رياض المسائل الجزء السادس ::: 466 ـ 480
(466)
بمقتضى‏ الأُصول أقوى ، وتقييد الرواية ونحو العبارة بما إذا نذر في طريق الحج كما عن جماعة ، أو نذر الهدي خاصة كما عن ابن زهرة أنّه عبّر به مدّعياً على‏ الحكم الإجماع (1).
    وينبغي أن يقيّد الحكم بما إذا لم يكن هناك فرد ينصرف إليه الإطلاق ، وإلّا فلا يجب النحر بمكة حيث لا يكون هو الفرد المنصرف إليه الإطلاق بلا إشكال.
    ( الخامس : الأُضحيَّة ) بضم الهمزة وكسرها وتشديد الياء المفتوحة ( وهي مستحبة ) عند علمائنا وأكثر العامة كما في كلام جماعة (2) ، مؤذنين بدعوى‏ الإجماع.
    أما رجحانه فبالكتاب (3) والسنّة المستفيضة (4) ، بل المتواترة بعد إجماع الأُمة.
    وأما عدم الوجوب فللأصل بعد الإجماع المنقول والنبوي : « كتب عليّ النحر ولم يكتب عليكم » (5) وقصور السند بعمل الأصحاب مجبور.
    خلافاً للإسكافي فأوجبه (6) للخبر أو الصحيح : « الأُضحيّة واجبة على‏ من وجد من صغير أو كبير ، وهي سنّة » (7).
1 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 581.
2 ـ منهم : العلامة في المنتهى 2 : 755 ، وصاحب المدارك 8 : 81 ، والسبزواري في الذخيرة : 678 ، وصاحب الحدائق 17 : 200.
3 ـ الكوثر : 2.
4 ـ الوسائل 14 : 204 ، 210 أبواب الذبح ب 60 ، 64.
5 ـ الجامع الصغير 2 : 269/6223 وفيه : كتب علي الأضحي ... ، مسند أحمد 1 : 317 ، سنن الدارقطني 4 : 282/42.
6 ـ نقله عنه في المختلف : 307.
7 ـ الفقيه 2 : 292/1445 ، الوسائل 14 : 205 أبواب الذبح ب 60 ح 3.


(467)
    ويضعّف بشيوع إطلاق الوجوب على‏ الاستحباب المؤكد في الأخبار ، مع أنه معارض بلفظ السنّة.
    قيل : ومع ذلك فهو صريح في الوجوب على‏ الصغير ، والمراد به حيث يقابل به الكبير غير البالغ ، ولا ريب أن التكليف في حقّه متوجه إلى‏ الوليّ ، مع أنه نفى الوجوب عنه في الصحيح : عن الأضحى أواجب على‏ من وجد لنفسه وعياله ؟ فقال : « أمّا لنفسه فلا يدعه ، وأمّا لعياله إن شاء تركه » (1) ونحوه آخر أو الخبر (2).
    وفيه نظر لأن نفى الوجوب عن العيال أعم من نفي الوجوب عن وليّ الصغير ، إذ لا ملازمة بينهما ، إلّا على‏ تقدير أن يكون في العيال المسؤول عنهم في الرواية صغير واجد ، وليس فيها تصريح به وإن كان السؤال يعمّه ، لكن الصحيح المتقدم الموجب بالنسبة إليه خاص فليقدّم عليه ، والتخصيص راجح على‏ المجاز حيثما تعارضا ، خصوصاً وارتكاب المجاز في الواجب بحمله على‏ المستحب يوجب مساواة الصغير والكبير فيه والحال أن مجموع الأخبار في الكبير مشتركة في إفادة الوجوب ، فلا يمكن صرفه بالإضافة إلى‏ الصغير خاصة إلى‏ الاستحباب ، للزوم استعمال اللفظ الواحد في الاستعمال الواحد في معنييه الحقيقي والمجازي ، وهو خلاف التحقيق ، فالأظهر في الجواب ما قدّمناه.
    وأمّا قوله تعالى‏ : ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ ) (3) فإن كان بهذا المعنى‏ فإنما توجّه إلى‏ النبي صلى الله عليه وآله ، وقد قيل : إنّ وجوبه من خواصّه (4) ، ودلّ عليه ما مرّ
1 ـ الكافي 4 : 487/2 ، الوسائل 14 : 204 أبواب الذبح ب 60 ح 1.
