تسلية المُجالس وزينة المَجالس الجزء الثاني ::: 76 ـ 90
(76)
توراة موســى وإنجيل المسيح له أهل السماء وأهل الأرض لو طلبوا ضاقـت مذاهبهم عـجزاً وما بلغوا سل عنه بدراً وأحـزاب الطغاة بني لمـا علاه بمشحوذ الغـرار هـوى علـيّ علـى كتف المختار معتمداً ما قلته قطـرة مـن بحـر مدحته في هـل أتى هل أتى إلا له شرف الله مادحــه والذكـر شاهــده به قواعـد إيماني علــت شرفاً في طيــها نشر ذكر واضح السنن أن يحصـروا عد ما فيه من الحسن معشار ما جاء في المولى أبي حسن حرب وعمـرو بن ودٍّ عابدي الوثن يصافح الأرض بالكفّين والذقـن طهارة البيت مـن رجس ومن درن يكل عنـه بيــان الماهـر اللسن آيات مدحتــه تتلـى مدى الزمن هذي المكـارم لا قعبـان مـن لبن فصـرف ودّي لـه أرجوه يزلفني


(77)
بآلــه وبــه أرجـو النجـاة غداً وصرت في اللحد منبــوذاً وفارقني وطال في الترب مكثي وانمحى أثري وقمت بين يدي ربّي وطائر أع‍ هناك أرجــو إذا نوديــت منفرداً من عالــم الذرّ حتـى الآن حبّهم وهكذا بـغض من نـاواهم حسداً يا من هموا في حياتي عدتي وهموا وجدي لمـا نالـكم لا ينقضـي فإذا وما لقى بعـد خيـر الخلـق والدكم إذا عرا بي داعي الموت يطلبني رهطي وأنكرني من كان يعرفني كـأنني أرى الدنيـا ولم ترنـي ‍مالي بما كان من فعلي يذكرني بثابت القول ربـي أن يثبتنـي في مهـجتي مستقرّ لا يفـارقني به اديــن إذا مـا الله يسألنـي عقدي وعهدي إذا لُفّفت في كفني ذكرته هاج بي من لوعتي حزني صنو النبيّ من الأرجاس يقلقني


(78)
من الّذي نفقـت سوق الفسوق وقـا لولا عتيـق وثانيـه لمــا ظهرت ولا غدا الصنو في المحراب منجدلاً من بعد مـا كفروا بـالله إذ نصبوا هروا بسمهـم منـه الحشـا فثوى وجدي وصبري موصول ومنقطـع يابن النبيّ ويا نجل الوصيّ ويــا لذكر صدّك عن بيت الرسول ودف‍ وفعل مـن اقدمــوا للمنع تقدّمهم وإن تفكرت في يـوم الطفوف وما م البغي منهم على سـاق من الفتن من آل حرب خفايا الحقد والضغن قـد قُدَّ مفرقة في ظلمـة الدجن لـه الحروب وثنـوا بابنه الحسن خلف المنون من الأوغاد ذي الاجن لرزئـه وفـؤادي بالغمـوم منـي أعلى الورى نسبـاً يا خير ممتحن ‍ن الأوّليـن به حزني يسهدني اُمّ الشـرور علـى بغـل يحيّرني عليكم ثمّ هـاج الوجد فـي بدنـي


(79)
وذكر صنـوك مقتـولاً على ظمأ لهفي على ماجد بالطف يهتف بال‍ هل من رحيم لـه فـي الله معتقد هل عالم أن جدّي المصطفى وأبي أليست البضعة الزهراء أمي وال‍ لم آتكـم رغبة فيكـم ولا طمعـاً بترك فرض جهاد القاسطين فكـا وكنـت أعلـم أن الغدر طبعكـم وددت لـو كان بعد المشرقين غداً يا ناكصيـن علـى أعقابكم تربت مـن الصبابـة تطويني وتنشرني ‍طغاة هل ناصر في الله ينصرني يرى أوامـي ومـا ألقى فيسعفني وصيّه المرتضى حقـاً فيسعدني ‍طيّار عمّي فلا خلق يسـاجلني في ملككم بل خشيت الله يمقتنـي نت حجّة الله إذ خـالفت تلـزمني لكن رجــاء ثواب الله يسترنـي منكم مقامـي وعنكـم نازح وطني يداكم فانثنيتم راكــدي السفــن


