رياض المسائل الجزء السادس ::: 391 ـ 405
(391)
السند بالجهالة وما قبلها من الأخبار الصحيحة غير صريحة ، لعدم وضوح « يستحب » فيما يجوز تركه ، كما هو المصطلح عليه الآن ، فلعلّ المراد به المعنى‏ الأعم المجامع للوجوب ؛ والصحيحة الثانية دلالتها في المسألة إنما هي بالعموم فتقبل التخصيص برواية الوجوب ، فإنها نصّ فيها.
    ولعلّه إلى‏ هذا نظر شيخنا في الروضة ، حيث إنه بعد أن نقل الاستدلال من الشهيد على‏ الاستحباب بالجمع بين صحيحة الوجوب والرواية الأخيرة قال : وفيه نظر ، لأن المجوّزة مجهولة الراوي فكيف يؤوّل الصحيح لأجلها (1).
    وعليه فيضّعف ما يورد عليه من أن دليل الاستحباب غير منحصر في الرواية الأخيرة (2) وذلك لوضوح الانحصار بعد ما عرفت من ضعف الدلالة فيما عداها من الأخبار الصحيحة ، ولعلّه لهذا لم يستدل بها الشهيدان مع الصحة.
    والأقرب في الجواب عما في الروضة بانجبار الرواية بالشهرة وما عرفت من الإجماعات المنقولة.
    مضافاً إلى‏ أن الصحيحة الثانية النافية للوجوب في المسألة وإن كانت عامة لكن ما فيها من التعليل يجعلها في قوة الرواية الخاصة.
    هذا مع أن العام المعتضد بالشهرة أقوى من الرواية الخاصة التي ليست معتضدة بالشهرة.
    هذا مع أن في المختلف وغيره (3) بعد نقل القول بالوجوب عن هؤلاء
1 ـ الروضة البهية 2 : 285.
2 ـ المدارك 8 : 11.
3 ـ المختلف : 302 ؛ وانظر الحدائق 17 : 16.


(392)
الجماعة : وكان قصدهم تأكد الاستحباب فلا خلاف.
    ( والدعاء ) بما في الصحيح قال : « تقول والحصى‏ في يدك : اللّهم هؤلاء حصياتي فأحصهنّ لي وارفعهنّ في عملي ، ثم ترمي وتقول مع كل حصاة : ألله أكبر ، اللّهم ادحر (1) عنّي الشيطان ، اللّهم تصديقاً بكتابك وعلى‏ سنّة نبيّك صلى الله عليه وآله ، اللّهم اجعله حجاً مبروراً وعملاً مقبولاً وسعياً مشكوراً وذنباً مغفوراً » (2).
    ( و ) أن ( لا تباعد بما يزيد عن خمسة عشر ذراعاً ) كما في الصحيح : « وليكن فيما بينك وبين الجمرة قدر عشرة أذرع ، أو قدر خمسة عشر ذراعاً » (3).
    ( وأن يرمي خذفاً ) على الأشهر الأقوى‏ للصحيح في قرب الإسناد ، الضعيف في الكافي والتهذيب : « تخذفها خذفاً وتضعها على‏ الإبهام وتدفعها بظفر السبّابة » (4).
    خلافاً للمرتضى‏ فأوجبه ، مستدلاً بالإجماع وبالأمر به في أكثر الأخبار (5) ، وتبعه الحلّي (6).
    وأجيب في المختلف بأن الإجماع إنما هو على‏ الرجحان وأن الأمر هنا للندب (7).
1 ـ أي أبعده عني مجمع البحرين 3 : 300.
2 و 3 ـ الكافي 4 : 478/1 ، التهذيب 5 : 198/661 ، الوسائل 14 : 58 أبواب رمي رجمرة العقبة ب 3 ح 1.
4 ـ الكافي 4 : 478/7 ، التهذيب 5 : 197/656 ، قرب الإسناد : 359/1284 ، الوسائل 14 : 61 أبواب رمي جمرة العقبة ب 7 ح 1.
5 ـ الانتصار : 105.
6 ـ السرائر 1 : 590.
7 ـ المختلف : 302.


