تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ::: 301 ـ 315
(301)
العلة والمعلول رويداً رويداً. يدرك الواجبات الاجتماعية ولكن قليلاً ما يكترث بها. طويل التأمل. لايرغب في تقييد نفسه بالمشاكل. ويرغب في نفس الوقت بتحمل المسؤولية الاجتماعية.
    سن الثانية عشرة : يميل للانضمام الى الجمعيات الادبية والرياضية ، والحضور في المحافل والمشاركة فيها. ويراعي الاعراف والتقاليد. يقلم اظافره بنفسه ويعتني بارتداء الملابس. يراعي بقية الاطفال. يشارك في شؤون المنزل ويرغب في هذا العمل.
    وهذا ما يستوجب منحه المسؤولية ومراقبة تنفيذه لها.
    سن الثالثة عشرة : يتحمل المسؤولية ولكنه يرفض القيود.
    سن الرابعة عشرة : بامكانه تحمل عدة مسؤوليات ، لكنه عاجز عن اتخاذ قرار الاختيار.
    سن الخامسة عشرة : له كامل القدرة على خدمة نفسه والعناية بها. يتقبل اي اختصاص يتناسب وميوله.
    ان هذه السن مهمة جداً ولها مغزى كبير. فالفتى قادر خلالها على تحليل الامور وتفسيرها. فمن الممكن السماح له فى الاشتراك في اتخاذ القرار والاحاديث العائلية وانجاز الاعمال العادية للبيت. وهذه السن مناسبة للزواج بالنسبة للإناث.
    ويمكن القول بإختصار ان روح تقبل المسؤولية تترسخ لدى الفتى في سن المراهقة. فهو ينجز كل ما تقبله حتى لو كان الثمن هو التضحية بالنفس. ويجب ان يكون إلقاء المسؤولية في سن الرابعة عشرة بنحو يكون المرء


(302)
قادراً على تمحيص نفسه مسيطراً على لسانه ويده واقدامه ، وقادراً على انجاز الاعمال الصالحة.

    اين تتم تربية الشعور بالمسؤولية :
    هناك محوران لتربية الشعور بالمسؤولية ، سيما في سني الطفولة ، وهما المنزل والمدرسة. ومع ان المراكز الاجتماعية الاخرى قد تؤثر وتربي ، الا انه من المحال ان يكون تأثيرها بمستوى المدرسة ، كما انه من المحال ان يكون تأثير المدرسة بمستوى تأثير البيت.
    المنزل :
    فبقدر ما تكون اعمال المنزل فنية وذاتية ، فهي تتخذ طابعاً يمكن ـ من خلالها ـ للطفل المشاركة فيها بأية صورة. فمثلاً يستطيع الطفل سقي سنادين الازهار وإطعام الطيور ، والعناية بتنظيم وسائل اللعب ؛ ولا داعي لاجتناب اعطاء المسؤولية للاطفال بحجة ان هذه الامور بسيطة ولا تستحق الاهتمام.
    المدرسة :
    ومع ان تعاون الطفل في المنزل يساعد على تبلور روح المسؤولية لديه ؛ الا ان دور المدرسة في هذا المجال ليس قليل الاهمية. فالطفل يستطيع في المدرسة تحمل انجاز المسؤوليات التي تواجهه في المستقبل ، كتحمله لمسؤولية النظام والانضباط في الصف ، وتنظيم باحة المدرسة ، ومسؤولية تثبيت حضور وغياب الطلاب ، ومسؤولية جمع الدرجات الاسبوعية لطلاب الصف ومساعدة التلاميذ الضعفاء ، والمحافظة على حدود الزملاء وحقوقهم و .. الخ.


(303)
    وفي بعض البلدان قد يقضي طلاب المدارس اسابيع أو شهوراً من السنة الدراسية في التطبيق العملي للتكاليف والواجبات ، بل ويقومون بالاعمال الانتاجية ايضاً.
    وعلى هذا ، ينبغي اختلاق 40 نوعاً من المسؤولية على اقل تقدير لكل صف ذي اربعين طالباً في المدرسة ، ليقوم الطلاب بتحملها ، كل حسب دوره.

