رياض المسائل الجزء السادس ::: 376 ـ 390
(376)
    والثاني : من ترك الوقوف على‏ نفس المشعر الذي هو الجبل ـ فإنه يستحب الوقوف عليه عند أصحابنا ـ وجب عليه بدنة.
    وكلا الاحتمالين خلاف لما ذكره علماؤنا فإن أحداً من علمائنا لم يقل بصحة الحج مع ترك الوقوف بالمشعر عمداً مختاراً ولم يقل أحد منهم بوجوب الوقوف على‏ نفس المشعر الذي هو الجبل وإن تأكد استحباب الوقوف به.
    قال : وحمل كلامه على‏ الثاني أولى‏ لدلالة سياق كلامه عليه.
    قال : ويحتمل ثالث وهو : أن يكون قد دخل المشعر الذي هو الجبل ثم ارتحل متعمداً قبل أن يقف مع الناس مستخفاً (1) للصحيح : « من أفاض من عرفات فلم يلبث معهم بجمع ومضى‏ إلى‏ منى متعمداً أو مستخفاً فعليه بدنة » (2).
    ويضعّف : بأن المناسب للخبر أن يكون دخل جمعاً لا الجبل.
    والأولى حمل الخبر وكلامهما على‏ إدراك مسمّى‏ الوقوف ليلاً والإفاضة قبل وقته إلى‏ طلوع الفجر ، وقد تقدّم أن عليه شاة ولم يبطل حجه ، ولهذا قيّد الماتن البطلان بما إذا لم يقف به ليلاً مؤذناً بصحة الحج مع الوقوف به ليلاً كما مضى ، ولكن يشكل إيجاب البدنة ، والأظهر الأشهر الشاة كما قدّمنا (3).
    ( ولا يبطل ) الحج بتركه ( لو كان ناسياً ) إذا كان وقف بعرفات
1 ـ المختلف : 300.
2 ـ الكافي 4 : 473/6 ، الفقيه 2 : 283/1388 ، التهذيب 5 : 294/996 ، الوسائل 14 : 48 أبواب الوقوف بالمشعر ب 26 ح 1.
3 ـ راجع ص 366.


(377)
اختياراً ، على‏ الأشهر الأقوى‏ كما قدّمنا ، وإذا وقف بها اضطراراً لم يصحّ حجه إجماعاً كما مضى.
    وإطلاق العبارة ونحوها يقتضي عدم الفرق في بطلان الحج بتعمد ترك الوقوف بالمشعر بين العالم والجاهل ، وبه صرّح بعض (1) ، وفاقاً للشيخ في التهذيب (2) لإطلاق ما مرّ من النص مضافاً إلى‏ الأصل ، لعدم الإتيان بالمأمور به على‏ وجهه فيبطل.
    وهو حسن لولا الصحيح : في رجل لم يقف بالمزدلفة ولم يبت بها حتى أتى منى ، فقال : « ألم ير الناس » إلى‏ أن قال : قلت : فإنه جهل ذلك ، قال : « يرجع » قلت : إنّ ذلك قد فاته ، قال : « لا بأس » (3) ونحوه المرسل (4).
    إلّا أن الشيخ ـ رحمه الله ـ حملهما على‏ تارك كمال الوقوف جهلاً وقد أتى باليسير منه ، واستشهد عليه بخبرين ضعيفي السند قاصري الدلالة.
    ( ولو فاته الموقفان ) جميعاً ( بطل ) الحج و ( لو كان ) الفوت ( ناسياً ) بالنص وإجماع العلماء على‏ ما حكاه بعض أصحابنا (5) مضافاً إلى‏ الأصل الذي مضى الإشارة إليه قريباً.
    ( الثاني : من فاته الحج سقطت عنه ) بقية ( أفعاله ) من الهدي والرمي والمبيت بمنى‏ والحلق أو التقصير فيها ، وله المضي من حينه إلى‏ مكة والإتيان بأفعال العمرة والتحلل.
1 ـ كالعلامة في التحرير 1 : 103 ، وصاحب المدارك 7 : 432.
2 ـ التهذيب 5 : 292.
