رياض المسائل الجزء السادس ::: 346 ـ 360
(346)
أحبّ إليك أم على‏ الأرض ؟ فقال : « على‏ الأرض » (1).
    ( مع ميسرة الجبل ) للصحيح (2).
    والظاهر على‏ ما ذكره جماعة (3) أن المراد ميسرة القادم إليه من مكة ، وحكى‏ بعضهم قولاً بميسرة المستقبل للقبلة ، قال : ولا دليل عليه (4).
    قال الشهيد : ويكفي في القيام بوظيفة الميسرة لحظة ولو في مروره (5).
    ( في السهل ) دون الحَزْن ، قيل : لتيسر الاجتماع والتضامّ المستحب كما يأتي ، وغير السهل لا يتيسر فيه ذلك إلّا بتكلّف (6).
    ( وأن يجمع رحله ) ويضمّ أمتعته بعضها إلى‏ بعض ليأمن عليها الذهاب ويتوجه بقلبه إلى‏ الدعاء.
    ( ويسدّ الخَلَل ) والفُرَج الكائنة على‏ الأرض ( به ) أي برحله ( وبنفسه ) وأهله بأن لا يدع بينه وبين أصحابه فرجة للصحيح (7) وغيره (8).
1 ـ التهذيب 5 : 180/603 ، الوسائل 13 : 532 أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب 10 ح 5.
2 ـ الكافي 4 : 463/4 ، الوسائل 13 : 534 أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب 11 ح 1.
3 ـ منهم : صاحب المدارك 7 : 409 ، والسبزواري في الذخيرة : 653 ، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 353.
4 ـ كشف اللثام 1 : 353.
5 ـ اُنظر الدروس 1 : 418.
6 ـ المدارك 7 : 414.
7 ـ الكافي 4 : 463/4 ، الفقيه 2 : 281/1377 ، الوسائل 13 : 537 أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب 13 ح 2.
8 ـ التهذيب 5 : 180/604 ، الوسائل 13 : 537 أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب 13 ذيل الحديث 2.


(347)
    وأن يصرف زمان الوقوف كلّه في الذكر ( والدعاء ) كما يستفاد من الأخبار (1) ، وعن الحلبي القول بوجوبه (2) ، وهو نادر ، وفي المنتهى‏ بعد الحكم بالاستحباب وعدم الوجوب : ولا نعلم في ذلك خلافاً (3).
    وأن يكون حال الدعاء ( قائماً ) كما هنا وفي الشرائع والقواعد وغيرها (4) ، وعلّل تارة بأنه إلى‏ الأدب أقرب (5) ، وفيه نظر.
    وأُخرى بأنه أفضل أفراد الكون الواجب لكونه أشقّ ، وأفضل الأعمال أحمزها (6).
    وعن ظاهر التذكرة الاتفاق على‏ أن الوقوف راكباً أو قاعداً مكروهان ، وأنه يستحب قائماً داعياً (7).
    واستثنى‏ جماعة ما لو نافى ذلك الخشوع ، لشدة التعب ونحوه ، فيستحب جالساً (8). ولا بأس به.
    ( ويكره الوقوف في أعلى‏ الجبل ) لما مرّ ، وقيل بالمنع (9) ، وفيه نظر وإن كان أحوط ، إلّا لضرورة فلا كراهة ولا تحريم إجماعاً ، كما عن التذكرة (10)
1 ـ الوسائل 13 : 538 أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب 14.
2 ـ الكافي في الفقه : 197.
3 ـ المنتهى 2 : 719.
4 ـ الشرائع 1 : 255 ، القواعد 1 : 86 ؛ وانظر المدارك 7 : 415 ، والذخيرة : 655.
5 ـ كما في كشف اللثام 1 : 354.
6 ـ اُنظر المدارك 7 : 415.
7 ـ التذكرة 1 : 371.
8 ـ منهم : صاحب المدارك 7 : 415 ، والسبزواري في الذخيرة : 655 ، والفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 346.
9 ـ قال به القاضي في المهذب 1 : 251 ، وابن إدريس في السرائر 1 : 587.
10 ـ انظر التذكرة 1 : 372.


