تنقيح المقال في علم الرجال الجزء الثامن ::: 211 ـ 225
(211)
وعرفنا ما يكون من ذلك إن شاء الله تعالى ».
    قال : وقال أبو حامد : فثبت قوم على إنكار ما خرج فيه ، فعاودوه فيه ، فخرج : « لا شكر الله (1) قدره ، لم يدع المرءَ ربُّه بأن لا يزيغ (2) قلبه بعد أن هداه ، وأن يجعل ما منّ عليه به مستقراً ولا يجعله مستودعاً ، وقد علمتم ما كان من أمر الدهقان ـ عليه لعنة الله ـ وخدمته ، وطول صحبته ، فأبدله الله بالإيمان كفراً ، حين فعل ما فعل فعاجله الله بالنقمة ، ولم يمهله والحمد لله لا شريك له ، وصلّى الله على محمّد وآله وسلّم ». انتهى ما رواه الكشّي رحمه الله.
    وقول النجاشي (3) في العبارة : إنّه صالح الرواية .. ربّما يوهم قبول روايته لذلك.
    ولكن العلاّمة رحمه الله في الخلاصة (4) لم يعتمد على ذلك ، قال رحمه الله ـ بعد عنوانه وضبطه بما مرّ ، وذكر أنّه غال ورد فيه ذمّ كثير من سيّدنا أبي محمد العسكري عليه السلام ، ونقل تاريخ ولادته ووفاته ، ما لفظه ـ : قال النجاشي : إنّه صالح الرواية يعرف منها وينكر.
    وتوقّف ابن الغضائري في حديثه إلاّ ما يرويه عن الحسن بن محبوب من كتاب المشيخة ، ومحمّد بن أبي عمير من نوادره. وقد سمع هذين الكتابين جلّ أصحاب الحديث فاعتمدوه فيها. وعندي أنّ روايته غير
1 ـ الظاهر أنّ في العبارة سقط ، وينبغي أن تكون : لا شكر الله سعيه ولا رفع قدره.
2 ـ كذا في المصدر ، وفي المتن : لم يدع المرزية بأن لا يزيغ ..
3 ـ رجال النجاشي : 65 برقم 195.
4 ـ الخلاصة : 202 برقم 6.


(212)
مقبولة. انتهى.
    وأقول : ما بنى عليه رحمه الله من عدم قبول روايته هو الحقّ المتين ، كيف وقد قالوا تارة : إنّه غال.
    وفي التحرير الطاوسي (1) أنّه : روي في شأنه أمور هائلة ، وطعن شديد .. ثم لوّح إلى رواية الكشّي المزبورة ، ثم قال : إنّ ضعف أحمد المشار إليه ظاهر ، وهو ممّن لا عبرة به. انتهى.
    ورووا اُخرى ما يدلّ على رجوعه عن القول بالنيابة. فقد قال الشيخ رحمه الله في كتاب الغيبة (2) : إنّ من المذمومين : أحمد بن هلال الكرخي ، قال أبو علي محمّد بن همام : كان أحمد بن هلال من أصحاب أبي محمّد عليه السلام واجتمعت الشيعة على وكالة أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري بنصّ الحسن العسكري عليه السلام في حياته عليه ، فلمّا مضى الحسن عليه السلام قالت الشيعة الجماعة له : ألاّ تقبل أمر أبي جعفر محمّد بن عثمان وترجع إليه ، وقد نصّ الإمام المفترض الطاعة ؟ فقال : لم أسمعه ينصّ عليه بالوكالة ، وليس أنكر أباه عثمان بن سعيد ، فأمّا أن أقطع أنّ أبا جعفر وكيل صاحب الزمان عليه السلام فلا أجسر عليه ، فقالوا : قد سمعه غيرك ، فقال : أنتم وما سمعتم ، فوقف على أبي جعفر (*) فلعنوه وتبرّؤوا منه ، ثمّ ظهر التوقيع
1 ـ التحرير الطاوسي المخطوط : 16 برقم 33 من نسختنا [ الطبعة المحقّقة : 65 ـ 66 برقم ( 37 ) من طبعة مكتبة السيد المرعشي ، وطبعة بيروت : 47 ].
2 ـ الغيبة : 245 ، [ وفي طبعة مؤسسة المعارف الإسلامية : 399 ] باختلاف يسير ، وعنه في بحار الأنوار 51/368.
* ـ الظاهر أنّ المراد ب‍ : أبي جعفر ، هو محمد بن عثمان العمري ، لا الإمام الجواد


