تسلية المُجالس وزينة المَجالس الجزء الأول ::: 331 ـ 345
(331)
هذا بدل دينارك ، ثم استعبر النبي [ باكياً ] (1) وقال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيت في ابنتي ما رأى زكريّا لمريم. (2)
    وأمّا شجاعته فهي أشهر من أن تشهر ، حتى انّ النبي صلّى الله عليه وآله كان يهدّد به قريشاً.
    روي (3) عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه قال لأهل الطائف : والّذي نفسي بيده لتقيمنّ الصلاة ، ولتؤتنّ الزكاة ، أو لأرسلنّ [ إليكم ] (4) رجلاً منّي ـ أو كنفسي ـ فليضربنّ أعناق مقاتليكم ، وليسبينّ ذراريكم ، ثمّ أخذ بيد عليّ فقال : هذا (5).
    وروي عن الرضا عليه السلام أنّه قال : قوله سبحانه : ( والذينَ معهُ أشدّاءٌ على الكفّارِ ) (6) أنّ عليّاً منهم. (7)
    فواعجباً لمن يقايس من لم يصب محجمة [ من ] (8) دم في جاهليّته ولا إسلام مع من علم أنّه قتل في يوم بدر خمساً وثلاثين رجلاً مبارزاً دون الجرحى ، وكانوا من أماثل قريش وابطالها وشجعانها والمشهورين بالنجدة والبأس ، حتى سمّى الله سبحانه واقعة بدر بالبطشة الكبرى ، وما ذاك إلا لهلاك من هلك فيها ، فإنّه حصل بقتلهم هظيمة عظيمة في الشرك وأهله ، وكانت
1 و 8 ـ من المناقب.
2 ـ مناقب ابن شهراشوب : 2 / 76 ـ 77 ، عنه البحار : 41 / 30.
3 ـ في المناقب : تاريخ النسوي : قال عبد الرحمان بن عوف : قال النبي ...
4 ـ من المناقب. وفيه « لأبعثنّ » بدل « لأرسلنّ ».
5 ـ في المناقب : قال : فرأى الناس انّه عنى أبا بكر وعمر ! فأخذ بيد عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فقال : هذا.
6 ـ سورة الفتح : 29.
7 ـ مناقب ابن شهراشوب : 2 / 85 ، عنه البحار : 41 / 68.


(332)
القتلى سبعين من سادات قريش وأعيانهم ، قتل عليّ منهم خمساً وثلاثين رجلاً ، وقتلت الملائكة وباقي الناس تمام العدد.
    وأسماء الّذين قتلهم أمير المؤمنين عليه السلام : الوليد بن عتبة ، والعاص بن سعيد بن العاص ، وطعمة (1) بن عديّ بن نوفل ، وحنظلة بن أبي سفيان ، ونوفل بن خويلد ، وزمعة (2) بن الأسود ، والحارث بن زمعة ، والنضر بن الحارث بن عبد الدار ، وعمير بن عثمان بن كعب عمّ طلحة ، وعثمان ومالك أخوا طلحة (3) ، ومسعود بن أبي اُميّة بن المغيرة ، وقيس بن الفاكهة بن المغيرة ، وأبو القيس بن الوليد بن المغيرة ، وعمرو بن مخزوم ، والمنذر بن أبي رفاعة ، ومنبّه بن الحجّاج السهمي ، والعاص بن منبّه ، وعلقمة بن كلدة ، وأبو العاص بن قيس بن عديّ ، ومعاوية بن المغيرة بن أبي العاص ، ولوذان بن ربيعة ، وعبد الله بن المنذر بن أبي رفاعة ، ومسعود بن اُميّة بن المغيرة ، [ والحاجب بن السائب بن عويمر ، وأوس بن المغيرة ] (4) بن لوذان ، زيد بن مليص ، وعاصم بن أبي عرف ، سعيد بن وهب ، ومعاوية بن عامر بن عبد القيس ، وعبد الله بن جميل بن زهير ، والسائب بن سعيد (5) بن مالك ، وأبو الحكم بن الأخنس ، وهشام بن [ أبي ] (6) اُميّة ؛ وقيل : إنّه قتل بضعة وأربعين رجلاً.
    وقتل عليه السلام يوم اُحد كبش الكتيبة طلحة بن [ أبي ] (7) طلحة ، وابنه
1 ـ في المناقب : ومطعم.
2 ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : ربيعة. وكذا في المورد التالي.
3 ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : وعثمان أخو طلحة.
4 و 6 ـ من المناقب.
5 ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : ومعاذ بن عامر ... سعد.
7 ـ من المناقب ، واسم أبي طلحة هو : عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار ، وإليه ينتسب آل


