رياض المسائل الجزء السادس ::: 421 ـ 435
(421)
الأصحاب وروي في بعض الكتب عن مولانا الرضا عليه السلام (1).
    أقول : وقد مرّ الكلام فيه في بحث الزكاة.
    ( ويستحب أن تكون سمينة )
    قيل : بالإجماع والأخبار والاعتبار (2).
    وتكون ( بحيث تنظر في سواد وتمشي في سواد وتبرك في مثله أي ) في سواد ، كما في الاقتصاد والسرائر والمصباح ومختصره والشرائع والكتاب والجامع (3) لكن فيه وصف فحل من الغنم بذلك ، كما في الأربعة الأُول وصف الكبش به ، وفي الاقتصاد اشتراطه به.
    وفي المبسوط : ينبغي إن كان من الغنم أن يكون فحلاً أقرن ينظر في سواد ويمشي في سواد (4). ونحوه النهاية لكن في الأُضحية (5) ويوافقه الصحيح : « كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يضحّي بكبش أقرن فحل ينظر في سواد ويمشي في سواد » (6).
    وزاد ابن حمرة ويرتع في سواد (7) ، ويجوز فهمه من الصحيح : « إن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله كان يضحّي بكبش أقرن عظيم فحل يأكل في سواد وينظر في سواد » (8).
    والصحيح : عن كبش إبراهيم عليه السلام ما كان لونه وأين نزل ؟ قال « أملح »
1 ـ كشف اللثام 1 : 365.
2 ـ كشف اللثام 1 : 367.
3 ـ الاقتصاد : 307 ، السرائر 1 : 596 ، مصباح المتهجد : 643 ، الشرائع 1 : 261 ، الجامع للشرائع 213.
4 ـ المبسوط 1 : 373.
5 ـ النهاية : 257.
6 ـ التهذيب 5 : 205/685 ، الوسائل 14 : 109 أبواب الذبح ب 13 ح 1.
7 ـ الوسيلة : 185.
8 ـ التهذيب 5 : 205/686 ، الوسائل 14 : 109 أبواب الذبح ب 13 ح 2.


(422)
قال : « وكان أقرن ، ونزل من السماء على‏ الجبل الأيمن من مسجد منى ، وكان يمشي في سواد ويأكل في سواد وينظر ويبعر ويبول في سواد » (1).
    وأما البروك ففي كلام جماعة أنهم لم يظفروا عليه بنصّ (2) وروى في المبسوط والتذكرة والمنتهى‏ : أنه صلى الله عليه وآله أمر بكبش أقرن يطأ في سواد وينظر في سواد ويبرك في سواد ، فاتي به فضحّى به (3).
    واختلف في معنى‏ ما في هذه الأخبار ، فقيل : معناه السمن حتى يكون ( لها ظلّ ) عظيم تأكل فيه و ( تمشي فيه ) وتنظر فيه (4) ، وهو يستلزم البروك فيه ( وقيل ) : معناه ( أن يكون هذه المواضع منها ) وهي العين والقوائم والبطن والمبعر ( سوداً ) والقائل به الحلّي في السرائر (5).
    قيل : وقد يتأيد بالمرسل : « ضحّ بكبش أسود أقرن فحل ، فإن لم تجد أسود فأقرن فحل يأكل في سواد ويشرب في سواد وينظر في سواد » (6) والمشي في السواد بهذا المعنى‏ يستلزم البروك في السواد فإنه على‏ الأرجل والصدر والبطن ، وقد يراد به سواد الأرجل فقط (7).
    وقيل : معناه رتع في مرتع كثير النبات شديد الاخضرار به ، وهذا قد يتضمن البروك فيه (8).
1 ـ الكافي 4 : 209/10 ، الوسائل 14 : 110 أبواب الذبح ب 13 ح 6.
2 ـ منهم : الفاضل الآبي في كشف الرموز 1 : 368 ، وصاحب الحدائق 17 : 110 ؛ وانظر الذخيرة : 669.
3 ـ المبسوط 1 : 387 التذكرة : 1 المنتهى 2 : 755.
