رياض المسائل الجزء السادس ::: 436 ـ 450
(436)
الصوم فيه ، ولعلّه لذا حمله الشيخ على‏ من صام ثلاثة أيّام قبل الوجدان (1) ، كما في الخبر : عن متمتع صام ثلاثة أيام في الحج ثم أصاب هدياً يوم خرج من منى ، قال : « أجزأه صيامه » (2).
    وغيره على‏ ما مرّ في بحث وجوب كون الذبح يوم النحر (3).
    وللإسكافي هنا قول ثالث مخيّر بين القولين الأوّلين وبين الصدقة بالوسطى من قيمة الهدي في تلك السنة (4).
    قيل : جمعاً بين ما مرّ ونحو خبر عبد اللَّه بن عمر (5) ، قال : كنّا بمكة فأصابنا غلاء في الأضاحي فاشترينا بدينار ، ثم بدينارين ، ثم بلغت سبعة ، ثم لم يوجد بقليل ولا كثير ، فوقّع هشام المكاري رقعة الى‏ أبي الحسن عليه السلام ، فأخبره بما اشترينا وأنّا لم نجد بعد ، فوقّع عليه السلام إليه : « انظروا إلى‏ الثمن الأول والثاني والثالث فاجمعوا ، ثم تصدّقوا بمثل ثلثه » (6).
    ويضعّف : بأن الجمع بذلك فرع التكافؤ والشاهد المفقودين في المقام ، مع ظهور الثالث بعد تسليمه ـ كما قيل ـ (7) في الندب ، مضافاً إلى‏ انَّ إنفاق الثمن بدل الهدي مخالف للكتاب.
    ( ومع فقد الثمن ) أيضاً ( يلزمه الصوم ) قولاً واحداً ( وهو ثلاثة
1 ـ انظر التهذيب 5 : 37.
2 ـ الكافي 4 : 509/11 ، التهذيب 5 : 38/112 ، الاستبصار 2 : 260/919 الوسائل 14 : 178 أبواب الذبح ب 45 ح 1.
3 ـ راجع ص : 411.
4 ـ حكاه عنه في المختلف : 304.
5 ـ كشف اللثام 1 : 363.
6 ـ الكافي 4 : 544/22 ، الفقيه 2 : 296/1467 ، التهذيب 5 : 238/805 ، الوسائل 14 : 203 أبواب الذبح ب 58 ح 1.
7 ـ كشف اللثام 1 : 363.


(437)
أيام في الحج متواليات وسبعة في أهله ) بالكتاب (1) والسنة (2) والإجماع ، وفي المنتهى‏ : لا خلاف فيه بين العلماء (3).
    وليس في الكتاب ما يدل على‏ اعتبار التوالي بين الثلاثة لكن جاء ذلك من قبل إجماعنا الظاهر ، المصرّح به في المنتهى‏ (4) وغيره ، والسنة.
    ففي الموثق : « لا يصوم الثلاثة الأيام متفرقة » (5) ونحوه الصحيح المروي عن قرب الإسناد (6).
    وقريب منهما الصحاح وغيرها الآمرة بصوم يوم قبل التروية وصومها وصوم عرفة (7) ، لكنها محمولة على‏ الاستحباب عند الأصحاب ، وفي ظاهر المنتهى‏ وعن ظاهر التذكرة : الإجماع عليه (8).
    ويستثنى من اعتبار التوالي ما إذا صام يومي التروية وعرفة فيؤخر العيد إلى‏ آخر أيام التشريق ، كما مرّ في كتاب الصوم.
    والمراد بقوله « فِي الْحَجِّ » أي في سفره قبل رجوعه إلى‏ أهله ، وشهره ، وهو هنا ذو الحجة عندنا ، كما في ظاهر المنتهى‏ وغيره (9) ، وسيأتي ما يدل عليه.
1 ـ البقرة : 192.
2 ـ اُنظر الوسائل 14 : 178 أبواب الذبح ب 46.
3 ـ المنتهى 2 : 743.
4 ـ المنتهى 2 : 743.
5 ـ التهذيب 5 : 232/784 ، الاستبصار 2 : 280/994 ، الوسائل 14 : 198 أبواب الذبح ب 53 ح 1.
