تسلية المُجالس وزينة المَجالس الجزء الأول ::: 526 ـ 540
(526)
    قالت : ( مَن يضللِ اللهُ فلا هاديَ لهُ ) (1).
    فقلت : أمن الجنّ أنتِ أم من الإنس ؟
    قالت : ( يا بني آدمَ خذوا زينتكمْ عندَ كلِّ مسجدٍ ) (2).
    فقلت : من أين أقبلت ؟
    قالت : ( اولئكَ ينادَونَ من مكانٍ بعيدٍ ) (3).
    فقلت : أين تقصدين ؟
    فقالت : ( وللهِ على الناس حجُّ البيت من استطاعَ إليهِ سبيلاً ) (4).
    فقلت : متى انقطعت ؟
    فقالت : ( ولقدْ خلقَنا السمواتِ والأرضَ وما بينهما في ستّةِ أيّامٍ ) (5).
    فقلت : أتشتهين طعاماً ؟
    فقالت : ( وما جعلناهمْ جسداً لا يأكلونَ الطعامَ ) (6) فأطعمتها.
    ثمّ قلت : هرولي وتعجّلي.
    فقال : ( لا يكلّفُ اللهُ نفساً الا وسعَها ) (7).
    فقلت : أردفك.
1 ـ سورة الأعراف : 186.
2 ـ سورة الأعراف : 31.
3 ـ سورة فصّلت : 44.
4 ـ سورة آل عمران : 97.
5 ـ سورة ق : 38.
6 ـ سورة الأنبياء : 8.
7 ـ سورة البقرة : 286.


(527)
    فقالت : ( لو كانَ فيهما آلهةٌ إلا اللهُ لفسدتا ) (1).
    فنزلت وأركبتها ، فقالت : ( سبحانَ الذي سخّرَ لنا هذا وما كنّا له مقرنينَ ) (2).
    فلمّا أدركنا القافلة قلت : هل لك أحد فيها ؟
    قالت : ( يا داودُ إنّا جعلناكَ خليفةً في الأرضِ ) (3) ( وما محمّدٌ إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرسلُ ) (4) ( يا يحيى خذ الكتاب بقوّةٍ ) (5) ( يا موسى .. إنّني أنا الله ) (6).
    فصحت بهذه الأسماء ، فإذا أنا بأربعة شباب متوجّهين نحوها (7) ، فقلت : من هؤلاء منك ؟
    قالت : ( المالُ والبنونَ زينةُ الحياةِ الدنيَا ) (8) ، فلمّا أتوها قالت : ( يا أبت استأجرهُ إنَّ خيرَ من استأجرتَ القويُّ الأمينُ ) (9) فكافوني بأشياء فقالت : ( واللهُ يضاعفُ لمن يشا ) (10) فزادوا عليّ فسألتهم عنها ، فقالوا : هذه اُمّنا فضّة
1 ـ سورة الأنبياء : 22.
2 ـ سورة الزخرف : 13.
3 ـ سورة ص : 26.
4 ـ سورة آل عمران : 144.
5 ـ سورة مريم : 12.
6 ـ سورة طه : 11 و 14.
7 ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : موجّهين إليّ.
8 ـ سورة الكهف : 46.
9 ـ سورة القصص : 26.
10 ـ سورة البقرة : 261.


