تنقيح المقال ـ الجزء الخامس ::: 16 ـ 30
(16)
    ثمّ قال : وروى مهزم أيضاً عن أبي عبد الله عليه السلام. وعن رجل ، عن أبي عبد الله عليه السلام. انتهى.
    وفي الفهرست (1) : أخبر به ـ أي بأصله ـ ابن أبي جيد ، عن محمّد بن الحسن بن الوليد ، عن محمّد بن الحسن الصفّار ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن إبراهيم بن مهزم هذا. انتهى.
    وفي المشتركات (2) أنّه يعرف برواية الحسن بن محبوب ، عنه.
    ونقل في جامع الرواة (3) رواية عليّ بن الحكم ، وعبيس بن هشام ، وأحمد بن محمّد ، والحسن بن الجهم ، والحسن بن عليّ ، وابن أبي عمير ، ومحمّد بن إسماعيل بن بزيع ، ومحمّد بن عليّ ، وجعفر بن بشير ، عنه (*).
1 ـ الفهرست : 32 برقم 21.
    أقول : لقد روى المترجم عن أبي عبد الله ، وأبي الحسن الكاظم عليهما السلام ، وعن أبيه مهزم ، وأبي مريم ، و إبراهيم الكرخي ، و إسحاق بن عمّار ، والحسين بن أبي حمزة ، وحكم بن سالم ، وطلحة بن زيد ، وطلحة بن يزيد ، وعنبسة بن بجاد ، وعنبسة العابد ، والقاسم بن الوليد.
    أمّا من روى عنهم ، فهم : ابن أبي عمير ، وابن سنان ، والحسن بن محبوب ، وأحمد بن الحسن الميثمي ، وأحمد بن محمّد ، وجعفر بن بشير ، والحسن بن جعفر ، والحسن بن عليّ ، وعبيس بن هشام ، ومحمّد بن إسماعيل بن بزيع ، ومحمّد بن عليّ ، ومحمّد بن سالم بن عبد الرحمن.
2 ـ المسمّى بـ : هداية المحدّثين : 12.
3 ـ جامع الرواة 1/34.
حصيلة البحث
    إنّ عدّ ابن شهرآشوب له من خواصّ الصادق عليه السلام ، وتوثيق النجاشي له مرّتين ، واتّفاق أرباب المعاجم الرجاليّة في توثيقه من دون غمز فيه ، يلزمنا الحكم بوثاقته وجلالته ، وورعه وتقواه ، فهو في أعلى مراتب الوثاقة ، وحديثه في أعلى مراتب الصحّة.


(17)
[ 600 ]
    الضبط :
    مَهْزِيار : بفتح الميم ، و إسكان الهاء ، وكسر الزاي المعجمة ، وبعدها ياء منقّطة نقطتين (1) ، والراء المهملة أخيراً ، على ما نصّ عليه في عليّ بن مهزيار من الإيضاح (2).
    والأهوازي : نسبة إلى الأهواز ، سبع أو تسع كور ، بين البصرة وفارس ، لكلّ كورة منها اسم ، يجمعهن الأهواز ، ليس له واحد. انتهى (3).
مصادر الترجمة
    رجال الشيخ : 399 برقم 19 و 410 برقم 10 ، رجال ابن داود : 19 برقم 39 ، رجال النجاشي : 13 برقم 16 ، حاوي الأقوال 3 / 249 برقم 1204 [ المخطوط : 216 برقم 1118 من نسختنا ] ، الخلاصة : 6 برقم 17 ، وسائل الشيعة 20 / 123 برقم 45 ، الوجيزة : 142 [ رجال المجلسي : 148 برقم 49 ] ، إعلام الورى : 417 ، الإرشاد للشيخ المفيد : 331 ، الغيبة للشيخ الطوسي : 170 ، مستدرك الوسائل 3 / 550 ، الكافي 1 / 518 حديث 5 ، روضة المتّقين 14 / 38 ، منهج المقال : 28 ، رجال الكشّي : 531 برقم 1015 ، تكملة الرجال 1 / 98 ، الفقيه 4 / 44 من المشيخة ، بصائر الدرجات الجزء السابع : 337 باب 11 حديث 15 ، إكمال الدين 2 / 445 حديث 19 ، كامل الزيارات : 21 باب 4 حديث 4 ، جامع المقال : 53 ، هداية المحدّثين : 12 ، جامع الرواة 1 / 35 ، لسان الميزان 1 / 115 برقم 35.
1 ـ في المصدر : تحتها نقطتين.
2 ـ إيضاح الاشتباه : 20 برقم 11 ، وصفحة : 216 برقم 382 طبعة جماعة المدرسين.
3 ـ هذا نهاية كلام صاحب كتاب العين كما في معجم البلدان 1 / 285 بعينه إلاّ أنّ فيه : سبع كور .. من دون ترديد بين السبع والتسع. وقد ذكر وجوهاً أُخر في وجه تسمية الأهواز ، فراجع.