(348)
وللموثق : فإذا كان بالموقف وكثروا كيف يصنعون ؟ قال : « يرتفعون إلى الجبل » (1).
    ( وقاعداً وراكباً ) لما مضى.

    ( وأما اللواحق فمسائل ) ثلاث :
    ( الاولى : ) مسمى‏ ( الوقوف ) بعرفة ( ركن ، فإن تركه عامداً بطل حجه ) إجماعاً ، كما في كلام جماعة (2) ، وعن التذكرة وفي المنتهى‏ وغيره (3) أنه قول علماء الإسلام لفحوى‏ الأخبار بأنه لا حج لأصحاب الأراك وأن الحج عرفة (4). وما ورد بخلافه (5) شاذّ مؤول.
    وإطلاق العبارة ونحوها ، بل ظاهرها يقتضي عدم الفرق في الحكم بالبطلان بترك الوقوف عمداً بين قسميه الاختياري والاضطراري ، حتى لو ترك الاختياري عمداً بطل الحج مطلقاً وإن أتى بالاضطراري ، وكذا لو ترك الاضطراري عمداً حيث يفوته الاختياري مطلقاً.
    وهو الموافق للأُصول لعدم الإتيان بالمأمور به على‏ وجهه. وليس فيما يدل على‏ كفاية الاضطراري عموم يشمل نحو ما نحن فيه ؛ لاختصاصه‏
1 ـ التهذيب 5 : 180/604 ، الوسائل 13 : 535 أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب 11 ح 4 ؛ بتفاوت يسير.
2 ـ منهم : صاحب المدارك 7 : 339 ، والسبزواري في الذخيرة : 653 ، والفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 345.
3 ـ التذكرة 1 : 373 ، المنتهى 2 : 719 ؛ وانظر الحدائق 16 : 402.
4 ـ الوسائل 13 : 533 أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب 10 ، 11.
5 ـ الفقيه 2 : 206/937 ، التهذيب 5 : 278/977 ، الاستبصار 2 : 302/1080 ، الوسائل 13 : 552 أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب 19 ح 14.


(349)
بغيره كما يأتي.
    نعم ، في القواعد قصر الحكم على‏ الاختياري ، فقال : الوقوف الاختياري بعرفة ركن ، من تركه عمداً بطل حجه (1).
    وهو مشعر بأن الاضطراري ليس كذلك ، فلو تركه حيث يتعين عليه عمداً لم يبطل حجه ، ولا دليل عليه ولذا قيل : إنما اقتصر عليه ليعلم أنه لا يجزئ الاقتصار على‏ الاضطراري وعمداً ، بل من ترك الاختياري عمداً بطل حجه وغن أتى بالاضطراري (2). وهو حسن.
    ( وإن كان ) تركه ( ناسياً تداركه ليلاً ولو إلى‏ الفجر ) متصلاً به إذا علم أنه يدرك المشعر قبل طلوع الشمس ؛ لما مرّ من الإجماع والصحاح فيمن لا يتمكن من الوقوف نهاراً أجزأه ليلاً (3). وهي وإن قصرت عن التصريح بالناسي إلّا أنه مستفاد من التعليل في بعضها بأن اللَّه تعالى‏ أعذر لعبده (4) ، فإنّ النسيان من أقوى الأعذار.
    بل قيل : يمكن الاستدلال به على‏ عذر الجاهل ، كما هو ظاهر اختيار الدروس.
    ويدلُّ عليه عموم قول النبي صلى الله عليه وآله : « من أدرك عرفات بليل فقد أدرك الحج » (5).
    وقول الصادق عليه السلام : « من أدرك جَمْعاً فقد أدرك الحج » (6) (7).
1 ـ القواعد 1 : 86.
2 ـ كشف اللثام 1 : 354.
3 ـ راجع ص 340.
4 ـ التهذيب 5 : 289/981 ، الاستبصار 2 : 301/1076 ، الوسائل 14 : 36 أبواب الوقوف بالمشعر ب 22 ح 2.
5 ـ سنن البيهقي 5 : 173 بتفاوت يسير.
6 ـ الفقيه 2 : 284/1394 ، التهذيب 5 : 294/998 ، الاستبصار 2 : 307/1095 ، الوسائل 14 : 45 أبواب الوقوف بالمشعر ب 25 ح 2.
7 ـ قال به في المدارك 7 : 402 ، وانظر الدروس 1 : 421.