    كيف نعلم الاطفال الشعور بالمسؤولية
    بمقدورنا تقديم عدة سبل للاجابة على هذا التساؤل ، واهمها عبارة عن :
    1 ـ الايحاء والتذكير : حيث تناط المسؤولية هنا بالطفل مباشرة ، ويطلب منه تطبيقها. وهذا الاسلوب اسهل وأفضل السبل بالنسبة للمربين ، الا ان تأثيره ضئيل لدى الطفل.
    2 ـ تقديم النموذج : فالوالدين في المنزل ، والآخرون في المجتمع ، يمثلون الاسوة بالنسبة للمسؤولية ، وحتى في تقبل الاطفال للمسؤولية. فالطفل يتعلم الاسلوب الذي يراه فيهم ، ويجسده ، سواء كان سلوكاً محبباً أم لا. فعمل الطفل يستند الى سلوكهم وعليه لابد ان يتحكم الوالدين ـ بل وجميع الاشخاص في سلوكهم ـ امام الاطفال على الأقل.
    وهكذا تستند طريقة تقبل الاطفال للمسؤولية على سلوك الآخرين فالاب وباعتباره قدوة مكلف بالمحافظة على العائلة ، والأم مكلفة بأن تعتبر واجبها هو المحافظة على الاولاد وانجاز الاعمال المنزلية.
    ان مشاهدة مظاهر الاجحاف وعدم الاكتراث ، والتجاهل التي تصدر من


(304)
الانسان القدوة تعتبر فخاً خطيراً للطفل.
    3 ـ التلقين : وهو غالباً ما يؤثر في الاطفال ، لاسيما في السنوات من 11 ـ 16 ، فهم يتمسكون بطريق الخير والصلاح بأقل نصيحة وموعظة ، كما ينحرفون عن جادة الصواب بأقل خطأ او اشتباه.
    فالأجدر ان يكون التلقين على اساس تقديم النموذج ، لأن قوة التقليد لدى الاطفال امر واضح لا شك فيه ، ودليل ذلك مطالعة الاطفال ذوي الاربع سنوات للكتب والتي تتم على اساس تقليد سلوك الأب.
    والشيء المهم في التلقين هو الظهور بشكل لطيف ومثير ؛ لهذا فقد يؤدي الطفل دور بائع الماء أو بائع الملابس ، او البقال ، أو الشرطي ، او السائق. فهو مقلد بارع ؛ وما أكثر المسؤوليات التي تعلم بصورة غير مباشرة ، فيقوم الطفل بتجسيدها عن طريق التقليد. فعلى سبيل المثال ان أفضل طريق لدفع الطفل للقرأة هو انشغال الوالدين بها.
    4 ـ الاحتكاك المباشر والتجربة : فمن اجل تعليم روح المسؤولية لايكفي تقديم النموذج والتلقين لوحدهما ، بل يجب السماح له بالاحتكاك بمسؤوليته واختبار الأرضية المطلوبة. فالتجربة والاحتكاك بالمسؤولية تؤدي إلى :
    1 ـ تنمية روح المسؤولية عن طريق التجارب.
    2 ـ ترسيخ المسؤولية لدى الانسان.
    3 ـ التعود على ممارسة المسؤولية.
    4 ـ تلافي واصلاح الاخظاء اثناء العمل.



(305)
    5 ـ التعرف على العمل والمسؤولية المستقبلية للشخص من خلال التجربة والتدريب ، والحصول على الامكانيات اللازمة من اجل نجاحه في الحياة.