(18)
    الترجمة :
    عدّه الشيخ رحمه الله مقتصراً على اسمه واسم أبيه من رجال الجواد عليه السلام (1).
    ثمّ عدّه من أصحاب الهادي عليه السلام بزيادة : الأهوازي (2).
    والعجب من ابن داود (3) ، أنّه قال : لم يرو عن الأئمّة عليهم السلام.
    وقال النجاشي (4) : له كتاب البشارات ، أخبرنا الحسين بن عبيد الله ، قال : حدّثنا أحمد بن جعفر ، قال : حدّثنا أحمد بن إدريس ، قال : حدّثنا محمّد بن عبدالجبار ، عن إبراهيم ، به. انتهى.
    وعدّه الحاوي (5) ، في فصل الضعفاء. لكن العلاّمة رحمه الله عدّه في قسم المعتمدين (6). ووثّقه الفاضل المجلسي رحمه الله في الوجيزة (7).
    وفي رجال الوسائل (8) أنّه : من سفراء المهدي عليه السلام ، ذكره ابن
1 ـ الشيخ في رجاله : 399 برقم 19 : إبراهيم بن مهزيار.
2 ـ الشيخ في رجاله أيضاً : 410 برقم 10 : إبراهيم بن مهزيار أهوازي.
3 ـ رجال ابن داود : 19 برقم 39 طبعة جامعة طهران ، قال : إبراهيم بن مهزيار أبو إسحاق الأهوازي ( لم ) ( كش ) ممدوح ، وفي الطبعة الحيدريّة : 34.
4 ـ النجاشي في رجاله : 13 برقم 16 ، وفي طبعة الهند : 12.
5 ـ حاوي الأقوال 3 / 249 برقم 1204 [ المخطوط : 214 برقم 1118 مـن نسختنـا ] .
6 ـ الخلاصة : 6 برقم 17.
7 ـ الوجيزة : 143 [ رجال المجلسي : 146 برقم 49 ] قال : و إبراهيم بن مهزيار ثقة من السفراء.
8 ـ وسائل الشيعة 20 / 123 برقم 45.


(19)
طاوس في ربيع الشيعة (1) ، ومدحه مدحاً جليلاً يزيد على التوثيق ، ويفهم توثيقه أيضاً من تصحيح العلاّمة (2) رحمه الله طريق الصدوق رحمه الله إلى
1 ـ في إعلام الورى الّذي يقال إنّه عين ربيع الشيعة : 417 ـ 418 وفي طبعة مؤسسة آل البيت عليهم السلام 2 / 261 : في الفصل الثاني في ذكر ما روي من دلائله وبينـاته عليه السلام : محمّد بن يعقوب ، عن عليّ بن محمّد ، عن محمّد بن جمهور ، عن محمّد بن إبراهيم بن مهزيار قال : شككت عند مضي أبي محمود ، واجتمع عند أبي مال جليل ، فحمله وركب السفينة ، وخرجت معه مشيّعاً ، فوعك وعكاً شديداً فقال : يا بني ! ردّني فهو الموت ، وقال لي : اتّق الله في هذا المال ، وأوصى إليّ فمات ، فقلت في نفسي : لم يكن أبي ليوصي بشيء غير صحيح ، أحمل هذا المال إلى العراق ، وأكتري داراً على الشط ، ولا أخبر أحداً بشيء ، فإن وضح لي شيء كوضوحه في أيام أبي محمّد عليه السلام أنفذته ، و إلاّ قصفت به ، فقدمت العراق ، و اكتريت داراً على الشط ، وبقيت أياماً ، فإذا أنا برقعة مع رسول ، فيها : يا محمّد ! معك كذا وكذا ، حتّى قصّ عليّ جميع ما معي ممّا لم أحط به علماً ، فسلّمت المال إلى الرسول ، وبقيت أياماً لا يُرفع لي رأس ، وأغتممت ، فخرج إليّ : « قد أقمناك مقام أبيك فاحمد الله ».
    وهذه الرواية بلا زيادة ونقيصة مع اختلاف في بعض السند رواها الشيخ المفيد رحمه الله في الإرشاد : 351 [ الطبعة المحقّقة 2 / 356 ] ، والشيخ الطوسي في الغيبة : 170 [ دار البعثة وفي نسخة اُخرى : 281 حديث 239 ] ، والمحدّث النوري في مستدرك الوسائل 3 / 550 [ الطبعة المحقّقة 22 / 26 برقم ( 12 ) ] ، وثقة الإسلام الكليني في الكافي 1 / 518 حديث 5 ، والمجلسي الأوّل رحمه الله في روضة المتّقين 14 / 38 عن الحميري وصحّح السند ، وفي الخرائج والجرائح 1 / 462 حديث 7.
    أقول : هؤلاء أعلام الطائفة ، ومشايخها العظام ، يشهدون بروايتهم هذه ، أنّ المعنون من السفراء ، ووكلاء الإمام المنتظر عجّل الله فرجه الشريف وجعلني من كلّ مكروه فداه ، فلا مجال للتشكيك في سفارته ووكالته.
2 ـ في الخلاصة : 278 في الفائدة الثامنة قال : .. وعن داود الصيرفي صحيح ، وكذا عن إبراهيم بن مهزيار.