3 ـ الكافي 4 : 473/5 ، التهذيب 5 : 293/993 ، الوسائل 14 : 45 أبواب الوقوف بالمشعر ب 25 ح 6.
4 ـ التهذيب 5 : 292/992 ، الاستبصار 2 : 305/1090 ، الوسائل 14 : 46 أبواب الوقوف بالمشعر ب 25 ح 5.
5 ـ كصاحب المدارك 7 : 434 ، والفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1 : 348.


(378)
    ( و ) لكن ( يستحب له الإقامة بمنى‏ إلى‏ انقضاء أيام التشريق ) كما في الصحيح (1) ( ثم يتحلل بعمرة مفردة ) كما فيه وفي الصحاح المستفيضة ، منها : « أيّما حاجّ سائق للهدي أو مفرد للحج أو متمتع بالعمرة إلى‏ الحج قدم وقد فاته الحج فليجعلها عمرة وعليه الحج من قابل » (2).
    وعن التذكرة والمنتهى‏ وفي غيرهما (3) الإجماع عليه ، ولذا قطع الفاضل في التحرير وغيره (4) بأنه لو أراد البقاء على‏ إحرامه إلى‏ القابل ليحج به لم يجزه ، قيل : واستظهره في التذكرة والمنتهى‏ ، وجعله الشهيد أشبه (5).
    وهل عليه نية الاعتمار ، أم ينقلب الإحرام إليه قهراً حتى لو أتى بأفعالها من غير نية الاعتمار لكفى‏ ؟ قيل : قطع بالأول في التحرير والتذكرة والمنتهى‏ ، وأسند فيهما خلافه إلى‏ بعض العامة ، ويدلُّ عليه الاستصحاب ، وأن الأعمال بالنيات ، وظاهر الأمر « يجعلها عمرة » في الصحاح ، وجعله الشهيد أحوط (6).
    واحتمل الثاني للأصل ، وظاهر قولهم عليهم السلام في جملة من الأخبار المتضمنة للصحيح وغيره « فهي عمرة مفردة » كما في الثاني (7) ، أو « يطوف ويسعى بين الصفا والمروة » كما في الأول (8) ، ووافقه في الذخيرة ، مجيباً
1 ـ التهذيب 5 : 295/999 ، الاستبصار 2 : 307/1096 ، الوسائل 14 : 50 أبواب الوقوف بالمشعر ب 27 ح 3.
2 ـ الكافي 4 : 476/2 ، الفقيه 2 : 284/1394 ، التهذيب 5 : 294/998 ، الاستبصار 2 : 307/1095 ، الوسائل 14 : 48 أبواب الوقوف بالمشعر ب 27 ح 1.
3 ـ التذكرة 1 : 398 ، المنتهى 2 : 852 ؛ وانظر كشف اللثام 1 : 358.
4 ـ التحرير 1 : 124 ؛ وانظر الدروس 1 : 427 ، والحدائق 16 : 471.
5 ـ كشف اللثام 1 : 358.
6 ـ اُنظر كشف اللثام 1 : 358.
7 ـ قرب الإسناد : 393/1380 ، الوسائل 14 : 51 أبواب الوقوف بالمشعر ب 27 ح 6.
8 ـ الفقيه 2 : 243/1160 ، التهذيب 5 : 295/1001 ، الاستبصار 2 : 308/1098 ، الوسائل 14 : 49 أبواب الوقوف بالمشعر ب 27 ح 2.


(379)
عن الأمر بجعلها عمرة بأن المفهوم من هذا الأمر الإتيان ببقية أفعال العمرة ، لا الإتيان بالنية (1).
    وهو حسن ، لكن دلالة أخبار المقابلة على‏ عدم اعتبار النية أيضاً غير واضحة ، فإذاً المسألة لا تخلو عن ريبة ، والأصل يقتضي اعتبارها بلا شبهة.
    ( ثم يقضي الحج ) في القابل واجباً ( إن كان واجباً ) عليه وجوباً مستقراً مستمراً ، وإلّا فندباً ، بلا خلاف أجده في المقامين ، وبه صرّح في الثاني في الذخيرة (2) ، وغيرها ، وبالإجماع في الأول صُرِّح في كلام جماعة (3) وهو الحجة.