(393)
    ولعلّه أشار بقوله : هنا ، إلى‏ قيام القرينة في المقام على‏ الندب ، ولعلّها الشهرة العظيمة عليه حتى أنه جعل السيّد متفرّداً بالوجوب ، مشعراً ببلوغها الإجماع.
    وهو كذلك إذ لم نقف على‏ مخالف عداه والحلّي ، وهما نادران ، مع ان الأصل والإطلاقات المعتضدة بالشهرة أقوى من الرواية الآمرة ، سيّما وأن سياق الرواية المتقدمة مشعر بالاستحباب ، لتضمّنه كثيراً من الأوامر والنواهي التي ليست على‏ حقيقتها من الوجوب والتحريم.
    ثم الخذف بإعجام الحروف : الرمي بها بالأصابع ، كما عن الصحاح والديوان وغيرهما (1) ، وعن الحلّي : أنه المعروف عند أهل اللسان (2).
    وعن الخلاص : بأطراف الأصابع (3) ، والظاهر الاتحاد.
    وعن الجمل والمفصّل : أنه الرمي من بين إصبعين (4).
    وعن العين والمحيط والمقاييس والغريبين والنهاية الأثيرية وغيرها (5) : من بين السبّابتين.
    وعن المبسوط والسرائر والنهاية والمصباح ومختصره والمقنعة والمراسم والكافي والمهذّب والجامع والتحرير والتذكرة والمنتهى (6) ،
1 ـ الصحاح 4 : 1347 ، ديوان الأدب 2 : 171 ؛ وانظر أساس البلاغة : 105.
2 ـ السرائر 1 : 590.
3 ـ نقله عنه في كشف اللثام 1 : 360.
4 ـ مجمل اللغة 2 : 169 ، نقل عن المفصل في كشف اللثام 1 : 360.
5 ـ العين 4 : 245 ، القاموس المحيط 3 : 135 ، معجم مقاييس اللغة 2 : 165 ، نقل عن الغريبين في كشف اللثام 1 : 360 ، النهاية 2 : 16.
6 ـ المبسوط 1 : 369 ، السرائر 1 : 590 ، النهاية : 254 ، مصباح المتهجد : 642 ، المقنعة : 417 ، المراسم : 113 ، الكافي في الفقه : 215 ، المهذب 1 : 255 ، الجامع للشرائع : 210 ، التحرير 1 : 104 ، التذكرة 1 : 377 ، المنتهى 2 : 732.


(394)
وبالجملة المشهور كما في المختلف والروضة ومجمع البحرين (1) : أن يضعها على‏ باطن الإبهام ويرميها بظفر السبّابة ، كما في الخبر المتقدم ، لكن من غير تقييد للإبهام بالبطن.
    وعن القاضي : أنه حكى‏ قولاً بأنه يضعها على‏ ظهر إبهامه ويدفعها بالمسبحة (2).
    وعن الانتصار : أنه يضعها على‏ بطن الإبهام ويدفعها بظفر الوسطى‏ (3).
    أقول : ومتابعة المشهور أولى‏.
    ( والدعاء مع كل حصاة ) بما مرّ في الصحيح.
    ( ويستقبل جمرة العقبة ) بأن يكون مقابلاً ، لا عالياً عليها كما ذكره جماعة ، قالوا : إذ ليس لها وجه خاص يتحقّق به الاستقبال (4). وفيه نظر.
    بل المستفاد من الشيخ في المبسوط ، والحلّي في السرائر ، والعلّامة في جملة من كتبه كالتحرير والمنتهى‏ والمختلف (5) أن المراد بالاستقبال غير ذلك ، وذلك فإنهم ذكروا استحباب الرمي من قبل وجهها لا عالياً عليها مسألة ، واستحباب استقبالها واستدبار القبلة مسألة أُخرى.
    ولما ذكرنا تنبّه في الذخيرة وقال : وكأنّ المراد باستقبالها التوجه إلى وجهها ، وهو ما كان إلى‏ جانب القبلة ( و ) يستلزم الرمي من قبل وجهها
1 ـ المختلف 302 ، الروضة 2 : 286 ، مجمع البحرين 5 : 42.
2 ـ المهذب 1 : 255.
3 ـ الانتصار : 105.
4 ـ كما في المسالك 1 : 115 ، والمدارك 8 : 14 ، والذخيرة : 663.
5 ـ المبسوط 1 : 369 ، السرائر 1 : 590 ، التحرير 1 : 104 ، المنتهى 2 : 731 ، المختلف : 303.


