تسلية المُجالس وزينة المَجالس الجزء الثاني ::: 91 ـ 105
(91)
ضرّ ومتربة ، وعسر ومسغبة ، يخافون أن يتخطّفوا من دارهم ، وينفوا عن قرارهم ، قد ضربت عليهم الذلّة ، وشملتهم البليّة ، وألجأتهم الأعداء إلى المفاوز المقفرة والبوادي المنقطعة ، وأجلتهم خصماؤهم عن القرى المحتفة بالجنان الملتفة ، والعيشة الرضيّة ، والأقوات الشهية ، كما قال سيّدنا ومولانا أمير المؤمنين عليه السلام : واعتبروا بحال ولد إسماعيل وبني إسحاق وبني إسرائيل عليهم السلام ، فما أشدّ اعتدال الأحوال ، وأقرب اشتباه (1) الأمثال !
    تأمّلوا امورهم (2) في حال تشتتهم وتفرقهم ، ليالي كانت الأكاسرة والقياصرة أرباباً لهم يحتازونهم (3) عن ريف الآفاق ، وبحر العراق ، وخضرة الدنيا ، إلى منابت الشيع ، ومهافي الريح ، ونكد (4) المعاش ، فتركوهم عالة مساكين إخوان دَبرٍ ووَبرٍ (5) ، أذل الاُمم داراً ، وأجدبهم قاراراً لا يأوون إلى جناح دعوة يعتصمون بها (6) ، ولا إلى ظلّ اُلفةً (7) يعتمدون على عزها ، فالأحوال مضطربة ، والأيدي مختلفة ، والكثرة متفرقة ، في بلاء أزل (8) ، وأطباق جهل ! من بنات موؤودة ، وأصنام معبودة ، وأرحام مقطوعة ، وغارات مشنونة.
    فانظروا إلى مواقع نعم الله عليهم حين بعث إليهم رسولاً ، فعقد بملّته طاعتهم ، وجمع على دعوته اُلفتهم ، كيف نشرت عليهم النعمة جناح كرامتها ،
1 ـ أيّ تشابه.
2 ـ في النهج : أمرهم.
3 ـ أيّ يقبضونهم عن الأراضي الخصبة.
4 ـ المهافي : المواضع الّتي تهفو فيها الرياح أيّ تهب. والنكد : الشدة والعسر.
5 ـ الدبر : القرحة في ظهر الدابّة. والوبر : شعر الجمال. والمراد أنهم رعاة
6 ـ أيّ لم يكن فيهم داع إلى الحق فيأووا إليه ويعتصموا بمناصرة دعوته.
7 ـ كذا في النهج ، وفي الأصل : ولا إلى لغة.
8 ـ الأزل : الشدة.


(92)
وأسالت لهم جداول نعمتها (1) ، والتفت الملّة بهم في عوائد بركتها ، فأصبحوا في نعيمها (2) عرقين ، وفي (3) خضرة عيشها فكهين ، قد تراحت لهم الاُمور (4) ، في ظلّ سلطان قاهر ، وآوتهم الحال إلى كنف عزّ غالب ، وتعطف الامور عليهم في ذُرى ملك ثابت ، فهم حكام على العالمين ، وملوك في أطراف الأرضين ، يملكون الامور على من كان يملكها عليهم ، ويمضون الأحكام فيمن (5) كان يمضيها فيهم ! لا تغمز لهم قناة ، ولا تقرع لهم صفاة (6) (7) إنتهى كلامه.
    قلت : فما كان جزاء من أسدى هذه المنّة إليهم ، وأسدل النعمة عليهم ، إلا أن تركوه ميّتاً لم يكفّن ، ومحبوراً لم يدفن ، وأظهروا ما كان من حقدهم مخفياً ، ونشروا من غيّهم ما كان منطوياً ، وأنكروا وصيته ، وأهانوا ذرّيّته ، وجحدوا نصّه وعهده ، وأخلفوا وعده وعقده ، وجعلوا زمام امورهم بأيدي أدناهم نسباً وألأمهم حسباً ، وأقلهم علماً ، وأسفههم حلماً ، لا في السراة القصوى من قصّتهم ، ولا في المرتبة العليا من لومهم ، ثمّ لم يقنعوا بما فعلوا ، فلم يعترفوا إذ جهلوا ، ولم يتحولوا إذ غيروا وبدلوا ، ولم يستجيبوا إذ ضلّوا ، وضلّوا حتّى دبروا في قطع دابرهم ، وإخفاء مآثرهم ، يجرعونهم الغصص ، ويوردونهم الربق (8) ، ويأكلون
1 ـ في النهج : نعيمها.
2 ـ في النهج : نعمتها.
3 ـ كذا في النهج ، وفي الأصل : وعن.
4 ـ في النهج : قد تربعت الامور بهم. وتربّعت : أقامت.
5 ـ كذا في النهج ، وفي الأصل : على من.
6 ـ القناة : الرمح. وغمزها : جسّها باليد لينظر هل هي محتاجة للتقويم والتعديل فيفعل بها ذلك.
    والصفاة : الحجر الصلد. وقرعها : صدمها لتكسر.
7 ـ نهج البلاغة : 297 ضمن خطبة رقم 192.
8 ـ الربق : الكرب.


