رياض المسائل الجزء السادس ::: 301 ـ 315
(301)
حكي عن ظاهر الشيخ وابني حمزة وسعيد (1) ، ومع ذلك فالوجوب أحوط.
    ( وتسفر المرأة عن وجهها ) فلا تغطيّه وجوباً بإجماعنا الظاهر ، المصرَّح به في جملة من العبائر (2) ، بل عن المنتهى‏ أنه قول علماء الأمصار (3) ، وبه استفاض أيضاً الأخبار (4).
    والكلام في عموم تحريم التغطية للثوب وغيره كما مرّ في الرأس ، إلّا أن في بعض الأخبار هنا المنع عن التغطية بمثل المروحة (5).
    ( ويجوز ) لها ( أن تسدل ) أي ترسل ( خمارها ) وقناعها من رأسها ( إلى‏ ) طرف ( أنفها ) عند علمائنا أجمع كما عن التذكرة ، وفيه : أنه قول عامة أهل العلم (6). وعن المنتهى‏ أنه لا نعلم فيه خلافاً (7).
    والصحاح به مع ذلك مستفيضة وإن اختلفت في التحديد بما في العبارة كما في الصحيحين منها (8) ، وإلى النحر كما في آخرين ، مطلقاً في أحدهما (9) ، ومقيداً بما إذا كانت راكبة في ثانيهما (10) ، وإلى الذقن في‏
1 ـ حكاه عنهم في كشف اللثام 1 : 332.
2 ـ اُنظر المدارك 7 : 359 ، والمفاتيح 1 : 333 ، وكشف اللثام 1 : 331.
3 ـ المنتهى 2 : 790.
4 ـ اُنظر الوسائل 12 : 493 أبواب تروك الإحرام ب 48.
5 ـ الكافي 4 : 346/9 ، الفقيه 2 : 219/1010 ، قرب الإسناد : 363/1300 ، الوسائل 12 : 494 أبواب تروك الإحرام ب 48 ح 4.
6 ـ التذكرة 1 : 337.
7 ـ المنتهى 2 : 791.
8 ـ الأول : الكافي 4 : 344/1 ، التهذيب 5 : 73/243 ، الوسائل 12 : 493 أبواب تروك الإحرام ب 48 ح 2. الثاني : الكافي 4 : 344/3 ، التهذيب 5 : 74/245 ، الوسائل 12 : 494 أبواب تروك الإحرام ب 48 ح 3.
9 ـ الفقيه 2 : 227/1074 ، الوسائل 12 : 495 أبواب تروك الإحرام ب 48 ح 7.
10 ـ الفقيه 2 : 219/1008 ، الوسائل 12 : 495 أبواب تروك الإحرام ب 48 ح 8.


(302)
آخر (1).
    وظاهرها عدم اعتبار مجافاة الثوب عن الوجه ، وبه قطع في المنتهى‏ (2) لأنّ سدل الثوب لا يكاد يسلم معه البشرة من الإصابة ، فلو كان شرطاً لبيّن لأنه في موضع الحاجة.
    ولكنه في القواعد اشترط في جواز السدل عدم الإصابة (3) ، كما عن المبسوط والجامع (4) ، حيث أوجبا المجافاة بخشبة ونحوها لئلّا يصيب البشرة ، وحكم الشيخ بلزوم الدم إذا أصابها ولم تزله بسرعة.
    ولم أعرف له مستنداً في إيجاب الدم أصلاً ، وكذا في إيجاب المجافاة ، إلّا أن يقال : لعلّ المستند فيه الجمع بين الصحاح المتقدمة المبيحة للسدل ، والمانعة عن التغطية ، بحمل هذه على‏ ما إذا أصاب البشرة والمبيحة على‏ غير صورة الإصابة.
    وله وجه ، غير انه يمكن الجميع بغير ذلك بتقييد المانعة بالنقاب خاصة ، بل قيل : لا يستفاد من الأخبار أزيد منه ، أو التغطية بغير السدل (5).
    هذا ، ولا ريب أن ما ذكره الشيخ أحوط.
    ( ويحرم تظليل المحرم سائراً ) بأن يجلس في محمل أو كنيسة أو عمارية مظلّلة أو شبهها اختياراً ، بلا خلاف ظاهر ولا محكي ، إلّا من الإسكافي فاستحب تركه (6) ، وعبارته المحكية غير واضحة الدلالة على‏
1 ـ الفقيه 2 : 219/1007 ، الوسائل 12 : 495 أبواب تروك الإحرام ب 48 ح 6.
