تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ::: 256 ـ 270
(256)
    العوامل الخارجية والإجتماعية لفقدان الجرأة :
    1 ـ رهط الاقران :
فهم يستطيعون ببساطة ـ وتبعاً للتربية الخاطئة ـ اسئصال الشجاعة من نفوسنا والتأثير علينا بايحاءاتهم المشؤومة. فالمتقبلون والمراؤن والمخادعون يسلبون الجرأة من الإنسان ويدفعونه الى العمل خلافاً لما يعتقد.
    2 ـ الأسرة المفككة : لماذا لايمتلك الطفل الشجاعة ؟ لأنه غير مسموح له بأن يكون جريئاً. فلو صدق صفع على وجهه ، وعوقب وأهين ، وعلى العكس فلو كذب وتصرف بفزع ، أمن العقوبة وصان كرامته.
    3 ـ فساد المجتمع وانحرافه : ان احتياجات الإنسان في المجتمع لاتنال دوماً بالصدق والصراحة ، فيجبر الطفل على التشبث ببعض الأساليب ويفرط بجرأته. بناء على ذلك ، فالعيب هو في المجتمع الذي يخلق الإنسان المرائي ذا العقلية المحدودة. فعندما يكون المجتمع فاسداً وضيق النظرة ، وحينما تكون البيئة ملوثة ومضطربة يغسل المرء يده من كل ما هو ايجابي وبناء ويتهرب من الحقائق. وبالطبع فان هذا الوضع يصدق على ضعفاء النفوس وذوي الإرادة الواهية.
    4 ـ الأحداث والوقائع المرة : لاتموت ذكريات الماضي المؤثرة ولاتدع عقولنا واذهاننا تخلو منها ، فهي شاخصة امام اعيننا على الدوام ، ولا تضعف قوتها. فنحن واهمون حين نظن ان الطفل قد نسي الحادثة التي تعرض لها وزالت ذكراها من مخيلته ؛ في حين نغفل ان هذه المسائل تحيا


(257)
وتخلد في عقل الطفل على الدوام ، فهي مترسخة في أعماق روحه وعقله ، ولاتزول الاخفاقات والإنكسارات من ذاكرته أبداً. وهذا كاف لجعله يتصرف بحذر وبعد طول أناة.
    5 ـ الأسباب الأخرى : ويمكن في هذا المجال تحديدها بفقدان المحبة الصادقة ، وبالغلظة والتشدد ، والتدخل في أمور الطفل والإهانات والإجحاف والظلم و التجاوز.

    دور الوالدين في خلق حالة التردد لدى الطفل :
    يأتي الطفل الى الدنيا وليس لديه فكرة عن الجبن والخوف سوى في حالتين او ثلاث حالات يتفق عليها علماء النفس. فهو لايعرف سبيل الخيانة الا انه يتعلمه منا ، ولايعرف الجبن الا اننا نفرضه عليه. فكل مولود يولد على الفطرة ولكن ابويه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه. ويمكننا ذكر الكثير من الأمثلة عن دور الوالدين في تردد الأطفال ، كسبب او اسباب لذلك :
    1 ـ عقاب الوالدين الصارم :
    لا شك ان الطفل يرتكب الكثير من الأخطاء ، ولا مناص من معاقبته من خلال معرفة القواعد والمقدمات. ولكن يجب ان تكون العقوبة عادلة ومصحوبة بالمحبة والعطف.
    فالعقوبات الصارمة هي بمثابة الدوافع الخطيرة التي لاينتج عنها سوى تحطيم شخصية الطفل وتخلق منه انساناً متردداً. فاذا شاء الوالدين التصرف بظلم واجحاف فعليهم ان ينتظروا العواقب الوخيمة لذلك في نفس الطفل.