(213)
على يد أبي القاسم الحسين بن روح بلعنه والبراءة منه في جملة من لعن. انتهى.
    فإنّه يدلّ على رجوعه عن وقوفه بالنيابة على عثمان بن سعيد ، وعدم نيابة أبي جعفر محمد بن عثمان.
    ورووا ثالثة ما يدلّ على نصبه ، فقد روى الصدوق رحمه الله في كتاب إكمال الدين (1) وإتمام النعمة في إثبات الغيبة ورفع الحيرة (2) ما نصّه : حدّثنا شيخنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، قال : سمعت سعد بن عبد الله يقول : ما سمعنا ولا رأينا بمتشيّع رجع من تشيّعه إلى النصب إلاّ أحمد بن هلال. ثم قال : وكانوا يقولون : إنّ ما تفرّد بروايته أحمد بن هلال فلا يجوز استعماله. انتهى ما في إكمال الدين.
    قال صاحب المعراج (3) : وهذا يدلّ على نصبه لا غلوّه ، كما قال القوم ، ولا وقفه على أبي جعفر عليه السلام كما نقله الشيخ رحمه الله في كتاب
عليه السلام ، فإنّ العبرتائي لم يدرك الجواد عليه السلام قطعاً ، وهو لم ينكر إمامة العسكري ولا صاحب الزمان عليهما السلام كما هو صريح هذا الخبر ، فالوقوف على البابيّة لا الإمامة ، ثم إنّه إذا أنكر إمامة العسكري عليه السلام فلم ينكر إمامة الهادي عليه السلام ويقف على أبيه ، فتدبّر. [ منه ( قدّس سرّه ) ].
    أقول : لا مجال لاحتمال أن يكون المراد ب‍ : أبي جعفر الإمام الجواد عليه السلام لأنّ العبارة واضحة في ذلك ، فراجع.
1 ـ كذا ، والظاهر : كمال الدين .. وهذا الاسم الكامل له.
2 ـ إكمال الدين : 76.
3 ـ معراج أهل الكمال [ المخطوط : 220 من نسختنا ] ، والطبعة المحقّقة : 207 برقم 84 ].


(214)
الغيبة عن الثقة الجليل أبي علي محمّد بن همام ، ثم نقل سؤاله في حداثة سنه في سنة 1052 بعض فضلاء عصره (1) عن التوفيق بينه وبين كلام القوم ، وجواب ذاك بأنّه لعلّ المراد بالنصب الغلوّ ، فإنّ النصب له إطلاقات كثيرة وحينئذ فلا يخالف ما ذكره القوم ، ثم قال : إنّ ما ذكره ـ يعني البعض ـ محتمل ، إلاّ أنّه بعيد. والّذي ظهر لي بعد تتبّع كتب الحديث والرجال ، وكتب المتقدّمين من أصحابنا أنّهم يطلقون الناصب على من أظهر العداوة والنصب للفرقة الناجية الإماميّة من أي فرقة كانت من الفرق ، وهذا الإطلاق موجود في الأخبار الواردة عنهم عليهم السلام كثيراً. وقد وقع التصريح به فيما رواه في علل الشرايع (2) ومعاني الأخبار (3) مسنداً ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : « ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت لأنّك لا تجد رجلاً يقول : أنا أبغض محمّداً وآل محمّد ، ولكن الناصب من نصب لكم وهو يعلم أنّكم تتولّونا ، وأ نّكم من شيعتنا ».
    وروى أبو عمرو الكشّي (4) عن أبي جعفر الجواد عليه السلام : « إنّ الزيديّة والواقفة [ من ] النصّاب ».
1 ـ في معراج أهل الكمال 209 ، ويظهر منه أنّه : السيد هاشم بن السيد سليمان العلاّمة.
2 ـ علل الشرائع 2/601 حديث 60.
3 ـ معاني الأخبار : 365 ، باب معنى الناصب ، باختلاف يسير.
4 ـ رجال الكشّي : 460 برقم 874 بسنده : .. قال : قال : سألت محمد بن علي الرضا عليهما السلام عن هذه الآية : ( وُجُوهٌ يَومئَذ خَاشِعَة * عَامِلةٌ نَاصِبةٌ ) [ سورة الغاشية ( 88 ) : 3 ] قال : « نزلت في النصاب والزيّدية ، والواقفة من النصّاب ».