2 ـ المنتهى 2 : 791.
3 ـ القواعد 1 : 82.
4 ـ المبسوط 1 : 320 ، الجامع للشرائع : 187.
5 ـ المدارك 7 : 361.
6 ـ نقله عنه في المختلف : 270.


(303)
ذلك ، ولذا تردّد في مخالفته في المختلف وغيره (1) ، ومع ذلك فهو شاذ على‏ الظاهر ، المصرّح به في بعض العبائر (2) ، مشعراً بدعوى‏ الإجماع على‏ خلافه كما في الانتصار (3) ، وعن الخلاف والمنتهى‏ والتذكرة (4).
    والصحاح به مع ذلك مستفيضة كغيرها من المعتبرة (5) ، والصحاح الموهمة للخلاف (6) قابلة للحمل على‏ الحرمة ، ومع ذلك محتمل للحمل على‏ التقية ، كما صرّح به جماعة (7) ، ويستفاد من جملة من روايات المسألة (8).
    هذا إذا استظل فوق رأسه.
    وأما لو استظل بثوب ينصبه لا على‏ رأسه فعن الخلاف والمنتهى‏ (9) جوازه بلا خلاف ولعلّه للأصل ، واختصاص أكثر الأخبار بالجلوس في القبة والكنيسة ونحوهما وخصوص الصحيح : سمعته عليه السلام يقول لأبي وقد شكا إليه حرّ الشمس وهو محرم وهو يتأذى‏ به ، فقال : ترى أن أستتر بطرف ثوبي ؟ قال : « لا بأس بذلك ما لم يصبك رأسك » (10).
1 ـ اُنظر كشف اللثام 1 : 331.
2 ـ كما في مفاتيح الشرائع 1 : 335.
3 ـ الانتصار : 97.
4 ـ الخلاف 2 : 318 ، المنتهى 2 : 791 ، التذكرة 1 : 337.
5 ـ الوسائل 12 : 515 ، أبواب تروك الإحرام ب 64.
6 ـ اُنظر الوسائل 12 : 517 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 5 ، 10 ؛ وج 97 : 13 أبواب كفارات الصيد ب 49 ح 6.
7 ـ منهم : صاحب الوسائل 15 : 518 ، وصاحب الحدائق 15 : 478.
8 ـ اُنظر الوسائل 12 : 520 أبواب تروك الإحرام ب 26.
9 ـ الخلاف 2 : 318 ، المنتهى 2 : 792.
10 ـ الفقيه 2 : 227/1068 ، الوسائل 12 : 525 أبواب تروك الإحرام ب 67 ح 4.


(304)
    لكن جملة منها عامة ، وفيها الصحاح وغيرها ، ففي الصحيح : أُظلّل وأنا محرم ؟ قال : « لا » قلت : أفأظلّل وأُكفّر ؟ قال : « لا » قلت : فإن مرضت ؟ قال : « ظلّل وكفّر » الخبر (1).
    وفيه : هل يستتر المحرم من الشمس ؟ فقال : « لا إلّا أن يكون شيخاً كبيراً » أو قال : « ذا علّة » (2).
    وفيه أو القوي : عن المحرم يستتر من الشمس بعود وبيده ؟ قال : « لا إلّا من علّة » (3).
    إلى‏ غير ذلك من النصوص الصحيحة والموثقة وغيرهما ، ومراعاتها أحوط وأولى وإن كان جواز المشي تحت الظلال أقوى ، وفاقاً لجماعة (4) ، للصحيح : « هل يجوز للمحرم أن يمشي تحت ظلّ المحمل ؟ فكتب : « نعم » (5).
    والخبر : أيجوز للمحرم أن يظلّل عليه محمله ؟ فقال عليه السلام : « لا يجوز ذلك مع الاختيار » فقيل له : أفيجوز أن يمشي تحت الظلال مختاراً ؟ فقال عليه السلام : « نعم » (6).
1 ـ الفقيه 2 : 225/1059 ، التهذيب 5 : 313/1075 ، الاستبصار 2 : 187/627 ، علل الشرائع : 452/1 ، الوسائل 12 : 516 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 3.
2 ـ الكافي 4 : 351/8 ، التهذيب 5 : 310/1062 ، الاستبصار 2 : 186/622 قرب الإسناد : 125/440 بتفاوت ، الوسائل 12 : 517 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 9.