(80)
أليس بالطهر جـدي والوصـيّ أبي بما استبحتم دمي والله أوجب في ال‍ من كلّ رجس وفي يوم الكساء رسو وهذه النسـوة اللاتــي ترون بنـا منعتموهنّ من شرب المبــاح فعد يا اُمـة سفهــت بالبغي أنفسهـا أجبت أن لنـا علـم بأنّك أو وان جدّك هاديـهم وشيخــك وا لكنما زينة الدنيــا وزهرتهــا لم يقس ماتـم في بدر فليس لنـا عليكــم الله أعلانــي وشرّفني ‍تـنزيل ودّي وصفانـي وطهرني ل الله خامسهـم بالنـص صيـرني ت المصطفى فانتهوا يا عادمي الفطن ن يشتكيـن الظمـاء بالمدمـع الهتن فرأيهـا فالّـذي اختـارت إلى أفـن لـى النـاس بالناس من باد ومقتطن ليهم وأنتم معـاذ الخلق فـي المحن نقد ومـن ذا يبيـع النقـد بالظنـن قلب لما صار فيها غير مضطعــن


(81)
جزرتــم عتبـة بعـد الوليـد بها فمــذ تحـقق أن القـوم طبعهــم رأى جهادهـــم فرضـاً فناجزهم وباع نفسـاً علت فوق السهـا شرفاً بجنـة طـاب مثواهــا فساكنهـا وناجــز القوم فـي أبرار عترتـه حتى إذا استلبـوا أرواحهـم وغدوا أضحى فتى المصطفى فرداً فوا أسفي ضرام وجدي إذا أجريت مصـرعه فيرســل الطرف مدراراً فيطفي نا جزر كجزركم كومـاً مـن البدن غدر وجمعهـم بالله لــم يهـن على سواء فلم ينكـل ولم يهـن من ذي المعارج بالغالي من الثمن قد فازمنها بعيش في الخلود هني فما استكانوا إلى الأعداء من وهن طعم المناصـل والخطيـة اللدن على الفريد ويا وجدي ويـا شجن بفكري شبّ فـي قلبـي فيحرقني ر الحزن لكن بفيض الدمع يغرقني


(82)
لهفـي علـى نسوة ضلّت مهتّكة تسـاق عنفاً على الأقتاب ليس ترى كنسوة من اسـارى الشرك طيف بها يا اشرف الخلق جدّاً في الورى واباً ومن به عذب من ريب الزمان ومـن حزني لما نالكم لا ينقضي ولو أن ال‍ لو كنـت حاضركـم في كربلا لرأي‍ وكنـت أجعـل وجهـي جنّة لك من حتـى أضــل وأوصالـي مقطعـة وصرت فـي عصبـة جادت بأنفسها يسترن تلــك الوجوه الغرّ بالردن إلا زنيماً مـن الأرجـاس ذا ظغن وبرّزت جهــرة فـي سائر المدن وأسمـح النــاس بالآلاء والمنـن حططت رحلي به عند انتهاء زمني ‍لحد أصبـح بعـد الموت يسترني ‍ت القتل فرضاً به الجبّار ألزمني سهام قـوم بغاة فيــك تقصـدني أذبّ عنــك وعيـن الله تلحضني فذكر ما صنعت في الفخر غير دني


(83)
بــاعت مـن الله أرواحـاً مطهّرة مولاي إذ لم أنل فضل الشهادة بال‍ فقد وقفت لساني في جهاد اولي ال‍ عتيــق يغـلي أراه قيمة لعتي‍ وهكــذا الظـالم الثـاني وثالثهم وعصبة صرعت حول البعير على وتابعوا الرِّجس فـي صفّين لعنهم وهكذا أنـا نحـو المارقين بغا هذا اعتقادي به أرجـو النجاة إذا ثمّ الصلاة عليكـم كلمـا سجعت ما في الّذي بذلت في الله من غبن ‍جهاد فيك ولا التوفيـق أسعدني ‍ضلال من فيكم بغيـاً يـؤنّبني ‍قهم وانظره أدنـى مـن الثمن ذو الغيّ أخبـث مغرور ومـفتتن أكــفار رتــبهم الله أطـلعني فرض علـيَّ لـه الرحمن وفقني ة النهـر في كلّ آن مرسل لعني أُوقفت بيـن يـدي ربّي ليسألني حمائـم الأيك في دوح على فنن


(84)

(85)
المجلس الخامس
في خصائص الامام السبط التابع لمرضاة الله أبي عبدالله
الحسين عليه السلام ، وما تمّ عليه من أعدائه ، وذكر شيء
من فضائله ، وما قال الرسول صلّى الله عليه وآله في حقّه ،
وما جرى عليه من الامور الّتي امتحنه الله بها واختصه
بفضائلها حتّى صار سيّد الشهداء وسيلة لأهل البلاء ،
وتعزية لأهل العزاء ، صلوات الله عليه وعلى جدّه وأبيه ،
واُمّه وأخيه ، والأئمّة من بنيه ، ولعن الله من ظلمهم ،
واغتصبهم حقهم ، آمين ربّ العالمين.