2 ـ الفقيه 2 : 292/1446 ، الوسائل 14 : 205 أبواب الذبح ب 60 ح 5.
3 ـ الكوثر : 2.
4 ـ كشف اللثام 1 : 368.


(468)
من النص النبوي.
    ( ووقتها بمنى ) أربعة أيام : ( يوم النحر وثلاثة بعده ، وفي ) سائر ( الأمصار ) ثلاثة : ( يوم النحر ويومان بعده ) بإجماعنا الظاهر ، والمصرَّح به في ظاهر الغنية المنتهى‏ وصريح غيرهما (1) للصحيح : عن الأضحى كم هو بمنى؟ فقال : « أربعة أيام » وعنه في غيره ، فقال : « ثلاثة أيام » قال : فما تقول في رجل مسافر قدم بعد الأضحى‏ بيومين ، إله أن يضحّي في اليوم الثالث؟ فقال : « نعم » (2).
    ونحوه الموثق (3).
    ويحمل نحو الصحيح : « الأضحى‏ يومان بعد يوم النحر ، ويوم واحد بالأمصار » (4) على‏ مريد الصوم ، واليومان إذا نفر في الثامن عشر ، وحملهما جماعة على‏ الأفضلية (5).
    والخبر : « الأضحى‏ ثلاثة أيام ، أفضلها أوّلها » (6) على‏ غير منى.
    ويحتمل الحمل على‏ التقية كما في الذخيرة ، قال : لأنه مذهب مالك‏
1 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 582 ، المنتهى 2 : 755 ؛ وانظر الذخيرة : 678 ، والحدائق 17 : 209.
2 ـ التهذيب 5 : 202/673 ، الاستبصار 2 : 264/930 ؛ قرب الإسناد : 106 ، الوسائل 14 : 91 أبواب الذبح ب 6 ح 1.
3 ـ التهذيب 5 : 203/674 ، الاستبصار 2 : 264/931 ، الوسائل 14 : 92 أبواب الذبح ب 6 ح 2.
4 ـ الكافي 4 : 486/2 ، التهذيب 5 : 203/677 ، الاستبصار 2 : 264/934 ، الوسائل 14 : 93 أبواب الذبح ب 6 ح 7.
5 ـ منهم : صاحب المدارك 8 : 84 ، والسبزواري في الذخيرة : 679.
6 ـ الفقيه 2 : 292/1442 ، التهذيب 5 : 203/675 ، الاستبصار 2 : 264/932 ، الوسائل 14 : 92 أبواب الذبح ب 6 ح 4.


(469)
والثوري وأبي حنيفة (1) ، وبأنّ ذلك مذهبهم صرّح في المنتهى‏ (2).
    ( ويكره أن يخرج شيئاً من أُضحيّته عن منى ، ولا بأس بـ ) إخراج ( السنام ) كما في الإستبصار والشرائع والتحرير والقواعد (3) وغيرها (4) للخبر : « لا يتزوّد الحاج من أُضحيّته ، وله أن يأكل منها أيامها ، إلّا السنام فإنه دواء » (5).
    وظاهر النهي التحريم ، كما عن النهاية والمبسوط والتهذيب (6). لكن ضعف سنده يمنع عن العمل به.
    مع أن في الصحيح : عن إخراج لحوم الأضاحي عن منى ، فقال : « كنّا نقول لا يخرج منها بشي‏ء لحاجة الناس إليه ، فأمّا اليوم فقد كثر الناس فلا بأس بإخراجه » (7).
    وهو نصّ في عدم التحريم ، فوجب حمل النهي السابق على‏ الكراهة جمعاً ، وخصوصاً مع صحة سند المجوّز ، واعتضاده بالأصل والشهرة بين الأصحاب كما في الذخيرة (8).
    مع أن الشيخ في التهذيب وإن عبّر بلفظ « لا يجوز » الظاهر في‏
1 ـ الذخيرة : 679.
2 ـ المنتهى 2 : 755.
3 ـ الاستبصار 2 : 274 ، الشرائع 1 : 264 ، التحرير 1 : 108 ، القواعد 1 : 89.