4 ـ استقربه العلامة في المختلف : 306 ، وجعله الأولي الفاضل المقداد في التنقيح 1 : 490.
5 ـ السرائر 1 : 596.
6 ـ الكافي 4 : 489/4 ، الوسائل 14 : 110 أبواب الذبح ب 13 ح 5.
7 و8 ـ اُنظر كشف اللثام 367 : 1.


(423)
    وعن الراوندي : أن التفاسير الثلاثة مروية عن أهل البيت عليه السلام (1).
    ( وأن يكون مما عرّف به ) أي أُحضر عشية عرفة بعرفات ، كما عن المهذّب والتذكرة والمنتهى‏ (2) ، وأُطلق الإحضار في غيرها (3) للصحيح : ( لا يضحّى إلّا بما قد عرّف به ) (4) ونحوه آخر أو الموثق (5).
    وظاهرهما الوجوب ، كما في ظاهر التهذيبين والغنية وعن النهاية والمبسوط والإصباح والمهذب (6).
    ولكن الأشهر الاستحباب ، بل في المنتهى‏ وغيره عليه الإجماع (7) ، وفي المنتهى‏ بعد نقل الوجوب عن الشيخ : الظاهر أنه أراد به تأكيد الاستحباب.
    وهو الأظهر للخبر المروي في التهذيبين ضعيفاً في الفقيه موثقاً ، وفيه : عمّن اشترى‏ شاة لم يعرّف بها ، قال : « لا بأس بها ، عرّف بها أو لم يعرّف » (8).
    وبه يحمل النهي في الخبرين على‏ الكراهة جمعاً.
1 ـ حكاه عنه في الدروس 1 : 439.
2 ـ المهذب 1 : 257 ، التذكرة 1 : 382 المنتهى 2 : 742.
3 ـ انظر النهاية : 258 ، والغنية ( الجوامع الفقهية ) : 582.
4 ـ التهذيب 5 : 207/692 ، الاستبصار 2 : 265/937 ، الوسائل 14 : 115 أبواب الذبح ب 17 ح 1.
5 ـ التهذيب 5 : 206/691 ، الاستبصار 2 : 265/936 ، الوسائل 14 : 116 أبواب الذبح ب 17 ح 2.
6 ـ الاستبصار 2 : 265 ، التهذيب 5 : 206 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 582 ، النهاية : 258 ، المبسوط 1 : 373 ، المهذب 1 : 257.
7 ـ المنتهى 2 : 742 ؛ وانظر التذكرة 1 : 382 ، والمدارك 8 : 39.
8 ـ الفقيه 2 : 297/1473 ، التهذيب 5 : 207/693 ، الاستبصار 2 : 265/938 ، الوسائل 14 : 116 أبواب الذبح ب 17 ح 4.


(424)
    وهو أولى‏ من جمع الشيخ بحمل النهي على‏ ما إذا لم يخبر البائع بأنه عرّف ، والمرخِّص بما إذا أخبر بأنه عرّف إذ ليس فيما استدل به لهذا الجمع وهو الصحيح : إنا نشتري الغنم بمنى‏ ولسنا ندري عرّف بها أم لا ، فقال : « إنهم لا يكذّبون لا عليك ضحّ بها » (1) دلالة عليه كما لا يخفى‏ ، فالأوّل أولى‏ سيّما مع اعتضاده بالأصل والشهرة العظيمة والإجماعات المنقولة.
    وأن يكون ( إناثاً من الإبل أو البقر ) كما في الصحاح المستفيضة (2) ( وذكراناً من الضأن والمعز ) كما في الصحيح ، وفيه : « تجزي الذكورة من البدن » (3).
    وفي آخر : « الإناث والذكور من الإبل والبقر تجزئ » (4).
    وفي المنتهى‏ : لا نعلم خلافاً في جواز العكس في البابين إلّا ما روي عن ابن عمر انه قال : ما رأيت أحداً فاعلاً ذلك وإن نحر أُنثى أحبّ إليّ ، وهذا يدل على‏ موافقتنا ، لانه لم يصرّح بالمنع عن الذكران (5). قيل : ونحو التذكرة (6).