    مضافاً إلى‏ الأصل في الثاني ، والصحاح المشار إليها في الأول ، لكنها مطلقة بأن عليه الحج من قابل ، ولكن قيّدها الأصحاب بالمقام الأول ، مدّعين الإجماع عليه.
    وأما الخبر أو الصحيح ـ كما قيل (4) ـ في قوم قدموا يوم النحر وقد فاتهم الحج أنه : « يهريق كل واحد منهم دم شاة ويحلّون وعليهم الحج من قابل إن انصرفوا إلى‏ بلادهم ، وإن أقاموا حتى يمضي أيام التشريق بمكة ثم خرجوا إلى‏ بعض مواقيت أهل مكة فأحرموا واعتمروا فليس عليهم الحج من قابل » (5).
1 ـ الذخيرة : 660.
2 ـ الذخيرة : 660.
3 ـ منهم : الفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 385 ، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 358.
4 ـ كشف اللثام 1 : 358.
5 ـ الكافي 4 : 475/1 ، الفقيه 2 : 284/1395 ، التهذيب 5 : 295/1000 ، الاستبصار 2 : 307/1097 ، الوسائل 14 : 50 أبواب الوقوف بالمشعر ب 27 ح 5.


(380)
    فقال الشيخ : يحتمل أن يكون مختصاً بمن اشترط حال الإحرام ، فإنه إذا كان اشترط لم يلزمه الحج من قابل ، وإن لم يكن قد اشترط لزمه ذلك في العام المقبل (1).
    واستشهد له بالصحيح : عن رجل خرج متمتعاً بالعمرة إلى‏ الحج فلم يبلغ مكة إلى‏ يوم النحر ، فقال : « يقيم على‏ إحرامه ويقطع التلبية حين يدخل مكة ، فيطوف ويسعى بين الصفا والمروة ويحلق رأسه وينصرف إلى‏ أهله إن شاء » وقال : « هذا لمن اشترط على‏ ربّه عند إحرامه ، فإن لم يكن اشتراط فإنّ عليه الحجّ من قابل » (2).
    وفيه ما في كلام جماعة ، من أن الفائت إن كان مستحباً لم يجب القضاء وإن لم يشترط ، وكذا إن لم يستقر ولا استمر وجوبه ، وإن كان واجباً وجوباً مستقراً أو مستمراً وجب وإن اشترط ، فالوجه حمل هذا الخبر بعد الإغماض عن سنده على‏ شدة استحباب القضاء إذا لم يشترط وكان مندوباً أو غير مستقرّ الوجوب ولا مستمرّة.
    ثم مقتضى‏ الأصل وظاهر الصحاح وغيرها الواردة في بيان الحاجة الساكتة عن إيجاب الهدي عدمه ، كما هو ظاهر الأكثر ، بل المشهور.
    خلافاً للمحكي عن نادر فأوجبه (3) لما مرّ من الخبر ، ولأنه حلّ قبل تمام إحرامه كالمحصر.
    وضعفه ظاهر فإنه يتمّ الأفعال لكنه يعدل ، والخبر محمول على‏
1 ـ التهذيب 5 : 295.
2 ـ التهذيب 5 : 295/1001 ، الاستبصار 2 : 308/1098 ، الوسائل 14 : 49 أبواب الوقوف بالمشعر ب 27 ح 2.
3 ـ حكاه الشيخ في الخلاف 2 : 374 عن بعض أصحابنا.


(381)
الندب لما مر مع ما في الراوي من الكلام.
    نعم ، روى‏ الصدوق في الصحيح نحو ما فيه ، إلّا أنه عليه السلام قال فيه : « يقيم بمكة على‏ إحرامه ويقطع التلبية حين يدخل الحرم ، فيطوف بالبيت ويسعى ويحلق رأسه ويذبح شاته ثم ينصرف إلى‏ أهله » ثم قال : « هذا لمن اشترط على‏ ربه عند إحرامه أن يحلّه حيث حبسه ، فإن لم يشترط فإن عليه الحج والعمرة من قابل » (1).
