رياض المسائل الجزء السادس ::: 286 ـ 300
(286)
وإذا حلف يميناً واحدة كاذبة فقد جادل وعليه دم يهريقه ويتصدّق به » (1).
    ففيه أنه مطلق يحتمل التقييد بما في الصحاح ، وإنما أُطلق لأن المقصود فيه بيان ما يوجب الكفارة منها والفصل بين الصادقة والكاذبة.
    بل الأجود الاستدلال بما عرفته من الصحيح.
    وربما يستأنس به لما يحكى‏ عن الإسكافي من العفو عن اليمين في طاعة اللَّه تعالى‏ وصلة الرحم ما لم يدأب في ذلك (2) ، وحكاه في الدروس عن الفاضل والجعفي (3) ، ولا بأس به.
    وفي جواز دفع الدعوى‏ الكاذبة بالصيغتين أو الحلف مطلقاً قول قوي ، وفاقاً للشهيدين وغيرهما من المتأخرين (4) عملاً بأدلة نفي الضرر ، وحملاً لعموم الآية والأخبار على‏ صورة الاختيار دون الاضطرار.
    وعلى‏ الجواز ففي سقوط الكفارة أو ثبوتها إشكال. والأوّل لعلّه أقوى ، وفاقاً للشهيدين وسبط ثانيهما (5).
    ( و ) منها : ( قتل هوامّ الجسد ) بالتشديد جمع هامّة ، وهي دوابّه كالقمل. والمنع عن قتلها مطلقاً في الثوب كانت أو في البدن مشهور بين الأصحاب ، كما صرَّح به جمع (6) للصحيح : « يحكّ رأسه ما لم يتعمّد قتل‏
1 ـ الكافي 4 : 337/3 ، الوسائل 13 : 146 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 1 ح 3.
2 ـ نقله عن الإسكافي في المختلف : 271.
3 ـ الدروس 1 : 387.
4 ـ الشهيد الأول في الدروس 1 : 387 ، الشهيد الثاني في المسالك 1 : 110 ؛ وانظر المدارك 7 : 342.
5 ـ المدارك 7 : 342.
6 ـ منهم : صاحب المدارك 7 : 343 ، والفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1 : 340 ، وصاحب الحدائق 15 : 505.


(287)
دابة » (1).
    وقريب منه آخر : « إذا أحرمت فاتّق قتل الدواب كلّها إلّا الأفعى والعقرب والفأرة » (2).
    وهما وإن لم ينصّا على‏ العنوان إلّا أنه داخل في عمومها ، ولم أعرف عليه نصّاً بالخصوص ، فالتعبير بما فيهما كما عن جماعة من القدماء أولى‏ (3).
    وعن الأكثر التنصيص على‏ خصوص القمل لورود النصوص الكثيرة المتضمنة للصحاح وغيرها فيها بالخصوص (4).
    إلّا أن الصريح منها في حرمة قتله للتعبير فيه عنها بعد أن سئل عنه بـ ( بئس ما صنع ) (5) ضعيف السند ، معارض بالصحيح : في محرم قتل قملة ، قال : « لا شي‏ء عليه في القملة ، ولا ينبغي أن يتعمّد قتلها » (6) ولفظة « لا ينبغي » وعموم الشي‏ء المنفي وشموله للعقاب ظاهران في عدم التحريم (7).
    ونحوه في العموم الصحيح : « لا بأس بقتل القمل في الحرم وغيره » (8).
1 ـ الكافي 4 : 366/7 ، الفقيه 2 : 230/1092 ، المقنع 75 ، الوسائل 12 : 534 أبواب تروك الإحرام ب 73 ح 4.
2 ـ التهذيب 5 : 365/1273 ، الوسائل 12 : 545 أبواب تروك الإحرام ب 81 ح 2.
3 ـ منهم : الصدوق في المقنع : 77 ، والشيخ في النهاية : 219.
4 ـ الوسائل 12 : 539 أبواب تروك الإحرام ب 78.
5 ـ الكافي 4 : 362/1 ، الوسائل 12 : 539 أبواب تروك الإحرام ب 78 ح 1.
6 ـ الكافي 4 : 362/2 ، الوسائل 12 : 539 أبواب تروك الإحرام ب 78 ح 2.