    وفي النهاية : لا يجوز التضحية بثور ولا جمل بمنى‏ ولا بأس بهما في البلاد ، مع قوله قُبَيله : وأفضل الهدي والأضاحي من البدن والبقر ذوات‏
1 ـ التهذيب 5 : 207/694 ، الاستبصار 2 : 265/939 ، الوسائل 14 : 116 أبواب الذبح ب 17 ح 3.
2 ـ الوسائل 14 : 98 أبواب الذبح ب 9.
3 ـ التهذيب 5 : 204/680 ، المقنعة : 451 ، الوسائل 14 : 98 أبواب الذبح ب 9 ح 1.
4 ـ التهذيب 5 : 205/686 ، الوسائل 14 : 98 أبواب الذبح ب 9 ح 3.
5 ـ المنتهى 2 : 742.
6 ـ التذكرة 1 : 382.


(425)
الأرحام ومن الغنم الفحولة (1). فهو قرينة على‏ إرادة التأكيد.
    وفي الاقتصاد : إن من شرطه إن كان من البدن أو البقر أن يكون أنثى‏ ، وإن كان من الغنم أن يكون فحلاً من الضأن ، فإن لم يجد من الضأن جاز التيْس من المعز (2).
    وفي المهذّب : إن كان من الإبل فيجب أن يكون ثنياً من الإناث ، وإن كان من البقر فيكون ثنياً من الإناث (3).
    ولعلّهما أكّدا الاستحباب.
    ( وأن ينحر الإبل قائمة ) للآية الشريفة (4) والمعتبرة (5) ، قيل : وفي التذكرة والمنتهى‏ (6) : لا نعلم في عدم وجوبه خلافاً ، فإن خاف أن تنفر أناخها.
    وفي الخبر : عن البدنة كيف ينحرها ، قائمة أو باركة ؟ قال : « يعقلها ، وإن شاء قائمة وإن شاء باركة » (7).
    ( مربوطة بين الخفّ والركبة ) للصحيح (8) ، وفي غيره : « وأما البعير فشدّ أخفافه إلى‏ آباطه وأطلق رجليه » (9) وهو الذي يأتي في الصيد
1 ـ النهاية : 257.
2 ـ الاقتصاد : 307.
3 ـ المهذب 1 : 257.
4 ـ الحج : 36.
5 ـ اُنظر الوسائل 14 : 148 أبواب الذبح ب 35.
6 ـ التذكرة 1 : 380 ، المنتهى 2 : 738.
7 ـ قرب الإسناد : 135/921 ، الوسائل 14 : 150 أبواب الذبح ب 35 ح 5.
8 ـ الكافي 4 : 497/1 ، الفقيه 2 : 299/1487 ، التهذيب 5 : 220/743 ، الوسائل 14 : 148 أبواب الذبح ب 35 ح 1.
9 ـ الكافي 6 : 229/4 ، التهذيب 9 : 55/227 ، الوسائل 24 : 10 أبواب الذبائح ب 3 ح 2.


(426)
والذبائح ، فيجوز التخيّر وافتراق الهدي وغيره.
    ثم الخبران نصّان في جمع اليدين بالربط من الخف إلى‏ الركبة أو الإبط.
    وعن أبي خديجة : إنّه رأى الصادق عليه السلام وهو ينحر بدنة معقولة يدها اليسرى‏ (1). وروت العامة نحوه (2). واختاره الحلبيان (3) ، فالظاهر جواز الأمرين.
    أقول : لكن الأول أرجح لصحة السند وغيره.
    ( و ) أن ( يطعنها ) في لبّتها ( من الجانب الأيمن ) لها للصحيح أو القريب منه « ينحرها وهي قائمة من قبل اليمين » (4).
    والخبر : رأى الصادق عليه السلام إذا نحر بدنته قام من جانب يدها اليمنى (5).
    ( وأن يتولّاه ) أي الذبح ( بنفسه ) إن أحسنه للتأسي ، فقد باشر النحر النبي صلى الله عليه وآله كما في الخبرين (6) ، وفي الصحيح : « إن كان امرأة فلتذبح لنفسها » (7).