(395)
حينئذ أن ( يستدبر القبلة ) (1)
    فتلخص في المقام مسألتان : استحباب رميها من قبل وجهها لا من أعلاها ، واستحباب استدبار القبلة.
    ويدلُّ على‏ الأمرين الصحيح : « ثم ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة ، فارمها من قبل وجهها ولا ترمها من أعلاها » (2).
    وهو نصّ في الأول وظاهر في الثانية ، بناءً على‏ أن المراد بوجهها ما قدّمنا.
    ويدلُّ على‏ الحكم فيها صريحاً النبوي الفعلي : أنه صلى الله عليه وآله رماها مستدبر القبلة لا مستقبلها (3).
    لكن يعارضه عموم ما دلّ على‏ استحباب استقبالها ، وخصوص المحكي من الرضوي هنا (4) ، ويحكي قول بهذا أيضاً ، إلّا أن الأول أشهر ، فيكون أولى‏.
    ( وفي غيرها ) أي غير جمرة العقبة ( يستقبل الجمرة والقبلة ) معاً كما سيأتي بيانه إن شاء اللَّه تعالى‏ ، وإنما ذكره هنا استطراداً.

    (وأما الذبح ف‍ ) الكلام ( فيه ) يقع في ( أطراف : )
    ( الأول : في الهدي ، وهو واجب على‏ المتمتع ) بالكتاب (5)
1 ـ الذخيرة : 663.
2 ـ تقدم مصدره في ص : 388.
3 ـ اُنظر المبسوط 1 : 369 والمنتهى 2 : 731 ، ولم نعثر عليه في المصادر الحديثية.
4 ـ فقه الرضا عليه السلام : 225. المستدرك 10 : 69 أبواب رمي جمرة العقبة ب 3 ح 1.
5 ـ البقرة : 196.


(396)
والسنة (1) وإجماع المسلمين كما في المنتهى‏ (2) ، وفي التحرير وغيره (3) : الإجماع على‏ الإطلاق.
    واحترز بقوله : ( خاصة ) من غير المتمتع ، فإنه لا يجب عليه ، كما يأتي قريباً.
    ولا فرق في وجوبه على‏ المتمتع بين كونه ( مفترضاً أو متنفلاً ) ولا بين كونه مكياً أو غيره ، وإليه أشار بقوله : ( ولو كان مكيّاً ) على‏ أشهر الأقوال وأقواها لإطلاق الأدلة.
    خلافاً للمبسوط والخلاف (4) ، فلم يوجبه على‏ المكي ، قطعاً في الأوّل ، واحتمالاً في الثاني لقوله تعالى‏ : ( ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (5).
    قال في الخلاف : ويجب أن يكون قوله ( ذلِكَ ) راجعاً إلى‏ الهدي ، لا إلى‏ التمتع لأنه يجري مجرى قول القائل : مَن دخل داري فله درهم ذلك لمن لم يكن عاصياً ، في أن ذلك يرجع إلى‏ الجزاء دون الشرط ، قال : ولو قلنا إنه راجع إليهما وأنه لا يصح منهم التمتع اصلاً كان قوياً. انتهى‏.
    وقوّاه الفاضل في التحرير والمنتهى‏ (6) ، مع أنه أجاب في المختلف عن دليله هذا بأن عود الإشارة هنا إلى‏ الأبعد أولى لما عرفت من أن النحاة فصّلوا بين الرجوع إلى‏ القريب والعيد والأبعد في الإشارة ، فقالوا في الأول‏
1 ـ اُنظر الوسائل 14 : 79 أبواب الذبح ب 1.
2 ـ المنتهى 2 : 734.
3 ـ التحرير 1 : 104 ؛ وانظر مفاتيح الشرائع 1 : 351.
4 ـ المبسوط 1 : 308 ، الخلاف 2 : 272.
5 ـ البقرة 196.
6 ـ التحرير 1 : 104 ، المنتهى 2 : 734.


