رياض المسائل الجزء السادس ::: 316 ـ 330
(316)
يحلق مكان المحاجم » (1).
    ونحوه أخبار مستفيضة (2).
    ومنها : عن المحرم كيف يحكّ رأسه ؟ قال : « بأظافيره ما لم يدمِ أو يقطع الشعر » (3).
    ومنها : عن المحرم يستاك ؟ قال : « نعم ولا يدمي » (4).
    والقول الثاني فيه للخلاف وجماعة (5) للأصل ، والصحيح : « لا بأس أن يحتجم المحرم ما لم يحلق أو يقطع الشعر » (6).
    ويجب تقييدهما بحال الضرورة لما مرّ وإن احتمل الجمع بالكراهة ؛ لرجحان الأول بنحو ما عرفته.
    نعم في الصحيح : المحرم يستاك ؟ قال : « نعم » قال : فإن أدمى‏ يستاك ؟ قال : « نعم هو السنّة » (7).
    والخبر : عن المحرم يحتجم ؟ قال : « لا أُحبّه » (8).
1 ـ الكافي 4 : 360/1 ، الوسائل 12 : 512 أبواب تروك الإحرام ب 62 ح 1.
2 ـ اُنظر الوسائل 12 : 512 أبواب تروك الإحرام ب 62.
3 ـ الفقيه 2 : 229/1086 ، التهذيب 5 : 313/1076 ، الوسائل 12 : 531 أبواب تروك الإحرام ب 71 ح 1.
4 ـ التهذيب 5 : 313/1078 ، الوسائل 12 : 534 أبواب تروك الإحرام ب 73 ح 3.
5 ـ الخلاف 1 : 315 ؛ حكاه عن ابن حمزة في المختلف : 269 ، واختاره في المدارك 7 : 367 ، والذخيرة : 595.
6 ـ الفقيه 2 : 222/1032 ، التهذيب 5 : 306/1046 ، الاستبصار 2 : 183/610 ، الوسائل 12 : 513 أبواب تروك الإحرام ب 62 ح 5.
7 ـ الكافي 4 : 366/6 ، الفقيه 2 : 222/1032 ، علل الشرائع : 408/1 ، الوسائل 12 : 561 أبواب تروك الإحرام ب 92 ح 1.
8 ـ التهذيب 5 : 306/1045 ، الاستبصار 2 : 183/609 ، الوسائل 12 : 513 أبواب تروك الإحرام ب 62 ح 4.


(317)
    وهما وإن كانا ظاهرين في الكراهة ، إلّا أن الأخير ضعيف السند بالجهالة ، مع عدم وضوح كامل في الدلالة كـ « لا ينبغي » في بعض الصحاح. والأوّل متروك الظاهر لدلالته على‏ أنه السنّة مطلقاً حتى في الصورة المفروضة ، ولا قائل بها ، للإجماع على‏ الكراهة ، فينبغي طرحه أو حمله على‏ صورة عدم العلم بالإدماء.
    ومفهوم الصحاح وغيرها في لبس السلاح (1).
    والقول الثاني لم أعرف قائله وإن حكاه الماتن هنا والفاضل في المختلف ، ولكن لم يصرّح به (2).
    ومع ذلك فلا مستند له سوى‏ الأصل ، المخصَّص بما مرّ ، وتضعيفه بأنه مفهوم. وهو ضعيف ، لحجية هذا المفهوم.
    لكن ربما يقال : إنه إنما يعتبر إذا لم يظهر للتعليق وجه سوى‏ نفي الحكم عمّا عدا محل الشرط ، وهنا ليس كذلك ، إذ لا يبعد أن يكون التعليق باعتبار عدم الاحتياج إلى‏ لبس السلاح عند انتفاء الخوف. وفيه نظر.

    ( والمكروهات ) أُمور :
    منها : ( الإحرام في غير البياض ) على المشهور ، والمستند على‏ العموم غير معلوم ، بل المستفاد من جملة من النصوص عدم البأس بالمصبوغ بالعصفر وغيره ، والمصبوغ بمشق وغيره ، إلّا ما فيه شهرة بين الناس (3) ،
1 ـ الوسائل 14 : 504 أبواب تروك الإحرام ب 54.
2 ـ المختلف : 270.
3 ـ الوسائل 12 : 479 ، 482 أبواب تروك الإحرام ب 40 ، 42.