1 ـ الكافي 4 : 498/8 ، التهذيب 5 : 221/745 بتفاوت يسير ، الوسائل 14 : 149 أبواب الذبح ب 35 ح 3.
2 ـ سنن البيهقي 5 : 237.
3 ـ أبو الصلاح في الكافي : 215 ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 582.
4 ـ الكافي 4 : 497/2 الفقيه 2 : 299/1488 ، التهذيب 5 : 221/744 الوسائل 14 : 149 أبواب الذبح ب 35 ح 2.
5 ـ الكافي 4 : 498/8 ، التهذيب 5 : 221/745 ؛ الوسائل 14 : 149 أبواب الذبح ب 35 ح 3.
6 ـ الأول : الكافي 4 : 250/8 ، الوسائل 14 : 151 أبواب الذبح ب 36 ح 3. الثاني : الفقيه 2 : 153/665 ، الوسائل 14 : 152 أبواب الذبح ب 36 ح 6.
7 ـ الكافي 4 : 497/4 ، الفقيه 2 : 299/1486 ، الوسائل 14 : 150 أبواب الذبح ب 36 ح 1.


(427)
    ( وإلّا ) أي وإن لم يتولّ بنفسه ( جعل يده مع يد الذابح ) للصحيح : « كان علي بن الحسين عليه السلام يضع السكّين في يد الصبي ثم يقبض على‏ يده الرجل فيذبح » (1).
    وإن لم يفعل ذلك كفاه الحضور عند الذبح ، كما عن الوسيلة والجامع (2) لما في المحاسن عن النبي صلى الله عليه وآله في خبر بشير بن زيد لفاطمة عليها السلام : « اشهدي ذبح ذبيحتك ، فإنّ أول قطرة منها يغفر اللَّه تعالى‏ بها كل ذنب عليك وكل خطيئة عليك » قال : « وهذا للمسلمين عامة » (3).
    ( والدعاء ) عند الذبح بالمأثور في الصحيح : « إذا اشتريت هديك فاستقبل [ به ] القبلة وانحره أو اذبحه ، وقل : وجّهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين ، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي للَّه رب العالمين ، لا شريك له وبذلك أُمرت وأنا من المسلمين ، اللهم منك ولك بسم اللَّه واللَّه أكبر ، اللهم تقبّل مني. ثم أمرّ السكّين ولا تنخعها حتى تموت » (4).
    وفي الخبر سمعته يقول : « بسم اللَّه وباللَّه واللَّه أكبر ، اللهم هذا منك ولك اللهم تقبله مني. ثم يطعن في لبّتها » (5).
1 ـ الكافي 4 : 497/5 ، الوسائل 14 : 151 أبواب الذبح ب 36 ح 2.
2 ـ الوسيلة : 184 ، الجامع للشرائع : 214.
3 ـ المحاسن : 67/127 ، الوسائل 14 : 151 أبواب الذبح ب 36 ح 4 ؛ بتفاوت يسير.
4 ـ الكافي 4 : 498/6 ، الفقيه 2 : 299/1489 ، التهذيب 5 : 221/746 ، الوسائل 14 : 152 أبواب الذبح ب 37 ح 1 ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.
5 ـ الكافي 4 : 498/8 ، التهذيب 5 : 221/745 ، الوسائل 14 : 148 أبواب الذبح ب 35 ح 3.


(428)
    ( وقسمته أثلاثاً : يأكل ثلثه ، ويُهدي ثلثه ، ويعطي القانع والمعترّ ثلثه ).
    قيل : على‏ وفق ظاهر الأكثر وصريح كثير. أما عدم الوجوب فللأصل ، وأما الفضل فللنصوص من الكتاب (1) والسنة (2) وأما هذا التثليث فعليه الأكثر ، وقد يؤيده الموثق : سقت في العمرة بدنة فأين أنحرها ؟ قال : « بمكة » قال : أيّ شي‏ء أُعطي منها ؟ قال : « كل ثلثاً وأهدِ ثلثاً وتصدّق بثلث » (3).