(397)
ذا ، وفي الثاني : ذاك ، وفي الثالث : ذلك ، قال مع أن الأئمة عليه السلام استدلوا على‏ أن أهل مكّة ليس لهم متعة بقوله تعالى‏ ( ذلِكَ ) الآية ، والحجة في قولهم (1). وهو جيّد.
    وفي موضع من الشرائع عدم الوجوب إذا عدل المكي عن فرضه إلى‏ التمتع اختياراً (2) ، وفي موضع آخر : لو تمتع المكي وجب عليه الهدي (3).
    قيل : وجمع بعضهم بينهما بأن الأول في حجّ الإسلام ، والثاني في غيره (4). وقريب منه ما في الدروس من احتمال وجوبه على‏ المكّي إن كان لغيره حجّة الإسلام (5). ولعلّه لاختصاص الآية بحجّ الإسلام ، وهو متّجه لو سلّم دلالة الآية على‏ سقوط المكي ، ولكن قد عرفت ما فيها.
    وعن الماتن هنا قول آخر بوجوبه عليه إن تمتع ابتداءً ، لا إذا عدل إلى‏ التمتع (6). ولم أعرف له مستنداً.
    ( ولا يجب ) الهدي ( على‏ غير المتمتع ) معتمراً أو حاجّاً ، مفترضاً أو متنفّلاً ، بإجماعنا ، كما عن صريح التذكرة وفي ظاهر المنتهى‏ وصريح غيرهما (7) للأصل ، والنصوص ، منها الصحيح في المفرد : « ليس عليه هدي ولا أُضحيّة » (8).
1 ـ المختلف : 261.
2 ـ الشرائع 1 : 239.
3 ـ الشرائع 1 : 259.
4 ـ كشف اللثام 1 : 361.
5 ـ الدروس 1 : 436.
6 ـ نقله عن المحقق في الدروس 1 : 436.
7 ـ التذكرة 1 : 379 ، المنتهى 2 : 734 وانظر مدارك الأحكام 8 : 15. مفاتيح الشرائع 1 : 351
8 ـ التهذيب 5 : 41/122 ، الوسائل 14 : 80 أبواب الذبح ب 1 ح 4.


(398)
    وأما الصحيح : فيمن اعتمر في رجب فقال : « ان أقام بمكة حتى يخرج منها حاجّاً فقد وجب عليه هدي ، فإن خرج من مكة حتى يحرم من غيرها فليس عليه هدي » (1).
    فحمله الشيخ تارة على‏ الاستحباب ، وأُخرى على‏ من أقام بها حتى يتمتع بعمرة أُخرى إلى‏ الحج في أشهره (2). ولا بأس به جمعاً.
    ( ولو تمتع المملوك ) بإذن مولاه ( كان لمولاه إلزامه بالصوم أو أن يهدي عنه ) بإجماعنا ، كما عن التذكرة وفي ظاهر المنتهى‏ (3) ، وفي غيرهما : بلا خلاف (4) أو إجماعاً (5) للمعتبرة المستفيضة :
    منها الصحيحان : « إن شئت فاذبح عنه ، وإن شئت فمره فليصم » (6).
    وأما الصحيح : عن المتمتع المملوك ، فقال : « عليه مثل ما على‏ الحرّ ، إما أُضحيّة وإما صوم » (7) ..
    فقد حمله الشيخ تارة على‏ من أدرك أحد الموقفين معتَقاً.
    وأُخرى على‏ أن المراد المساواة في الكميّة لئلّا يظن أن عليه نصف ما على‏ الحرّ كالظهار ونحوه.
1 ـ التهذيب 5 : 199/663 ، الاستبصار 2 : 259/914 ، الوسائل 14 : 79 أبواب الذبح ب 1 ح 2.
2 ـ كما في التهذيب 5 : 200.
3 ـ التذكرة 1 : 379 ، المنتهى 2 : 737.
4 ـ كما في الذخيرة : 663.
5 ـ كما في المدارك 8 : 17 ، والحدائق 17 : 30.
6 ـ التهذيب 5 : 200/666 ، الاستبصار 2 : 262/924 ، الوسائل 14 : 83 أبواب الذبح ب 2 ح 2.
7 ـ التهذيب 5 : 201/668 ، الاستبصار 2 : 262/926 ، الوسائل 14 : 85 أبواب الذبح ب 2 ح 5.