7 ـ إلا أن الخبر السابق نص بالإضافة إليهما ، فيحملان عليه بحمل لفظة ( لا ينبغي ) علي التحريم ، كما شاع استعمالها فيه في الأخبار ، وتخصيص الشيء بالكفارة لاستحبابها علي الأقوي وإن قلنا بتحريم إلقاء النملة وقتلها. ( منه رحمه الله ).
8 ـ الفقيه 2 : 172/761 ، الوسائل 12 : 551 ّأبواب تروك الإحرام ب 84 ح 3.


(288)
    والمرسل : « لا بأس بقتل البرغوث والقملة والبقة في الحرم » (1) وهما يعمّان المحرم وغيره (2).
    وما عداه من الصحاح لم تنصّ بتحريم القتل ، بل هي ما بين مانعة عن النزع وعن الإلقاء ، وموجبة للكفارة بهما ، وهما غير المدّعى‏ وإن قيل يستفاد من الأوّل بطريق أولى‏ (3) لعدم وضوحه ، سيّما وقد حكي عن ابن حمزة أنه حكم بحرمة الإلقاء وجواز القتل على‏ البدن (4) ، وعن جماعة من القدماء (5) أنهم لم يذكروا إلّا الإزالة عن نفسه والإلقاء دون قتله.
    وعلى‏ تقدير وضوحه يعارض ما دلّ منها على‏ حرمة الإلقاء بما دلّ من الصحاح المتقدمة وغيرها من جواز قتله لاستلزامه جواز الإلقاء بطريق أولى‏.
    مضافاً إلى‏ صريح بعض الأخبار : عن المحرم يلقي القملة ، فقال : « ألقوها أبعدها اللَّه تعالى‏ غير محمودة ولا مفقودة » (6).
    وما دلّ منها على‏ وجوب الكفارة بمثلها ممّا دلّ على‏ عدم وجوبها (7) ، والجمع بينها يقتضي استحبابها ، كما عليه جماعة من المحققين (8).
1 ـ الكافي 4 : 364/11 ، الوسائل 12 : 551 أبواب تروك الإحرام ب 84 ح 4.
2 ـ لكن الخبر السابق نص في المحرم ، فينبغي حملهما علي غيره ، جمعاً وحملاً للعام علي الخاص ( منه رحمه الله ).
3 ـ كشف اللثام 1 : 328.
4 ـ حكاه عنه في كشف اللثام 1 : 328 ، وهو في الوسيلة : 162 و163.
5 ـ منهم : الشيخ في الانتصار : 302 ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 575 ، القاضي في المهذب 1 : 221.
6 ـ التهذيب 5 : 337/1164 الاستبصار 2 : 197/662 ، الوسائل 12 : 540 أبواب تروك الإحرام ب 78 ح 6.
7 ـ الوسائل 13 : 168 أبواب بقية الكفارات ب 15.
8 ـ منهم : المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 6 : 301 ، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 328.


(289)
    وبالجملة : التمسك بهذه النصوص لإثبات حرمة قتل القملة فضلاً عن غيرها من هوامّ الجسد لا وجه له ، سيّما والأخبار المجوّزة مع موافقتها للأصل مخالفة للعامة كما قيل (1) ، بخلاف المانعة.
    بل العمدة في إثبات الحرمة ما قدّمناه من الصحيحين.
    مع إمكان التأمل في ثانيهما بظهور الاستثناء فيه في كون الدواب الممنوع عن قتلها من قبيل المستثنى‏ ، كما صرَّح به بعض المحدّثين ، ويعضده ورود النصوص بالرخصة في قتل البقّ والبرغوث.
    وكونِ المتبادر من الدابة في أوّلهما خصوص القملة لا غير ، فيعارضه أيضاً ما دلّ على‏ جواز قتلها ، ولذا صرّح بعض المحدّثين بالكراهة في القملة قتلاً وإلقاءً ، بل وغيرها ، لكن فيها أشدّ كراهة.