(318)
وحكي الفتوى‏ به عن المنتهى‏ ، عازياً له إلى‏ علمائنا (1) ، ولعلّه الأقوى‏ وإن كان اختيار البياض أولى‏.
    ( ويتأكد ) الكراهة في الإحرام ( في السود ) حتى إن الشيخ ظاهره المنع عنه في المبسوط والنهاية (2) ، وتبعه ابن حمزة (3) للنهي عنه في الموثق : « لا يحرم في الثوب الأسود ولا يكفّن به الميت » (4).
    وحمله الأكثر على‏ الكراهة لإشعار النهي عن التكفين به ، فإنه فيه لها قطعاً وجمعاً بينه وبين الصحيح المجوّز للتكفين في كلّ ما تجوز فيه الصلاة (5) ، بناءً على‏ جواز الصلاة فيه قطعاً وإن أمكن الجمع بينهما بالتقييد ، بل هو أولى‏. لكن صحة السند والاعتضاد بالعمل ومهجورية الموثق الآن ، بل عند الشيخ أيضاً حيث نزّل الحلّي منعه عنه على‏ الكراهة (6) ، وجَعَل الجمع بالكراهة أولى‏.
    ( وفي الثياب الوسخة ) وإن كانت طاهرة للصحيح ، وفيه : « ولا يغسل الرجل ثوبه الذي يحرم فيه حتى يحلّ وإن توسّخ إلّا أن تصيبه جنابة أو شي‏ء فيغسله » (7).
1 ـ المنتهى 2 : 682.
2 ـ المبسوط 1 : 319 ، النهاية : 217.
3 ـ الوسيلة : 163.
4 ـ الكافي : 341/13 ، الفقيه 2 : 215/983 ، التهذيب 5 : 66/214 ، الوسائل 12 : 358 أبواب الإحرام ب 26 ح 1.
5 ـ الفقيه 1 : 89/413 ، التهذيب 1 : 292/852 ، الوسائل 3 : 15 أبواب التكفين ب 4 ح 1.
6 ـ السرائر 1 : 542 وهو في المبسوط 1 : 319.
7 ـ الكافي 4 : 341/14 ، الفقيه 2 : 215/980 ، التهذيب 5 : 71/234 ، الوسائل 12 : 476 أبواب تروك الإحرام ب 38 ح 1.


(319)
    وظاهره المنع عن الغسل إذا توسّخ في الأثناء ، كما هو ظاهر الدروس (1) ، ويحتمل كلامه الكراهة ، كما صرَّح به الحلّي وشيخنا في الروضة (2).
    ( وفي ) الثياب ( المُعلَمة ) بالبناء للمجهول ، قيل : هي المشتملة على‏ لون يخالف لونها حال عملها ، كالثوب المحوك من لونين ، أو بعده بالطرز والصبغ ؛ (3) للصحيح : « لا بأس أن يحرم الرجل في الثوب المعلَم وتركه أحب إليّ إذا قدر على‏ غيره » (4).
    ولكن في جملة من النصوص نفي البأس عنها على‏ الإطلاق ، بل في بعضها بعده : « إنما يكره المُلحَم » (5) (6).
    وقوله : ( والحِنّاء ) عطف على‏ قوله : الإحرام ، أي ومن المكروهات الحنّاء واستعماله « للزينة » على‏ المشهور كما في كلام جماعة (7).
    أما الجواز فللأصل والصحيح : عن الحِنّاء ، فقال : « إنّ المحرم ليمسّه ويداوي به بعيره ، وما هو بطيب ، وما به بأس » (8).
    وأما الكراهة فللشبهة الناشئة من احتمال الحرمة فتوىً وروايةً ،
1 ـ الدروس 1 : 388.
2 ـ الحلي في السرائر 1 : 542 ، الروضة البهية 2 : 235.
3 ـ الروضة البهية 2 : 235 والمسالك 1 : 111.
4 ـ الفقيه 2 : 216/986 ، التهذيب 5 : 71/235 ، الوسائل 12 : 479 أبواب تروك الإحرام ب 39 ح 3.
5 ـ المُلحَم : جنس من الثياب وهو ما كان سداه إبريسم أي حرير أبيض ، ولحمته غير إبريسم. المنجد : 716.
6 ـ الكافي 4 : 342/16 ، الفقيه 2 : 216/987 ، الوسائل 12 : 478 أبواب تروك الإحرام ب 39 ح 1 وفيه : إنما يحرم ....
7 ـ منهم : العلامة في المختلف : 269 ، والشهيد الثاني في الروضة البهية 2 : 243 ، وصاحب الحدائق 15 : 560.
8 ـ الكافي 4 : 356/18 ، الفقيه 2 : 224/1052 ، التهذيب 5 : 300/1019 ، الاستبصار 2 : 181/600 ، الوسائل 12 : 451 أبواب تروك الإحرام ب 23 ح 1.


