تسلية المُجالس وزينة المَجالس الجزء الأول ::: 361 ـ 375
(361)
    مناقب إسحاق [ العدل ] (1) : انّه كان في خلافة هشام خطيب يلعن عليّاً عليه السلام على المنبر ، فخرجت كفّ من قبر رسول الله صلّى الله عليه وآله ـ يُرى الكفّ ولا يُرى الذراع ـ عاقدة على ثلاث وستّين ، وإذا كلام من القبر : ويلك [ من أمويّ ] (2) ( أكفرتَ بالذي خلقكَ من تراب ثمَّ من نطفةٍ ) الآية ، وألفت ما فيها ، فإذا دخان أزرق ، قال : فما نزل عن المنبر إلا وهو أعمى يقاد ، وما مضت عليه ثلاثة أيّام حتى مات. (3)
    وروى علماء واسط أنّه لمّا رفع عمر بن عبد العزيز اللعائن جعل خطيب واسط يلعن ، فإذا هو بثور عبر الشطّ ، وشقّ السور ، ودخل المدينة ، وأتى الجامع ، وصعد المنبر ، ونطح الخطيب فقتله ، وغاب عن أعين الناس ، فسدّوا الباب الذي دخل منه (4) ، وأثره ظاهر وسمّوه باب الثور.
    وقال هاشميّ : رأيت رجلاً بالشام قد اسودّ نصف وجهه ـ وهو يغطّيه ـ فسألته عن سبب ذلك ، فقال : نعم ، قد جعلت على نفسي أن لا يسألني أحد عن سبب ذلك إلا أخبرته ، كنت شديد الوقيعة في عليّ ، كثير الذكر له بالمكروه ، فبينا أنا ذات ليلة نائم إذا بآتٍ أتاني في منامي فقال : أنت صاحب الوقيعة في عليّ ؟ فضرب شقّ وجهي ؟ فأصبحت وشقّ وجهي أسود كما ترى. (5)
1 و 2 ـ من المناقب.
3 ـ مناقب ابن شهراشوب : 2 / 343 ـ 344 ، عنه البحار : 39 / 318 ح 19 ، ومدينة المعاجز : 2 / 283 ـ 284 ح 551 و 552 إلى قوله : فخبطه جمل حتى قتله.
4 ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : فيه.
5 ـ مناقب ابن شهراشوب : 2 / 344 ، عنه البحار : 39 / 319 ح 20 ، ومدينة المعاجز : 1 / 314 ح 198 من قوله « قال هاشمي ».
    وأورد نحوه في الفضائل لشاذان : 115 ، والروضة في الفضائل : 10 ( مخطوط ) ، عنهما البحار : 42 / 8 ح 10.
    وأورده أيضاً في الثاقب في المناقب : 241 ح 6.


(362)
    وكان بالمدينة رجل ناصبيّ ، ثم تشيّع بعد ذلك ، فسئل عن السبب ، فقال : إنّي رأيت في منامي عليّاً عليه السلام يقول [ لي ] (1) : لو حضرت صفّين مع من كنت تقاتل ؟
    قافل : فأطرقت اُفكّر ، فقال عليه السلام : يا خسيس ، هذه مسألة تحتاج إلى [ هذا ] (2) الفكر العظيم ! اصفعوا قفاه ، فصفعت (3) حتى انتبهت وقد ورم قفاي ، فرجعت عمّا كنت عليه. (4)
    روى شيخنا ووسيلتنا إلى ربّنا الشيخ الجليل الفقيه عناد الدين محمد بن علي بن الحسين [ بن موسى ] (5) بن بابويه القمّي في أماليه ، قال : حدّثني محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال : حدّثني محمد بن جرير الطبري ، قال : حدّثني أحمد بن رشيد ، قال حدّثنا أبو معمر سعيد بن خثيم (6) ، قال : حدّثني سعد ، عن الحسن البصري أنّه بلغه أنّ زاعماً يزعم أنّه ينتقص عليّاً صلوات الله عليه ، فقام في أصحابه يوماً فقال : لقد هممت أن أغلق بابي ثمّ لا أخرج من بيتي حتى يأتيني أجلي ، بلغني أنّا زاعماً منكم يزعم أنّي أنتقص خير الناس بعد نبيّنا صلّى الله عليه وآله ، وأنيسه وجليسه ، والمفرّج عنه الكرب عند الزلازل ، والقاتل للأقران يوم التنازل ، لقد فارقكم رجل قرأ القرآن فوقّره ، [ وأخذ العلم
    وأخرجه في مدينة المعاجز : 1 / 314 ح 199 عن البرسي ـ ولم نجده في مشارق أنوار اليقين ـ وما فيه يوافق ما في فضائل شاذان.