(215)
    وعنه عليه السلام (1) : « إنّ الزيديّة والواقفيّة والنصّاب بمنزلة واحدة ».
    وحينئذ فيصحّ إطلاق الناصب على كلّ من خالف مظهراً للعداوة للفرقة المحقّة. وحينئذ فلا إشكال ، وأنت خبير بأنّ تطبيقه على القول برجوعه إلى الوقف على أبي جعفر كما حكاه الشيخ رحمه الله عن أبي علي محمّد بن همام أظهر ، فتدبّر. انتهى ما في المعراج.
    وأقول : قد عرفت أنّه لم يقف إلاّ عن نيابة أبي جعفر محمد بن عثمان العمري. ولو سلّم فيمكن الجمع بين الغلوّ والنصب بحمل كلّ منهما على إمام ، بأن يكون غالياً بالنسبة إلى أمير المؤمنين عليه السلام ناصباً بالنسبة إلى الأخير عليه السلام.
    بقي هنا شيء ، وهو : أنّه ربّما تعرّض في المعراج (2) لوجه قبول ابن الغضائري لما يرويه الرجل عن الحسن بن محبوب من كتاب المشيخة ، أو عن ابن أبي عمير من نوادره ، ووجه ردّه للباقي.
    فوجّه الأوّل : باستفاضة هذين الكتابين بين أصحابنا ، حتّى قال الشيخ أمين الإسلام أبو الفضائل الطبرسي في إعلام الورى (3) : إنّ كتاب المشيخة في اُصول الشيعة أشهر من كتاب المزني عند المخالفين.
1 ـ في رجال الكشّي : 460 برقم 873.
2 ـ المعراج المخطوط : 223 من نسختنا [ وصفحة : 207 برقم ( 84 ) من الطبعة المحقّقة ].
3 ـ إعلام الورى : 416 قال : ومن جملة ثقات المحدّثين والمصنّفين من الشيعة الحسن بن محبوب الزرّاد ، وقد صنّف كتاب المشيخة الذي هو في اُصول الشيعة أشهر من كتاب المزني وأمثاله ، قبل زمان الغيبة بأكثر من مائة سنة ، تذكّر فيه بعض ما أوردناه من أخبار الغيبة فوافق الخُبْر الخَبَر ، وحصل كلّ ما تضمّنه الخبر بلا اختلاف..


(216)
    وعدّ الصدوق رحمه الله في ديباجة الفقيه (1) النوادر من الكتب التي عليها المعوّل ، وإليها المرجع.
    ووجّه الثاني : بما رواه في الكافي في باب الكتمان (2) ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن أبي عبيدة الحذّاء ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : « والله إنّ أحبّ أصحابي إليَّ أورعهم وأفقههم وأفهمهم (3) لحديثنا ، وإنّ أسوأهم عندي حالاً وأمقتهم ، الّذي إذا سمع الحديث ينسب إلينا ويروى عنّا فلم يعقله (4) اشمأزّ وجحد وكفّر من دان به ، وهو لا يدري لعلّ الحديث من عندنا خرج وإلينا أسند ، فيكون بذلك خارجاً عن (5) ولايتنا ».
    ورواه في السرائر (6) آخذاً عن أصل الحسن بن محبوب.
    وروى الراوندي (7) عن الصادق عليه السلام أنّه قال : « لا تكذّبوا حديثاً
1 ـ من لا يحضره الفقيه 1/3 قال : ولم أقصد فيه قصد المصنّفين في إيراد جميع ما رووه ، بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به ، وأحكم بصحّته ، وأعتقد فيه أنّه حجّة فيما بيني وبين ربّي تقدّس ذكره وتعالت قدرته ، وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة ، عليها المعوّل ، وإليها المرجع ، مثل كتاب حريز .. إلى أن قال : ونوادر محمد بن أبي عمير ..
2 ـ الكافي 2/223 حديث 7.
3 ـ في المصدر ومستطرفات السرائر : أكتمهم.
4 ـ في الكافي : فلم يقبله ، وفي مستطرفات السرائر : ولم يقبله بقلبه واشمأزّ منه وجحده .. إلى آخره.
5 ـ في مستطرفات السرائر : ( من ) بدل ( عن ).
6 ـ السرائر ( المستطرفات ) : 479 الطبعة الحجرية ، وفي المستطرفات تحقيق مؤسسة الإمام المهدي عليه السلام : 79 برقم 8 فقال : مما استطرفناه من كتاب المشيخة تصنيف الحسن بن محبوب السرّاد صاحب الرضا عليه السلام.
7 ـ نقل عن الراوندي في معراج أهل الكمال : 256 أنّه رواه في رسالته التي ألّفها لإثبات