(528)
جارية الزهراء صلّى الله عليها ، ما تكلّمت منذ عشرين سنة إلا بالقرآن. (1)
    قلت : يا أصحاب الفكر الصائب ، والنظر الثاقب ، والقلب السليم ، واللبّ المستقيم ، تفكّروا في هذه النفس التي قدّسها الله وطهّرها وأطلعها على أسرار كلامه ، وطهّرها وشرّفها بخدمة اُولي نهيه وأمره ، وأطلعها ببركات فضلهم على مكنون سرّه ، وجعل قلبها مشكاة نور حكمته ، وباطنها مرآة كمال معرفته ، وأسكن حبّه سويداء فؤادها ، وجعل ذكره أقصى مرادها ، فصارت لا تنطق الا بكلامه المجيد ، الذي ( لا يأتيهِ الباطلُ مْنِ بينِ يديهِ ولا من خلفهِ تنزيلٌ من حكيمٍ حميدٍ ) (2).
    وأذهب عنها كلفة المشقّة في استنباط غرائبه ، وإعمال الفكرة في إظهار عجائبه ، وجعل جبلتها مطبوعة عليه ، وفكرتها مصبوبة لديه ، ينبي عن مقاصدها بوجيز كلماته ، ويخبر عن مطالبها بعزيز آياته ، فهو في لوح نفسها مسطور ، وفي رقّ عملها منشور ، فكأنّه روضة أنيقة بين يديها ، أو جنّة يانعة تهدّلت أغصانها عليها ، تلتقط ما شاءت من أزاهير هذه وأنوارها ، وتقتطف ما أرادت من فواكه تلك وثمارها ، لمّا أخلصت لله بطاعتها ، وعظّمت ما عظّم الله من جلالة سيّدتها ، وعلمت أنّ الله سبحانه عصمها وصفاها ، وعلى نساء العالمين اصطفاها ، وجعل والدها كلمته التامّة في خلقه ، وبعلها لسانه الناطق بحقّه ، وذرّيّتها أولياءه على عباده ، وعترها اُمناءه في بلاده ، لا يقبل الله عمل عامل إلا بولايتهم ، ولا يدخل الجنّة الا مستمسكاً بعروة محبّتهم ، تشاركهم في إخلاص الطاعة لمعبودهم ، وساوتهم في وفاء نذورهم وعهودهم ، فأدخلها سبحانه في
1 ـ مناقب ابن شهراشوب : 3 / 343 ـ 344 ، عنه البحار : 43 / 86 ـ 87.
2 ـ سورة فصّلت : 42.


(529)
زمرتهم ، وأشركها في مدحتهم ، وجعل ذكرها في جملة ذكره مذكوراً ، في قوله سبحانه : ( إنَّ الأبرارَ يشربونَ من كأسٍ كان مزاجها كافوراً ) (1) ، وأثبت في صحائف الايمان شرفها ورفعتها ، وأصلح بصلاحها ولدها وحفدتها.
    مالك بن دينار قال : رأيت في مودع الحجّ امرأة ضعيفة على دابّة نحيفة والناس ينصحونها لتنكص وهي تمتنع ، فلمّا توسّطنا البادية كلّت دابّتها فعذلتها في إتيانها وعنّفتها فرفعت طرفها (2) إلى السماء ، وقالت : لا في بيتي تركتني ، ولا إلى بيتك حملتني ، فوعزّتك وجلالك لو فعل هذا بي غيرك لما شكوته الا إليك ، فإذا شخص أتاها من الفيفاء (3) وفي يده زمام ناقة وقال لها : اركبي ، فركبت وسارت الناقة كالبرق الخاطف ، فلمّا بلغت المطاف رأيتها تطوف فحلّفتها : من أنتِ ؟
    فقالت : أنا شهرة بنت مسكة بنت فضّة جارية (4) الزهراء عليها السلام.
    وروي أنّ فاطمة الزهراء عليها السلام سألت من رسول الله صلّى الله عليه وآله خاتماً ، فقال لها : إذا صلّيت صلاة الليل فاطلبي من الله عز وجل خاتماً ، فإنّك تنالين حاجتك.
    قال : فدعت ربّها سبحانه فإذا بهاتف يهتف : يا فاطمة ، الذي طلبتِ منّي تحت المصلّى ، فرفعت المصلّى فإذا الخاتم ياقوت لا قيمة له ، فجعلته في إصبعها وفرحت ، فلمّا نامت من ليلتها رأت في منامها كأنّها في الجنّة فرأت
1 ـ سورة الانسان : 5.
2 ـ في المناقب : رأسها.
3 ـ الفيفاء : البادية.
4 ـ في المناقب : خادمة.