(350)
    وهو حسن حيث يكون الجهل عذراً ، بأن يكون ساذجاً لم يشبه تقصيراً اصلاً ، وإلّا فمشكل.
    ولعلّ في اشتراط العبارة النسيان إشعاراً باختصاص الحكم به. ولا ينافيه اشتراط التعمد في البطلان سابقاً لاحتمال كون الجهل المشوب بالتقصير عند المصنف عمداً.
    ثم إن وجوب التدارك ليلاً إنما هو مع الإمكان ، ويتحقق بعلمه بإدراك المشعر قبل طلوع الشمس لو وقف بها كما قدّمنا ، وكذا لو ظنّ ذلك كما في صريح الأخبار (1) ، وينتفي بظن الخلاف كما فيها (2).
    وفي تحققه باحتمال الأمرين على‏ السواء إشكال ، بل قولان ، ومفهوم اشتراط الظن في الأخبار متعارضة ، فلم يبق فيها ما يدل على‏ شي‏ء من القولين وإن توهّم لأحدهما ، وهو نفي الإمكان بذلك والاجتزاء بالمشعر (3).
    نعم ، في بعض الأخبار ما يرشد إليه ، وفيه : ( إن ظن أن يدرك الناس بجَمْع قبل طلوع الشمس فليأت عرفات ، وإن خشي أن لا يدرك جمعاً فليقف بجمع ثم ليفض مع الناس فقد تمّ حجه ) (4) وإطلاقه صدراً وذيلاً ، مفهوماً ومنطوقاً دالّ على‏ ذلك ، إلّا أنه قاصر سنداً ، لكن لا بأس به ، واللَّه سبحانه أعلم.
    ( ولو فاته ) التدارك ليلاً أيضاً ( اجتزأ ) بالوقوف ( بالمشعر )
1 ـ الوسائل 14 : 36 ، 37 أبواب الوقوف بالمشعر ب 22 ح 3 ، 4.
2 ـ اُنظر الوسائل 14 : 35 ، 37 أبواب الوقوف بالمشعر ب 22 ح 1 ، 4.
3 ـ كما في الحدائق 16 : 407.
4 ـ التهذيب 5 : 289/982 ، الاستبصار 2 : 301/1087 ، الوسائل 14 : 36 أبواب الوقوف بالمشعر ب 22 ح 3.


(351)
إجماعاً بسيطاً ، كما في كلام جماعة ، وعن الانتصار والخلاف والغنية والجواهر (1) ، ومركّباً ، كما في المنتهى‏ (2) ، وعن الانتصار أيضاً (3) فإنّ من أوجب الوقوف بالمشعر أجمع على‏ الاجتزاء باختياريته إذا فات الوقوف بعرفة لعذر وهو الحجّة.
    مضافاً إلى‏ الصحاح المستفيضة المتقدم إليها الإشارة.
    ( الثانية ) : قد ظهر مما سبق أنه ( لو فاته الوقوف الاختياري ) بعرفة لعذر مطلقاً ( وخشي طلوع الشمس ) من يوم النحر ( لو رجع ) والأولى : وقف ، أو أتى ، ونحوهما ، إلى‏ عرفات ليتدارك الوقوف ليلاً ( اقتصر على‏ ) الوقوف ب ( المشعر ليدركه قبل طلوع الشمس ، وكذا لو نسي الوقوف بعرفات أصلاً ) أي نهاراً وليلاً ( اجتزأ بإدراك المشعر قبل طلوع الشمس ).
    ( ولو أدرك عرفات قبل الغروب ولم يتفق له المشعر حتى طلعت الشمس ) من يوم النحر ( أجزأه الوقوف به ) أي بالمشعر ولو قبل الزوال من يومه ، بغير خلاف أجده ، بل عليه الإجماع في المنتهى‏ وعن التذكرة (4) ، وفي التنقيح وغيره (5) بلا خلاف.
    للصحيح أو ما يقرب منه : في رجل أفاض من عرفات إلى‏ منى ، قال : « فليرجع فليأت جمعاً فيقف بها وإن كان الناس أفاضوا من جمع » (6)
1 ـ الانتصار : 90 ، الخلاف 2 : 342 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 580 ، جواهر الفقه : 43.
2 ـ المنتهى 2 : 720.
3 ـ الانتصار : 90.
4 ـ المنتهى 2 : 727 ، التذكرة 1 : 375.
5 ـ التنقيح الرائع 1 : 480 ؛ وانظر الذخيرة : 658.
6 ـ الكافي 4 : 472/3 ، الوسائل 14 : 35 أبواب الوقوف بالمشعر ب 21 ح 2.


