفيه : أنه كذبيحة المجوسي.
    للحسن أو الموثق : « إذا ذبح المحرم الصيد في غير الحرم فهو ميتة لا يأكله محرم ولا مُحلّ » (4).
    وعن التذكرة والمنتهى‏ (5) الإجماع عليه.
    وعن النهاية والمبسوط والتهذيب والوسيلة والجواهر (6) أنه كالميتة ، وفي الأخير الإجماع عليه للخبر (7). ومرجعه هنا إلى‏ شي‏ء واحد ، وهو كونه ( حراماً على‏ المحلّ والمحرم ) وإن اختلفا في نحو النذر.
    ولا ريب في شهرة هذا الحكم كما اعترف به جماعة من‏
1 ـ الذخيرة : 589.
2 ـ الشرائع 1 : 249 ، الإرشاد 1 : 317 ، القواعد 1 : 81 ؛ وانظر التحرير 1 : 112.
3 ـ الخلاف 2 : 404 ، المهذب 1 : 230 ، السرائر 1 : 546 و569 وقال فيه : كان حكمه حكم الميتة سواء الجامع للشرائع : 183.
4 ـ التهذيب 5 : 377/1316 ، الاستبصار 2 : 214/734 ، الوسائل 12 : 432 أبواب تروك الاحرام ب 10 ح 5.
5 ـ التذكرة 1 : 329 ، المنتهى 2 : 803.
6 ـ النهاية : 230 ، المبسوط 1 : 319 ، التهذيب 5 : 377 ، الوسيلة : 163 ، جواهر الفقه : 46.
7 ـ التهذيب 5 : 377/1315 ، الاستبصار 2 : 214/733 ، الوسائل 12 : 432 أبواب تروك الإحرام ب 10 ح 4.


(263)
المتأخرين (1) ، بل ظاهر جماعة ـ ممن دأبهم نقل الخلاف حيث كان ـ عدم الخلاف فيه لعدم نقلهم له هنا (2) ، وقد مرّ نقل الإجماع عليه صريحاً.
    وبجميع ذلك يجبر قصور الخبرين سنداً ، مع اعتباره في أحدهما ، وتأيدهما بالأخبار الآمرة بدفنه :
    منها المرسل كالصحيح : قلت له : المحرم يصيد فيفديه ، أيطعمه أو يطرحه ؟ قال : « إذاً يكون عليه فداء آخر » قلت : فما يصنع به ؟ قال : « يدفنه » (3) وقريب منه الخبر (4).
    وأخبارِ تعارض الميتة والصيد للمحرم المضطرّ (5) ، سيّما ما رجّح منها الميتة على‏ الصيد وإن كان العكس لعلّه أظهر ، فتدبّر وتأمّل.
    خلافاً للمحكي عن الصدوق في المقنع والفقيه والإسكافي والمفيد والمرتضى‏ (6) ، فلا يحرم مذبوح المحرم في غير الحرم على‏ المحلّ للأصل ، والصحاح المستفيضة ، أظهرها دلالةً قول الصادق عليه السلام في أحدها : « إذا قتل الصيد فعليه جزاؤه ، ويتصدّق بالصيد على‏ مسكين ».
1 ـ منهم : صاحب المدارك 7 : 306 والفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 320 ، وصاحب الحدائق 15 : 143.
2 ـ كالعلامة في المنتهى 2 : 308.
3 ـ الفقيه 2 : 235/1120 ، التهذيب 5 : 378/1320 ، الاستبصار 2 : 215/740 ، الوسائل 12 : 432 أبواب تروك الإحرام ب 10 ح 2.
4 ـ الكافي 4 : 233/8 ، التهذيب 5 : 378/1319 ، الاستبصار 2 : 215/739 ، الوسائل 12 : 431 أبواب تروك الإحرام ب 10 ح 2.
5 ـ الوسائل 13 : 84 أبواب كفارات الصيد ب 43.