(93)
تراثهم ، ويحوزون ميراثهم.
    ثمّ لم تزل الأوغاد تنسخ على منوالهم ، وتقتدي بأفعالهم وأقوالهم ، إلى أن شنوا عليهم الغارات ، وعقدوا لحربهم الرايات ، واصطفوا لقتالهم بصفينهم وبصرتهم ، وابتدروا لبوارهم وبوار شيعتهم ، ثمّ اغتالوا وصيه في محرابه ساجداً راكعاً ، وخذلوه متهجداً خاشعاً ، وجرعوا سبط نبيّهم ذعاف سمومهم ، وصرعوا رهطه في كربلاء بشدة عزمهم وتصميمهم.
    ثمّ جعلوا سب ذرّيّته على منابرهم في جوامعهم ، وهمز عترته في محاضرهم ومجامعهم ، شرطاً من شروط صلواتهم ، وشطراً من أوراد عباداتهم ، وجعلوا شيعتهم إلى يوم الناس هذا أذلّاء مقهورين ، وضعفاء مستورين ، قد كعمتهم (1) التقيّة ، وشملتهم البليّة ، يقصدونهم في أنفسهم وأموالهم ، ويغرّون السفهاء من جهّالهم ، ويعيرونهم بزيارة قبور أوليائهم وساداتهم ، ويبدعونهم في قصد مشاهد أئمتهم ، بغض آل الرسول مركوز في جبلّتهم ، وهظم الطاهرة البتول مرموز في خطابهم ومحاورتهم.
    ولقد شاهدت في القرية الظالم أهلها ، النائي عن الحقّ محلّها ، المغضوب عليها ، المنصوب علم الكفر لديها ، أعني بلدة دمشق الشام محل الفجرة الطغاة ، شرقي مسجدها الأعظم ، وبيت أصنامها الأقدام ، الّذي لا طهر ولا قدس ، بل على شفا جرف هار اُسِّس ، معدن العقوق ، ومركز الفسوق ، وبيت النّار ، ومجمع الفجار ، ومنبع الأشرار ، وشر من مسجد ضرار ، خربة ـ كانت فيما تقدّم مسجداً ـ مكتوب على صخرة عتبة بابها أسماء النبيّ وآله والأئمّة الاثني عشر عليهم
1 ـ الكعام : شيء يجعل على فم البعير ... وقد يجعل على فم الكلب لئلا ينبح.
    « لسان العرب : 12/522 ـ كعم ـ ».