1 و 2 ـ من المناقب.
3 ـ في المناقب : اعطوا قفاه. فصفقت.
4 ـ مناقب ابن شهراشوب : 2 / 344 ، عنه البحار : 42 / 7 ح 7.
5 ـ من الأمالي.
6 ـ في الأمالي : خيثم ( خثيم ).


(363)
فوفّره ، ] (1) وحاز البأس فاستعمله في طاعة ربّه ، صابراً على مضض الحرب ، شاكراً عند اللأواء والكرب ، عمل بكتاب الله ، ونصح لنبيّه وابن عمّه وأخيه ، آخاه دون أصحابه ، وجعل عند سرّه ، وجاهد عنه صغيراً ، وقاتل معه كبيراً ، يقتل الأقران ، وينازل الفرسان دون دين الله حتى وضعت الحرب أوزارها ، مستمسكاً بعهد نبيه صلّى الله عليه وآله ، لا يصدّه صادّ ، ولا يمالي عليه مضادّ ، ثمّ مضى النبيّ صلّى الله عليه وآله وهو عنه راض.
    أعلم المسلمين علماً ، وأفهمهم فهماً ، وأقدمهم في الإسلام ، لا نظير له في مناقبه ، ولا شبيه له في ضرائبه ، فظلفت (2) نفسه عن الشهوات ، وعمل لله في الغفلات ، وأسبغ الوضوء (3) في السبرات ، وخشع (4) لله في الصلوات ، وقطع نفسه عن اللذات ، مشمّراً عن ساق ، طيّب الأخلاق ، كريم الأعراق ، واتّبع سنن نبيّه ، واقتفى آثار وليّه ، فكيف أقول فيه ما يوبقني ؟ وما أحد أعلمه يجد فيه مقالاً ، فكفّوا عنّا الأذى ، وتجنّبوا طريق الردى. (5)
    وقال أيضاً رضي الله عنه في أماليه : حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان وعلي بن أحمد بن موسى الدقّاق ومحمد بن أحمد السناني وعبد الله بن محمد الصائغ ، قالوا : حدّثنا أبو العبّاس [ أحمد بن يحيى بن ] (6) زكريّا القطّان ، قال : حدّثنا أبو محمد بكر بن عبدالله بن حبيب ، قال : حدّثني علي بن محمد ، قال : حدّثنا الفضل بن العبّاس ، قال حدّثنا عبد القدّوس الورّاق ، قال : حدّثنا
1 ـ من الأمالي.
2 ـ كذا في الأمالي ، وفي الأصل : طلقت. وظلفت : منعت.
3 ـ في الأمالي : الطهور. والسيرات : جمع السبرة ، الغداة الباردة.
4 ـ كذا في الأمالي ، وفي الأصل : وخضع.
5 ـ أمالي الصدوق : 352 ح 1 ، عنه البحار : 40 / 117 ح 2.
6 ـ من الأمالي.


(364)
محمد بن كثير ، عن الأعمش.
    وحدّثنا الحسن بن إبراهيم بن أحمد المكتّب ، قال : حدّثنا أحمد بن يحيى القطّان ، قال : حدّثنا بكر بن عبد الله بن حبيب ، قال : حدّثني عبيد الله بن محمد بن باطويه (1) ، قال : حدّثنا محمد بن كثير ، عن الأعمش.
    وأخبرنا سليمان بن أحمد بن أيّوب اللخمي فيما كتب إلينا من أصفهان ، قال : حدّثنا أحمد بن القاسم بن مساور الجوهري سنة ستّ وثمانين ومائتين ، قال : حدّثنا الوليد بن الفضل العنزي ، قال : حدّثنا الوليد بن الفضل العنزي ، قال : حدّثنا مندل بن علي العنزي (2) ، عن الأعمش.
    وحدّثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني ، قال : حدّثنا أبو سعيد الحسن بن علي العدوي ، قال : حدّثنا علي بن عيسى الكوفي ، قال : حدّثنا جرير (3) بن عبد الحميد ، عن الأعمش ، وزاد بعضهم على بعض في اللفظ ، وقال بعضهم ما لم يقل بعض ، وسياق الحديث لمندل بن علي العنزي ، عن الأعمش ، قال : بعث إليّ أبو جعفر الدوانيقي في جوف الليل أن أجب ، قال : فبقيت (4) متفكّراً فيما بيني وبين نفسي وقلت : ما بعث إليّ [ في ] (5) هذه الساعة الا ليسألني عن فضائل علي عليه السلام ، ولعلّي إن أخبرته قتلني.
    قال : فكتبت وصيّتي ، ولبست كفني ، ودخلت عليه ، فقال ادن منّي ، فدنوت وعنده عمرو بن عبيد ، فلمّا رأيته طابت نفسي شيئاً ثم قال : ادن منّي ،
1 ـ في الأمالي : عبد الله ( عبيد الله ) بن محمد بن باطويه ( ناطويه ).
2 ـ في الأمالي : العنزي ( العتري ). وكذا في الموضع التالي.
3 ـ كذا في الأمالي ، وفي الاصل : حريز.
4 ـ في الأمالي : فقمت.
5 ـ من الأمالي.


(365)
فدنوت حتى كادت تمسّ ركبتي ركبته ، قال : فوجد منّي رائحة الحنوط ، فقال : والله لتصدقّنني وإلاّ لأصلبنّك. (1)
    فقلت : ما حاجتك ، يا أمير المؤمنين ؟
    قال : ما شأنك متحنّطاً ؟
    قلت : أتاني رسولك في جوف الليل أن أجب ، فقلت : عسى أن يكون أمير المؤمنين بعث إليّ [ في ] (2) هذه الساعة ليسألني عن فضائل عليّ عليه السلام. فلعلّي إن أخبرته قتلني ، فكتبت وصيّتي ، ولبست كفني.
    قال : وكان متّكئاً فاستوى جالساً وقال : لا حول ولا قوّة إلا بالله ، سألتك ـ يا أعمش (3) ـ كم حديثاً ترويه في فضائل عليّ عليه السلام ؟
    قال : فقلت : يسيراً ، يا أمير المؤمنين.
    قال : كم.
    قلت : عشرة آلاف وما زاد.
    فقال : يا سليمان ، لاُحدّثنّك بحديث في فضل عليّ عليه السلام تنسى كلّ حديث [ سمعته ] (4).
    قال : قلت : حدّثني ، يا أمير المؤمنين.
    قال : إنّي كنت هارباً من بني اُميّة وكنت أتردّد في البلدان (5) وأتقرّب إلى الناس بفضائل عليّ عليه السلام ، وكانوا يطعموني ويزوّدوني حتى وردت إلى
1 ـ في الأمالي : لتصدّقني أو لاُصلبنّك.
2 و 4 ـ من الأمالي.
3 ـ في الأمالي : سألتك بالله يا سليمان.
5 ـ كذا في الأمالي ، وفي الأصل : من بني يزدد في البلدان.


(366)
بلاد شام ، وإنّي لفي كساءٍ خلق ما عليّ غيره ، فسمعت الاقامة وأنا جائع ، فدخلت المسجد لاُصلّي وفي نفسي أن اُكلّم الناس في عشاءٍ [ يعشوني ] (1) ، فلمّا سلّم الإمام دخل المسجد صبيّان ، فالتفت الإمام اليهما وقال : مرحباً بكما ، ومرحباً بمن اسمكما على اسمهما ، وكان إلى جانبي شابّ فقلت : يا شابّ ، ما الصبيّان ؟ ومن الشيخ ؟
    قال : هو جدّهما ، وليس أحد في هذه المدينة يحبّ عليّاً إلا [ هذا ] (2) الشيخ ، فلذلك سمّى أحدهما الحسن والآخر الحسين ، فقمت فرحاً إلى الشيخ ، فقلت : أيها الشيخ ، هل لك حاجة في حديثٍ اُقرّ به عينك ؟
    قال : إن أقررت عيني أقررت عينك.