(352)
ونحوه الموثق (1).
    وكذا لو عكس فأدرك اختياري المشعر واضطراري عرفة أجزأه بلا خلاف ، كما في التنقيح وغيره (2) ، مشعرين بالإجماع ، كما في صريح المنتهى‏ (3) ، وعن الانتصار والخلاف والجواهر والتذكرة (4) وعموم أخبار : « من أدرك المشعر فقد أُدرك الحج » وهي صحاح مستفيضة (5) ، وسيأتي إلى‏ جملة منها الإشارة وخصوص الصحاح المستفيضة المتقدمة فيمن لم يتمكن من الوقوف بعرفة نهاراً أجزأه الوقوف بها ليلاً ، وهي صريحة في إجزاء اختياري المشعر وحده ، وعليه الإجماع في كلام جماعة (6).
    وفي إجزاء اختياري عرفة وحده إشكال ، ذكره الفاضل في المنتهى‏ والتحرير (7) ، وحكي عنه في التذكرة (8).
    قيل : من عموم الصحيح : « إذا فاتك المزدلفة فقد فاتك الحج » (9) وفي المرسل : « الوقوف بالمشعر فريضة ، والوقوف بعرفة سنّة » (10) والخبر
1 ـ التهذيب 5 : 288/978 ، الوسائل 14 : 34 أبواب الوقوف بالمشعر ب 21 ح 1.
2 ـ التنقيح الرائع 1 : 480 ؛ وانظر الحدائق 16 : 408.
3 ـ المنتهى 2 : 720.
4 ـ الانتصار : 90 ، الخلاف 2 : 342 ، جواهر الفقه : 43 ، التذكرة 1 : 375.
5 ـ الوسائل 14 : 37 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23.
6 ـ منهم : صاحب المدارك 7 : 404 والذخيرة : 658 والفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 355.
7 ـ المنتهى 2 : 728 ، التحرير 1 : 103.
8 ـ التذكرة 1 : 375.
9 ـ التهذيب 2 : 292/991 ، الاستبصار 2 : 305/1089 ، الوسائل 14 : 38 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 2.
10 ـ الفقيه 2 : 206/937 ، التهذيب 5 : 287/977 ، الاستبصار 2 : 302/1080 ، الوسائل 13 : 552 أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة ب 19 ح 14.