6 ـ التهذيب 5 : 231/782 ، الاستبصار 2 : 279/993 ، قرب الإسناد : 394/1381 ، الوسائل 14 : 196 أبواب الذبح ب 52 ح 4.
7 ـ اُنظر الوسائل 14 : 178 ، 195 أبواب الذبح ب 46 ، 52.
8 ـ المنتهى 2 : 743 ، التذكرة 1 : 382.
9 ـ المنتهى 2 : 745 ؛ وانظر كشف اللثام 1 : 363.


(438)
    والمعتبر من القدرة على‏ الثمن القدرة عليه في موضعه لا في بلده ، وفي المنتهى‏ : إنه لا يعلم فيه خلافاً (1).
    ولو تمكن من الاستدانة ففي وجوبها وجهان ، قيل : وقرّب الشهيد الوجوب (2).
    أقول : وعليه الشهيد الثاني أيضاً (3).
    ( ويجوز تقديم ) صوم ( الثلاثة من أول ذي الحجة ) كما في كلام جماعة (4) ، وادّعى‏ في التنقيح عليه الشهرة (5). ولا يخلو عن قوة لإطلاق الآية الشريفة وتفسيرها في الصحيح بذي الحجة (6) وخصوص الموثق : « من لم يجد هدياً واجب ان يصوم الثلاثة الأيام في أول العشر فلا بأس بذلك » (7).
    قيل : ونصّ ابن سعيد على‏ أنه رخّص في ذلك لغير علّة ، وفي السرائر وظاهر التبيان : الإجماع على‏ وجوب كون الصوم في الثلاثة المتصلة بالنحر ، وفي الخلاف : نفي الخلاف عن وجوبه اختياراً ، لكن يحتمل نفي الخلاف عن تقديمها على‏ الإحرام بالحج ، وفيه وفي النهاية والتهذيب والمبسوط والمهذّب : ذكر الرخصة في صومها أول العشر ، لكن في‏
1 ـ المنتهى 2 : 743.
2 ـ حكاه عنه في الذخيرة : 672 وهو في الدروس 1 : 441.
3 ـ المسالك 1 : 116.
4 ـ منهم : الشهيد الأول في الدروس 1 : 440 ، وصاحب المدارك 8 : 52 ، والحدائق 17 : 137.
5 ـ التنقيح الرائع 1 : 493.
6 ـ الكافي 4 : 506/1 ، التهذيب 5 : 38/114 ، الوسائل 14 : 178 أبواب الذبح ب 46 ح 1.
7 ـ الكافي 4 : 507/2 ، الوسائل 14 : 179 أبواب الذبح ب 46 ح 2.


(439)
الأخيرين أن التأخير إلى‏ السابع أحوط ، وفي التهذيب : أنه أولى‏ ، وظاهر الخلاف اختصاص الرخصة بالمضطر (1).
    ولا يجوز صومها إلّا ( بعد التلبس ) بالمتعة ، إلّا في رواية عن أحمد ، قال في المنتهى‏ : وهو خطأ لأنه تقديم للواجب على‏ وقته وسببه ، ومع ذلك فهو خلاف قول العلماء (2). ونحوه عن التذكرة (3).
    ويكفي التلبس بعمرتها ، كما في الشرائع والتحرير والمنتهى‏ والإرشاد والقواعد (4) ، وعن الخلاف والتذكرة (5) ؛ لإطلاق الآية ، والاتفاق فتوىً وروايةً (6) على‏ أن الراجح صومها من السابع مع استحباب كون الإحرام بالحج في الثامن ، ولم يحك خلاف فيه إلّا عن الشافعي وبعض العامة (7).
    واشترط الشهيد في الدروس واللمعة وكذا شارحها (8) التلبس ( بالحج ) كما عليه الماتن هنا.
    ووجهه غير واضح ، عدا ما في التنقيح من كونه تقديماً للواجب على‏
1 ـ كشف اللثام 1 : 364 ، وهو في الجامع : 211 ، والسرائر 1 : 593 ، والتبيان 2 : 160 ، والخلاف 2 : 278 ، والنهاية : 255 ، والتهذيب 5 : 235 ، والمبسوط 1 : 370 ، والمهذب 1 : 258.
