تسلية المُجالس وزينة المَجالس الجزء الأول ::: 511 ـ 525
(511)
    نبدأ من ذلك بخطبة في ذكر شيء من مناقبها وتزويجها بأمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه ، قلتها بإذن الله وخطبت في مشهد ولدها السبط التابع لمرضاة الله أبي عبد الله الحسين عليه السلام يوم السادس من ذي الحجّة الحرام ، وهي هذه :
    الحمد لله الذي أعلا بعليّ أمره كلمة رسوله ونبيّه وانمى له في سماء المجد قدراً ، وأوضح أحكام شريعته بوصيّه في اُمّته وشدّ به منه عضداً وأزراً ، ونصب أعلام ملّته بشدّة عزمته وجعله نسباً وصهراً.
    وأمر نبيّه أن يورده من غدير الشرف في الغدير ورداً وصدراً ، وأن يخاطبا لجمّ الغفير بفرض ولايته علانية وسرّاً ، وأن يرفع له بالرئاسة العامّة إلى حين حلول الطامّة الكبرى قدراً ، لمّا زوّجه الجليل سبحانه بالبتولة الزهراء والإنسيّة الحوراء جعل سبحانه نثار طوبى لشهود العرس نثراً ، وتولّى سبحانه عقدة نكاحها بلسان العناية الإلهيّة ، وخاطب نبيّه ببيان الإرادة الإلهيّة الأزليّة : إنّي قد زوّجت نوري من نوري فأعظم بذلك فخراً.
    يا له نكاحاً وليّه الملك الجليل ، وعقد شاهداه جبرائيل وميكائيل ، وجمعا (1) خطبته على منبر الكرامة راجيل ، قد جعل الله نثار قاصرات الطرف فيه
1 ـ كذا في الأصل.

(512)
ياقوتاً ودرّاً ، يتفاخرن به في قصور دار المقامة ، ويتهادينه في منازل السرور إلى يوم القيامة ، تلك أرواح سالكي طريق الحقّ من أهل الامامة ، قد جعل الله لهنّ حسن إخلاص المخلصين بالايمان ... (1) مهر الولاء وجود عين الوجود في الكربين ، أعني صاحب بدر واُحد وحنين ، لم يكن للزهراء كفو ما بين المشرقين والمغربين ، فلهذا أحدث الله لهما في صحائف التطهير والتقديس أمراً.
    بحران التقيا بتدبير العليّ العظيم ، وبدران اقترنا بتقدير العزيز العليم ، ونوران اجتمعا بمشيئة المدبّر الحكيم ، قد كفّر الله بولائهما سيّئات أوليائهما وأعظم لهم أجراً ، يخرج من صدف بحريهما اللؤلؤ والمرجان ، ويشرق بزاهر نوريهما الملوان (2) والخافقان ، ويهتدي بعلم علمهما الثقلان من الإنس والجانّ ، ويجعل الله بذرّيتهما لدين الحقّ بعد الطيّ نشراً ، اُمناء الحقّ من نجلهما ، وهداة الخلق من نسلهما ، ودعاة الصدق من الهماهم غيوث وليوث في قرى ، وقراع فهم اُسد الشرى ، سادة الخلق والورى ، فعليهم أهل بيت ومقام وصفا ، ومناجاة بصدق صفا ، من لهم بالمجد حقّاً وصفا ، نال من ذي العرش صلوات الله تتراً ، توقيراً وبرّاً.
    نحمد ربّنا على ما اختصّنا به من عرفان حقّهم ، ونكشره إذ جعلنا من الموقنين بفضلهم وصدقهم ، ووفّقنا في حلبة الفخر للاقرار بتقديمهم وسبقهم ، وخلص ابريز خالص معتقدنا لحبّهم سرّاً وجهراً.
    ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة تدحض عن قائلها ذنباً ووزراً ، وترمض من منكرها سحراً وبحراً.
1 ـ الظاهر سقط من الأصل هنا بمقدار صفحة واحدة.