    قال : قلت : حدّثني أبي ، عن جدّي ، عن أبيه قال : كنّا قعوداً عند رسول الله صلّى الله عليه وآله إذ جاءت فاطمة عليها السلام وهي تبكي ، فقال لها النبي صلّى الله عليه وآله : ما يبكيك يا فاطمة ؟
    قالت : يا أبة ، خرج الحسن والحسين فما أدري أين باتا.
    فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله : يا فاطمة ، لا تبكي ، فإنّ الله الذي خلقهما هو ألطف بهما منك ، ورفع النبيّ صلّى الله عليه وآله يديه إلى السماء ، وقال : اللّهمّ إن كانا أخذا برّاً أو بحراً فاحفظهما وسلّمهما ، فنزل جبرائيل عليه السلام من السماء وقال : يا محمد ، إنّ الله سبحانه يقرئك السلام ويقول : لا تحزن ولا تغتمّ فإنّهما فاضلان في الدنيا وفاضلان في الآخرة ، وأبوهما أفضل منهما ، هما نائمان في حظيرة بني النجّار ، وقد وكّل الله بهما ملكاً.
    قال : فقام رسول الله صلّى الله عليه وآله فرحاً ومعه أصحابه حتى أتى
1 و 2 ـ من الأمالي.

(367)
حظيرة بني النجّار ، فإذا الحسن (1) معانقاً للحسين عليه السلام ، وإذا الملك الموكّل بهما قد افترش أحد جناحيه تحتهما وغطّاهما بالآخر.
    قال : فمكث النبي صلّى الله عليه وآله يقبّلهما حتى انتبها ، فلمّا استيقظا حمل النبيّ صلّى الله عليه وآله الحسن ، وحمل جبرائيل الحسين فخرج من الحظيرة وهو يقول : والله لاُشرّفنّكما كما شرّفكم الله عزّ وجل.
    فقال له أبو بكر : ناولني أحد الصبيّين اُخفّف عنك.
    فقال : يا أبا بكر ، نعم الحاملان ، ونعم الراكبان ، وأبوهما أفضل منهما فخرجت حتى أتى باب المسجد فقال : يا بلال ، هلمّ عليّ الناس ، فنادى منادي رسول الله صلّى الله عليه وآله في المدينة ، فاجتمع الناس عند رسول الله صلّى الله عليه وآله في المسجد ، فقام على قدميه ، فقال : يا معشر الناس ، هل أدلّكم على أفضل الناس جدّاً وجدّة ؟
    قالوا : بلى ، يا رسول الله.
    قال : الحسن والحسين فإنّ جدّهما محمد صلّى الله عليه وآله ، وجدّتهما خديجة بنت خويلد.
    يا معشر الناس ، هل أدلّكم على خير الناس اُمّاً وأباً ؟
    قالوا : بلى ، يا رسول الله.
    قال : الحسن والحسين فإنّ أباهما يحبّ الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، واُمّهما فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله.
    يا معشر الناس : هل أدلّكم على خير الناس عمّاً وعمّة ؟
1 ـ في الأمالي : حتى أتوا حظيرة بني النجّار ، فإذا هم بالحسن.

(368)
    قالوا : بلى ، يا رسول الله.
    قال : الحسن والحسين فإنّ عمّهما جعفر الطيّار في الجنّة مع الملائكة ، وعمّتهما اُمّ هانئ بنت أبي طالب.
    يا معشر الناس ، هل أدلّكم على خير الناس خالاً وخالة ؟
    قالوا : بلى ، يا رسول الله.
    قال : الحسن والحسين فإنّ خالهما القاسم بن رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وخالتهما زينب بنت رسول الله ، ثمّ قال بيده هكذا يحشرنا الله (1) ، ثمّ قال : اللّهمّ إنّك تعلم أنّ الحسن في الجنّة ، والحسين في الجنّة ، وجدّهما في الجنّة ، وجدّتهما في الجنّة ، [ وأباهما في الجنّة ، واُمّهما في الجنّة ] (2) ، وعمّهما في الجنّة ، وعمّتهما في الجنّة ، وخالهما في الجنّة ، وخالتهما في الجنّة.