6 ـ المقنع : 79 ، الفقيه 2 : 235 ، ونقله عن الإسكافي في المختلف : 279 ، المفيد في المقنعة : 438 ، المرتضي في الجمل ( رسائل الشريف المرتضي ) 3 : 72.
7 ـ التهذيب 5 : 377/1317 ، الاستبصار 2 : 214/735 ، الوسائل 12 : 432 أبواب تروك الإحرام ب 10 ح 6.


(264)
    وقوله عليه السلام في آخر : « إذا أصاب المحرم الصيد في الحرم وهو محرم فإنه ينبغي له أن يدفنه ولا يأكله أحد ، وإذا أصابه في الحلّ فإنّ الحلال يأكله وعليه هو الفداء » (1).
    والإصابة في ذيله وإن احتمل ما عدا القتل كما في باقي الصحاح ، إلّا أن المراد بها في صدره خصوصه بقرينة الدفن ، فيتعدّى‏ إلى‏ الذيل بشهادة السياق.
    والمسألة محل إشكال وإن كان الأوّل أرجح للشهرة العظيمة والإجماعات المنقولة المرجحة لأخباره وإن ضعفت ، على‏ أخبار الثاني وإن صحّت ، مع قصور أكرهها دلالةً ، لما عرفته ، والباقي سنداً عند الأكثر ، لكونه من الحسن عندهم بإبراهيم ، بل ودلالةً ، لاحتمال الباء في « بالصيد » في الخبر الأوّل للسببية ، والصيد المصدرية ، وضعف القرينة في الثاني بعد اختلاف النسخة كما قيل (2) في « يدفنه » فإن بدلها « يفديه » في أُخرى.
    وحملهما الشيخان على‏ ما إذا قتله برميه إياه ، ولم يكن ذبحه ، جمعاً (3). ولا بأس به.
    ( و ) منها : ( النساء ) ( النساء وطئاً وتقبيلاً ولمساً ونظراً بشهوة ) لا بدونها ( وعقداً ) عليهم مطلقاً ( له ) أي للمحرم نفسه ( أو لغيره ، وشهادةً ) له ( على‏ العقد ) عليهن.
    بلا خلاف يظهر للعبد فيما عدا النظر ، بل عليه الإجماع في عبائر
1 ـ الكافي 4 : 382/6 ، التهذيب 5 : 378/1318 ، الاستبصار 2 : 215/736 ، الوسائل 12 : 420 أبواب تروك الإحرام ب 3 ح 2.
2 ـ قال به الحر العاملي في الوسائل 12 : 420.
3 ـ المفيد في المقنعة : 438 ، الطوسي في التهذيب 5 : 378.


(265)
جماعة ، كالتحرير في الأوّل (1) ، والمدارك صريحاً وغيره ظاهراً فيه وفي العقد (2) ، والخلاف والغنية والمنتهى‏ والتذكرة (3) ـ كما حكي ـ في العقد ، وصريح المحكي عن الخلاف وظاهر غيره في الأخير (4) وفيه الحجة.
    مضافاً إلى‏ الكتاب في الأوّل لنفي الرفث فيه في الحج (5) ، بناءً على‏ تفسيره بالوطء في الصحيحين (6).
    والصحاحِ المستفيضة وغيرها من المعتبرة القريبة من التواتر ، بل المتواترة في الجميع ، وسيأتي إلى‏ جملة منها الإشارة في بحث الكفّارت إن شاء اللَّه تعالى‏.
    وأما النظر بشهوة فقيل فيه أيضاً أنه لعلّه لا خلاف فيه (7) ، بل زيد في بعض العبارات فادّعى‏ الإجماع عليه (8) ، مع أنه صرّح الصدوق في الفقيه بأنه لا شي‏ء عليه (9).
    ويعضده الأصل ، مع عدم دليل على‏ تحريمه من حيث الإحرام عدا النصوص الدالة على‏ لزوم الكفارة به مع الإمناء ، كالصحيح : في المحرم‏
1 ـ التحرير 1 : 112.
2 ـ المدارك 7 : 310 ؛ وانظر الذخيرة : 589.