(217)
أتى به مرجئيّ ولا قدريّ ولا خارجيّ فنسبه إلينا ، فإنّكم لا تدرون لعلّه شيء من الحقّ فتكذّبوا الله ».
    ورواه الصدوق رحمه الله مسنداً في علل الشرائع (1) ، والتوقّف على الوجه الثاني لا يوجب ترك العمل. انتهى.
    وأقول : أمّا ما وجّه به الثاني فلا بأس به ؛ لأنّ النهي في هذه الأخبار إنّما هو عن التكذيب ، وليس الغرض منها التصديق ، والتوقف ليس إلاّ ترك التصديق والتكذيب جميعاً ، فبه يحصل الجمع بين عدم الركون إلى ما ليس بحجّة وبين ترك التكذيب المنهي عنه في هذه الأخبار.
    وأمّا ما وجّه به الأوّل ، فغير مستقيم ، ولا واضح ؛ ضرورة أنّ شهرة الكتاب لا تنفع في قبول رواية الرجل ؛ لأنّ ما يرويه إن كنّا عالمين بوجوده في الكتاب بكلماته وحروفه لم يكن الأخذ به اعتماداً على روايته ، بل اعتماداً على الكتاب. وإن لم نكن عالمين بمطابقته لما في الكتاب ، توقّف الأخذ به على الوثوق براويه ، والفرض عدمه ؛ لأنّ الغالي الواقف الناصب الّذي دعا الإمام عليه السلام عليه في توقيع واحد بأدعية عديدة لا يدعو الإمام عليه السلام بها إلاّ على المرتدّ الخارج من الدين والمذهب كيف يؤمن من زيادة شيء في الخبر أو نقصانه ؟! وكيف يكون مثله صالح الرواية ؟! وإن كان لابدّ من توجيه ما حكي عن ابن الغضائري تعيّن توجيهه بوجه آخر ؛ وهو : أنّه
أحاديث أصحابنا وأورده في منتهى المقال 1/365 ولعلّ المؤلّف قدّس سرّه أخذه من منتهى المقال ، ورواه في بحار الأنوار 2/187 ـ 188 حديث 16 ، وصفحة : 212 حديث 111 مع زيادة في آخر الحديث.
1 ـ علل الشرائع 2/395 حديث 13 ، مع اختلاف يسير ، وجاء في بصائر الدرجات : 537 حديث 1 ، ووسائل الشيعة 18/61 حديث 39 ، وأورده في بحار الأنوار 2/186 حديث 12 ، وصفحة : 75 ـ 76 حديث 24.


(218)
لعلّه تحقّق عنده أنّ ما في الكتابين من رواياته حال استقامته ، كما يشهد به ما في إكمال الدين (1) من قوله : حدّثنا يعقوب بن يزيد ، عن أحمد بن هلال في حال استقامته ، عن ابن أبي عمير .. إلى آخره ، لكنّه يكون عذراً لمن تحقّق عنده ذلك كابن الغضائري ، وأمّا نحن فلا يسوغ لنا الاعتماد على أخباره ، إلاّ ما أحرزنا روايته له حال استقامته ، وعلى هذا فالحقّ ما سمعته من العلاّمة رحمه الله (2) من التوقّف في أخبار الرجل وإحالتها إلى الأئمة عليهم السلام كما أمرونا به من دون أن نكذّبها ، فنكون مصداقاً للأخبار المذكورة آنفاً (3). فتبيّن أنّه لا وجه لما نسب إلى ابن الغضائري من قبول رواية الرجل ، إذا كانت عن الحسن بن محبوب من كتاب المشيخة ، أو عن ابن أبي عمير من نوادره ، ولا لما حكي عن السيّد الداماد في حواشي التهذيب عند ذكر رواية الرجل عن ابن أبي عمير من قبوله روايته عنه ، وعن ابن محبوب معدودة من الصحاح على ما حكم به النجاشي وغيره وأوردناه في الرواشح (4). انتهى.
1 ـ حيث قال في إكمال الدين : 204 حديث 13 : عن أحمد بن هلال في حال استقامته ، عن محمد بن أبي عمير ..
2 ـ في الخلاصة : 202 برقم 6 قال : وعندي أنّ روايته غير مقبولة.
3 ـ تقدمت في صفحة 216 ـ 217 من هذا المجلد.
4 ـ قال السيد الداماد قدّس سرّه في الرواشح السماوية : 108 الراشحة الرابعة والثلاثون : فكذلك ربّما يستثنى من رواية الضعيف أو المغموز الخارجة عن دائرة الصحة وحريم التعويل ما يرويه عن ثقة ثبت صحيح الحديث جدّاً أو يأخذه من أصله الصحيح .. إلى أن قال : فمن ذلك أحمد بن هلال العبرتائي .. ثم ضبط الكلمة ثم قال : مرمي بالغلوّ مطعون بما روى فيه من الذمّ عن سيدنا أبي محمد العسكري عليه السلام ، وقد قال ابن الغضائري : أرى التوقف في حديثه إلاّ فيما يرويه عن الحسن بن محبوب من كتاب