    اللّهمّ إنّك تعلم من يحبّهما في الجنّة ، ومن يبغضهما في النار.
    قال : فلمّا قلت ذلك للشيخ قال : من أنت يا فتى ؟
    قلت : رجل من أهل الكوفة.
    قال : أعربيّ أنت أم مولى ؟
    قلت : بل عربيّ.
    قال : فأنت تحدّث بهذا الحديث وأنت في هذا الكساء ، فكساني خلعته ،
1 ـ الظاهر أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله ضمّهما إلى صدره وأشار إلى الناس : هكذا يحشرنا الله.
2 ـ من الأمالي.


(369)
وحملني على بغلته فبعتها بمائة دينار ، وقال يا شابّ (1) ، أقررت عيني فوالله لأقرّنّ عينك ، ولأرشدنّك إلى شابّ يقرّ عينك اليوم.
    قال : قلت : أرشدني.
    قال : إنّ لي أخوين أحدهما إمام والآخر مؤذّن ، أمّا الإمام فإنّه يحبّ عليّاً منذ خرج من بطن اُمّه ، وأمّا المؤذّن فإنّه يبغض عليّاً منذ خرج من بطن اُمّه.
    قال : قلت : أرشدني ، فأخذ بيدي حتى أتى بي إلى باب الامام ، فإذا برجل خرج إليّ وقال : أمّا البغلة والكسوة فأعرفهما ، والله ما كان فلان يكسوك ويحملك إلا لأنّك تحبّ الله ورسوله ووصيّ رسوله ، فحدّثني بحديث في فضل عليّ بن أبي طالب عليه السلام.
    قال : قلت : أخبرني أبي ، عن أبيه ، عن جدّه ، قال : كنّا قعوداً عند رسول الله صلّى الله عليه وآله إذ جاءت فاطمة تبكي بكاءً شديداً ، فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وآله : ما يبكيك ، يا فاطمة ؟
    قالت : يا أبة ، عيّرتني نساء قريش وقلن : إنّ أباك زوّجك من معدم لا مال له.
    فقال لها النبيّ صلّى الله عليه وآله : لا تبكي فوالله ما زوّجتك حتى زوّجك الله من فوق عرشه ، وأشهد بذلك جبرائيل وميكائيل ، وإنّ الله سبحانه اطّلع على أهل الأرض (2) فاختار من الخلائق أباك فبعثه نبيّاً ، ثمّ اطّلع الثانية فاختار من الخلائق عليّاً ، فزوّجك إيّاه ، واتّخذه وصيّاً ، فعليّ أشجع الناس قلباً ، وأحلم الناس حلماً ، وأسمح الناس كفّاً ، وأقدم الناس سلماً ، وأعلم الناس علماً ،
1 ـ كذا في الأمالي ، وفي الأصل : بغلته باعها بمائة دينار ، وقال : يا شيخ.
2 ـ في الأمالي : الدنيا.


(370)
والحسن والحسين ابناه وهما سيّدا شباب أهل الجنة ، واسمهما في التوراة شبير وشبر لكرامتهما على الله سبحانه.
    يا فاطمة ، لا تبكي فوالله إذا كان يوم القيامة يكسى أبوك حلّتين ، وعليّ حلّتين ، ولواء الحمد بيدي ، فاُناوله عليّاً لكرامته على الله.
    يا فاطمة ، لا تبكي فإنّي إذا دعيت إلى ربّ العالمين يجيّ عليّ معي ، وإذا شفّعني الله شفّع عليّ معي.
    يا فاطمة ، لا تبكي فإنّه إذا كان يوم القيامة ينادي منادٍ في أهوال ذلك اليوم : يا محمد ، نعم الجدّ جدّك إبراهيم خليل الرحمن ، ونعم الأخ أخوك علي بن أبي طالب.
    يا فاطمة ، علي يعينني على مفاتيح الجنّة ، وشيعته هم الفائزون غداً يوم القيامة في الجنّة ، فلمّا قلت ذلك قال : يا بنيّ ممّن أنت ؟
    قلت : من أهل الكوفة.
