تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ::: 271 ـ 285
(271)
هنا بالإشارة الى مواقف أصحاب الإمام الحسين (ع) وما أبدوه من شجاعة فائقة ، حيث كان أحدهم يقول : « لو إني أقتل وأحيى الف مرة لما أخترت مفارقتك ، أو التخلي عنك .. » ويمكن ذكر اقوال بعض العظماء كقول أحدهم : « الموت مئة مرة خير للمرء من تدنيس ضميره وقلبه ». فأمثال هذه الأقوال لاتخلو من التاثير والفائدة :

    العوامل التي تقضي على الجرأة :
    ولابد هنا من ذكر العوامل التي تقضي على الجرأة او تضعفها ، ونشير في ما يلي الى بعض منها كالآتي :
    1 ـ العقوبات الصارمة التي مر ذكرها آنفاً.
    2 ـ اللوم والاستهزاء والتوبيخ المستمر
، كأن يقال للطفل مثلاً : « كم مرة قلنا لك ؟!! متى تريد ان تفهم ؟!! كم أنت غبي ؟!!.
    3 ـ العقوبة لأسباب تافهة : كأن يصفع الطفل في حالة عدم ادائه لواجبه المكلف به ، ومن دون الاستفسار عن السبب الذي أعاقه عن اداء ذلك الواجب. او انه حينما يصدق في تقديم عذره يتوهم المربي ان ذلك الجواب خطيئة أخرى تستلزم العقوبة فيجود عليه بصفعة أخرى لامبرر لها. وهذه الصفعة الثانية هي التي تحدد موقف الطفل مستقبلاً في ان يكون صادقاً أم يكون من الكاذبين.
    4 ـ التخويف والحرمان من الرعاية : فعلى سبيل المثال كنا في السابق نوليه الرعاية والدعم اثناء خروجه في الظلام إلى باحة الدار ، اما الآن فنمنع عنه مثل هذه المساندة بسبب الخطأ الذي ارتكبه.


(272)
    5 ـ إرهاقه بالواجبات والتكاليف الصعبة والتي تفوق طاقته.
    6 ـ فرض الآراء عليه بعيداً عن روح التفاهم.
    7 ـ التضايق من كلمات وتصرفات الطفل وعدم الاكتراث به امام الآخرين.
    8 ـ القنوط واليأس وهو عامل مدمر وبلاء عظيم.
    9 ـ التشاؤم واساءة الظن وبالمسؤولين التربويين.
    10 ـ التصورات والأفكار المغلوطة
كالتصور بأنه لو حصل الموقف الفلاني فسيؤدي الى حدوث فضيحة.

    مقتضيات السن في تنمية روح الجرأة
    لكل مرحلة من مراحل السن مقتضياتها التي يجب اعتمادها كاساس لحالة الطفل ؛ مثلاً :
    1 ـ في سن الرابعة يمتاز الطفل بالثقة بما لديه من قدرة وبحب الاستطلاع والمغامرة.
    2 ـ في سن السادسة : يتصف بالحساسية وحدة المزاج وعدم المبالاة من القيام بأي عمل ، وله ثقة زائفة بقدرته.
    3 ـ في سن الثامنة : يميل الى حب الشجار والإستقلال وروح المغامرة.
    4 ـ في سن التاسعة : يظهر لديه ميل الى التمرد ورغبة في دخول كل مكان والاطلاع على كل شيء.
    5 ـ في سن العاشرة : نلاحظ لديه نزوعاً الى التعاون مع قلة المشاكل مع العالم الخارجي مزيداً من السكينة والثبات.


(273)
    6 ـ في سن الثانية عشر : يتسم بكثير من الهدوء والاتزان وتبرز لديه رغبات لتغير المجتمع وحب الإصلاح.