    الحمد لله الّذي طهر بزلال الاخلاص قلوب أوليائه ، وألزم نفوس الخواص بحمده وثنائه ، وأطلع أحباءه على جلال عظمته وكبريائه ، ورفع خلصاءه من حضيض النقصان إلى أوج الكمال باحتضانه ، وسرّح عقولهم في دوح معرفته فرتعوا في تلك الرياض المونقة ، وشرح صدورهم بافاضة أنوار عنايته على قوابل أنفسهم المشرقة ، فاقتطفوا بأنامل إخلاصهم ثمار العرفان من تلك الحدائق المغدقة ، واستنشقوا بمشامّ هممهم عاطر أنوارها وأزهارها المحدقة ، واساموا ابصار بصائرهم في خمائل جمالها ، فشاهدوا ما تكلّ عن


(86)
وصفه الألسن ، واجتنوا من ثمرات شجرات دوحها ما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين.
    ولمّا عاينوا أنهار العناية قد فجّرت خلالها تفجيراً. وأدارت ولدان المحبّة على خالص المودّة كأساً كان مزاجها كافوراً ، ارتاحت أرواحهم إلى أسير ... (1) زلال تلك الكؤوس المترعة ، وسارت منهم النفوس إلى موارد مشارع معرفة الملك القدوس مسرعة ، حتّى إذا شربوا بالكأس الروية من شراب إخلاص المحبّة ، انبسطت أرواحهم من لذة حلاوة الشربة ، وكشف لهم الغطاء عن السرّ المحجوب ، واطلعوا من أحوال البرزخ على خفيّات الغيوب.
    ولمّا اطلّع سبحانه على حقيقة إخلاصهم تفرد بإحبائهم واختصاصهم ، وثبّت في مداحض الأقدام اقدامهم ، وأثبت في دفاتر الاعظام مقامهم ، وصيرهم الوسائط بينه وبين عباده ، والرسائل لأنامه في بلاده ، واصطفاهم بالعصمة التامة ، واجتباهم بالرئاسة العامّة ، فأنقذوا الجهال بإفاضة علومهم ، ووازنوا الجبال برزانة حلومهم ، ونفعوا العليل بفصيح وعظهم ، وشفوا الغليل بمبين لفظهم ، وساقوا الناس بسوط حكمهم إلى شريعة ربّهم ، ونادوا الخلق بصوت عزمهم إلى منازل قربهم ، وعادوا في الله أعداءه ، ووالوا في الحق اولياءه ، حتّى أشرقت بنور هداهم الأقطار ، وازّيّنت بذكر علاهم الأمصار ، ورفل الحق في سرابيل العزّة والافتخار ، وخطر الصدق في ميادين القوّة والاشتهار ، ويسرت معالم الايمان بمعالم علمهم ، وظهرت أحكام القرآن بواضح حكمهم ، ورسخت اصول الدين في صعيد القوّة بجدّهم ، وبسقت فروع الشرع في سماء العزّة بجهدهم ، فعلوم التوحيد منهم ينابيعها تفجرت ، وأسرار التنزيل بقوانين معارفهم ظهرت ، والعدل والحكمة صحّة استنباطهم طرائقها قرّرت.
1 ـ غير مقروءة في الأصل.