(399)
    وثالثةً على‏ أن المولى إذا لم يأمر عبده بالصوم إلى‏ النفر الأخير فإنه يلزمه أن يذبح عنه ، ولا يجزيه الصوم (1) مستدلاً عليه برواية ضعيفة السند (2) ، حملها على‏ تأكد الاستحباب ـ كما في التحريرـ (3) طريق الجمع بينها وبين ما مرّ من الاخبار النافية للوجوب عن المولى على‏ الإطلاق ، ونحوها الموثق (4) ، وعن صريح التذكرة الإجماع عليه ، وعلى‏ نفيه عن العبد (5).
    وأما الموثق : إنّ لنا مماليك قد تمتّعوا ، علينا أن نذبح عنهم ؟ قال ، فقال : « المملوك لا حجّ له ولا عمرة ولا شي‏ء » (6) فمحمول على‏ مملوك حجّ بغير إذن مولاه.
    ( ولو أدرك أحد الموقفين ) حال كونه ( معتقاً لزمه الهدي مع القدرة ، والصوم مع التعذر ) بلا خلاف أجده ، وفي المنتهى‏ : لا نعلم فيه خلافاً (7) لأنه إذا أدركه معتقاً يكون حجة مجزياً عن حج الإسلام فيساوي غيره من الأحرار في وجوب الهدي عليه مع القدرة ، والصوم مع التعذر.
    ولم يعتبر الفاضل في القواعد كون العتق قبل الموقف أو بعده ، بل‏
1 ـ في الاستبصار 2 : 262.
2 ـ الكافي 4 : 304/8 ، التهذيب 5 : 201/669 ، الاستبصار 2 : 363/927 ، الوسائل 14 : 84 أبواب الذبح ب 2 ح 4.
3 ـ التحرير 1 : 104.
4 ـ التهذيب 5 : 200/665 ، الاستبصار 2 : 262/923 ، الوسائل 14 : 84 أبواب الذبح ب 2 ح 3.
5 ـ التذكرة 1 : 379.
6 ـ التهذيب 5 : 482/1715 ، الوسائل 11 : 48 أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب 15 ح 3.
7 ـ المنتهى 2 : 737.