2 ـ المنتهى 2 : 745.
3 ـ التذكرة 1 : 383.
4 ـ الشرائع 1 : 262 ، التحرير 1 : 105 ، المنتهى 2 : 745 ، الإرشاد 1 : 333 ، القواعد 1 : 88.
5 ـ الخلاف 2 : 275 ، التذكرة 1 : 382.
6 ـ الوسائل 14 : 178 أبواب الذبح ب 46.
7 ـ حكاه عنهم في كشف اللثام 1 : 364 ، وهو في الام 2 : 189 ، المغني والشرح الكبير 3 : 508.
8 ـ الدروس 1 : 440 ، اللمعة ( الروضة البهية 2 ) : 295.


(440)
وقته ، فهو تقديم للمسبّب على‏ سببه (1). وهو اجتهاد في مقابلة ما قدّمناه من الدليل.
    ولعلّه عليه اعتماد من وافقناه على‏ الاكتفاء بالتلبس بالعمرة وبناؤه ، وبه استدل عليه في المنتهى‏ (2) وغيره.
    لا على‏ ما في الدروس من أنه بناءً على‏ وجوبه بها (3). والظاهر أن مرجع الضمير الأول هو الهدي كما في الذخيرة (4) ، أو الصوم كما في التنقيح (5) ، لا الحج كما ذكره شيخنا الشهيد الثاني وسبطه (6).
    وعلى‏ التقادير فالمرجع واحد ، وهو دفع وجه الإشكال المتقدم ، ولا يحتاج إلى‏ ذلك ، بل الدافع له ما عرفت من الدليل ، فتأمل.
    ( ولا يجوز ) تقديمها ( قبل ذي الحجة ) مطلقاً لما عرفته.
    ويجوز صومها طول ذي الحجة عند علمائنا وأكثر العامة كما قيل (7) لأكثر ما مرّ ، والصحيح : « من لم يجد ثمن الهدى‏ وأحبّ أن يصوم الثلاثة الأيام في العشر الأواخر فلا بأس » (8).
    وظاهر إطلاق الأدلة كجملة من الفتاوي جوازه اختياراً.
    قيل : وظاهر الأكثر ومنهم الفاضل في جملة من كتبه وجوب المبادرة
1 ـ التنقيح الرائع 1 : 494.
2 ـ المنتهى 2 : 745.
3 ـ الدروس 1 : 440.
4 ـ الذخيرة : 673.
5 ـ التنقيح الرائع 1 : 494.
6 ـ الشهيد الثاني في المسالك 1 : 116 ، وسبطه في المدارك 8 : 53.
7 ـ قال به في المدارك 8 : 53.
8 ـ الفقيه 2 : 303/1508 ، الوسائل 14 : 182 أبواب الذبح ب 46 ح 13.


(441)
بعد التشريق ، فإن فات فليصم بعد ذلك إلى‏ آخر الشهر. وهو أحوط ؛ لاختصاص أكثر الأخبار بذلك (1). ومن ذهب إلى‏ كونه قضاءً بعد التشريق لم يجز عنده التأخير إليه اختياراً قطعاً ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط على‏ ما في المختلف. والحقّ أنه أداء ، كما في الخلاف والسرائر والجامع والمختلف والمنتهى‏ والتذكرة والتحرير وفيما عندنا من نسخ المبسوط ؛ إذ لا دليل على‏ خروج الوقت ، بل العدم ظاهر ما مرّ ، وغاية الأمر وجوب المبادرة (2).
    ( ولو خرج ذو الحجّة ولم يصم الثلاثة ) بكمالها سقط عنه الصوم و ( تعيّن ) عليه ( الهدي في القابل بمنى ) عند علمائنا وأكثر العامة كما في المدارك (3) ، وفي غيره الإجماع كما عن صريح الخلاف (4) ، بل قيل : نقله جماعة وهو الحجة.
    مضافاً إلى‏ الصحيح : « من لم يصم في ذي الحجة حتى هلّ هلال المحرّم فعليه دم شاة وليس له صوم ، ويذبحه بمنى‏ » (5).
    وإطلاقه بل عمومه يعمّ الهدي والكفارة واحتمال اختصاصه بالثاني لا وجه له سيّما مع استدلال الأصحاب به فيما نحن فيه.