(87)
    لم يخلق الله خلقاً أكرم عليه منهم ، ولم يصدر عنه من العلوم ما صدر عنهم.
    ولمّا تمت كلمتهم ، وكملت صفتهم ، وشملت رئاستهم ، وعمت خلافتهم ، وعمر برّهم ، وعلا أمرهم ، وخلصت قلوبهم ، وصعبت نفوسهم ، وأفاض الجليل سبحانه على أفئدتهم أنوار جلال عظمته ، ورقّى أرواحهم إلى سماء العرفان فاطلعوا على أسرار إلهيته ، أراد سبحانه أن لا يترك خصلة من خصال المجد ، ولا مزيّة من مزايا الفخر إلا ويجعلهم عيبتها ومجمعها ومنبعها ومشرعها وموئلها ومرجعها ومربعها ، ففازوا من خلال الكرم بالعلى من سهامها ، والأعلى من مقامها ، حتّى وصفهم سبحانه بأشرف خصال الكرامة ، وأنزل قرآناً تتلى آيات مدحتهم فيه إلى يوم القيامة ، وحازوا من المعارف الربّانيّة والأحكام الشرعية ما ينفع العليل ، ويبلّ الغليل.
    عنهم اصول العلوم اخذت ، وبنهم اولوا المعارف احتذت ، وعلى قواعدهم بنوا ، وعن أعلامهم رووا ، وجعلهم الله لسانه الناطق بحقّه ، ومناره الساطع في خلقه.
    ولمّا انتهت في الكمال رتبتهم ، وعلت في الجلال غايتهم ، وعرفوا المبدع حقّ معرفته ، ونزهوه عمّا لا يليق بصفته ، صفّوا في مقام الخدمة أقدامهم ، ونصبوا في حضرة العزّة أبدانهم ، ولحظوا بعين التعظيم جلال مبدعهم ، وشاهدوا بعين اليقين كمال مخترعهم ، اشتاقت أنفسهم إلى المقام الأسنى ، وتاقت أرواحهم إلى الجناب الأعلى ، من جهاد أعداء ربّهم ، والمموّهين بزورهم وكذبهم ، الّذين باض الشرك في رؤوسهم ، وفرّخ وثبت الكفر في نفوسهم ، ورسخ ونعق ناعق النفاق في قلوبهم فاتّبعوه ، ودعاهم داع الشقاق في صدورهم فأطاعوه ،


(88)
فأجلبوا على حرب الفتى ، وثنّوا بقتال الوصيّ ، وتلبثوا بسم الزكي ، وكفروا بأنعم ربّهم العلي.
    وكان أفضل من جاهدهم في الله حقّ جهاده ، وبذل نفسه لله بجده واجتهاده ، وتلقى حر الحديد بذاته وولده ، وقاتل بجد مجيد بعد أبيه وجده.
    ثاني السبطين ، وثالث أئمة الثقلين ، وخامس الخمسة ، أشرف من بذل في الله نفسه ، منبع الأئمّة ، ومعدن العصمة ، السيد الممجد ، والمظلوم المضطهد ، سيّد شباب أهل الجنّة ، ومن جعل الله حبه فرضاً لا سنّة ، وولاءه من النّار أعظم جُنّة ، سبط الاسباط ، وطالب الثأر يوم الصراط ، أشرف من مشى على وجه الأرض ، وأقوم من قام بالسنّة والفرض ، وأفضل من بكت السماء لقتله ، وأمجد من اجتمعت أمّة السوء على خذله.
    الإمام الشهيد ، والوليّ الرشيد ، قرة عين سيّدة النساء ، وثمرة قلب سيّد الأوصياء ، ومن شرفت بمصرعه كربلاء ، وصارت مختلف أملاك السماء ، السيد الماجد ، والوليّ المجاهد ، قتيل العبرة ، وسليل العترة ، وفرع السادة البررة ، الإمام المظلوم ، والسيد المحروم ، الّذي مصيبته لا تنسى ، وحرها لا يطفى ، المنهتك الحرمة ، والمخفور الذمة ، الّذي لا يحق الجزع إلا على مصيبته ، ولا يليق الهلع إلا من واقعته ، الصبور عند البلاء ، والشكور عند الرخاء.
    كان للسائل كنزاً ، وللعائذ عزّاً ، وللمجدب غيثاً ، وللمستصرخ مغيثاً ، عبرة كلّ مؤمن ، واسوة كلّ ممتحن ، صفوة المصطفين ، وأحد السيّدين ، وابن صاحب بدر واحد وحنين ، سيّدنا ومولانا أبا عبد الله الحسين ، الّذي هضمت مصيبته الاسلام هضماً ، وهدمت محنته الايمان هدماً ، وألبست قلوب المؤمنين كرباً وغماً.