(20)
بحر السقاء (1). انتهى.
    وحكى أيضاً عن ابن طاوس (2) أنّه من الأبواب المعروفين الّذين لا تختلف الإماميّة القائلون بإمامة الحسن بن عليّ عليهما السلام فيهم.
    وروى الكشّي (3) عن أحمد بن عليّ بن كلثوم السرخسي ـ وكان من القوم (*) ، وكان مأموناً على الحديث ـ قال (4) : حدّثني إسحاق بن محمّد البصري ، قال : حدّثني محمّد بن إبراهيم بن مهزيار ، وقال : إنّ أبي لمّا حضرته الوفاة ، دفع إليّ مالا ، وأعطاني علامة ، ولم يعلم بتلك العلامة أحد إلاّ الله عزّوجلّ ، وقال : فمن أتاك (5) بهذه العلامة ـ فادفع إليه المال ، قال : فخرجت إلى بغداد ، ونزلت في خانٍ ، فلمّا كان اليوم الثاني ، إذ جاء شيخ (6) ودقّ الباب ، فقلت للغلام : انظر من هذا ، فقال : شيخ ، فقلت : ادخل (7) فدخل ، وجلس ، فقال : أنا العمري ، هات المال الّذي عندك ، وهو كذا و .. كذا ومعه العلامة. قال : فدفعت المال إليه (8).
1 ـ الوسائل 20 / 123 برقم 45.
2 ـ حكى الميرزا في منهج المقال : 28 ، والوسيط المخطوط : 15 من نسختنا ، وغيره عن ابن طاوس رحمه الله كون المترجم من السفراء ، وفي روضة المتّقين 14 / 38 : قال ابن طاوس في ربيع الشيعة : إنّه من سفراء الصاحب عليه السلام.
3 ـ الكشّي في رجاله : 531 برقم 1015 ، وذكره في روضة المتّقين 14 / 38 وصحح روايته.
خ. ل : الفقهاء.
    ونقل المجلسي الأوّل في روضة المتّقين 14 / 38 في المقام : بعض ما سلف ، فلاحظ.
4 ـ لا يوجد ( قال ) في المصدر.
5 ـ في المصدر : من أتاك ..
6 ـ في المصدر : شيخٌ بالباب.
7 ـ كذا ، والظاهر : أدخله.
8 ـ قال في التكملة معلّقاً على هذه الرواية في 1 / 98 أورد على الرواية الّتي أوردها المصنّف بضعف سندها بإسحاق بن محمّد البصري ـ كما سيجيء إن شاء الله تعالى ـ ، ولو سلّم فليس هذا المدح ممّا يعتدّ به ، و إنّ الحديث الّذي وصفه العلاّمة بالصحيح ، هو هذه الرواية الضعيفة ، و إنّ الظاهر من العمري هذا هو حفص بن عمرو ـ الّذي سيجيء إن شاء الله تعالى ذكره ـ وعنوان كتاب الكشّي يدلّ عليه ، والعلاّمة فهم أنّ العمري ـ هذا ـ اسمه جعفر تبعاً لابن طاوس ، والظاهر أنّه تصحيف ، إذ لم يعهد هذا الاسم في نواب الإمام عليه السلام ، فتأمّل.
    وفيه : أنّ كون هذا المدح على تقدير التسليم ممّا لا يعتدّ به ، ليس كذلك ، وأيّ مدح أعظم من كون الرجل أميناً للإمام ، وأمّا أنّ مستند العلاّمة هو هذه الرواية ، فمجرّد احتمال ، ولعلّ مستنده أمرٌ آخر ، وأيضاً صرّح ابن طاوس بأنّه من سفراء الصاحب المعروفين الّذين لا يختلف الاثنا عشرية فيهم ، وهو صريح في أن ليس مستند ابن طاوس هذه الرواية ، بل الظاهر الدراية والإجماع ، ولعلّه هو مستند العلاّمة ، وكيف كان فهو حسن قطعاً ، فما في المجمع من نفيه حيث قال : مع أنّه خبر غير صحيح لوجود إبراهيم بن مهزيار وما وثّق بل ما ثبت مدحه الّذي ذكره في رجال ابن داود ، وما تسمّى في الكتب أيضاً لا بالصحيح ولا بالحسن ، وكأ نّه لذلك تردّد في الوجوب في المعتبر. انتهى ، وهو منظور فيه من وجوه تعلم من الكتاب ومن كلامنا السابق.
    أقول : يظهر ممّا ذكره في التكملة بوضوح صحّة ما ارتئيناه ، فراجع وتدبّر.


(21)
    وحفص بن عمرو (1) كان وكيل أبي محمّد عليه السلام ، وأمّا أبو جعفر محمّد بن حفص بن عمرو ، فهو : ابن العمري ، وكان وكيل الناحية ، وكان الأمر يدور عليه. انتهى.
    وقال العلاّمة رحمه الله في الخلاصة (2) ـ بعد نقل مضمون هذه الرواية
1 ـ الظاهر سقوط : قال أبو عمرو ، لأنّ حديث ابن مهزيار تمّ ، وهذا من الكشّي أبو عمرو ، فتفطّن.
2 ـ الخلاصة : 6 برقم 17 ، وجاء في طريق الصدوق رحمه الله في مشيخة الفقيه : 4 / 44 : .. وما كان فيه عن إبراهيم بن مهزيار فقد رويته عن أبي رضي الله عنه ، عن الحميري ،عن إبراهيم بن مهزيار.
    وروى في بصائر الدرجات الجزء السابع : 337 باب 11 برقم 15 : حدّثنا الحسن بن عليّ السرسوني ، عن إبراهيم بن مهزيار قال : كان أبو الحسن عليه السلام كتب إلى عليّ ابن مهزيار يأمره أن يعمل له مقدار الساعات ، فحملناه إليه في سنة ثمان وعشرين ، فلمّا صرنا بسيالة ، كتب يعلمه قدومه ويستأذنه في المصير إليه ، وعن الوقت الّذي نسير إليه فيه ، واستأذن لإبراهيم ، فورد الجواب بالإذن : إنّا نصير إليه بعد الظهر ، فخرجنا جميعاً إلى أن صرنا في يوم صائف شديد الحرّ ، ومعنا مسرور غلام عليّ بن مهزيار ، فلمّا أن دنوا من قصره إذا بلال قائم ينتظرنا ـ وكان بلال غلام أبي الحسن عليه السلام ـ فقال : أدخلوا ، فدخلنا حجرة ، وقد نالنا من العطش أمر عظيم ، فما قعدنا حيناً حتّى خرج إلينا بعض الخدم ومعه قلال من ماء أبرد ما يكون ، فشربنا ، ثمّ دعا بعليّ بن مهزيار فلبث عنده إلى بعد العصر ، ثمّ دعاني فسلّمت عليه ، واستأذنته أن يناولني يده فأقبّلها ، فمدّ يده عليه السلام فقبّلتها ، ودعاني وقعدت ، ثمّ قمت فودّعته ، فلمّا خرجت من باب البيت ناداني فقال : « يا إبراهيم ! » فقلت : لبيك يا سيدي : فقال : « لا تبرح » ، فلم نزل جالساً ومسرور علامنا معنا ، فأمر أن ينصب المقدار ، ثمّ خرج عليه السلام ، فاُلقي له كرسي فجلس عليه ، واُلقي لعليّ بن مهزيار كرسي عن يساره فجلس .. إلى آخره.
    وهذه الرواية إن صحّ سندها تدلّ على عناية الإمام عليه السلام بإبراهيم ، وأ نّه موضع لطفه ورعايته.