(333)
أبا سعيد ، وإخوته خالداً ومخلّداً وكلدة والمخالس (1) ، وعبد الرحمان بن حميد بن زهرة ، والحكم بن الأخنس بن شريق الثقفي ، والوليد بن أرطاة ، واُميّة بن أبي حذيفة ، وأرطاة بن شرحبيل ، وهشام بن اُميّة ، ومسافع ، وعمرو بن عبد الله الجمحيّ ، بشر بن مالك المغافري ، وصؤاب مولى عبد الدار ، وأبا حذيفة بن المغيرة ، [ وقاسط بن شريح العبدي ، والمغيرة بن المغيرة ] (2) سوى من قتلهم بعد ما هزمهم. ولا إشكال في هزيمة عمر وعثمان ، وإنّما الإشكال في هزيمة أبي بكر ، هل ثبت إلى وقت الفرج أو انهزم ؟ (3)
    قال الشيخ أبو علي الطبرسي في كتابه مجمع البيان : ذكر أبو القاسم البلخي انّه لم يبق مع النبي صلّى الله عليه وآله [ يوم اُحد ] (4) الا ثلاثة عشر نفساً ؛ خمسة من المهاجرين ، وثمانية من الأنصار.
    فأمّا المهاجرون فعليّ عليه السلام وأبو بكر وطلحة وعبد الرحمان بن عوف وسعد بن أبي وقّاص ، وقد اختلف في الجميع الا في عليّ عليه السلام وطلحة.
    وقد روي عن عمر بن الخطاب [ أنّه ] (5) قا : رأيتني أصعد في الجبل كأنّي أروى ولم يرجع عثمان [ من ] (6) الهزيمة إلا بعد ثلاثة أيّام ، فقال له النبيّ صلّى الله عليه وآله : لقد ذهبت فيها عريضة. (7)
    الشيبي الّذين لا يزال مفتاح الكعبة في أيديهم حتى اليوم.
1 ـ في المناقب : والمجالس. وفي بعض المصادر : الجُلاس.
2 ـ من المناقب.
3 ـ مناقب ابن شهراشوب : 2 / 82 ـ 83 ، عنه البحار : 41 / 65 ـ 66.
4 و 6 ـ من المجمع.
7 ـ مجمع البيان : 1 / 524.


(334)
    وقتل عليه السلام يوم الأحزاب عمرو بن عبد ودّ.
    قال الشيخ أبو علي الطبرسي رضي الله عنه في تفسيره : كان عمرو بن عبد ودّ فارس قريش ، وكان قد قاتل يوم بدر حتى ارتثّ (1) وأثبته الجراح فلم يشهد اُحداً ، فلمّا كان يوم الخندق خرج مُعلماً ليرى مشهده ، وكان يعدّ بألف فارس ، وكان يسمّى فارس يليل ، لأنّه أقبل في ركب من قريش حتى إذا هو بيليل ـ وهو واد قريب من بدر ـ عرض لهم بنو بكر بن وائل في عدد ، فقال لأصحابه ، امضوا ، [ فمضوا ، ] (2) فقام في وجوه بني بكر حتى منعهم من أن يصلوا إليه ، فعرف بذلك ، وكان الموضع الّذي حفر فيه الخندق يقال له المداد ، وكان أوّل من طفره عمرو وأصحابه ، فقيل في ذلك :
عمرو بن عبد كان أوّل فارس جزع المداد وكان فارس يليل
    وذكر ابن إسحاق أنّ عمرو بن عبد ودّ كان ينادي : هل من مبارز ؟
    فقام عليّ عليه السلام وهو مقنّع بالحديد ، فقال : أنا له يا نبي الله.
    فقال : إنّه عمرو ، اجلس.
    ونادى عمرو : ألا رجل ـ وهو يؤنّبهم ويقول : أين جنّتكم الّتي تزعمون أنّ من قتل منكم دخلها ـ ؟
    فقام علي عليه السلام وقال : أنا له يا رسول الله.
    ثم نادى الثالثة وقال :
ولقد بححت من النداء بجمعكم هل من مبارز

1 ـ أي حُمل من المعركة.
2 ـ من المجمع.


