تسلية المُجالس وزينة المَجالس الجزء الأول ::: 496 ـ 510
(496)
وأشجعهم قلباً ، وأحسنهم عملاً (1) ، وأقواهم يقيناً ، محفظت ما ضيّعوا ، ورعيت ما أهملوا ، وشمّرت إذا اجتمعوا ، وعلوت إذا هلعوا ، ووقفت إذا أسرعوا ، وأدركت أوتار ما ظلموا.
    كنتَ على الكافرين عذاباً واصباً ، وللمؤمنين كهفاً وحصناً ، كنت كالجبل الراسخ لا تحرّكه العواصف ، ولا تزيله القواصف ، كنت للأطفال كالأب الشفيق ، وللأرامل كالبعل العطوف ، قسمت بالسويّة ، وعدلت بالرعيّة ، وأطفأت النيران ، وكسرت الأصنام ، وذللت الأوثان ، وعبدت الرحمن ـ في كلام كثير ـ فالتفتوا فلم يروا أحداً ، فسئل الحسن عليه السلام عنه ، فقال : كان الخضر ، فارتجّت الدار بالبكاء والنحيب ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون. (2)
    ولمّا رجع الحسن والحسين عليهما السلام من دفن أمير المؤمنين عليه السلام أمر الحسن عليه السلام بإخراج ابن ملجم والاتيان به ، فأمر عليه السلام فضربت عنقه ، واستوهبت اُمّ الهيثم بنت الأسود النخعيّة جيفته لتتولّى إحراقها ، فوهبها لها فأحرقتها بالنار ، وأمّا الرجلان اللذان كانا مع ابن ملجم في العقد على معاوية وعمرو بن العاص ، فإنّ أحدهما ضرب معاوية على إليته وهو راكع ، وأمّا الآخر فإنّه قتل خارجة بن أبي حنيفة العامري وهو يظنّ أنّه عمرو ، وكان قد استخلفه لعلّة وجدها. (3)
    وممّا رثي به عليه السلام قول سيّدنا ومولانا الحسن السبط التابع لمرضاة
1 ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : علماً.
2 ـ مناقب ابن شهراشوب : 2 / 347 ، عنه مدينة المعاجز : 3 / 68 ح 731.
3 ـ إرشاد المفيد : 18 وفيه : خارجة بن أي حبيبة العامري ، مناقب ابن شهراشوب : 3 / 313.


(497)
الله صلوات الله عليه :
أين من كـان لعلم أين مـن كـان إذا أين من كان إذا نو أين من كـان دعا المصطفى في الناس بابا ما أقحـط الـناس سحابا دي فـي الحـرب أجابا ه مستـجابـاً ومجـابـا (1)
    وسمع هاتف من الجنّ يقول :
يا من يؤمّ إلى المدينـة قـاصـداً قتلت شرار بـني اُميّـة سيــّداً ربّ الفضائل في السماء وأرضها بكت المشاعر والمساجـد بـعدما أدّ الرسالة غير ما متـوان خير البريّة ماجداً ذا شـان سيف النـبي وهادم الأوثان بكت الأنـام لـه بكلّ مكان
    صعصعة بن صوحان :
إلى من لي باُنسـك يا اُخيّا طوتك خطوب دهر قد تولّى فلو نشرت قواك إلى المنايا بكيتك يا عليّ بدمع (2) عيني كفى حزناً بدفنك ثمّ إنّي وكانت في حياتك لي عظات فيا أسفي عليك وطول شوقي ومن لتي أن أبثّـك مـالديّا كذاك خطوبـه نشـراً وطيّا شكوت إلـيك ما صنعت إليّا فلم يغن البكاء علـيك شـيّا نفضت تراب قبرك من يديّا وأنت الـيوم أوعظ منك حيّا إليك لـو أنّ ذلـك ردّ شـيّا

1 ـ مناقب ابن شهراشوب : 3 / 313.
2 ـ في المناقب : لدرّ.