    تهيئة الأرضية المناسبة لتنمية الجرأة :
    ان البحث في هذا الحقل واسع ومتشعب الا اننا نشير باختصار الى النقاط التالية فيه :
    1 ـ الإستقرار النفسي : هو أنجح الادوات والمحفزات التي تدفع الإنسان الى مواصلة النهج الذي يسير عليه لبلوغ هدفه ، ويوجد في نفسه الثبات والإستقامة.
    فيجب ان يطمئن الطفل الى عدم احتمال تعرضه للحرمان اومصادرة حريته والتدخل في اعماله الخاصة. والتعاليم الدينية كافية لتربية الروح السامية القادرة على ايصالنا الى هذا الهدف.
    2 ـ القدرة على التحكم بالنفس : فحين يكون المرء قادراً على التحكيم في نفسه وإرادته يصبح من السهل عليه استثمار ادنى قدر من جرأته بشكل جيد وفي الوقت المناسب اي بمعنى انه قادرعلى التحدث بحنكة والدفاع عن نفسه بمهارة.
    3 ـ خلق الثقة بالنفس : بنحو يتيح له الإعتماد على نفسه وعمله بعيداً عن الإتكالية. فيكون واثقاً من نفسه ويراها قادرة على بلوغ الحق.
    4 ـ تقوية الجسم : وهذا ايضاً من العوامل المؤثرة ؛ وقد تقدم الحديث عنه في ما سبق ، ورأينا ان ضعف الجسم وهزاله يلعب دوراً في جبن ذلك


(274)
الشخص.
    5 ـ احترام الطفل : ولا سيما امام الآخرين ، وملاعبته وملاطفته واشراكه في الأمور والسماح له بالحديث وطرح ما لديه من آراء واستدلالات.
    6 ـ تنمية عواطفه ومشاعره : فعندما يثار الإنسان تخطر على ذهنه افكار هامة وهذا ما يعتبر بمثابة الموهبة بالنسبة للعواطف المهذبة ، حيث تكون مثل هذه الافكار قابلة للتنفيذ في ساعة هدوء الغضب.
    7 ـ ترسيخ قوة العزم والإرادة : فضعف الإرادة يوقع الإنسان في الأخطا ويؤدي به الى الفناء ، على العكس من الإرادة القوية التي تصقل الجرأة لديه وتحفزه على إبراز ما لديه من رجولة ومنطق. فكثير من الإشخاص يمتلكون القدرة على تحديد الأمر الخاطئ من الصحيح الا انهم يفتقدون الإرادة اللازمة لردئه وتلافيه.
    8 ـ تقديم الدعم والرعاية للطفل : حيث يعد هذا محفز لابراز قدرته.
    9 ـ التعليم على الصدق والأمانة : وتجليل ذلك واحترام النتائج المترتبة عليه.
    10 ـ العلم الذي يجلب الإقتدار بشرط أن تجتمع فيه بقية العوامل أيضاً.

(275)
    ملاحظات في موضوع تنمية روح الجرأة لدى الأطفال والمراهقين
    1 ـ الوعي :
هو الخطوة الأولى : الابراز اي نمط من انماط الجرأة ؛ فتشخيص الخطأ من الصواب أمر حساس ومصيري ولابد للإنسان من دليل وفلسفة للقيام بأي عمل ، وعليه أن يميز بين الخطأ والصواب.
    فالصواب في نظر الطفل هو ما يحظى بقبول الوالدين ، وبالعكس فان الخطأ هو ما لايرتضيه الوالدين ، ثم انه يكتشف على مر السنين بأن الخطأ والصواب هو ما يثير سخط الله او يحظى برضاه.
    وعلى أية حال فالمقصود هو أن الجرأة حينما تتحقق عن علم ووعي فانها تضفي على صاحبها الأبدية والخلود كما يقلل الجهل من قيمة الجرأة.
    2 ـ مراعاة جانب الإعتدال : فلو جاوزت الجرأة حدها فانها تصبح مصدر خطر على الطفل ، ولكن ما هو حدها المتعارف ؟ انها تتراوح ما بين اداء التكليف وتركه من الوجهة الشرعية ، اما في الدول التي تحكمها القوانين الوضعية فالملاك هو العرف الإجتماعي.
    3 ـ يجب ان يؤخذ بنظر الإعتبار في تنمية روح الجرأة والشجاعة عوامل الضمير والشفقة والحنان وإلا فان أرضية الإنحراف مهيأة ، وأبرز مظاهر ذلك هي روح المغامرة والتخريب والتدمير التي نراها سائدة في مختلف المجتمعات.