(89)
    يا لها مصيبة شقّ لها المؤمنون قلوبهم لا جيوبهم ، وتجافت لعظمها عن المضاجع جنوبهم ، وأمطرت السماء دماً وتراباً ، وخبرت من أخي العرفان أكفاراً وألباباً ، واضطربت لهولها السبع العلى ، واهتز لها عرش المليك الأعلى.
    النبي والوصيّ فيها أهل العزاء ، وسيدة النساء تود لو تكون له النداء ، أنسى كلّ مصيبة مصابها ، وأمر كلّ طعم صابها ، وأدارت كؤوس الأحزان على قلوب المؤمنين ، وجدّدت معاهد الأشجان في نفوس المخلصين ، كسيت السماء بحمرة نجيع شهدائها سقفاً ، وأذكت في قلوب المؤمنين بفادح زنادها حرقاً ، وأنفذت بتراكم أحزانها ماء الشؤون ، وأذابت بتفاقم أشجانها القلوب فاسالتها دماً من العيون ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون. أيّ مصيبة طمت وعمت وأشجت قلوب المؤمنين وأعمت.
    فيا إخواني عزّوا نبيّكم المصطفى في هذا اليوم بسبطه ، اسعدوا وليكم المرتضى في مصابه برهطه ، فإن البكاء في هذا العشر لمصاب آل الرسول من أفضل الطاعات ، وإظهار الجزع لما نال ولد الطاهرة البتول من أكمل القربات ولمّا كانت هذه المصيبة لم تقع منذ خلق الله السماوات والأرض كواقعتها ، ولا انهتكت حرمة نبيّ ولا وليّ كانتهاك حرمتها ، ولا غضب الله غضبها على من شبّ ضرامها ، ونصب أعلامها ، وقاد جنودها ، وعقد بنودها ، أردت أن أنفت حزازة (1) صدري ، وأبوح بما في سري ، واخاطب المؤمنين من إخواني بما خطر في جناني ، ونطق به لساني ، فقلت من شدّة اسفي ، وفرط لهفي ، ودمعي
1 ـ نفتت القدر تنفت نفتا ... إذا كانت ترمي بمثل السهام من الغلي « لسان العرب : 2/100 ـ نفت ـ ».
والحزازة : وجع في القلب من غيظ ونحوه. « لسان العرب : 5/335 ـ حزز ـ ».


(90)
يملي ولا يمل ، ووجدي يقلي ولا يقل :
    يا إخواني ، تفكّروا في هذا الخطب الجسيم ، والرزء العظيم ، أيقتل ابن رسول الله في مفازة من الأرض من غير ذنب ارتكبه ، ولا وزر احتقبه ، ولا فريضة بدلها ، ولا سنّة أبطلها ؟ فتجتمع عصابة تزعم أنّها من اُمّه جدّه ، وسالكة منهاجه من بعده ، فتحرم عليه الماء المباح ، وتجعل ورده من دم الجراح ، لا تأخذها به رافة ، ولا تخشى أن ينزل بها من غضب الله آفة ، وهو يستغيث بأوغادها فلم يغيثوه ، ويستعين بهم ولم يعينه ، بل قست قلوبهم فهي كالحجارة أو أشدّ قسوة ، ونقضوا عهدهم كالتي نقضت غزلها من بعد قوّة ، لم يوقروا شيبته ، ولم يذكروا قربته ، ولا رحموا صبيته ، ولا احترموا نسوته ، ولا راعوا غربته ، ولا استهابوا حرمة جدّه ، ولا تألموا من خلف وعده ، بل ذبحوا أطفاله ، وهتكوا عياله ، وقتلوا ذرّيّته ، واستأصلوا اسرته ، وانتهبوا ثقله ، واستباحوا قتله ، وأضرموا النّار في مضاربه ، وسدّوا عليه أبواب مطالبه ، وأظهروا ما كان كامناً من نفاقهم ، وأبدوا ما أخفوا من سقامهم.
    فأي مسلم يعتقد إسلامهم ؟ وأي عاقل يؤول مرامهم ؟ فلا يشكّ في كفرهم إلا من بلغ في الغيّ غايتهم ، وسلك في البغي جادتهم ، فأحوال الملاحدة منكري الصانع أحسن من أحوالهم ، وأفعال جاحدي الشرائع أضرب من فعالهم واقوالهم ، إذ هم يعتقدون ما حسّن العقل حسناً صريحاً ، وما قبح العقل شنيعاً قبيحاً ، وأهل الملل المنسوخة والشرائع المفسوخة من أهل الكتاب وغيرهم يعمظمون ذراري أنبيائهم ، ويثابرون على محبة أبنائهم ، ويتبرّكون بآثارهم ومزاراتهم ، ويسجدون لصورهم المصورة في بيعهم ودياراتهم ، وهذه الطائفة المارقة ، والعصابة المنافقة ، من بقايا الأحزاب ، وسفهاء الأعراب ، كانوا أهل
تسلية المُجالس وزينة المَجالس الجزء الثاني ::: فهرس