(335)
ووقفت إذ جبن المشجّع إنّ السمـاحة والشـجا موقف البـطل المـناجـز عة في الفتى نعم (1) الغرائز
    فقام أمير المؤمنين وقال : أنا له يا رسول الله.
    فقال : إنّه عمرو.
    فقال أمير المؤمنين : وإن كان عمراً ، ثمّ استأذن رسول الله صلّى الله عليه وآله فأذن له.
    وروى الحاكم أبو القاسم الحسكاني (2) بالإسناد عن عمرو بن ثابت ، عن أبيه ، عن جدّه (3) ، عن حذيفة ، قال فألبسه رسول الله صلّى الله عليه وآله درعه ذات الفضول ، وأعطاه سيفه ذا الفقار ، وعمّمه بعمامته السحاب ، على رأسه تسعة أكوار ، فقال له : تقدّم.
    فمضى أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله لمّا ولّى (4) : اللّهمّ احفظه من بين يديه ومن خلفه ، وعن يمينه ، وعن شماله ، ومن فوق رأسه ، ومن تحت قدميه.
    قال ابن إسحاق : فمشى أمير المؤمنين وهو يقول :
لا تعلجـنّ فقـد أتا ذو نيّـةٍ وبصـيرة إنّي لأرجو أن اُقيـ ك مجيب صوتك غير عاجز والصدق منجـي كــلّ فائز ـم علـيك نائحـة الجنـائز

1 ـ في المجمع : خير.
2 ـ شواهد التنزيل : 2 / 10 ح 634.
3 ـ قيل : « عن جدّه » زائدة.
4 ـ كذا في المجمع ، وفي الأصل : دنا.


(336)
من ضربة نجلاء يبقى ذكرها عند الهزاهز
    فلمّا دنا أمير المؤمنين عليه السلام منه قال عمرو : من أنت ؟
    قال : أنا علي.
    قال : ابن عبد مناف.
    قال : أنا عليّ بن أبي طالب.
    قال : غيرك يا ابن أخي من أعمامك [ مَن هو ] (1) أسنّ وأكبر منك فإنّي أكره أن اُهريق دمك.
    فقال أمير المؤمنين عليه السلام : لكنّي والله ما أكره [ أن ] (2) اُهريق دمك ، فغضب ونزل عن فرسه وسلّ سيفه كأنّه شلعة نار ، ثمّ أقبل نحو عليّ مغضباً فاستقبله أمير المؤمنين بدرقته ، وضربه عمرو في الدرقة فقدّها وأثبت فيها السيف ، وأصاب رأس أمير المؤمنين فشجّه ، وضربه أمير المؤمنين على حبل عاتقه فسقط.
    وفي رواية حذيفة : فسيّف عليّ رجليه بالسيف من أسفل فوقع على قفاه ، وثارت بينهما عجاجة ، فسمع عليّ يكبّر.
    فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : قتله والّذي نفسي بيده ، فكان أوّل من ابتدر العجاج عمر بن الخطّاب فإذا عليّ يمسح سيفه بدرع عمرو ، فكبّر عمر بن الخطّاب ، وقال : يا رسول الله قتله ، فحزّ أمير المؤمنين رأسه وأقبل به إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله ووجهه يتهلّل.
    فقال له عمر : هلا سلبته درعه فإنّه ليس في العرب درع خير منها ؟
1 و 2 ـ من المجمع.