(320)
وكالصحيح : عن امرأة خافت الشقاق وأرادت أن تحرم ، هل تخضب يدها بالحِنّاء قبل ذلك ؟ قال : « ما يعجبني أن تفعل ذلك » (1).
    وهو نصّ في الكراهة قبل الإحرام ، ويلحق به بعده ؛ للأولوية.
    خلافاً لجماعة ، فاستوجهوا القول بالحرمة (2) استناداً إلى‏ جملة من الصحاح لتحريم جملة من المحرّمات إلى‏ أنها زينة (3) ، والعلّة هنا موجودة. ولا معارض لها سوى‏ الأصل ، ويجب تخصيصه بها. والحديثين السابقين ، ولا يصلحان للمعارضة لخروجهما عن محل البحث ، وهو استعمال المحرم الحِنّاء بعد الإحرام للزينة ، كما هو ظاهر نحو العبارة :
    أما الأول فلاختصاصه باستعماله للتداوي خاصة ، كما يظهر من سياقه ، دون الزينة.
    وأما الثاني فلاختصاصه ـ مع قصور سنده ـ بالاستعمال من المرأة قبل الإحرام في حال الضرورة ، ولا كلام في شي‏ء منهما.
    فإذاً القول بالحرمة لا يخلو عن قوة ، وفاقاً لجماعة.
    وهل يختص الحكم مطلقاً بما إذا قصد الزينة ، أم يعمّه وما إذا قصد السنّة ؟ وجهان ، أحوطهما الثاني.
    ثم هل يختص بالاستعمال بعد الإحرام ، أم يعمّه وقبله إذا بقي أثره بعده ؟ قولان ، أحوطهما الثاني إن لم يكن أجودهما.
    ( والنقاب للمرأة ) والأصح التحريم ، بل قيل : لا أعلم خلافاً فيه (4)
1 ـ الفقيه 2 : 223/1042 ، التهذيب 5 : 300/1020 ، الاستبصار 2 : 181/601 الوسائل 12 : 451 أبواب تروك الإحرام ب 23 ح 2.
2 ـ منهم : العلامة في المختلف : 269 ، والشهيد الثاني في المسالك 1 : 111 ، وصاحب المدارك 7 : 377.
3 ـ اُنظر الوسائل 12 : 468 أبواب تروك الإحرام ب 33 ح 34.
4 ـ المدارك 7 : 378.