4 ـ انظر المنتهى 2 : 760 ، والمدارك 8 : 85 ، والذخيرة : 679.
5 ـ التهذيب 5 : 227/769 ، الاستبصار 2 : 275/978 ، الوسائل 14 : 172 أبواب الذبح ب 42 ح 4.
6 ـ النهاية : 261 ، المبسوط 1 : 394 ، التهذيب 5 : 226.
7 ـ الكافي 4 : 500/7 ، التهذيب 5 : 227/768 ، الاستبصار 2 : 275/977 ، الوسائل 14 : 172 أبواب الذبح ب 42 ح 5.
8 ـ الذخيرة : 679.


(470)
التحريم ، لكن الظاهر أن مراده منه الكراهة ، كما صرّح بها في الاستبصار (1) ، مع أنه قُبيل ذلك قال : ولا بأس بأكل لحوم الأضاحي بعد الثلاثة أيام وادّخارها ، واستدل عليه بأخبار بعضها معتبرة.
    ولا ريب أن الادّخار بعد ثلاثة لا يكون غالباً إلّا بعد الخروج من منى لأنه بعد الثلاث لا يبقى‏ فيه أحد ، فلولا أن المراد بـ « لا يجوز » الكراهة لحصل التنافي بين كلاميه ، فتأمل.
    ( ولا ) بأس بأن يخرج ( ممّا يضحيه غيره ) للأصل ، واختصاص النهي السابق بأضحيته ، وعليه حمل الشيخ الصحيحة المتقدمة ، مستشهداً بخبر الحسين بن سعيد ، عن أحمد بن محمّد أنه قال : « لا بأس أن يشتري الحاج من لحم منى ويتزوّده » (2).
    وفيه بُعد ، وفي الخبر الذي استشهد به قطع.
    ( ويجزئ هدي التمتع عن الأُضحيّة ) للصحيحين : « يجزئ الهدي عن الأُضحية » كما في أحدهما (3).
    وفي الثاني : « يجزئه في الأُضحيّة هديه » (4).
    ( و ) في لفظ الإجزاء ظهور في أن ( الجمع ) بينهما ( أفضل ).
    وربما علّل بأن فيه فعل المعروف ونفع المساكين (5).
    وفيه لولا النص نظر فإن المفروض استحباب الأُضحيّة من حيث‏
1 ـ الاستبصار 2 : 274.
2 ـ التهذيب 5 : 227/769 ، الاستبصار 2 : 275/978 ، الوسائل 14 : 172 أبواب الذبح ب 42 ح 4.
3 ـ الفقيه 2 : 297/1472 ، الوسائل 14 : 117 أبواب الذبح ب 18 ح 3.
4 ـ التهذيب 5 : 238/803 ، الوسائل 14 : 80 أبواب الذبح ب 1 ح 3.
5 ـ المدارك 8 : 86.


(471)
إنها أُضحيّة ، لا من حيث إنه نفع المساكين وفعل للمعروف ، وأحدهما غير الآخر. ولكن الأمر بعد وضوح المأخذ سهل.
    ثم إن الموجود في النص هو الهدي بقول مطلق ، كما عن النهاية والوسيلة والتحرير والمنتهى‏ والتذكرة (1).
    خلافاً للقاضي ، فقيّده بهدي التمتع كما عن التلخيص والتبصرة (2).
    وللقواعد والشرائع والإرشاد والدروس (3) ، فقيّدوه بالواجب.
    ولعلّه لانصراف الإطلاق إليه.
    قيل : ولعلّ ذلك نص على‏ الأخفى (4).
    أقول : وفيه نظر.
    ( ومن لم يجد الاُضحيّة ) مع القدرة على‏ ثمنها ( تصدّق بثمنها ).
    ( ولو اختلف أثمانها جمع الأول والثاني والثالث وتصدّق بثلثها ) كما في كلام جماعة (5) من غير خلاف بينهم أجده للخبر : كنّا بالمدينة فأصابنا غلاء في الأضاحي فاشترينا بدينار ، ثم بدينارين ، ثم بلغت سبعة ، ثم لم يوجد بقليل ولا كثير ، فرفع هشام المكاري إلى‏ أبي الحسن عليه السلام ، فأخبره بما اشترينا وأنّا لم نجد بعدُ ، فوقّع عليه السلام : « انظروا إلى‏ الثمن الأول‏
1 ـ النهاية : 262 ، الوسيلة : 186 ، التحرير 1 : 107 ، المنتهى 2 : 755 ، التذكرة 1 : 386.