2 ـ كذا في الأصل.


(513)
    ونشهد أنّ محمداً عبده ورسوله الذي أطلعه الله على أسرار ملكوته ليلة الاسراء ، وشرّفه حضرة جبروته على الخلق طرّاً.
    صلّى الله عليه صلاة عرفها كالمسك عطراً ، ونشرها كالروض نشراً ، وعلى آلها الّذين من استمسك بحبل ولائهم فاز من الله بالبشرى ، وحاز السعادة الكبرى في الدنيا والاُخرى ، ما أظهر النهار بنور صباه من الليل فجراً ، وهزم بمسلول صارم حسامه صباحه جنود الحنادس فلم يبق منها عينا ولا أثراً.
    يا أيّها الّذين آمنوا هل أدلّكم على تجارةٍ تنجيكم من عذاب أليم (1) وسعادة باقية ببقاء الرب الرحيم ، وجنّات لكم فيها نعيم مقيم خالدين فيها أبداً إنّ الله عنده أجر عظيم (2) ، أن تسلكوا سبيل وليّ الله في برّه وبحره ، والداعي إلى الله على بصيرةٍ من أمره ، والمخلص بطاعته لربّه في برّه وبحره ، والداعي إلى الله على بصيرةٍ من أمره ، والمخلص بطاعته لربّه في سرّه وجهره ، وعيبة علمه ، وموضع سرّه ، ووجهه الواضح في خلقه ، ولسانه الناطق بحقّه ، ويده الباسطة في بلاده ، وعينه الباصرة في عباده.
    صاحب الخندق وبدر ، وقاتل الوليد وعمرو ، الذي دكّ الله بيده حصن القموص ، واختصّه بأشرف النصوص على الخصوص.
    بحر العلم ، طود الحلم ، وينبوع الكرم ، ومعدن الحكم.
    أفصح الخلق لساناً ، وأوضحهم بياناً ، وأكرمهم بناناً ، وأعلاهم في الشرف تبياناً.
    السائق الصادق ، والصادع الناطق ، والفاتح الخاتم ، والمتصدّق في
1 ـ إقتباس من سورة الصف : 10.
2 ـ إقتباس من سورة التوبة : 21 و 22.


(514)
ركوعه بالخاتم.
    نفسه نفس الرسول ، وعرسه الطاهرة البتول ، سيّدة نساء الاُمّة ، واُمّ السادة الأئمّة ، وابنة شفيع المحشر ، وحليلة ساقي الكوثر ، الخاشعة الزاهدة ، الراكعة الساجدة ، الصائمة القائمة ، العاملة العالمة ، السالكة الناسكة ، العفيفة الشريفة ، المتهجّدة المتعبّدة ، البتولة الطاهرة ، سيّدة نساء الدنيا والآخرة ، اُمّ الحسنين ، وابنة شفيع الكونين ، وحليلة إمام الثقلين.