    بأي الأعمال يجب ان تبدأ المسؤولية ؟
    من المستطاع تحديد جوابين لهذا السؤال ، وهما :

    1 ـ العمل الذي يتسق مع مسار الوقائع اليومية.
    2 ـ العمل والمسؤولية التي تنسجم ومقتضى السن والإمكانات المتاحة ففي الحياة اليومية هناك الكثير من الاعمال التي تعرض للإنسان مثل ارتداء الملابس وخلعها ، وبسط فرش النوم وجمعها ، وقضاء الحاجات الاولية كالأكل والشرب ، وارتداء الحذاء ، وشد الحزام وازرار الملابس ، وتنظيم الوسائل الشخصية ، وما شابه ذلك.
    ويجب مراعاة مقتضى العمر خلال تفويض المسؤولية ، فيجب النظر إلى مقدار السن اثناء تحديد نوع المسؤولية لكل شخص ولابد أن يكون هنالك توقع خاص على سبيل المثال :
    فلايمكن ان نتوقع من الطفل ذي الأربع سنوات ان يجلس مثلنا على ركبته ، ولايمكن التوقع من الطفل ذي ( 6 ـ 12 ) عاما ان يحيي ليالي شهر رمضان مثلنا.
    وباختصار : كلما كانت المسؤولية خلال السنين الأولى يسيرة ومناسبة فهي أفضل. وكلما كانت طيبة ولذيذة كانت أجدى.
    فمثلاً : من المستطاع الطلب من الطفل ذي ( 3 ـ 4 ) سنوات ، أن يؤدي


(306)
عمله بنظام ورتابة ، وان يهتم بتنظيم وسائل لعبه ، ويضعها في مكان محدد.
    ويمكن التوقع من الطفل في سن الخامسة أن يرتدي ملابسه ، وأن يشد رباط حذائه بنفسه ، وأن يأتي بالماء لنفسه ، وأن يطبق ازراء ردائه ، ويخلع ملابسه بنفسه ، اذا ذهب الى المرافق الصحية ، و ... الخ.
    فعندما تتولى أمه غسل الملابس ، بامكانه جلب الماء والصابون ووضع منديله وجواربه في الطست وغسلها.
    ومن المستطاع الطلب من الطفل في هذا العمر ـ وما بعده بقليل ـ أن ينظف الغرفة أو باحة الدار بمكنسة اصغر من المكنسة التي تستخدمها والدته.
    ومن الممكن الطلب من الاطفال ذوي ( 5 ـ 6 ) سنوات بسط المائدة ووضع الملاعق والشوكات ، وأفراغ سلة المهملات ـ وسقي سنادين الأزهار. وهذا العمل قابل للتطبيق بشكل واسع في السنوات التالية من العمر.
    فقد تقومون بطهي ماء اللحم في البيت. من المناسب حينما ان تدعوا طفلكم يقوم بتقشير البطاطا وجمع الأواني وما شابه ويستطيع الاطفال في سن (9 ـ 10 ) ان يتحملوا مسؤوليات كبيرة. فعلى سبيل المثال : نقل بعض الأمور للجيران ، وايصال او استلام شيء ما.
    ويمكن توجيه الاطفال في سن العاشرة والسماح لهم بالذهاب الى البقال وشراء خيوط أو معجنات ، أو تنظيم المكتبة ، أو مسح المنضدة والكراسي ، والقيام بالاعمال اليدوية ، وحتى الاعمال الانتاجية كما يمكن الطلب من هذا الصنف من الاطفال بسط فراش نومه وجمعه ، وغسل الاواني مع مراعاة


(307)
الحذر ، و ...
    وبعض الصبيان في سن الرابعة عشرة ، له القدرة على انجاز أعمال المنزل ، وحتى بامكانهم دعوة الطبيب للحضور الى البيت عند الضرورة ، والقيام بالاصلاحات الجانبية في المنزل ، وربما طهي الطام ، او اعداد قائمة بمصاريف المنزل ، ورعاية الازهار ، أو المساعدة في اصلاح البناء ، والقيام بالاعمال الزراعية كتقليم الأشجار والأزهار ، و ...