    ولا يخلو عن قوة لولا اتّفاق الأصحاب ظاهراً على‏ حرمة إلقاء القملة ، وعن ابن زهرة أنه نفى‏ الخلاف عنه في الغنية (2). وأما قتلها فهو وإن قال به ابن حمزة ، لكنه شرط وقوعه على‏ البدن ، لا مطلقاً (3) ، كما هو ظاهر الأخبار المجوزة ، فهي إذاً شاذة لا عامل بها ، وبشذوذ قول ابن حمزة أيضاً صرَّح بعض أصحابنا (4).
    وحينئذٍ فيتعين في القملة القول بالحرمة قتلاً وإلقاءً ، ويشكل في غيرها من سائر هوامّ الجسد ، خصوصاً الإلقاء. بل الظاهر جوازه لما سيأتي من النص الصحيح بجوازه عموماً في الدواب ، وخصوصاً في بعضها ، وأما القتل فالأحوط التجنب عنه.
    ( ويجوز نقله ) من مكان إلى‏ آخر من الجسد بلا خلاف للصحيح‏
1 ـ الحدائق 15 : 508.
2 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 575.
3 ـ انظر الوسيلة : 163.
4 ـ الفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 340.


(290)
« المحرم يلقي عنه الدواب كلّها إلّا القملة فإنها من جسده ، فإذا أراد أن يحوّله من مكان إلى‏ مكان فلا يضرّه » (1).
    وإطلاقه ـ كالفتوى‏ ـ يقتضي عدم اشتراط كون المنقول إليه مساوياً أو أحرز. فالقول به ـ كما يحكى‏ عن بعضهم (2) ـ تقييد للنصّ من غير وجه ، إلّا أن يريد به عدم كونه معرضاً للسقوط قطعاً أو غالباً ، فلا بأس به فإنه في معنى‏ الإلقاء.
    ( ولا بأس بإلقاء القُراد والحَلَم ) بفتح الحاء واللام جمع حَلَمة كذلك ، وهي القُراد العظيم كما عن الجوهري (3) ، بلا خلاف إذا كان عن نفسه للصحيح الآتي.
    وكذا عن بعيره في القُراد ، وفي الحلمة عنه قولان ، أجودهما المنع ، وفاقاً للتهذيب وجمع ؛ (4) للصحيحين (5) وغيرهما (6) ، المصرّحة بالفرق بينها
1 ـ الفقيه 2 : 230/1091 ، التهذيب 5 : 336/1161 ؛ الوسائل 12 : 540 أبواب تروك الإحرام ب 78 ح 5.
2 ـ اختاره في المسالك 1 : 110.
3 ـ الصحاح 5 : 1903. والقراد : ما يتعلق بالبعير ونحوه ، وهو كالقمل للإنسان ، المصباح المنير : 496.
4 ـ التهذيب 5 : 338 ؛ وانظر المدارك 7 : 345 ، ومفاتيح الشرائع 1 : 341 ، والوسائل 12 : 542 الباب 80 ، وكشف اللثام 1 : 328.
5 ـ الأول : الفقيه 2 : 232/1106 ، التهذيب 5 : 338/1167 ، الوسائل 12 : 543 أبواب تروك الإحرام ب 80 ح 2.
الثاني : الكافي 4 : 364/8 ، 1 الفقيه 2 : 232/1107 ، الوسائل 12 : 543 أبواب تروك الإحرام ب 80 ح 2.
6 ـ التهذيب 5 : 338/1168 ، الوسائل 12 : 543 أبواب تروك الإحرام ب 80 ح 4.


(291)
وبين القُراد في حقه.
    خلافاً للمحكي عن الأكثر فالجواز (1) ، ومستندهم غير واضح عدا ما يقال من الصحيح : أرأيت إن وجدت عليّ قُراداً أو حَلَمة أطرحهما ؟ قال : « نعم وصغار لهما ، إنهما رقيا في غير مرقاهما » (2).
    وهو كما ترى فإن مورده النفس ، بل ظاهر التعليل يدل على‏ المنع في البعير ، فتدبر.
    وربما يستفاد منه المنع عن إلقاء كل ما يرقى‏ في الجسد من نحو البرغوث ، ولعلّه المراد من هوامّ الجسد من نحو المتن ، فيتّضح له المستند. ولا يضرّ تخالف المتن والنصّ في الاطراح والقتل لاحتمال التعدي من أحدهما إلى‏ الآخر بفحوى‏ الخطاب ، كما صرّح به جمع (3).