(258)
فمن الأسباب المهمة لتردد الطفل هي العقوبة الصارمة التي يتلقاها. فمثلاً لم يكن للطفل متسع من الوقت لإنجاز واجباته ، أو كان غافلاً ونسي ، لكن الوالدين يعاقبانه بلا رؤية أو تمحيص.
    2 ـ الإنتقاد والتوبيخ الشديد :
    ان توجيه الإنتقاد واللوم امر حسن ، بشرط ان لايكون أمام الآخرين ، وان يجري بلطف ، وتكون غايته الإصلاح ، بعيداً عن تحطيم كبريائه. ان الكثير من الإحباطات الأخلاقية والمفاسد والتخاذل ناجمة عن الطعن واللوم الشديد.
    فبسبب عدم معرفة الطفل بأعراف وقواعد الضيافة يتجه نحو الطعام الذي يحبه ، والموجود على المائدة ، فيمد يده اليه ؛ الا أن الوالدين يمسكان بيده ويعيبان عليه عمله امام الحاضرين ، ويكاشفانه بعيوبه جهارا ، فيقضون بذلك على كل دوافع الجرأة لديه.
    3 ـ زجر الطفل :
    قد يصاب الطفل بالتردد خشية تعرضه للطرد وللزجر ووصمه بالحماقة والميوعة اذا ما طرح الحقيقة. فطرد الطفل لايؤدي به الى الغضب فحسب ، بل يقضي على جرأته. لهذا فإن طرد الطفل وزجره دون تريث ودون الإهتمام بعواقب الأمر يعتبر من أعظم الأخطاء التربوية.
    4 ـ غرور الوالدين :
    ما أكثر الوالدين الذين يرون ان عقولهم كاملة وجامعة وبعيدة عن كل اشكال الخطأ ؛ لذلك فان مستوى طموحاتهم فوق سمتوى الطفل وفي


(259)
مستواهم هم. فلو ارتكب الطفل خطأ بسيطاً ـ قد يرتكبانه هما أيضاً ـ عرضاه الى التجريح والإهانة ، فيمكن ان يمهد هذا الأمر الأرضية لتنامي الخوف ، ويخلق نوعاً من الحياء السلبي الابله لدى الطفل على اقل الإحتمالات.
    5 ـ سوء تربية الوالدين :
    ان الوالدين المبتليين بالخوف يخلقان اطفالاً مرعوبين ، فالأب والأم اللذان يفقدان صوابهما في مواجهة ادنى حادثة ، والوالدين اللذان يتشبثان بمئات الأنواع من اساليب المكر والخداع والرياء من اجل صيانة ظاهرهم ، واخيراً : فالأبوان اللذان يتغافلان عن الحقائق ، سوف لايكون لديهما القدرة على تربية طفل شجاع. فهذه من الأساليب غير الصحيحة لتربية الأطفال.
    6 ـ ايجاد الذعر والإضطراب في قلب الطفل :
    قد يتردد الطفل خشية أن يحدث نوع من الاثارة بينه وبين والديه ، ولا شك أن هذا الطفل سيدان دائماً على اثر مثل هذه المواجهة ، وبعد انجرار الأمر الى النقاش والمجادلة. ومن المحال ان يشغل الطفل الذكي ، والذي يفكر بالعاقبة ، نفسه في مثل هذا الجدال ، الا أنه يضطرب بسبب هذه الصدمات لانه يرى أن مستقبله وحاضره في خطر ، وان استمرار هذا الاضطراب يؤدي تدريجياً الى تبلور روح التردد لدى الطفل.