    تخجل الشمس حياءً منها إن أسفرت ، وتبتهج الأرض سروراً إن عليها خطرت ، شجرة دوحة النبوّة ، ودرّة صدفة الفتوّة ، نور من نور خلقت ، وشمس من شمس أشرقت ، فضلها لا يخفى ، ونورها لا يطفى ، لمّا كان والدها لقلادة النبوّة واسطة ، كلّمه الجليل سبحانه ليلة الاسراء بلا واسطة ، وجعل بعلها له وصيّاً ووليّاً ، وبأعباء رسالته حفيّاً مليّاً ، وتولّى سبحانه عقدة نكاحها في حضيرة القدس ، وجعل جبرائيل وميكائيل من جملة خدمها ليلة العرس :
بنت خيـر الـخلق طرّاً من بها الله بصنو المصـ عالم الاُمـّة والهـادي لها ولا سـما الخـلق مـجداً وبـاُحـدٍ شــدّ مـنه ا وببـدر أطلـع الـحـقّ هـازم الأحـزاب والقاتل سـل بـه خــيبـركـم ناصب الرايـة لمّـا كـعّ وأجلّ الخـلق قـدرا ـطفى أصفى وبـرّا بـرّاً وبـــحـرا نسـباً كـان وصهرا لله لـلمخـتـار أزرا به للـحــقّ بـدرا ذاك اليـوم عـمـرا هدّ بها ركناً وقصـرا مَـن كــَعّ وفــرّا


(515)
في حنـين نـصـر الـله رفع اللـه له فـي الـدوح كان بالـزهـراء مـن كلّ لم يكن كفـواً لـها لـولاه جعل الـله لهـا خـمـس طهرت مـع نجـلها مـن ذكرها يـوم الكـساء فـي بـعلـها قامـع هـامـات قاصم الأصلاب والـقاسـم وامرح فكـري مـدحاً في فرأيت اللــه قد أعلى له هـل أتـى (1) فيـه وفي آثـروا بالـقـوت لمّـا عبد الخـالق لـمّا عـبد هـبـلاً ثـمّ يـغــوث مذ بني بالبضعة الزهراء شرفـاً مـنه لـها قــد عرفه من يثرب في مـكّةٍ به الاسـلام نـصـرا بـالإمــرة أمـــرا عــباد الـله أحـرى بـيـن الـناس يـدري جمـيع الأرض مهـرا سائر الأرجـاس طهرا الذكـر يتـلى مستمرّا جنود الشـرك قـهـرا للأسـلاب قـســرا وصفه نـظمـاً ونثرا فـي الـذكـر ذكـرا زوجته وابنيـه تـقرا أن وفوا عـهداً ونذرا الأقـوام جـهــرا وسواعــاً ثم نسرا أهدى الـله عطـرا فاق في الآفـاق ذكرا يـنفـح نـشــرا
    روي عن الأصبغ بن نباتة بإسناد متّصل قال : لمّا زوّج رسول الله صلّى الله عليه وآله فاطمة من عليّ عليه السلام وأراد أن يدخلها به أتاه جبرائيل ،
1 ـ المراد سورة الانسان.

(516)
فقال : يا محمد ، ما تصنع ؟
    قال : اُدخل فاطمة بعليّ.
    قال : إنّ ربّك يقرؤك السلام ، ويقول لك : لا تحدث شيئاً حتى آتيك ، ثمّ عرج جبرائيل وهبط على رسول الله صلّى الله عليه وآله ومعه قدح من الياقوت فيه من مسك الجنّة ، وزعفران من زعفران الجنّة ، مضروب بماء الحياة ، وقال لرسول الله صلّى الله عليه وآله : ربّك يقرؤك السلام ، ويقول لك : مر فاطمة فلتضع هذا في مفرقها ونحرها ، ففعلت ذلك ، فكانت صلوات الله عليها بعد ذلك إذا حكّت رأسها بالمدينة تفوح رائحة من مكّة ، فيقول الناس : ما هذه الرائحة ؟
    فيقال : إنّ فاطمة قد حكّت رأسها بالمدينة اليوم ، فهذه رائحة الطيب الذي أهداه الله إليها.
    وروى الشيخ الجليل محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي رضي الله عنه في أماليه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : لقد هممت بتزويج فاطمة عليها السلام وما يمنعني من ذلك إلا انّي لم أتجرّأ على رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وإنّ ذلك ليختلج في صدري ليلاً ونهاراً حتى دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وآله ذات يوم فقال : يا علي.
    فقلت : لبّيك ، يا رسول الله.
    قال : هل لك في التزويج ؟
    قلت : رسول الله صلّى الله عليه وآله أعلم ، وإذا به يريد أن يزوّجني بعض نساء قريش (1) وإنّي لخائف على فوات فاطمة ، فانصرفت فلم أشعر بشيء حتى
1 ـ كذا في الأمالي ، وفي الأصل : بعض بنات نساء قريش.