(530)
ثلاث قصور لم تر في الجنّة مثلها ، قالت : لمن هذه القصور ؟
    قالوا : لفاطمة بنت محمد.
    قال : فكأنّها دخلت قصراً من تلك ودارت [ فيه ] (1) فرأت سريراً قد مال على ثلاث قوائم ، فقالت : ما لهذا السرير قد مال على ثلاث قوائم ؟ فلمّا أصبحت دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وآله وقصّت القصّة.
    فقال النبي صلى الله عليه وآله : معاشر آل عبد المطّلب ، ليس لكم الدنيا ، إنّما لكم الآخرة ، وميعادكم الجنّة ، ما تصنعون بالدنيا فإنّها زائلة غرّارة ، فأمرها النبي صلّى الله عليه وآله أن تردّ الخاتم تحت المصلّى ، فردّته ، ثمّ نامت على المصلّى فرأت في المنام أنّها دخلت الجنة ، ودخلت ذلك القصر ، ورأت السرير على أربع قوائم ، فسألت عن حاله : فقالوا : رددت الخاتم فرجع السرير إلى هيئته.
    أبو جعفر الطوسي : عن الصادق عليه السلام ؛ وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه أنّه لمّا استخرج أمير المؤمنين عليه السلام للبيعة من منزله خرجت فاطمة حتى انتهت إلى القبر وقالت : خلّوا عن ابن عمّي ، فوالذي بعث محمداً بالحقّ لأن لم تخلّوا عنه لأنشرنّ شعري ، ولأضعنّ قميص رسول الله صلّى الله عليه وآله على رأسي ، ولأصرخنّ إلى الله (2) ، فما ناقة صالح بأكرم على الله منّي ، ولا الفصيل على الله بأكرم من ولدي (3).
    قال سلمان : فوالله رأيت أساس حيطان المسجد قد تقلّعت من أسفلها
1 ـ من المناقب.
2 ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : ولأخرجنّ.
3 ـ في المناقب : فما ناقة صالح بأكرم على الله من ولدي.


(531)
حتى لو اراد رجل أن ينفذ من تحتها نفذ ، فدنوت منها وقلت : يا سيّدتي ومولاتي ، إنّ الله سبحانه بعث أباك رحمة فلا تكوني نقمة ، فرجعت الحيطان حتى سطعت الغبرة من أسفلها فدخلت في خياشيمنا. (1)
    في الصحيحين (2) : أنّ عليّاً عليه السلام قال لفاطمة : إنّي أشتكي ممّا أندأ بالقِرَب.
    فقالت : والله وأنا أشتكي يديّ ممّا أطحن بالرحى ، وكان قد اُتي النبي صلّى الله عليه وآله بسبي ، فأمرها أمير المؤمنين عليه السلام أن تمضي إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وتطلب منه جارية ، فدخلت على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّمت ورجعت ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : ما لك ؟
    فقالت : والله ما استطعت أن اُكلّم رسول الله صلّى الله عليه وآله من هيبته ، فانطلق عليّ معها ، فقال لهما رسول الله صلّى الله عليه وآله : لقد جاءت بكما إليّ حاجة.
    فقال أمير المؤمنين لرسول الله صلّى الله عليه وآله : إنّ فاطمة قد طحنت بالرحى حتى مجلت كفّاها ، وقمّت البيت حتى دكنت ثيابها ، وخبّره بمرادهما.
    فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : اُريد أن أبيعهم وأنفق أثمانهم على أهل الصفّة ، وعلّمها تسبيح الزهراء.
    وعن أبي بكر الشيرازي (3) : أنّها لمّا ذكرت حالها للرسول بكى صلّى الله
1 ـ مناقب ابن شهر اشوب : 3 / 338 ـ 340 ، عنه البحار : 43 / 46 ح 46 ، وعوالم العلوم : 11 / 156 ح 6 صدره.
2 ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : كتاب الشيرازي : وفي الصحيحين.
3 ـ في المناقب : كتاب الشيرازي.