(321)
لما مرّ من حرمة تغطية وجهها (1). ففي الحكم هنا منافاة لما مضى ، إلّا أن يحمل النقاب على‏ السدل الجائز ، لكن إثبات كراهته لا يخلو عن إشكال ، إذ لا أعرف له مستنداً إلّا إذا أصاب الوجه ، فلا يخلو عن وجه.
    ( ودخول الحمّام ) للنهي عنه في الخبر (2) ، المحمول على‏ الكراهة ، جمعاً بينه وبين الصحيح (3) وغيره (4) ، النافيين للبأس عنه ، وفيهما « ولكن لا يتدلّك ».
    وبكراهة التدلّك فيه أفتى‏ جماعة (5) ، وزاد بعضهم فحكم بكراهته مطلقاً (6). ولا بأس به للصحيح : عن المحرم يغتسل ؟ فقال : « نعم ، يفيض الماء على‏ رأسه ولا يدلكه » (7).
    ( وتلبية المنادي ) بأن يقول له : لبيك ، على‏ المشهور للنصّ. وعلّل بأنه في مقام التلبية للَّه تعالى‏ فلا يشرك غيره فيها (8) ، وفي الصحيح بعد النهي عنها أنه يقول : « يا سعد » (9).
1 ـ راجع ص 301.
2 ـ التهذيب 5 : 386/1349 ؛ الاستبصار 2 : 184/612 ، الوسائل 12 : 537 أبواب تروك الإحرام ب 76 ح 2.
3 ـ الفقيه 2 : 228/1081 ، التهذيب 5 : 314/1081 ، الاستبصار 2 : 184/611 ، الوسائل 12 : 537 أبواب تروك الإحرام ب 76 ح 1.
4 ـ الكافي 4 : 366/3 ، الوسائل 12 : 537 أبواب تروك الإحرام ب 76 ح 3.
5 ـ منهم : الحلي في السرائر 1 : 547 ، والمحقق في الشرائع 1 : 252 ، والعلامة في التذكرة 1 : 340 ، وصاحب الحدائق 15 : 562.
6 ـ منهم الشهيد في المسالك 1 : 112 ، وصاحب المدارك 7 : 379 ، والفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 339.
7 ـ الفقيه 2 : 230/1093 ، التهذيب 5 : 313/1079 ، الوسائل 12 : 535 أبواب تروك الإحرام ب 75 ح 1.
8 ـ كما في المسالك 1 : 112 ، والروضة 2 : 235 ، والمدارك 7 : 380.
9 ـ الكافي 4 : 366/4 ، التهذيب 5 : 386/1348 ، الوسائل 12 : 561 أبواب تروك الإحرام ب 91 ح 1.


(322)
    وظاهره التحريم ، كما في ظاهر التهذيب. لكن ينبغي حمله على‏ شدة الكراهة لعدم القول بالتحريم كما قيل (1) مضافاً إلى‏ الأصل والمروي عن الصدوق ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال : « لا بأس أن يلبّي المجيب » (2).
    ( واستعمال الرياحين ) وفاقاً للنهاية والحلّي والإسكافي كما حكي (3) ، وجماعة من المتأخرين (4) للنهي عنه في الصحيحين (5) ، في أحدهما : « لا يمسّ المحرم شيئاً من الطيب ولا من الريحان ولا يتلذذ به ».
    وإنما حمل على‏ الكراهة جمعاً بينهما وبين الصحيح : « لا بأس أن تشمّ الإذخِر (6) والقَيصوم (7) والخُزامي (8) والشِّيح (9) وأشباهه وأنت محرم » (10).
1 ـ مجمع الفائدة 6 : 356.
2 ـ الفقيه 2 : 211/963 ، الوسائل 12 : 388 أبواب الإحرام ب 42 ح 2 ، إلا أن فيهما : الجنب.
3 ـ النهاية : 219 ، نقله عن الحلي والإسكافي في المختلف : 268 ، ولكن الموجود في السرائر 1 : 545 الحكم بالحرمة.
4 ـ منهم : المحقق في الشرائع 1 : 252 ، والعلامة في الإرشاد 1 : 318 ، والسبزواري في الذخيرة : 603.
5 ـ الأول : التهذيب 5 : 297/1007 ، الاستبصار 2 : 178/591 ، الوسائل 12 : 445 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 10.
    الثاني : الكافي 4 : 355/12 ، التهذيب ب5 : 307/1048 ، للوسائل 12 : 445 أبواب تروك الإحرام ب 18 ح 10.
6 ـ تقدم معناه في ص : 2947.
7 ـ القيصوم : نبات طيب الرائحة من رياحين البر ، ورقه هدب وله نورة صفراء ، وهي تنهض علي ساق وتطول. لسان العرب 12 : 486.
8 ـ الخزامي : بقلة طيبة الرائحة طويلة العيدان صغيرة الورق حمراء الزهرة ، وهي من أطيب الأزهار. لسان العرب 12 : 176.
9 ـ الشيح : نبات سهلي ، له رائحة طيبة وطعم مر. لسان العرب 2 : 502.
10 ـ الكافي 4 : 355/14 ، الفقيه 2 : 225/1057 ، التهذيب 5 : 305/1041 الوسائل 12 : 453 أبواب تروك الإحرام ب 25 ح 1.