(219)
    فإنّ فيه ما عرفت ، مضافاً إلى أنّ الحاكم به هو ابن الغضائري لا النجاشي ، وإلى أنّه لم يجعل مطلق ما رواه عن الرجلين مقبولاً ، كما ذكره هذا السيّد الجليل بل قيّد بما رواه عن الكتابين ، فلا تذهل.
    التمييز :
    قد ميّز الرجل في المشتركاتين (1) بعد تضعيفهما إيّاه برواية عبد الله بن
المشيخة ، وعن محمد بن أبي عمير من نوادر الحكمة ، وقد سمع هذين الكتابين منه جلّ أصحابنا واعتمدوه فيهما ، وكذلك قال النجاشي .. إلى أن قال : قلت : ومن هناك ما قد اعتمد أكثر كبراء الأصحاب وعظمائهم كالشيخ في النهاية والمبسوط ، وابن إدريس في السرائر والمحقّق في كتبه ، وشيخنا في الذكرى ، وجدّي المحقّق في شرح القواعد على مدلول ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام كلّ ما لا تجوز الصلاة .. إلى أنّ قال : مع أنّ في الطريق أحمد بن هلال.
    وقال الكاظمي رحمه الله في التكملة 1/171 : قوله : أحمد بن هلال .. ضعّفه كثير من الفقهاء ، كالمحقّق في موضعين من المعتبر ، والمقدّس في المجمع ، وفي الذخيرة ، والشرح [ أي شرح الاستبصار للشيخ محمد بن الشيخ حسن بن الشيخ زين الدين الشهيد الثاني العاملي ، فإنّه يروي عن هذا الشرح كثيراً ] والحبل [ هو الحبل المتين : 183 ] قال فيه : لضعف الرواية فإنّ في طريقها أحمد بن هلال ، وقال الكشّي : إنّه مذموم ملعون ، والشيخ في الفهرست : إنّه غال متّهم في دينه ، وفي التهذيب : أحمد بن هلال مشهور بالغلوّ واللعنة ، وما يختصّ بروايته لا نعمل عليه ، وسيجيء في زرارة ذمّه ، والعلاّمة في الخلاصة : إنّ روايته عندي غير مقبولة ، فرواية مثله لا تصحّ لتأسيس أمثال هذه الأحكام قطعاً.
    فإن قلت : إنّ أحمد بن هلال روى هذا الخبر عن محمد بن أبي عمير ، وقد ذكر ابن الغضائري : إنّهم يعتمدون عليه فيما يرويه عنه.
قلت : الذي ذكره ابن الغضائري إنّما هو اعتمادهم عليه فيما يرويه عن ابن أبي عمير رحمه الله من كتاب نوادره ومن أين أنّ هذا لنا من ذاك.؟!
1 ـ في جامع المقال : 54 : وأنّه ابن هلال العبرتائي الضعيف برواية عبد الله بن جعفر عنه ، وعبد الله بن العلاء المذاري عنه ، وفي هداية المحدّثين : 16 : وأنّه ابن هلال العبرتائي الضعيف برواية عبد الله بن علاء المذاري .. إلى آخره.


