تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ::: 286 ـ 300
(286)
    وان المسؤولية تنبثق من شعورنا بأن الحياة تكليف ؛ وعندها يتلخص مفهوم السعادة والنجاح في اداء التكليف والمسؤولية.
    ملاحظتان مهمتان في تنمية روح المسؤولية :
    يجب الالتفات الى نقطتين اساسيتين من أجل اداء المسؤولية الناتجة عن التكليف ، وهما :
    1 ـ ان التعاليم المتعلقة بالمسؤولية اكتسابية ، وسر إرسال الرسل لتبليغ هذه التعاليم ، تتلخص وتتحدد في هداية البشر لأداء تكاليفهم.
    2 ـ ان اداء المسؤولية يتطلب سعياً حثيثا ومستمراً وجهاداً وعملاً دؤوبا ، ولا تبرأ ذمة الانسان من خلال سعي يوم او عدة أيام.

    تربية الانسان على تحمل المسؤولية :
    وبما ان المسؤولية هي أهم تكليف واكبر واجب يلقى علينا ـ كما مر سابقاً ـ ، فهو التكليف الذي يبقى مرافقاً لنا طوال الحياة ولاينفصل عنا. وعلى هذا فيجب ان لا نشعر من رفقته لنا بالضجر او الملل. ومثل هذا الشعور يحتاج الى عامل يدعى التربية.
    التربية التي تعني السمو والتكامل والنضوج. وهي من الأهداف الرئيسية لكل مرب. ونحن هنا نستشف منها مفهومين وغايتين :
    1 ـ هداية المرء نحو الأهداف المنشودة والغايات التي تتناسب ومنزلة وطبيعة الانسان.
    2 ـ مساعدة الطفل والأخذ بيده وايصاله الى النقطة المطلوبة. وبعبارة


(287)
اخرى : ان لايكون لنا تدخل مباشر في ايصال الطفل الى هدفه ، بل نهيء له ظروف وامكانيات التكامل ونيل الهدف.
    لا شك ان اهم المقاصد هي تربية وبناء روح المسؤولية لدى الشخص ، وهي الصفة التي اذا احرزناها امكن أن يطلق علينا اسم الانسان. وليعلم ان حمله ثقيل لدرجة ان بقية المخلوقات قد امتنعت عن حمله :
    « انا عرضنا الامانة على السماوات والارض والجبال فأبين أن يحملنها وحملها الانسان »
    فالانسان بلا مسؤولية شيء تافه ، وحيوان ناطق وضاحك ، واجتماعي ؟ ويقول القرآن « بل هم أضل ».
    وما ذكرناه الآن يتعلق بالتعاليم التي تشير الى كون المسؤولية امر تعليمي واكتسابي ، وهو أمر واضح.
    وان مهمة الأنبياء تتلخص في توجيه الانسان وارشاده الى هذه المسؤولية « يعلمهم الكتاب والحكمة » وحثه على التمسك بها.

    ضرورة تربية روح المسؤولية :
    يتلخص البحث هنا في مدى ضرورة تعليم الاشخاص على تقبل المسؤولية وتحملها ، على اعتبارها واحدة من الأهداف التربوية.
    يتضح لدينا مما مضى ان الجواب على هذا التساؤل ايجابي ، الا اننا سنحاول في ما يلي تناول ضرورته من وجهات نظر مختلفة.
    ـ من الناحية الفردية :
    فمن الضروري تنمية روح المسؤولية على المستوى الفردي ، لأن كل


(288)
طفل يحتاج الى روح المسؤولية والالتزام من أجل تأمين سلامة حياته حاضراً ومستقبلاً. وانطلاقاً مما لاحظناه وشاهدناه فان التسيب وعدم المبالاة لايجلب للانسان السعادة ، بالرغم من اتساقه مع اهواء النفس ؛ فقضاء الحياة بهذا النحو ، وبالشكل الذي يهواه القلب لايستطيع ان يأخذ بأيدينا نحو السعادة.
    والطفل بحاجة الى التقيد ـ ومنذ مرحلة الطفولة ـ بمقررات معينة والالتزام بمبادئ والتمسك بانجاز الاعمال ، وهذا ضروري لحياته حاضراً ومستقبلاً.
    ـ من الناحية الاجتماعية :
    يؤدي كل فرد من أفراد المجتمع دوراً كالدور الذي يؤديه أي جزء من أجزاء الماكنة. فلو توقف أحدهم عن اداء الدور المرسوم له تعطلت عجلة المجتمع عن العمل ، كما لو توقفت احدى آلات السيارة عن العمل في أثناء مسيرها ، اذ يؤدي الى حدوث اصطدام ، قد ينطوي على الكثير من الدمار والخسائر.
    ومن البديهي ان المجتمع يكون حياً عندما يؤدي كل شخص مسؤوليته باعتباره عضواً فاعلاً في المجتمع ، وتقدم كل بلد منوط بمدى معرفة ابنائه لمسؤوليتهم.
    فالبلد الذي لايعرف ابناؤه تكاليفهم ولايعملون طبقاً لها ، فلا أمل بتقدم وسعادة ذلك البلد.
    ومن ناحية أخرى فإن تحديد الواجبات في كل مجتمع يؤدي الى تنظيم