3 ـ الخلاف 2 : 317 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 575 ، المنتهى 2 : 808 ، التذكرة 1 : 342.
4 ـ الخلاف 2 : 317 ؛ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 575 ، وحكاه عنهما في كشف اللثام 1 : 323.
5 ـ البقرة : 197.
6 ـ الفقيه 2 : 230/1096 ، 1097 ، التهذيب 5 : 328/1128 ، الاستبصار 2 : 193/647 ، الوسائل 12 : 436 أبواب تروك الإحرام ب 14 ح 1 ، 2.
7 ـ الحدائق 15 : 344.
8 ـ كما في مفاتيح الشرائع 1 : 327.
9 ـ الفقيه 2 : 213.


(266)
ينظر إلى‏ امرأته وينزلها بشهوة حتى ينزل ، قال : « عليه بدنه » (1).
    والحسن : « ومن نظر إلى‏ امرأته نظر شهوة فأمنى‏ فعليه جزور ، وإن مسّ امرأته ولازمها من غير شهوة فلا شي‏ء عليه » (2).
    وهي مخصوصة بصورة الإمناء ، فلعلّ الكفارة لأجله ، لا للنظر ، بل هو المفهوم من الخبر الثاني.
    وأما الموثق الموجب للكفارة في هذه الصورة ، معلّلاً بـ « إني لم أجعلها عليه لأنه أمنى ، إنما جعلتها عليه لأنه نظر إلى‏ ما لا يحلّ له » (3) فهو وإن كان ظاهراً في لزوم الكفارة بالنظر خاصة ، لكنه ليس نصّاً في النظر مطلقاً حتى إلى‏ المحلّلة ، فلعلّه النظر إلى‏ الأجنبية خاصة ، كما ربما يفهم من التعليل ، ويرشد إليه تنكير المرأة في الرواية ، وفهم الشيخ لها منها ، فذكرها في حرمة النظر إليها ، وأردفها بالصحيح : في محرم نظر إلى‏ غير أهله فأمنى‏ ، قال : « عليه دم ، لأنه نظر إلى‏ غير ما يحلّ له ، وإن لم يكن أنزل فليتّق اللَّه ولا يعد ، وليس عليه شي‏ء » (4).
    ويستفاد منه أن للإمناء مدخلاً في لزوم الكفارة مع تضمنه التعليل المذكور في الموثقة ، وعليه فيزيد ضعف دلالتها على‏ خلاف ما قلناه ، ويتأتى فيها الاحتمال الذي ذكرناه في الخبرين السابقين عليها ، وحينئذٍ
1 ـ الكافي 4 : 375/1 ، الوسائل 13 : 135 أبواب كفارات الاستمتاع ب 17 ح 1.
2 ـ الكافي 4 : 376/4 ، التهذيب 5 : 326/1121 ، الاستبصار 2 : 191/641 ، الوسائل 13 : 136 أبواب كفارات الاستمتاع ب 17 ح 3.
3 ـ الكافي 4 : 377/7 ، بتفاوت ، الفقيه 2 : 213/971 ، التهذيب 5 : 325/1115 ، علل الشرائع 458/1 ، المقنع : 76 ، الوسائل 13 : 133 أبواب كفارات الاستمتاع ب 16 ح 2.
4 ـ الكافي 4 : 377/8 ، الوسائل 13 : 135 أبواب كفارات الاستمتاع ب 16 ح 5.


(267)
فالجواز أقوى إن لم يكن خلافه إجماعاً.
    واعلم أن الظاهر رجوع القيد في العبارة إلى‏ مجموع الأُمور الثلاثة ، فلا تحرم بدون الشهوة ، وفاقاً لجماعة (1) للأصل ، والمعتبرة ، منها الصحيح : عن المحرم يضع يده من غير شهوة على‏ امرأته ، قال : « نعم يصلح عليها خمارها ، ويصلح عليها ثوبها ويحملها » (2) قال : أفيمسّها وهي محرمة ؟ قال : « نعم » قال : المحرم يضع يده بشهوة ، قال : « يهريق دم شاة » (3).