(353)
« وإن لم يأت جمعاً حتى تطلع الشمس فهي عمرة مفردة ولا حج له » (1).
    وممّا اشتهر من النبوي : « الحج عرفة » (2) لكن لم نره مسنداً من طريقنا ، والحسن : « الحج الأكبر الموقف بعرفة ورمي الجمار » (3) والأخبار فيمن جهل فلم يقف بالمشعر حتى فاته إنه لا بأس (4) ، وفيمن تركه متعمداً إنّ عليه بدنة (5) ، وهي خيرة الجامع والإرشاد والتبصرة والدروس واللمعة (6).
    أقول : بل المشهور كما في كلام جماعة (7) ، وعزاه إلى‏ الأصحاب في الذخيرة (8) ، مشعراً بعدم الخلاف فيه ، كما هو ظاهر المختلف والدروس (9) أيضاً ، وصرّح به جماعة (10).
    ولا ينافيه تردّد العلّامة فإنه وإن تردّد أوّلاً إلّا أنه فيما وقفت عليه من الكتابين الأوّلين صرّح بما عليه الجماعة ثانياً ، فقال : ولو نسي الوقوف‏
1 ـ التهذيب 5 : 291/987 ، الاستبصار 2 : 304/1085 ، الوسائل 14 : 38 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 3.
2 ـ عوالي الآلي 2 : 93/247 ، سنن ابن ماجه 2 : 1003/3015 ، سنن البيهقي 5 : 173.
3 ـ الكافي 4 : 264/1 ، الوسائل 13 : 550 أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة ب 19 ح 9.
4 ـ التهذيب 5 : 292/992، الاستبصار 2 : 305/1090 ، الوسائل 14 : 46 أبواب الوقوف بالمشعر ب 25 ح 5.
5 ـ الكافي 4 : 473/6 بتفاوت يسير ، الفقيه 2 : 283/1388 ، التهذيب 5 : 294/996 ، الوسائل 14 : 48 أبواب الوقوف بالمشعر ب 26 ح 1.
6 ـ راجع كشف اللثام 1 : 358.
7 ـ منهم : ابن فهد في المهذب البارع 2 : 189 ، وصاحب الحدائق 16 : 408.
8 ـ الذخيرة : 656.
9 ـ المختلف : 300 ، الدروس 1 : 421.
10 ـ التنقيح الرائع 1 : 480 ، والمسالك 1 : 113 ، والمفاتيح 1 : 348.


(354)
بالمشعر فإن كان قد وقف بعرفة صحّ حجه وإلّا بطل (1).
    وعليه فلا إشكال في المسألة ، سيّما وأن في الأخبار الأوّلة التي أتى بها وجهاً للمنع مناقشة لقصور أسانيدها جملةً حتى الرواية الأُولى‏ التي وصفها بالصحة فإنّ في سندها على‏ ما وقفت عليه قاسم بن عروة ، وحاله بالجهالة معروفة.
    نعم منطوقها مفهوم من أخبار صحيحة ، منها : « من أدرك جمعاً فقد أدرك الحج » (2).
    لكن دلالتها كمنطوق الرواية بالعموم كما ذكره ، فيحتمل التخصيص بما إذا لم يدرك اختياري عرفة ، ويتعيّن جمعاً بين الأدلة.
    وحيث كفى‏ اختياري أحدهما في صحة الحج فاختياريهما معاً أولى‏.
    فهذه صور خمس ، لا خلاف يعتدّ به ولا إشكال في إدراك الحج بكل منها : اختياريهما ، واختياري أحدهما ، مع اضطراري الآخر وبدونه.
    وبقي ثلاث صور أُخر : اضطراريهما معاً ، واضطراري أحدهما.
    أما اضطراري عرفة وحده فلا يجزئ بلا خلاف أجده إلّا من إطلاق عبارة الإسكافي خاصة (3) ، ولكن قيل : مراده اضطراري المشعر خاصة (4) ، ولعلّه لذا ادّعى‏ على‏ عدم الكفاية الإجماع جماعة (5).
    وأما الصورتان الأُخريان ففيهما خلاف أشار إليه في إحداهما بقوله :
1 ـ انظر المنتهى 2 : 728 ، والتحرير 1 : 103.
2 ـ الفقيه 2 : 284/1394 ، التهذيب 5 : 294/998 ، الاستبصار 2 : 307/1095 ، الوسائل 14 : 45 أبواب الوقوف بالمشعر ب 25 ح 2.
3 ـ حكاه عنه في المختلف : 301.
4 ـ المختلف : 301.
5 ـ اُنظر الدروس 1 : 426 ، والتنقيح الرائع 1 : 481 ، ومرآة العقول 18 : 139.