(220)
جعفر ، وعبد الله بن العلاء المذاري ، عنه.
    وزاد الكاظمي (1) رواية موسى بن الحسن بن عامر ، والحسن بن عليّ بن عبد الله بن المغيرة.
    وزاد في جامع الرواة (2) رواية محمّد بن عيسى العبيدي ، وسعد بن عبد الله ، ومحمّد بن علي بن محبوب ، وأحمد بن موسى النوفلي ، والحسين بن أحمد المالكي ، والحسين بن أحمد (3) ، ومحمّد بن أحمد بن يحيى ، والحسين
ابن علي الزيتوني ، أو الحسن ـ على نسخة اُخرى ـ ، وعليّ بن محمد الجبائي ، وعليّ بن محمّد (4) ، وأحمد بن محمّد بن عبد الله ، وإبراهيم بن محمّد الهمداني ، ومحمّد بن يحيى العطّار ، وأبي قتادة ، ومحمّد بن يعقوب ، عن الحسين ، عنه.
[ فائدة ]
    فائدة مهمّة في هذه الترجمة ، وهي أنّه :
    قد ورد في الأخبار كثيراً سعد بن عبد الله ، عن الحسن بن علي ، عن أحمد ابن هلال ؛ منها : في باب وجوب الإستنجاء من الغائط والبول (5). ومنها : في
1 ـ هداية المحدّثين : 16.
2 ـ جامع الرواة 1/74.
3 ـ أقول : الحسين بن أحمد المالكي هو الحسين بن أحمد ، وهما واحد!.
4 ـ علي بن محمد هو الجبائي المتقدّم ، فيكون تكراراً !.
5 ـ الاستبصار 1/54 حديث 157 بسنده : .. عن موسى بن الحسن ، والحسن بن علي ، عن أحمد بن هلال ، عن محمد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله عليه السلام..


(221)
باب الماء المستعمل (1) ، ومنها : في باب الأحداث الموجبة للطهارة (2) .. وقد اضطرب كلام المتأخّرين في تشخيص عليّ بن الحسن (3) المذكور على أقوال :
    أحدها : ما بنى عليه المحقّق في المعتبر (4) ، والفاضل المقداد في التنقيح (5) في مسألة الماء المستعمل في الطهارة الكبرى وهو أنّه : الحسن بن عليّ بن فضّال ، واحتمله في المختلف (6). وقد استبعد ذلك صاحب المعراج (7) ، بل قال : كاد أن يقطع بامتناعه ؛
    أمّا أوّلاً : فلأنّ رواية سعد بن عبد الله ، عن الحسن بن علي بن فضّال غير معهودة ولا مستقيمة من حيث الطبقة كما لا يخفى على من له حظّ في التتبّع والممارسة ، فإنّه من أصحاب الرضا عليه السلام روى عنه الحسين بن سعيد ، والحسن بن علي الوشاء ، ومحمّد بن خالد البرقي ، وعليّ بن الريّان .. ومن في طبقتهم ، وسعد لا يروي عن هؤلاء إلاّ بواسطة. فكيف يروي عن ابن فضّال بغير واسطة ؟!
    وأمّا ثانياً : فلعدم الوقوف ـ بعد التتبّع التام ـ على رواية ابن فضّال ، عن
1 ـ الاستبصار 1/27 باب 14 حديث 71 بسنده : .. عن الحسن بن علي ، عن أحمد بن هلال ، عن الحسن بن محبوب.
2 ـ تهذيب الأحكام 1/347 حديث 1018 : سعد بن عبدالله ، عن الحسن بن علي ، عن أحمد بن هلال ، عن محمد بن الوليد.
3 ـ كذا ، والصحيح : الحسن بن علي ، كما تقدم.
4 ـ المعتبر : 21 سطر 30 في مسأله الماء المستعمل في الحدث الأكبر ، الطبعة الحجرية ، [ والطبعة المحقّقة 1/87 ] ، ولا يظهر منها ما استظهره القوم ، فراجع.
5 ـ التنقيح الرائع 1/59.
6 ـ مختلف الشيعة 1/237 قال : .. فإنّ في طريقه حسن بن علي ، فإن كان ابن فضّال ففيه قول ..
7 ـ لم أجده في المعراج وربما في تأليف آخر له.