(337)
    فقال : ضربته فاتّقاني بسوءته فاستحييت أن أسلب ابن عمّي.
    وروى الحاكم أبو القاسم الحسكاني (1) أنّ عبدالله بن مسعود كان يقرأ : ( وكفى اللهُ المؤمنينَ القتالَ ـ بعليّ ـ » (2).
    وخرج أصحابه منهزمين حتى طفرت خيولهم الخندق ، [ وتبادر المسلمون ] (3) فوجدوا نوفل بن عبد العزى قد سقط ، فجعل المسلمون يرمونه بالحجارة ، فقال : موتة (4) أجمل من هذه ، ينزل إليّ بعضكم اُقاتله.
    قال ابن إسحاق : فنزل إليه علي عليه السلام فطعنه في ترقوته حتى أخرجها من مراقه ، فمات في الخندق.
    قال : وأرسل المشركون إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله يشترون جيفة عمرو بعشرة آلاف درهم ، فقال النبي صلّى الله عليه وآله : هو لكم لا نأكل ثمن الموتى.
    وذكر أمير المؤمنين صلوات الله عليه أبياتاً ، [ منها ] (5) :
نَصَرَ الحجارةَ من سفاهة رأيه فضربته وتـركتـه متـجدّلاً وعففت عن أثوابه ولـو أنّني ونصرتُ ربّ محمدٍ بـصواب كالجذع بيـن دكـادك وروابي (6) كنت المـقطّر بـزّنـي أثوابي (7)

1 ـ شواهد التنزيل : 2 / 7 ـ 9 ح 629 ـ 632.
2 ـ سورة الأحزاب : 25.
3 و 5 ـ من المجمع.
4 ـ في المجمع : قتلة.
6 ـ الدكادك : جمع دكداك : الرمل الليّن. والروابي : جمع الرابية : ما ارتفع وعلا وأشرف من الأرض.
7 ـ أي قتلته ولم اُفكّر في سلبه ، ولو كان هو الّذي قتلني لأخذ أثوابي.


(338)
    وروى عمرو بن عبيد ، عن الحسن البصري ، قال : إنّ عليّاً لمّا قتل عمرو حمل رأسه وألقاه بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فقام أبو بكر وعمر فقبّلا رأس علي عليه السلام.
    وروي عن أبي بكر بن عيّاش أنّه قال : ضَرب عليّ ضربة ما كان في الاسلام أعزّ منها ـ يعني ضربة عمرو ـ وضُرب عليّ ضربة ما كان في الاسلام أشأم منها ـ يعني ضربة ابن ملجم عليه لعنة الله ـ. (1)
     قلت في المعنى :
يا منكراً فـضل الوصـيّ وعليـه أعـلن بـالتقـدّم هلا جسـرت بيوم سلـع إذ ضلّ يخـطر شبه ليث في كفّه ماضـي الـغرار أسـدي جري بـأســه لا ينـثني عـن قـرنـه نادى فصرت تحيد عـنه شبه الكمـاع إذا جـرت هلا أجـبت كمـا أجـاب أعني الوصيّ أخا الـنبي من أطلع الرحـمن فـي وكـذاك فـي الأحـزاب وحقّـه حـسداً وغـدرا بعد خيـر الخـلق طـرّا في الوغا وأجـبت عمرا الغاب يــزأر مكفهـرّا بحدّه الأعنـاق تــبرا قد فاق في الآفـاق ذكرا إذ لا يرى الاحجام غدرا مخـافة وتـروم سـترا من ربّها ترجـو مفـرّا مجدّل الأبـطال قـسرا أجلّ خـلق الـله قـدرا بدر بـه للحـقّ بـدرا شدّ به لخير الخلق أزرا

1 ـ مجمع البيان : 4 /342 ـ 344 ، عنه البحار 20 / 202 ـ 206.

(339)
نـادى ألا هـل من مبارز فأجـابه هـا قــد أتـاك في مـعـرك كــلا ولا مـن كان دون الـخلـق كـم أسبـغت حملاته في فتـخـالـسا نـفسيـهما هذا لـديـن الحـقّ قـام وقرينه فـي الـحـرب فعـلاه مـنه بـصـارم فهوى كجذع فـي الثرى وأفاض من فيض الدماء وأبـان مـنه الـرأس أعني بـه مولى الورى من بالزعامة والصرامة ليث الحـروب مـجدّل رفع الـفخـار لمجـده ما خـاب متـّخذ ولايته كـلا ولا تـربت يـداه مـن فيه سورة هل أتى ردّت عليه الشمس حتى فقضى فريضته وعادت هذا الذي قبّـلت مـنه منـكم ويـحـوز فـخرا مجـيب صـوتك لن يفرّا اولى المبـارز منه ظـهرا للهادي النبـي أخا وصهرا الحرب جـامعـةٍ ويسـرا وترامقا بالظـرف شـزرا مؤيـّداً عـزّاً ونـصـرا أضحى ناصرا عزّاً ونسرا كم هـدّ ركـناً مـشمخرا نحرته أيد الدهـر نحـرا حللٍ عليـه صبغن حمرا ثمّ أتى به المخـتار جهرا وغمامهـم بـرّاً وبـحرا والامـامـة كـان أحـرا أبطالهـا فتكـاً وصـبرا في هاشم نـسبـاً أغـرّا ليوم الحشــر ذخــرا ولا غدا مسـعاه خـسرا أبداً مـدى الأيّـام تـقرا عاد وقت الفرض عصرا كالشهـاب إذا اسـتمرّا الرأس تلـبيـساً ومكراً