3 ـ الفقيه 2 : 227/1069 ، الوسائل 12 : 525 أبواب تروك الإحرام ب 67 ح 5.
4 ـ منهم : الشيخ في المبسوط 1 : 321 ، والشهيد الثاني في المسالك 1 : 111 ، وصاحب المدارك 7 : 364.
5 ـ الكافي 4 : 351/5 ، الوسائل 12 : 524 أبواب تروك الإحرام ب 67 ح 1.
6 ـ الاحتجاج : 394 ، إرشاد المفيد : 298 ، الوسائل 12 : 523 أبواب تروك الإحرام ب 66 ح 6.


(305)
    وكذا يجوز له التستر عن الشمس ببعض جسده وإن منع عنه بعض الأخبار السابقة لمعارضته بأقوى منها سنداً وعدداً ودلالةً ، ففي الصحيح : « لا بأس بأن يضع المحرم ذراعه على‏ وجهه من حرّ الشمس ، ولا بأس أن يستر بعض جسده ببعض » (1).
    ونحوه خبران آخران (2).
    واحترز بقوله : سائراً ، عما لو كان نازلاً ، فإنه يجوز له إجماعاً كما يأتي.
    ( ولا بأس به للمرأة ) إجماعاً على‏ الظاهر ، المصرَّح به في جملة من العبائر (3) وللنصوص المستفيضة ، وفيها الصحاح وغيرها (4).
    ( وللرجل نازلاً ) للأصل والنصوص المستفيضة (5) والإجماع الظاهر ، المصرَّح به في عبائر جماعة (6) ، وبهذه الأدلة يقيد إطلاق ما مرّ من‏ الأدلة.
    ( و ) كذا ( لو اضطر ) إلى التظليل سائراً ( جاز ) مع الفداء إجماعاً على‏ الظاهر ، المصرَّح به في عبائر (7) للصحاح المستفيضة وغيرها من
1 ـ التهذيب 5 : 308/1055 ، الوسائل 12 : 524 أبواب تروك الإحرام ب 67 ح 3.
2 ـ الأول : الكافي 4 : 352/11 ، الوسائل 12 : 524 أبواب تروك الإحرام ب 67 ح 2. الثاني : الكافي 4 : 350/1 ، التهذيب 5 : 309/1061 ، الوسائل 12 : 520 أبواب تروك الإحرام ب 66 ح 1.
3 ـ كالروضة 2 : 245 ، والمدارك 7 : 364 ، ومرآة العقول 17 : 301.
4 ـ الوسائل 12 : 519 أبواب تروك الإحرام ب 65.
5 ـ اُنظر الوسائل 12 : 520 أبواب تروك الإحرام ب 66.
6 ـ منهم : العلامة في التذكرة 1 : 337 ، الشهيد الثاني في الروضة 2 : 244 ، والفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 335.
7 ـ كشف اللثام 1 : 331 وانظر مرآة العقول 17 : 301.


(306)
المعتبرة وإن اختلفت في التعبير عن الضرورة بمطلق نحو أذية حرّ الشمس والمطر ، كالصحيح : عن المحرم يظلّل على‏ نفسه ، فقال : « أمن علة » ؟ فقال : يؤذيه حرّ الشمس وهو محرم ، فقال : « هو علة [ يظلل ] ويفدي » (1) ونحوه غيره (2).
    وبها أفتى‏ في الذخيرة (3).
    أو بالتضرر بهما لعلة ، أو كبر ، أو ضعف ، أو شدة حرّ أو برد ، كالصحيح : عن المحرم إذا أصابته الشمس شقّ عليه وصدع فيستتر منها ، فقال : « هو أعلم بنفسه ، إذا علم أنه لا يستطيع أن تصيبه الشمس فليستظل منها » (4).
    والموثق : إن علي بن شهاب يشكو رأسه والبرد شديد ويريد أن يحرم ، فقال : « إن كان كما زعموا فليظلل » (5).
    وبها أفتى‏ في الروضة (6) ، وتبعه بعض المتأخرين (7) ، حاكياً له عن الشيخين والحلّي. وهو أقوى لوقوع التصريح بالمنع عن التظليل بمطلق الحرّ والبرد في الصحيح وغيره (8) ، وبها يقيد إطلاق ما تقدمها.
1 ـ التهذيب 5 : 310/1064 ، الاستبصار 2 : 186/624 ، الوسائل 13 : 154 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 6 ح 4 وما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.
2 ـ الكافي 4 : 351/9 ، التهذيب 5 : 311/1066 ، الاستبصار 2 : 187/626 ، الوسائل 13 : 155 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 6 ح 5.