    نقاط في تسليم المسؤوليات :
    من أجل تلافي العواقب الوخيمة التي قد تحصل نتيجة تسليم المسؤوليات ، يقترح التربويون وعلماء النفس الالتفات الى النقاط التالية ـ من باب التذكير ـ وأهمها :
    1 ـ ان يتلائم مستوى المسؤولية مع امكانية الطفل وقابليته ؛ وفي خلاف ذلك يتهرب منها ، ويتجنب القبول بها.
    2 ـ عدم محاولة فرض المسؤولية على الطفل ، لانها قد تؤدي إلى حدوث ضرر بدني اولاً ، وثانياً : قد تثير لديه روح التمرد والعصيان.
    3 ـ ان تكون المسؤولية المناطة بالطفل سريعة التطبيق ، أي بنحو يستطيع الطفل انجازها بسرعة. واذا كان الهدف منها كبيراً فيقسم الى أهداف ثانوية كي يطويها الطفل مرحلة فمرحلة.
    فلا شك ان بلوغ الاهداف الصغيرة يكون حافزاً داخلياً للطفل.
    4 ـ مساعدة الأطفال في انجاز مسؤولياتهم ؛ والخطوة الأولى على هذا الطريق هي تعليمه كيفية انجاز مهمته وكيفية بلوغ الهدف وعندما تستلزم


(308)
المساعدة حاولوا مساعدته بصورة غير مباشرة أي عن طريق الأخذ بيده ، ولكن من خلال خطواته ومساعيه الذاتية ، لان الطفل اذا تلقى العون المباشر يصبح شخصاً اتكالياً.
    5 ـ الأخذ بنظر الاعتبار مدى الفرصة الزمنية المتاحة له في انجاز المهمة المكلف بها ؛ اذا يجب ان لايستغرق كل وقته ؛ فهو يحتاج الى وقت للعب ، كما يحتاج الى وقت لانجاز واجباته المدرسية. أضف الى ذلك يجب ان يكون لديه وقت غير محدد كي يفكر كما يشاء.
    6 ـ فوضوا اليه مهام محدودة وتسلموها منه بإتقان كي ينشأ منضبطاً.
    7 ـ من أجل ان لا تقعوا في المشاكل أثناء تسلم المهمة الموكلة إليه ولكي لاتضطروا لمعاقبته واستجوابه ، لابد من تقديم النصيحة له خلال الفترة ما بين تسلمه المهمة واستلامها منه.
    8 ـ ورغم مراعاة هذه النقاط ، فقد يقصر الطفل في اداء مهمته ، وينبغي هنا عدم قرع الطبول ، بل ينبغي اتباع المرونة والأناة معه ، وأن تطلبوا اليهم اداء تكليفه من جديد بنحو أحسن.

    هل الطفل حر أم مقيد في قبول المهمة الموكلة اليه ؟
    لايمكن ـ ولايجب ـ فرض الواجبات على الاطفال ، بل يجب تربية روح الشعور بالمسؤولية ، والرغبة لديهم ؛ اذا تؤكد التجارب والدراسات ان المسؤولية المفروضة لا ترسخ ابدا ، وسرعان ما تزول بل قد تكون ذا اثر عكسي ، وعلى المربين ان يراعوا الأصلين الآتيين في منح المسؤولية للاطفال ، وهما :


(309)
    1 ـ اصل الحرية :
    والمقصود هو ان يكون الطفل حراً في قبوله المسؤولية اما المسألة التي قد تطرح هنا ، هي ان الطفل لايدرك صلاح وفساد الامور في اغلب الموارد. ومن الممكن ان يؤدي منحه الحرية الى الاضرار به. فهو بلا شك لايمتلك حق إبداء الرأي في مثل هذه الحالة. الرأي هو رأي الوالدين ؛ الا ان هذا لا يعني وجوب فرض المسؤولية عليه. فنجعل الطفل يردد ما نريده بلسانه ، فنحفز الطفل بصورة غير مباشرة على ترديد كلامنا والبوح بغاياتنا مع الحفاظ على حريته.
    ولكن قد يبدو هذا التصرف وكان خدعة تربوية ، الا انه لايعتبر خطيئة لانه في سبيل خير وصلاح الطفل.
    واما في حالة تشخيصه الفساد والصلاح ، ولو بشكل يسير جدا ، فيجب ان يكون حراً في قبوله للمسؤولية بهذا المقدار ، والا فهو يبدو وكأنه شيء هامد.
    وقد تطرأ حالة ثالثة وهي رغم الاعتراف بعدم امكانية تشخيصه للصلاح والفساد الا ان اختياره لايؤدي الى الاضرار بمصلحته الى صلاحه ومصلحته ، بل اننا هنا نحترم حريته وندعه حراً في اختياره.
    وعليه ففي جميع الاحوال يجب مراعاة اصل الحرية ، ولكن قد نتدخل احيانا.
    2 ـ اصل الرغبة :
    فمن اجل ان تنجز المهمة باتقان ، يجب ان يكون الشخص راغباً في انجازها ، وتحصل الرغبة عندما يكون حراً في الاختيار وتكون المسؤولية