2 ـ القاضي في المهذب 1 : 59 ، وحكاه عن التلخيص في كشف اللثام 1 : 370 ، التبصرة : 74.
3 ـ القواعد 1 : 89 ، الشرائع 1 : 264 ، الإرشاد 1 : 334 ، الدروس 1 : 447.
4 ـ كشف الللثام 1 : 370.
5 ـ منهم : العلامة في المنتهى 2 : 760 ، والسبزواري في الذخيرة : 679 ، وصاحب الحدائق 17 : 212.


(472)
والثاني والثالث ، فاجمعوا ثم تصدّقوا بمثل ثلثه » (1).
    والظاهر ما في الدروس وكلام جماعة (2) من التصدق بقيمة منسوبة إلى‏ القيم ، فمن اثنتين النصف ، ومن أربع الربع وهكذا ، وأن اقتصار الأصحاب على‏ الثلث تبعاً للرواية.
    ( ويكره التضحية بما يربّيه ) للخبرين (3).
    ( وأخذ شي‏ء من جلودها وإعطاؤها الجزّار ) اجرة أو مطلقاً ، بل يستحب الصدقة بها لما مرّ. ومرّ عن الشيخ المنع.
    قيل : وفي المبسوط : لا يجوز بيع جلدها ، سواء كانت واجبة أو تطوعاً ، كما لا يجوز بيع لحمها ، فإن خالف تصدّق بثمنه.
    وفي الخلاف : إنه لا يجوز بيع جلودها ، سواء كانت تطوعاً أو نذراً ، إلّا إذا تصدّق بثمنها على‏ المساكين. وقال أبو حنيفة : أو يبيعها بآلة البيت على‏ أن يعيرها كالقدر والفأس والمُنخُل والميزان. وقال الشافعي : لا يجوز بيعها على‏ كل حال. وقال عطاء : يجوز بيعها على‏ كل حال. وقال الأوزاعي : يجوز بيعها بآلة البيت.
    قال الشيخ دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم ، وأيضاً فالجلد إذا كان للمساكين فلا فرق بين أن يعطيهم إياه أو ثمنه (4).
1 ـ الكافي 4 : 544/22 ، الفقيه 2 : 296/1467 ، التهذيب 5 : 238/805 ، الوسائل 14 : 203 أبواب الذبح ب 58 ح 1.
2 ـ الدروس 1 : 449 ؛ وانظر المدارك 8 : 87 ، وكشف اللثام 1 : 370.
3 ـ الأول : الكافي 4 : 544/20 ، التهذيب 5 : 452/1578 ، الوسائل 14 : 208 أبواب الذبح ب 61 ح 1.
الثاني : الفقيه 2 : 296/1468 ، الوسائل 14 : 208 أبواب الذبح ب 61 ح 2.
4 ـ كشف اللثام 1 : 370.


(473)
    ( وأما الحلق ) وفي معناه التقصير ( فـ ) هو واجب على ( الحاج ) بالإجماع والنصوص (1).
    والقول باستحبابه ـ كما عن الشيخ في التبيان في نقل (2) ، وفي النهاية في آخر (3) ـ شاذّ مردود ، كما في كلام جمع (4) ، مشعرين بدعوى الإجماع ، كما صرّح به بعضهم (5).
    وهو ( مخيّر بينه وبين التقصير ) مطلقاً ( ولو كان صرورة ) لم يحجّ بعد ( أو ملبِّداً ) وهو من يجعل في رأسه عسلاً أو صمغاً لئلّا يتّسخ أو يقمل ( على‏ الأظهر ) عند الماتن والأكثر كما في كلام جمع (6).
    ومستندهم غير واضح ، عدا الأصل ، وإطلاق قوله تعالى‏ : ( مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ ) (7) وقوله صلى الله عليه وآله : « وللمقصِّرين » (8).
    وضعفهما في غاية الظهور ، سيّما في مقابلة ما سيأتي من النصوص.