    إلّا أن لفظ « شاته » بالإضافة مشعر بأنه كان معه شاة عيّنها للهدي ، ويحتمل أن يكون فُتياً بعينه وقد يكون نذر الشاة للهدي ، ويحتمل الاستحباب ، مع أن ظاهره هو جواز الإحلال والرجوع لهم بمجرّد الحلق وذبح الشاة من غيره حاجة إلى‏ عمرة التحلل ، وهو خلاف الإجماع.
    قيل : والأولى حمل هذا الخبر على‏ التقية (2) لأن المشهور بين العامّة هو أن من فاته الحج لم يجب عليه العمرة ، بل يبقى‏ على‏ إحرامه السابق ، ويتحلل بطواف وسعى وحلاق ، وكذلك وجوب الهدي عليه هو القول المنصور بينهم الذي إليه أهل الشوكة منهم وأهل الجاه والاعتبار.
    ( الثالث : يستحب التقاط الحصى‏ من جمع ) إجماعاً ، كما عن ظاهر المنتهى‏ والتذكرة وصريح غيرهما (3) ، وللصحيحين (4) : « خذ حصى
1 ـ الفقيه 2 : 243/1160 ، الوسائل 14 : 49 أبواب الوقوف بالمشعر ب 27 ح 2.
2 ـ الحدائق 16 : 468.
3 ـ المنتهى 2 : 728 ، التذكرة 1 : 375 ؛ وانظر المدارك 7 : 439 ، ومفاتيح الشرائع 1 : 349.
4 ـ الكافي 4 : 477/1 ، 3 ، التهذيب 5 : 195/650 ، الوسائل 14 : 31 أبواب الوقوف بالمشعر ب 18 ح 1.

(382)
الجمار من جمع ، وإن أخذته من رحلك بمنى‏ أجزأك ».
    ( وهو سبعون حصاة ) ذُكِّرَ الضمير لعوده إلى‏ الملقوط المدلول عليه بالالتقاط ، وهذا العدد هو الواجب ، ولو التقط أزيد منه احتياطاً حذراً من سقوط بعضها أو عدم إصابة فلا بأس.
    ويجوز الالتقاط من غير جمع للأصل والصحيحين ، لكن لا يجوز إلّا من الحرم للصحيح : « حصى الجمار إن أخذته من الحرم أجزأك ، وإن أخذته من غير الحرم لم يجزئك » (1).
    ( ويجوز ) الالتقاط ( من أي جهات الحرم شاء عدا المساجد ) مطلقاً كما هنا وفي الشرائع والقواعد وعن الجامع (2) قيل : للنهي عن إخراج حصى المساجد وهو يقتضي الفساد ، كذا في المختلف (3).
    والذي تقدّم في الصلاة كراهية الإخراج ، وإن سلّم الحرمة فالرمي غير منهي عنه ، إلّا أن يثبت وجوب المبادرة إلى‏ الإعادة فيقال : الرمي منهي عنه ، لكونه ضدها.
    ويمكن حمل الجواز على‏ الإباحة بالمعنى الأخص فينافيه الكراهة ، والفساد على‏ فساد الإخراج ، بمعنى الرغبة عنه شرعاً.
    أو يقال : يجب إعادتها إليها أو إلى‏ غيرها من المساجد ، وعند الرمي يلتبس بغيرها ، فلا يمتاز ما من المسجد من غيره.
    وفيه : أنه يمكن أعلامها بعلامة تميّزها.
    وفي الموثق : « يجوز أخذ حصى الجمار من جميع الحرم إلّا من‏
1 ـ الكافي 4 : 477/2 ، الوسائل 14 : 31 أبواب الوقوف بالمشعر ب 18 ح 2.
2 ـ الشرائع 1 : 257 ، القواعد 1 : 87 ، الجامع للشرائع : 209.
3 ـ المختلف : 303.


(383)
المسجد الحرام ومسجد الخيف » (1).