(94)
السلام ، وبعدهم : هذا قبر السيّدة ملكة بنت الحسين عليه السلام بن أمير المؤمنين ولفرط بغضهم لأهل بيت نبيّهم ، تركوا القيام بعمارة ذلك المقام إلى أن استهدم ، ثمّ جعلوه مطرحاً لقماماتهم ، ومرمي لنجاساتهم وقاذوراتهم ، فهزت أريحية الايمان رجلاً ممّن تمسك بولائهم أن يميط الأذى والقاذورات عن تلك الخربة ، لأنّها وإن لم تكن مدفناً لأحد من ذريتهم فقد شرفت بنسبتها إليهم ، فجدد بناءه واتّخذه مسجداً مهيّئاً للصلاة.
    فلمّا أتمه وأماط الأرجاس عنه وألقى القمامة علم بذلك شيخ إسلامهم وبلغام (1) زمانهم وأحد أعلامهم وأكثر أصنامهم ، عدوّ الله ورسوله ، الكافر بفعله وقوله ، المانع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه ، التام في النفاق حدّه ورسمه ، فأقبل الشقيّ في جمع من المنافقين ، والعصب المارقين وأمر بهدم ذلك المسجد ، وأن يعاد مطرحاً للقمامات والقاذورات كما كان أولاً ، وأحضر معه رجلاً نصرانياً ممّن يعالج قطع الأحجار وأمره أن يمحو أسماء النبيّ والأئمّة الطاهرين عن تلك الصخرة قائلاً : ترك هذه الأسماء على هذه الصخرة من أعظم بدعة في الاسلام ، أفمن كان هذا دينهم ومعتقدهم هل يشكّ عاقل في كفرهم وارتدادهم ، أو يرتاب في إلحادهم ؟ وليس ذلك ببدع من نفاقهم ، فهم فرع الشجرة الملعونة في القرآن ، وأتباع جند الشيطان ، وأعداء الرحمن ، شرّ من قوم لوط وثمود ، وأخبث من عاد قوم هود ، فهم الكافرون الجاحدون المنافقون المارقون ، ( يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متمّ نوره ولو كره الكافرون ) (2). اللّهمّ العنهم وأشياعهم وأتباعهم لعناً وبيلاً ، وعذبهم عذاباً أليماً.
1 ـ كذا في الأصل.
2 ـ سورة الصف : 8.


(95)

    فمنها ما اختص به في حياته ، ومنها ما ظهر بعد وفاته ، فلنبدأ بما حصل في حياته وقبل مولده.
    في كتاب الأنوار : إنّ الله سبحانه هنّأ النبيّ صلّى الله عليه وآله بحمل الحسين عليه السلام وولادته ، وعزاه بقتله ، فعرفت فاطمة ذلك فكرهته ، فنزل قوله تعالى : ( حملته اُمّه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ) (1) فحمل النساء تسعة أشهر ، ولم يولد مولود لستّة أشهر فعاش غير الحسين وعيسى عليهما السلام.
    غرر أبي الفضل بن خيرانة (2) أن فاطمة عليها السلام اعتلت لمّا ولدت الحسين عليه السلام وجف لبنها ، فطلب له رسول الله صلّى الله عليه وآله مرضعاً فلم يجد ، فكان رسول الله صلّى الله عليه وآله يأتيه فيلقمه إبهامه فيمصّها ، فيجعل الله له في إبهام رسول الله صلّى الله عليه وآله رزقاً يغذوه.
1 ـ سورة الأحقاف : 15.
2 ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : عن أبي الفضل بن جبير.


(96)
    وقيل : إن رسول الله صلّى الله عليه وآله كان يدخل لسانه في فيه فيغرّه (1) كما يغر الطير فرخه ، فيجعل الله له في ذلك رزقاً يغذوه ، ففعل ذلك أربعين يوماً وليلة ، فنبت اللحم واشتدّ العظم منه من لحم رسول الله صلّى الله عليه وآله. (2).
    عن برّة أبنة أميّة الخزاعي قالت : لما حملت فاطمة بالحسن عليه السلام خرج النبيّ صلّى الله عليه وآله في بعض حوائجه (3) فقال لها : إنّك ستلدين غلاماً قد هنأني به جبرئيل فلا ترضعيه حتّى أصير إليك.
    قالت : فدخلت على فاطمة حين وضعت (4) الحسن عليه السلام ولها (5) ثلاث ما أرضعته ، فقلت لها : أعطينيه حتّى ارضعه.
    قالت : كلا ، ثمّ أدركتها رقة الاُمّهات فأرضعته ، فلمّا جاء النبيّ صلّى الله عليه وآله قال لها : ماذا صنعت ؟
    قالت : أدركتني عليه رقة الاُمّهات فأرضعته.
    فقال صلّى الله عليه وآله : أبى الله سبحانه إلا ما أراد ، فلمّا حملت بالحسين عليه السلام قال لها : يا فاطمة ، إنّك ستلدين غلاماً قد هنأني به جبرئيل فلا ترضعيه حتّى أجيء إليك ولو أقمت شهراً.
    قالت : أفعل ، وخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله في بعض حوائجه (6) ،
1 ـ أيّ يزقّه.
2 ـ مناقب ابن شهراشوب : 4/50 ، عنه البحار : 43/253 ح 31 ، ومدينة المعاجز : 3/492 ح 1004 وص493 ح 1005 ، وعوالم العلوم : 17/21 ح 14 و1.
3 ـ في المناقب : وجوهه.
4 ـ في المناقب : ولدت.
5 ـ في المناقب : وله.
6 ـ في المناقب : وجوهه.