(22)
مختصراً ، ما لفظه ـ : وفي طريق الرواية ضعف. انتهى.
    وغرضه ضعفه بـ : أحمد بن عليّ بن كلثوم ، فإنّه متّهم بالغلوّ (1). ولكن قول الكشّي : ( وكان مأموناً على الحديث ) يجبر ذلك.
    ونقل في الحاوي (2) أنّ الصدوق رحمه الله روى في إكمال الدين (3) ، مسنداً عن
1 ـ في تكملة الرجال 1 / 140 بحث حول الرجل مفيد ، وخلاصته إثبات أنّ روايته لا ينبغي أن تُردّ ، فراجع.
2 ـ حاوي الأقوال 3 / 249 برقم 1204 [ المخطوط : 214 برقم 1118 من نسختنا ] ، فقد ذكره في قسم الضعفاء.
3 ـ إكمال الدين 2 / 445 حديث 19.
    ونقل المؤلّف قدّس سرّه تمام الحديث ويرد عليه : أنّ الحديث يتضمّن قوله : و إنّي لأعرف الضوء بجبين محمّد وموسى ابني الحسن بن عليّ عليهما السلام ، ثمّ إنّي لرسولهما إليك قاصداً لإنبائك أمرهما ، فإن أحببت لقائهما والإكتحال بالتبرك بهما فارتحل معي إلى الطائف .. إلى أن قال : فبدرني إلى الإذن ، ودخل مسلّماً عليهما ، واعلمهما بمكاني فخرج عليَّ أحدهما وهو الأكبر سناً ( م ح م د ) .. إلى آخره.
    وهذه العبارات صريحة بأنّ الإمام الحسن بن عليّ العسكري عليهما السلام كان له ولدان أحدهما الحجّة المنتظر ، والآخر اسمه : موسى ، وهذا خلاف إجماع المسلمين من الإماميّة وغيرهم ، وقد اتّفق أهل الحقّ بأنّ الإمام الحسن العسكري عليه السلام لم يخلّف سوى المهدي المنتظر عجّل الله فرجه الشريف.
    والظاهر أنّ تثنية الضمائر المذكورة واسم ( موسى ) أقحم في الحديث المذكور الصحيح سنداً من بعض المنحرفين عن الحقّ ، لإسقاط الرواية عن الإعتبار ، والمؤيّد لذلك أنّ الشيخ رحمه الله في الغيبة : 159 ذكر هذه الرواية بنحو أخصر وليس فيها ذكر من ( موسى ) ولا تثنية الضمائر ، فتفطّن.


(23)
إبراهيم بن مهزيار حديثاً طويلا ، يتضمّن ثناءً عظيماً من القائم عليه السلام على إبراهيم بن مهزيار. ثمّ ناقش فيه بأنّه هو الراوي لذلك ، فيكون قد مدح به نفسه.
ملاحظات على كلام بعض المعاصرين
    أقول : يتلخّص نقاش بعض المعاصرين في قاموس الرجال 1/215 ـ 217 في ترجمة إبراهيم هذا بأُمور :
    الأوّل قوله : إنّ كونه من السفراء ذكره ابن طاوس وهو اجتهاد منه ، ولو كان سفيراً من قبل الإمام عليه السلام لذكره النجاشي والشيخ رحمهما الله ، مع شدّة اهتمامهم بذكر السفراء !
    ويرد هذا الزعم أنّ سفارة المترجم ووكالته لم يتفرّد بها السيّد ابن طاوس رحمه الله ، و إن كانت شهادته كافية في المقام ، فقد ذكر وكالته جمع من أساطين الطائفة ، وقد أشرنا إليهم ، فراجع.


(24)