(310)
مثمرة.
    والسبيل المؤدية الى النجاح في هذا المجال هي ان نضع أمامه امرين أو ثلاثة أمور مدروسة وصالحة ونتركه يختار واحداً منها بحرية ، فمثلاً نقول : امامك هذان العملان فانت مخير بين غسل الاواني وتنظيف الغرفة ـ فأيهما تختار ؟
    ولحسن الحظ فان الرغبة امر اكتسابي ، وقابلة للنفوذ والإجراء عن طريق التلقين ، ويمكن ايجاد مناخها المناسب لدى الطفل. وغايتنا من تربية الشعور بالمسؤولية لدى الطفل :
    لابد أن نتحدث عن عدة مسائل في هذا المجال اهمها عبارة عن ما يلي :
    1 ـ السعي الى ان يعتمد الطفل على نفسه وعمله اثناء تربية روح المسؤولية ، فيثبت حين تكون المقاومة والاستقامة واجبة ، وعند المطاوعة يجب عدم الوقوع في الحيرة والارتباك.
    2 ـ ترسخ المسؤولية لدى الشخص حينما يكون ضميره راضياً عن قبولها والعمل بها ، ويشعر بالرفعة. ففي مثل هذه الحالة لا يحتاج الى متابعة واشراف الآخرين ، بل يكون الدافع ذاتياً ومنبثقاً من أعماقه. فقد قيل للنبي (ص) ان الله غني عن صلاتك فلماذا ترهق نفسك ؟ فقال (ص) : صحيح ان الله غني عن عبادتي. أفلا أكون عبداً شكوراً ؟!
    3 ـ ان يصبح اداؤه للمسؤولية كعادة بحيث يصبح تركه لها ألماً وعمله بها راحة.
    4 ـ ان تكون المهمة هادفة بحيث يكون قادراً فيما بعد على اجراء خطة


(311)
او تنفيذ مشروع ، فحينما يطرح عليه موضوع القيادة فهو يمتلك المقومات والاسس الكفيلة بنجاحه فيها. وعندما يتوجب عليه ان يكون تابعاً فهو تابع مفكر وعاقل. وكذا هوالحال في الحقل المادي ؛ اذ ينبغي ان تكون المهمة او الواجب المادي المكلف به منطوياً على ما يؤدي به الى الانتاج والابداع.
    5 ـ ان تقترن المسؤولية بالوعي والايمان ، والا فهي تفضي به الى بعض المخاطر. فما اكثر المفاسد والانحرافات التي تنشأ من الجهل وعدم التحسب للعواقب الوخيمة له.
    فالبعض لا يتورع عن الخيانة والفساد لعدم اعتقاده بوجود العقوبة ازاء تلك المسؤولية ، واذا كانت عقوبة فهي تافهة ويمكن تجاوزها.
    6 ـ يجب تعليم روح المسؤولية للطفل باعتبارها تكليفاً ، ابتداء من كيفية ارتداء الملابس وتصفيف شعر الرأس ؛ وحلاقة الرأس وترتيب الهندام وان يعتبر ذلك واجبا. واذا لم يقم يوماً بهذه الواجبات يتصور بأن الجميع ينظرون اليه باحتقار. فيجب ان يتصرف كذلك ازاء المسؤولية بحيث يتجسد امامه هذا التصور وهذا التفكير لو قصر يوماً في اداء واجبه.
    فحينما تصبح المسؤولية تكليفا ، تتخذ النشاطات طابعاً ذاتياً. فلا وجود للكسل والضجر الروحي ، اذا يتساوى لديه العمل المريح والمرهق.
    فالامام المجتبى (ع) يصالح ولا يندم على عمله بالرغم من تعرضه للتجريح. والامام الحسين (ع) يستشهد دون ان يتاوه للجراح التي اصابته. ويتعرض الامام السجاد (ع) للمضايقة والاذى ، الا انه لم ينشغل الا بما كان ينبغي أن ينشغل به ، على الرغم من قدرته على التملق واستنقاذ نفسه ، ولكن