    قال : أعربيّ أنت أم مولى ؟
    قلت : عربيّ.
    قال : فكساني ثلاثين ثوباً ، وأعطاني عشرة آلاف درهم ، ثمّ قال : يا شابّ ، أقررت عيني ولي إليك حاجة ، قلت : انقضيت إن شاء الله.
    قال : فإذا كان غداً فائت مسجد آل فلان كيما ترى أخي المبغض لعليّ بن أبي طالب عليه السلام.
    قال : فطالت عليّ تلك الليلة ، فلمّا أصبحت أتيت المسجد الذي وصف لي وقمت في الصف الأوّل فإذا إلى جانبي شابّ متعمّم فذهب ليركع فسقطت


(371)
عمامته ، فنظرت في وجهه فإذا رأسه رأس خنزير ، ووجهه وجه خنزير ، فوالله ما علمت ما تكلّمت [ به ] (1) في صلاتي حتى سلّم الامام ، فقلت : يا ويحك ما الّذي أرى بك ؟
    فبكى وقال لي : انظر إلى هذه الدار ، فنظرت ، فقال لي : ادخل ، فدخلت ، فقال لي : كنت مؤذّناً لآل فلانٍ كلّما أذّنت (2) لعنت عليّاً صلوات الله عليه ألف مرّة بين الاذان والإقامة ، وكلّما كان يوم الجمعة لعنته أربعة آلاف مرّة ، فخرجت من منزلي وأتيت داري واتّكأت على هذا الدكّان الّذي ترى فرأيت في منامي كأنّي في الجنّة وفيها رسول الله صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام فرحين ، ورأيت كأنّ النبي صلّى الله عليه وآله عن يمينه الحسن ، وعن يساره الحسين ومعه كأس ، فقال : يا حسن ، اسقني فسقاه ، ثمّ قال : اسق الجماعة ، فسقاهم (3) ، ثمّ رأيته كأنّه قال : اسق المتّكئ على [ هذا ] (4) الدكّان.
    فقال الحسن عليه السلام : يا جدّ ، أتأمرني أن أسقي هذا وهو يلعن أبي في كلّ يوم ألف مرّة بين الأذان والإقامة ، وقد لعنه في هذا اليوم أربعة آلاف مرّة بين الأذان والإقامة ؟! فأتاني النبيّ صلّى الله عليه وآله وقال : مالك عليك لعنة الله تعلن عليّاً ، وعليّ منّي ، [ وتشتم عليّاً وعليّ منّي ] (5) ؟ ورأيته كأنّه تفل في وجهي وضربني برجله ، وقال : قم غيّر الله ما بك من نعمة ، فانتبهت [ من نومي ] (6) فإذا رأسي رأس خنزير ، ووجهي وجه خنزير.
    ثم قال لي أبو جعفر المنصور : أهذان الحديثان في يدك ؟
1 و 4 و 5 و 6 ـ من الأمالي.
2 ـ في الأمالي : أصبحت.
3 ـ في الأمالي : فشربوا.


(372)
    فقلت : لا.
    فقال : يا سليمان ، حبّ عليّ إيمان ، وبغضه نفاق ، والله لا يحبّه إلا مؤمن ، ولا يبغضه إلا منافق.
    قال : فقلت : الأمان ، يا أمير المؤمنين.
    قال : لك الأمان.
    فقتل : ما تقول في قاتل الحسين عليه السلام ؟
    فقال : في النار ، وإلى النار.
    قلت : وكذلك من يقتل ولد رسول الله صلّى الله عليه وآله في النار ، وإلى النار.
    قال : يا سليمان ، الملك عقيم ، اخرج فحدّث بما سمعت. (1)
    قلت : ثمّ لم تغن عنه الآيات والنذر ، ولم يعتبر بما شاهد وحقّه أن يعتبر ،
1 ـ أمالي الصدوق : 353 ح 2 ، عنه مدينة المعاجز : 1 / 311 ح 196 ، وج 3 / 276 ح 894 ، وغاية المرام : 657 ح 108 ، وحلية الأبرار : 2 / 137 ح 1.
    ورواه في مناقب ابن المغازلي : 143 ح 188 ، ومناقب الخوارزمي : 200 ، وبشارة المصطفى : 170 ـ 175.