1 ـ الوسائل : 14 أبواب الذبح ب 46 ، 52 ، 53 ، 54.
2 ـ قال به في كشف اللثام 1 : 364 ، وهو في المختلف : 305 ، والخلاف 2 : 278 ، والسرائر 1 : 594 ، والجامع : 211 ، والمنتهى 2 : 746 ، والتذكرة 1 : 383 ، والتحرير 1 : 105.
3 ـ المدارك 8 : 55.
4 ـ الخلاف 2 : 278.
5 ـ الكافي 4 : 509/10 ، التهذيب 5 : 39/116 ، الاستبصار 2 : 278/989 ، الوسائل 14 : 185 أبواب الذبح ب 47 ح 1.


(442)
    والصحيح : عمن نسي الثلاثة الأيام حتى قدم أهله ، قال : « يبعث بدم » (1).
    لكنه معارض بالصحاح المستفيضة على‏ أن من فاته صومها بمكة لعائق أو نسيان فليصمها في الطريق إن شاء ، وإن شاء إذا رجع إلى‏ أهله (2) ، من غير تقييد ببقاء الشهر وعدم خروجه ، بل هي مطلقة شاملة له ولغيره ، وبها أفتى‏ الشيخ ـ رحمه الله ـ في التهذيب (3) ، ونقل عن المفيد أيضاً (4) ، لكنه رجع عنه في الخلاف كما عرفت.
    وفي الاستبصار جمع بينها وبين الصحيحة بحملها على‏ صورة خروج الشهر ، وحمل هذه الأخبار على‏ بقائه (5).
    واستبعده في الذخيرة ، واستحسن الجمع بينهما بتقييد الصحيحة بالناسي دون غيرها (6).
    وجمع الشيخ أولى ؛ لاعتضاده بعد الشهرة والإجماعات المنقولة بظاهر الكتاب والسنة والإجماع الموقِّتة لهذا الصوم بذي الحجة ، ومقتضاها بحال التمكن والاختيار من إتيانه في مكة ليس بأولى من تقييد الصحاح بها ، بحملها على‏ بقاء ذي الحجة ، بل هذا أولى‏ من وجوه شتّى ، ومنها ـ بعد ما مضى ـ : قطعية الكتاب والسنّة التي بمعناها دون هذه ، فإنها آحاد
1 ـ الفقيه 2 : 304/1511 ، التهذيب 5 : 235/792 ، الاستبصار 2 : 279/990 ، الوسائل 14 : 186 أبواب الذبح ب 47 ح 3.
2 ـ اُنظر الوسائل : 14 أبواب الذبح ب 46 ، 47 ، 52.
3 ـ التهذيب 5 : 233.
4 ـ المقنعة : 450.
5 ـ الاستبصار 2 : 279.
6 ـ الذخيرة : 674.


(443)
وإن كانت صحاحاً.
    وهل يجب مع دم الهدي دم آخر كفارة ، كما في صريح المنتهى‏ وعن ظاهر المبسوط والجامع (1) ، أم لا ، كما هو ظاهر المتن وغيره من عبائر الأكثر ؟ الأحوط الأول.
    واستدل عليه في المنتهى‏ بأنه ترك نسكاً ، وقال صلى الله عليه وآله : « من ترك نسكاً فعليه دم » (2) وبأنه صوم موقّت وجب بدلاً فوجب بتأخيره كفارة ، كقضاء رمضان.
    وهو كما ترى ، وسند الخبر لم يتّضح لنا ، فعدم الوجوب للأصل لعلّه أقوى.
    ( ولو صام الثلاثة في الحج ) لفقد الهدي وثمنه ( ثم وجد الهدي لم يجب ) عليه على‏ الأشهر الأظهر ، وعن الخلاف الإجماع عليه (3) ؛ للأصل ، وظاهر الآية ، وصريح الخبر (4) المنجبر ضعفه بالعمل.
    ( لكنه أفضل ) بلا خلاف يظهر ، وبنفيه صرّح بعض خروجاً عن شبهة القول بالوجوب مطلقاً كما عن المهذّب (5) ، أو إذا وجده قبل التلبس بالسبعة في وقت الذبح كما عن القواعد (6).