    الثاني : إنّ العلاّمة رحمه الله عدّه في المعتمدين ، وصحّح طريق الصدوق إلى بحر السقّاء ، وليس منه إلاّ لأ نّه يعتمد على من لم يرد فيه قدح ، ويبني على إصالة العدالة ، وعليه لا يكون تصحيحه حجّة.
    أقول : إنّ طريقة العلاّمة رحمه الله كذلك ، إلاّ أنّ المقام ليس من ذلك ، لأ نّه ثبت أعظم المدح وأجلّ الصفات للمترجم ، وهو كونه وكيلا عن الإمام المنتظر عجّل الله فرجه الشريف ، فليس المقام من البناء على إصالة العدالة ، فتفطّن.
    الثالث : إنّ رواية الكشّي في رجاله : 531 برقم 1015 ضعيفة السند بإسحاق بن محمّد البصري.
    والجواب عنه : إنّا لم نعتمد على هذه الرواية في إثبات وكالته.
    ثمّ قال المعاصر : على أنّ من المحتمل أن يكون المال المذكور في الرواية لشخص كلّفه بالايصال ، أو كان ممّا في ذمته.
    والجواب عنه : إنّ الناقل لهذه الرواية لا يتوخّى إثبات وكالته بهذه الرواية كي يقال بأنّها ليست صريحة في الوكالة ، بل يريد أن يؤيد بهذه الرواية جلالة المترجم وورعه ، وبعد إحراز وكالته ، فالمال الّذي يوصله الوكيل إلى موكّله لا يتطرّق إليه هذا الاحتمال الواهي ، وصريح الرواية الّتي رويناها عن أساطين الطائفة ، أ نّه اجتمع عند أبيه بوكالته مال ، وأوصى أن يوصله إلى الإمام المنتظر عجّل الله فرجه الشريف ، ولمّا أوصله خرج التوقيع بأنّه : « قد أقمناك مقام أبيك فأحمد الله » ، فالاحتمال الّذي ذكره المعاصر ساقط باطل البتة ..
    الرابع : إنّ رواية الصدوق في إكمال الدين : أوّلا : تضمّنت ما هو خلاف إجماع المسلمين على اختلاف مذاهبهم من كون الإمام الحسن بن عليّ العسكري عليهما السلام خلّف ولدين ذكرين.
    وثانياً : إنّ الرواية تضمنت مدح نفسه ، فليست بحجّة.
    أقول : لا ريب أنّ الإمام العسكري عليه السلام لم يخلّف سوى الإمام المنتظر عجّل الله فرجه الشريف ، وقد تعرّضنا إلى الظنّ بإقحام اسم ( موسى ) في الحديث من بعض المخالفين ، ويشهد لذلك أنّ الصدوق رحمه الله نفسه يصرّح بأنّ الخلف للإمام العسكري عليه السلام هو الإمام المنتظر ـ صلوات الله عليه ـ ، وأنّ لا ذريّة له سواه ، فيكشف ذلك عن وقوع التحريف في الحديث ، وأشرنا إلى ذلك ، فراجع.
    و أمّا قوله : والرواية مدح له فليست بحجّة .. فواه ، لأنّ من له إلماماً ولو قليل بالّذين كانوا يتّصلون بأئمّة الهدى صلوات الله وسلامه عليهم ، ويقتبسون من معارفهم وأنوارهم الإلهية ، وينالون شرف عنايتهم ورعايتهم ، ما كانوا يستحلّون أن يضعوا حديثاً لمدح أنفسهم على لسان ساداتهم ، إلاّ من طبع على قلبه واستهواه شيطانه ، وحيث أ نّ المترجم من وكلاء الإمام عليه السلام ، وموضع ثقته ، لا مجال للاحتمال الّذي ذكره المعاصر ، فيتلخّص أنّ مناقشات المعاصر المذكور باطلة موهونة.


(25)
    وأقول : الحديث لطوله لم يسعنا نقله ، وهو الحديث التاسع عشر ، من الباب السابع والأربعين ، في ذكر من شاهد القائم عجّل الله تعالى فرجه ورآه وكلّمه ، فلاحظه البتّة (1). وقد تضمّن ما يدلّ على نهاية جلالة إبراهيم هذا ، وكونه ثقة
قال الصدوق رحمه الله في باب من شاهد القائم ـ عجّل الله تعالى فرجه ـ من إكمال الدين [ كمال الدين وتمام النعمة : 445 ـ 453 حديث 19 ، وقوبل الحديث على ما جاء في بحار الأنوار 52 / 32 ـ 40 حديث 28 باختصار في الإسناد ، وقد غُضَّ النظر عن الفروق الجزئية غير المخلّة بالمعنى ] ـ ما لفظه ـ : حدّثنا محمّد بن موسى المتوكّل رحمه الله ، قال : حدثّنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن إبراهيم بن مهزيار ، قال : قدمت مدينة الرسول صلّى الله عليه وآله فبحثت عن أخبار آل أبي محمّد الحسن بن عليّ الأخير عليه السلام ، فلم أقع على شيء منها ، فرحلت منها إلى مكّة مستحثاً [ في المصدر وبحار الأنوار : مستبحثاً ،وهو الظاهر ، وفي ورقة التصويب من التنقيح : مسبحثاً ] عن ذلك ، فبينا [ في إكمال الدين : فبينما ] أنا في الطواف ، إذ ترائى لي فتىً أسمر اللون ، رائع الحُسن ، جميل المخيلة [ نسخة بدل : الهيئة. ( منه قدّس سرّه ) ] ، يطيل التوسم فيّ. فعدلت إليه مؤمّلاً منه عرفان ما قصدت له ، فلمّا قربت منه سلّمت فأحسن الإجابة ، ثمّ قال : من أيّ البلاد أنت ؟ ، قلت : رجل من أهل العراق ، قال : من أيّ العراق ؟قلت : من الأهواز. فقال : مرحباً بلقائك. هل تعرف فيها جعفر بن حمدان الخصيبي ؟ [ في المصدر : الحصيني ، وما هنا جاء في

(26)