(517)
أتاني رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال لي : أجب النبيّ وأسرع ، فما رأيت أشدّ فرحاً منه اليوم ، قال : فأتيته مسرعاً ، فإذا هو في حجرة اُمّ سلمة رضي الله عنها ، فلمّا نظر إليّ تهلّل وجهه فرحاً ، وتبسّم حتى نظرت إلى بياض أسنانه يبرق.
    فقال : يا عليّ ، أبشر ، فإنّ الله سبحانه قد كفاني ما كان أهمّني من أمر تزويجك.
    فقلت : وكيف ذلك ، يا رسول الله ؟
    فقال : أتاني جبرائيل ومعه من سنبل الجنّة وقرنفلها وناولنيهما فأخذتهما وشممتهما ، وقلت : ما سبب هذا السنبل والقرنفل ؟
    فقال : إنّ الله سبحانه أمر سكّان الجنّة (1) من الملائكة ومن فيها أن يزيّنوا الجنان كلّها بمغارسها وأشجارها وأثمارها وقصورها ، وأمر ريحها فهبّت بأنواع الطيب والعطر ، وأمر حور عينها بقراءة سورة طه وطواسين ويس وحمعسق ، ثمّ نادى منادٍ من تحت العرش :
    ألا إنّ اليوم يوم وليمة علي بن أبي طالب ، ألا إنّي اُشهدكم أنّي قد زوّجت فاطمة بنت محمد صلّى الله عليه وآله من عليّ بن أبي طالب رضي منّي بعضهما لبعضٍ.
    ثمّ بعث الله سبحانه سحابة بيضاء فمطرت عليهم من لؤلؤها وزبرجدها ويواقيتها ، وقامت الملائكة من سنبل الجنّة وقرنفلها ، وهذا ممّا نثرته الملائكة.
1 ـ في الأمالي : الجنان.

(518)
    ثمّ أمر الله سبحانه ملكاً من ملائكة الجنّة يقال له راحيل (1) ، وليس في الملائكة أبلغ منه ، فقال : اخطب يا راحيل ، فخطب بخطبةٍ لم يسمع بمثلها أهل السماوات ولا أهل الأرض ، ثمّ نادى منادٍ : ألا يا ملائكتي وسكّان جنّتي ، باركوا على عليّ حبيب محمد صلّى الله عليه وآله وفاطمة بنت محمد فقد باركت عليهما ، ألا إنّي قد زوّجت أحبّ النساء إليّ من أحبّ الرجال إليّ بعد النبيّين والمرسلين (2).
    فقال راحيل الملك : يا ربّ وما بركتك عليهما بأكثر ممّا رأينا [ لهما ] (3) في جنّتك ودار رضوانك ؟
    فقال عزّ وجل : يا راحيل ، إنّ من بركتي عليهما أنّ أجمعهما على محبّتي ، وأجعلهما حجّة على خلقي ، وعزّتي وجلالي لأخلقنّ منهما خلقاً ، ولأنشئنّ منما ذرّيّة أجعلهم خزّاني في أرضي ، ومعادن لعلمي ، ودعاة إلى ديني ، بهم أحتجّ على خلقي بعد النبيّين والمرسلين.
    فأبشر يا عليّ ، فإنّ الله عزّ وجلّ أكرمك بكرامةٍ لم يكرم بمثلها أحداً ، وقد زوّجتك ابنتي على ما زوّجك الرحمن ، ورضيت بما رضي الله لها ، فدونك أهلك ، فإنّك أحقّ بها منّي ومن كلّ أحد ، وقد أخبرني جبرائيل أنّ الجنّة مشتاقة
1 ـ كذا في الأمالي ، وفي الأصل : راجيل ، وكذا في المواضع الآتية.