(532)
عليه وآله وقال : يا فاطمة ، والذي بعثني بالحقّ إنّ في المسجد أربعمائة رجل ما لهم طعام ولا ثياب ، ولولا خشيتي خصلة لأعطيتك ما سألت.
    يا فاطمة ، إنّي لا اُريد أن ينفكّ عنك أجرك إلى الجارية ، وإنّي أخاف أن يخصمك عليّ يوم القيامة بين يدي الله عزّ وجل (1) إذا طلب حقّه منك ، ثمّ علّمها صلاة التسبيح.
    فقال أمير المؤمنين عليه السلام : مضيتِ تريدين من رسول الله صلّى الله عليه وآله الدنيا فأعطانا الله ثواب الآخرة.
    قال أبو هريرة : فلمّا خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله من عند فاطمة أنزل الله سبحانه عليه : ( وإمّا تعرضنَّ عنهمُ ابتغاءَ رحمة من ربّك ترجوها فقُلْ لهمْ قولاً ميسوراً ) (2) يعني قولاً حسناً. فلمّا نزلت هذه الآية أنفذ إليها رسول الله صلّى الله عليه وآله جارية للخدمة وسمّاها فضّة.
    تفسير القشيري : عن جابر الأنصاري ، قال : رأى رسول الله صلّى الله عليه وآله فاطمة صلّى الله عليها وعليها كساء من أجلّة الإبل وهي تطحن بيديها وترضع ولدها ، فدمعت عينا رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وقال : يا بنتاه ، تعجّلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة.
    فقالت : يا رسول الله ، الحمد لله على نعمائه ، والشكر لله على آلائه ، فأنزل سبحانه ( ولسوفَ يعطيكَ ربّكَ فترضى ) (3).
    أبو صالح المؤذّن في كتابه بالاسناد عن عليّ عليه السلام أنّ النبي صلّى
1 ـ لفظ الجلالة من المناقب.
2 ـ سورة الإسراء : 28.
3 ـ سورة الضحى : 5.


(533)
الله عليه وآله دخل على فاطمة وإذا في عنقها قلادة ، فأعرض عنها ، فقطعتها ورمت بها [ فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : أنت منّي يا فاطمة ] (1) ، ثمّ جاءها سائل فناولته إيّاها. (2)
    وفي مسند الرضا عليه السلام أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : يا فاطمة ، لا يغرّنّك الناس أن يقولوا بنت محمد وعليك لبس الجبابرة ، فقطعتها وباعتها واشترت بثمنها رقبة فأعتقتها ، فسرّ رسول الله صلّى الله عليه وآله بذلك. (3)
    تاريخ بغداد (4) : بالاسناد عن بلال بن حمامة : طلع علينا النبيّ صلّى الله عليه وآله ووجهه مشرق كالبدر ، فسأله ابن عوف عن ذلك ، فقال : بشارة من ربّي أتتني لأخي عليّ بن أبي طالب وابنتي فاطمة ، وأنّ الله زوّج عليّاً بفاطمة وأمر رضوان خازن الجنان فهزّ شجرة طوبى فحملت رقاعاً بعدد محبّي أهل بيتي ، وأنشأ من تحتها ملائكة من نور ، ودفع إلى كلّ ملك صكّاً ، فإذا استوت القيامة بأهلها نادت الملائكة في الخلائق : أين محبّو عليّ وفاطمة عليهما السلام ؟ فلا يبقى محبّاً لنا إلا دفعت إليه صكّاً براءة من النار ، بأخي وابن عمّي وابنتي فكاك رقاب رجال ونساء من اُمّتي.
1 ـ من المناقب.
2 ـ مناقب ابن شهراشوب : 3 / 341 ـ 343 ، عنه البحار : 43 / 85 ـ 86 ح 8.
3 ـ مناقب ابن شهراشوب : 3 / 343.
    ورواه في عيون أخبار الرضا عليه السلام : 2 / 44 ح 161 ، وفيه : يا فاطمة لا يقول الناس إنّ فاطمة بنت محمد تلبس لبس الجبابرة .. ، عنه البحار : 43 / 81 ح 2 ، وعوالم العلوم : 11 / 269 ح 9.
4 ـ تاريخ بغداد : 4 / 210.


(534)
    وفي رواية : أنّ في الصكوك : براءة من العليّ الجبّار ، لشيعة علي وفاطمة من النار. (1)
    ابن بطّة والسمعاني في كتبهم بالاسناد عن ابن عبّاس وأنس بن مالك ، قالا : بينا رسول الله صلّى الله عليه وآله جالس إذ جاء عليّ ، فقال : يا عليّ ، ما جاء بك ؟
    قال : جئت اُسلّم عليك.
    قال : هذا جبرئيل يخبرني أنّ الله سبحانه زوّجك فاطمة ، وأشهد على تزويجها أربعين ألف ملك ، وأمر سبحانه شجرة طوبى أن انثري عليهم الدرّ والياقوت ، وهنّ يتهادينه إلى يوم القيامة ، وكانوا يتهادونه ويقلن : هذا تحفة خير النساء.
    وفي رواية ابن بطّة عن عبد الله : فمن أخذ منه شيئاً أكثر ممّا أخذ منه صاحبه أو أحسن افتخر به على صاحبه إلى يوم القيامة.
    وفي رواية خبّاب بن الأرتّ ، أنّ الله تعالى أوحى إلى جبرئيل أن زوّج النور من النور ، وكان الوليّ الله ، والخطيب جبرئيل ، والمنادي ميكائيل ، والداعي إسرافيل ، والناثر عزرائيل ، والشهود ملائكة السماء والأرض ، ثمّ أوحى سبحانه إلى شجرة طوبى أن انثري ما عليك ، فنثرت الدرّ الأبيض ، والياقوت الأحمر ، والزبرجد الأخضر ، واللؤلؤ الرطب ، فبادرن الحور العين يلتقطن ويهدين بعضهنّ إلى بعض.
1 ـ مناقب ابن شهراشوب : 3 / 346 ، عنه البحار : 43 / 123 ذح 31 وعن كشف الغمّة : 1 / 352 نقلاً من مناقب الخوارزمي : 246.

