تسلية المُجالس وزينة المَجالس الجزء الثاني ::: 106 ـ 120
(106)
    قال إنّي قتلت ابن عمّ لي وقد طولبت بالدية ، وقد قصدتك في دية مسلمة إلى أهلها.
    قال أقصدت أحداً قبلي ؟
    قال : نعم ، قال : قصدت عتبة بن أبي سفيان فناولني خمسين ديناراً ، فرددتها عليه ، وقلت : لأقصدنّ خيراً منك وأكرم.
    فقال عتبة : ومن خير منّي وأكرم لا اُمّ لك ؟ فقلت الحسين وعبد الله بن جعفر (1) ، وقد أتيتك بدءاً لتقيم بها عمود ظهري وتردّني إلى أهلي.
    فقال الحسين عليه السلام : يا أعرابي ، إنّا قوم نعطي المعروف على قدر المعرفة.
    فقال : سل ، يا ابن رسول الله.
    فقال الحسين : ما النجاة من الهلكة ؟
    قال : التوكّل على الله.
    فقال : ما أوفى للهمة ؟
    فقال : الثقة بالله.
    فقال : ما احصن ما يتحصّن به العبد ؟
    قال : بحبّكم أهل البيت.
    قال : ما أزين ما يتزيّن به العبد ؟
    قال : علم يزيّنه حلم.
1 ـ في المقتل : إمّا الحسين بن علي وإما عبد الله بن جعفر.

(107)
    قال : فإن أخطأه ذلك.
    قال : عقل يزيّنه تُقى.
    قال : فإن أخطأه ذلك.
    قال : سخاء يزيّنه خلق حسن.
    قال : فإن أخطأه ذلك.
    قال : شجاعة يزينها ترك العجب.
    قال : فإن أخطأه ذلك.
    قال : والله يا ابن رسول الله إن أخطأ المرء هذه الخصال فالموت أنسب به من الحياة.
    وفي رواية أنّه قال : فصاعقة تنزل عليه من السماء فتحرقه.
    فضحك الحسين عليه السلام وأمر بعشرة آلاف درهم له وقال : هذا قضاء ديتك الّتي وجبت عليك ، وعشرة آلاف اخرى ترمّ (1) بها معيشتك ، فأخذ الجميع الأعرابي وأنشأ يقول :
طربت وماهاج بي (2) مقلق ولكن طربت لآل الرسول هم الأكرمون هم الأنجبون وما بي سقام ولا معشق (3) فهاج بي (4) الشعر والمنطق نجوم السماء بهم تشرق

1 ـ الرمّ : إصلاح الشيء.
2 ـ في المقتل : قلقت وما هاجني.
3 ـ في المقتل : موبق.
4 ـ في المقتل : ففاجأني.


(108)
فأنت الامام (1) وبدر الظلام سبقت الأنام إلى المركمات أبوك الّذي فاز بالمكرمات بكم فتح الله باب االرشاد (3) ومعطي الأنام إذا أملقوا فأنت الجواد فلا تلحق (2) فقصّر عن سبقه السبّق وباب الضلال بكم مغلق (4)

1 ـ في المقتل : الهمام.
2 ـ في المقتل : وأنت سبقت الأنام إلى الطيبات ... وما.
3 ـ في المقتل : الهدى.
4 ـ مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 1/155 ـ 157 ، باختلاف.


(109)

    روي بحذف الإسناد : أن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال يوماً لاُمّ سلمة : اجلسي على الباب فلا يلجنّ عليّ أحد.
    قال : فجاء الحسين عليه السلام وهو وحف (1) ، قالت : فذهبت أتناوله فسبقني ، فلمّا طال عليَّ خفت أن يكون قد وجد رسول الله صلّى الله عليه وآله علي شيئاً ، فتطلعت من الباب فوجدته يقلب بكفيه شيئاً والصبيّ نائم على بطنه ودموعه تسيل ، فأمرني أن أدخل ، فدخلت وقلت : يا رسول الله صلّى الله عليك ، إن ابنك جاء فذهبت أتناوله فسبقني فلمّا طال عليَّ خفت أن تكون وجدت في نفسك عليَّ شيئاً ، فتطلعّت من الباب فوجدتك تقلّب بكفّيك شيئاً ودموعك تسيل والصبيّ نائم على بطنك.
    فقال صلّى الله عليه وآله : إنّ جبرئيل أتاني بهذه التربة الّتي يقتل عليها ابني ، وأخبرني إنّ اُمّتي تقتله. (2)
1 ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : وصيف.
    والوحف : المسرع.
2 ـ مقتل الحسين عليه السلام الخوارزمي : 1/158.
وروى نحوه في أمالي الصدوق : 120 ح 3 ، عنه البحار : 44/225 ح 8 ، وعوالم العلوم : 17/128 ح 10.