(355)
    ( الثالثة : لو لم يدرك عرفات نهاراً وأدركها ليلاً ولم يدرك المشعر ) الحرام ( حتى طلعت الشمس فقد فاته الحج ) وفاقاً للمحكي عن ظاهر النهاية والمبسوط (1) للنصوص المستفيضة القائلة إنّ من لم يدرك الناس بمشعر قبل طلوع الشمس من يوم النحر فلا حج له (2) ، فإنها بعمومها تشمل محل النزاع ، بل وما إذا أدرك اختياري عرفات أيضاً ، لكنه خرج بالإجماع ، وبقي الباقي.
    لكنها معارَضة بالصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة القائلة إنّ من أدرك المشعر قبل زوال الشمس من يوم النحر فقد أدرك الحج (3). وتقييدها بمن أدرك اختياري عرفة خاصة ليس بأولى من تقييد تلك بصورة عدم إدراك عرفة مطلقاً ولو اضطراريها. بل هذا أولى‏ لرجحان المعارَضة بالكثرة والشهرة واعتبار الأسانيد جملة ، مع كون صحاحها مستفيضة ، بخلاف تلك ، لضعف أسانيدها جملة عدا صحيحة واحدة. وهي وإن صحّ سندها لكنها ظاهرة في عدم إدراك عرفات بالكلية فإنّ فيها : عن رجل فاته الموقفان جميعاً ، فقال : « له إلى‏ طلوع الشمس يوم النحر ، فإن طلعت الشمس من يوم النحر فليس له حج ويجعلها عمرة وعليه الحج من قابل » (4) ونحن نقول بها في هذه الصورة كما ستعرفه ، هذا.
    مضافاً إلى‏ خصوص الصحيح الصريح : « إذا أدرك الحاج عرفات قبل‏
1 ـ النهاية : 273 ، المبسوط 1 : 383.
2 ـ اُنظر الوسائل 14 : 37 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 الأحاديث 1 ، 3 ، 4 ، 5 ، 20.
3 ـ كما في الوسائل 14 : 39 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 الأحاديث 6 ، 8 ، 9 ، 11.
4 ـ التهذيب 5 : 291/986 ، الاستبصار 2 : 304/1084 ، الوسائل 14 : 37 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 1.


(356)
طلوع الفجر فأقبل من عرفات ولم يدرك الناس بجمع ووجدهم قد أفاضوا فليقف بالمشعر قليلاً ، وليلحق الناس بمنى‏ ، ولا شي‏ء عليه » (1).
    ( و ) حينئذ فالأصح ما ( قيل ) بأنه ( يصح حجه ) : مطلقاً و ( لو أدركه ) أي المشعر ( قبل الزوال ) من يوم النحر ، والقائل الأكثر ، ومنهم : الصدوق والإسكافي والمرتضى‏ والحلبيّان (2) فيما حكي ، وأكثر المتأخرين ، بل عامّتهم.
    وظاهر الأوّلين وجملة من الآخرين كفاية إدراك اضطراري المشعر خاصة لعموم الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة المتقدم إليها الإشارة ، بل خصوص بعضها ، وهو الصحيح فيمن قال : إني لم أُدرك الناس بالموقفين جميعاً ، فقال : « إذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل أن تزول الشمس يوم النحر فقد أدرك الحج » (3).
    لكنه ليس بصريح ، بل قيل : ظاهر في إدراك عرفات أو مجمل فيه (4) ، فسبيله كما عداه.
    ومع ذلك معارض بالصحيحة السابقة المضاهية لهذه الصحيحة فيما يوجب الخصوص من التعبير في السؤال بمن فاته الموقفان جميعاً ، وتعلّق‏
1 ـ التهذيب 5 : 292/990 ، الاستبصار 2 : 305/1088 ، الوسائل 14 : 44 أبواب الوقوف بالمشعر ب 24 ح 1.
2 ـ حكاه عنهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 358 ؛ وهو في الفقيه 2 : 282 ذيل الحديث 1383 وجمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضي ) 3 : 68 ، والكافي في الفقه : 197 ، والغنية ( الجوامع الفقهية ) : 580.
3 ـ التهذيب 5 : 291/989 ، الاستبصار 2 : 304/1086 ، الوسائل 14 : 39 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 6.
4 ـ التهذيب 5 : 292 ، الاستبصار 2 : 304.