(97)
فولدت فاطمة الحسين عليهما السلام ، فما أرضعته حتّى جاء رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال لها : ماذا صنعت ؟
    قالت : ما أرضعته ، فأخذه رسول الله صلّى الله عليه وآله فوضع (1) لسانه في فمه ، فجعل الحسين عليه السلام يمص حتّى قال النبيّ صلّى الله عليه وآله : إيهاً حسين ، إيهاً حسين ، ثمّ قال : أبى الله إلا ما يريد هي فيك وفي ولدك ـ يعني الامامة ـ. (2)
    ولمّا منع الحسين عليه السلام من الماء أخذ سهماً وعدّ فوق خيام النساء تسع خطوات ، فحفر الموضع ، فنبع ماء طيّب فشربوا وملأوا قربهم. (3)
    وروى الكلبي : أنّ مروان قال للحسين عليه السلام : لولا فخركم بفاطمة بما كنتم تفخرون علينا ؟
    فوثب الحسين عليه السلام فقبض على حلقه وعصره ، ولوى عمامته في عنقه حتّى غشي عليه ، ثمّ تركه ، ثمّ تكلّم وقال آخر كلامه : والله ما بين جابلقا (4) وجابرسا رجل ممّن ينتحل الاسلام أعدى لله ولرسوله ولأهل بيته منك ومن أبيك إذ كان ، وعلامة ذلك أنّك إذا غضبت سقط رداؤك عن منكبك.
    قال : فوالله ما قام مروان [ من مجلسه ] (5) حتّى غضب فانتفض فسقط
1 ـ في المناقب : وجوهه.
2 ـ مناقب ابن شهراشوب : 4/50 ، عنه البحار : 43/254 ح 32 ، ومدينة المعاجز : 3/493 ح 1006 ، وعوالم العلوم : 17/22 ح 2.
3 ـ مناقب ابن شهراشوب : 4/50 ، عنه مدينة المعاجز : 3/494 ح 1007.
4 ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : جابرقا.
5 ـ من المناقب.


(98)
رداؤه عن عاتقه. (1)
    زرارة بن أعين : قال : سمعت الصادق عليه السلام يحدث عن آبائه عليهم السلام أنّ مريضاً شديد الحمّى عادة الحسين عليه السلام ، فلمّا دخل من باب الدار طارت الحمّى عن الرجل ، فقال الرجل : رضيت بما اُوتيتم [ به ] (2) حقّاً ، والحمّى تهرب منكم.
    فقال الحسين عليه السلام : والله ما خلق الله شيئاً إلا وقد أمره بالطاعة لنا.
    قال : فإذا نحن نسمع الصوت ولا نرى الشخص يقوم : لبيك.
    قال : أليس أمير المؤمنين أمرك ألا تقربي إلا عدوّاً لنا أو مذنباً لكي تكوني كفّارة لذنوبه ، فما بال هذا (3) وكان المريض عبد الله بن شداد الليثي. (4)
    تهذيب الأحكام (5) : [ قال أبو عبد الله عليه السلام : ] (6) إنّ امرأة كانت
1 ـ مناقب ابن شهراشوب : 4/51 ، عنه البحار : 44/206 ح 2 ، وعوالم العلوم : 17/86 ح 1 وعن الاحتجاج : 299.
    وأخرجه في مدينة المعاجز : 3/497 ح 1011 عن الاحتجاج. وفي ص 498 ح 1012 عن المناقب.
2 و 3 ـ من المناقب.
4 ـ مناقب ابن شهراشوب : 4/51 ، عنه البحار : 44/183 ح 8 ، ومدينة المعاجز : 3/499 ح 1013 ، وعوالم العلوم : 17/48 ح 1.
    وروى مثله في رجال الكشي : 87 ، عنه البحار : 44/183 ح 9 ، وعوالم العلوم : 17/48 ح 2.
5 ـ تهذيب الأحكام : 5/470 ح 293 ، عنه البحار : 44/183 ح 10 ، ومدينة المعاجز : 3/506 ح 1023 ، وعوالم العلوم : 17/47 ح 3.
6 ـ من المناقب.