(498)
    وله أيضاً :
هل خبّر القبر سائليـه أم هل تراه أحاط علماً لو علم القبر من يواري يا موت ماذا أردت منّي يا موت لو تقبل افتداء دهر رماني بفقد الـفي أم قرّ عيناً بزائريه ؟ بالجسد المستكن فيه ؟ تاه على كلّ من يليه حقّقت ما كنت أتّقيه لكنت بالروح أفتديه أذمّ دهري وأشتكيه (1)
    عن ابن عبّاس رضي الله عنه : لقد قتل أمير المؤمنين عليه السلام على أرض الكوفة فأمطرت السماء ثلاثة أيّام دماً.
    أبو حمزة ، عن الصادق عليه السلام أنّه لمّا قبض أمير المؤمنين عليه السلام لم يرفع من وجه الأرض حجر الا وجد تحته دم عبيط.
    وفي أخبار الطالبيّين أنّ الروم أسروا قوماً من المسلمين فاُتي بهم الملك فعرض عليهم الكفر ، فأبوا ، فأمر بإلقائهم في الزيت المغليّ ، وأطلق منهم رجلاً يخبر بحالهم ، فبينا هو يسير إذ سمع وقع حوافر الخيل ، فوقف فنظر إلى أصحابه الذين اُلقوا في الزيت ، فقال لهم في ذلك ، فقالوا : قد كان ذلك ، فنادى مناد من السماء في شهداء البرّ والبحر انّ عليّ بن أبي طالب قد استشهد في هذه الليلة ، فصلّوا عليه ، فصلّينا عليه ونحن راجعون إلى مصارعنا.
    أبو ذرعة الرازي ، عن منصور بن عمّار أنّه سئل عن أعجب ما رآه ، قال : ترى هذه الصخرة في وسط البحر ، يخرج من هذا البحر طائر في كلّ يوم مثل
1 ـ مناقب ابن شهراشوب : 3 / 314 ـ 315.

(499)
النعامة فيقع عليها ، فإذا استوى واقفاً تقيّأ رأساً ، ثم تقيّأ يداً ، وهكذا عضواً عضواً ، ثمّ تلتئم الأعضاء بعضها إلى بعض حتى يستوي إنساناً قاعداً ، ثمّ يهمّ بالقيام ، فإذا همّ للقيام نقره نقرةً فيأخذ رأسه ، ثمّ يأخذ عضواً عضواً كما قاءه ، فلمّا طال عليَّ ذلك ناديته يوماً : ويلك من أنت ؟
    فالتفت إليّ ذليلاً وقال : أنا ابن ملجم قاتل أمير المؤمنين عليه السلام ، وكّل الله بي هذا الطائر فهو يعذّبني إلى يوم القيامة. (1)
    وسأل أبو مسكان الصادق عليه السلام عن القائم المائل في طريق الغريّ. فقال : نعم ، إنّهم لمّا جاءوا بسرير أمير المؤمنين عليه السالم انحنى أسفاً وحزناً على أمير المؤمنين صلوات الله عليه. (2)
    وممّا رثاه به أبو الأسود الدؤلي رضي الله عنه :
ألا يا عين ويحك فاسـعدينا رزئنا خير من ركب المطايا ومن لبس النعال ومن حذاها إذا استقبلت وجه أبي حسين يقيم الحدّ لا يـرتـاب فـيه ألا أبلغ معاويـة بـن حرب ألا فابكي أمير المـؤمـنيـنا وأفضلها (3) ومن ركب السفينا ومن قرأ المثـانـي والمـبينا (4) رأيت البدر راق الناظـرينـا ويقضي بالسرائـر (5) مستبينا فلا قرّت عيـون الشـامتيـنا

1 ـ مناقب ابن شهراشوب : 2 / 346 ـ 347 ، عنه البحار : 42 / 308 ـ 309 ح 9.
2 ـ مناقب ابن شهراشوب : 2 / 348.
3 ـ في المناقب : وحثحثها ، وفي الديوان : وخَيّسها ، وفي الأعيان : وفارسها. وحثحثها : أي أسرعها.
4 ـ في الديوان والأعيان : والمئينا.
5 ـ في المناقب : بالفرائض.