(323)
    خلافاً للمفيد وجماعة (1) فحرّموه ، ولعلّه الأظهر عملاً بظاهر النهي ، مع سلامته عن المعارض ، سوى‏ الأصل المخصَّص به لكونه خاصاً ، وأخبار قصر الطيب في أربعة (2) ، والصحيح الأخير ، وفيهما نظر :
    فالأول بتوقفه على‏ كون المنع عنه من جهة الطيب ، وليس كذلك ، بل من جهة النهي عنه بالخصوص.
    والثاني بعدم نفي البأس فيه عن مطلق الريحان حتى يتحقق التعارض بينه وبين المانع تعارضاً كلياً ، فيكون صريحاً في الجواز ، فيقدّم على‏ النهي الظاهر في التحريم ، تقدّمَ النص على‏ الظاهر. وإنما غايته نفي البأس عن أُمور معدودة يمكن استثناؤها عن أخبار المنع على‏ تقدير تسليم صدق الريحان عليها حقيقةً ، ولا مانع من ذلك.
    ولا موجب للجمع بالكراهة سوى‏ تضمنه لفظ ( أشباهه ) وهو كما يحتمل المشابهة في إطلاق اسم الريحان عليه ، كذا يحتمل ما هو أخص ممّا يشبهه من نبت البراري ، ويكون استثناؤه لكونه كما قال في المختلف من نبت الحرم فيعسر الاحتراز عنه (3) ، ومعه لا يمكن صرف النهي عن ظاهره.
    مضافاً إلى‏ عدم إمكانه من وجه آخر ، وهو : أن النهي عن مسّ الريحان في الصحيح الماضي إنما هو بلفظ النهي عن الطيب بعينه ، وهو للتحريم قطعاً ، فلا يمكن حمله بالإضافة إلى‏ الريحان على‏ الكراهة ، للزوم‏
1 ـ المفيد في المقنعة : 432 ؛ وانظر المختلف : 268 ، وجامع المقاصد 3 : 179 ، والمدارك 7 : 380.
2 ـ اُنظر الوسائل 12 : 442 أبواب تروك الإحرام ب 18.
3 ـ المختلف : 268.


(324)
استعمال اللفظة الواحدة في الاستعمال الواحد في المجاز والحقيقة ، وهو خلاف التحقيق ، وصرفه إلى‏ المجاز الأعم يعني مطلق المرجوحية بعيد جدّاً.
    ( ولا بأس بحكّ الجسد والسواك ما لم يُدمِ ) أو يقطع الشعر ، كما في المعتبرة المستفيضة (1).

    وهنا ( مسألتان ) :
    ( الاولى : لا يجوز لأحد أن يدخل مكة ) شرّفها اللَّه تعالى‏ ( إلّا محرماً ) بحجّ أو عمرة بالنص والإجماع ( إلّا المريض ) ومن به بَطَن ، كما في الصحيح : هل يدخل الرجل مكة بغير إحرام ؟ قال : « لا إلّا مريضاً أو من به بَطَن » (2).
    ونحوه آخران ، (3) إلّا أن في السؤال فيهما : هل يدخل الرجل الحرم ؟ وبهما أفتى‏ أيضاً جمع (4).
    وظاهر هذه الأخبار ـ كالمتن وجمع ـ سقوط الإحرام عن المريض. وربما يعارضها الصحيح : عن رجل به بَطَن ووجع شديد يدخل مكة
1 ـ الوسائل 12 : 533 أبواب تروك الإحرام ب 73.
2 ـ الفقيه 2 : 239/1140 ، التهذيب 5 : 448/1564 ، الوسائل 12 : 403 أبواب الإحرام ب 50 ح 4.
3 ـ الأول : الاستبصار 2 : 245/856 ، الوسائل 12 : 403 أبواب الإحرام ب 50 ح 2.
    الثاني : التهذيب 5 : 165/550 ، الاستبصار 2 : 245/855 ، الوسائل 12 : 402 أبواب الإحرام ب 50 ح 1.
4 ـ منهم : المحقق في الشرائع 1 : 252 ، والعلامة في المنتهى 2 : 688 ، وصاحب المدارك 7 : 380.