    في أي الأشخاص يتضاعف التردد ؟
    تبرهن البحوث والدراسات أن التردد يتزايد في العائلة المتحللة والمفككة ، وفي العائلة التي يكون زمامها ضعيفاً. فالأطفال الذين يتدنى مستوى ادراكهم وفهمهم لوالديهم ، ولا يؤمنون بهدف نبيل في الحياة هم


(260)
بلا شك اقل شجاعة وأدنى جرأة من غيرهم.
    ويتضاعف التردد بين الذين يعيشون في بيئة مليئة بالمكر والرياء والخداع ، فقليلاً ما يتجرأ الأشخاص الذي سبق لهم وان تعرضوا للطعن او الاساءة او الاهانة بسبب ضعف الإرادة والثقة بالنفس.
    وتتضاءل الجرأة لدى المتكبرين ، وطلاب الجاه ، والحساد وذوي النواقص. وعلى العكس ، فقد أثبتت مختبرات ( ماي وهارتشوف ) في أمريكا أن الأطفال الذين يتحلون بالجرأة هم الذين يعتمدون على أنفسهم ، وترسخ إرادتهم وثباتهم ، وتكون ضمائرهم حية ، وتتضاءل الجرأة لدى الذين يسعون الى الغلبة وتكون لهم اليد الطولى فيها ، وطلاب السمعة واولئك الذين يشعرون بالنقص وفاقدي الحنان.
    وربما يفتقد الطفل ما لديه من جرأة بعد مجيء الطفل الثاني للعائلة إذ يستحوذ حينها على بعض محبة الوالدين ، ففي مثل هذه الحالة يكون تصرف الطفل كانسياب الماء من تحت التبن ، فهو يستغفل خصمه ويلدغه ، ويتشبث بالمكر والخداع ، وعندما يفلح في هذا السبيل قد يلام وتهدر كرامته ويفرط بشجاعته.

    الأهداف المتوخاة من تنمية روح الشجاعة :
    ان المسألة المهمة في هذا البحث هي نوعية الإنسان المطلوب تنمية روح الشجاعة فيه ، ومن هو الطفل المتربي والشجاع ؟ وأية غاية يجب على المربي أن يسعى لها في هذا المجال ؟ والجواب هو :
    إن الهدف من تربية الجرأة هو ارجاع الطفل الى اساسه الفطري أو بعبارة


(261)
أخرى إحياء فطرته.
    ـ فنجعل منه طفلاً ذا قابلية وصبوراً.
    ـ ونربي اشخاصاً صادقين لايقفزون من فوق الحقيقة.
    ـ ولايخفون عجزهم وضعفهم باستمرار.
    يتصفون بالثبات في سبيل الحق والصدق وتجنيد أنفسهم إذا ما اقتضت الحالة لتحقيق هذه الاغراض.
    ـ والغاية أن نربي أفراداً إذا لم يعلموا شيئاً يقولون لا نعلم.
    ـ لايسر اذا امتدح بما ليس فيه ، بل يرفض ذلك.
    ـ لايحتال على الآخرين اذا ارتكب خطأ ولا يسعى لإنقاذ نفسه بالحيلة واتهام الآخرين.
    ـ صريح بإعلان حبه أو عدم حبه للشيء.
    ـ لايغضب عند توجيه النقد اليه.
    ـ لايعتبر نفسه معصوماً ومأموناً من الزلل إذا لم يوجه النقد اليه.
    ـ لايهز رأسه إذا لم يفهم شيئاً ولايجب بأجل أجل ...

    موضوع تربيتنا :
    إن الطفل الناجح ، هو الذي يستوعب التربية في سنواتها :
    1 ـ من ناحية العمر :
    فهو يطوي مراحل ما قبل البلوغ ، اي اهم مراحل العمر من ناحية استيعاب التربية ؛ وكما يقول العلماء فإن المرء مهما عمر فإن السنوات العشرين الأولى من عمره تضاهي اكثر من نصف عمره اعتباراً ، فلا شك بأن