(357)
الجواب بأنه لا حج له إذا أدرك اضطراري المشعر خاصة.
    مضافاً إلى‏ صحيحة أُخرى أظهر من هذه الصحيحة ، بل لعلّها صريحة فيما تضمنته : عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات ، فقال : « إن كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليله فيقف بها ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا ، فلا يتم حجّه حتى يأتي عرفات ، وإن قدم وفاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام ، فإنّ اللَّه تعالى‏ أعذر لعبده ، وقد تمّ حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس ، فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج فيجعلها عمرة مفردة ، وعليه الحج من قابل » (1).
    فلم يبق إلّا عموم ما عداه ، وهو معارض بعموم النصوص المقابلة في المسألة السابقة القائلة إنّ من لم يدرك المشعر قبل طلوع الشمس فلا حج له (2) ، لكنّها ضعيفة الأسانيد كما عرفت. ومع ذلك ظاهر عمومها مخالف للإجماع لشموله ما إذا أدرك اختياري عرفة. ولا كذلك عموم الصحاح لموافقتها بعمومها لما عرفت من فتوى هؤلاء الجماعة ، ولا ريب أن هذا العموم أولى‏ من العموم السابق ، سيّما مع الأولوية عدداً وسنداً كما مضى ، فيترجح ما عليه هؤلاء.
    خلافاً للأكثر ، فمنعوا عن ذلك ولعلّه لخصوص الصحيحة الأخيرة ، فإنها أوضح دلالة من الصحاح المقابلة ، فلتحمل على‏ ما إذا أدرك اختياري عرفة أو اضطراريها ، حمل المطلق على‏ المقيد أو [ العام على‏ الخاص ] (3).
1 ـ التهذيب 5 : 289/981 ، الاستبصار 2 : 301/1076 ، الوسائل 14 : 36 أبواب الوقوف بالمشعر ب 22 ح 2.
2 ـ راجع ص 352.
3 ـ في النسخ : الخاص علي العام.


(358)
    هذا مضافاً إلى‏ الشهرة الجابرة للنصوص المقابلة في مفروض المسألة ، المعاضدة لهذه الصحيحة الصريحة ، وبذلك تترجح هذه النصوص على‏ ما عارضها من الصحاح. مع أن في العمل بعمومها اطراحاً لتلك النصوص طرّاً ، ولا كذلك العكس ، فإنّ غايته تقييد الصحاح بمن أدرك عرفات ، وهو أهون بالإضافة إلى‏ طرح النص. ولا يقدح عمومها لما أدرك عرفات مطلقاً بعد وجود الدليل على‏ تخصيصها بما إذا لم يدركها اصلاً ، كما هو ظاهر الصحيح منها.
    فما عليه الأكثر أظهر ، سيّما وفي صريح المختلف والتنقيح والمنتهى‏ (1) ـ كما حكي ـ الوفاق عليه ، وهو حجة أُخرى عليه جامعة ـ كالصحيحة المتقدمة ـ بين الأخبار المتعارضة ، بتقييد الصحاح منها بمن أدرك عرفات مطلقاً ولو اضطراريها ، والضعيفة بما إذا لم يدركها كذلك.
    وقد تلخّص مما ذكرنا أن أقسام الوقوفين بالنسبة إلى‏ الاختياري والاضطراري ثمانية ، وكلّها مجزئة إلّا الاضطراري الواحد منها ، كما عليه جماعة ، ومنهم الشهيد في الدروس واللمعة (2).
1 ـ المختلف : 301 ، التنقيح الرائع 1 : 482 ، المنتهى 2 : 727.
2 ـ الدروس 1 : 426 ، اللمعة 2 : 278.