2 ـ في « ح » : سمعت من علماء الشيعة رضوان الله عليهم أجمعين [ أنّه ] قد وجد بالكوفة بعد قتل الحسين عليه السلام درّة حمراء وقد كتب فيها بخطّ كوفيّ جليّ هذا الرباعي بحسن الخط :
أنا درّ من السمـاء نثروني كنت أصفى من اللجين ولكن يوم تزويج والد الـحسنين صبّغتني دماء نحر حسين
3 ـ من الأمالي ، وفيه بعده : في جنانك ودارك.


(519)
إليكما ، ولولا أنّ الله سبحانه قدّر أن يخرج منكما ما يتّخده على الخلق حجّة لأجاب فيكما الجنّة وأهلها ، فنعم الأخ أنت ، ونعم الختن أنت ، ونعم الصاحب أنت ، وكفاك برضى الله رضى.
    قال عليّ عليه السلام : فقلت : يا رسول الله ، أبلغ بقدري حتى ذكرتُ في السماء (1) وزوّجني ربّي في ملائكته ؟!
    فقال صلّى الله عليه وآله : إنّ الله سبحانه إذا أكرم وليّه أكرمه بما لا عين رأت ولا اُذن سمعت ، فأحباها الله لك.
    فقال أمير المؤمنين عليه السلام بعد أن سجد شكراً لله : ( ربّ أوزعِني أن أشكر نعمتكَ التي أنعمتَ عليَّ ) (2).
    فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : آمين (3).
    الخرگوشي في كتابيه شرف المصطفى واللوامع ، بإسناده عن سلمان. وأبو بكر الشيرازي أيضاً روى في كتابه. وأبو إسحاق الثعلبي ، وعليّ بن أحمد الطائي ، وغيرهم من علماء السنّة في تفاسيرهم عن سعيد بن جبير. وروى أيضاً سفيان الثوري وأبو نعيم الأصفهاني أيضاً فيما نزل من القرآن في أمير المؤمنين عليه السلام عن حمّاد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس ، وعن [ أبي مالك ، عن ] (4) ابن عبّاس والقاضي النطنزي عن سفيان بن عيينة ، عن الصادق عليه السلام.
1 ـ في الأمالي : الجنّة.
2 ـ سورة النمل : 19.
3 ـ أمالي الصدوق : 448 ح 1 ، عيون أخبار الرضا عليه السلام : 1 / 222 ح 1 وص 225 ح 2 ، عنهما البحار : 43 / 101 ح 12 ، وفي ص 103 عن تفسير فرات : 156.
4 ـ من المناقب.


(520)
    وروى مشايخنا رضي الله عنهم عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى : ( مرجَ البحرينِ يلتقيانِ ) (1) قال : عليّ وفاطمة بحران من العلم عميقان لا يبغي أحدهما على صاحبه ، وفي رواية : ( بينهماَ برزخٌ ) (2) رسول الله صلّى الله عليه وآله ( يخرجُ منهما اللؤلؤُ والمرجانَ ) (3) الحسن الحسين عليهما السلام. (4)
    أبو معاوية الضرير ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس أنّ فاطمة عليها السلام بكت للجوع والعري ، فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وآله : اقنعي يا فاطمة بزوجك ، فوالله إنّه سيّد في الدنيا ، سيّد في الآخرة ، وأصلح بينهما ، فأنزل سبحانه : ( مرجَ البحرينِ يلتقيانِ ) يقول : أنا الله أرسلت البحرين : عليّاً بحر العلم ، وفاطمة بحر النبوّة ، يلتقيان : يتّصلان ، أنا الله أوقعت الوصلة بينهما ، ثم قال : ( بينهما برزخٌ ) أي مانع رسول الله صلّى الله عليه وآله يمنع عليّاً أن يحزن لأجل الدنيا ، ويمنع فاطمة أن تخاصم بعلها لأجل الدنيا ( فبأيّ آلاء ربّكما ) يا معشر الجنّ والإنس ( تكذّبان ) بولاية أمير المؤمنين وحبّ فاطمة الزهراء ، فاللؤلؤ الحسن ، والمرجان الحسين ، لأنّ اللؤلؤ الكبار والمرجان الصغار ، ولا غرو أن يكونا بحرين لسعة فضلهما وكثرة خيرهما ، فإنّ البحر ما سمّي بحراً إلا لسعته ، وأجرى النبي صلّى الله عليه وآله فرساً فقال : وجدته بحراً. (5)
    القاضي أبو محمد الكرخي في كتابه عن الصادق عليه السلام ، عن فاطمة
1 ـ سورة الرحمن : 19.