(262)
كل شيء يستوعبه في هذه الحقبة يحظى بأهمية خاصة.
    والجدير بالذكر ايضاً أن سنين الطفولة الأولى تلعب دوراً حساساً في هذه الحقبة.
    وباعتقاد « كولي » فإن دروس مرحلة الطفولة كالحروف والكلمات التي تحفر على جذع الشجرة ، وقد عبر عن هذه التعاليم في الاسلام بعبارة « كالنقش على الحجر » حيث يستحيل محوها.
    2 ـ من ناحية الجنس :
    ويطرح الإهتمام بالجنسين بالذكور والاناث : فقليلاً ما يهتم بتربية الشجاعة لدى الاناث في المناهج التربوية ظناً بأن البنت لاحاجة لها الى الجرأة والإقدام بينما هن بحاجة اليها اكثر من الأولاد ، وتتضاعف الحاجة اليها نتيجة التربية في هذا المجال لأن الام الجريئة هي التي تربي ولداً شجاعاً.
    ومن ناحية أخرى فإن الجرأة أن تتضاعف لدى البنات اكثر لأنها أفضل وسيلة للمحافظة على تقواهن وشرفهن ، فالجانب الأعظم من الرذائل والمفاسد التي تظهر لدى البنات ناجم عن قلة الشجاعة وضعف الشخصية.
    ومن جانب ثالث يجب أن تتحلى النساء بالجرأة كي يفلحن في الإمساك بزمام قلوب الرجال ، فالبيت كالبلد الذي تحكمه امرأة وكل من فيه تابع والمرأة هي المتبوع ، فلابد أن تتوفر لديها قدرة القيادة ومن ضمنها الجرأة.
    ولاحاجة للقلق بشأن استعدادها للتربية ، لأن التجارب أثبتت قدرة المرأة على تحمل المصاعب والشدائد كالرجل تقريباً ، فبالرغم من سرعة انكسار


(263)
المرأة وعجزها في تحمل الرزايا ، ولكن امتزجت جرأتها مع الرأفة والحنان كانت مصداقاً لقوله تعالى : « لتسكنو اليها ... ».
    3 ـ من المنظار العام :
    من الواجب أن يشمل هذا النظام نطاقاً أوسع ليمتد الى مستوى البلد وحتى الكبار الطاعنين في السن ، فلا شك أن في مجتمعنا اشخاصاً يفتقدون للجرأة بالقدر الذي لايمتلك بعضهم القدرة على سماع قول الحق ، فيضع اصابعه في اذنيه كي لايسمع الحق ، ويدفن رأسه تحت الجليد كي لايرى الحق والحقيقة ، وأخيراً يعم العار والإبتذال في العالم بسبب ذلك.

    الى أي حد نربي الجرأة ؟
    ليس من الضروري ان يكون الهدف من تربية الرجال الشجعان هو الانتصار في ساحة الحرب ، أو عرض العضلات على البلد المجاور. قد تكون الغاية من تربيتهم على الجرأة هي صيانة أنفسهم في المجتمع وتجنبهم ما قد يلحق بهم من اضرار.
    ومن جانب آخر فإننا نربيهم كي يقدموا برجولة على اختيار السبيل المخالف لأهوائهم النفسية في البيت بل حتى في حالات العزلة والوحدة ، وحينما يكونون على مفترق طرق في الحياة ، يختارون الطريق الأقرب الى العزة والإنسانية ، أجل ... فنحن نربيهم شجعاناً للحياة الدنيا ، ونحن نعلم أن أداء الواجب المستند الى رضا الله تعالى يتطلب وجود الشجاعة والمعرفة.


(264)
    أي نوع من الجرأة تربي ؟
    قد تكون الجرأة والتعقل من أجل نيل المكانة ، والفخر ، أي أن الافراد يبرزون شجاعتهم سعياً وراء الجاه والمنصب ، ونيل الدرجات ، ليحوزوا على المواقف الحساسة ويحصلوا على القاب البطولة.
    فمثل هؤلاء الأفراد عبيد الذات ، وهم أنانيون وحد شجاعتهم هو أن يحافظوا على انفسهم واهوائهم ؛ بينما نربي الجرأة لدى الأفراد كي تستثمر في سبيل الأهداف الإلهية وتكون غايتهم نيل رضا الله تعالى.
    وما تهتم به التربية هو النوع الثاني من الجرأة ، بمصادقة يرتضيها العقل ويؤيدها الضمير كما أن مبادئ ديننا تؤيد هذا الجانب.