(289)
العلاقات الاجتماعية والانسانية ، والتي على اساسها يشعر أبناء المجتمع بالارتباط فيما بينهم ، فيندفعون لمواصلة حياتهم بشكل سليم وإنساني.
    ـ من الناحية الدينية :
    لقد وصفنا الحياة بانها تكليف ، وتلخص ابعادها في مواصلة الحياة الفردية والاجتماعية وتكوين العائلة وتربية الطفل. وعليه فان كل ما حملناه من مسؤولية يجب ان ننقله الى ابنائنا.
    واساس التفكير في بلورة وتنمية روح المسؤولية تتلخص فيما يلي :
    ـ أولاً : ان الطفل ملك لله وامانة بايدينا. ولأجل ايصال هذه الأمانة نحو المراتب التي يبتغيها صاحب الامانة ، علينا ان نعتبر ان للاطفال حقاً على الوالدين والآخرين.
    ـ ثانياً : بالرغم من ان الاطفال صغار حاليا ، الا انهم جزء من المجتمع. ويجب ان تحكمهم علاقات وقواعد للحياة المشتركة والطيبة وان يجري اعداد الطفل للانضمام الى هذا المجتمع الالهي والديني بل ومن الأفضل ان نقول : المجتمع العقائدي.
    وباختصار : لا مناص من القول ان تربية الشعور بالمسؤولية ضرورية لأن المجتمع حينما يخلو من الشعور بالمسؤولية يكون مجرداً من الصدق والتضحية والأمانة والايثار والطهارة والمحبة والعواطف.

    مصدر التعاليم المتعلقة بالمسؤولية :
    ان اصل تحمل المسؤولية فطري ، لان المرء يرى نفسه مكلفاً بإنجاز


(290)
بعض الاعمال والواجبات طوال حياته بحكم العقل والضمير ؛ وهذا بحد ذاته يمثل ارضية للشعور بالمسؤولية وتحملها.
    ولكن من أين تستمد التعاليم المتعلقة بالمسؤولية ؟
    يقول البعض في هذا الصدد بوجوب أخذها من العلم والتجربة. ولكن البحوث التي اجريت بخصوص هذا الرأي أثبتت عدم منطقيته للأسباب المطروحة أدناه :
    أولاً : أن العلوم في طريقها الى التكامل ، وليس هنالك قدر كاف متيقن يمكن التمسك به والاعتماد عليه ، ولو لحقبة واحدة من حياة الانسان على اقل تقدير.
    ثانياً : ان العلوم تقوم على اساس الحس والتجربة ؛ وهذا ما يبعد الانسان عن ادراك الكثير من المسائل التي يحتاجها ويستند اليها لاسيما المفاهيم المجردة وشؤون ما وراء الطبيعة مع ضرورة الأخذ بنظر الاعتبار امكانية خطأ الحواس.
    ثالثاً : اختلاف نصيب العلماء من الفهم والاستيعاب. وعليه فان اتباع اي منهم لايبدو مقنعاً ، ولابد من اجتنابه ، لانه لايقود الا الى الابتعاد والتشتت في خاتمة المطاف.
    رابعاً : ان نظرة العلوم للمستقبل لاتختلف عن فهمها المسبق للأمور : وهي موضع تشكيك ، ولاقاعدة للآراء التي تطرحها سوى في حدود الشك والاحتمال.
    وهنالك ادلة اخرى مطروحة عن قصور العلم والتجربة ، لمحدودية