2 ـ سورة الرحمن : 20.
3 ـ سورة الرحمن : 22.
4 ـ مناقب ابن شهراشوب : 3 / 318 ـ 319 ، عنه البحار : 43 / 31 ح 39.
5 ـ مناقب ابن شهراشوب : 3 / 319 ، عنه البحار : 24 / 99 ح 6.


(521)
عليها السلام قالت : لمّا نزلت ( لا تجعلوا دعاءَ الرسولِ بينكم كدعاءِ بعضكم بعضاً ) (1) هبت رسول الله صلّى الله عليه وآله أن أقول له يا أبة ، فكنت أقول : يا رسول الله ، فأعرض عنّي مرّتين أو ثلاثاً ، ثمّ اقبل عليَّ ، وقال : يا فاطمة ، إنّها لم تنزل فيك ولا في أهلك ولا في نسلك ، أنت منّي وأنا منك ، إنّما اُنزلت في أهل الجفاء والغلظة من قريش أصحاب البذخ والكبر ، قولي : يا أبة ، فإنّها أحيى للقلب ، وأرضى للربّ. (2)
    سفيان الثوري ، عن الأعمش ، عن أبي صالح في قوله سبحانه : ( وإذا النفوسُ زوّجت ) (3) قال : ما من مؤمن يوم القيامة إلا إذا قطع الصراط زوّجه الله على باب الجنّة بأربع نسوة من نساء الدنيا ، وسبعين [ ألف ] (4) حوراء من حور الجنّة إلا عليّ بن أبي طالب ، فإنّه زوج البتول فاطمة في الدنيا ، وهو زوجها في الجنّة ، ليست له في الجنّة زوجة غيرها من نساء الدنيا ، لكن له في الجنّة سبعون ألف حوراء ، لكلّ حوراء سبعون ألف خادم (5).
    عن الصادق عليه السلام قال : حرّم الله النساء على عليّ ما دامت فاطمة حيّة لأنّها طاهرة لا تحيض.
    وقال أبو عبيد الهروي في الغريبين (6) : سمّيت مريم بتولاً لأنّها بتلت عن
1 ـ سورة النور : 63.
2 ـ مناقب ابن شهراشوب : 3 / 320 ، عنه البحار : 43 / 32 ـ 33 ، وعوالم العلوم : 11 / 74 ح 6.
3 ـ سورة التكوير : 7.
4 ـ من المناقب.
5 ـ مناقب ابن شهراشوب : 3 / 324 ـ 325 ، عنه البحار : 43 / 154.
6 ـ الغريبين : 38 ( مخطوط ). وفيه : وقال الليث : البتول كلّ امرأة منقطعة عن الرجال لا شهوة لها. وقال أحمد بن يحيى : سمّيت فاطمة البتول لانقطاعها عن نساء زمانها ونساء


(522)
الرجال ، وسمّيت فاطمة بتولاً لأنّها بتلت عن النظير.
    أو هاشم العسكري قال : سألت صاحب العسكر عليه السلام : لِمَ سمّيت فاطمة الزهراء ؟
    قال : كان وجهها يزهر لأمير المؤمنين من أوّل النهار كالشمس الضاحية ، وعند الزوال كالقمر المنير ، وعند غروب الشمس كالكوكب. (1)
    وروي عن الباقر والصادق عليهما السلام ، ورواه أيضاً عامر الشعبيّ والحسن البصري [ وسفيان الثوري ومجاهد وابن جبير وجابر الأنصاري ] (2) ، عن النبي صلّى الله عليه وآله أنّه قال : فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها فقد أغضبني. أخرجه البخاري عن المسوّر بن مخرمة.