3 ـ الذخيرة : 598.
4 ـ التهذيب 5 : 309/1059 ، الاستبصار 2 : 186/620 ، الوسائل 12 : 517 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 6.
5 ـ الكافي 4 : 351/7 ، الوسائل 12 : 519 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 13.
6 ـ الروضة 2 : 245.
7 ـ الفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 331.
8 ـ لم نعثر إلا علي خبر زراة راجع الوسائل 12 : 519 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 14.


(307)
    وهل يجوز التظليل اختياراً مع الفداء ؟ الأقوى‏ لا ، وفاقاً للتهذيبين والتذكرة والمنتهى‏ كما نقل (1) ؛ للصحيح : أُظلّل وأنا محرم ؟ قال : « لا » قال : أفاُظلّل وكفّر ؟ قال : « لا » قال : فإن مرضت ؟ قال : « ظلّل وكفّر » (2).
    خلافاً للمحكي عن المقنع فقال : لا بأس أن يضرب على‏ المحرم الظلال ويتصدق بمدّ لكل يوم (3). ومستنده غير واضح.
    نعم في الدروس : وروى علي بن جعفر جوازه مطلقاً ويكفّر (4). وقيل : إن أراد روايته أنه سأل أخاه : أُظلّل وأنا محرم ؟ فقال : « نعم وعليك الكفارة » (5) فيحتمل الضرورة (6).
    ( ولو زامل ) الصحيح ( عليلاً أو امرأة اختصّا بالظلال دونه ) بغير خلاف أعرفه ، وبه صرّح جماعة (7) للعمومات ، وخصوص رواية صريحة (8). ولا يعارضها المرسلة (9) لضعفها عن المقاومة لها سنداً ودلالةً
1 ـ نقله عنهم في كشف اللثام 1 : 331.
2 ـ الفقيه 2 : 225/1059 ، التهذيب 5 : 313/1075 ، الاستبصار 2 : 187/627 ، علل الشرائع : 452/1 ، الوسائل 12 : 516 أبواب تروك الإحرام ب 64 ح 3.
3 ـ المقنع : 74 ، وحكاه عنه في كشف اللثام 1 : 331.
4 ـ الدروس 1 : 377.
5 ـ التهذيب 5 : 334/1150 ، الوسائل 13 : 154 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 6 ح 2.
6 ـ كشف اللثام 1 : 331.
7 ـ منهم : السبزواري في الذخيرة : 598 ، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 331 ، وصاحب الحدائق 15 : 483.
8 ـ الكافي 4 : 352/12 ، الفقيه 2 : 226/1061 ، التهذيب 5 : 311/1068 ، الاستبصار 2 : 185/616 ، الوسائل 12 : 526 أبواب تروك الإحرام ب 68 ح 1.
9 ـ التهذيب 5 : 311/1069 ، الاستبصار 2 : 185/617 ، الوسائل 12 : 526 أبواب تروك الإحرام ب 68 ح 2.


(308)
واعتباراً.
    ( ويحرم قصّ الأظفار ) بإجماع علماء الأمصار ، كما في المنتهى‏ والتذكرة (1) ، وفي غيرهما بالإجماع (2).
    والمعتبرة المستفيضة ، منها : الصحيح : « من قلم أظافيره ناسياً أو ساهياً أو جاهلا فلا شي‏ء عليه ، ومن فعله متعمداً فعليه دم » (3).
    ومنها : عن المحرم يطول أظفاره أو ينكسر بعضها فيؤذيه ، قال : « لا يقصّ شيئاً منها إن استطاع ، وإن كانت تؤذيه فليقصّها ، وليطعم مكان كل ظفر قبضة من طعام » (4).
    والمراد بالقصّ فيه معناه الأعم ، وهو مطلق الإزالة والقطع ، المعبّر عنه في غيره بالقلم (5) ، لا الأخص الذي هو القصّ بالمِقصّ ، كما صرَّح به جمع (6).
    ويستفاد منه جواز الإزالة مع الضرورة ، ونفى الفاضل عنه الخلاف بين العلماء في المنتهى‏ والتذكرة (7) ، ولكن استشكل فيهما في الفدية ، ولا وجه له بعد الأمر بها في الرواية الصحيحة.
1 ـ المنتهى 2 : 794 ، التذكرة 1 : 339.
2 ـ اُنظر مفاتيح الشرائع : 339.