(500)
أفي شهر الصيام فجـعتمـونا ومن بعد النبـيّ فخير نفـس كأنّ الـناس إذ فقـدوا علـيّاً وكنّا قـبل مهـلكة بخـيـر فلا والله لا أنسـى عـليّاً لقد علمت قريش حيث كانت فلا تشمت معاوية بن حرب بخير النـاس طرّاً أجمعينا أبو حسـن وخير الصالحينا نعام جـال فـي بلـد سنينا نـرى فينا وصيّ المسلمينا وحسن صلاته في الراكعينا بأنّك خيرها نسباً (1) ودينـا فإنّ بقيّة الـخلفـاء فيـنا (2)
    ولمّا قال عمران بن حِطّان الخارجي لعنة الله عليه في ابن ملجم :
يا ضربة من تقيّ ما أراد بها إنّي لأذكره حينـاً فأحسـبه إلاّ ليدرك من ذي العرش رضوانا أوفـى البريّة عند الـله مـيزانا (3)
    أجابه بكر (4) بن حمّاد التاهرتي معارضاً له :
قل لابـن ملجم والأقدار غالبة قتلتَ أفضل من يمشي على قدم واعلم النـاس بالـقرآن ثمّ بما هدّمتَ ويلك للإسـلام أركانا وأوّل الناس إسلامـاً وإيماناً سنّ الرسول لنا شرعاً وتبيانا

1 ـ في المناقب : خيرهم حسباً.
2 ـ مناقب ابن شهراشوب : 3 / 315 ، ديوان أبي الأسود الدوؤلي : 71 رقم 45 ، أعيان الشيعة : 7 / 403.
    وقد اختلف في نسبة هذه القصيدة وفي عدد أبياتها ؛ فقد نسب في الاستيعاب وكفاية الطالب لاُمّ الهيثم بنت العريان النخعيّة ، ونسبت في الكامل في التاريخ لاُمّ العريان ، ونسبت في الأغاني وإنباه الرواة وتاريخ الطبري للدؤلي.
3 ـ الفَرق بين الفِرق : 72 ، الغدير : 1 / 324.
4 ـ كذا في الأصل والاصابة : 3 / 179 ، وفي الاستيعاب : 2 / 472 : أبو بكر ، وفي الغدير : 1 / 326 : بكر بن حسّان الباهلي.


(501)
صهر الرسول ومـولاه (1) وناصره وكان منه على رغم الحـسود لـه وكان في الحرب سيفاً صارماً ذكراً ذكرتُ قـاتـله والـدمـع منـحدر إنّي لأحـسبه مـا كـان مـن بشرٍ اشقى مــراد إذا عدّت قبـائلـها كعاقـر الـناقة الاولى التي جلبت قد كان يخبرهم أن سوف يخضبها فلا عـفا الله عـنه مـا تحـمّله لقوله فـي شقـيٍّ ظـلّ مجـترماً يا ضربـة مـن تقـيّ ما أراد بها بل ضربة من غويّ أورثـته لظى كأنّه لـم يـرد قـصداً بضـربته أضحت مـناقبـه نـوراً وبرهانا مكان هارون من موسى بن عمرانا ليثاً إذا ما لـقى الأقـران أقـرانا فقلت سبحـان ربّ الـناس سبحانا يخشى المعـاد ولكـن كان شيطانا وأخسر الناس عند الـله مــيزانا على ثمود بأرض الحجر خـسرانا قبل المـنيـّة أزماناً فـأزمـانـا ولا سقـى قبر عمـران بن حِطّانا ونال ما ناله ظـلـماً وعـدوانـا إلاّ ليبلغ من ذي الـعرش رضوانا وسوف يلقى بها الرحمن غـضبانا إلاّ ليصلى عذاب الخلـد نيـرانـا (2)
    قلت : يا من حبّه أعظم وسائلي إلى ربّي في حشري ، ويا من ذكره أطيب ما يخطر بقلبي ويمرّ بفكري ، ويا من ولاه رأس إيماني واعتقادي ، ويا من مدحه راحة روحي وأقصى مرادي ، مصابك جدّد أحزاني ، وهيّج أشجاني ، وقرّح مقلتي ، وأجرى عبرتي ، وأسهر ناظري ، وأظهر سرائري ، كلّما أردت أن اُكفكف دموعي ذكت نيران الأسى في ضلوعي ، وكيف لا اُذيب فؤادي بنار حسراتي ، واُصاعده دماً من شؤوني بتصاعد زفراتي ، وأشقّ لمصابك فؤادي لا
1 ـ في الغدير : صهر النبيّ ومولانا.
2 ـ الغدير : 1 / 326 ـ 327.