(99)
تطوف وخلفها رجل فأخرجت ذراعها ، فمال بيده حتّى وضعها على ذراعها فبقيت (1) يده في ذراعها حتّى قطع الطواف ، فأرسل إلى الأمير واجتمع الناس ، وارسل إلى الفقهاء فجعلوا يقولون : اقطع يده فهو الّذي جنى الجناية.
    فقال : ها هنا أحد (2) من ولد رسول الله صلّى الله عليه وآله ؟
    فقالوا : نعم ، الحسين بن عليّ عليه السلام قدم الليلة ، فأرسل إليه فدعاه ، فقال : انظر ما لقي هذان ، فاستقبل الكعبة ورفع يديه ومكث طويلاً يدعو ، ثمّ جاء إليهما حتّى تخلّصت يده من يدها ، فقال الأمير : ألا نعاقبه بما صنع ؟
    قال : لا. (3)
    صفوان بن مهران : قال : سمعت الصادق عليه السلام يقول : رجلان اختصما في زمن الحسين عليه السلام في إمرأة وولدها ، فقال واحد : هذا لي ، وقال الآخر : هو لي ، فمرّ بهما الحسين عليه السلام فقال لهما : فيما تمرجان ؟
    قال أحدهما : إنّ هذه الامرأة لي.
    وقال الآخر : بل الولد والامرأة لي.
    فقال للمدّعي الأوّل : اقعد ، فقعد وكان الغلام رضيعاً ، فقال الحسين عليه السلام : يا هذه اصدقي من قبل أن يهتك الله سترك.
    فقالت : هذا زوجي ، والولد له ، ولا أعرف هذا.
    فقال عليه السلام للغلام : انطق بإذن الله.
1 ـ في المناقب : فأثبت الله.
2 ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : فقيل : هنا رجل.
3 ـ مناقب ابن شهراشوب : 4/51.


(100)
    فقال الغلام : ما أنا لهذا ، ولا لهذا وما أبي الا راعي لآل فلان. فأمر عليه السلام برجمها.
    قال جعفر عليه السلام (1) : فلم يسمع أحد انّ غلاماً نطق بعدها (2).
    الأصبغ بن نباتة : قال : سألت الحسين عليه السلام ، فقلت : يا سيّدي ، أسألك عن شيء أنا به موقن ، وإنّه من سر الله وأنت المسرور إليه ذلك السرّ.
    فقال : يا اصبغ ، أتريد أن ترى مخاطبة رسول الله صلّى الله عليه وآله لأبي دون (3) يوم مسجد قبا ؟
    قلت : هوالذي أردت. قال : قم ، فإذا أنا وهو بالكوفة ، فنظرت فإذا أنا بالمسجد من قبل ان يرتد إليّ بصري ، فتبسم في وجهي ، ثمّ قال : يا أصبغ ، إن سليمان عليه السلام اُعطي الريح غدوها شهر ورواحها شهر ، وأنا قد اُعطيت أكثر ممّا اُعطي.
    فقلت : صدقت والله يا ابن رسول الله.
    فقال : نحن الّذين عندنا علم الكتاب وبيان ما فيه ، وليس عند أحد من خلقه ما عندنا لأننا أهل سر الله ، ثمّ تبسم في وجهي ، ثمّ قال : نحن آل الله ، وورثة رسول الله عليه وآله.
    فقلت : الحمد لله على ذلك ، ثمّ قال : اُدخل ، فدخلت فإذا أنا برسول الله صلّى الله عليه وآله مختبىء في المحراب بردائه ، فنظرت فإذا أنا بأميرالمؤمنين
1 ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : أبوجعفر ـ وهو تصحيف ـ.
2 ـ في المناقب : فلم يسمع أحد نطق ذلك الغلام بعدها.
3 ـ في المناقب : لأبي دون.
    والدون : الخسيس ، عبر به عن الأوّل والثاني تقيّة.