(535)
    وفي خبر أنّ الخطيب كان ملكاً يقال له راحيل (1) ، وقد جاء في بعض الكتب أنّه خطب راحيل في البيت المعمور في جمع من أهل السماوات السبع ، فقال :
    الحمد لله الأوّل قبل أوّلية الأوّلين ، والباقي بعد فناء العالمين ، نحمده إذ جعلنا ملائكة روحانيّين ، ولربوبيّته مذعنينن ، وله على ما أنعم علينا شاكرين ، حجبنا من الذنوب ، وسترنا من العيوب ، أسكننا في السماوات ، وقريباً من السرادقات ، وحبس (2) عنّا النهم من الشهوات ، وجعل شهوتنا ونهمتنا في تسبيحه وتقديسه ، الباسط رحمته ، الواهب نعمته ، جلّ عن إلحاد أهل الأرض من المشركين ، وتعالى بعظمته عن إفك الملحدين.
    ثم قال بعد كلام (3) : اختار الملك الجبّار صفوة كرمه ، وعبد عظمته لأمته سيّدة النساء بنت خير النبيّين ، وسيّد المرسلين ، وإمام المتّقين ، فوصل حبله بحبل رجل من أهله وصاحبه ، المصدّق دعوته ، المبادر إلى كلمته ، عليّ الوصول بفاطمة البتول ، ابنة الرسول.
    وروي أنّ جبرئيل روى عن الله سبحانه أنّه قال عقيبها : الحمد ردائي ، والعظمة كبريائي ، والخلق كلّهم عبيدي وإمائي ، زوّجت فاطمة أمتي ، من عليّ صفوتي ، اشهدوا يا ملائكتي.
    وكان بين تزويج فاطمة بعليّ صلّى الله عليهما في السماء وتزويجهما في الأرض أربعين يوماً ، زوّجها رسول الله صلّى الله عليه وآله من علي عليه السلام
1 ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : راجيل. وكذا في المواضع الآتية.
2 ـ في المناقب : وقرّبنا إلى السرادقات ، وحجب.
3 ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : بعد ذلك.


(536)
أوّل يوم من ذي الحجّة ؛ وقيل : يوم السادس منه. (1)
    علي (2) بن جعفر ، عن موسى بن جعفر عليه السلام ، قال : بينا رسول الله صلّى الله عليه وآله جالس إذ دخل عليه ملك له أربعة وعشرون وجهاً ، فقال له : حبيبي جبرئيل ، لم أرك في هذه الصورة ؟!
    قال الملك : لست بجبرئيل ، أنا محمود ، بعثني الله أن اُزوّج النور من النور.
    قال : مَن بِمَن ؟
    قال : فاطمة من عليّ.
    قال : فلمّا ولّى الملك إذا بين كتفيه : محمد رسول الله ، عليّ وصيّه.
    فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : منذ كم كتب هذا (3) بين كتفيك ؟
    فقال : من قبل أن يخلق الله آدم باثنين وعشرين ألف عام.
    وفي رواية : أربع وعشرون ألف عام.
    وروي أنّه كان للملك عشرون رأساً ، في كلّ رأس ألف لسان ، وكان اسم الملك صرصائيل.
    وبالاسناد عن أبي أيّوب ، قال : دخل النبي صلّى الله عليه وآله على
1 ـ مناقب ابن شهراشوب : 3 / 346 ـ 349 ، عنه البحار : 43 / 109 ـ 110.
2 ـ روى هذا الحديث الصدوق في معاني الأخبار : 103 ح 1 ، الخصال : 64 ح 17 ، الأمالي : 474 ح 19.
3 ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : منذ كم كنتَ وهذا ؟