    ولذا اقتصر عليهما الأكثر ، وإلى قولهم أشار بقوله :
    ( وقيل : عدا المسجد الحرام ومسجد الخيف ) وليس في التهذيب المسجد الحرام (2) ، ولذا اقتصر عليه الشيخ في مصباحه (3) ، ولعلّه لبُعد الالتقاط من المسجد الحرام.
    وفي بعض القيود أنه لا يجوز الأخذ من وادي محسِّر (4).
    وفي المنتهى‏ : لو رمى‏ بحصاة محسِّر كره له ذلك ، وهل يكون مجزئاً أم لا ، فيه تردّد ، أقربه الإجزاء للعموم (5).
    ( ويشترط أن يكون أحجاراً ) ولا يجوز بغيرها كالمدر والآجر والكحل والزرنيخ وغير ذلك من الذهب والفضة ، بإجماعنا الظاهر ، المحكي عن صريح الانتصار وظاهر التذكرة والمنتهى‏ (6) ، بل في المنتهى‏ والتحرير عن الأكثر تعيّن الحَصى‏ (7). وهو الأقوى‏ للتأسي والاحتياط ، لورود النصوص بلفظ الحصى‏ والحصيات ، مع أن في الصحيح منها : « لا ترم الجمار إلّا بالحصى‏ » (8).
1 ـ الكافي 4 : 478/8 ، التهذيب 5 : 196/652 ، الوسائل 14 : 32 أبواب الوقوف بالمشعر ب 19 ح 2.
2 ـ لا يخفي أنها موجودة في النسخة التي كانت بأيدينا من التهذيب.
3 ـ مصباح المتهجد : 642.
4 ـ المنتهى 2 : 730 ، وفيه بدل كلمة محسر : نجسة.
5 ـ المنتهى 2 : 730.
6 ـ الانتصار : 105 ، التذكرة 1 : 376 ، المنتهى 2 : 729.
7 ـ المنتهى 2 : 730 ، التحرير 1 : 103.
8 ـ الكافي 4 : 477/5 ، التهذيب 5 : 196/654 ، الوسائل 14 : 59 أبواب رمي جمرة العقبة ب 4 ح 1.


(384)
    خلافاً للخلاف ، ففيه جواز الرمي بالحجر وما كان من جنسه من البرام والجواهر وأنواع الحجارة (1).
    ولا دليل عليه سوى‏ ما يحكى عنه من دعواه الإجماع ، وفيها مع وهنها معارضتها بأقوى منها ، وهي الأدلة التي قدّمناها.
    أو ما يفهم كلامه المتقدّم من دخول الجميع في الحجر ، وهو الحَصى‏ ، بناءً على‏ أن الحصى‏ هي الحجارة الصغيرة كما عن القاموس (2) ، وعليه فلا خلاف.
    لكن يمنع الدخول أوّلاً ، ثم يستشكل في تفسير الحصى‏ بالحجارة ، لمنافاته العرف والعادة ، ولذا أن جماعة من متأخري (3) قالوا بعد نحو ما في العبارة : بل الأجود تعيّن الرمي بما يسمى‏ حصاة. وهو الأقرب.
    وأن يكون ( من الحرم ) للصحيح : « حصى الجمار إن أخذته من الحرم أجزأك ، وإن أخذته من غير الحرم لم يجزئك » (4).
    وفي المرسل : « لا تأخذه من موضعين : من خارج الحرم ، ومن حصى الجمار » (5).
    وبه قطع الأكثر.
    قيل : خلافاً للخلاف والقاضي (6) ، ومستندهما غير واضح سوى‏
1 ـ الخلاف 2 : 342.
2 ـ القاموس المحيط 4 : 319.
3 ـ منهم صاحب المدارك 7 : 440 ، والسبزواري في الذخيرة : 661 ، وصاحب الحدائق 16 : 457.
4 ـ تقدم مصدره في الصفحة السابقة الهامش ( 8 ).
5 ـ الكافي 4 : 478/9 ، التهذيب 5 : 196/653 ، الوسائل 14 : 60 أبواب رمي جمرة العقبة ب 5 ح 1.
6 ـ كشف اللثام 1 : 360 ، ولكن نقل فيه عن الخلاف وابن حمزة.