    والحسن : « من مسّ امرأته وهو محرم على‏ شهوة فعليه دم شاة ، ومن نظر إلى‏ امرأته نظر شهوة فأمنى‏ فعليه جزور ، وإن مسّ امرأته ولازمها من غير شهوة فلا شي‏ء عليه » (4).
    إلى‏ غير ذلك من النصوص المتقدم بعضها أيضاً ، وهي صريحة في الحكمين ، وعليه يحمل ما أُطلق فيه المنع من الأخبار ، حملَ المطلق على‏ المقيّد ، مع كونه الغالب ، فيحمل عليه أيضاً ما أُطلق فيه من الفتاوى‏ المحكية عن جمل العلم والعمل والسرائر والكافي (5) ، ويحتمله الكتاب فيما عدا النظر.
1 ـ منهم : السبزواري في الذخيرة : 590 ، وصاحب الحدائق 15 : 345 ، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 322 و323 : 1.
2 ـ في المصدر : محملها.
3 ـ الكافي 4 : 375/2 ، الوسائل 13 : 136 أبواب كفارات الاستمتاع ب 17 ح 2.
4 ـ الكافي 4 : 376/4 ، التهذيب 5 : 326/1121 ، الاستبصار 2 : 191/641 ، الوسائل 13 : 136 أبواب كفارات الاستمتاع ب 17 ح 3.
5 ـ حكاه عنهم في كشف اللثام 1 : 322 ، وهو في الجمل ( رسائل الشريف المرتضي ) 3 : 70 ، والسرائر 1 : 552 ، والكافي في الفقه : 203.


(268)
    ولا فرق في حرمة الشهادة على‏ العقد بين كونه لمحلّ أو محرم ، كما صرّح به جمع (1) لإطلاق المرسل : « المحرم لا يَنكَح ولا يُنِكح ولا يشهد » (2).
    وصريح آخر في الأوّل : في المحرم يشهد على‏ نكاح محلّين ، قال : « لا يشهد » (3).
    وبفحواه يستدل على‏ الثاني ، وضعف السند مجبور بالعمل ، بل الإجماع كما مرّ.
    والشهادة هو الحضور لغةً ، فيحتمل حرمته وإن لم يحضر للشهادة عليه ، كما عن الجامع (4).
    ولم يذكر الماتن حرمة إقامة الشهادة عليه هنا ، مع أنه ذكرها في الشرائع (5) ، تبعاً للمبسوط والسرائر (6) ، وعزيت إلى‏ المشهور (7).
    واستشكل فيها في القواعد (8) ، ولعلّه من احتمال دخولها في عموم الشهادة المنهية في الخبرين والفتاوي ومن عموم أدلة النهي عن الكتمان ،
1 ـ منهم : العلامة في المنتهى 2 : 809 ، وصاحب المدارك 7 : 311 ، والسبزواري في الذخيرة : 590 ، وصاحب الحدائق 15 : 348.
2 ـ الكافي 4 : 372/1 ، التهذيب 5 : 330/1136 ، الوسائل 12 : 438 أبواب تروك الإحرام ب 14 ح 7.
3 ـ الفقيه 2 : 230/1095 ، التهذيب 5 : 315/1087 ، الاستبصار 2 : 188/630 ، الوسائل 12 : 417 أبواب تروك الإحرام ب 1 ح 8.
4 ـ الجامع للشرائع : 184.
5 ـ الشرائع 1 : 249.
6 ـ المبسوط 1 : 317 ، السرائر 1 : 547 و553.
7 ـ كما في المدارك 7 : 312 والمفاتيح 1 : 327 والذخيرة : 590.
8 ـ القواعد 1 : 81.


(269)
وتوقف ثبوت النكاح شرعاً عليها ، ووقوع مفاسد عظيمة إن لم يثبت ، بخلاف إيقاعه ، إذ لا يتوقف عليه عندنا.