3 ـ التهذيب 5 : 333/1145 ، الاستبصار 2 : 195/655 ، الوسائل 13 : 160 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 10 ح 5.
4 ـ الكافي 4 : 360/160 ، الفقيه 2 : 228/1077 ، التهذيب 5 : 314/1083 ، الوسائل 13 : 163 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 12 ح 4.
5 ـ اُنظر الوسائل : 13 أبواب كفارات الإحرام ب 12 الأحاديث 1 ، 2 ، 3 ، 5 ، 6.
6 ـ منهم : الشهيد الثاني في الروضة البهية 2 : 240 ، وصاحب المدارك 7 : 368 ، والسبزواري في الذخيرة : 596.
7 ـ المنتهى 2 : 795 ، التذكرة 1 : 339.


(309)
    ويستفاد منها أيضاً عدم الفرق في المنع بين الكل والبعض ، وبه صرّح جمع (1) وأخبار أُخر (2).
    ( وقطع الشجر والحشيش ) النابتين في الحرم ، بإجماع العلماء ، كما في الكتابين وغيرهما (3) للصحاح المستفيضة (4).
    قيل : ولا خلاف في جواز قطعهما في الحلّ للمحرم وغيره ، ولا في عموم حرمة قطعهما في الحرم لهما ، والنصوص ناطقة بالأمرين ، والقطع يعمّ القلع وقطع الغصن والورق والثمر ، والأمر كذلك (5) ؛ لعموم نحو الصحيح : « كل شي‏ء ينبت في الحرم فهو حرام على‏ الناس أجمعين » (6).
    والخبر أو الصحيح : المحرم ينزع الحشيش من غير الحرم ؟ قال : « نعم » قال : فمن الحرم ؟ قال : « لا » (7) ونحوه آخر (8).
    وعمومها يشمل الرطب واليابس ، خلافاً لجماعة فقيّدوها باليابس فلم يمنعوا قطعه (9).
    ووجهه غير واضح ، عدا اختصاص بعض الأخبار ، وهو قوله صلى الله عليه وآله‏
1 ـ منهم العلامة في التذكرة 1 : 339 ، والشهيدان في الدروس 1 : 381 ، والمسالك 1 : 111.
2 ـ الوسائل 13 : 162 أبواب بقية كفارات الإحرام ب 12.
3 ـ التذكرة 1 : 340 ، المنتهى 2 : 797 ، وانظر المدارك 7 : 369.
4 ـ اُنظر الوسائل : 12 أبواب تروك الإحرام ب 85 ، 86.
5 ـ كشف اللثام 1 : 327.
6 ـ الكافي 4 : 230/2 ؛ الوسائل 12 : 552 أبواب تروك الإحرام ب 86 ح 1.
7 ـ الفقيه 2 : 166/721 ، الوسائل 12 : 552 أبواب تروك الإحرام ب 85 ح 2.
8 ـ الكافي 4 : 365/2 ، الوسائل أبواب تروك الإحرام ب 85 ح 1.
9 ـ منهم العلامة في التذكرة 1 : 340 ، والتحرير 1 : 115 ؛ والشهيدان في الدروس 1 : 335 ، والمسالك 1 : 111.


(310)
« لا يُختلى خَلاها ولا يُعضد شجرها » (1) به ، وهو لا يفيد التقييده.
    هذا مع أن المحكي عن الجوهري أن الخَلى‏ ـ مقصوراً ـ الحشيش اليابس (2). فيفيد الضد ، ولكن المحكي عن النهاية والقاموس (3) خلافه.
    ثم التحريم في الصحيح يعمّ القطع والانتفاع مطلقاً ، فلو انكسر غصن أو سقط ورق لم يجز الانتفاع به ، سواء كان ذلك بفعل آدمي أو غيره ، إلّا أن المحكي عن التذكرة والمنتهى‏ (4) دعوى الإجماع على‏ جوازه في الثاني ، واستقرابه في الأول ، ولعلّه لمنع عموم الصحيح للانتفاع ، باحتمال اختصاصه بحكم التبادر وغيره بالقطع دون غيره.
    ثم المحرّم كل شجر وحشيش في الحرم ( إلّا أن ينبت في ملكه ) كما في عبارة جماعة (5) للخبر ، أو القوي ، بل الصحيح ـ كما قيل (6) ووجهه غير واضح ـ : عن الرجل قلع الشجرة من مضربه أو داره في الحرم ، فقال : « إن كانت الشجرة لم تزل قبل أن يبني الدار أو يتخذ المِضرب فليس له أن يقلعها ، وإن كانت طرأ عليه فله قلعها » (7).