    والأظهر تعيّن الحلق عليهما ، كما عن النهاية والمبسوط والوسيلة (9) ، وعن المقنع والتهذيب والجامع (10) مع المعقوص ، وعن المقنعة والاقتصاد
1 ـ اُنظر الوسائل 14 : 211 أبواب الحلق والتقصير ب 1.
2 ـ نقله عنه العلامة في المنتهى 2 : 762 ، وهو في التبيان 2 : 154.
3 ـ النهاية : 262.
4 ـ منهم الشهيد في الدروس 1 : 452 ، وصاحب المدارك 8 : 88 ، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 373.
5 ـ المفاتيح 1 : 360.
6 ـ منهم : المحقق الثاني في جامع المقاصد 3 : 255 ، وصاحب المدارك 8 : 89 ، وصاحب الحدائق 17 : 222.
7 ـ الفتح : 27.
8 ـ التهذيب 5 : 243/822 ، الوسائل 14 : 223 أبواب الحلق والتقصير ب 7 ح 6.
9 ـ النهاية : 262 ، المبسوط 1 : 376 ، الوسيلة : 186.
10 ـ المقنع : 89 ، التهذيب 5 : 243 ، الجامع للشرائع : 216.


(474)
والمصباح ومختصره والكافي (1) في الصرورة.
    للنصوص المستفيضة ، وفيها الصحاح وغيرها من المعتبرة.
    ففي الصحيح : « إذا عقص الرجل رأسه أو لبّده في الحج أو العمرة فقد وجب عليه الحلق » (2).
    وفيه : « إذا أحرمت فعقصت شعر رأسك أو لبّدته فقد وجب عليك الحلق ، وليس لك التقصير ، وإن أنت لم تفعل فمخيّر لك التقصير والحلق في الحج ، وليس في المتعة إلّا التقصير » (3).
    وفيه : « ينبغي للصرورة أن يحلق ، وإن كان قد حجّ فإن شاء قصّر وإن شاء حلق ، فإذا لبّد شعره أو عقصه فإنّ عليه الحلق وليس له التقصير » (4).
    وهذه الأخبار صريحة في الوجوب على‏ الملبِّد والمعقوص ، كالخبر : « ليس للصرورة أن يقصّر » (5) وآخر : ( إن لم يكن حجّ فلا بدّ له من الحلق ) (6) في الوجوب على‏ الصرورة.
    لكن لفظة « ينبغي » في الصحيحة الأخيرة ربما تعطي الاستحباب فيه ، إلّا أن الظاهر منها أن المراد بها الوجوب ، بقرينة قوله : « وإن كان قد حجّ فإن شاء » إلى‏ آخره ، فإنّ مفهومه نفي المشيئة عن الذي لم يحجّ وهو
1 ـ المقنعة : 419 ، الاقتصاد : 308 ، المصباح : 644 ، الكافي في الفقه : 201 ، حكاه عنه مختصر المصباح في كشف اللثام 1 : 373.
2 ـ التهذيب 5 : 484/1724 ، الوسائل 14 : 222 أبواب الحلق والتقصير ب 7 ح 2.
3 ـ التهذيب 5 : 160/533 ، الوسائل 14 : 224 أبواب الحلق والتقصير ب 7 ح 8.
4 ـ الكافي 4 : 502/6 ، التهذيب 5 : 243/821 ، الوسائل 14 : 221 أبواب الحلق والتقصير ب 7 ح 1.
5 ـ التهذيب 5 : 243/820 ، الوسائل 14 : 224 أبواب الحلق والتقصير ب 7 ح 10.
6 ـ التهذيب 5 : 485/1730 ، الوسائل 14 : 222 أبواب الحلق والتقصير ب 7 ح 4.


(475)
الصرورة ، وهو نصّ في الوجوب ، فإنّ الاستحباب لا يجامع نفي المشيئة.
    ويعضده الروايتان الأخيرتان المنجبر ضعف إسنادهما بفتوى‏ هؤلاء العظماء من القدماء.
    ( و ) حيثما تخيّر فـ ( الحلق أفضل ) إجماعاً كما عن التذكرة (1) ، وفي المنتهى‏ : لا نعلم فيه خلافاً (2) للصحاح وغيرها (3).