وفديـتـه بـالـروح لكـن حتى إذا خـلـت الـديـار أبديت مـا أخـفـيت مـن عن مذهب الحـقّ السـويّ في حشاك حشوت غدرا من النـبي وعـدن قفرا فرط النفاق وجرت كفرا فجئت يا مغرور نكـرا
    وأمّا قتلاه عليه السلام يوم حنين فقتل أربعين رجلاً وفارسهم (1) أبو جَروَل (2) ، وإنّه صلوات الله عليه قدّه بنصفين بسيفه بضربه واحدة في الخوذة والعمامة والجوشن والبدن إلى القربوس.
    ووقوفه صلوات الله عليه يوم حنين وسط أربعة وعشرين ألف ضارب سيف إلى أن ظهر المدد من السماء (3) ، من أعظم الآيات على صحّة إمامته ، وانّ هذه كرامة أكرمه الله بها ، وقوّة اختصّه الله بفضلها ، وكذلك جميع خواصّه الّتي اصطفاه الله بهاإذا استقرأها من له قلب سليم ولبّ مستقيم قضى منها عجباً ، واستدلّ بها أنّ الله سبحانه ما أيّده بهذه الفضائل الّتي تخرج عن طوق البشر إلا لكونه أفضل خلقه ، وأقربهم منزلة من جلال كبريائه ، وأحقّ الخلق بالرئاسة العامّة في أمر الدين والدنيا ، لكونه أكمل الخلق في علمه وحلمه زهده ،
1 ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : وأمّا قتلاه عليه السلام يوم اُحد فقتل أربعين رجلاً ـ وقد ذكرت أسماءهم من قبل ـ وفارسهم.
2 ـ كان أبو جرول يرتجز ويقول :
أنا أبو جَروَلَ لا بَراحُ حتى نُبيحَ القوم أو نُباح
    فصمد له أمير المؤمنين عليه السلام فضرب عجز بعيره فَصَرَعه ، ثم ضربه فَقَطّره ، ثمّ قال :
قد عَلِم القومُ لدى الصَباح أنّي في الهيجاء ذو نِصاح
    فكانت هزيمة المشركين بقتل أبي جَروَل لعنه الله. انظر « إرشاد المفيد : 1 / 143 ».
3 ـ مناقب ابن شهراشوب : 2 / 83 ، عنه البحار : 41 / 66.


(341)
وتوجّهه إلى معبوده ، وإخلاصه بطاعة ربّه في سرّه وعلانيته ، وجهاده في سبيل خالقه ، وشدّة بأسه ، ومحاماته عن صاحب الدعوة وبذله نفسه وقاية له من أعدائه ، فيظهر له بذلك أعظم دليل على وجوب اتّباعه ، وهذه مقدّمة إجماعيّة لا يختلف فيها مسلم ، بل جيمع الاُمّة مجمعة على صحّة ذلك ، المؤالف والمخالف ، إلا ما شذّ من أهل الزيغ والتعصّب بالباطل ، الّذين لا يعبأ بشذوذهم ، لكونهم قد خرجوا عن ربقة المؤمنين والصغرى ضروريّة ، فثبت انّه صلوات الله عليه واجب الطاعة على الأحمر والأبيض.
    روي أنّ عمرواً بن العاص قال : والله ما أحد يعيّر بفراره من عليّ بن أبي طالب.
    ولمّا نعي بقتل أمير المؤمنين عليه السلام بالعراق دخل عمرو بن العاص على معاوية مبشّراً فقال : إنّ الأسد المفترش ذراعيه بالعراق لاقى شعوبه. (1)
    صاحب الفائق (2) قال : كانت ضربات عليّ أبكاراً. إذا اعتلى قدّ ، وإذا اعترض قطّ ، وإذا أتى حصناً هدّ.
    وقالوا أيضاً : كانت ضربات علي أبكاراً لاعوناً : يقال : ضربه بكر أي [ قاطعة ] (3) لا يحتاج أن يثنّى ، والعوان التي يحتاج أن تثنّى. زعمت الفرس أنّ اُصول الضرب سبعة (4) ، وكلّها مأخوذة عنه صلوات الله عليه ، [ وهي : ] (5) علويّة
1 ـ مناقب ابن شهراشوب : 2 / 85 ـ 86 ، عنه البحار : 41 / 69.
2 ـ الفائق في غريب الحديث للزمخشري : 1 / 125.
3 و 5 ـ من المناقب.
4 ـ في المناقب : ستّة.