1 ـ الكافي 4 : 225/3 ، الوسائل 12 : 557 أبواب تروك الإحرام ب 88 ح 1. اختلاه : جزه وقطعه ونزعه : عضد الشجر : قطعه. لسان العرب 3 : 294 و14 : 243.
2 ـ حكاه عنه في الذخيرة : 596.
3 ـ النهاية 2 : 75 ، القاموس 4 : 327.
4 ـ حكاه عنهما في كشف اللثام 1 : 327 ، وهو في التذكرة 1 : 34 ، والمنتهى 2 : 798.
5 ـ منهم : الشيخ في المبسوط 1 : 354 ، والمحقق في الشرائع 1 : 251 ، والعلامة في القواعد 1 : 82.
6 ـ كشف اللثام 1 : 327.
7 ـ التهذيب 5 : 380/1326 ، الوسائل 12 : 554 أبواب تروك الإحرام ب 87 ، ح 2.


(311)
    ونحوه آخر لراويه : في الشجرة يقلعها الرجل من منزله في الحرم ، فقال : « إن بنى‏ المنزل والشجرة فيه فليس له أن يقلعها ، وإن كانت نبتت في منزله وهو له فله قلعها » (1).
    وفيهما ضعف سنداً بالجهالة ، ودلالةً بالأخصية من المدّعى‏ لاختصاصهما بالشجرة والدار ، كما وقع التعبير بها في عبائر جماعة (2) ، والمنزل كما في عبائر آخرين (3) ، ودعوى‏ عدم القول بالفصل (4) ـ لما عرفت ـ غير مسموعة.
    فإذاً الأجود الاقتصار على‏ موردهما إن عملنا بهما بزعم انجبار ضعف سندهما بفتوى‏ الجماعة ، وإلّا فيشكل هذا الاستثناء.
    نعم ، لا بأس باستثناء ما غرسه الإنسان وأنبته ، سواء كان في ملكه أو غيره للصحيح : « إلّا ما أنبتّه أنت أو غرسته » (5).
    وحكي الفتوى‏ بإطلاقه كما اخترناه عن النهاية والمبسوط والسرائر والنزهة والمنتهى‏ والتذكرة (6) ، خلافاً للمحكي عن ابني براج وزهرة والكندري (7) ، فقيدوه بملكه ، ولم نقف على‏ دليله.
1 ـ التهذيب 5 : 380/1327 ، الوسائل 12 : 554 أبواب تروك الإحرام ب 87 ح 3.
2 ـ منهم : الشيخ في النهاية : 234 ، والقاضي في المهذب 1 : 220 ، وابن سعيد في الجامع للشرائع : 185.
3 ـ منهم : الشيخ في التهذيب 5 : 380 ، والعلامة في التحرير 1 : 115.
4 ـ كما في المدارك 7 : 370 والذخيرة : 596.
5 ـ الفقيه 2 : 166/718 ، التهذيب 5 : 380/1325 ، الوسائل 12 : 552 أبواب تروك الإحرام ب 86 ح 4.
6 ـ حكاه عنهم في كشف اللثام 1 : 327 ، وهو في النهاية : 234 ، والمبسوط 1 : 354 ، والسرائر 1 : 554 ، والنزهة : 61 ، والمنتهى 2 : 797 و798 والتذكرة 1 : 341.
7 ـ حكاه عنهم في كشف اللثام 1 : 327 وهو في المهذب 1 : 220 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 575.


(312)
    ( ويجوز قطع الإذخر ) (1) بغير خلاف أجده ، وبه صرّح في الذخيرة (2) ، بل عليه الإجماع في المنتهى‏ والتذكرة (3) ؛ للمعتبرة (4).
    ( وشجر الفواكه والنخل ) سواء أنبته اللَّه تعالى‏ أو الآدميون فيما قطع به الأصحاب ، كما في المدارك والذخيرة (5) ، وفيهما : أن ظاهر المنتهى‏ كونه موضع وفاق بينهم ، وفي غيرهما عن صريح الخلاف الإجماع (6) ؛ للموثق (7).
    وقد استثنى‏ جماعة عودَي المَحالة (8) بفتح الميم ، البَكَرة العظيمة (9) ؛ لرواية في سندها إرسال وجهالة (10) ، ولعلّه لذا لم يستثنها الماتن وجماعة (11).