    ( والتقصير متعيّن على‏ المرأة ) (4) كما في المختلف وغيره (5) ، وفي التحرير والمنتهى‏ (6) : ليس عليها الحلق إجماعاً للنبوي : « ليس على‏ النساء حلق ، إنما على‏ النساء التقصير » (7).
    والمرتضوي : « نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أن تحلق المرأة رأسها » (8).
    ( ويجزئ ) المرأة في التقصير أخذ ( قدر الأنملة ) كما في كلام جماعة (9) للمرسل كالصحيح : « تقصر المرأة لعمرتها مقدار الأنملة » (10).
1 ـ التذكرة 1 : 390.
2 ـ المنتهى 2 : 763.
3 ـ الوسائل 14 : 221 أبواب الحلق والتقصير ب 7.
4 ـ في « ح » و « ق » زيادة : إجماعاً.
5 ـ المختلف : 308 ؛ وانظر المدارك 8 : 91 ، والحدائق 17 : 226.
6 ـ التحرير 1 : 108 ، المنتهى 2 : 763.
7 ـ الفقيه 4 : 263 ضمن حديث 821 ، الوسائل 14 : 227 أبواب الحلق والتقصير ب 8 ح 4 ، عوالي الآلي 1 : 180/237 ، المستدرك 10 : 136 أبواب الحلق والتقصير ب 7 ح 3.
8 ـ كنز العمال 5 : 276/12873.
9 ـ منهم : صاحب المدارك 8 : 92 ، والسبزواري في الذخيرة : 681 ، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 373.
10 ـ الكافي 4 : 503/11 ، التهذيب 5 : 244/824 ، الوسائل 13 : 508 أبواب التقصير ب 3 ح 3.


(476)
    ولكن في الصحيح : « إن لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن ويقصرن من أظفارهن » (1) فالأولى الجمع.
    وعن الإسكافي أنها يجزئها قدر القبضة (2). قيل : وهو على‏ الندب (3).
    ثم قيل : المراد بقدر الأنملة أقلّ المسمّى ، وهو المحكي عن ظاهر التذكرة والمنتهى‏ ، قال : لأن الزائد لم يثبت ، والأصل براءة الذمة (4).
    ثم إطلاق الماتن هنا وفي غيره ـ كالقواعد ـ (5) يعطي إجزاء ذلك للرجل ولعلّه لإطلاق النصوص ، إلّا أن مقتضاه المسمّى ، كما احتمل في المرأة أيضاً.
    ( والمحلّ ) لهما ( بمنى ، و ) عليه فـ ( لو رحل قبله ) ولو جاهلاً أو ناسياً ( عاد ) إليه ( للحلق أو التقصير ) مع الإمكان فيما قطع به الأصحاب كما في المدارك (6) ، وفيه : بل ظاهر التذكرة والمنتهى أنه موضع وفاق (7).
    أقول : وبه صرّح بعض الأصحاب (8) ، وآخر بنفي الخلاف (9).
1 ـ الكافي 4 : 474/7 ، التهذيب 195/647 ، الوسائل 14 : 226 أبواب الحلق والتقصير ب 8 ح 1.
2 ـ حكاه عنه في المختلف : 308.
3 ـ الدروس 1 : 453.
4 ـ كشف اللثام 1 : 373 ، وهو في التذكرة 1 : 390 والمنتهى 2 : 763.
5 ـ القواعد 1 : 89.
6 ـ المدارك 8 : 95.
7 ـ التذكرة 1 : 390 ، المنتهى 2 : 764.
8 ـ المفاتيح 1 : 361.
9 ـ الذخيرة : 682.


(477)
    للصحيح : عن رجل نسي أن يقصر من شعره أو يحلقه حتى ارتحل من منى ، قال : « يرجع إلى‏ منى حتى يلقي شعره بها » (1).
    ونحوه الخبر فيمن جهل أن يأتي بأحدهما حتى ارتحل من منى (2).
    ( و ) أما الحسن ، بل الصحيح : عن رجل نسي أن يحلق رأسه أو يقصر حتى نفر ، قال : « يحلق في الطريق أو أين كان » (3) فمحمول على‏ ما ( لو تعذّر ) العود ، فإنه إذا كان كذلك ( حلق أو قصّر حيث كان وجوباً ) بلا إشكال كما في المدارك (4) ، وفي غيره بلا خلاف (5).