(291)
حقولها.
    أما آراء الفلاسفة واصحاب المذاهب فلا تستطيع ان تكون جديرة بالإعتماد لان اطلاع اغلبهم نابع من الطرق اعلاه ، او يقوم على اساس الاستدلال القياسي ، الأمر الذي يحضى بأقل قيمة من ناحية المسائل الانسانية. واصحاب المذاهب مخطئون ، فنظراتهم الفلسفية غير متعمقة بالقدر الذي لايمكن الاشارة اليها على مرور الزمن ، كما ارتكبوا أخطاء عظيمة في رؤية ابعاد الانسان ووجوده.
    والنتيجة ـ كما نراها الآن ـ ان المبادئ تلتهم بعضها البعض وتحول انسجتها الى حبال وخيوط.
    ان التعاليم التي تتعلق بالمسؤولية يجب ان تتصدر عن الله خالق البشر ، وهذا الامر يحضى بتأييد العقل والفطرة ، لانهما يحكمان بان صانع الماكنة أحق واولى من الآخرين في ابداء الرأي حولها ؛ فالله هو الذي صنع وجودنا ، وهو الذي ابدع معدات وجودنا ، وهو اولى في ابداء الرأي في تحديد واجبات هذه المعدات ؛ ورأيه وامره احق بالاتباع.
    ان بعض التعاليم الالهية في مجال الاخلاق والتي يتركز موضوعها حول بحث الالتزامات الفردية والجماعية للانسان ، الخير والشر ، الواجبات والمسؤوليات ، هو خير وصلاح البشرية.
    على هذا الأساس ، فإن البحث حول المسؤولية هو بحث ديني من ناحية وبحث اخلاقي من ناحية أخرى. ومن ناحية ثالثة فهو بحث تربوي ونفسي. وإبداء الرأي في ذلك يجب أن يكون من قبل من يمتلك رؤية مستقبلية


(292)
عميقة ولايكون ناقماً على الحياة ؛ وكما يقول اينشتاين : ان يكون ذكياً وليس حسودا. ومثل هذا الوجود ليس سوى الباري عزوجل. اذن يجب ان يكون مصدر التعاليم التي تتعلق بالمسؤولية هو الله فقط.

    انواع المسؤوليات :
    ما هو نوع المسؤولية التي ينبغي تعليمها للطفل الذي يعيش إلى جانبنا وتحت رعايتنا ؟
    من أجل الاجابة على هذا التساؤل ، علينا ان نرى ، نوع الانسان الذي يحتاجه حاضر ومستقبل مجتمعنا استناداً الى الرؤية الاسلامية ؟ فمن اجل بلوغ مجتمع انساني نحتاج الى انسان يتمتع ـ على الاقل بالمزايا التالية من الناحية الفردية.
    ـ ان يكون عارفاً بنفسه وقدر شخصيته.
    ـ ان يحب ويحترم نفسه وشخصيته.
    ـ ان يعرف الطريق المؤدي الى العيش الكريم بعيداً عن التفريط بحياته.
    ـ ان يقف على رجليه وليس على أرجل الآخرين.
    ـ أن يتحمل اعباء حياته بنفسه.
    ـ ان يعتبر نفسه مسؤولاً عن صيانة حريته ورفعته ومعتقده.
    ـ أن يكون عارفاً بالقوانين وملتزماً بالتعاليم.
    ـ ان يقاوم ويصمد في سبيل تحقيق هدفه.
    ـ ان لايتهاون في التنافس على طريق اداء الواجب.
    ـ ان لايفرط باستقلاله الفكري والعملي.


(293)
    ـ ان يعرف قدر نفسه وكلامه ووعوده.
    ـ اذا قال نعم أو لا من بعد التامل ، ان يتمسك بكلامه ويثبت عليه حتى لو تطلبت التضحية بالنفس.
    ـ ان يكون عفيفاً وفياً ، وذا قيمة ، ومضحياً ، وذا مشاعر واحاسيس ، وكريماً و .. الخ.