(385)
الأصل المخصّص بما مرّ.
    وأن يكون ( أبكاراً ) غير مرمي بها رمياً صحيحاً ، بالنص المتقدم وغيره (1) ، والإجماع الظاهر ، المحكي عن صريح الخلاف والغنية والجواهر (2) ، والمصرّح به في المدارك وغيره (3).
    ( ويستحب أن تكون رخوة ) غير صلبة ( بُرْشاً بقدر الأنملة ) بفتح الهمزة وضم الميم رأس الإصبع.
    ( ملتقطة ) بأن يكون كل واحدة منها مأخوذة من الأرض ، منفصلة. واحترز بها عن المكسّرة من حجر فإنها مكروهة كما سيأتي.
    ( منقّطة ) كُحلية.
    كلّ ذلك للمعتبرة (4).
    قيل : والمشهور في معنى‏ البَرش أن يكون في الشي‏ء نقط تخالف لونه ، وقصره ابن فارس على‏ ما فيه نقط بيض (5).
    وعليه فيكون هذا الوصف مغنياً عن كونها منقّطة ، ولعلّه لذا تكلّف شيخنا في الروضة فحمل مثل كلام الماتن على‏ اختلاف ألوان الحصى‏ بعضها لبعض (6) ، ومكانه من البعد غير خفي.
    واقتصر الصدوق على‏ المنقطة (7) ، والشيخ في التهذيب والنهاية
1 ـ اُنظر الوسائل 14 : 60 أبواب رمي جمرة العقبة ب 5.
2 ـ الخلاف 2 : 343 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 581 ، جواهر الفقه : 43.
3 ـ المدارك 7 : 441 ؛ وانظر كشف اللثام 1 : 360 ، والذخيرة : 661 ، والحدائق 16 : 474.
4 ـ اُنظر الوسائل 14 : 33 أبواب الوقوف بالمشعر ب 20.
5 ـ كشف اللثام 1 : 360.
6 ـ الروضة البهية 2 : 284.
7 ـ كما في الهداية : 61.


(386)
والجمل (1) على‏ البُرش.
    لكن في النهاية الأثيرية : أن البُرشة لون مختلط حمرةً وبياضاً وغيرهما (2) ، وفي المحيط : إنه لون مختلط بحمرة (3) وفي تهذيب اللغة عن الليث : إن الأبرش الذي فيه ألوان وخلط (4). وحينئذ يكون أعم من المنقّطة.
    وفي الكافي : إن الأفضل البُرش ثم البيض والحمر ، ويكره السود (5).
    ( ويكره الصلبة ) للصحيح (6).
    ( والمكسّرة ) للخبر : « التقط الحصى‏ ، ولا تكسرنّ منه شيئاً » (7).
    والسوداء والبيضاء والحمراء للنهي عنها أجمع في بعض الأخبار (8) ، وفيه : « خذها كحلية منقّطة ».
1 ـ التهذيب 5 : 196 ، النهاية : 253 ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 234.
2 ـ النهاية 1 : 118.
3 ـ محيط اللغة 7 : 331.
4 ـ تهذيب اللغة 11 : 360.
5 ـ الكافي في الفقه : 198.
6 ـ الكافي 4 : 477/6 ، التهذيب 5 : 197/655 ، الوسائل 14 : 33 أبواب الوقوف بالمشعر ب 20 ح 1.
7 ـ الكافي 4 : 477/4 ، التهذيب 5 : 197/657 ، الوسائل 14 : 34 أبواب الوقوف بالمشعر ب 20 ح 3.
8 ـ الكافي 4 : 478/7 ، التهذيب 5 : 197/656 ، قرب الإسناد : 359/1284 ، الوسائل 14 : 33 أبواب الوقوف بالمشعر ب 20 ح 2.


(387)
    جمع منسك ، واصلة موضع النسك ، وهو العبادة ، ثم أُطلق اسم المحل على‏ الحالّ ، ولو عبّر بالنسك كان هو الحقيقة.