    ( وبعث بشعره إلى‏ منى ليدفن بها استحباباً ) مطلقاً للأمر به في الصحيح (6) وغيره (7) كذلك.
    وإنما حمل على‏ الاستحباب جمعاً بينهما وبين الصحيح : عن الرجل ينسى أن يحلق رأسه حتى ارتحل من منى ، فقال : « ما يعجبني أن يلقي شعره إلّا بمنى‏ ولم يجعل عليه شيئاً » (6).
1 ـ التهذيب 5 : 241/812 ، الاستبصار 2 : 285/1011 ، الوسائل 14 : 217 أبواب الحلق والتقصير ب 5 ح 1.
2 ـ الكافي 4 : 502/5 ، التهذيب 5 : 241/813 ، الاستبصار 2 : 285/1012 ، الوسائل 14 : 218 أبواب الحلق والتقصير ب 5 ح 4.
3 ـ التهذيب 5 : 241/814 ، الاستبصار 2 : 285/1013 ، الوسائل 14 : 218 أبواب الذبح ب 5 ح 2.
4 ـ المدارك 8 : 96.
5 ـ الذخيرة : 682.
6 ـ الفقيه 2 : 300/1495 ، الوسائل 14 : 220 أبواب الحلق والتقصير ب 6 ح 4.
7 ـ اُنظر الوسائل 14 : 219 أبواب الحلق والتقصير ب 6.
8 ـ التهذيب 5 : 242/818 ، الاستبصار 2 : 286/1017 ، الوسائل 14 : 221 أبواب الحلق والتقصير ب 6 ح 6.


(478)
    خلافاً لجماعة فأوجبوا البعث مطلقاً (1) ، وقيّده الفاضل في المختلف بصورة العمد (2) ، ولا دليل على تفصيله.
    ومتى‏ تعذّر البعث سقط ولم يكن عليه شي‏ء إجماعاً كما قيل (3).
    أما دفن الشعر بمنى فقيل : قد قطع الأكثر باستحبابه ، وأوجبه الحلبي (4).
    والأصحّ الاستحباب للصحيح : « كان عليّ بن الحسين عليهما السلام يدفن شعره في فسطاطه بمنى ويقول : كانوا يستحبون ذلك » قال : وكان أبو عبد اللَّه عليه السلام يكره أن يخرج الشعر من منى ويقول : « من أخرجه فعليه أن يردّه » (5).
    ويستفاد منه أنه لا يختص استحباب الدفن بمن حلق في غير منى وبعث شعره إليها كما قد يوهمه ظاهر العبارة ، بل يستحب للجميع (6).
    ( ومن ليس على‏ رأسه شعر ) خلقة أو لحلقه في إحرام العمرة ( يجزئه إمرار الموسى ) عليه كما في الخبر (7).
    وظاهر الإجزاء فيه وفي العبارة عدم وجوب التقصير ولو مع إمكانه مطلقاً. وهو مشكل حيثما يتخير الحاج بينه وبين الحلق لأن تعذّر الحلق‏
1 ـ منهم : الشيخ في النهاية : 263 ، والمحقق في الشرائع 1 : 265 ، والفيض الكاشاني في المفاتيح 1 : 361.
2 ـ المختلف : 308.
3 ـ المدارك 8 : 97.
4 ـ في « ك » و « ح » : الحلي ( السرائر 1 : 601 ).
5 ـ التهذيب 5 : 242/815 ، الاستبصار 2 : 286/1014 ، الوسائل 14 : 220 أبواب الحلق والتقصير ب 6 ح 5.
6 ـ المدارك 8 : 97.
7 ـ الكافي 4 : 504/13 ، التهذيب 5 : 244/828 ؛ الوسائل 14 : 230 أبواب الحلق والتقصير ب 11 ح 3.


(479)
بفقد الشعر يعيّن الفرض الآخر.
    والخبر ضعيف السند ، مضافاً إلى‏ قوة احتمال أن يكون المراد بالإجزاء الإجزاء عن الحلق الحقيقي الذي هو إزالة الشعر ، لا الإجزاء عن مطلق الفرض.