    وللخبر : عن رجل تمتّع وليس معه ما يشتري به هدياً ، فلمّا أن صام‏
1 ـ المنتهى 2 : 746 ، المبسوط 1 : 370 ، الجامع للشرائع : 210.
2 ـ سنن البيهقي 5 : 152.
3 ـ الخلاف 2 : 277.
4 ـ الكافي 4 : 509/11 ، التهذيب 5 : 38/112 ، الاستبصار 2 : 260/919 ، الوسائل 14 : 178 أبواب الذبح ب 45 ح 1.
5 ـ المهذب 1 : 259.
6 ـ القواعد 1 : 88.


(444)
ثلاثة أيام في الحج أيسر ، أيشتري هدياً فينحره ، أو يدع ذلك ويصوم سبعة أيام إذا رجع إلى‏ أهله ؟ قال : « يشتري هدياً فينحره ، ويكون صيامه الذي صامه نافلة » (1).
    وإنما حمل على‏ الفضل جمعاً ولضعف السند.
    وظاهر العبارة ونحوها وجوب الهدي لو لم يصم الثلاثة بكمالها ، كما عن الأكثر (2).
    خلافاً للمحكي عن الخلاف والحلّي والفاضل في جملة من كتبه (3) ، فاكتفوا في سقوط الهدي بمجرد التلبس بالصوم ، وعليه المقداد في كنز العرفان (4). واستدل عليه في المنتهى‏ بإطلاق الآية وجوب الصوم على‏ من لم يجد الهدي ، قال : لا يقال : هذا يقتضي عدم الاجتزاء بالهدي وإن لم يدخل في الصوم ، لأنا نقول : لو خلّينا والظاهر لحكمنا بذلك لكن الوفاق وقع على‏ خلافه ، فيبقى‏ ما عداه على‏ الأصل (5). انتهى‏.
    والمسألة محل إشكال ، والاحتياط يقتضي المصير إلى‏ الأول.
    ( ولا يشترط في صوم السبعة التتابع ) على الأشهر الأقوى ، بل في المنتهى‏ وعن التذكرة (6) : أنه لا يعرف فيه خلافاً. للأصل ، وإطلاق الأمر ،
1 ـ الكافي 4 : 510/14 ، التهذيب 5 : 38/113 ، الاستبصار 2 : 26/920 ، الوسائل 14 : 178 أبواب الذبح ب 45 ح 2.
2 ـ اُنظر المدارك 8 : 56.
3 ـ الخلاف 2 : 277 ، الحلي في السرائر 1 : 594 ، العلامة في التذكرة 1 : 383 ، والمختلف : 304.
4 ـ كنز العرفان 1 : 297.
5 ـ المنتهى 2 : 747.
6 ـ المنتهى 2 : 744 ، التذكرة 1 : 383.


(445)
وصريح الخبر (1) المنجبر بالعمل.
    خلافاً للمحكي في المختلف عن العماني والحلبي (2) ، وفي التنقيح عن المفيد وابن زهرة العلوي ، فاشترطوه (3) ، وقوّاه في المختلف لآخَر ، ـ وربّما عدّ من الصحيح ـ : عن صوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة ، أيصومها متوالية أو يفرّق بينها ؟ قال : « يصوم الثلاثة الأيام لا يفرّق بينها ، والسبعة لا يفرّق بينها » (4).
    وأيّد بالحسن : « السبعة الأيام والثلاثة الأيام في الحج لا تفرّق أبداً ، إنما هي بمنزلة الثلاثة الأيام في اليمين » (5).
    وليسا نصّاً ، فيحتملان الحمل على‏ الكراهة توفيقاً بين الأدلة ، المؤيدة بعموم الصحيح : « كلّ صوم يفرّق إلّا ثلاثة أيام في كفارة اليمين » (6) ومع ذلك فلا ريب أن التتابع مهما أمكن أحوط.