(101)
عليه السلام قابض على تلابيب الأعسر (1) ، فرأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله يعض على الأنامل وهو يقول : بئس الخلف خلّفتني أنت وأصحابك ، عليكم لعنة الله ولعنتي ، الخبر. (2)
    كتاب الإبانة : قال بشر بن عاصم : سمعت ابن الزبير يقول : قلت للحسين عليه السلام : إنّك تذهب إلى قوم قتلوا أباك ، وخذلوا أخاك !
    فقال عليه السلام : لإن اقتل في موضع كذا وكذا أحبّ إليّ من أن يستحل بي مكّة ، عرّض به عليه السلام.
    كتاب التخريج : عن العامري بالإسناد عن هبيرة بن مريم (3) ، عن ابن عبّاس ، قال : رأيت الحسين عليه السلام قبل أن يتوجه إلى العراق على باب الكعبة وكف جبرئيل في كفه ، وجبرئيل ينادي : هلمّوا إلى بيعة الله سبحانه.
    وعُنّف ابن عبّاس على تركه الحسين عليه السلام ، فقال : إنّ أصحاب الحسين لم ينقصوا رجلاً ولم يزيدوا رجلاً ، نعرفهم بأسمائهم من قبل شهودهم.
    وقال محمد بن الحنفيّة : وإنّ أصحابه عندنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم. (4)
1 ـ الأعسر : الشديد أو الشؤوم ، والمراد به الأوّل أو الثاني.
2 ـ مناقب ابن شهراشوب : 4/51 ـ 52 ، عنه البحار : 44/184 ذ ح 11 ، ومدينة المعاجز : 3/500 ح 1015 وص 501 ح 1016 ، وعوالم العلوم : 17/49 ح 1 وص 50 ح 1.
3 ـ في المناقب : بريم.
4 ـ مناقب ابن شهراشوب : 4/52 ـ 53 ، عنه البحار : 44/185 ح 12 ، ومدينة المعاجز : 3/503 ح 1017 ـ 1019 ، وعوالم العلوم : 17/54 ح 2 وص 41 ح 1.


(102)

    سأل رجل الحسين (1) عليه السلام حاجة ، فقال صلوات الله عليه : يا هذا ، سؤالك إيّاي يعظم لديّ ، ومعرفتي بما يجب لك يكبر عليّ ، ويدي تعجز عن نيلك ممّا أنت أهله ، والكثير في ذات الله قليل ، وما في ملكي وفاء لشكرك ، فإن قبلت الميسور دفعت عنّي مؤنة (2) الاحتيال لك ، والاهتمام لما أتكلّف من واجب حقك.
    فقال الرجل : يا ابن رسول الله ، أقبل ( اليسير ) (3) ، وأشكر العطية ، وأعذر على المنع ، فدعا الحسين عليه السلام بوكيله وجعل يحاسبه على نفقاته حتّى استقصاها ، ثمّ قال : هات الفاضل من الثلاثمائة الف ، فأحضر خمسين ألفاً من الدراهم. فقال : ما فعلت الخمسمائة دينار ؟
    قال : هي عندي.
    قال : احضرها ، فدفع الدراهم والدنانير إلى الرجل ، فقال : هات من
1 ـ في جميع المصادر باستثناء مقتل الخوارزمي : الحسين.
2 ـ في المقتل : مرارة ، وفي الكشف : [ الاحتفال ] بدل [ الاحتيال ].
    يقال : احتفل في الأمر : أيّ بالغ فيه.
3 ـ من المقتل.


(103)
يحمل معك هذا المال ، فأتاه بالحمّالين ، فدفع الحسين إليهم رداءه لكراء حملهم حتّى حملوه معه ، فقال مولى له : والله لم يبق عندنا درهم واحد.
    قال : لكنّي أرجوا أن يكون لي بفعلي هذا عندالله ، أجر عظيم. (1)
    قيل : خرج الحسن عليه السلام في سفر فأضلّ طريقة ليلاً ، فمرّ براعي غنم فنزل عنده وألطفه وبات عنده ، فلمّا أصبح دله على الطريق ، فقال له الحسن عليه السلام : إنّي ماض إلى ضيعتي (2) ، ثمّ أعود إلى المدينة ، ووقّت له وقتاً قال : تأتيني فيه ، فلمّا جاء الوقت شغل الحسن بشيء من اموره عن قدوم المدينة ، فجاء الراعي وكان عبداً لرجل من أهل المدينة فصار إلى أبي عبد الله الحسين عليه السلام وهو يظنّه الحسن ، فقال : يا مولاي ، أنا العبد الّذي بتَّ عندي ليلة كذا وأمرتني (3) أن اصير إليك في هذا الوقت ، وأراه علامات عرف الحسين عليه السلام أنّه كان الحسن عليه السلام.
    فقال الحسين عليه السلام : لمن أنت ؟
    فقال : لفلان. قال : كم غنمك ؟ قال : ثلاثمائة.
1 ـ مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 1/153.
    ورواه في مطالب السؤول : 2/9 ، عنه كشف الغمة : 1/558 ـ 559.
    ورواه في الفصول المهمة : 157 ، عنه حلية الأبرار : 3/63 ح 6 وعن المطالب.
    وأخرجه في البحار : 43/347 ح 20 عن الكشف.
2 ـ الضيعة : النخل والكرم والأرض.
3 ـ في المقتل : ووعدتني.