    ولكنه على‏ تقدير وضوحه معارض بصريح ما دلّ من النصوص على‏ جواز قتل المحرم البقّ والبرغوث ، منها ـ زيادة على‏ ما مرّ ـ الصحيح المروي في آخر السرائر : عن المحرم يقتل البقة والبرغوث إذا أذاه قال : « نعم » (4).
    ونحوه الخبر مبدلاً فيه الشرط بـ « إذا رآه » في نسخة ، وبـ « إذا أراده » في أُخرى (5).
1 ـ كما في المدارك 7 : 344.
2 ـ الكافي 4 : 362/4 ، الفقيه 2 : 229/1085 ، التهذيب 5 : 337/1162 ، المقنع : 75 ، علل الشرائع : 457/1 ، الوسائل 12 : 541 أبواب تروك الإحرام ب 79 ح 1.
3 ـ منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 328.
4 ـ مستطرفات السرائر : 32/33 ، الوسائل 12 : 540 أبواب تروك الإحرام ب 78 ح 7.
5 ـ الكافي 4 : 364/6 ، الوسائل 12 : 542 أبواب تروك الإحرام ب 79 ح 3.


(292)
    وهو أحد القولين وأجودهما ، وفاقاً لجماعة (1) ، خلافاً لآخرين فالمنع (2) ، وهو أحوطهما.
    ( ويحرم ) عليه ( استعمال دهن فيه طيب ) بلا خلاف ظاهر ولا محكي إلّا عن الشيخ في الجمل فكرهه (3). وهو نادر ، بل على‏ خلافه الإجماع في صريح التحرير (4) ، وفي المنتهى‏ : إنه قول عامة أهل العلم (5).
    وتجب به الفدية إجماعاً وهو الحجة ، مضافاً إلى‏ الأخبار المستفيضة عموماً وخصوصاً.
    ففي الصحيح (6) وغيره (7) : « لا تدهن حين تريد أن تحرم بدهن فيه مسك ولا عنبر ، من أجل أن رائحته تبقى‏ في رأسك بعد ما تحرم وادّهن بما شئت من الدهن حين تريد أن تحرم ، فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحلّ ».
    ومقتضاهما حرمة استعماله قبل الإحرام إذا كانت رائحته تبقى‏ إلى‏
1 ـ منهم : القاضي في المهذب 1 : 221 ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 575 ، والشهيد الثاني في المسالك 1 : 110.
2 ـ منهم : الشيخ في المبسوط 1 : 320 ، ويحيي بن سعيد في الجامع للشرائع : 193 وصاحب المدارك 7 : 343.
3 ـ الموجود في الجمل وجوب الاجتناب عن الأدهان الطيبة ، نعم قال بكراهة استعمالها قبل الإحرام إذا كانت رائحتها تبقي إلي وقت الإحرام. راجع ( الرسائل العشر ) : 228 ، 229.
4 ـ التحرير 1 : 115.
5 ـ المنتهى 2 : 787.
6 ـ الكافي 4 : 329/2 ؛ التهذيب 5 : 303/1032 ، الاستبصار 2 : 181/603 ، علل الشرائع 451/1 ، الوسائل 12 : 458 أبواب تروك الإحرام ب 29 ح 1.
7 ـ الفقيه 2 : 202/921 ، الوسائل 12/458 أبواب تروك الإحرام ب 29 ذيل الحديث.


(293)
وقت الإحرام ، وجواز الدهن بغير المطيب قبله.
    ولا خلاف في الثاني ، بل عن التذكرة والمنتهى‏ (1) الإجماع عليه ، والصحاح به مع ذلك مستفيضة (2).
    وليس في شي‏ء منها اشتراط عدم بقاء عينه بعد الإحرام ، مع مخالفته الأصل.
    وقيل باشتراطه (3) ، ولا وجه له.
    نعم ، في الصحيح : « لا بأس بأن يدهن الرجل قبل أن يغتسل للإحرام وبعده ، وكان يكره الدهن الخاثر الذي يبقى‏ » (4).
    ومراعاته أحوط وإن كان في دلالته على‏ التحريم نظر.
    وأما الأوّل فعليه الأكثر ، وبه أخبار أُخر بعضها أيضاً صحيح السند (5).