(537)
فاطمة وقال : يا فاطمة ، إنّي اُمرت بتزويجك من عليّ من البيضاء (1). وفي رواية : من السماء.
    وعن الضحّاك ، قال : دخل النبي صلّى الله عليه وآله على فاطمة ، وقال : يا فاطمة ، إنّ عليّ بن أبي طالب ممّن عرفت قرابته منّي ، وفضله في الاسلام ، وإنّي سألت الله أن يزوّجك خير خلقه ، وأحبّهم إليه ، وقد ذكر من أمرك شيئاً فما ترين ؟
    فسكتت ، فخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وهو يقول : الله أكبر ، سكوتها إقرارها.
    وخطب رسول الله (2) صلّى الله عليه وآله في تزويج فاطمة أمام العقد على المنبر ، رواها يحيى بن معين في أماليه ، وابن بطّة في الإبانة ، بإسناده عن أنس ابن مالك مرفوعاً ، ورويناها نحن عن الرضا عليّ بن موسى عليه السلام ، فقال :
    الحمد لله المحمود بنعمته ، المعبود بقدرته ، المطاع في سلطانه ، المرغوب إليه فيما عنده ، المرهوب من عذابه ، النافذ أمره في سمائه وأرضه ، الذي خلق الخلق بقدرته ، وميّزهم بأحكامه ، وأعزّهم بدينه ، وأكرمهم بنبيّه محمد صلّى الله عليه وآله ، إنّ الله تعالى جعل المصاهرة نسباً لاحقاً ، وأمراً مفترضاً ، وشج بها الأرحام ، وألزمها الانام ، فقال سبحانه : ( وهُوَ الذي خلقَ من الماءِ بشراً فجعله نسباً وصهراً ) (3) ثمّ إنّ الله سبحانه أمرني أن اُزوّج فاطمة من عليّ ، وقد
1 ـ في المناقب : بتزويجك من البيضاء.
2 ـ أخرج هذه الخطبة في كشف الغمّة : 1 / 348 نقلاً من مناقب الخوارزمي : 242 ، عنه البحار : 43 / 119 ح 29.
3 ـ سورة الفرقان : 54.


(538)
زوّجتها إيّاه على أربعمائة مثقال فضّة ، أرضيت يا عليّ ؟
    فقال صلوات الله عليه : رضيت ، يا رسول الله.
    وروى ابن مردويه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال لعليّ : تكلّم يا عليّ خطيباً لنفسك.
    فقال : الحمد لله الذي قرب من حامديه ، ودنا من سائليه ، ووعد الجنّة من يتّقيه ، وأنذر بالنار من يعصيه ، نحمده على قديم إحسانه وأياديه ، حمد من يعلم أنّه خالقه وباريه ، ومميته ومحييه ، وسائله عن مساويه ، ونستعينه ونستهديه ، ونؤمن به ونستكفيه ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تبلغه وترضيه ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله صلاة تزلفه وتحظيه ، وترفعه وتصطفيه ، والنكاح ممّا أمر الله [ به ] (1) ويرضيه ، واجتماعنا ممّا قدّره الله وأذن فيه ، وهذا رسول الله صلّى الله عليه وآله زوّجني ابنته فاطمة على خمسمائة درهم ، وقد رضيت ، فاسألوه واشهدوا.
    [ وفي خبر : زوّجتك ابنتي فاطمة على ما زوّجك الرحمن ، وقد رضيت بما رضي الله لها ، فدونك أهلك فإنّك أحقّ بها منّي ] (2).
    وفي خبر : فنعم الأخ أنت ، ونعم الصهر ، ونعم الختن أنت ، فخرّ أمير المؤمنين عليه السلام ساجداً ، فلمّا رفع أمير المؤمنين عليه السلام رأسه قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : بارك الله عليكما ، وبارك فيكما ، وأسعد جدّكما ، وجمع شملكما (3) ، وأخرج منكما الكثير الطيّب ، ثمّ أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله بطبق بُسر وأمر بنهبه ، ودخل حجرة النساء وأمرهنّ بضرب الدفّ.
1 و 2 ـ من المناقب.
3 ـ في المناقب : بينكما.