(342)
وسفيّة وغاله (1) وماله وحاله وجر وهام (2).
    ولولا خوف الإطالة لأوردنا نبذة يسيرة بالنسبة إلى كثرة قتلاه بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وآله وبعده ؛ كمرحب في خيبر ، وذي الخمار والعنكبوت ، ما لا يحصى كثرة في غزاة السلاسل ، وقتاله بعد الرسول الناكثين والقاسطين والمارقين في وقعة الجمل حتى بلغ إلى قطع يد الجمل ثمّ قطع رجليه حتى سقط ، وله ليلة الهرير خمسمائة وستّ وثلاثين تكبيرة ـ وفي رواية : سبعمائة (3) ـ.
    وقال صلوات الله عليه : لو تظاهرت العرب على قتالي لما ولّيت عنها.
    وكانت قريش إذا رأته في الحرب تواصت خوفاً منه ، وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله يخوّف المشركين به. (4)
    وأمّا كرمه فلا مزيد عليه حتى انّه آثر بقوته وقوت عياله حتى أنزل الله فيه وفي زوجته وابنيه سورة تتلى إلى يوم القيامة.
    وروى المخالف أنّ عليّاً عليه السلام كان يحارب رجلاً من المشركين ، فقال المشرك : يا ابن أبي طالب ، هبني سيفك ، فرماه إليه.
    فقال المشرك : عجباً يا ابن أبي طالب في مثل هذا الوقت تدفع إليّ سيفك !
1 ـ في المناقب : وغلبة.
2 ـ في المناقب : وجرهام.
3 ـ في المناقب : وله ليلة الهرير ثلاثمائة تكبيرة ، أسقط بكلّ تكبيرة عدوّاً ، وفي رواية : خمسمائة وثلاثة وعشرون ، رواه الأعثم ، وفي رواية : سبعمائة ، ولم يكن لدرعه ظهر ، ولا لمركوبه كرّ وفرّ.
4 ـ مناقب ابن شهراشوب : 2 / 83 ـ 84 ، عنه البحار : 41 / 67 ـ 68.


(343)
    فقال : يا هذا ، إنّك مددت إليّ يد المسألة ، وليس من الكرم أن يردّ السائل ، فرمى الكافر بنفسه إلى الأرض وأسلم ، وقال : هذه شيمة (1) أهل الدين ، وقبّل قدم أمير المؤمنين.
    وقال جبرائيل في حقّه : لا سيف إلا ذو الفقار ، ولا فتى إلا علي. (2)
    وحسبه صلوات الله عليه فضيلة صدقته بخاتمه في ركوعه حتى أنزل الله فيه ( إنّما وليّكمُ اللهُ ورسولهُ والذينَ آمنوا الذينَ يقيمون الصلاةَ ويؤتونَ الزكاةَ وهم راكعونَ ) (3) وأجمع الموالف والمخالف انّها نزلت في علي عليه السلام لمّا تصدّق بخاتمه في ركوعه ، رواه أبو بكر الرازي في كتاب أحكام القرآن (4) على ما حكاه المغربي عنه والطبري والرمّاني ، وهو قول مجاهد والسدّي. وأمّا علماء أهل البيت لا يختلفون في ذلك كأبي جعفر الباقر وابنه أبي عبد الله عليهما السلام. ورواه أبو صالح ، عن ابن عبّاس.
    وأورد الشيخ الجليل أبو علي الطبرسي رضي الله عنه في تفسيره بإسناد متّصل ، قال : بينا ابن عبّاس رضي الله عنه جالس على شفير زمزم يقول : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله إذ أقبل رجل معتمّ (5) بعمامة ، فجعل ابن عبّاس لا يقول : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله إلا قال الرجل : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله.
1 ـ في المناقب : سيرة.
2 ـ مناقب ابن شهراشوب : 2 / 87 نقلاً عن أبي السعادت في فضائل العشرة ، عنه البحار : 41 / 69.
3 ـ سورة المائدة : 55.
4 ـ أحكام القرآن : 2 / 446.
5 ـ في المجمع : متعمّم.