    خلافاً للمحكي عن ابن حمزة وجماعة فالكراهة (6) للأصل ، وإطلاق جملة من الصحاح بجواز الادّهان قبل الإحرام (7).
    ويجب الخروج عنهما بما مرّ ، بحملها على‏ الادّهان بما ليس بمطيب ، أو صورة عدم بقاء الأثر ، حملَ المطلق على‏ المقيد. ( ولا بأس بـ ) استعمال ( ما ليس بطيب عند الضرورة ) بالنص‏
1 ـ التذكرة 1 : 335 ، المنتهى 2 : 787.
2 ـ الوسائل 12 : 460 أبواب تروك الإحرام ب 30.
3 ـ المسالك 1 : 110.
4 ـ الكافي 4 : 329/4 ، الوسائل 12 : 460 أبواب تروك الإحرام ب 30 ح 3.
5 ـ الوسائل 12 : 458 أبواب تروك الإحرام ب 29.
6 ـ حكاه عن ابن حمزة في المدارك 7 : 348 ؛ وهو في الوسيلة : 164 ؛ وانظر الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 229 ، المهذب 1 : 221.
7 ـ اُنظر الوسائل 12 : 460 أبواب تروك الإحرام ب 30.


(294)
والإجماع الظاهر ، المصرَّح به في عبائر جماعة (1).
    وفيه بدونها خلاف ، وظاهر المتن المنع ، وعليه الأكثر. وهو الأظهر للصحيح المتقدم ، ونحوه آخر : « لا تمسّ شيئاً من الطيب ولا من الدهن في إحرامك » (2).
    والمراد بالمسّ فيه الادّهان ، لا مطلقة لجوازه في نحو الأكل إجماعاً كما في الروضة (3) ، وعن التذكرة وعن الخلاف والدروس (4) نفي الخلاف عنه.
    خلافاً للمحكي عن صريح المفيد وظاهر جماعة (5) ، فجوّزوه على‏ كراهية جمعاً بين الأخبار المانعة والناصّة على‏ جواز الادّهان بعد الغسل قبل الإحرام ، فإن الظاهر بقاؤه عليه إلى‏ الإحرام ، وتساوي الابتداء والاستدامة.
    وفيهما منع. وعلى‏ تقديرهما فالمانعة أوضح دلالةً على‏ المنع من هذه على‏ الجواز.
    وأما الاستدلال لهم بالأخبار المرخّصة لاستعماله حال الضرورة فليس‏
1 ـ منهم : العلامة في المنتهى 2 : 787 ، وصاحب المدارك 7 : 350.
2 ـ التهذيب 5 : 297/1006 ، الاستبصار 2 : 178/590 ، الوسائل 12 : 459 أبواب تروك الإحرام ب 29 ح 3.
3 ـ الروضة 2 : 240.
4 ـ التذكرة 1 : 335 ، الخلاف 1 : 303 ، الدروس 1 : 375 ، وحكاه عنهم في كشف اللثام 1 : 326.
5 ـ حكاه عنهم في كشف اللثام 1 : 326 ، وانظر المقنعة : 397 ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 228 ، والكافي في الفقه 203.


(295)
في محلّه ، لخروجها عن مفروض المسألة.
    ( ويحرم ) أيضاً ( إزالة الشعر قليله وكثيره ) عن الرأس واللحية وسائر البدن ، بحلق أو نتف أو غيرهما مع الاختيار ، بإجماع العلماء ، كما عن التذكرة والمنتهى‏ (1) ، وفي غيرهما إجماعاً (2).
    للآية (3) والصحاح المستفيضة ، منها : « من حلق أو نتف إبطه ناسياً أو ساهياً أو جاهلاً فلا شي‏ء عليه ، ومن فعله متعمداً فعليه دم » (4) وقصورها عن إفادة تمام المدّعى‏ مجبور بفهم العلماء.