(539)
    وقيل للنبيّ صلّى الله عليه وآله : قد علمنا مهر فاطمة في الأرض ، فما مهرها في السماء ؟
    فقال صلّى الله عليه وآله : سل عمّا يعنيك ، ودع ما لا يعنيك.
    فقيل : هذا ممّا يعنينا ، يا رسول الله.
    قال : مهرها في السماء خمس الأرض ، فمن مشى عليها مبغضاً لها ولولدها مشى عليها حراماً إلى أن تقوم الساعة.
    وفي الجلاء والشفاء عن الباقر عليه السلام ـ في خبر طويل ـ : جعلت نحلتها من عليّ خمس الدنيا وثلثي الجنّة ، وجعلت لها في الأرض أربعة أنهار : الفرات ، ونيل مصر ، ونهروان ، ونهر بلخ.
    ثم (1) إنّ النبي صلّى الله عليه وآله قال لأمير المؤمنين عليه السلام : قم فبع الدرع ، فباعه بخمسمائة درهم من أعرابي ، وأتى النبي صلّى الله عليه وآله بها.
    فقال : أعرفت الأعرابي ؟
    قال : لا.
    قال : كان ذاك جبرئيل ، وأتاني بدرعك.
    قال الصادق عليه السلام (2) : وسكب الدراهم في حجره ، فأعطى منها قبضة كانت ثلاثة وستّين أو ستّة وستّين إلى اُم أيمن لمتاع البيت ، وقبضة إلى أسماء بنت عميس للطيب ، وقبضة إلى اُمّ سلمة للطعام ، وأنفذ عمّاراً وأبا بكر
1 ـ روي نحو هذا في دلائل الامامة : 13 ، عنه مدينة المعاجز : 2 / 325 ـ 326 وص 443 ـ 444 ح 66.
2 ـ رواه الطوسي في الأمالي : 1 / 39.


(540)
وبلالاً لابتياع ما يصلحها ، فكان ممّا اشتروه : قميص بسبعة دراهم ، وخمار بأربعة دراهم ، وقطيفة سوداء خيبريّة ، وسرير مزمّل بشريطٍ ، وفراشان من خَيش مصر (1) ، حشو أحدهما ليف ، والآخر من جزّ الغنم ، وأربع مرافق من أدم الطائف حشوها إذخِر (2) ، وستر من صوف ، وحصير هَجَري ، ورحى اليد ، وسقاء من آدم ، ومِخضَب (3) من نحاس ، وقفّة (4) للّبن ، ومطهرة للماء مزفّتة (5) ، وجرّة خضراء وكيزان خزف.
    وفي رواية : ونطع من أدم ، وعباء قطراني ، وقربة ماء.
    وكان من تجهيز عليّ داره انتشار رمل لبن ، وخشبة من حائط إلى حائط للثياب ، وبسط إهاب كبش ، ومخدّة ليف.
    أبو بكر بن مردويه قال : لبث أمير المؤمنين عليه السلام بعد عقده تسعة وعشرين يوماً ، فقال له جعفر وعقيل : سل رسول الله صلّى الله عليه وآله أن يدخل عليك أهلك ، فعرفت اُمّ أيمن ذلك ، وقالت : هذا من أمر النساء ، وخلت به أيضاً اُمّ سلمة وطالبته بذلك ، فدعاه النبي صلّى الله عليه وآله ، وقال : حبّاً وكرامة ، فأتى الصحابة بالهدايا والتحف ، فأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله بطحن البرّ وخبزه ، وأمر عليّاً بذبح البقر والغنم ، فكان النبي صلّى الله عليه وآله
1 ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : جنس.
والخَيش : ثيابٌ رقاقُ النسج ، غلاظُ الخُيُوط ، تُتّخذُ من مُشاقَة الكتّان ومن أردَئه. « لسان العرب : 6 / 301 ـ خيش ـ ».
2 ـ الإذخِر : حشيش طيّب الرائحة ، أطول من الثيّل.
3 ـ المِخضَب : إناء تغسل فيه الثياب.
4 ـ في المناقب : قعب.
5 ـ في المناقب : وشن للماء ومطهرة مزفّته.
تسلية المُجالس وزينة المَجالس الجزء الأول ::: فهرس