(276)
    دور الآخرين في ايجاد الجرأة
    لابد هنا من الحديث عن الأدوار التي يلعبها الآخرون ؛ وهي ادوار متعددة ومتنوعة التأثير ، نشير الى بعض منها كالآتي.
    1 ـ الوالدين :
    اتضح لنا ان دورهما اساسي وكبير فاذا كان الوالدان شجاعين ، فمن البديهي ان يتربى اطفالهم على الشجاعة والإقدام ايضاً ، وكما اذا كانت شجاعة الوالدين حقيقة ومنبثقة عن الأعماق فانها تترك اثرها كالمعجزة.
    فالمسألة المهمة التي تخص الوالدين هي ان تكون شجاعتهما قائمة على اساس الرؤية الصحيحة والرأفة ومراعاة الحقوق الإنسانية والأخلاقية لكي يكتسب الأطفال منهما تلك الخصائص.
    ان استخدام الضغوط في تشجيع الأطفال ، واستعمال الفاظ الأمر والأساليب الجافة يعد نوعاً من الأخطاء التربوية. بل يتوجب على الوالدين انتهاج اسلوب الترغيب والتشجيع في طريق التربية والتمسك بالأعمال المحببة ومن ضمنها استحسان الايجابيات ، وتقديم الهدايا له ، واحترامه ، ومشاورته ، وعدم توعيده بالعقوبة في حالة ارتكابه لأي خطأ أو اشتباه ، والابتعاد عن اسلوب التوبيخ الجارح ، مع المحافظة على هدوء الأعصاب وعدم اللجوء الى البطش والقسوة في معاقبته ، كما ويفترض ايضاً اعانته على انجاز واجباته على احسن وجه. وان يبعدوا عنه عوامل الإضطراب والرهبة.


(277)
    2 ـ الاقران :
    بالرغم من الدور الذي تلعبه العائلة في تربية الأطفال ، فلا مناص من الاعتراف بعجز العائلة وحدها عن القيام ببناء الأخلاق والمعنويات ، فمرافقة الأصدقاء والزملاء لها تاثير بالغ في بناء هذه المقومات ، لا سيما رهط الاقران الذين يصيغون اخلاقه في قالبهم الخاص ، فالبناء الأخلاقي للإنسان يتكامل تدريجياً على اثر تقليد الآخرين. صحيح ان اصدقاء الطفل صغار السن الا ان تأثيرهم فيه بالغ للغاية.
    3 ـ المسنين وكبار السن :
    ان معاشرة كبار السن توجد اجواء روحية فائقة لدى الطفل ، فمن المستبعد أن يزول الدرس الذي يأخذه الطفل عن الآخرين ، وتأثيره باق على مدى الحياة. وبطبيعة الحال ان الاشخاص الكبار والمعروفين ، ويحظون باحترام اكثر في قلوب الناس دائماً ؛ وكلما ازداد قبول وثناء المرء على شخص كان تاثيره اكبر والأخذ عنه اكثر.

    مميزات الإنسان الجريء :
    وفي الختام لابد من الحديث باختصار عن بعض مميزات الإنسان


(278)
الجريء والتي تقوم على اساس مايرتضيه الدين ؛ كي يكون قادراً على تقسيم العمل والإتيان به. فالإنسان الجريء :
    ـ ذو استقلال فكري وثقة بالنفس.
    ـ ذو ارادة وعزم مدروس ومستقل.
    ـ لاينتابه الذعر من خطر زوال المقام والمنصب.
    ـ مجتهد في اداء تكليفه ومتأهب لاستقبال الاعمال الشاقة.
    ـ اذا رأى ان العالم جميعه يعارضه فهو يقاوم حينما يرى ان هدفه صحيح.
    ـ يرى الاحداث والحقائق بمنظار الحق.
    ـ يسعى وراء الحق ويمضي في سبيله غير مبال بما يعترضه عن شدائد هذا الطريق.
    ـ لايدع اليأس والقنوط يتسرب الى نفسه في ميدان الصراع او التعاون.
    ـ لاينسى هدفه حتى اثناء نوائب الحياة وعند الازمات.
    ـ لايفقد صوابه في المشكلات وفي الضروف القاسية.
    ـ يعين العاجزين وينصر الضعفاء.
    ـ لايفرح لتمجيد الآخرين وثنائهم عليه وتملقهم له.
    ـ لايعير اهتماماً لرضى الناس بل يبتغي رضى الله والضمير.
    ـ سعيه في سبيل اداء التكليف لا ارضاء للاهواء و ...

    المواضع التي تعرف فيها الشجاعة :
    في المصائب والمحن ، والا فكل شخص شجاع في بيته. فالطفل والصبي


(279)
الذي يستطيع التحكم في نفسه في الموارد الخاصة ، ويلجم غضبه ، ويتغلب على عواطفه هو شخص شجاع.
    واذا لم يكن لديه دليلان اثناء الشدائد للقيام باعماله « دليل يقنعه واخر يبرر به فهو شجاع ».
    ويمكن معرفة الطفل الشجاع حينما يتعرض للعقوبة والمجازاة ولا يتهم الآخرين بالتقصير من اجل استنقاذ نفسه.