(222)
أحمد بن هلال في مورد. بل الّذي يقضي به صدق التتبّع ، ويقتضيه حكم الممارسة والدربة في ملاحظة الطبقات ، واستقراء الطرق والأسانيد أنّ الحسن بن عليّ بن فضّال أعلى طبقة من أحمد بن هلال. فشيوع رواية الحسن بن عليّ بقول مطلق عن أحمد بن هلال ، يأبى النظر إلى الطبقات من حمله على ابن فضّال (1) أشدّ الإباء.
    ثانيها : ما استقربه الشيخ زين الدين عليّ بن سليمان بن حسن البحراني في محكي فوائد الاستبصار من أنّه الحسن بن عبد الله بن المغيرة الثقة الجليل ، نظراً إلى التصريح برواية سعد بن عبد الله عنه ، في باب وجوب الإستنجاء من الغائط والبول (2). وناقش في ذلك في المعراج (3) بأنّه : إنّما يتمّ لو لم يرو سعد ـ هذا ـ عن غيره ممّن يسمّى ب‍ : الحسن بن علي بكثرة ، وليس ، فليس.
    ثالثها : كونه الحسن بن عليّ بن إبراهيم بن محمّد الهمداني ، للتصريح برواية سعد عنه في باب سقوط فرض الوضوء عند الغسل من الجنابة من الاستبصار (4).
    وفيه : ما في سابقه.
    رابعها : كونه الحسن بن عليّ النعماني الأعلم. استقربه الشيخ محمّد نجل
1 ـ لأنّ ابن فضّال من خواص الإمام الرضا عليه السلام ، والمعنون ممّن كان في زمان الغيبة.
2 ـ الاستبصار 1/54 حديث 157 : فأمّا ما رواه سعد ، عن موسى بن الحسن والحسن ابن علي ، عن أحمد بن هلال ، عن محمد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله عليه السلام ..
3 ـ الإستبصار 1/54 حديث 157 قال : فأما ما رواه سعد ، عن موسى بن الحسن والحسن بن علي ، عن أحمد بن هلال ، عن محمد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله عليه السلام.
4 ـ معراج أهل الكمال : 207 برقم 84.


(223)
الشهيد الثاني رحمه الله في شرح الاستبصار.
    وردّ بفقد الشاهد عليه.
    خامسها : ما حكاه في المعراج (1) عن بعض معاصريه من أنّه : الحسن بن علي الزيتوني ، وهو مهمل في الرجال ، وظنّ هو أنّه أقرب الأقوال في المقام ، لتكرّر رواية سعد عنه ، وتكرّر روايته عن أحمد بن هلال. قال : وقد اجتمعت القرينتان ـ القَبْليّة والبَعْديّة ـ في غير موضع منها في كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام (2) في الباب الثاني والعشرين ، هكذا : سعد بن عبد الله ، عن الحسن بن علي الزيتوني ، عن أحمد بن هلال.
    ومثله في باب العلّة التي من أجلها لا تخلو الأرض عن حجّة لله عزّ وجلّ على خلقه من كتاب علل الشرائع (3).
    وفي آخر كتاب الغيبة للشيخ رحمه الله (4) : سعد بن عبد الله ، عن الحسن بن علي الزيتوني ، وعبد الله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن هلال العبرتائي ، عن الحسن بن محبوب.
    وفي كتاب المزار من التهذيب (5) : سعد بن عبد الله ، عن الحسن بن علي
1 ـ معراج أهل الكمال : 207 برقم 84.
2 ـ عيون أخبار الرضا عليه السلام : 150 باب 29 حديث 4.
3 ـ علل الشرائع 1/ 198 باب 153 حديث 21 : أبي رحمه الله ، قال : حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن الحسن بن علي الدينوري ومحمد بن أبي قتادة ، عن أحمد بن هلال .. ففي هذه النسخة أبدل ـ الزيتوني ـ بالدينوري طبعة النجف ، وفي طبعة مؤسسة المعارف الإسلامية : 439 حديث 438.
4 ـ الغيبة للشيخ الطوسي : 268 : سعد بن عبد الله ، عن الحسن بن علي الزيتوني وعبد الله ابن جعفر الحميري ، عن أحمد بن هلال العبرتائي ..
5 ـ التهذيب 6/48 باب 16 حديث 109 : سعد بن عبد الله ، عن الحسين بن علي الزيتوني ، عن أحمد بن هلال .. وأبدل هنا ( الحسن ) ب‍ : ( الحسين ) وهو خطأ.