حاشيته عن نسخة مصحّحة ] قلت : دُعي ، فأجاب ، قال : رحمه الله ، ما كان أطول ليله ، وأجزل نيله ! فهل تعرف إبراهيم بن مهزيار ؟ ، قلت : أنا إبراهيم بن مهزيار فعانقني مليّاً ، ثمّ قال : مرحباً بك يا أبا إسحاق ، ما فعلت بالعلامة [ في بحار الأنوار : العلامة ـ بدون باء ـ ولا معنى لها ] الّتي وشجت بينك وبين أبي محمّد صلوات الله عليه ؟ ، فقلت : لعلّك تريد الخاتم الّذي آثرني الله به من الطيب أبي محمّد الحسن بن عليّ عليهما السلام ؟ قال : ما أردت سواه ، فأخرجته إليه ، فلمّا نظر إليه استعبر وقـبّـله ، ثمّ قرأ كتابته ، وكانت : يا الله يا محمّد يا عليّ ، ثمّ قال : بأبي يداً طال ما جلبت [ المصدر وبحار الأنوار : جُلتَ ] فيها.
    وتراخى بنا فنون الأحاديث .. إلى أن قال لي : يا أبا إسحاق ! أخبرني عن عظيم ما توخّيت بعد الحجّ ؟ ، قلت : و أبيك ! ما توخّيت إلاّ ما سأستعلمك مكنونه ، قال : سل عمّا تريد [ في إكمال الدين وبحار الأنوار : عما شئت ] ، فإني شارح لك إن شاء الله تعالى. قلت : هل تعرف من أخبار آل أبي محمّد الحسن [ في بحار الأنوار : الحسن بن عليّ ] عليه السلام شيئاً ؟ ، قال لي : وأيم الله ، لأ نّي لأعرف الضوء بجبين محمّد وموسى ابني الحسن بن عليّ صلوات الله عليهما. ثمّ إنّي لرسولهما إليك ، قاصداً لإتيانك [ في المصدر وبحار الأنوار : لإنبائك ، وهو الظاهر ] أمرهما ، فإن أحببت لقاءهما ، والإكتحال بالتبركّ بهما ، فارتحل معي إلى الطائف ، وليكن ذلك في خفية من رجالك واكتتام ، قال إبراهيم : فشخصت معه إلى الطائف ، أتخلل رملة فرملة ، حتّى أخذ في بعض مخارج الفلاة ، فبدت لنا خيمة شعر قد أشرفت على أكمة رمل ، تتلألأ تلك البقاع منها تلألؤاً ، فبدرني إلى الإذن ، ودخل مسلّماً عليهما ، وأعلمهما بمكاني ، فخرج عليَّ أحدهما وهو الأكبر سنّاً محمّد بن الحسن صلّى الله عليه وهو غلام أمرد ، ناصع اللون ، واضح السن [ في المصدر وبحار الأنوار : واضح الجبين ، وهو الظاهر ] ، أبلج الحاجب ، مسنون الخدّ [ في الكتابين : الخدين ـ بالتثنية ـ ] ، أقنى الأنف ، أشم ، أروع ، كأنّه غصن بان ، وكأنّ صفحة غرته كوكب دريّ ، بخدّه الأيمن خال ، كأنّه فتاتة مسك على بياض الفضة ، و إذا برأسه وفرة سحماء سبطة تطالع شحمة أذنه ، له سمت ما رأت العيون أقصد منه ، ولا أعرف حسناً وسكينةً وحياءً. فلمّا مثل لي ، أسرعت إلى تلقّيه ، فأكببت عليه ألثم كلّ جارحة منه ، فقال : « مرحباً بك يا أبا إسحاق ! لقد كانت الأيام تعدني وشك لقاؤك ، والمعاتب بيني


(27)

وبينك على تشاحط الدار ، وتراخي المزار ، تتخيّل لي صورتك ، حتّى كأن لم تخل [ في إكمال الدين : كأنا لم نخل .. وفي بحار الأنوار : كأن لم نخل .. ] طرفة عين من طيب المحادثة ، وخيال المشاهدة ، وأنا أحمد الله ربّي ـ إنّه [ لا توجد : إنّه في الكتابين ] وليّ الحمد ـ على ما قـيّظ من التلاقي ، ورفّه من كربة التنازع والإستشراف عن أحوالها [ في بحار الأنوار : ثمّ سألني عن إخواني ، بدلا من : عن أحوالها ] ، متقدّمها ومتأخّرها » فقلت : بأبي أنت وأميّ ، ما زلت أتفحّص [ في إكمال الدين : أفحص ، وكذا في بحار الأنوار ] عن أمرك بلداً فبلداً منذ استأثر الله بسيّدي أبي محمّد عليه السلام ، واستغلق عليَّ ذلك ، حتّى منّ الله عليَّ بمن أرشدني إليك ، ودلّني عليك ، والشكر لله على ما أوزعني فيك من كريم اليد والطول .. ثمّ نسب نفسه وأخاه موسى ، واعتزل في [ في المصدر : بي بدلا من : في ] ناحية ، ثمّ قال : « إنّ أبي صلوات الله عليه عهد إليّ أن لا اُوطّن من الأرض إلاّ أخفاها وأقصاها ، إسراراً لأمري ، وتحصيناً لمحلّي ، لمكايد [ في بحار الأنوار : من مكايد ، بدلاً عن : لمكايد .. ] أهل الضلال والمردة من أحداث الأمم الضوالّ ، فنبذني إلى عالية الرمال ، وخبت [ في المصدر وبحار الأنوار : وجبت ، وهو الظاهر ] صرائم الأرض ، تنظرني الغاية الّتي عندها يحلّ الأمر ، وينجلي الهلع ، وكان صلوات الله عليه أنبط لي من خزائن الحكم ، وكوامن العلوم ، ما إن أشعب [ في إكمال الدين وبحار الأنوار : أشعت ، وما هنا جاء نسخة هناك ] إليك منه جزءً أغناك عن الجملة.
    واعلم ـ يا أبا إسحاق ـ أنّه قال صلوات الله عليه : « يا بني ! إنّ الله جلّ ثناؤه لم يكن ليخلّي أطباق أرضه ، وأهل الجدّ في طاعته وعبادته بلا حجّة يستعلى بها ، و إمام يؤتم به ، ويقتدى بسبيل [ في بحار الأنوار : سُبل ] سنته ، ومنهاج قصده ، وأرجو ـ يا بني ـ أن تكون أحد من أعدّه الله لنشر الحقّ ، وطي [ في إكمال الدين : ووطئ ، وهو الظاهر ] الباطل ، و إعلاء الدين ، و إطفاء الضلال ، فعليك ـ يا بني ـ بلزوم خوافي الأرض ، وتتبّع أقاصيها ، فإنّ لكلّ وليّ من أولياء [ في المصدر : لأولياء ، وما هنا أظهر ] الله عدواً مقارعاً ، وضداً منازعاً ، افتراضاً لمجاهدة أهل نفاقه وخلافه ، اُولي الإلحاد والعناد ، فلا يوحشنّك ذلك ، واعلم أنّ قلوب أهل الطاعة والإخلاص تزغ [ في بحار الأنوار والمصدر : نزّع ، وهو الظاهر ] إليك مثل الطير إلى [ في