    ( ولو أقام ) من وجب عليه صوم السبعة بدل الهدي ( بمكة ) شرّفها اللَّه سبحانه ( انتظر ) بصيامها مضيّ ( أقلّ الأمرين من ) مدّة ( وصوله إلى‏ أهله ومضيّ شهر ) بلا خلاف فيه أجده في الجملة ، وبه مطلقاً صرّح في الذخيرة (7) ، وفي غيرها : إنه مقطوع به في كلامهم‏
1 ـ التهذيب 5 : 233/787 ، الاستبصار 2 : 281/998 ، الوسائل 14 : 200 أبواب الذبح ب 55 ح 1.
2 ـ المختلف : 238.
3 ـ التنقيح الرائع 1 : 494.
4 ـ التهذيب 4 : 315/957 ، الاستبصار 2 : 281/999 ، الوسائل 14 : 200 إبواب الذبح ب 55 ح 2.
5 ـ الكافي 4 : 140/3 ، الوسائل 10 : 382 أبواب بقية الصوم الواجب ب 10 ح 2.
6 ـ الكافي 4 : 140/1 ، الوسائل 10 : 382 أبواب بقية الصوم الواجب ب 10 ح 1.
7 ـ الذخيرة : 674.


(446)
للصحيح : « وإن كان له مقام بمكة وأراد أن يصوم السبعة ، ترك الصيام بقدر مصيره إلى‏ أهله أو شهراً ، ثم صام » (1).
    قيل : وأوجب القاضي والحلبيّون الانتظار إلى‏ الوصول ولم يعتبروا الشهر ، وحكى ابن زهرة الإجماع ، ورواه المفيد عن الصادق عليه السلام (2) ، ويوافقها مضمر أبي بصير في الكافي والفقيه (3) (4).
    أقول : ونحوه الصحيح : في المقيم إذا صام الثلاثة الأيام ثم يجاور ، ينظر مقدم أهل بلده ، فإذا ظنّ أنهم قد دخلوا فليصم السبعة الأيام (5).
    لكنه مقطوع ، كما أن الأول مرسل ، فيضعف الخبران بهما عن المقاومة لما مرّ من الصحيح ، مع أنه مفصِّل ، فالعمل به أقوى من العمل بالمطلق ، بل ينبغي تقييده.
    ثم قصر الماتن الحكم على‏ المقيم بمكة ظاهر جمع ، ومنهم الصدوق والشيخ والقاضي وابنا سعيد وإدريس فيما حكاه بعض الأفاضل ، قال : وعمّمه الحلبيّان لمن صدّ عن وطنه ، وابن أبي مجد (6) للمقيم بأحد الحرمين ، والفاضل في التحرير لمن أقام بمكة أو الطريق ، وأطلق في التذكرة من أقام لكنه استدل بالصحيح المتقدم. والوجه قصر الشهر على‏
1 ـ الفقيه 2 : 303/1507 ، التهذيب 5 : 234/790 ، الاستبصار 2 : 282/1002 ، الوسائل 14 : 190 أبواب الذبح ب 50 ذيل الحديث 2.
2 ـ المقنعة : 452 ، الوسائل 14 : 191 أبواب الذبح ب 50 ح 5.
3 ـ الكافي 4 : 509/8 ، الفقيه 2 : 303/1506 ، الوسائل 14 : 190 أبواب الذبح ب 50 ح 3.
4 ـ كشف اللثام 1 : 365.
5 ـ التهذيب 5 : 41/121 ، الوسائل 14 : 189 أبواب الذبح ب 50 ح 1.
6 ـ هو الشيخ الفقيه ، المتكلم النبيه ، علاء الدين ، أبوالحسن ، علي بن أبي الفضل ابن الحسن بن أبي المجد الحلبي صاحب كتاب إشارة السبق إلي معرفة الحق.


(447)
المنصوص للأمر في الآية بالتأخير إلى‏ الرجوع ، غاية الأمر تعميمه ما في حكمه وإلّا لم يصمها من لا يرجع (1). انتهى‏.
    وبما استوجهه صرّح شيخنا الشهيد الثاني (2) ، وتبعه سبطه في المدارك وصاحب الذخيرة (3) ، لكن لم يعتبرا الرجوع الحكمي ، بناءً على‏ أن ظاهر الآية الرجوع الحقيقي. وهو حسن ، إلّا أن مقتضاه عدم لزوم صومها لمن يريد الإقامة بها أبداً ، ولعلّه خلاف الإجماع ، وإلى هذا أشار الفاضل المتقدم بقوله : وإلّا لم يصمها من لا يرجع ، في تعليل تعميم الرجوع للحكمي مطلقاً.