(312)
هيهات ان يصدر منه عمل كهذا.
    7 ـ واخيراً يجب ان تكون تربية الشعور بالمسؤولية بنحو يعتمد فيه الشخص على الله مع اعتماده على نفسه ، فهو يسعى ، وفي نفس الوقت ، يطلب العون من الله ، يرجو رضاه ، ويبلور ارادته وأفكاره في ذهنه ، وبعبارة اخرى انه لايرى نفسه وحيداً ولايحصر نفسه في قالب العقل والشعور فقط.

    العوامل المؤثرة في ايجاد وخلق روح المسؤولية :
    هنالك عدة عوامل تتدخل في ايجاد روح المسؤولية ، فيما يلي بعضها :
    1 ـ يلعب عامل المحبة دوراً حيوياً ، وبه تحل الكثير من المشاكل ، فنادراً ما يتعسر حل المشاكل اذا ما توفر الصدق والاخلاص والمحبة. فقد اثبتت دراسات ( سوركين ) ان التربية التي تتم في احضان والدين يتسمان بالرحمة والشفقة هي اهم وسيلة لايجاد روح المسؤولية. واثبتت البحوث الأخرى ان اكثرالاشخاص شعوراً بالمسؤولية اولئك الذين نشأوا في عوائل تغمرها السعادة والتآلف فعليه ينبغي التزام جانب الحيطة من أجل ايجاد روح المسؤولية ويجب ان يكون الكلام صادراً عن القلب وعن ثقة ودقة. ولنقل باختصار بأننا لو عجزنا عن ابداء واظهار المحبة لاطفالنا فلنعلم بانهم لن يكونوا قادرين على تحمل اي واجب او مسؤولية.
    2 ـ عدم ترك الطفل وحيداً اثناء تكليفه بالواجب أو المسؤولية بل اجعلوا له شريكاً ومعينا. ومن الافضل ان يكون هذا المعين أخوه أو أخته وهذه


(313)
واحدة من وصيا المربين في ضرورة انجاب اكثر من طفل واحد. فوجود الشريك والمعين يخفف من ثقل المسؤولية على الطفل ويبعد عنه روح التكاسل.
    3 ـ كونوا نماذج صالحة لايجاد الشعور بالمسؤولية. أدوا واجبكم بإتقان. لاتضجروا من ثقل المسؤولية بالرغم من صعوبة وإرهاق العمل.
    4 ـ تجنبوا الأخطاء التربوية التي تؤدي الى سوء التربية في مجال المسؤولية. ومن بين هذه الاخطاء اللجوء الى اساليب شاقة وايحاءات سيئة في تفويض الواجب والمسؤولية. فتقول مثلاً ، ان عملك مرهق لايطاق ، وانت وحدك الذي تتمكن من انجازه بتضحياتك وصبرك.
    فقبل القيام بمثل هذه الدعايات ، علينا ان نسأل أنفسنا عن ماهية اسباب صعوبة العمل.
    من البديهي ان العمل يسير بالنسبة لمن يعرف التكليف. فيجب ان نبدل استخدام الكلمات المستخدمة ( السهل والصعب ). ويجب افهام الفتيان بان التحلل من المسؤولية امر صعب ، ولايمكن للانسان العيش بلاعمل ، وليس من اليسير التخلي عن التكاليف والالتزامات ، والا فإن الالتزام بالتكليف ومعرفة المسؤولية امر يسير للغاية ، والعمل بالواجب بسيط جداً.
    على أية حال ، فإن الايحاء بصعوبة اداء المسؤولية يؤدي بالمرء الى التهرب من قبولها. وهذا ما يدفعه الى تصور نفسه مرهقاً ومنهكاً على الدوام. اما اذا وصفناها بالبساطة والسهولة فهو يقبل عليها بكل رغبة وسرور.