    حدود الجرأة :
    لابد من التفريق بين الجرأة والتهور ، فقد يطلق المرء لنفسه العنان من أجل تنفيذ خطة او فكرة غير آبه بما يترتب عليها من نتائج ، فمثل هذه الجرأة لا يقرها العقل والشرع ، بل المطلوب هو تلك الجرأة التي تستند الى العقل والتفكير وتقوم على اسس حكيمة.
    واؤكد على أن ما يعتبر ضرورياً في الجرأة هو المعرفة الصحيحة والتنفيذ المناسب ، فلو قدر الموقف والتزم بالتعقل فلايبالي وإن اجتمع أهل الأرض ضده ، وهذا ما علمه الحسين (ع) للناس بعمله يوم عاشوراء وقال :
تركت الخلق طراً في هواكا وأيتمت العيال لكي اراكا


(265)
    إن التقييم الصحيح للموقف في استثمار الشجاعة مهم جداً ، وإلا فلا قيمة لعمل من تتلاعب به العواطف ، فيجب أن يعلم ماذا يفعل وما هي الغاية المرجوة من وراء ذلك العمل وفي رأيي أن الشيء الأهم من ضربة علي (ع) يوم الخندق هي شجاعته وقدرته في السيطرة على ذاته ، فجرأة علي (ع) تكمن في عدم انتقامه من ذلك العدو البائس حين بصق بوجهه (ع) على الرغم من قدرته على الانتقام او يتجاسر ذلك الخصم الوقح عليه فلا يستغل شجاعته في سبيل تسكين غضبه.

    سبل ايجاد الشجاعة :
    من أجل ايجاد الشجاعة لدى الأفراد لابد من الإشارة الى طرق عديدة منها :
    1 ـ تقديم الأسوة :
    لاتقولوا للطفل كن شجاعاً وجريئاً ابداً ، فلو أردتم أن يكون ابنكم جريئاً فعلموه عملياً واجعلوا من أنفسكم قدوات له ؛ فالطفل يمتاز بروح التقليد ، فحين يرى عملكم يقلده. فللقدوة تأثير مهم في الطفل قوية كانت ام ضعيفة ، وبناء على ذلك يجب ان تعمل الأسوة بتأمل وترسم الحدود التي ينبغي التحرك ضمنها ، سيما وأن الأطفال طماعون وطلاب جاه ، ومن الممكن أن يؤدي بهم ذلك على الانزلاق في بعض المخاطر.
    والوالدين هما افضل اسوة وأسلم عامل لإيجاد اكمال المطلوب بالرغم من أن للمعلم والأقران والآخرين تأثيراً فيه ، إلا أن دور الوالدين أهم ، خصوصاً اذا كانت لهما اواصر طيبة معه ، ويمكثان الى جانبه اكثر من


(266)
الآخرين. وكذلك اذا كان الوالدان على درجة عالية من التفاهم مع ابنائهم فإن نفوذهم وتأثيرهم يتضاعف في روح الطفل.
    2 ـ التعليم :
    يعتبر التعليم المباشر من السبل والأساليب المهمة في ايجاد الشجاعة ايضاً ، إلا أن تأثيره ليس بمقدار دور الأسوة ابداً ، فقد تغير نصيحة واحدة او وصية مسيرة بأكملها ، وكذلك يؤمن الطفل من اللجوء الى الكذب.
    3 ـ انتقاد الجبن :
    قد يكون من الضروري أن تنتقد الطفل اذا ما وقع في الخطأ ، وابتلي بالجبن ، غاية ما في الأمر أن يكون النقد مناسباً ، وهدفه الإصلاح. فمثلاً نقول : « لماذا خفت ؟ » « لا داعي للخوف » « يجب ان تكون جريئاً » « من مثلك من أولاد لاينبغي أن يكون جباناً ... الخ.
    4 ـ الأيحاء
    فهو ينفذ كثيراً الى النفس المرء سواء عن طريقه أم عن طريق الآخرين ايضاً ، وبالطبع يكون مؤثراً للغاية اذا كان بواسطة الكبار والذين يكن لهم الإحترام سيما بالنسبة للذين هم في سن العاشرة فصاعداً.
    ومن الأفضل ان تجري الإيحاءات صباحاً بعد النهوض من النوم وليلاً قبل النوم ، والأفضل أن يكون الإيحاء ذاتياً وبصوت قوي وواثق وحتى امام المرأة ... مثلاً كما يلي :
    أنا شجاع ، ويجب أن أكون جريئاً ، وأنا صادق ـ سأكون صريحاً ، انا لا أخاف.