    وبناءً على‏ أن المراد بالإقامة في الفتوى‏ والرواية المجاورة الأبدية ، لا مطلق المجاورة.
    وفي تعيّنه إشكال لصدق الإقامة بغير ذلك مثل المجاورة سنةً لغةً وعرفاً مضافاً إلى‏ وقوع التصريح بذلك في رواية أبي بصير المتقدمة ، فإنّ فيها : عن رجل تمتّع فلم يجد ما يهدي فصام ثلاثة أيام ، فلما قضى‏ نسكه بدا له أن يقيم بمكة سنة ، قال : « فلينتظر منها أهل بلده ، فإذا ظنّ أنهم قد دخلوا بلدهم فليصم السبعة الأيام » وهي وإن كانت مرسلة لكنها معتضدة بإطلاق لفظة الإقامة لغةً وعرفاً.
    وحينئذ فيتّجه ما ذكراه من اعتبار الرجوع الحقيقي حيث يتوقع ويمكن. ولعلّ هذه الصورة مرادهما ، أو يتأملان في وجوب السبعة لمن لا يريد الرجوع ابداً لاشتراطه بالرجوع المفقود هنا ، ولكنه بعيد جدّاً.
1 ـ كشف اللثام 1 : 365.
2 ـ المسالك 1 : 116.
3 ـ المدارك 8 : 59 ، الذخيرة : 674.


(448)
    ثم إنه ليس في الصحيحة المتقدمة وكلام الأكثر تعيين مبدأ الشهر أهو بعد انقضاء أيام التشريق كما عن جماعة (1) ، أو يوم يدخل مكة كما احتمله آخرون (2) ، أو يوم يعزم على‏ الإقامة كما احتمله في الذخيرة ، وفيها : إن الرواية لا تخلو عن إشعار به (3). وهو كذلك.
    ( ولو مات ) من وجب عليه الصوم بدل الهدى و ( لم يصم ) فإن لم يكن قد تمكّن من صيام شي‏ء من العشرة سقط الصوم ولا يجب على وليّه القضاء عنه ولا الصدقة عنه ، لما (4) مرّ في كتاب الصوم.
    وفي المنتهى‏ هنا : ذهب إليه علماؤنا وأكثر الجمهور (5). وقريب منه ظاهر الصيمري ، فادّعى إطباق الفتاوي على‏ اعتبار التمكن ، وجعله المقيّد للنص الآتي بإطلاق القضاء عنه ، وردّ بذلك على‏ بعض من حكي عنه عدم اعتباره إياه. وهو حسن.
    وإن تمكّن من فعل الجميع ولم يفعل قال الشيخ ـ رحمه الله ـ : ( صام الولي عنه الثلاثة ) الأيام ( وجوباً ، دون السبعة ) (6) وتبعة الماتن هنا وجماعة كما قيل (7) ؛ للصحيح : عن رجل تمتّع بالعمرة إلى‏ الحج ولم يكن له هدي ، فصام ثلاثة أيام في ذي الحجّة ، ثم مات بعد أن رجع إلى‏ أهله قبل أن‏
1 ـ منهم : الشهيد الثاني في المسالك 1 : 116 ، وصاحب المدارك 8 : 59 ، وصاحب الحدائق 17 : 149.
2 ـ منهم : السبزواري في الكفاية : 71 ، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 365.
3 ـ الذخيرة : 674.
4 ـ في « ق » : كما.
5 ـ المنتهى 2 : 746.
6 ـ المبسوط 1 : 370.
7 ـ المدارك 8 : 61.


(449)
يصوم السبعة الأيام ، أعلى‏ وليّه أن يقضي عنه ؟ قال : « ما أرى عليه قضاء » (1).
    وفيه : أن ظاهر نفي القضاء مطلقاً ، كما عليه الصدوق في الفقيه ، ولكنه استحبه (2) وذلك فإن العبرة بعموم اللفظ لا خصوص المحل.