(28)

بحار الأنوار : إذ أمتّ .. بدلا من إلى .. ] أو كارها ، وهم معشر يطلعون بمخائل الذّلة والإستكانة ، وهم عند الله بررة أعزّاء ، يبرزون بأنفس مختلّة محتاجة ، وهم أهل القناعة والإعتصام ، استنبطوا الدين فوازروه على مجاهدة الأضداد ، و [ لا توجد الواو في الكتابين ] خصّهم الله باحتمال الضيم في الدنيا [ لا توجد : في الدنيا في بحار الأنوار ] ليشملهم باتساع العزّ في دار القرار ، وجبلهم على خلائق الصبر ، لتكون لهم العاقبة الحسنى ، وكرامة حسن العقبى.
    فاقتبسن ـ يا بني ـ نور الصبر على موارد أمورك ، تفز بدرك الصنع في مصادرها ، واستشعر العزّ فيما ينويك [ في إكمال الدين وبحار الأنوار : ينوبك ] ، تحط [ في المصدر وبحار الأنوار : تحظ ، وهو الظاهر ] بما تحمد عليه [ لا يوجد : عليه ، في المصدر ] ـ إن شاء الله تعالى ـ. فكأنك ـ يا بني ـ بتأييد نصر الله قد آن ، وبتيسير الفلج وعلوّ الكعب قد [ في المصدر : وقد ] حان ، وكأنك بالرآيات الصفر والأعلام البيض تخفق على أثناء أعطافك ما بين الحطيم وزمزم ، وكأنّك بترادف البيعة ، وتصادف [ في الكتابين : وتصافي ] الولاء ، يتناظم عليك تناظم الدّر في مثاني العقود ، وتصافق الأكف على جنبات الحجر الأسود ، تلوذ بفنائك من إملاء يراهم الله [ في المصدر وبحار الأنوار : من ملأبراهم الله ] من طهارة الولادة ، ونفاسة التربة ، مقدّسة قلوبهم من دنس النفاق ، مهذّبة أفئدتهم من رجس الشقاق ، لـيّنة عرايكهم للدين ، خشنة ضرائبهم عن العدوان ، واضحة بالقبول أوجههم ، نظرة بالفضل عيدانهم ، يدينون بدين الحقّ وأهله ، فإذا اشتدّت أركانهم ، وتقوّمت أعمادهم ، قدّت بمكاثفتهم [ في المصدر : فدّت بمكانفتهم ] طبقات الأمم إلى إمام إذ يبعثك [ في بحار الأنوار والمصدر : تبعتك ، وهو الظاهر ] في ظلال شجرة دوحة وبسقت [ في إكمال الدين : تشعبت ] أفنان غصونها على حافات بحيرة الطبريّة فعندها يتلألأ صبح الحقّ ، وينجلي ظلام الباطل ، ويقصم الله بك الطغيان ، ويعيد معالم الإيمان ، يظهر بك إسقام [ في المصدر : استقامة ] الآفاق ، وسلام الرفاق ، يودّ الطفل في المهد لو استطاع إليك نهوضاً ، ونواشط [ في بحار الأنوار : نواسط ] الوحش لو تجد نحوك مجازاً ، تهتزّ بك أطراف الدنيا بهجة ، تهزّ بك [ في إكمال الدين : وتنشر عليك ] أغصان العزّ نضرة وتستقر بواني الحقّ [ في بحار الأنوار : العزّ بدلا من : الحقّ ] في قرارها ، وتؤوب شوارد الدين إلى أوكارها ، تتهاطل عليك سحائب الظفر فتخنق كلّ عدوّ ،


(29)