    وفي القريب من الصحيح عن لحوم الأضاحي [ فقال : ] « كان علي بن الحسين وأبو جعفر عليهما السلام يتصدّقان بثلث على‏ جيرانهم وثلث على‏ السؤال وثلث يمسكانه لأهل البيت » (4).
    ويجوز أن يكون التصدّق على‏ الجيران هو الإهداء الذي في الموثق ، فالأولى‏ اعتبار استحقاق من يُهدي إليه. أقول : ولكن حكي عن الأصحاب عدمه.
    وفي الصحيح الوارد فيمن ساق هدياً : « أطعم أهلك ثلثا ، وأطعم القانع والمعترّ ثلثاً ، وأطعم المساكين ثلثاً » قلت له : المساكين هم السؤال ؟ قال : « نعم » وقال : « القانع الذي يقنع بما أرسلت إليه من البضعة فما فوقها ،
1 ـ الحج : 36.
2 ـ اُنظر الوسائل 14 : 159 أبواب الذبح ب 40.
3 ـ الكافي 4 : 488/5 ، التهذيب 5 : 202/672 ؛ الوسائل 14 : 165 أبواب الذبح ب 40 ح 18.
4 ـ الكافي 4 : 499/3 ، الفقيه 2 : 294/1457 ، المقنع : 88 ، علل الشرائع : 438/3 ، الوسائل 14 : 163 أبواب الذبح ب 40 ح 13 وما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.


(429)
والمعترّ ينبغي له أكثر من ذلك ، هو أغنى من القانع يعتريك فلا يسألك (1) ».
    فإن كان إطعام القانع والمعترّ هو الإهداء وافق الأول ، وأشعر أيضاً باستحقاق من يُهدى إليه ، ودلّ مجموع الآيتين ، (2) على‏ التثليث المشهور ، ولكن في التبيان : عندنا يطعم ثلثه ، ويعطي ثلثه القانع والمعترّ ، ويهدي الثلث ونحوه المجمع عنهم عليهم السلام (3).
    أقول : وظاهرهما الإجماع والنص على‏ ذلك ، وهما كافيان في إثباته ، وعزاه في السرائر إلى‏ رواية الأصحاب لكن في الأُضحية خاصة ، وقال في هدي المتمتع والقارن : فالواجب أن يأكل منه ولو قليلاً ويتصدق على‏ القانع والمعتر ولو قليلاً لقوله تعالى‏ ( فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ ) والأمر عندنا يقتضي الوجوب (4). انتهى‏.
    ولم يذكر الإهداء اقتصاراً على‏ منطوق الآيتين لإغفالهما إياه واتحاد مضمونهما إلّا في المتصدّق عليه.
    قيل : علّته أن التأسيس أولى‏ من التأكيد ، خصوصاً وقد تأيّد هنا بالخبر الصحيح (5).
    وفيه نظر فإن الصحيح تضمّن الأمر بإطعام الأهل ثلثاً ولم يقولوا به مطلقاً ، مع أنه ليس فيه التصريح بالإهداء وإنما احتمل كون إطعام القانع‏
1 ـ التهذيب 5 : 223/753 ، معاني الأخبار : 208/2 ، الوسائل 14 : 160 أبواب الذبح ب 40 ح 3.
2 ـ الحج : 28 ، 36.
3 ـ كشف اللثام 1 : 367 ، وهو في التبيان 7 : 319 ، ومجمع البيان 4 : 86.
4 ـ السرائر 1 : 598.
5 ـ كشف اللثام 1 : 367.


(430)
والمعترّ فيه كناية عن الإهداء.
    ويمكن الجواب عن الأول : بالمنع من عدم قول الأصحاب برجحان إطعام الأهل الثلث ، وذلك فإنه وإن لم يصرّحوا باستحبابه بالخصوص ، لكن صرّحوا باستحباب أكل الثلث ، وهو وإن كان ظاهراً في أكل الذابح نفسه إلّا انَّ المراد لعلّه مع أهله وإلّا فيتعسّر أو يتعذر غالباً أكله الثلث وحده ، إلّا في مدة مديدة لا يمكن أكله الثلث فيها إلّا بإخراجه من منى ، وقد منعوا عنه كما مضى ، فلا يجامع حكمهم ذلك حكمهم باستحباب أكله بنفسه الثلث هنا.