(325)
حلالاً ؟ قال : « لا يدخلها إلّا محرماً » وقال : « يحرمون عنه » (1).
    وحمله الشيخ على‏ الاستحباب (2). ولا بأس به جميعاً.
    قيل : والظاهر أن الإحرام عنه إنما يثبت مع المرض المزيل للعقل ، وهو محمول على‏ الاستحباب أيضاً.
    وإنما يجب الإحرام للدخول إذا كان الدخول إليها من خارج الحرم ، فلو خرج أحد من مكة ولم يصل إلى‏ خارج الحرم ثم عاد إليها عاد بغير إحرام (3).
    ومتى‏ أخلّ الداخل بالإحرام أثم ولم يجب قضاؤه.
    واستثنى‏ الشيخ وجماعة (4) من ذلك العبيد ، فجوّزوا لهم الدخول بغير إحرام. قيل : لأن السيّد لم يأذن لهم بالتشاغل بالنسك عن خدمته ، فإذا لم يجب عليهم حجة الإسلام لهذا المعنى‏ فعدم وجوب الإحرام لذلك أولى‏ (5).
    ( أو من يتكرر ) دخوله كل شهر ، بحيث يدخل في الشهر الذي خرج كما قيل (6) ، أو مطلقاً للعسر والحرج ، وللصحيح : « إن الحطّابة والمجتلبين أتوا النبي صلى الله عليه وآله فسألوه ، فأذن لهم أن يدخلوا حلالاً » (7).
1 ـ التهذيب 5 : 165/552 ، الاستبصار 2 : 245/857 ، الوسائل 12 : 403 أبواب الإحرام ب 50 ح 3.
2 ـ التهذيب 5 : 165.
3 ـ المدارك 7 : 381.
4 ـ الشيخ في المبسوط 1 : 327 ؛ وانظر جامع المقاصد 3 : 171 ، والمسالك 1 : 112 ، والمدارك 7 : 382 ، والحدائق 15 : 125.
5 ـ المنتهى 2 : 689.
6 ـ اُنظر كشف اللثام 1 : 319.
7 ـ التهذيب 5 : 165/552 ، الاستبصار 2 : 245/857 ، الوسائل 12 : 407 أبواب الإحرام ب 51 ح 2.


(326)
    ويدخل في المجتلبة ناقل الحشيش والحنطة وغير ذلك.
    ومقتضى عبارة المتن وغيره استثناء مطلق من يتكرر دخوله وإن لم يدخل في اسم المجتلبة. وهو غير بعيد للدليل الأول وإن كان الاقتصار على‏ مورد النصّ أحوط.
    ( ولو خرج ) من مكة من وجب عليه الإحرام للدخول فيها ( بعد إحرامه ) السابق الذي أحلّ منه ( ثم عاد في شهر خروجه أجزأه ) الإحرام الأول عن الإحرام الثاني للدخول.
    ( وإن عاد في غيره ) أي غير شهر خروجه ( أحرم ثانياً ) للدخول فيها بلا خلاف ظاهر.
    ولا إشكال في الحكمين إن كان المراد من شهر خروجه هو الشهر الذي أحرم فيه للتمتع مثلاً ، ومن غيره غيره ، بمعنى عوده بعد مضي ثلاثين يوماً من إحرامه المتقدم إلى‏ يوم دخوله مكة للمعتبرة ، منها الموثق : « يرجع إلى‏ مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي يتمتع فيه ، لأن لكلّ شهر عمرة وهو مرتهن بالحج » (1).
    وظاهره اعتبار مضي الشهر من حين الإحلال ليتحقق تخلل الشهر بين العمرتين ، وبه أفتى‏ الأكثر.
    خلافاً لظاهر المتن والنهاية والمقنعة وغيرهما (2) ، فلم يعتبروا ذلك لإطلاق المعتبرين ، أحدهما الصحيح أو الحسن في المتمتع : فإن جهل‏
1 ـ الكافي 4 : 442/2 ، التهذيب 5 : 164/549 ، الوسائل 11 : 303 أبواب أقسام الحج ب 22 ح 8.
2 ـ النهاية : 247 ، لم نعثر عليه في المقنعة ، وهو موجود في التهذيب 5 : 163 ، وانظر المدارك 7 : 383.