    المجتمع الشجاع :
    هو المجتمع المتواضع والبعيد عن كل مظاهر الغرور والانفة ولا يأبه بالاوهام والخيالات بالاضافة الى قدرته على اجتياز انواع الاختبارات التي يتعرض لها. ولايعيش في عالم الوهم. وينظرالى الحياة نظرة واقعية وهادفة ، و يعيش حالة الاستقلال ويأبى الاتكال ، يتحدث بلسانه لا بلسان غيره ، ويفكر بعقله لابعقل غيره ، يفصح ما يراه عن العيوب ونقاط الضعف ويسعي لتلافيها ، يحثو التراب في وجه المتملقين ، يحارب كل الوان الفساد ومسمياته و ... الخ.
    تقييم :
    وهذه الحالة تحتم علينا النظر الى الأغلبية لا الى فئة محدودة وإلا فهنالك في كل مجتمع اقلية تسير نحو هدف معين ، ونحن نعلم ان الربيع لايحل من خلال وردة واحدة. وان اليد الواحدة لاتصفق.
    فالمسؤولون التربويون في كل مجتمع مكلفون بانضاج ازهار عديدة ، وان يجتهدوا في تربية امة تتحلى بالشجاعة ومجتمع لايطبعه التردد. وهو ذلك ،


(280)
المجتمع الذي يستطيع ان يظهر بالرفعة والعزة. حتى يسمو الى السماء في مقام احقاق الحق وتحقيق اهدافه المنشودة غير مبال بما يلقاه حتى وان اقتضى الأمر أن يطأ عرين الاسد.

    تصور مستقبلي :
    ليس هنالك حدود لصيانة العائلة في عصرنا الحالي ولا وجود لخطة وهدف منشود واصيل في التربية ما دام زمام الاسرة ضعيف والغالبية العظمى من الأطفال عرضة للتفسخ والتحلل ونمط التفكير رجعي ، وغالباً ما توصف اساليب التربية بالمحافظة والجمود. وقد دفنت الطاقات والشجاعة في داخل الانسان. وبدلاً من انه تشجع العوائل ابناءها على الأعمال الحسنة ، فهي تعودهم على الخمول والتزمت.
    ويبدو ان التملق أيسر على الناس من التمنع والعزة ، ويدر عليه نفعاً اكثر مما يعود عليهم من الإباء والشموخ. الخضوع اما الاوهام والخوافات أيسر عليهم من التسليم امام الحق.
    بناء على ذلك لانعتقد بان يكون لدينا افراد شجعان وأبطال في المستقبل. ومن المستبعد ان نمتلك ابناء يمتازون بالكمال واللياقة ، او يكون مستقبلنا مستقبلاً زاهراً يقوم على أساس قول الحق والتفكير بالحق ، الا اذا حدثت تغييرات اساسية في اوساطنا الاجتماعية والعائلية ويعود الآباء والأمهات الى عقولهم ويكونون اصحاب اهداف سامية.


(281)


(282)

(283)
    مقدمة :
    ان وجود الناس الذين يتسمون بالبرود واللاأبالية والذين يتخبطون في تلك الحضارة المتفسخة وبعيداً عن اي هدف في الحياة ، ناتج عن التربية الخالية من اي شعور بالمسؤولية.
    ولو أمعنا النظر قليلاً لأدركنا ان السبب الرئيس لعدم الاهتمام للآلام والمشاكل وانعدام مبدأ الاشراف العام ، يكمن في وجود خلفية فكرية خطيرة تتمثل في قاعدة ( عيسى بدينه وموسى بدينه ).
    وهذه القاعدة لم يفرزها ضعف الاقتدار العام ، بل انها ناتجة عن انعدام الشعور بالمسؤولية ، او بعبارة أوضح انها ناتجة عن التهرب من المسؤولية واخلاء الكاهل من أعبائها.
    والحقيقة هي اننا قد نسينا مسؤوليتنا ازاء الامور والحقائق ، وكأننا بعيدون عن اي التزام أو تكليف.
    فمن يعيش وحيداً فريداً ومستغرقاً في مكاشفاته بعيداً عن الناس هو شخص غير ملتزم حتى لوكان انساناً الهيأ او عارفاً مشهوراً.
    والشخص الذي ينزوي في ركن من الحانة وينهمك باحتساء الخمر من غيرهم فهو شخص غير مسؤول حتى وان كان ظاهره دالاً على انه من ذوي الشهادات العالية او كان من المثقفين.
    ومن ينشغل بتجميل ظاهره رغم شدة المعاناة وحدة الألم ومتشبثاً بمقولة ( هذا لايعنيني ولا