    والرواية ناصّة بأنه لا شي‏ء على‏ الجاهل ولناسي ، كما في الدروس ، وفيه عن الفاضل أنه أوجب الكفارة على‏ الناسي في الحلق والقلم لأن [ الإتلاف ] (5) يتساوى فيه العمد والخطأ كالمال. قال : وهو بعيد لصحيح زرارة ، ثم ساق الرواية وقال بعدها : ونقلِ الشيخ الإجماع على‏ عدم وجوب الفدية على‏ الناسي ، والقياس عندنا باطل ، خصوصاً مع معارضة النص. انتهى‏. وهو جيد.
    ( ولا بأس به مع الضرورة ) كما لو آذاه القمل أو القروح ، أو نبت الشعر في عينه ، أو نزل شعر حاجبه فغطّى عينه ، أو احتاج إلى‏ الحجامة المفتقرة إلى‏ الإزالة ، بإجماع العلماء كما في المدارك (6) ، وفي غيره‏
1 ـ التذكرة 1 : 338 ، المنتهى 2 : 793.
2 ـ كما في مفاتيح الشرائع 1 : 338.
3 ـ البقرة : 196.
4 ـ الكافي 4 : 361/8 ، التهذيب 5 : 339/1174 ، الاستبصار 2 : 199/672 ، الوسائل 13 : 159 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 10 ح 1.
5 ـ في النسخ والدروس 1 : 383 ، الإطلاق. والصحيح : الإتلاف ، كما في التذكرة 1 : 338 والدروس المطبوع بالطبع الحجري : 109.
6 ـ المدارك 7 : 351.


(296)
إجماعاً (1) للآية (2) ، وللصحيح في سبب نزولها (3).
    ولكن لا يسقط بشي‏ء من ذلك الفدية للنصوص (4) ، إلّا في الشعر النابت في العين والحاجب الذي طال فغطّى العين ، ففي المنتهى‏ والتحرير والتذكرة (5) : أنه لا فدية فيهما ، لأن الضرر بنفس الشعر فهو كالصيد الصائل.
    وفيه نظر ، بل المتّجه لزوم الفدية إذا كانت الإزالة بسبب المرض أو الأذى‏ الحاصل في الرأس لإطلاق الآية. دون ما عداه لأن الضرورة مسوّغة للإزالة ، والفدية بالأصل منتفية ، كذا في المدارك (6). وهو حسن.
    وأما ما يقال عليه من أن مورد الأخبار الموجبة لجواز الحلق مع الضرورة إنما هو التضرر بالقمل أو الصداع كما في رواية المحصَر (7) ، وعليه يحمل إطلاق الآية ، ويبقى ما عداه خارجاً عن محل البحث (8).
    ففيه نظر ؛ لأن أخصية المورد لا توجب تقييد المطلق ، لعدم التعارض بينهما بوجه.
    نعم ، يمكن الجواب عن الإطلاق بعدم عموم فيه يشمل غير المورد ، لعدم انصرافه بحكم الغلبة إليه ، فتدبّر.
1 ـ كما في المفاتيح 1 : 338 والذخيرة : 595.
2 ـ البقرة : 196.
3 ـ الكافي 4 : 357/2 مرسلاً ، التهذيب 5 : 333/1147 ، الاستبصار 2 : 195/656 ، المقنع : 75 ، الوسائل 13 : 165 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 14 ح 1.
4 ـ الوسائل 13 : 165 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 14.
5 ـ المنتهى 2 : 793 ، التحرير 1 : 114 ، التذكرة 1 : 338.
6 ـ المدارك 7 : 353.
7 ـ الوسائل 13 : 185 أبواب الإحصار والصد ب 5.
8 ـ الحدائق 15 : 518.


(297)
    واعلم أن هذا وما سبقه أحد التروك المشار إليها في صدر البحث ، فالأولى‏ عطفهما على‏ ما سبقهما وحذف « يحرم » فيهما ، كما فعل في قوله : ( وتغطية الرأس للرجل دون المرأة ) بإجماع العلماء ، كما عن المنتهى‏ والتذكرة (1) ، وفي غيرهما بالإجماع (2) والصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة.
    ويستفاد من جملة منها عدم الفرق بين الكل والبعض ، كما صرّح به جمع (3) ، ففي الصحيح : ترى أن أستتر بطرف ثوبي ؟ فقال عليه السلام : « لا بأس بذلك ما لم يصب رأسك » (4).
    وفيه : عن المحرم يجد البرد في أُذنيه ، يغطّيهما ؟ قال : « لا » (5).