    ومنى بكسر الميم : اسم مذكر منصرف كما قيل (1) ، وجوّز تأنيثه ، سمّي به المكان المخصوص لقول جبرئيل عليه السلام لإبراهيم عليه السلام : « تمنّ ، على‏ ربك ما شئت » (2).
    وقيل : لقوله علي السلام لآدم عليه السلام : « تمنّ ، فقال : أتمنى الجنة فسميت به لأُمنية آدم » (3).
    ومناسكها ( يوم النحر ) ثلاثة :
    ( وهي رمي جمرة العقبة ) التي هي أقرب الجمرات الثلاث إلى‏ مكة ، وهي حدّها من تلك الجهة.
    ( ثم الذبح ، ثم الحلق ) مرتباً كما ذكر ، فلو عكس أثم وأجزأ على‏ خلاف في الأول سيذكر.
    أما وجوب الأخيرين فسيأتي الكلام فيه.
    وأما وجوب الأول ففي التذكرة والمنتهى (4) : إنه لا نعلم فيه خلافاً ، ثم في المنتهى‏ : وقد يوجد في بعض العبارات أنه سنة ، وذلك في بعض‏
1 ـ المسالك 1 : 114.
2 ـ علل الشرائع : 435/2.
3 ـ نقله في القاموس المحيط 4 : 394 عن ابن عباس.
4 ـ التذكرة 1 : 376 ، المنتهى 2 : 729.


(388)
أحاديث الأئمة عليه السلام (1) ، وفي لفظ الشيخ في الجمل والعقود ، وهو محمول على‏ الثابت بالسنّة لا أنه مستحب (2).
    وفي السرائر : لا خلاف عندنا في وجوبه ، ولا أظن أن أحداً من المسلمين يخالف فيه (3).
    ويدلُّ على‏ وجوبه التأسي ، والأمر به في الأخبار الكثيرة ، بل المتواترة كما في السرائر ففي الصحيح : « ثم ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة ، فارمها من وجهها » (4).
    وفي الذخيرة : الأمر وإن كان دلالته على‏ الوجوب من أخبارنا غير واضح إلّا أن عمل الأصحاب وفهمهم يعين على‏ فهم الوجوب منه ، مضافاً إلى‏ توقف يقين البراءة من التكليف الثابت عليه (5).
    ويجب عليه في كل من الثلاثة أُمور.
    ( أمّا الرمي فالواجب فيه النية ) وهي قصد الفعل طاعة للَّه عزّ وجل ، والأحوط ملاحظة الوجه نوع الحج والتعرض للأداء وإن كان لزوم التعرض لذلك غير معلوم.
    ويجب مقارنتها الأول الرمي واستدامة حكمها إلى‏ الفراغ ، كما في نظائره.
    ( والعدد ، وهو سبع حصيات ) للتأسي والنصوص ، وإجماع علماء الإسلام ، كما في ظاهر المنتهى‏ وصريح غيره (6).
1 ـ دعائم الاسلام 1 : 323 ، المستدرك 10 : 67 أبواب رمي جمرة العقبة ب 1 ح 2.
2 ـ المنتهى 2 : 771.
3 ـ السرائر 1 : 606.
4 ـ الكافي 4 : 478/1 ، التهذيب 5 : 198/661 ، الوسائل 14 : 58 أبواب رمي جمرة العقبة ب 3 ح 1.
5 ـ الذخيرة : 662.
6 ـ المنتهى 2 : 731 ؛ وانظر المدارك 8 : 7 ، ومفاتيح الشرائع 1 : 350 ، والحدائق 17 : 11.


(389)
    ( وإلقاؤها بما يسمى‏ رمياً ) لوقوع الأمر به ، وهو للوجوب ، والامتثال إنما يتحقق بإيجاد الماهيّة التي تعلّق بها الأمر ، فلو وضعها بكفّه لم يجز إجماعاً ، وكذا لو طرحها طرحاً لا يصدق عليها اسم الرمي.
    وحكى‏ في المنتهى‏ خلافاً في الطرح ، ثم قال : والحاصل أن الخلاف وقع باعتبار الخلاف في صدق الاسم ، فإن سمّي رمياً أجزأ بلا خلاف ، وإلّا لم يجز إجماعاً (1). ونحوه عن التذكرة (2).