(104)
    فأرسل عليه السلام إلى الرجل فرغّبه حتّى باعه الغنم والعبد فأعتقه ووهب له الغنم مكافأة عمّا صنع بأخيه ، وقال : إنّ الّذي بات عندك أخي وقد كافيتك بفعلك به. (1)
    وروى الحسن البصري : قال : كان الحسين سيداً ، زاهداً ، ورعاً ، صالحاً ، ناصحاً ، حسن الخلق ، فذهب ذات يوم مع أصحابه إلى بستان له وكان في ذلك البستان غلام له يقال له صافي ، فلمّا قرب من البستان رأى الغلام قاعداً يأكل خبزاً ، فنظر الحسين إليه وجلس مستتراً ببعض النخل ، فكان الغلام يرفع الرغيف فيرمي بنصفه إلى اكلب ويأكل نصفه ، فتعجب الحسين عليه السلام من فعل الغلام ، فلمّا فرغ من الأكل قال : الحمد لله ربّ العالمين. اللّهمّ اغفر لي ولسيدي وبارك له كما باركت على أبويه برحمتك يا أرحم الراحمين.
    فقام الحسين عليه السلام وقال : يا صافي ، فقام الغلام فزعاً ، فقال : يا سيّدي وسيد المؤمنين إلى يوم القيامة ، إنّي ما رأيتك فاعف عني.
    فقال الحسين عليه السلام : اجعلني في حلّ يا صافي لأني دخلت بستانك بغير إذنك.
    فقال صافي : يا سيّدي بفضلك وكرمك وسؤددك تقول هذا.
    فقال الحسين عليه السلام : إنّي رأيتك ترمي بنصف الرغيف إلى الكلب وتأكل نصفه ، فما معنى ذلك ؟
    فقال الغلام : إن [ هذا ] (2) الكلب ينظر إليّ حين أكلي ، فإنّي أستحي منه يا
1 ـ مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 1/153.
2 ـ من المقتل.


(105)
سيدي لنظره إليّ ، وهذا كلبك يحرس بستانك من الأعداء ، وأنا عبدك وهذا كلبك نأكل من رزقك معاً.
    فبكى الحسين عليه السلام وقال : إن كان كذلك فأنت عتيق لله ووهبت لك ألفي دينار بطيبة من قلبي.
    فقام الغلام : إن أعتقتني لله فإنّي اريد القيام ببستانك.
    فقال الحسين : إنّ الكريم (1) إذا تكلّم بالكلام ينبغي له أن يصدقه بالفعل ، وأنا قلت حين دخلت البستان : اجعلني في حلّ فإنّي دخلت بستانك بغير إذنك ، فصدقت قولي ، ووهبت البستان لك بما فيه ، غير أنّ أصحابي هؤلاء جاءوالأكل الثمار والرطب فاجعلهم أضيافاً لك ، وأكرمهم لأجلي أكرمك الله يوم القيامة وبارك لك في حسن خلقك وأدبك.
    فقال الغلام : إن كنت أوهبت لي بستانك فإنّي قد سبلته لأصحابك وشيعتك.
    قال الحسن البصري : فينبغي للمؤمن أن يكون في الفعال كنافلة (2) رسول الله صلّى الله عليه وآله. (3)
    وروي : أنّ الحسين عليه السلام كان جالساً في المسجد ، مسجد النبيّ صلّى الله عليه وآله في الموضع الّذي كان يجلس فيه أخوه الحسن عليه السلام ، بعد وفاة أخيه عليه السلام ، فأتاه أعرابي فسلّم عليه ، فردّ عليه السلام وقال : ما حاجتك ؟
1 ـ في المقتل : الرجل.
2 ـ النافلة : الذرّيّة من الأحفاد والأسباط.
3 ـ مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 1/153 ـ 154.
تسلية المُجالس وزينة المَجالس الجزء الثاني ::: فهرس