    ومن الناحية الاجتماعية :
    ـ ان يفهم اوضاع مجتمعه وقيمته.
    ـ ان يفكر بالآخرين ويحفظ ويحترم شخصياتهم.
    ـ ان يرى نفسه مكلفاً ومسؤولاً أمام المجتمع.
    ـ ان يتحمل دوره في اداء التكاليف الدينية والاجتماعية في المجتمع.
    ـ ان يسلك منهجاً مقروناً بالطاعة لقادته.
    ـ أن لايجلب الضرر لنفسه او يكون سبباً للاضرار بالمجتمع.
    ـ ان لايرى نفسه غير معني بما يعانيه المجتمع من الفقر والجوع والديون والانحلال.
    ـ ان يرى نفسه جزءاً مهماً وحيوياً من ماكنة المجتمع.
    ـ ان يعتبر نفسه مسؤولاً عن حرية وصلاح ورفاء مجتمعه بل المجتمع البشري جميعاً.
    ـ ان يكون خير صديق وخير زميل وخير عامل وخير تابع ومتبوع.
    ـ ان يكون صديقاً لكل الناس ، وأخاً لأخوته في الدين.
    وعلى هذا الاساس تتضح نوع المسؤوليات التي يجب عرضها للأطفال


(294)
عن طريق التربية.

    ابعاد المسؤولية :
    استناداً الى ذلك فان المسؤولية تشمل جميع وجود الانسان ويعتبر كل عضو من اعضائه مسؤولاً بأي نحو من الأنحاء.
    فاللسان مسؤول عن قول الحق وعدم قول سواه ؛ فلا يغتاب ولاينم ولا يلدغ ولا يهذي ولايثرثر و .. الخ.
    والاذن مسؤولة عن سماع قول الحق ، وان تضع حاجز فيما بينها وبين سواه ؛ لذلك فهي غير مسؤولة عن سماع ما ليس بحق. فلا تصغي للأغاني والطرب.
    والعين مسؤولة عن مشاهدة الحق والحسن ، وتقييم الامور من مشاهدتها ، لكي يتاح للمرء اتخاذ القرار الصحيح بشأنها والتمييز بين الطريق السالك والطريق المنحرف.
    واليد مسؤولة عن عمل الخير والصلاح ونشر الخير والسعادة على الفرد والمجتمع. فلا تؤذي أحداً ، ولاتمتد للاعتداء على أحد ، ولا تهتك ستراً ، ولا تضرب انساناً من غير حق ، ولاتضع حبل المشنقة في رقبة انسان ظلماً و ... الخ.
    والقدم مسؤولة عن السير نحو الحق والتحرك نحو بلوغ الحاجات المشروعة ، وان لاتسير نحو المعصية ، فلا تسحق مظلوماً ، ولا تركل بريئاً :
    وعلى هذا الاساس تتضح مسؤولية الفكر والعقل في الادراك والاستنباط ، كما تحدد مسؤولية بقية اعضاء الانسان وجوارحه


(295)
    « ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولاً »
    وطبعاً لاننفي عنها استقلالها الفكري من خلال هذا القبول وهذا التوجيه.

    تنظيم المسؤوليات :
    من أجل تكوين صورة في اذهاننا عن نوع وأبعاد المسؤوليات فإننا نقوم بإدراجها على النحو التالي :
    1 ـ من الناحية المادية والمعنوية.
    تنحصر بعض أنواع التزاماتنا ومسؤولياتنا ضمن الاطار المادي ـ سواء كانت بنحو العمل الذي يخص المادة ، أو على هيئة النشاط الذي تنتج عنه معطيات مادية ـ وبعض التزاماتنا ومسؤولياتنا تدخل في النطاق المعنوي او غير المادي. وهي ايضاً تدخل في نفس الصورة. اي سواء كان النشاط معنوياً صرفاً او مادياً ينطوي على مردودات معنوية ولاننسى ان هذين النوعين من النشاط لاينفصلان عن بعضهما ، كما هو الحال في نتائجهما التي لايمكن فصلها عن بعضها.
    2 ـ من ناحية الأوامر :
    فللانسان علاقة بنفسه وبخالقه وبالظواهر الموجودة في هذا الكون والتي تشمل الانسان والحيوان ، ونوع علاقتنا هو الذي يحدد نوع مسؤوليتنا. فنحن مكلفون بحكم الاخلاق والدين ان نقيم علاقاتنا على اساس مبدئي مدروس.
    فعلاقتنا بالجمادات والحيوانات استثمار واستغلال ؛ ومع الانسان علاقة انسانية.