(267)
    5 ـ سرد القصص :
    إن بيان أعمال الأبطال واسلوب وتقاليد السالفين وسيلة جيدة لإيجاد الجرأة. ويجب أن تكون القصص هادفة وتشتمل على مواقف وتصرفات مثالية كصفات البطولة ، أو تتقصى الجوانب العجيبة والمدهشة في الحياة.
    تكمن في الأطفال روح المثالية وحب البطولة ؛ ومن خلال سماعهم لقصص البطولة والحكايات المثالية للأسوة يطابقون انفسهم مع الأسوة بصروة غير مباشرة ، ويعملون جاهدين على التحلي بنفس تلك السمات والسجايا المرغوبة.

    العوامل التي تساعد المربي على خلق روح الشجاعة :
    هل يفلح المربون في تكوين الشجاعة لدى الأطفال أم لا ؟ نذكر بأن الجواب ايجابي لحسن الحظ وان هنالك عوامل تساعد المربين لبلوغ هذه الغاية لعدة اسباب منها ما يلي :
    1 ـ وجود الأرضية الفطرية : ورد البحث حولها فيما سبق.
    2 ـ روح التقليد والمحاكاة : الموجودة لدى الإنسان بشكل غريزي .. لاحظوا جيداً من هم الذين يقلدونهم أطفالكم في تصرفهم وأفعالهم ؟ ستجدون أنهم يقلدون من يتصورون أنهم ذوو أهمية ، ويتمتعون بشخصية جذابة ، سواء في الجانب الإيجابي أم السلبي.
    او اسألوهم من يحبون ؟ سترون أنهم يذكرون أسوة البطولة. فيجب أن يستخلص المربي من هذا الأمر ويضع نصب عينيه القدوة النموذجية.


(268)
    3 ـ جانب البحث عن الكمال : فلكل إنسان ومضة من الكمال اللامتناهي في ذاته ، والجرأة من الصفات الكمالية ، ويتمنى المرء أن يكسبها ، بدليل نسبة الأطفال شجاعة الآخرين الى ذواتهم.

    طرق ترسيخ الجرأة :
    لابد أن تذكر في هذا الصدد طرقاً عديدة لبلوغ هذا الهدف أهمها :
    1 ـ بناء المعتقدات الإيمانية :
    وأول خطوة في هذا المجال هي ايجاد الإيمان والعقيدة ؛ الإيمان بقدرته وضرورة إمتلاكه للجرأة المؤثرة. فالإيمان عمود ثابت يعصمنا من السقوط في هذا العالم المضطرب ، وفقدان الإيمان يسبب المتاعب ويخطف منا كل شيء حتى الجرأة والإقدام.
    وكلما ترسخ وتسامى إيمان الإنسان وارتبط بالقدرة الأزلية تضاعفت عنده الجرأة ؛ لأن الإنسان يريد أن يمتلك مأمناً روحياً وأن يريح نفسه في ظل ذلك الإستقرار.
    فمن خلال الإيمان بالله تعالى والمعاد تتعاظم هذه القدرة لدى الإنسان وتهيء الأرضية للتكامل ، أو الى خلق الضمانة التنفيذية المتينة. وحب المعبود والوصول اليه يمكن ان يكون معيناً على تحقيق الغايات بالنحو الذي يجعل الإنسان يستهين ببذل نفسه من أجل الوصول إليها ، ولكن بشرط أن يقترن الإيمان بالإخلاص. وهذا ما يتحقق عندما يكون المدح