(327)
وخرج إلى‏ المدينة أو نحوها بغير إحرام ثم رجع في إبّان الحج في أشهر الحج يريد الحج ، أ يدخلها محرماً أو بغير إحرام ؟ فقال : « إن رجع في شهره دخل بغير إحرام ، وإن دخل في غير الشهر دخل محرماً » (1).
    وأصرح منه الآخر المرسل (2). لكنه ضعيف السند ، ويحتمل كالأول تقييد شهر الخروج بشهر الإحرام المتقدم ، وغيره بغيره على‏ النهج الذي سبق.
    مضافاً في الأول إلى‏ أن ضمير ( شهره ) يحتمل الرجوع إلى‏ الإحرام السابق ، فيحتمل الحمل السابق من هذا الوجه.
    هذا مع أن إطلاقهما يشمل صورة ما إذا كان شهر الخروج بعد الإحرام المتقدم بأزيد من شهر ، ولا أظنّهم يقولون به ، ولا صرَّح به أحد.
    وإنما ثمرة النزاع تظهر ـ على‏ ما صرّح به بعضهم ـ في صورة العكس ، وهي ما لو خرج آخر شهر ودخل أول آخر فيدخل محرماً على‏ هذا القول ، ولا حتى يمضي ثلاثون يوماً على‏ قول الأكثر ، ولعلّه الأظهر.
    واعلم أن المستفاد من العبارة وغيرها من الفتاوي عدم الفرق في الإحرام السابق بين كونه لعمرة أو حج مع أن المستفاد من الأخبار إنما هو الأول.
    ولذا قيل : إنّ الذي دلّت عليه الدلائل جواز الدخول محلّاً مع سبق الإحرام بعمرة قبل مضيّ شهر ، فالصواب القصر عليه كما في الجامع ، فلو
1 ـ الكافي 4 : 441/1 ، التهذيب 5 : 163/546 ، الوسائل 11 : 302 أبواب أقسام الحج ب 22 ح 6.
2 ـ التهذيب 5 : 166/554 ، الاستبصار 2 : 246/859 ، الوسائل 12 : 407 أبواب الإحرام ب 51 ح 4.


(328)
كان سبق إحرامه بحجّ لم يدخل إلّا محرماً بعمرة مفردة وإن لم يمض شهر ، ففي الأخبار العمرة بعد الحج إذا أمكن الموسى من الرأس (1). انتهى‏ (2). وهو حسن.
    ويعضده عموم أخبار النهي عن الدخول محلّاً (3) ، مع سلامته عن المعارض كما مرّ.
    ( الثانية : إحرام المرأة كإحرام الرجل ) في جميع الأحكام ( إلّا ما استثني ) سابقاً من تغطية الرأس ، ولبس المخيط ، والتظليل سائراً ، وعدم استحباب رفع الصوت بالتلبية لها ، ولبس الحرير على‏ الخلاف بلا خلاف ظاهر ولا محكي وللصحيح الآتي : « تصنع كما يصنع المحرم ولا تصلِّ ».
    ( ولا يمنعها الحيض ) وما في معناه ( من الإحرام لكن لا تصلّي له ) للصحاح وغيرها :
    منها : عن الحائض تحرم وهي حائض ؟ قال : « نعم ، تغتسل وتحتشي وتصنع كما يصنع المحرم ولا تصلِّ » (4).
    ومقتضاه كغيره أنها كالطاهر غير أنها لا تصلّي ستّة الإحرام ، فتغتسل أيضاً. خلافاً لبعضهم فيه (5) ، وهو ضعيف.
    ولو كان الميقات مسجد الشجرة أحرمت منه اجتيازاً ، فإن تعذّر أحرمت من خارجه. وعليه يحمل النهي عن دخولها المسجد في الموثق (6) ،
1 ـ اُنظر الوسائل 14 : 315 أبواب العمرة ب 8.
2 ـ كشف اللثام 1 : 319.
3 ـ الوسائل 12 : 402 أبواب الإحرام ب 50.
4 ـ التهذيب 5 : 388/1358 ، الوسائل 12 : 400 أبواب الإحرام ب 48 ح 4.
5 ـ قال به الشهيد الثاني في مناسك الحج علي ما نقله عنه في المدارك 7 : 386.
6 ـ الكافي 4 : 444/1 ، التهذيب 5 : 388/1355 ، الوسائل 12 : 399 أبواب الإحرام ب 48 ح 2.