    وأورده في روضة الواعظين : 120 ـ 124 ، وفضائل شاذان : 116 ـ 121.
    وأخرجه في البحار : 37 / 88 ح 55 عن أمالي الصدوق وبشارة المصطفى ومناقب الخوارزمي والمناقب الفاخرة في العترة الطاهرة.
    وفي ج 43 / 302 ، وعوالم العلوم : 16 / 60 ـ 61 عن كشف الغمّة : 1 / 523 ـ 525 مختصراً.
    وفي مدينة المعاجز : 4 / 11 ح 1051 عن عيون المعجزات : 60 ـ 61. وفي غاية المرام : 653 ح 107 عن مناقب الخوارزمي والمناقب الفاخرة.
    وفي حلية الأبرار : 2 / 138 ح 2 عن مناقب الخوارزمي.


(373)
حتى يتبع بالأذى ذرّيّته ، وقصد بالأدا (1) عترته ، فكم علويّ أضحى منه ومن ولده في أضيق سجن وأسر ، وأسبغ حكم وقهر ، قد أكلت الجوامع لحم سواعده ويديه ، ووضعت الأصفاد من قدميه إلى حقويه ، وأثّرت الأغلال في عنقه وعضديه ، ونظرت الحتوف عن كثب إليه ، يستعذب الموت من أليم عذابهم ، ويستطب الفوت لوخيم عقابهم.
    وكم فاطميّ فطم عن ثدي الحياة بقواتل سمومهم ، وكم حسينيّ انتظم في سلك الأموات بسيوف وقائعهم ونقمهم ، سل فخّاً (2) وما حلّ بآل الرسول في عراها ، والزوراء وما غيّب من ولد البتول في ثراها ، وخراسان ومن شرّفت به مرابع طوسها ، والعراق وما حلّ من أمجادهم في ضرائح رموسها.
    ترى مشاهدهم في الأقطار تشهد بجلالة قدرهم ، وتعاهدهم في الأمصار ينبي عن غزارة فضلهم ، وأنوار الايمان تسطع من قباب مزاراتهم ، وسحائب الغفران تهمع من اكمال زياراتهم ، يغفر الله الذنوب بالهجرة إليها ، ويكشف الكروب بالعكوف بحضراتها ومبانيها.
    كلّما تقادمت الأيّام تجدّد فجرهم ، وكلّما تعاقبت الأعوام تعالى ذكرهم ، ورثوا المجد بالأصالة ، لما تمّمت بجدّهم الرسالة ، وعلت كلمتهم في الآفاق ، لما اُقيم أبوهم وليّاً على الإطلاق ، شدّ الله بزكيّهم أزر ملّته ، واستشهد بشهيدهم على برهان ربوبيّته ، وزيّن بعابدهم أوراد عبادته ، وبيّن بباقرهم وصادقهم أسرار شيعته ، وأظهر بعالمهم وكاظمهم أنوار حكمته ، وجعل رضاه مقروناً برضاهم ، وعلمه مخزوناً في جوادهم ومرتضاهم ، وهداه في اتّباع سبيل
1 ـ كذا في الأصل.
2 ـ فخّ : واد بمكّة ، قتل به الحسين بن علي بن الحسين يوم التروية سنة تسع وستّين ومائة ، وقتل جماعة من أهل بيته ... « مراصد الاطّلاع : 3 / 1019 ».


(374)
هاديهم ، وولاه منوطاً بولاء عسكريّهم وزكيّهم ، وقوام الخلق بقائمهم ، وقيام الحقّ بعالمهم ، صاحب الشوكة والقوّة ، وظاهر الملّة والدعوة ، حجّة الله على بريّته ، ومحجّته في خليقته ، والقائم بالقسط في اُمّة جدّه ، والداعي إلى الحق بجدّه وجهده.