    ويستفاد منه كون الأُذنين [ يحرم ] (6) سترهما. وهو الأظهر ، وفاقاً لجمع ومنهم الفاضل في التحرير (7) ، خلافاً له في التذكرة والمنتهى‏ (8) ، فتردّد في ذلك. ولا وجه له بعد ذلك.
    ورخّص في عصابتي القِربة والصداع للصحيحين (9) ، قيل : وعمل‏
1 ـ المنتهى 2 : 789 ، التذكرة 1 : 336.
2 ـ كما في المفاتيح 1 : 332.
3 ـ منهم : العلامة في التحرير 1 : 114 ؛ والشهيد الأول في الدروس 1 : 379 ، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 330.
4 ـ الفقيه 2 : 227/1068 ، الوسائل 12 : 525 أبواب تروك الإحرام ب 67 ح 4.
5 ـ الكافي 4 : 349/4 ، الوسائل 12 : 505 أبواب تروك الإحرام ب 55 ح 1.
6 ـ في النسخ : يجب. وهو سهو.
7 ـ التحرير 1 : 114 ، وانظر المدارك 7 : 355.
8 ـ التذكرة 1 : 337 ، المنتهى 2 : 789.
9 ـ الأول : الفقيه 2 : 221/1024 ، الوسائل 12 : 508 ، أبواب تروك الإحرام ب 57 ح 1.


(298)
بهما الأصحاب (1).
    وكذا ستره بيده وبعض أعضائه على‏ الأظهر ، وفاقاً للمنتهى‏ وجمع (2) للأصل ، وما سيأتي من الصحيح على‏ جواز الحكّ ، والصحيح : « لا بأس أن يستر بعض جسده ببعض » (3).
    أما الوجه فالأشهر الأظهر جواز تغطيته له اختياراً للأصل ، والصحاح المستفيضة ، منها : الرجل المحرم يريد أن ينام ، يغطّي وجهه من الذباب ؟ قال : « نعم ، ولا يخمّر رأسه » (4).
    مضافاً إلى‏ نقل الإجماع عليه عن الخلاف والمنتهى‏ والتذكرة (5).
    خلافاً للمحكي عن العماني ، فأوجب به إطعام مسكين في يده (6) للصحيح (7) ، ووافقه في التهذيب على‏ إيجاب الكفارة ، لكن جوّزه اختياراً مع نيتها (8).
    وحمل الكفارة على‏ الاستحباب كما عليه الأكثر لعلّه أولى‏ ، جمعاً بين النصوص ، إذ لو وجبت لذكرت في مقام البيان في سائرها ، فهي لذلك‏
    الثاني : الكافي 4 : 359/10 ، التهذيب 5 : 308/1056 ، الوسائل 12 : 530 أبواب تروك الإحرام ب 70 ح 4.
1 ـ كشف اللثام 1 : 330.
2 ـ المنتهى 2 : 790 ؛ وانظر المدارك 7 : 354 ، والروضة 2 : 242 ، والمفاتيح 1 : 334.
3 ـ التهذيب 5 : 308/1055 ، الوسائل 12 : 524 أبواب تروك الإحرام ب 67 ح 3.
4 ـ الكافي 4 : 349/1 ، التهذيب 5 : 307/1051 ، الاستبصار 2 : 184/614 ، الوسائل 12 : 510 أبواب تروك الإحرام ب 59 ح 1.
5 ـ الخلاف 2 : 298 ، المنتهى 2 : 790 ، التذكرة 1 : 337.
6 ـ كما حكاه عنه في الدروس 1 : 380.
7 ـ التهذيب 5 : 308/1054 ، الوسائل 12 : 505 أبواب تروك الإحرام ب 55 ح 4.
8 ـ التهذيب 5 : 308.


(299)
ظاهرة في عدم الوجوب ، وللرجحان بالشهرة قدّمت على‏ الصحيح ، ولولاها لكان الجمع بالوجوب مقتضى‏ الأُصول ، وهو مع ذلك أحوط.