(329)
أو على‏ الدخول مع اللبث ، أو على‏ الكراهة كما قيل (1).
    ( ولو تركته ) أي الإحرام من الميقات ( ظنا ) أي لظنها ( أنه لا يجوز ) لها الإحرام حتى جاوزت الميقات ( رجعت إلى‏ الميقات ) وجوباً ( وأحرمت منه ) مع الإمكان لتوقف الواجب عليه فيجب مقدمةً وللصحيح : « فإن كان عليها مهلة فلترجع إلى‏ الوقت ولتحرم منه » (2).
    ( ولو دخلت مكة ) فكذلك ترجع إلى‏ الميقات أيضاً مع الإمكان ( فإن تعذّر ) الرجوع ( أحرمت من أدنى‏ الحلّ ، ولو تعذّر ) إحرامها منه ( أحرمت من موضعها ).
    للضرورة ، ونفي الحرج ، وخصوص الصحيح : عن امرأة كانت مع قوم فطمثت ، فسألتهم فقالوا : ما ندري عليك إحرام أم لا وأنت حائض ، فتركوها حتى دخلت الحرم ، فقال : « إن كانت عليها مهلة فلترجع إلى‏ الوقت ولتحرم منه ، وإن لم يكن عليها وقت فلتخرج إلى‏ ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها » (3).
    مضافاً إلى‏ ما مرّ في بحث المواقيت ، ومرّ ثمة أن ما اقتضته هذه الرواية من وجوب العود إلى‏ ما أمكن من الطريق حيث يتعذر العود إلى‏ الميقات فتوى الشهيد (4) ، ويعضده حديث : « الميسور لا يسقط بالمعسور » (5).
1 ـ الوسائل 12 : 400 ذيل الحديث 2.
2 ـ الكافي 4 : 325/10 ، التهذيب 5 : 389/1362 ، الوسائل 11 : 329 أبواب المواقيت ب 14 ح 4.
3 ـ الكافي 4 : 325/10 ، التهذيب 5 : 389/1362 ، الوسائل 11 : 329 أبواب المواقيت ب 14 ح 4.
4 ـ راجع ص 182.
5 ـ عوالي الآلي 4 : 58/205.


(330)
    قيل : ويمكن حملها على‏ الاستحباب لعدم وجوب ذلك على‏ الناسي والجاهل مع الاشتراك في العذر ، وللموثق : عن أُناس من أصحابنا حجوا بامرأة معهم ، فقدموا إلى‏ الوقت وهي لا تصلّي ، فجهلوا أن مثلها ينبغي أن يحرم ، فمضوا بها كما هي حتى قدموا مكة وهي طامث حلال ، فسألوا الناس فقالوا : تخرج إلى‏ بعض المواقيت فتحرم منه وكانت إذا فعلت لم تدرك الحج ، فسألوا أبا جعفر عليه السلام فقال : « تحرم من مكانها قد علم اللَّه نيتها » (1) انتهى‏ (2).
    والأول أحوط إن لم يتعين لإمكان تقييد الموثقة بصورة عدم الإمكان ، وهو أولى‏ من الحمل على‏ الاستحباب ، سيّما مع صحة سند المقيِّد دون الموثق.
1 ـ الكافي 4 : 324/5 ، الوسائل 11 : 330 أبواب المواقيت ب 14 ح 6.
2 ـ المدارك 7 : 387.
رياض المسائل الجزء السادس ::: فهرس