(502)
قميص حزني ، واُحرّم رقادي لوفاتك على قريح جفني ، وحبّك جُنّتي وجَنّتي في دنياي وآخرتي ، وولاؤك معاذي وملاذي يوم حشري وفاقتي ؟
    كتبت أحرف خالص اعتقادي في حبّك على صفحات سرائري ، وظهرت آثار محض ودادي لمجدك على وجهات بواطني وظواهري ، عمّر الله لحبّك في قلبي منزلاً شامخاً ، وثبّت بي في طريق شكوكي إلى عرفانك قدماً راسخاً ، لمّا شرّفني ربّي باتّباعك ، وأكرمني بولائك ، ونزّهني عن دنس الشكّ في أمرك ، وأطلعني على جلال مجدك وفخرك ، وأعلمني أنّ أفضل الأعمال حبّك ، وأقرب القربى إلى الرسول قربك.
    وقفت خالص ودّي على باب جلالك ، ووجّهت شكري إلى كعبة إفضالك ، لا اُريد بعد الله ورسوله منك بدلاً ، ولا أبغي عن اتّباع سبيلك حولاً ، بل طوّقت بطوق العبوديّة عنقي ، ووسمت بميسم الرقية لجنابك حسّي ومفرقي ، راجياً أن يثبتني في جرائد أرقّائك عبداً حبشيّاً ، وإن كنت علويّاً قرشيّاً.
    نزّهك الله عن الدنيا الفانية ، واختار لك الدار الباقية ، وابتلى عباده بولائك ، وأخبرهم باتّباعك ، فمن اتّبع سبيلك فقد اتّبع سبيل المؤمنين ، وانتظم في سلك المخلصين ، وٍأسلم لربّ العالمين ، واستمسك بحبله المتين ، ومن تولّى عن أمرك وخفض المرفوع من قدرك ، ولم يفق واضح أمرك ، وكذّب بعلانيتك وسرّك ، وغشى بصره عن نور عدلك ، وقدّم عليك من لا يعادل عند الله شسع نعلك ، وسمّى الكاذب صدّيقاً ، والجاهل فاروقاً ، فقد ألحد في دين الله ، وكذّب ببيّنات الله ، وصار اسمه في صحائف التحقيق مذؤوماً مدحوراً ، وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له جهنّم وساءت مصيراً ، وخرج من عبادة الله إلى عبادة


(503)
الشيطان ، واتّبع ما تتلو الشياطين على ملك سليمان (1).
    أنت نور الحقّ ، ومحنة الخلق ، والسبب المتّصل بين الله وعباده ، والنهج الموصل لسالكه إلى سبيل رشاده ، لمّا أعلى الله على كلّ شأن شأنك ، ورفع على كلّ بنيان بنيانك ، وتوّجك بتاج العلم ، وحلّاك بحلية الحلم ، فصارت نفسك أشرف النفوس الإنسيّة ، وروحك أطهر الأرواح القدسيّة ، وقلبك مشكاة الأنوار الإلهيّة ، وذاتك مظهر الأسرار الربّانيّة ، وقرن طاعتك بطاعته ، ومعصيتك بمعصيته ، يدخل الجنّة من أطاعك وإن عصاه ، ويدخل النار من أبغضك وإن والاه.
    وأمر رسوله أن يوردك في الغدير من زلال الاختصاص كأساً رويّاً ، وأن يرفع لك بآية التطهير في سماء الاخلاص كاناً عليّاً ، وأن يكمل الاسلام بعد نقصه بولايتك ، وأن يتمّ الايمان بصريح نصّه على خلافتك ، فقام صلّى الله عليه وآله آخذاً ميثاقك على الأسود والأحمر ، موجباً ولاءك على كلّ من أخلص بالوحدانيّة لربّه وأقرّ ، وأخلصك بالاصطفاء ، وخصّك بسيّدة النساء ، وأعلمنا أنّ الله سبحانه تولّى عقدة نكاحها بشريف إرادته ، وأشهد على ذلك مقرّبي ملائكته ، وقرن حبّه بحبّك ، وجعل ذرّيّته من صلبك.
    فشمخت لذلك معاطس أقوام حسداً وكفراً ، وأضمروا في حياة نبيّهم لجلال رفعتك حقداً وغدراً ، حتى إذا نقل الله نبيّه إلى جواره ، واختصّه بدار قراره ، أظهروا ما كمن من نفاقهم ، وأشهروا ما بطن من شقاقهم ، واتّخذوا عجلاً كقوم موسى ، وفارقوا الحقّ كاُمّة عيسى ، وبالغوا في إخفاء دين الله بآرائهم ،
1 ـ اقتباس من سورة البقرة : 102.