(314)
    الارضية اللازمة لتربية الشعور بالمسؤولية :
    والمقصود هو وجود الارضية والامكانيات التي يكون قبول المسؤولية من دونها محفوفاً بالمشاكل والمصاعب ، ويمكن تلخيص اهملها بما يلي :
    1 ـ لمعرفة المسؤولية علاقة مباشرة بالصدق والاخلاص ، ولهذا فمن الضروري توفر ارضية الصدق والاخلاص لدى الشخص كي تتم مراعاة الحق والصواب في جميع الأحوال.
    2 ـ ان الانسان بحاجة الى التحكم في زمام نفسه ، وهذا التحكم يحصل في ظل وجود القدرة والارادة. ولهذا فان ضعف الارادة يعيق عن القيام بالمسؤولية ؛ وهذا ما يوجب على المربي مكافحة هذه الظاهرة.
    ويمكن بلوغ هذه الغاية من خلال تقوية الارادة الذاتية وإحياء الضمير ومجاهدة الاهواء النفسية والكسل.
    3 ـ ان اللين والمحبة والاحسان وتعزيز مبدأ العدالة ، تعتبر من الاسس المهمة للغاية للتحقيق العوامل الهادفة الى تعميم روح الشعور بالمسؤولية.
    4 ـ لابد من الاعتقاد والايمان بمبدأ عام توضع كل الحسابات باسمه ، وترتبط باسمه كل مشاعر الفرح والحزن. ففي ظل الايمان يمكن تعليم الاشخاص على تحمل المسؤوليات الفردية والاجتماعية المختلفة وانجازها على أفضل وجه.
    اما في حالة عدم انجاز الواجب والمسؤولية : ـ اذ من الممكن ان لايقوم الاطفال بأداء المهمة المناطة بهم ، ويجب ان نعتبر ذلك تخلفا منهم. ولكن


(315)
ما هو الموقف والعمل الذي يجب القيام به في مثل هذه الحالة ؟!
    قبل الاجابة على هذا السؤال ، علينا أن نرى لماذا يقصر المرء في انجاز المهمة الموكولة اليه ؟
    بمقدورنا طرح ثلاثة اجوبة لهذا السؤال ، وهي :
    1 ـ الجهل : اي انه يحتمل ارتكابه الخطأ في ادائه للواجب أو التكليف وفي هذه الحالة يجب اصلاح الخطأ المرتكب بهدوء ، واعادته الى جادة الصواب فلا شك ان اي نوع من الكلام البذيئ والتجريح والعقاب بحق هذا الطفل يعتبر خطأ تربوياً فاحشاً.
    2 ـ العجز : اي ان القيام بالمسؤولية خارج عن طاقته ، كأن يطلب من طفل يبلغ الرابعة من عمره رسم وردة على الورقة ، أو ان يأخذ وعاء الى باحة الدار المظلمة. فمن الواضح ان مثل هذا الطفل عاجز عن اداء هذه المهمة ، وان الضغط الذي نمارسه عليه وإكراهنا له يعتبر ـ في مثل هذه الحالة ـ ظلماً له أو جهلاً منا بحقه.
    ان مراعاة متطلبات العمر في اعطاء الواجب مهم جداً ، كما يجب ان تناط المسائل والاعمال بالتدريج وفي ظل التجربة والتدريب ، ليتحفز الطفل على انجازها.
    3 ـ انعدام الرغبة : اي عدم رغبته في تقبل المسؤولية وانجازها وهنا يجب منحه الحق ، فهو
    أولاً : لايزال في طور الطفولة ، وكل ألوان القيود تخالف نزعته الاستقلالية وتثير في نفسه الضجر والاستياء.
    وثانياً : يجب البحث عن اسباب ذلك ومعرفتها ، اذ ينبغي معرفة هل أن
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ::: فهرس