    ويعتبر تلاحق الحصيات ، فلو رمى‏ بها دفعة فالمحسوب واحدة.
    والمعتبر تلاحق الرمي ، لا الإصابة ، فلو أصابت المتلاحقة دفعة أجزأت ، ولو رمى‏ بها دفعة فتلاحقت في الإصابة لم يجز.
    ( وإصابة الجمرة بفعله ) بلا خلاف بين العلماء ، كما في صريح المدارك وغيره (3) للتأسي ، والصحيح : « إن رميت بحصاة فوقعت في محمل فأعد مكانها » (4).
    ( فلو ) قصرت عن الإصابة و ( تمّمها حركة غيره ) أي الرامي من حيوان أو إنسان ( لم يجز ) بخلاف ما لو وقعت على‏ شي‏ء وانحدرت على‏ الجمرة فإنها تجزي ، والفرق تحقق الإصابة بفعله هنا ، دون الأوّل ، لتحقّقها فيه بالشركة ، وفي الصحيح : « وإن أصابت إنساناً أو جملاً ثم وقعت على‏ الجمار أجزأت » (5).
1 ـ المنتهى 2 : 731.
2 ـ التذكرة 1 : 376.
3 ـ المدارك 8 : 8 ؛ وانظر الذخيرة : 662 ، والحدائق 17 : 13.
4 و5 ـ الكافي 4 : 483/5 ، الفقيه 2 : 285/1399 ، التهذيب 5 : 266/907 ، الوسائل 14 : 60 أبواب رمي جمرة العقبة ب 6 ح 1.


(390)
    ( ويستحب الطهارة ) من الحدث حال الرمي للصحيح (1) وغيره (2) : « لا ترم الجمار إلّا وأنت على‏ طهر ».
    وظاهرهما الوجوب ، كما عن ظاهر المفيد والمرتضى‏ والإسكافي (3).
    ولكن الأظهر الأشهر الاستحباب حتى أن في ظاهر الغنية الإجماع (4) ، وفي المنتهى‏ : لا نعلم فيه خلافاً (5) ، جمعاً بين ما مرّ وبين الصحاح وغيره ، ففي الصحيح « ويستحب أن ترمي الجمار على‏ طهر » (6).
    وفيه « لا بأس أن تقضي المناسك كلّها على‏ غير وضوء ، إلّا الطواف فإنّ فيه صلاة ، والوضوء أفضل » (7).
    وفي الخبر : عن رمي الجمار على‏ غير طهور ، قال : « الجمار عندنا مثل الصفا والمروة حيطان ، إن طفت بينهما على‏ غير طهور أجزأك ، والطهر أحبّ إليّ ، فلا تدعه وأنت قادر عليه » (8).
    ويمكن المناقشة في هذا الجمع إذا الرواية الأخيرة الصريحة ضعيفة
1 ـ الكافي 4 : 482/10 ، التهذيب 5 : 197/659 ، الاستبصار 2 : 258/911 ، الوسائل 14 : 56 أبواب رمي جمرة العقبة ب 2 ح 1.
2 ـ قرب الإسناد : 393/1379 ، الوسائل 14 : 57 أبواب رمي جمرة العقبة ب 2 ح 6.
3 ـ المفيد في المقنعة : 417 ، المرتضي في جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضي ) 3 : 68 ، ونقله عن الإسكافي في المختلف : 302.
4 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 581.
5 ـ المنتهى 2 : 732.
6 ـ الكافي 4 : 478/1 ، التهذيب 5 : 198/661 ، الوسائل 14 : 56 أبواب رمي جمرة العقبة ب 2 ح 3.
7 ـ الفقيه 2 : 250/1201 ، الوسائل 13 : 374 أبواب الطواف ب 38 ح 1.
8 ـ التهذيب 5 : 198/660 ، الاستبصار 2 : 258/912 ، الوسائل 14 : 57 أبواب رمي جمرة العقبة ب 2 ح 5.
رياض المسائل الجزء السادس ::: فهرس