(504)
وراموا إطفاء نور الله بأفواههم ، وخالفوا الرسول بما أكّد عليهم بوصيّته ، وقطعوا الموصول ممّا أمر الله بصلته من عترته ، واتّخذوا الولائج من دون الله ورسوله ، وأجهدوا جهدهم في تحرف كتاب ربّهم وتبديله ، وعبدوا الطاغوت وقد اُمروا أن يكفروا به ، وصدّقوا من اتّفق النقل والعقل على تكذيبه ، وأقاموا مقام الرسول صلّى الله عليه وآله شيطاناً مريداً ، وجبّاراً عنيداً ، وجهولاً ظلوماً ، وعتلّاً زنيماً ، وأكفأوا الاسلام ، وعبّروا الأحكام ، وحرّفوا الكتاب بأهوائهم ، وأوّلوا القرآن بآرائهم ، فلم يبق من الملّة الحنيفيّة إلا رسمها ، ولا من الشريعة النبويّة إلا اسمها.
    ثمّ لم يقنعوا باغتصاب تراثك ، وانتهاب ميراثك ، حتى نصبوا لك غوائلهم ، ودفنوا لاخترامك حبائلهم ، وجرّدوا عليك مناصلهم وعواملهم ، وفوّقوا نحوك سهامهم ومعابلهم ، ولم يتركوا عهداً فيك إلا نكثوه ، ولا وعداً إلا أخلفوه ، وعدلوا بك من لا يمتّ بنسبك ، ولا يتّصل بسببك.
    ثمّ أظهروا ما أخفوا من النفاق في عهد نبيّهم ، وأبدوا ما أضمروا من العناد بحقدهم وبغيهم ، وجعلوا خلافة الله ملكاً عضوضاً ، وما عاهدوا الرسول عليه عهداً منقوضاً ، وتواصوا بظلمك وهضمك ، وتعاهدوا على إخفاء فضلك وعلمك ، وموّهوا على الاُمّة المفتونة بزورهم ، وشبّهوا عليها بغرورهم ، وأغرّوا سفهاءها بسبّك ، وحملوا طلقاءها على حربك ، حتى اغتالوك في حال توجّهك إلى معبودك ، وقتلوك حين ركوعك وسجودك ، وهدموا دين الاسلام بهدم بنيتك ، وفرّقوا كلمة الايمان بفرق هامتك ، وغاوروك في محرابك طريحاً ، وبين أصحابك طليحاً.
    قد صدقت ما عاهدت الله عليه ، ووفيت بما ندبك سبحانه إليه ، ففزت