    قيل : ولأنها إخبار لا إنشاء ، والخبر إذا صدق ولم يستلزم ضرراً لم يحسن تحريمه ، ولأنها أولى‏ بالإباحة من الرجعة ، فإنها إيجاد النكاح في الخارج ، وإقامة الشهادة إيجاد له في الذهن (1).
    ولعلّ هذا أولى‏ لقوة أدلته ، مضافاً إلى‏ الأصل ، وعدم ثبوت المنع باحتمال الدخول في الخبرين ، مضافاً إلى‏ ضعفهما وعدم وضوح جابر معتدّ به لهما هنا.
    وبالجواز مع ترتب الضرر على‏ تركها قطع بعض الأصحاب (2).
    والمنع على‏ القول به ثابت مطلقاً ولو تحمّلها محلا ، على‏ الأشهر ، كما قيل.
    خلافاً للشيخ فيما إذا تحمّلها محلا (3) ، وللتذكرة فخصّه بما إذا وقع بين محرمين ، أو محرم ومحلّ (4).
    ( و ) منها : ( الاستمناء ) باليد أو التخيّل أو الملاعبة ، بلا خلاف على‏ الظاهر ، المصرَّح به في بعض العبائر (2) للصحاح المستفيضة المتقدم إلى‏ بعضها قريباً الإشارة ، ويأتي آخر منها في بحث الكفّارة إن شاء اللَّه تعالى‏.
    ( و ) منها : ( الطيب ) بلا خلاف فيه في الجملة على‏ الظاهر ،
1 ـ إيضاح الفوائد 1 : 292.
2 ـ المدارك 7 : 312.
3 ـ كما في المبسوط 1 : 317.
4 ـ التذكرة 1 : 343.
5 ـ مفاتيح الشرائع 1 : 327.


(270)
المصرَّح به في عبائر جماعة (1) للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة ولكن اختلفوا كالنصوص في عموم تحريمه أو تخصيصه بما يأتي ، والأكثر فتوىً ونصاً على‏ الأوّل.
    ( وقيل : لا يحرم ) منه ( إلّا أربع : المِسك والعنبر والزعفران والوَرْس ) (2) والقائل الصدوق في المقنع في نقل (3) ، وابن سعيد كما قيل (4) ، والشيخ في التهذيب (5) للصحيح : « إنما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء » وعدّها كما في العبارة (6).
    وفي آخر : « الطيب : المسك » وعدّها إلى‏ آخرها (7).
    ونحوه ثالث ، لكن مبدّلاً فيه الورس بالعود (8).
    وفيه : وخلوق الكعبة لا بأس به (9).
    والظاهر أن المراد من هذه الأخبار حصر الطيب الذي يحرم على‏
1 ـ منهم : المجلسي في مرآة العقول 17 : 307 ، والسبزواري في الذخيرة : 590 ، والفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 335.
2 ـ الورس صبغ يتخذ منه الحمرة للوجه ، وهو نبات كالسمسم ليس إلا باليمن. مجمع البحرين 4 : 121.
3 ـ المقنع : 73.
4 ـ ابن سعيد في الجامع للشرائع : 183 ، وحكاه عنه في كشف اللثام 1 : 324.
5 ـ التهذيب 5 : 299.
6 ـ التهذيب 5 : 304/1039 ، الوسائل 12 : 444 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 8.
7 ـ التهذيب 5 : 299/1015 ، الاستبصار 2 : 180/598 ، الوسائل 12 : 446 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 16.
8 ـ التهذيب 5 : 299/1014 ، الاستبصار 2 : 179/597 ، الوسائل 12 : 446 إبواب تروك الإحرام ب 18 ح 15.
9 ـ هذا من كلام الشيخ في التهذيب 5 : 299 ذيل الحديث 1015 ؛ نعم ، هناك روايات تدل علي المطلوب. اُنظر الوسائل 12 : 449 أبواب تروك الإحرام ب 21.
رياض المسائل الجزء السادس ::: فهرس