(296)
    فلا شك ان حدود مسؤوليتنا فيما يخص كلاً منهما لاتسير على نسق أو نمط واحد.
    فمسؤوليتنا تجاه انفسنا على سبيل المثال تتخذ جانب البناء والاصلاح وصيانة الحرية والشرف ، والابتعاد عن مواطن التهمة ، والسير في طريق السمو والرفعة ، في ظل النظام والتربية القائمة على اساس اداء التكليف بشكل متقن.
    والمسؤولية ازاء الآخرين تقوم على اساس التعاون والتضامن. وقبال الباري تعالى على اساس الخضوع والتذلل والتسليم والانقياد و العبادة والطاعة.
    3 ـ من الناحية الثقافية :
    فسمؤوليتنا هي تقييم واصلاح التراث الثقافي والسعي لتنميته وتطويره ، واعداد الارضية اللازمة للاستفادة منه.
    4 ـ من حيث الراعي والرعية :
    تتجسد مسؤوليتنا في تربية المجتمع الصالح اوما يسمى بالرعية التي ينبغي ان تتبع الراعي السائر بالحق. ولابد لكل من الراعي والرعية ان يعتبر نفسه تابعا للخالق جل وعلا ، وان لايطلب غير الحق ولايبغي سواه.
    5 ـ من ناحية القوانين والمقررات :
    يتلخص واجبنا في هذا الصدد بتربية افراد يعتبرون أنفسهم تابعين للقانون الالهي ، واعين لمسؤولياتهم المدنية والجزائية والوجدانية.


(297)
    السن التي تبدأ فيها تنمية روح المسؤولية :
    يجب مراعاة عامل السن خلال الشروع في تربية روح المسؤولية عند الاشخاص ؛ لأن كل مرحلة من مراحل العمر لها متطلباتها. فمن المحتمل جدا ان يتخلى الطفل عن وزر المسؤولية التي تفرض عليه ؛ وهذا ما يثير غضب الوالدين فيتهم بعدم الكفاءة والالتزام ، بعدم معرفة التكليف ؛ بينما لو كانا متفهمين لمراحل السن ، لتبين أن هذا الأمر غير ناتج عن غايات معينة ، بل قد يقتضي عمر الطفل ان يتخذ موقفاً خاصاً في تقبل المسؤولية ، حينها لايمكن للعقوبة ان تصلحه ولايمكن ان يكون لتشدد الوالدين اي اثر في بناء الطفل.
    ويجب القول بخصوص بداية تربية روح المسؤولية لدى الطفل انه لايمكن تعيين وقت وسن محدد لها من وجهة النظر العلمية وليس هنالك رأي مطروح بهذا الخصوص. وكل مالدينا هو التجارب والتوصيات التي تفيد أن تربية روح المسؤولية لدى الطفل يجب ان تبدأ من السنة الاولى من عمره. اذ يكون الطفل مستعداً لتقبل ذلك. فبعض المسائل كرغبة الطفل للاستقلال في تناول الطعام وعدم لمس الأشياء الممنوعة عليه ، والامتناع عن الصراخ والصياح ، وعدم القبول في الفراش ، والتحمل حتى تتم تهيئة الطعام ، ونظير ذلك ، من مصاديق تقبل المسؤولية في السنة الاولى من العمر.
    ويوصي المربون بوجوب منح المسؤولية للطفل في أية مرحلة من العمر بمجرد ملاحظة استعداده لقبولها ، ولايجب حرمانه من تحمل المسؤولية


(298)
بذريعة عدم حلول وقت العمل والنشاط بالنسبة للطفل. فالوليد يحاول ـ مثلاً ـ منذ الشهر الخامس عشر من عمره ان يستقل في تناوله للطعام ، وان لا يتولى أحد مساعدته أو رعايته ، وهذا من مصاديق تقبل المسؤولية.
    اذن ، فالاحرى بالوالدين ان يستقبلا هذا الاستعداد ويفوضانه الامور مع مراعاة جانب الاحتياط. وقد يؤدي هذا العمل الى تلويث ملابسه والفراش ، ووسائل البيت مما يضاعف متاعب الأم ؛ الا ان التجارب اثبتت ان معطيات ذلك اكثر من هذا الضرر.
    وقد اثبتت الدراسات ان الطفل اذا لم يستوعب المسؤوليات إلى سن السابعة من عمره يكون من الصعب عليه تحمل المسؤولية وعليه فإن هذه الفاصلة الزمنية لها دور حيوي بالنسبة لحياة الطفل الراهنة والمستقبلية.