(505)
بالشهادة التي فضّلك بها ، واصطفاك بفضلها ، وفكنت لوقتها منتظراً ، وبوصفها مشتهراً ، بما أعلمك به الصادق الأمين ، ومن هو على الغيب ليس بضنين (1) ، بقوله صلّى الله عليه وآله : لتخضبنّ هذه من هذا (2) ، وبقوله صلّى الله عليه وآله كأنّي وأنت قائم تصلّي لربّك وقد انبعث أشقى الأوّلين والآخرين فضربك على هامتك ضربة خضب منها لحيتك (3) ، وقال سبحانه في شأنك ، ومن أصدق من الله قيلاً : ( رجالٌ صَدَقُوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلاً ) (4).
    فلأنفذنّ لمصابك ماء شؤوني ، ولأحرمنّ لذيذ الكرى على عيوني ، ولأستنفذنّ العمر في مدائحك ومراثيك ، ولأبكينّ الدهر على ما حلّ بك وبنيك ، ولاُذيبنّ بنار حزني فؤادي ، ولأصعدنّه دماً من مقلتي بطول سهادي ، ولأندبنّك آناء ليلي ونهاري ، ولأجعلنّ الحزن بمهجتي ألفاً ، والبكاء على مقلتي وقفاً ، ولاُوجّهنّ إلى غاصبي حقّك مطايا لعني وهضمي ، ولأقرعنّ هامات مكذّبي صدقك بمقامع نثري ونظمي ، ولاُبيّنّن ما دلّسوا بغرورهم ، ولاُظهرنّ ما أخفوا من باطلهم وزورهم ، معتقداً ذلك من أعظم الوسائل إلى ربّي في حشري ، وأكمل الفضائل يوم بعثتي من قبري.
    فمن جملة ذلك قصيدة تحلّي الطروس بجواهر مصارعها ، وتسرّ النفوس بتواصل مقاطعها ، نظمتها قبل ابتدائي بتأليف كتاب ، والله الموفّق للصواب :
1 ـ اقتباس من سورة التكوير : 24.
2 ـ انظر : الأحاديث الغيبيّة : 1 / 48 ح 19 وص 49 ح 20 وص 51 ح 22.
3 ـ انظر : الأحاديث الغيبّة : 1 / 53 ح 23.
4 ـ سورة الأحزاب : 23.


(506)
صرف الردى بفنـي الزمان موكل وهُم لأسـهم فتـكه غـرض فليس في حكمةٍ بـقضائه فـي أخـذهم كم غادرت غَـدراتـه مــن قاهرٍ عفت العواصف قـبره بهـبوبهـا أين الملوك بنـو الملـوك ومن هم لعب الزمان بهـم فعمّا قـد جرى بليت محاسنهـم وشـتّت شمـلهم واستبدلوا بطن الثرى من ظهرها يا من حيث مدامعي مـن أجلـهم عنّي خذوا خبـر الصبابة انـّني سقـمي لدعـواي المحبّة معـجز يا مـن حقـيقة محنتي في حبّهم ما ان ضـمـمت إلى زلال لقاكم كلا ولا عـنّي تـأخّـر وصلكم فلأندبنّ بحرقـةٍ مـن لـوعتي بالخيف خفت منيـّتي إذ لم أنل وبجمع أجمعتم قـطيـعة صبّكم ورميـتم قلـبي بجمـرة لوعةٍ فلأصـرفنّ مـودّتي عنكم إلى قـوم هـم اما ولـيّك عـادل ولهم بأسـيـفا المـنيـّة تـقتل لهم سبـيـل عـنه أن يتـحوّلوا بالموت جـمعاً لا يجـور ويعدل في الترب مـقهوراً تطأه الأرجل وعلى ثراه الـسائمات تهـرول كانوا إذا ركبوا يـذوب الجـندل في حقّهم من صرفـه لا تـسألوا وخلت مجالسهم وأفـنى الـمنزل واروعتا بحشاي مـمّا استـبدلوا في صحن خـدّي مطلق ومسلسل ما بين أربـاب الـغرام مــعدل إذ دمع عيني مذ نـأيتـم مـرسل منـها سقـامـي مجـمل ومفصّل إلاّ ولي مـن فيـض دمعي منهل إلاّ وهيّـجنـي غـرام مقـــبل رضـوى يـذوب لهـا ويـذبـل بمنى المنى منكم فـخطـبي مشكل فـغدا جـمالـكم يخـد ويـزمـل بشُواظها مـنّي اُصـيـب المقـتل قـوم لـهم فـي المـجد باع أطول أو عـالـم أو حـاكـم أو مـرسل