    ومن هنا يظهر ان أكل الثلث بنفسه ليس واجب قطعاً ، بل ولا خلاف فيه أيضاً ، وإنما اختلفوا في وجوبه في الجملة ولو قليلاً ، فالشيخ وجماعة على‏ الاستحباب (1) ، وعزاه في الدروس إلى‏ الأصحاب (2). ولعلّه الأقوى‏ للأصل السليم عمّا يصلح للمعارضة ، عدا ما ستعرفه مع الجواب عنه.
    ( وقيل : يجب الأكل منه ) وهو الحلّي كما عرفت ، وتبعه من المتأخرين جماعة (3) لما ذكره من الأمر به في الآية الشريفة ، مضافاً إلى‏ الأمر به في الصحيح أو الموثق : « إذا ذبحت أو نحرت فكل وأطعم كما قال اللَّه تعالى‏ : ( فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ ) » وقال : « القانع : الذي يقنع بما أعطيته ، والمعتر : الذي يعتريك ، والسائل : الذي يسألك في‏
1 ـ الشيخ في النهاية : 261 ، الحلبي في الكافي : 200 ، القاضي في المهذب 1 : 259.
2 ـ الدروس 1 : 439.
3 ـ منهم : العلامة في المختلف : 306 ، وصاحب المدارك 8 : 43 ، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 368.


(431)
يديه ، والبائس : الفقير » (1).
    ويضعّف : بمنع إفادة الأمر الوجوب هنا ، أمّا أولاً فلوروده مورد توهّم الحظر ، كما ربما يستفاد من تتبع الأخبار ، وصرّح به جمع ، منهم الفاضل المقداد في كنز العرفان (2) ، وحكاه بعض عن صاحب الكشّاف (3) ، فقالا : كانت الأُمم قبل شرعنا يمتنعون من أكل نسائكهم ، فرفع اللَّه الحرج عنهم من أكلها. فلا يفيد سوى‏ الإباحة ، كما قرّر في محلّه.
    وأما ثانياً فلأن مورد النزاع إنما هو هدي التمتع خاصة ، كما صرّح به في المدارك (4) ، ويظهر من غيره أيضاً كما ستعرفه ، ولا اختصاص للآية الشريفة ـ وكذا الرواية ـ بل تعمّه وهدي القران والتضحية ، وشمولها لهدي القران صريح الفاضل في المنتهى‏ وابن زهرة (5) ، حيث استدل لجواز أكل هدي القران والمتعة بعد الإجماع بالآية ، وساقها إلى‏ قوله تعالى‏ ( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ) (6) وقال في وجه الاستدلال : والذي يترتب عليه قضاء التفث هو هدي التمتع والقران.
    وليس الأكل من الأُضحية ولا من هدي القران واجباً اتفاقا ، كما صرح به الفاضل المقداد في الكنز والعلّامة في المنتهى‏ (7) ، حيث قال : هدي التطوع يستحب الأكل منه بلا خلاف لقوله تعالى‏ : ( فَكُلُوا مِنْها ) الآية ،
1 ـ التهذيب 5 : 223/751 ؛ الوسائل 14 : 159 أبواب الذبح ب 40 ح 1.
2 ـ كنز العرفان 1 : 313.
3 ـ الكشاف 3 : 153.
4 ـ المدارك 8 : 43.
5 ـ المنتهى 2 : 752 ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 582.
6 ـ الحج : 29.
7 ـ كنز العرفان 1 : 313 ، المنتهى 2 : 752.


(432)
وأقل مراتب الأمر الاستحباب إلى‏ أن قالـ : لو لم يأكل من التطوع لم يكن به بأس بلا خلاف. ومراده بهدي التطوع هدي القران ، كما صرّح به في موضع آخر منه (1).