    مراحل العمر في تقبل المسؤوليات :
    تفيد بحوث علماء السلوك ان الاستعداد لتحمل المسؤولية يزداد في بعض السنين ، ويقل في البعض الآخر. ولكل مرحلة من العمر خصوصياتها حيث يفيد الاطلاع عليها لإنارة الطريق والمنهج للمربين في إناطة المسؤولية للاطفال ؛ مثلاً : سن 5/ 1 سنة : هي سن الرفض والاعتراض. اذ تقول للطفل « تعال هنا » فيمكن ان يتراجع الى الخلف. او تقول له : اذهب وافرغ الاوساخ في محلها. فقد يفرغها في مكان آخر بل ويفرغ وعاء الاوساخ ايضاً. ففي هذه السن يستخدم كلمة « لا » بكثرة ، وتقوم علاقته مع الآخرين على أساس الأخذ لا العطاء وعلى العموم فهو يعمل عكسياً.
    سن الثانية : اكثر تقبلاً للمسؤولية. فهو مستعد لارتداء ملابسة لوحده ،


(299)
ينقل الاواني من مكان إلى آخر ، وينفذ الاوامر ، يعطي للآخرين ، ويجلب ، ويأخذ.
    من المناسب اعطاءه مسؤوليات سريعة الاستيعاب والتقبل.
    سن الثالثة : تترسخ فيه روح تقبل المسؤولية. ذو نزعة استقلالية. فهو يقول : أنا أفعل ؛ أنا اذهب الى باحة الدار ويمكن هنا منحه مسؤولية صغيرة ، مثل افراغ وعاء أعقاب السجائر ، وتجفيف الأواني المغسولة. وهو في هذه المرحلة كثير الميل الى انجاز الاعمال بشكل كامل. وهنا يصح أمره بكف لسانه ، وعدم الضحك ، وعدم الذهاب ، و ... الخ.
    سن الرابعة : يستطيع تحمل المسؤوليات ، كأن يرتدي ملابسه ويشد رباط حذائه ، ويطبق ازرار ثوبه ، ويغسل وجهه .. لكنه يتخلف عن تنفيذ الاوامر الصادرة اليه ؛ يميل الى الاتصال بالعالم الخارجي ، ولديه استعداد للذهاب الى بيت الجيران لايصال خبر ما ، وان يبتاع بعض الأشياء من الحانوت المجاور.
    سن الخامسة : يؤدي مايقدر عليه بإتقان. يثق بمقدرته. الا انه عجول ، ويحب التقدم على الوالدين. يستطيع بسط مائدة الطعام ، وترتيب ثيابه ، ويشعر بالرضا لانجازه الاعمال.
    يمكن تعليمه ما هي حقوق الآخرين.
    سن السادسة : هو عمر التكامل ؛ اذ يصبح الطفل مستعداً فيه لكل عمل. يميل للنشاط الاجتماعي. تتنامى لديه الرغبة في العمل. يطمح ان يحترمه الآخرين. يحاول افراغ عاتقه من التكاليف الى حد ما. يتهرب. يختلق


(300)
الاعذار. لا يلتزم بوعده.
    سن السابعة : وهي سن الثقة ، والنزعة الاستقلالية يريد غرفة خاصة ، وان يكون له سرير خاص. كثير التفاؤل بنفسه. يؤدي المسؤولية باتقان نسبياً ، فيما لو انيطت به ، وهو جدير بالثقة من هذا الجانب.
    سن الثامنة : لايرى صعوبة في اي عمل. تصوراته تفوق الواقع ؛ لهذا فهناك شيئان خطران بالنسبة اليه :
    1 ـ اللعب بكل شيء يقع عليه بصره.
    2 ـ التوبيخ الصارم في حالة الفشل بحيث يمكن ان يدفعه لليأس من الحياة والانتقام القاسي.
    سن التاسعة :
ترسخ لديه النزعة الاستقلالية. يستطيع تقديم المساعدة في أعمال المطبخ الى حد ما. وينفذ الأوامر البسيطة. يهتم بشؤون البيت. يحب الانضمام الى التجمعات وان يكون عضواً في الهيئات. وفي نفس الوقت غير مطيع. متشائم وهو طاغ ومستبد ، وقلق مخافة التعرض للامر والنهي. محب للتحديد ، لاسيما في المسؤوليات.
    سن العاشرة : يعتبر كلام الوالدين بالنسبة له كالقانون ، روح تقبل المسؤولية قوية لديه. وهو ميال لأداء الأعمال الأكثر أهمية ، مثل طهي الطعام للجميع. لديه القدرة على العمل.
    ولديه القدرة على تقبل التكليف وادائه. يتحمل المسؤولية الدينية وينجزها.
    سن الحادية عشرة : تتضاعف قدرته وتكامله. يتعرف على علاقات
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ::: فهرس