    فالوجه ـ وفاقاً لجماعة (1) ـ تعيّن التقصير من اللحية أو غيرها ، مع استحباب إمرار الموسى ، كما عليه الأكثر ، ومنهم الشيخ في الخلاف مدّعياً عليه الإجماع (2).
    نعم ، إن لم يكن له ما يقصّر منه ، أو كان صرورة ، أو ملبِّداً ، أو معقوصاً ، وقلنا بتعيّن الحلق عليهم اتّجه وجوب الإمرار حينئذ عملاً بحديث : « الميسور لا يسقط بالمعسور » (3) و : « ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه » (4) المؤيد بالخبر المتقدم ، فإنّ ظاهره الورود في الصرورة ، فتدبّر.
    وعليه يحمل إطلاق الخبر الآخر : عن المتمتع أراد أن يقصّر فحلق رأسه ، قال : « عليه دم يهريقه ، فإذا كان يوم النحر أمرّ الموسى على رأسه حين يريد أن يحلق » (5) بحمله على‏ الصرورة ، أو يحمل الأمر فيه على‏ الاستحباب.
    ( والبدأة برمي جمرة العقبة ثم بالذبح ثم بالحلق واجب ، فلو خالف‏
1 ـ منهم : الحلبي في الكافي : 201 ، والعلامة في المنتهى 2 : 763 ، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 374.
2 ـ الخلاف 2 : 331.
3 ـ عوالي الآلي 4 : 58/205.
4 ـ عوالي الآلي 4 : 58/205.
5 ـ التهذيب 5 : 158/525 ، الاستبصار 2 : 242/842 ، الوسائل 14 : 229 أبواب الحلق والتقصير ب 11 ح 1.


(480)
أثم ولم يعد ).
    أما عدم وجوب الإعادة على‏ تقدير المخالفة فالأصحاب قاطعون به على‏ الظاهر ، المصرّح به في المدارك (1) ، وأسنده في المنتهى‏ إلى‏ علمائنا (2) ، مؤذناً بدعوى‏ الإجماع عليه وهو الحجة ، مضافاً إلى‏ صريح الصحيح (3) وغيره (4).
    وأما وجوب الترتيب فعليه الشيخ في أحد قوليه وأكثر المتأخرين كما قيل (5) ، وعزاه في المنتهى‏ إلى‏ الأكثر بقول مطلق (6) للتأسي ، مع قوله عليه السلام : « خذوا عنّي مناسككم » (7) وظاهر النصوص ، منها : « إذا ذبحت أُضحيّتك فاحلق رأسك » (8) والفاء للترتيب.
    ومنها : « لا يحلق رأسه ولا يزور البيت حتى يضحّي فيحلق رأسه ويزور متى شاء » (9).
    خلافاً للمحكي عن الخلاف والسرائر والكافي وظاهر المهذّب (10) ،
1 ـ المدارك 8 : 101.
2 ـ المنتهى 2 : 765.
3 ـ الكافي 4 : 504/1 ، الفقيه 2 : 301/1496 ، التهذيب 5 : 2306/797 ، الاستبصار 2 : 285/1009 الوسائل 14 : 155 أبواب الذبح ب 39 ح 4.
4 ـ الكافي 4 : 504/2 ، التهذيب 5 : 236/796 ، الاستبصار 2 : 284/1008 ، الوسائل 14 : 156 أبواب الذبح ب 39 ح 6.
5 ـ المدارك 8 : 99.
6 ـ المنتهى 2 : 764.
7 ـ عوالي الآلي 4 : 34/118 ، مسند أحمد 3 : 366 بتفاوت يسير.
8 ـ التهذيب 5 : 240/808 ، الوسائل 14 : 211 أبواب الحلق والتقصير ب 1 ح 1.
9 ـ التهذيب 5 : 236/795 ، الاستبصار 2 : 284/1006 ، الوسائل 14 : 158 أبواب الذبح ب 39 ح 9.
10 ـ الخلاف 2 : 345 ، السرائر 1 : 602 ، الكافي في الفقه : 200 ، المهذب 1 : 260.
رياض المسائل الجزء السادس ::: فهرس