    وفي رواية جابر : فمن آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله. (3)
    ابن عبد ربّه الأندلسي في العقد ، عن عبد الله بن الزبير ـ في خبر ـ عن معاوية بن أبي سفيان ، قال : دخل الحسن بن عليّ على جدّه رسول الله صلّى الله عليه وآله وهو يتعثّر بذيله ، فأسرّ إلى النبي صلّى الله عليه وآله سرّاً فرأيته قد تغيّر لونه ، ثمّ قام صلّى الله عليه وآله حتى أتى منزل فاطمة ، فأخذ بيدها فهزّها هزّاً ، وقال لها : يا فاطمة ، إيّاك وغضب عليّ ، فإنّ الله يغضب لغضبه ، ويرضى لرضاه ، ثمّ جاء إلى عليّ عليه السلام فأخذه بيد ، ثمّ هزّها هزّاً خفيفاً ، ثمّ قال :
الاُمّة فضلاً عن دينها ...
    وفي الأصل والمناقب والبحار : « عبيد » بدل « أبو عبيد ».
1 ـ مناقب ابن شهراشوب : 3 / 330 ، عنه البحار : 43 / 16.
2 ـ من المناقب.
3 ـ مناقب ابن شهراشوب : 3 / 332 ، عنه البحار : 43 / 39.


(523)
يا أبا الحسن ، إيّاك وغضب فاطمة ، فإنّ الملائكة تغضب لغضبها ، وترضى لرضاها.
    فقلت (1) : يا رسول الله ، مضيت مذعوراً ورجعت مسروراً !
    فقال : يا معاوية : كيف لا اُسرّ وقد أصلحت بين اثنين هما أكرم أهل الأرض على الله ؟ (2)
    قلت : في روايته لهذا الحديث ثمّ خلافه له وارتكاب ما حذّر الرسول صلّى الله عليه وآله من أنّ الله يغضب لغضب عليّ ، ويرضى لرضاه أكبر دليل على نفاقه واستهزائه بقول النبيّ صلّى الله عليه وآله ، وقلّة مبالاة بأمره ونهيه ، وخروج عن الدين بقالبه وقلبه ، وأنّه لا يعتقد الاسلام ديناً ، ولا الله ربّاً ، ولا محمداً رسولاً ، ولا كان متمسّكاً بالكتاب ، ولا أنّه منزل من عند الله ، ولا مقرّاً بما اُنزل فيه ، ولا معتقداً ما وعد الله من الحشر والنشر والحساب ، والجنّة والنار وما أعدّ الله فيهما من الثواب والعقاب ، فلهذا أظهر ما أبطن من بغض النبيّ وأهله ، وأجلب عليهم بخيله ورجله ، وأفضى بوصيّه إلى فتنته ، واُسرته وذروته وشيعته ، بالانتقام منهم ، وإظهار الأحقاد البدريّة فيهم ، فالله حسبه وطلبته ، وهو بالمرصاد لكلّ ظالم.
    قال الشيخ محمد بن بابويه القمّي رضي الله عنه : وهذا الحديث ليس بمعتمد لأنّهما منزّهان [ عن ] (3) أن يحتاجا أن يصلح بينهما رسول الله صلّى الله
1 ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : فقلنا.
2 ـ مناقب ابن شهراشوب : 3 / 334 ، عنه البحار : 43 / 42 ـ 43 ، وعوالم العلوم : 11 / 154 ح 1.
3 ـ من المناقب.