    وحينئذ فلا بدّ من صرف الآية والرواية عن ظاهرهما ، فإما إلى‏ الاستحباب ، أو التخصيص بهدي التمتع دون غيره ، والثاني وإن كان أولى‏ إلّا أن الشهرة مع ما قدّمناه من الجواب الأول يرجّحان الأول ، أو يساويانه مع الثاني ، فليرجع إلى‏ حكم الأصل ، وهو البراءة من الوجوب.
    والعجب من العلّامة في المنتهى‏ حيث قال فيه بوجوب الأكل مستدلاً بالآية الشريفة ، ومع ذلك أنه استدل فيها إلا أمر واحد ، ولا يمكن حمله في استعمال واحد على‏ معنييه الحقيقي والمجازي ، فإما الوجوب أو الاستحباب ، لا سبيل إلى‏ الأول بعد تصريحة لشمول الآية لهدي القران المستحب فيه الأكل بلا خلاف كما ذكره ، فتعيّن الثاني.
    وبالجملة : الذي يقتضيه النظر وتتبع الأخبار والفتاوي رجحان القول بالاستحباب وإن كان الأحوط القول بالإيجاب.
    ( ويكره التضحية بالثور والجاموس ) كما في الشرائع والإرشاد والقواعد والتحرير والمنتهى‏ (2) من غير نقل خلاف فيه اصلاً ، قال : لما رواه الشيخ عن أبي بصير ، قال سألته عن الأضاحي ، قال : « أفضل الأضاحي في الحج الإبل والبقر ذوات الأرحام ، ولا يضحّى بثور ولا جمل » (3).
1 ـ المنتهى 2 : 749.
2 ـ الشرائع 1 : 261 ، الإرشاد 1 : 333 ، القواعد 1 : 88 ، التحرير 1 : 105 ، المنتهى 2 : 742.
3 ـ التهذيب 4 : 204/682 ، الوسائل 14 : 99 أبواب الذبح ب 9 ح 4.


(433)
    وليس فيه مع إضماره ذكر الجاموس ، إلّا أن يستدل على‏ كراهيته بالفحوى‏.
    ويدلُّ على‏ جواز التضحية به صريحاً الصحيح : عن الجاموس عن كم يجزئ في التضحية ، فجاء في الجواب « إن كان ذكراً فعن واحد ، وإن كان أُنثى فعن سبعة » (1).
    وحينئذ فلا يحتاج في إثبات أجزائه إلى‏ البناء على‏ انَّه مع البقر جنس ، كما تقرّر في كتاب الزكاة فيناقش فيه بأن المستفاد من كلام بعض أهل اللغة خلافه.
    ( والموجوء ) وهو مرضوض الخصيتين حتى تفسدا ، كما في الكتب المتقدمة عدا التحرير والمنتهى‏ ففيهما : الموجوء خير من النعجة ، والنعجة خير من المعز.
    والتعبير بالمأثور في النصوص أولى‏ ، منها الصحيح : « الفحل من الضأن خير من الموجوء ، والموجوء خير من النعجة ، والنعجة خير من المعز » (2).
    وفي آخر : « اشتر فحلاً سميناً للمتعة ، فإن لم تجد فموجوءاً ، فإن لم تجد فمن فحولة المعز ، [ فإن لم تجد فنعجة ] فإن لم تجد فما استيسر من الهدي » (3).
    وليس في الروايتين تصريح بالكراهة ، وإنّما المستفاد منهما أن الفحل من الضأن أفضل من الموجوء ، وأنَّ الموجوء خير من المعز ، وبذلك صرّح
1 ـ التهذيب 5 : 209/701 ، الاستبصار 2 : 267/946 ، الوسائل 14 : 112 أبواب الذبح ب 15 ح 1.
2 ـ التهذيب 5 : 205/686 ، الوسائل 14 : 111 أبواب الذبح ب 14 ح 1.
3 ـ الكافي 4 : 490/9 ، الوسائل 14 : 107 أبواب الذبح ب 12 ح 7 وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(434)
في المدارك والذخيرة (1) ، لكن قالا بعد نقل الحكم بالكراهة : قد قطع بها الأصحاب ، واحتمل في الذخيرة كون مرادهم منها ترك الاولى‏ ، لا المعنى‏ المصطلح عليه الآن.