(284)
يعنيك ) ، فهو شخص مريض ايضا ومصاب بمرض عدم الالتزام وعدم الشعور بالمسؤولية.
    واخيراً ، فمن يضحي بالمبادئ السامية في سبيل الأوهام الشيطانية ويخطط للايقاع بالآخرين لأجل انقاذ نفسه فهو مصاب ايضاً بانعدام الشعور بالمسؤولية و الالتزام.
    وفي هذا العصر كثيراً ما نشاهد اشخاصاً يحاولون ازاحة المسؤولية عن أنفسهم لكي يفلتوا من وطأة الصراع الفكري والتخلص من قيود السعي والنشاط المرهقة. فلا يسلكون طريقاً ينغص عليهم عيشتهم.
    والتهرب من المسؤولية له صور شتى ، الا انه لايتحقق للانسان بدون اختلاف الذرائع والادلة الكافية ليقنع بها نفسه.
    فبعض الناس يتنصلون عن المسؤولية بحجة ان الاجواء غير مناسبة ، والبعض بحجة عدم وجود مصلحة الآن ، وأخيراً يتذرع البعض بذريعة ان الجهود والمساعي لم يعد لها أي تأثير.
    على أية حال. فالغاية هي تحرير الكاهل من المسؤولية ، والا فمن يمتلك البصيرة الانسانية لايستطيع التنحي عن المسؤولية والاعتزال جانباً مهما كانت الاعذار الآنفة.
    وقد اتسع نطاق عدم الشعور بالمسؤولية حى شمل الوالدين في حقل التربية ، فلم يعد الاب والأم يتأثران من عدم تربيتهما الابناء على الالتزام والشعور بالمسؤولية.
    لقد اختلطت عليهم مقاييس السلامة والنقص في الأطفال ، فهم يحسبون حساباً خاصاً للنواقص البدنية ، ولايعيرون اهتماماً للنواقص الاخلاقية والروحية ، فلو شاهدت الام ان ابنها فقد يده او رجله وأصبح عاجزاً او أصيب بالعمى او الخرس تتألم كثيرا وتجزع وتبدي الانكسار ، لكنها لاتتأثر إذا تعرض ولدها لأية عاهة أخلاقية ، أو اصيب بانتكاسات من ناحية الالتزام والمسؤولية.
    وهذا ما يثير الألم عند تقييم ادراك وفهم الوالدين وطراز تحملهم واستيعابهم.


(285)
    في سبيل خلق روح المسؤولية :
    قبل أن نبحث المسؤولية لابد أن نعرف ماهية الحياة وصلتها بالتكليف والمسؤولية ، وهل تتلاءم الحياة مع مبدأ عدم الالتزام وعدم الشعور بالمسؤولية ، ام لا ؟.
    ظهرت تعاريف كثيرة وآراء كثيرة بشأن الحياة.
    فقد وصفها البعض بأنها حلم وسراب.
    واعتبرها البعض احداثاً غير هادفة ، وان جهود الانسان فيها تقوم على اساس القبول بكل ما يحصل.
    وذكر البعض انها منهاج مقرون بالعناء والمتاعب التي يجبر المرء على تحملها.
    ولكننا لو شئنا تعريف الحياة من وجهة النظر الاسلامية فيجب القول انها ليست سوى التكليف .. التكليف الذي يقع على عاتق الانسان ازاء نفسه وازاء الآخرين ، ولاينفصل عن حياته ابداً.
    فحينما تكون الحياة هي التكليف لايضل الانسان عند القوة والامتلاك ، ولايجزع ساعة الفقر والعسرة ، ولاينهزم امام المشاق ، ولايقف كالمتفرج امام المصاعب.
    وحين تكون الحياة هي التكليف ، تنطبع مساعي الانسان بالهدفية وتجعله مستعداً للعيش في فقر مع المحافظة على الأمانة. ويفضل البقاء سيداً مرفوع الرأس على الخضوع لاي لون من ألوان العبودية والخضوع.
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ::: فهرس