    ( وفي معناه الارتماس ) وإدخال الرأس في الماء بالإجماع والصحاح (1). دون غسله وإفاضة الماء عليه ، فيجوز بالإجماع ، كما عن صريح التذكرة وظاهر المنتهى‏ (2) للصحاح ، منها : هل يحكّ رأسه أو يغتسل بالماء ؟ فقال : « يحكّ رأسه ما لم يتعمد قتل دابة ، ولا بأس بأن يغتسل بالماء ويصبّ على‏ رأسه ما لم يكن ملبِّداً ، فإن كان ملبِّداً فلا يفيض على‏ رأسه الماء إلّا من احتلام » (3).
    قيل : ومضمونه فتوى المقنع والدروس ، قلت : ولعلّ منع الملبِّد من الصبّ للاحتراز عن سقوط الشعر ، ولا يدل الخبر على‏ جواز التلبيد مطلقاً ، فضلاً عنه اختياراً ، وفي التذكرة والدروس القطع بجواز التوسد ، لأنه يصدق عرفاً أنه مكشوف الرأس (4). انتهى‏.
    وهو جيّد.
    وهل التغطية محرّمة بأيّ شي‏ء كان حتى بنحو من الطين والحِنّاء وحمل الطبق والمتاع ونحو ذلك ، أم يختص بالمعتاد ، كالستر بالثوب ووضع القناع ؟ إشكال ، إلّا أن الأصل مع اختصاص النواهي بالثاني يقتضيه وإن كان الأوّل أحوط لإطلاق نحو الصحيح : « إحرام المرأة في وجهها ،
1 ـ الوسائل 12 : 508 أبواب تروك الإحرام ب 58.
2 ـ التذكرة 1 : 336 ، المنتهى 2 : 790.
3 ـ الكافي 4 : 366/7 ، الفقيه 2 : 230/1092 ، المقنع : 75 ، الوسائل 12 : 534 أبواب تروك الإحرام ب 73 ح 4.
4 ـ كشف اللثام 1 : 330.


(300)
وإحرام الرجل في رأسه » (1) مؤيداً بأخبار الارتماس ، سيّما وظاهر بعض الأفاضل أنه لا خلاف فيه إلّا من العامة (2) ، وعن المبسوط أن من خضب رأسه أو طيّنه لزمه الفداء كمن غطّاه بثوب بلا خلاف (3) (4).
    ( ولو غطّى‏ ناسياً ألقاه ) أي الغطاء المدلول عليه بالمقام ( وجوباً ) اتفاقاً على‏ الظاهر ، المصرَّح به في بعض العبائر (5) ( وجدّد التلبية ).
    للصحيحين (6) في الحكمين ، إلّا أن ظاهرهما وجوب التجديد ; للأمر به فيهما.
    فقوله : ( استحباباً ) لا وجه له ، إلّا ما في كلام جماعة (7) من الأصل وعدم قائل بالوجوب.
    وفيه نظر لوجوب الخروج عن الأصل بالأمر ، ومنع عدم القائل ، فقد
1 ـ الكافي 4 : 345/7 ، الفقيه 2 : 219/1009 ، الوسائل 12 : 505 أبواب تروك الإحرام ب 55 ح 2.
2 ـ كشف اللثام 1 : 330.
3 ـ المبسوط 1 : 351 وفيه : أو طيبه.
4 ـ ويعضده ما ورد في بعض الأخبار من منع المرأة من ستر الوجه بالمروحة ، بعد ملاحظة ما ورد من أن الإحرام للرجل في رأسه والمرأة في وجهها ، فيكون منعها من المروحة إنما هو لمنافاة الستر بها للإحرام ، فينبغي أن يكون ستر الرأس بها في الرجل كذلك. فتدبر. ( منه رحمه الله ).
5 ـ كشف اللثام 1 : 330.
6 ـ الأول : الفقيه 2 : 227/1071 ، التهذيب 5 : 307/1050 ، الاستبصار 2 : 184/613 ، الوسائل 12 : 505 أبواب تروك الإحرام ب 55 ح 3.
    الثاني : الفقيه 2 : 227/1070 ، الوسائل 12 : 506 أبواب تروك الإحرام ب 55 ح 6.
7 ـ منهم : صاحب المدارك 7 : 359 ، والفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 332 ، والسبزواري في الذخيرة : 599 ، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 330.
رياض المسائل الجزء السادس ::: فهرس