(400)
اعتبر قبل الصوم ، فقال : إن أُعتق قبل الصوم تعيّن عليه الهدي (1).
    ووافقه بعض الأصحاب قال : لارتفاع المانع ، وتحقق الشرط. واختصاص الآية بحج الإسلام دعوى بلا بيّنة (2).
    أقول : وفي ردّ دعوى الاختصاص مناقشة حتى أنه هو الذي ادّعاه سابقاً على‏ هذه العبارة بأقل من ورقة.
    ( ويشترط في الذبح ) وبمعناه النحر ( النية ) المشتملة على‏ القربية وتعيين الجنس من ذبح ونحر ، وكونه هدياً أو نذراً أو كفارة ، وإن عيّن الوجه من وجوب أو ندب كان أولى‏ كما في كل عبادة.
    ( ويجوز أن يتولاه ) أي الذبح ( بنفسه وبغيره ) بلا خلاف أجده ، وفي المدارك والذخيرة (3) : إنه مقطوع به في كلامهم. قالوا : لأنه فعل تدخله النيابة ، فتدخل في شرطه كغيره من الأفعال.
    وفي الصحيح : عن الضحيّة يخطئ الذي يذبحها ، فيسمي غير صاحبها ، أ تجزي عن صاحب الضحيّة ؟ فقال : « نعم ، إنما له ما نوى‏ » (4).
    ( ويجب ذبحه بمنى‏ ) بإجماعنا الظاهر ، المستظهر من جملة من العبائر كالمنتهى‏ والتذكرة والمدارك والذخيرة (5) للتأسي ، والمعتبرة المستفيضة (6).
1 ـ القواعد 1 : 87.
2 ـ كشف اللثام 1 : 362.
3 ـ المدارك 8 : 18 ، الذخيرة : 664.
4 ـ الفقيه 2 : 296/1469 ، التهذيب 5 : 222/748 ، قرب الإسناد : 239/942 ، الوسائل 14 : 138 أبواب الذبح ب 29 ح 1.
5 ـ المنتهى 2 : 738 ، التذكرة 1 : 380 ، المدارك 8 : 19 ، الذخيرة : 664.
6 ـ الوسائل 14 : 88 أبواب الذبح ب 4.


(401)
    وأما الصحيح : « مكّة كلّها منحر » (1) فمحمول على‏ هدي التطوع كما ذكره الشيخ وجماعة (2) أو على‏ سياق العمرة كما في الذخيرة (3) ، قال : ويؤيّده الموثق : « موسّع على من نحر الهدي بمكّة في منزله إذا كان معتمراً » (4).
    وأما الحسن : « إذا دخل بهديه في العشر فإن كان قد أشعره وقلّده فلا ينحره إلّا يوم النحر ، وإن كان لم يشعره ولم يقلّده فلينحر بمكّة إذا أقدم في العشر » (5) فيمكن حمله على‏ الهدي المندوب.
    ( ولا يجزئ ) الهدي ( الواحد إلّا عن واحد في ) الحج ( الواجب ) لو بالشروع فيه مطلقاً ولو عند الضرورة على‏ أصح الأقوال في المسألة أشهرهما ، كما في ظاهر كلام جماعة (6) ، وفي الخلاف الإجماع (7) للصحاح :
    منها عن النفر تجزيهم البقرة ، فقال : ( أما في الهدي فلا ، وأما في الأُضحيّة فنعم ) (8).
1 ـ الكافي 4 : 488/6 ، التهذيب 5 : 202/671 ، الاستبصار 2 : 263/929 ، الوسائل 14 : 88 أبواب الذبح ب 4 ح 2.
2 ـ الشيخ في التهذيب 5 : 202 ؛ وانظر المدارك 8 : 20 ، والمفاتيح 1 : 352 ومرآة العقول 18 : 160.
3 ـ الذخيرة : 665.
4 ـ التهذيب 5 : 374/1302 ، الوسائل 13 : 99 أبواب كفارات الصيد ب 52 ح 1.
5 ـ التهذيب 5 : 237/799 ، الوسائل 14 : 89 أبواب الذبح ب 4 ح 5.
6 ـ اُنظر المدارك 8 : 20 ، والذخيرة : 665 ، والحدائق 17 : 34.
7 ـ الخلاف ( الطبع القديم ) 2 : 535.
8 ـ الفقيه 2 : 297/1472 ، التهذيب 5 : 210/705 ، الاستبصار 2 : 268/950 ، الوسائل 14 : 117 أبواب الذبح ب 18 ح 3.