(269)
والذم سواء لديه. والإنسان يتحلى بالجرأة والشجاعة بشكل غريزي وعفوي في فترة الطفولة ، الا أنه لايمتلك الإيمان ، والمربي هو الذي ينمي فيه هذه الخصلة بشكل متزامن مع نضوجه ونموه.
    2 ـ بناء الثقة بالنفس :
    وهو في الحقيقة ، ناتج عن الإيمان ، سواء كان إيماناً بالله تعالى ام بمسألة أخرى. فالثقة تمنح الإنسان القدرة والإعتماد على النفس وتهب الروح جرأة وأقتداراً.
    3 ـ الإعداد لتفسير وتحليل الأمور :
    فالتجارب الصحيحة المكتسبة من الحياة تستطيع أن تدخل الجرأة في قلب المرء بحيث يقوم ببحث الأمور والمشاكل التي تواجهه ، ويدرك ويفسر ويحلل عواقب الأمور ، ويرى العواقب التي قد يبتلي بها فيما اذا انتهج المنهج الفلاني ، أو النتائج التي ستحصل لو سلك نهجاً اخراً.
    فعلى سبيل المثال قد يخشى الإنسان احياناً ، من البحث في مسألة أو أمر من الأمور التي يخشاها أو اسباب تلك الخشية وهذا ما يفتح له الطريق أمام الجرأة والاقتدار.
    4 ـ اختيار الزميل والرفيق :
    فالمرء يشعر بالقلق والاضراب ، ويصاب بالخوف حينما يرى نفسه وحيداً في مواجهة مشاكله ، وهذه الحالة تترسخ لدى الأطفال ، والدليل على ذلك عندما تناط به مسؤولية القيام بعمل ، فهو يبحث في كل مكان « لماذا اقوم بهذا العمل ؟ ولايقوم به الآخرون و ... » فوجود المساعدين والأصحاب


(270)
ينقذه من هذه الوحدة. ومما لا شك فيه أنه كلما كان المساعد والرفيق قوياً تضاعفت محفزاته ، واحتمالات نجاحه ، ولهذا يجب ان يوصف الباري تعالى كمعين ورفيق بالنسبة له.
    وهذا ما يفرض على الأخوة والأخوات ان يكونو بمثابة زملاء ورفاق للطفل ، وإلا فعلى الوالدين القيام بهذا الدور ، وهذا يعني تعاظم مسؤولية الولدين حينما يكون في البيت طفل واحد.
    5 ـ اعداد الأرضية للتدريب :
    ومن الأمور المهمة أيضاً في هذا المجال هو تحفيز الطفل على تجربة قدرته على المسؤولية وأن نعرضه لبعض الاختبارات التي تعزز لديه روح الجرأة والشجاعة.
    فيجب اعطاؤه تمارين بسيطة في البداية لينجزها بنفسه.
    وقد اثبتت التجارب ان التدريب والممارسة لهما تأثير اكبر من تأثير النصح والوعظ والتعليم.
    وبعبارة أخرى فان الظرف يقتضي ان يكف الوالدان عن الكلام ويكثرا من العمل فاعتراف الوالدين بأي خطأ قد يصدر عنهما يعتبر بذاته درساً عملياً في تنمية روح الشجاعة ومحفزاً للطفل للاعتراف بخطئه ، ذلك لأن الخطأ محتمل من الجميع وليس هناك انسان كامل وبعيد عن الخطأ.
    6 ـ استغلال العواطف والمشاعر :
    فقد يكون خطاب حماسي واحد كافياً لإثارة روح الجرأة وتعزيز المعنويات. وسرد القصص له تاثير لايستهان به في هذا المضمار. ولابأس
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ::: فهرس