(224)
الزيتوني ، عن أحمد بن هلال.
    وقد انفردت القرينة البعديّة في مواضع ، منها : في ترجمة عيسى بن عبد الله الهاشمي من الكتاب (1) ، فإنّ فيها هكذا : له كتاب أخبرنا به ابن أبي جيد ، عن ابن الوليد ، عن الحسن بن علي الزيتوني ، عن أحمد ابن هلال.
    وفي كتاب الكشّي (2) في ترجمة يونس بن ظبيان : حدّثني محمّد ابن قولويه ، عن سعد بن عبد الله بن أبي خلف ، عن الحسن بن علي
الزيتوني.
    وفي كتاب الغيبة للشيخ رحمه الله (3) : سعد بن عبد الله ، عن الحسن بن علي الزيتوني ، عن الزهري الكوفي.
    وفي كتاب بصائر الدرجات (4) رواية محمّد بن الحسن الصفّار ، عن الحسن ابن علي الزيتوني.
    وأنت خبير بأنّ ما أورده صاحب المعراج (5) على القول الثاني وارد عليه في اختيار هذا القول.
    فظهر أنّ شيئاً من الأقوال غير منقّح ، وأنّ التوقف ـ إلاّ فيما قامت القرينة
1 ـ الفهرست : 143 برقم 525 الطبعة الحيدرية ، [ وفي الطبعة المرتضوية : 117 برقم ( 513 ) ، وطبعة جامعة مشهد 249 برقم ( 547 ) ] قال : عيسى بن عبد الله الهاشمي له كتاب ، بسنده : .. عن الحسن بن علي الزيتوني ، عن أحمد بن هلال عنه.
2 ـ رجال الكشّي : 364 حديث 675 بسنده : .. عن سعد بن عبد الله بن أبي خلف القمّي ، عن الحسن بن علي الزيتوني ..
3 ـ الغيبة : 268 : سعد بن عبد الله ، عن الحسن بن علي الزيتوني وقد مرّ آنفاً ..
4 ـ بصائر الدرجات : 482 الجزء العاشر برقم 8 قال : حدّثنا الحسن بن علي الزيتوني ، عن إبراهيم بن مهزيار وسهل بن هرمزان ..
5 ـ معراج أهل الكمال : 207 برقم 84.


(225)
على تعيين أحدهم ـ لازم (1) ، والله العالم (2).
1 ـ
تنبيه
    أقول : لمّا كان المترجم مستقيم الطريقة ، معتدل السيرة ، ثقة في شطر من حياته ، ثم انحرف وضلّ ، ولعن على لسان الأئمّة الطاهرين عليهم السلام ، كان لرواياته شأنان : حجة في أيام وثاقته ، وسقوط عن الاعتبار في أيام ضلالته ، فحينئذ لابدّ عند الأخذ بها من رعاية القرائن ، فإن عثر على ما يوجب الاطمئنان بأنّه رواها في أيام استقامته أخذ بها ، أو إنّها رواها في أيام انحرافه تركت ، وإن لم تقم قرينة على إحدى الحالتين وجب التوقف ، وعدم التعبد بتلك الرواية. والروايات التي رواها الشيخ الكليني في الكافي والشيخ الصدوق في الفقيه لابدّ من الأخذ بها لأنّهما صرّحا بأنّهما يرويان في هذين الكتابين كلّما هو صحيح في رأيهما ، كما قال الكليني في مقدّمة الكافي 1/8 : .. والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم السلام والسنن القائمة التي عليها العمل وبها يؤدّى فرض الله عزّ وجلّ وسنّة نبيه صلّى الله عليه وآله وسلّم ..
    والصدوق في مقدّمة الفقيه 1/3 : .. بل قصدت إلى إيراد ما اُفتي به وأحكم بصحته وأعتقد فيه أنّه حجّة فيما بيني وبين ربّي .. إلى آخره ، ولتصريحهما هذا وأ نّهما قريبا العهد برواية المترجم وبزمن الأئمّة الطاهرين عليهم السلام لابد وأ نّهما اطّلعا على ما يوجب اطمئنانهما بأنّ روايات المترجم التي رووها هي من زمان استقامته ، ولكن ما ورد في غير هذين الكتابين يجب الفحص التام عن زمن روايته ، هذا وقد ناقش بعض المعاصرين في قاموسه 1/442 ـ 448 في بعض ما ذكره المؤلّف قدّس سرّه ثم التجأ إلى رأي المؤلّف قدّس سرّه وقد أساء الأدب ونَسِيَ عفّة القلم ، والله سبحانه يجزي كلّ امرئ بما نوى.
* ـ
حصيلة البحث
    إن اتّضح أنّ روايته كانت قبل انحرافه اُخذ بها وكانت حجّة وإلاّ لا اعتبار بها.

    جاء في فلاح السائل : 11 بسنده : .. عن كتاب عبدالله بن حماد الأنصاري ما هذا لفظه : أبو محمد هارون بن موسى [ التلعكبري ] ، قال : حدّثنا محمد بن همام ، قال : حدّثنا الحسين بن أحمد المالكي ، قال :
تنقيح المقال في علم الرجال الجزء الثامن ::: فهرس