(402)
    ( وقيل : يجزئ عن سبعة وعن سبعين عند الضرورة لأهل الخوان الواحد ).
    ولم أجد القائل بهذا القول ، نعم قال به الشيخ في النهاية والمبسوط والاقتصاد والجمل والعقود (1) ، لكن زاد الخمسة ، ولم يذكر قوله : لأهل خوان واحد ، وتبعه كثير (2).
    وعن المفيد : أنه تجزئ البقرة عن خمسة إذا كانوا أهل بيت (3). ونحوه عن الصدوق (4).
    وعن الديلمي : تجزئ البقرة عن خمسة (5) وأطلق ، فلم يقيّده بضرورة ولا إجماع على‏ خوان واحد.
    لأخبار كثيرة (6) أكثرها قاصر السند والدلالة أو ضعيفة ، وباقيها ما بين قاصرة سنداً أو دلالةً.
    مضافاً إلى‏ اختلافها من وجوه عديدة ، ولذا أن الشيخ ـ رحمه الله ـ بعد نقل جملة منها ومن الصحاح المتقدّمة قال : فالكلام على‏ هذه الأخبار مع اختلاف ألفاظها وتنافي معانيها من وجهين.
    أحدهما : أنه ليس في شي‏ء منها أنه يجزئ عن سبعة وعن خمسة وعن سبعين على‏ حسب اختلاف ألفاظها في الهدي الواجب أو التطوع ،
1 ـ النهاية : 258 ، المبسوط 1 : 372 ، الاقتصاد : 307 ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 235.
2 ـ كالمهذب 1 : 275 ، والمختلف : 305 ، والحدائق 17 : 38.
3 ـ المقنعة : 418.
4 ـ الهداية : 62.
5 ـ المراسم : 114.
6 ـ الوسائل 14 : 117 أبواب الذبح ب 18.


(403)
فاذا لم يكن فيها صريح بذلك حملناها على‏ أن المراد بها ما ليس بواجب ، دون ما هو فرض لأن الواجب لا يجزئ فيه إلّا واحد عن واحد حسبما ذكرنا ، والذي يدل على‏ هذا التأويل ما رواه الحسين بن سعيد ، ثم ساق الصحيحة التي قدمناها.
    وقال بعدها : والوجه الآخر : أن يكون ذلك إنما ساغ في حال الضرورة دون حال الاختيار ، واستشهد عليه بالصحيح : عن قوم غلت عليهم الأضاحي وهم متمتّعون ، وهم مترافقون ليسوا بأهل بيت واحد ، وقد اجتمعوا في مسيرهم ومضربهم واحد ، ألهم أن يذبحوا بقرة ؟ قال : « لا أُحب ذلك إلّا من ضرورة » (1) انتهى‏ (2).
    ونحوه في الذخيرة حيث قال : ويمكن الجمع بين الأخبار بوجهين (3) ، ثم ساقهما كما ذكره الشيخ ، لكن رجّح ثانيهما قائلاً على‏ أوّلهما أنه لا يجزي في صحيحة عبد الرحمن ، وأشار بها إلى‏ الصحيحة الأخيرة المذكورة في كلام الشيخ ولعلّ منشأه التصريح فيها بأنهم متمتّعون.
    وفيه : أنه معارض بالتصريح فيها بلفظ الأضاحي الظاهر في غير الهدي ، كما يشهد له الصحيحة المتقدّمة ، ولذا أن خالي العلّامة المجلسي ـ رحمه الله ـ فيما نقل عنه حمل هذه الصحيحة على‏ المستحبّة ، قال : وليس في قوله « وهم يتمتّعون » صراحة أن السؤال عن الهدي لكن الظاهر ذلك (4).
    أقول : نعم ، ولكنه معارض بظهور لفظ الأضاحي في المندوب ، فيتحقق الإجمال في الرواية ، بل ويمكن ترجيح ظهور الثاني بجوابه عليه السلام‏
1 ـ الكافي 4 : 496/2 ، التهذيب 5 : 210/706 ، الاستبصار 2 : 268/951 الوسائل 14 : 119 أبواب الذبح ب 18 ح 10.
2 ـ التهذيب 5 : 210.
3 ـ الذخيرة : 665.
4 ـ ملاذ الأخيار 8 : 28.