    ( الثالث : في البدل )
    ( و ) اعلم أنه ( لو فقد فقد الهدي ووجد ثمنه ) وهو يريد الرجوع ( استناب ) ثقة ( في شرائه وذبحه طول ذي الحجة ) فإن لم يوجد فيه ففي العام المقبل في ذي الحجة ، على‏ الأظهر الأشهر ، بل عليه عامة من تأخر ، وفي ظاهر الغنية الإجماع عليه (2) وهو الحجة ، مضافاً إلى‏ الصحيح الصريح في ذلك (3).
    وربما استدل له ايضاً ببعض المعتبرة : عن رجل تمتع بالعمرة إلى‏ الحج ، فوجب عليه النسك ، فطلبه فلم يجده وهو موسر حسن الحال وهو يضعف عن الصيام ، فما ينبغي له أن يصنع ؟ قال : « يدفع ثمن النسك إلى‏ من يذبحه عنه بمكة إن كان يريد المضي إلى‏ أهله ، وليذبح عنه في ذي الحجة » [ فقلت : ] فإنه دفعه إلى‏ من يذبح عنه ، فلم يصب في ذي الحجة نسكاً وأصابه بعد ذلك ، قال : « لا يذبح عنه إلا في ذي الحجة ولو أخره إلى‏ قابل » (4).
1 ـ المدارك 8 : 45 ، الذخيرة : 671.
2 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 582.
3 ـ الكافي 4 : 508/6 ، التهذيب 5 : 37/109 ، الاستبصار 2 : 260/916 الوسائل 14 : 176 أبواب الذبح ب 44 ح 1.
4 ـ التهذيب 5/37 : 110 ، الاستبصار 2/260 : 917 ، الوسائل 14 : 176 أبواب الذبح ب 44 ح 2 ، بدل ما بين المعقوفين في النسخ ( قال ).


(435)
    ويضعّف : بأنه لمّا ذكر السائل أنه يضعف عن الصيام لم يصح الاستدلال به على‏ وجوب أن يخلف الثمن مع القدرة عليه كما في كلام جمع.
    ( وقيل : ) بل ( ينتقل فرضه إلى‏ الصوم ) والقائل : الحلّي (1) ، وتبعه الماتن في الشرائع (2) ، وربما يعزى‏ الى‏ العماني (3) ، وفيه نظر.
    واستدل عليه بصدق أنه غير واجد للهدي ، فينقل الفرض إلى‏ الصوم.
    وبالموثق : عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي حتى إذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة ، أيذبح أو يصوم ؟ قال : « بل يصوم ، فإن أيام الذبح قد مضت » (4).
    ويضعّف الأولّ : بمنعه فإنّ تيسّر الهدي ووجدانه يعمّان العين والثمن ، وإلّا لم يجب الشراء مع الوجود يوم النحر وإمكانه إن خصّص الوجود به عنده ، وإلّا فهو أعم منه عنده وعند غيره في أيّ جزء كان من أجزاء الزمان الذي يجزئ فيه.
    لا يقال : إذا لم يجده بنفسه ما كان هناك شمله « فمن لم يجد ».
    لأنا نقول : وجدان النائب كوجدانه لأنه مما يقبل النائب كما عرفته.
    والثاني : بقصور سنده وعدم مكافأته لمقابله سنداً واعتباراً مضافاً إلى‏ ظهوره فيمن قدر على‏ الذبح بمنى‏ ، وهو غير ما نحن فيه ، ولا يوجبان‏
1 ـ السرائر 1 : 592.
2 ـ الشرائع 1 : 261.
3 ـ حكاه عنه في المختلف : 304.
4 ـ الكافي 4 : 509/9 ، التهذيب 5 : 37/111 ، الاستبصار 2 : 260/918 الوسائل 14 : 177 أبواب الذبح ب 44 ح 3.
رياض المسائل الجزء السادس ::: فهرس