    خلافاً للحلّي وأكثر المتأخرين (3) ، بل المشهور كما قيل (4) ، فيجب عليه قضاء السبعة أيضاً للصحيح : « من مات ولم يكن له هدي لمتعة فليصم عنه وليّه » (5).
    وفيه : أن هذا ظاهر وما مرّ نصّ ، فليقدّم عليه ويحمل على‏ الاستحباب ، كما صرّح به الصدوق في الفقيه.
    لكن شهرة العمل بهذا ، واعتضاده بعموم نحو الصحيح : في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام ، قال : « يقضي عنه أولي الناس بميراثه » (6) المعتضد بدعوى‏ الإجماع عليه في السرائر والمختلف (7) ، وبه استدلا على‏ الوجوب هنا ربما يوجب المصير إليه ، وصرف التأويل في الصحيح الأول بما في المنتهى‏ من حمله على‏ ما إذا لم يتمكن من القضاء (8).
1 ـ الكافي 4 : 509/13 ، التهذيب 5 : 40/118 ، الاستبصار 2 : 261/922 ، الوسائل 14 : 188 أبواب الذبح ب 48 ح 2.
2 ـ الفقيه 2 : 303.
3 ـ الحلي في السرائر 1 : 592 ، العلامة في التحرير 1 : 106 ، صاحب المدارك 8 : 60 ، صاحب الحدائق 17 : 158.
4 ـ الذخيرة : 674.
5 ـ الكافي 4 : 509/12 ، التهذيب 5 : 40/117 ، الاستبصار 2 : 261/921 المقنع : 91 ، الوسائل 14 : 187 أبواب الذبح ب 48 ح 1.
6 ـ الكافي 4 : 123/1 ، الوسائل 10 : 330 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 5.
7 ـ السرائر 1 : 593 ، المختلف : 305.
8 ـ المنتهى 2 : 746.


(450)
    إلّا أن يقال : إن الشهرة ليست بتلك الشهرة الموجبة لصرف الأدلّة عن ظواهرها بمقتضى‏ القواعد الأُصوليّة ، وعموم نحو الصحيحة وشمولها لمفروض المسألة غير واضح كما صرَّح به في الذخيرة (1) ، ودعوى‏ الإجماع في محل النزاع المصرَّح به في كلام الناقل له ربما تكون ممنوعة ، مع أن عبارة السرائر في الوجوب غير صريحة ، فإنه قال : والأولى والأحوط أنه يلزمه القضاء عنه ، فتأمل.
    وكيف كان ، فلا ريب أن الوجوب أحوط ، بل لا يترك ، سيّما في الثلاثة. ( ومن وجب عليه بدنة في كفارة أو نذر وعجز ) عنها ولم يكن على‏ بدلها نصّ بخصوصها كفداء النعامة ( أجزأه سبع شياه ) كما هنا وفي الشرائع والسرائر والتهذيب والقواعد والمنتهى‏ والتحرير (2) ، وعن النهاية والمبسوط (3) ، وفي المنتهى‏ ما ربما يشعر بإجماعنا عليه (4) ، قال : للنبوي فيمن أتاه عليه السلام فقال : إنّ عليّ بدنه وأنا موسر لها ولا أجدها فأشتريها ، فأمره عليه السلام أن يبتاع سبع شياه فيذبحهن (5).
    والخاصي الصحيح على‏ قول قوي ، أو القريب منه على‏ آخر : في الرجل يكون عليه بدنة واجبة في فداء ، قال : « إذا لم يجد بدنة فسبع شياه ، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً بمكة أو في منزله » (6).
1 ـ الذخيرة : 674.
2 ـ الشرائع 1 : 262 ، السرائر 1 : 599 ؛ التهذيب 5 : 237 ، القواعد 1 : 88 ، المنتهى 2 : 748 ، التحرير 1 : 106.
3 ـ النهاية 262 ، المبسوط 1 : 375.
4 ـ المنتهى 2 : 748.
5 ـ مسند أحمد 1 : 311 ، سنن ابن ماجة 2 : 1048/3136.
6 ـ التهذيب 5 : 237/800 ، الوسائل 14 : 201 أبواب الذبح ب 56 ح 1.
رياض المسائل الجزء السادس ::: فهرس