(359)
    ( والنظر في مقدمته وكيفيته ولواحقه ) ‏
    ( فالمقدمة تشتمل على‏ مندوبات خمسة : )
    ( الاقتصاد ) والتوسط ( في السير ) إلى المشعر بسكينة ووقار ، كما في الصحيح (1) سائلاً العتق من النار ، كما فيه مستغفراً ، كما فيه وفي الآية (2).
    ( والدعاء عند الكثيب (3) الأحمر ) عن يمين الطريق بقوله : « اللهم ارحم موقفي ، وزد في عملي ، وسلم لي ديني ، وتقبّل مناسكي » كما في الصحيح (4).
    ( وتأخير المغرب والعشاء إلى‏ المزدلفة ولو صار ربع الليل ) بل ثلثه كما في الصحيح (5) ، وفي المنتهى‏ وعن التذكرة (6) : إنّ عليه إجماع أهل العلم كافة.
    ولعلّ الاقتصار على‏ الربع كما هنا وفي الشرائع وعن الهداية والمقنعة والمراسم والجمل والعقود والخلاف (7) نظراً إلى‏ أخبار توقيت المغرب إليه ،
1 ـ التهذيب 5 : 187/623 ، الوسائل 14 : 5 أبواب الوقوف بالمشعر ب 1 ح 1.
2 ـ البقرة : 199.
3 ـ الكثيب : الرمل المستطيل المحدودب ، مجمع البحرين 2 : 156.
4 ـ المتقدم مصدره في الهامش ( 1 ).
5 ـ التهذيب 5 : 188/625 ، الاستبصار 2 : 254/895 ، الوسائل 14 : 12 أبواب الوقوف بالمشعر ب 5 ح 1.
6 ـ المنتهى 2 : 723 ، التذكرة 1 : 374.
7 ـ الشرائع 1 : 255 ، الهداية : 61 ، المقنعة : 416 ، المراسم 112 ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 234 ، الخلاف 2 : 340.


(360)
وحمل الثلث على‏ أن يكون الفراغ من العشاء عنده.
    وفي الموثق : « وإن مضى من الليل ما مضى » (1) ولعلّه بمعنى : وإن مضى منه ما مضى بشرط بقاء وقت الأداء ، وقد يكون ممّا أشار إليه الشيخ ـ فيما حكي عنه ـ في الخلاف بقوله : وروى إلى‏ نصف الليل (2).
    ويقرب منه قول ابن زهرة : لا يجوز أن يصلي العشاءين إلّا في المشعر ، إلّا أن يخاف فوتهما بخروج وقت المضطر (3).
    ويجوز تنزيل الموثق على‏ الغالب من ذهاب ربع الليل أو ثلثه.
    وظاهر ابن زهرة وجوب التأخير ، كما عن الشيخ والعماني (4) أيضاً ، وهو ظاهر النهي في المعتبرين السابقين. وإنما حمله الأصحاب على‏ الكراهة جمعاً بينهما وبين الصحيحين المتضمن أحدهما لنفي البأس أن يصلّي الرجل المغرب إذا أمسى‏ بعرفة (5) ، وثانيهما ما يقرب من الأول فعلاً (6).
    وفي المختلف : الظاهر أن قصد الشيخ الكراهة دون التحريم ، وكثيراً ما يطلق على‏ المكروه أنه لا يجوز (7).
1 ـ التهذيب 5 : 188/624 ، الاستبصار 2 : 254/894 ، الوسائل 14 : 12 أبواب الوقوف بالمشعر ب 5 ح 2.
2 ـ الخلاف 2 : 340.
3 ـ اُنظر الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 581.
4 ـ الشيخ في المبسوط 1 : 367 ، ونقله عن العماني في المختلف : 299.
5 ـ التهذيب 5 : 189/629 ، الاستبصار 2 : 255/898 ، الوسائل 14 : 12 أبواب الوقوف بالمشعر ب 5 ح 3.
6 ـ التهذيب 5 : 189/628 ، الاستبصار 2 : 255/897 ، الوسائل 14 : 12 أبواب الوقوف بالمشعر ب 5 ح 4.
7 ـ المختلف : 299.
رياض المسائل الجزء السادس ::: فهرس