(507)
أو عـــابـد أو حـامـد أو زاهـد أو فائز يـوم الـغـديـر بـرتـبـة مولى إليـه فـي الـحساب حـسابـنا وإذا بنـو الـدنـيا تـوالـت مثـلهـا فـرض الإلـه عــلى الأنـام ولاءهُ إن كنتَ مـرتابـاً فـسـل عـن إنّما (1) كـتف النـبيّ لأخـمصيـك مـواطئ يــا أوّل الأقـوام إيـمـانـاً بـمـا يا آخـراً عـهـداً بـه لمـّا قـضـى مـا رمـتُ نـظـمـاً فيـك إلا زانه وإذا مـديـح سـواك رامـت فكـرتي وإذا طـغى ريب الـزمـان بـعسـره أعمـالنـا منـقوصـة مـقـصـورة مديـحك ألـبسـنـي ملابـس رفعـة كــم مـنـبـر شـرّفـته بـمدائـح وخـطـابـة رصّـعتـها بـجـواهـر تـعـنوا وجـوه اُولي التـقـى لجلالها مـاطال مـجـد بالمـكـارم والـتـقى رقمت حروف علاك في الصحف الاولى أو مـاجـد أو عـاضد أو مفضل بعلوّها خـضع السمـاك الأعزلُ وعلـيه فـي ذاك المـقام نـعوّل فإليه من دون الـخـلائق نعـدلُ فرضـاً بـه نـزل الكتاب المنزل فهي الدليل لـمن يصـحّ ويعـقل فلذاك خـدّ سـواك حـقّاً أسفـل أوحى الإله لابن عمـّك مـن عل حزت الـعلى أنت الأخـير الأوّل سحراً يـزيـّن مقـولي ويجمـّل سمح القريض له وكـلّ المقـول فدعائي باسمك للعسـر يسهــّل إن لم يصحـّحها ولاك ويـكمـّل لعلوّهـا فـوق الـمجـرّة أرفـل في وصف مجدك فضلها لا يجهل هام الثناء بهـا عـليـك يكـلّـل وذوو الشقاء حسـداً بها يتضاءلوا إلاّ ومـجد عـلاك مـنه أطـول مفروضـة إذ مـا سواهـا مهمل

1 ـ أي قوله تعالى في سورة المائدة : 55 : ( إنّما وليّكمُ اللهُ ورسوله والذينَ آمنوا الذين يقيمونَ الصلاةَ ويؤتونَ الزكاةَ وهم راكعونَ ).

(508)
سـل عنـه بـدراً والوليد وعتـبة قـدّ ابـن ميـشا فانثنى وحسـامه وقـموص خيبر مذ اُبيـد غدت لها وبنو قريظة لـم يزل ربّ الـعلى أعمالنا فـي حـشرنا وصـلاتـنا علـقت يدي منـه بأوثـق عـروة يا مـن يقيس يـبه سـواه سفاهة تربت يداك فضلّ سعيك فـي الورى من تـيم مـن أعلامها مـا فضلها بل ما الأكاسـرة العـظـام ومـا فيـه بـنوح والـخليـل وبالكليم يا زائـراً جـدث الوصيّ معظماً ويرى الخضوع لديه خير وسيلة قف خاشعاً والثـم ثـراه ففضله واعدد قيامك في صـعيد مـقامه وجميع ما تأتي بـه من طـاعةٍ وأبـلغه عنّـي بالـسلام تحيـّة ومدائحاً في غير وصـف كمـاله وإليه أيدي بالـخطـاب ألوكـه من بعد ما نأتي بـه مـن طاعةٍ تنـبيك عـن نـدب يـقول ويفعل بدمـائـه متـوشّـح متـسـربل قمـص الـمذلّة والإهـانـة تشمل بيديـك يـا مـولى الأنـام يزلزلُ بسـوى ولائـك ربـّنا لا يـقـبل يفنـى الزمـان وحـبلها لا يفصلُ مـا أنـت إلا أعـفـك (1) لا يعقل أيقاس بـالـدرّ الثـميـن الجـندلُ ما مجدها مـن حبـترٍ مـن نـعثل القياصرة الكرام ومن يجـور ويعدل وبابن مريـم وهـو مـنهـم أفضل ولـه على البـيت الحـرام يفـضل بثـوابـهـا يـتوسّـل المـتوسـّل وكمـالـه مـن كـلّ فضـل أكـمل سبـباً إلى رضـوان ربّك يـوصـل جـزمــاً بغـير ولائـه لا يـقبـل هي خـير مـا يـهـدى إليه ويرسل ترصيعـها وبديـعـها لا يـجـمـل عن صدق إخلاصي رواهـا الـمقول بـأدائـها يـتـنـفّل الـمتـنـفـّل

1 ـ الأعفك : الأحمق.