(524)
عليه وآله. (1)
    الباقر والصادق عليهما السلام : أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله كان لا ينام حتى يقبّل عرض وجه فاطمة ، ويضع وجهه بين ثدييها. (2)
    اُتي برجل إلى الفضل بن الربيع زعموا أنّه سبّ فاطمة فقال لابن غانم : انظر في أمره ما تقول ؟
    قال : يجب عليه الحدّ.
    فقال له الفضل : إذاً كاُمّك إن حددته ، فأمر به أن يضرب بألف سوط ، وأن يصلب في الطريق. (3)
    أبو علي الصولي في أخبار فاطمة ، وأبو السعادات في فضائل العشرة ، بالاسناد عن أبي ذرّ الغفاري ، قال : بعثني النبي صلّى الله عليه وآله أدعوا عليّاً ، فأتيت بيته وناديته ، فلم يجبني ، فأخبرت النبيّ صلّى الله عليه وآله ، فقال : عد إليه فإنّه في البيت فأتيت ودخلت عليه ، فرأيت الرحى تطحن ولا أحد عندها ، فقلت لعليّ : إنّ النبيّ يدعوك ، فخرج متوشّحاً حتى أتى النبيّ صلّى الله عليه وآله ، فأخبرت النبي بما رأيت ، فقال : يا أبا ذرّ ، لا تعجب فإنّ لله ملائكة سيّاحون في الأرض ، موكّلون بمعونة آل محمد.
    الحسن البصري وابن إسحاق ، عن عمّار وميمونة أنّ كليهما قالا : وجدت فاطمة نائمة والرحى تدور ، فأخبرت رسول الله صلّى الله عليه وآله بذلك ،
1 ـ انظر التخريجة السابقة.
2 ـ مناقب ابن شهراشوب : 3 / 334 ، عنه البحار : 43 / 42 ، وعوالم العلوم : 11 / 134 ح 4.
3 ـ مناقب ابن شهراشوب : 3 / 335 ، عنه البحار : 43 / 43 ذح 42 ، وعوالم العلوم : 11 / 152 ح 1.


(525)
فقال : إنّ الله علم ضعف أمته فأوى إلى الرحى أن تدور فدارت.
    وقد أورد هذا الحديث أبو القاسم البستيّ في فضائل أمير المؤمنين صلوات الله عليه. وروي أنّها عليها السلام ربّما اشتغلت بصلاتها وعبادتها فربّما بكى ولدها فرؤي المهد يتحرّك وكان ملك يحرّكه.
    وروي عن الباقر عليه السلام ، قال : بعث رسول الله صلّى الله عليه وآله سلمان إلى منزل فاطمة عليها السلام بحاجة.
    قال سلمان : فوقفت بالباب وقفة حتى سلّمت ، فسمعت فاطمة تقرأ القرآن من داخل البيت والرحى تدور من خارج ما عندها أنيس ، فأخبرت رسول الله صلّى الله عليه وآله بذلك ، فتبسّم ، وقال : يا سلمان ، إنّ ابنتي فاطمة ملأ الله قلبها وجوارحها إيماناً إلى مشاشها (1) ، تفرّغت لطاعة الله فبعث الله ملكاً يقال له زوقابيل ؛ وقيل : جبريل ، فأدار لها الرحى ، وكفاها الله مؤنة الدنيا مع مؤنة الآخرة. (2)
    أبو القاسم القشيري في كتابه : قال بعضهم : انقطعت في البادية عن قافلة الحجّ ، فوجدت امرأة ، فقلت لها : من أنت ؟
    فقالت : ( وقل سلامٌ فسوفَ يعلمونَ ) (3).
    فسلّمت عليها ، فقلت : ما تصنعين هاهنا ؟
1 ـ أي رؤوس العظام اللينة.
2 ـ مناقب ابن شهراشوب : 3 / 337 ـ 338 ، عنه البحار : 43 / 45 ـ 46 ، وعوالم العلوم : 11 / 155 ح 4 وص 183 ح 23.
3 ـ سورة الزخرف : 89.
تسلية المُجالس وزينة المَجالس الجزء الأول ::: فهرس