(344)
    فقال ابن عبّاس : سألتك بالله ـ يا أيّها الرجل ـ من أنت ؟
    فكشف العمامة عن وجهه وقال : أيّها الناس ، من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا اُعرّفه بنفسي ، أنا جندب بن جنادة البدري أبو ذرّ الغفاري سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله بهاتين والا فصمّتا ، ورأيته بهاتين وإلاّ فعميتا ، يقول : عليّ قائد البررة ، وقاتل الكفرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله ، أما إنّي صلّيت العصر مع رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فسأل سائل في المسجد ، فلم يعطه أحد شيئاً ، فرفع السائل يده إلى السماء ، فقال : اللّهمّ اشهد أنّي سألت في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وآله فلم يعطني أحد شيئاً ، وكان عليّ راكعاً فأوما بخنصره اليمنى إليه ـ وكان يتختّم فيها ـ فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره ، وذلك حين صلاة النبيّ صلّى الله عليه وآله (1) ، فلمّا فرغ النبي من صلاته رفع رأسه إلى السماء وقال : اللّهمّ إنّ أخي موسى سألك وقال : ( ربِّ اشرح لي صدري ويسّر لي أمري واحلل عقدةً من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي اشدُد به أزري وأشرِكْهُ في أمري ) (2) فأنزلت عليه قرآناً ناطقا : ( سنشدُّ عضدكَ بأخيكَ ونجعلُ لكما سلطاناً فلا يصلونَ إليكما ) (3).
    اللّهمّ وأنا محمد نبيّك وصفيّك فاشرح لي صدري ، ويسّر لي أمري ، واجعل لي وزيراً من أهلي ، عليّاً اشدد به أزري.
    قال أبو ذرّ : فوالله ما استتمّ رسول الله كلامه حتى نزل عليه جبرائيل من عند الله ، فقال : يا محمد ، اقرأ.
1 ـ في المجمع ، وذلك بعين رسول الله صلّى الله عليه وآله.
2 ـ سورة طه : 25 ـ 32.
3 ـ سورة القصص : 35.


(345)
    قال : وما أقرأ ؟
    قال : اقرأ ( إنّما وليّكمُ اللهُ ورسولهُ والذينَ آمنوا الذينَ يقيمونَ الصلاةَ ويؤتون الزكاةَ وهم راكعونَ ) (1).
    وروى هذا الخبر أبو إسحاق الثعلبي في تفسره بهذا الاسناد بعينه ، وروى أبو بكر الرازي في كتاب أحكام القرآن ، على ما حكاه المغربي عنه والطبري والرمّاني ، وهو قول مجاهد والسدّي ، وهو المرويّ عن جميع أهل البيت عليهم السلام. (2)
    وفي رواية اُخرى أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله دخل المسجد والناس بين راكع وساجد فبصر بسائل ، فقال : هل أعطاك أحد شيئاً ؟
    فقال : نعم ، خاتم من فضّة.
    فقال النبي صلّى الله عليه وآله : من أعطاكه ؟
    قال : ذلك القائم ـ وأومأ بيده إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه ـ.
    فقال النبي صلّى الله عليه وآله : علي أيّ حال أعطاكه ؟
    قال : أعطاني وهو راكع.
    فكبّر النبي صلّى الله عليه وآله ، ثمّ قرأ ( ومن يتولَّ الله ورسولهٌ والذينَ آمنوا فإنّ حزبَ الله همٌ الغالبونَ ) (3).
    فأنشأ حسّان بن ثابت (4) :
1 ـ سورة المائدة : 55.
2 ـ مجمع البيان : 2 / 210 ، عنه البحار : 35 / 195.
3 ـ سورة المائدة : 56.
4 ـ في المناقب : خزيمة بن ثابت.
تسلية المُجالس وزينة المَجالس الجزء الأول ::: فهرس