    ( وفي ) جواز ( الاكتحال بالسواد ، والنظر في المرآة ، ولبس الخاتم للزينة ، ولبس المرأة ما لم تعتده من الحليّ ) لا للزينة ( والحجامة ) بل مطلق إخراج الدم بالفصد أو الحك والسواك ( إلّا للضرورة ، ودلك الجسد ،
1 ـ الإذخر بكسر الهمرة والخاء : نبات معروف عريض الأوراق طيب الرائحة يسقف به البيوت ... مجمع البحرين 3 : 306.
2 ـ الذخيرة : 596.
3 ـ المنتهى 2 : 798 ، التذكرة 1 : 341.
4 ـ الوسائل 12 : 554 أبواب تروك الإحرام ب 87.
5 ـ المدارك 7 : 370 ، الذخيرة 596.
6 ـ اُنظر كشف اللثام 1 : 327.
7 ـ الفقيه 2 : 166/720 ، التهذيب 5 : 379/1324 ، الوسائل 12 : 554 أبواب تروك الإحرام ب 87 ح 1.
8 ـ منهم : الشيخ في التهذيب 5 : 381 ، والشهيد الأول في الدروس 1 : 389 ، وصاحب المدارك 7 : 371 والسبزواري في الذخيرة : 596.
9 ـ البكرة : التي يستقي عليها ، وهي خشبة مستديرة في وسطها محز للحبل وفي جوفها محور تدور عليه. لسان العرب 4 : 80.
10 ـ التهذيب 5 : 381/1330 ، الوسائل 12 : 555 أبواب تروك الإحرام ب 87 ح 5.
11 ـ منهم : الشيخ في المبسوط 1 : 354 ، والعلامة في الإرشاد 1 : 322 ، والشهيد الأول في الدروس 1 : 389.


(313)
ولبس السلاح إلّا مع الضرورة قولان ، أشبههما : الكراهة ) في الدلك قطعاً وإن ورد النهي عنه في الصحيحين (1) وغيرهما (2) لوجوب حمله على‏ الكراهة ، أو صورة مظنة الإدماء ، أو سقوط الشعر ، لعدم ظهور القائل بتحريمه مطلقاً ، ولا نقله صريحاً ولا ظاهراً إلّا في العبارة ، ولم نعثر على‏ قائله ، فهو نادر.
    مضافاً إلى‏ ورود الرخصة بحكّ الرأس واللحية ما لم يُدْمِ في المعتبرة (3) ، وفيها الصحيح وغيره ، وهو في معنى‏ الدلك ، ولعلّه لذا قال في التنقيح بالتفصيل بين إدمائه فالتحريم ، وإلّا فالكراهة (4).
    والتحريم كذلك في لبس الخاتم للزينة لفحوى‏ الصحاح المحرِّمة للأوّلين ، معلّلة بأنهما من الزينة (5).
    مضافاً إلى‏ النهي عنه في رواية (6) منجبر قصور سندها بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً ، بل لا خلاف فيها يظهر ، كما صرّح به جمع ممن تأخر (7).
    مع سلامتها عن المعارض سوى‏ الأصل وإطلاق الخبر : « لا بأس‏
1 ـ الأول : الفقيه 2 : 228/1081 ، التهذيب 5 : 314/1081 ، الاستبصار 2 : 184/611 ، الوسائل 12 : 537 أبواب تروك الإحرام ب 76 ح 1.
    الثاني : الفقيه 2 : 230/1093 ، التهذيب 5 : 313/1079 ، الوسائل 12 : 535 أبواب تروك الإحرام ب 75 ح 1.
2 ـ اُنظر الوسائل 12 : 537 أبواب تروك الإحرام ب 76.
3 ـ الوسائل 12 : 533 أبواب تروك الإحرام ب 73.
4 ـ التنقيح الرائع 1 : 475.
5 ـ الوسائل 12 : 469 أبواب تروك الإحرام ب 33 ح 4 ، وص 472 ب 34 ح 3.
6 ـ التهذيب 5 : 73/242 ، الاستبصار 2 : 165/544 ، الوسائل 12 : 490 أبواب تروك الإحرام ب 46 ح 4.
7 ـ منهم : الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1 : 474 ، والفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 331 ، والسبزواري في الذخيرة : 594.


(314)
بلبس الخاتم للمحرم » (1) ويجب تخصيصهما بها ، مع ضعف الرواية.