    ذكر راحة روحي وقلبي ، ومدحه مجلي همّي وكربي ، وخياله نصب سواد مقلتي ، وجماله في سويداء قلبي ومهجتي ، أحنّ إلى ؤرؤيته ولو في طيف المنام ، وأشتاق الى بهجته وإن بعد المرام ، أوّ دلو ثبّتني في جرائد الخالصين من عبيده ، وأن يرقمني في دفاتر المخلصين من جنوده ، وأن يسمني بميسم العبوديّة في جنبي لعزيز جنابه ، وأن يطوّقني بطوق الرقّية لملازمة ركابه ، أسير بين يدي طرفه ولو على رأسي وطرفي ، وأستلمح أنوار بهجته من بين يديّ ومن خلفي ، واُسارع إلى أمره بقلبي وقالبي ، وأستظلّ بظلّ جواده وذلك أقصى مطالبي ، رافعاً صوتي مدّة مسيري بين يديه ، متابعاً لفظي حين إشارتي بالصلاة عليه ، قائلاً : معاشر المؤمنين ، افرجوا عن سبيل سبيل ربّكم ، وتنحّوا عن طريق وليّ أمركم.
    هذا علّة وجودكم ، هذا دليلكم على معبودكم ، هذا صاحب زمانكم هذا ناصب أعلامكم ، هذا وسيلتك إلى ربّكم يوم حشركم ، هذا نوركم الّذي يسعى بين أيديكم ومن خلفكم حين بشركم ، هذا الذي وعدكم به سيّد المرسلين ولا خلف لوعده ، هذا الّذي الروح الأمين من بعض حشمه وجنده ، هذا فرع الشجرة المباركة ، هذا خليفة الله بلا مشاركة ، هذا علم العترة الطاهرة ، هذا مصباح الاُسرة الفاخرة ، هذا شمس الشريعة النبويّة ، هذا بدر الذرّيّة العلويّة ، هذا ممصّر الأمصار ، هذا مدمّر الفجّار ، هذا هادم أركان النفاق ، هذا قاطع أسباب الشقاق ، هذا الصادق بالحقّ ، هذا الناطق بالصدق ، هذا طود الحلم ، هذا


(375)
بحر العلم ، هذا إمام الاُمّة ، هذا صاحب ( ونريد أن نمنّ على الذين استُضعفوُا في الأرض ونجعلهم أئمّةً ) (1) ، هذا الذي لولا وجوده لصاخت الأرض بكم ، ولأخذكم العذاب من فوقكم ومن تحت أرجلكم ، هذا خليفة الأنبياء ، هذا خاتمة الأوصياء.
    غضّوا أبصاركم إذا أشرتم بالصلاة عليه ، واخفضوا أصواتكم ولا تقدّموا بين يديه ، واسألوا الله بحقّه فهو من أعظم وسائلكم إليه ، لا يقبل الله منكم صرفاً ولا عدلاً إلا باتّباع سبيله ، ولا يقيم لكم يوم القيامة وزناً إلا باقتفاء دليله.
    فلا أزال أهتف بهذه الكلمات مدّة مسيري في ظلّ ركابه ، وأبهج بهذه الصفات منذ مصيري غاشياً دار جنابه ، حتى إذا التقى الجمعان ، واصطدم الفيلقان ، ضربت بين يديه بسيفي قدماً قدماً ، وقصمت الأصلاب بشدّة بطشي قصماً قصماً ، وقيّضت الأجساد بثعلب رمحي شكاً شكاً ، وجندلت الأبطال بقوّة عزمي فتكاً فتكاً ، لا اُوقر كبير أهل النفاق ، ولا أرحم صغيرهم ، ولا أغمد حسامي حتى اُبيد أميرهم ومأمورهم.
    لو نشر لي صدّيقهم نجل قحّافهم في تلك الحال لفلقت قحفته بنصفين ، ولو تراءى لعيني زعيمهم فاروقهم عند مقارعة الأبطال لفرقت فرقه شطرين ، ولصبغت من ذي نوريهم أثباجه من دم أوداجه ، ولأطفأت لابن هندهم من نور الحياة ضوء سراجه ، ولآذيت أهل هودجهم بقولي وفعلي ، ولو جأت جبينها وخدها بسبت نعلي ، وللعنت أباها وجدّها بعالي صوتي ، ولشفيت عليك صدري منها ومن جندها قبل موتي ، حتى أجعلها في عرصة الجمع تذكرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع.
1 ـ سورة القصص : 5.
تسلية المُجالس وزينة المَجالس الجزء الأول ::: فهرس