(404)
« لا أُحبّ ذلك إلّا من ضرورة » الظاهر في جواز الشركة في حال الاختيار ، وهو مختص عندهم بالأُضحيّة.
    وبالجملة : المسألة محل إشكال ، إلّا أن الأظهر المصير إلى‏ المنع ، كما عليه الأكثر ، لأظهريّة الجمع الأول في النظر ، مضافاً إلى‏ ظاهر الآية : ( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ ) الآية ، المؤيد بالإجماع المنقول كما مرّ ، وعليه فالانتقال إلى‏ الصوم هو الفرض.
    ( ولا بأس به ) أي بإجزاء الهدي الواحد عن أكثر ( في الندب ) قالوا : وهو الأُضحيّة ، والمبعوث من الآفاق ، والمتبرع بسياقه إذا لم يتعيّن بالإشعار أو التقليد.
    ولا يجوز أن يكون المراد به الهدي في الحج المندوب لأنه يجب بالشروع فيه ، فيكون فيه الهدي واجباً كما يجب في الواجب بأصل الشرع.
    وقد نقل الفاضل في المنتهى‏ الإجماع على‏ إجزاء الهدي الواحد في التطوع عن سبعة نفر سواء كان من الإبل أو البقر أو الغنم (2) ، وقال في التذكرة : أمَّا التطوع فيجزي الواحد عن سبعة وعن سبعين في حال الاختيار ، سواء كان من الإبل أو البقر أو الغنم إجماعاً (3).
    أقول : وقد عرفت المستند فيما مضى.
    ( ولا ) يجب أن ( يباع ثياب التجمل في الهدي ) فيما قطع به الأصحاب ، كما صرّح به جماعة (4) ، مشعرين بدعوى‏ الإجماع.
1 ـ البقرة : 196.
2 ـ المنتهى 2 : 748.
3 ـ التذكرة 1 : 384.
4 ـ منهم : العلامة في التذكرة 1 : 380 ، وصاحب المدارك 8 : 23 ، والسبزواري في الذخيرة : 666.


(405)
    ولا ريب فيه مع الحاجة إليها والضرورة لاستثنائها في الديون ونحوها من حقوق الناس فهنا أولى‏.
    وأما مع عدم الحاجة فكذلك لإطلاق النصّ والفتوى‏ ، ففي المرسل : عن رجل يتمتع بالعمرة إلى‏ الحج وفي عيبته ثياب ، إله أن يبيع من ثيابه شيئاً ويشتري به ؟ قال : « لا ، هذا ممّا يتزيّن به المؤمن ، يصوم ولا يأخذ من ثيابه شيئاً » (1).
    وضعف السند مجبور بالعمل وبفتوى‏ من لا يرى‏ العمل بأخبار الآحاد كالحلي في السرائر (2).
    مع أن في الصحيح : عن المتمتع يكون له فضل من الكسوة بعد الذي يحتاج إليه ، فتسوى تلك الفضول مائة درهم ، هل يكون ممن يجب عليه ؟ فقال : « له بدّ من كراء ونفقة » [ فقلت : ] له كراء وما يحتاج إليه بعد هذا الفضل من الكسوة ، فقال : « وأيّ شي‏ء كسوة بمائة درهم ، هذا ممّن قال اللَّه تعالى‏ ( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ ) (3) ) (4).
    ولو باعها واشتراه أجزأه ، وفاقاً لجماعة (5) بناءً على‏ أن الظاهر من الأمر هنا وروده للرخصة. خلافاً لبعضهم فناقش بأنه إتيان بغير الفرض (6). ولا ريب أن الصوم أحوط.
1 ـ الكافي 4 : 508/5 ، التهذيب 5 : 238/802 ، الوسائل 14 : 202 أبواب الذبح ب 57 ح 2.
2 ـ السرائر 50 : 1.
3 ـ البقرة : 196.
4 ـ التهذيب 5 : 486/1735 ، قرب الإسناد : 388/1364 ، الوسائل 14 : 201 أبواب الذبح ب 57 ح 1 بدل ما بين المعقوفين في النسخ : فقال.
5 ـ منهم المحقق والشهيد الثانيان في جامع المقاصد 3 : 240 والمسالك 1 : 115.
6 ـ المدارك 8 : 23.
رياض المسائل الجزء السادس ::: فهرس