وتنصر كلّ وليّ ، فلا يبقى على وجه الأرض جبّار قاصد ، ولا جاحد غامط ، ولا شنآن [ في المصدر وبحار الأنوار : شأناً ] مبغض ، ولا معاند كاشح ، « وَمَن يَتَوَكَّل عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِـغُ أَمرِهِ قَد جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيء قَدراً » [ سورة الطلاق 65 : 3 ] .
    ثمّ قال : « يا أبا إسحاق ! ليكن مجلسي هذا عندك مكتوماً إلاّ عن أهل التصديق [ في بحار الأنوار : الصدق ] والإخوة الصادقة في الدين ، إذا بدت لك إمارات الظهور والتمكّن ، فلا تبطئ بإخوانك عنّا ، وبأهل المسارعة إلى منار اليقين ، وضياء مصابيح الدين ، تلق رشيداً [ في الكتابين : رشداً ] ـ إن شاء الله ـ ».
    قال إبراهيم بن مهزيار : فمكثت عنده حيناً أقتبس ما اُوري من [ في المصدر : اُؤدّي إليه من .. ] موضحات الأعلام ، ونيريات [ في الكتابين : نيرات ] الأحكام ، واُروي بنات [ في إكمال الدين : نبات ] الصدور من نضارة ما ادّخر الله [ في المصدر : ادّخره الله ، وفي بحار الأنوار : ذخره الله ] في طبائعه من لطائف الحكمة [ في المصدر : الحكم ] ، وطرائف فواضل القسم ، حتّى خفت إضاعة مخلّفي بالأهواز ، لتراخي اللقاء عنهم ، فاستأذنته بالقفول ، وأعلمته عظيم ما أصدر به عنه من التوحش لفرقته ، والتجزّع [ في إكمال الدين : التجرّع ] للطعن [ كذا ، وفي المصدر : للظعن ] عن محاله ، فأذن وأردفني من صالح دعائه ما يكون ذخراً عند الله لي ولعقبي وقرابتي ـ إن شاء الله ـ فلمّا أزف ارتحالي وتهيأ اغترام [ في المصدر : اعتزام ] نفسي غدوت عليه مودّعاً ، ومجدّداً للعهد ، وعرضت عليه مالا كان معي يزيد على خمسين ألف درهم ، وسألته أن يتفضّل بالأمر بقبوله مني ، فابتسم وقال : « يا أبا إسحاق ! استعن [ هنا زيادة : به في المصدر وبحار الأنوار ] على منصرفك ، فإنّ الشقّة قذفة ، وفلوات الأرض أمامك جمّة ، ولا تحزن لإعراضنا عنه ، فإنا قد أحدّثنا لك شكره ونشره ، وريّضناه [ في بحار الأنوار : واربضناه ، وفي إكمال الدين : وربضناه ] عندنا بالتذكرة وقبول المنّة ، وبارك لك الله فيما حولك [ في المصدر : خولك ] ، وأدام لك مانواك ، وكتب لك أحسن ثواب المحسنين ، وأكرم آثار الطائعين ، فإنّ الفضل له ومنه ، وأسأل الله أن يرفك [ في الكتابين : يردّك ، وهو الظاهر ] لأصحابك بأوفر الحظّ من سلامة الأوبة ، وأكناف الغبطة ، بلين المنصرف. ولا أوعث الله لك سبيلا ، ولا حيّر لك دليلا ، واستودِعْه نفسك وديعة لا تضيع ولا تزول بمنّه ولطفه ـ إن شاء الله ـ. يا أبا إسحاق ! [ إنّ الله ] قنّعنا بعوائد إحسانه ، وفوائد امتنانه ، وصان أنفسنا عن معاونة الأولياء إلاّ عن [ في المصدر : لنا عن ، بدلا من إلاّ عن ] الإخلاص في النية ، إمحاض النصيحة ، والمحافظة على ما هو أبقى و أنقى ، وأرفع ذكراً ».
    قال : فأقفلت عنه حامداً لله عزّ وجلّ على ما هداني وأرشدني ، عالماً بأنّ الله لم يكن ليعطّل أرضه ولا يخليها من حجّة واضحة و إمام قائم. وألقيت هذا الخبر المأثور ، والنسب المشهور ، توجناً [ في المصدر وبحار الأنوار : توخياً ، وهو الظاهر ] للزيادة في بصائر أهل اليقين ، وتعريفاً لهم ما منّ الله عزّ وجلّ به من إنشاء الذرّية الطيّبة ، والتربة الزكية ، وقصدت أداء الأمانة ، والتسليم لمّا استبان ، ليضاعف الله عزّ وجلّ الملّة الهادية ، والطريقة المستقيمة المرضيّة قـوّة عزم ، وتأييد نيّة ، و شدّة أزر ، واعتقاد عصمة ، والله يهدي من يشاء على [ في الكتابين : إلى ، بدلا من : على ] صراط مستقيم ..
    إلى هنا ما أهمّنا ما نقله من رواية الإكمال


(30)
فوق العادة.
    والمناقشة بما سمعت في غاية البعد ، وكيف يعقل من مسلم معتقد بإمامته عليه السلام أن يباهته بما لم يصدر منه ، سيّما من مثل هذا الرجل الّذي كونه إماميّاً غير مذموم واضح ؟!
    ومن جملة الشواهد على وثاقة الرجل ، رواية محمّد بن أحمد بن يحيى ، عنه ، وعدم استثنائه رواياته. ولولا إلاّ كونه وكيلا لهم (1) ، لكفى في إثبات عدالته ، لعدم تعقّل توكيلهم عليهم السلام على حقوق الله وأحكامه ، رجلا غير عدل ثقة ، كما أوضحنا ذلك في أسباب المدح من مقباس الهداية (2) ، مضافاً إلى
1 ـ وكالة المترجم ثابتة بلا ريب لرواية الأعاظم الأثبات ذلك ، فالنقاش في ثبوتها من الوسواس.
2 ـ مقباس الهداية الطبعة المحقّقة 2 / 258 ومستدركاتها : قد أثبت ذلك بما لا مزيد عليه ، فتشكيك بعض أعلام المعاصرين في معجمه 1 / 87 ـ 88 وبعض المعاصرين في قاموسه 1 / 54 في دلالة الوكالة على الوثاقة ممّا لا ينبغي الإهتمام به ؛ لأنّه تشكيك يخالفه الدليل.
تنقيح المقال ـ الجزء الخامس ::: فهرس