(509)
وإذا فــرض أو إقـامـة سـنـّة قف ثمّ قـل يـا خيـر مـن لولائه ومعـارج الـدعوات حول ضريحه تركـوك يـا طود الـعلوم وقدّمـوا وبنوا قواعد ديـنهم سفهاً على جرفٍ وتراث أحـمد منـك حـازوه ومـا وعلـى عبادة عجلهم عكفوا وأضـ ولزوجك الـزهـراء عـن ميراثها وعليك من بعـد النـبيّ تحـزّبت وغدا براكبة البـعيـر بعـيرهـا وأتت مـن البلد الـحرام بفـتنـةٍ لم أنسهـا وجمـوعـها من حولها حتى إذا شرفت بعـصبـة بغـيها أبدت خضوعاً واسـتـقالت عثرة ثمّ انثنت نـحو ابن هـند والحشا جعلت دم الـمقـتول حقـّاً شبهة ما تيـم مـرّة مـن اُميّة فانكصي أغراك غلّ فـي فـؤادك كـامنٌ لم تجر بعد المصطفى من فـتنةٍ فلذاك رأس القاسطـين ورهطـه والمارقون عن الهـدى والسابقون منك احتدوا وبك اقتدوا في ضيمهم أو زورة منـهـا الـنجاة تـؤمّل في مهجـتي دون الخـلائق منزل وعلـيه أمـلاك السـماء تـنزل رجسـاً بحبـّة خردل لا يـعـدل فتاهـوا فـي الـضلال وضلّـلوا استحيوا وللقـرآن جهـلاً أوّلـوا ـحى السـامريّ بهم إليه يـعدلوا حجبوا وحـكم الـله فيـها بـدّلوا أحزابهم وأتـوا لحربك يـرفلـوا للكفر والإلـحاد منـهـا يحـمـل لبّ اللـبـيب لها يحـير ويذهـل لضبا الـعوامـل والـمناصل مأكل ورأت بنيها حولـهـا قـد قـتـّلوا ما أن يـقال ومـثلـها لا يـحـمل منـها بـه لـلحـقد نـار تـشعـل منـها بـدار أخ الـرسـول تؤمـّل فالبغي يصـرع طـالبـيه ويـخذل يغـــلي مـراجـلـه وحـقد أوّل إلاّ وبغــيك وردهـا والـمنـهـل بك في الضلال تـتابعوا وتـوغّـلوا إلى الـردى وبنـهروان جـدّلــوا وعلى اجتهادك في خـروجـك عوّلوا


(510)
أغواهم الشـيطـان حـتى أكفروا وعدوا عـليه مـصلّياً متـهجّـداً كفــروا بأنعم ربـّهم ونـبيّـهم بكـت السـماوات العلى لمصابه أذكت رزيّـته بقـلـبي لـوعـة وعلى عيوني حرّمت طيب الكرى صلّى عليـك الـله يا مـن ديننا وعـلى الذيـن تـقـدّمـوك وفا لعناً وبيلاً ليـس يحـصـى عدّه ما ارتاح ذو شجن ينـشر صارماً بحر الـعلـوم وخـطّأوه وجهــّلوا بتـخـشـّع وتـضـرّع يـتبـتّل ووليّهـم إذ ضيّـعـوا مـا حمـلوا بدم عـبـيـط لا بـدمـع يـهـمل حتى الـمـمـات رسيسـها يتجلجل فلذا بفيـض نجـيـعها لا تـبخـل حــقـّاً بغـير ولائـه لا يـقبـل رقوا دين الهدى ووكيد عهدك أهملوا حتـى القـيامة وصله لا يفـصـل عصفت جـنوب واستـمرّت شمائل
تسلية المُجالس وزينة المَجالس الجزء الأول ::: فهرس