    وأما ما عداهما فالمنع فيه أشهر وأقوى للصحاح المستفيضة في الأولين (2) ، وندرة القول بالجواز فيهما ، إذ لم يحك إلّا عن الشيخ في الخلاف (3) وقد رجع عنه في المبسوط (4) ، نعم حكي عن الغنية فيهما (5) ، وعن الوسيلة والمهذّب في الثاني (6) ، وصرّح بالشذوذ فيهما بعض الأصحاب (7).
    ولا مستند للجواز فيهما سوى‏ الأصل المخصَّص بما مرّ ، وإطلاق جملة من النصوص وفيها الصحيح بجواز الاكتحال بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه ، كما فيه (8) ، وبكحل فارسي لا كحل فيه زعفران ، ما في غيره (9) ، ويجب تقييدها بما يرجع إلى‏ المختار ترجيحاً لأدلته عليها من وجوه شتّى‏.
    ومفهوم الصحيح في الرابع : « إذا كان للمرأة حليّ لم تحدثه للإحرام لم تنزع حليّها » (10).
1 ـ الكافي 4 : 343/22 ، التهذيب 5 : 73/240 ، الاستبصار 2 : 165/542 ، الوسائل 12 : 490 أبواب تروك الإحرام ب 46 ح 1.
2 ـ انظر الهامش ( 5 ) من الصفحة السابقة.
3 ـ حكاه عنه في التنقيح الرائع 1 : 473 وكشف اللثام 1 : 326 ، وهو في الخلاف 2 : 313.
4 ـ المبسوط 1 : 321.
5 ـ حكاه عنه في كشف اللثام 1 : 326 ، وهو في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 577.
6 ـ كما حكاه عنهما في كشف اللثام 326 : 1 ، وهو في الوسيلة : 164 ، والمهذب 1 : 221.
7 ـ الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1 : 338.
8 ـ التهذيب 5 : 302/1028 ، الوسائل 12 : 468 أبواب تروك الإحرام ب 33 ح 1.
9 ـ التهذيب 5 : 301/1027 ، الوسائل 12 : 469 أبواب تروك الإحرام ب 33 ح 6.
10 ـ الفقيه 2 : 220/1021 ، الوسائل 12 : 469 أبواب تروك الإحرام ب 49 ح 9.


(315)
    وإطلاق الصحيح المحمول عليه : « المحرمة لا تلبس الحليّ ولا المصبغات إلّا صبغاً لا يردع » (1) مع احتماله بإطلاقه الحمل على‏ الكراهة ، كما يعرب عنه النهي عن المصبغات.
    والقول الثاني فيه محكي عن الاقتصاد والتهذيب والاستبصار والجمل والعقود والجامع (2).
    ولا مستند له سوى‏ الأصل وإطلاق جملة من الصحاح وغيرها بجواز لبسها الحُليّ كلّها إلّا حُليّا مشهوراً للزينة كما في بعضها (3) ، ولبسها المَسَك والخلخالين مطلقاً كما في غيره (4) ، أو الحُلي كلّه إلّا القِراط والقلادة المشهورة (5).
    وينبغي تقييدها بما عرفته وإن احتمل الجمع بالكراهة لرجحان ما ذكرناه بالأُصول والشهرة العظيمة حتى أن في التنقيح قال : لم أقف فيه على‏ خلاف لأحكيه (6). ولكن فيه ما فيه.
    والصحاح المستفيضة في الخامس :
    منها : عن المحرم يحتجم ؟ قال : « لا ، إلّا أن لا يجد بدّاً فليحتجم ولا
1 ـ الكافي 4 : 344/3 ، التهذيب 74/245 ، الوسائل 12 : 496 أبواب تروك الإحرام ب 49 ح 2.
2 ـ حكاه عنهم في كشف اللثام 1 : 330 ، وهو في الاقتصاد : 302 ، والتهذيب 5 : 75 ، والاستبصار 2 : 309 ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 229 ، والجامع للشرائع : 185.
3 ـ الفقيه 2 : 220/1016 ، التهذيب 5 : 75/249 ، الاستبصار 2 : 310/1105 الوسائل 12 : 497 أبواب تروك الإحرام ب 49 ح 4.
4 ـ الوسائل 12 : 498 أبواب تروك الإحرام ب 49 ح 7 ، 8.
5 ـ الفقيه 2 : 220/1014 ، الوسائل 12 : 497 أبواب تروك الإحرام ب 49 ح 6.
6 ـ التنقيح الرائع 1 : 474.
رياض المسائل الجزء السادس ::: فهرس