(110)
    وفي رواية اخرى : عن اُمّ الفضل بنت الحارث أنّها دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فقالت : يا رسول الله ، إنّي رأيت حلماً منكراً الليلة.
    قال : وما هو ؟
    قالت : رأيت كأنّ قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري.
    فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : رأيت خيراً ، تلد فاطمة إن شاء الله غلاماً فيكون في حجرك.
    فولدت فاطمة الحسين عليه السلام فكان في حجري كما قال صلّى الله عليه وآله فدخلت يوماً على رسول الله صلّى الله عليه وآله فوضعته في حجره ، ثمّ حانت منّي التفاتة فإذا عينا رسول الله عليه وآله تهرقان بالدموع ، فقلت : يا نبيّ الله ، بأبي أنت واُمّي مالك.
    فقال صلّى الله عليه وآله وسلم : أتاني جبرئيل وأخبرني إنّ اُمّتي ستقتل ابني هذا.
    فقلت : هذا ؟
    فقال : نعم ، وأتاني بتربة من تربتة حمراء. (1)
    وفي رواية اُمّ سلمة : أخبرني جبرائيل إن اُمّتي ستقتله بأرض العراق. فقلت : يا جبرائيل ، أرني تربة الأرض الّتي يقتل بها ، فأراني (2) ، فهذه
1 ـ مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 1/158 ـ 159.
    ورواه في مستدرك الحاكم : 3/176 ، دلائل الامامة : 72 ، إرشاد المفيد : 250 ، ترجمة الامام الحسين عليه السلام من تاريخ دمشق : 183/232.
    وأخرجه في البحار : 44/238 ح 30 ، وعوالم العلوم : 17/127 ح 7 عن الارشاد.
2 ـ في المقتل : قال.


(111)
تربتها. (1)
    وعن ابن عبّاس : قال : ما كنّا نشك وأهل البيت متوافدون على أنّ الحسين عليه السلام يقتل بالطف (2).
    روي بالاسناد : أن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : هبط عليَّ جبرائيل عليه السلام في قبيل من الملائكة قد نشروا أجنحتهم يبكون حزناً على الحسين ، وجبرائيل معه قبضة من تربة الحسين عليه السلام تفوح مسكاً أذفر ، فدفعها إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله ، وقال : يا حبيب الله ، هذه تربة ولدك الحسين عليه السلام وسيقتله اللعناء بأرض يقال لها كربلاء.
    قال : فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : حبيبي جبرائيل ، وهل تفلح اُمّة تقتل فرخي وفرخ ابنتي ؟
    قال : لا ، بل يضربهم الله بالاختلاف ، فتختلف قلوبهم وألسنتهم آخر الدهر.
    وقال شرحبيل بن أبي عون : إن الملك الّذي جاء إلى النبيّ إنّما كان ملك البحار ، وذلك انّ ملكاً من ملائكة الفردوس (3) نزل إلى البحر الأعظم ، ثمّ نشر أجنحته وصاح صيحة ، وقال في صيحته : يا أهل البحار البسوا أثواب الحزن فإن فرخ محمد مقتول مذبوح ، ثمّ جاء إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله ، فقال : يا حبيب الله ، تقتتل على هذه الأرض [ فرقتان ؛ ] (4) فرقة من اُمّتك ظالمة معتدية
1 ـ مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 1/159.
2 ـ مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 1/160.
3 ـ في المقتل : الفراديس.
4 ـ من المقتل.


(112)
فاسقة يقتلون فرخك الحسين بن بنتك بأرض كرب وبلاء ، وهذه تربته.
    قال : ثمّ ناوله قبضة من أرض كربلاء وقال : تكون هذه التربة عندك حتّى ترى علامة ذلك ، ثمّ حمل ذلك الملك من تربة [ الحسين في بعض أجنحته فلم يبق ملك في سماء الدنيا إلا شم تلك التربة ] (1) وصار لها عنده أثر وخبر.
    قال : ثمّ أخذ النبيّ تلك القبضة الّتي جاء بها الملك فشمها وهو يبكي ويقول في بكائه : اللّهمّ لا تبارك في قاتل الحسين ولدي ، وأصله نار جهنّم ، ثمّ دفع القبضة إلى اُمّ سلمة وأخبرها بمقتل الحسين عليه السلام على شاطىء الفرات وقال : يا اُمّ سلمة ، خذي هذه التربة إليك فإنها إذا تغيّرت وتحوّلت دماً عبيطاً فعند ذلك يقتل ولدي الحسين ، فلمّا أتى على الحسين سنة كاملة من مولده هبط على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم اثنا عشر ملكاً أحدهم على صور الأسد ، والثاني على صورة الثور ، والثالث على صورة التنيين والرابع على صورة بني (2) آدم ، والثمانية الباقية (3) على صور شتّى محمرة وجوههم قد نشروا أجنحتهم ، يقولون : يا محمد إنّه سينزل بولدك الحسين بن فاطمة ما نزل بهابيل وقابيل. (4)
    قال : ولم يبق في السماء ملك إلا نزل إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله كلّ يعزّيه بالحسين عليه السلام ويخبره بثواب ما يعطى ، ويعرض عليه تربته ،
1 ـ من المقتل.
2 ـ في المقاتل : ولد.
3 ـ في المقتل : الباقون.
4 ـ زاد في المقتل : وسيعطى مثل أجر هابيل ، ويحمل على قاتله مثل وزر قابيل.


(113)
والنبي صلّى الله عليه وآله يقول : اللّهمّ اخذل من خذله ، واقتل من قتله ، ولا تمتعه بما طلبه.
    قال المسور بن مخرمة : ولقد أتى النبيّ صلّى الله عليه وآله ملك من ملائكة الصفيح الأعلى لم ينزل إلى الأرض منذ خلق الله الدنيا ، وإنّما استأذن ذلك الملك ربّه ونزل شوقاً منه إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله فلمّا نزل إلى الأرض أوحى الله سبحانه إليه أن اخبر محمّداً بأن رجلاً من اُمته يقال له يزيد لعنه الله تعالى يقتل فرخه الطاهر ابن الطاهرة نظيرة البتول مريم.
    قال : فقال الملك : إلهي وسيّدي ، لقد نزلت من السماء وأنا مسرور بنزولي إلى نبيّك محمد ، فكيف أخبره بهذا الخبر ؟! ليتني لم أنزل عليه ، فنودي الملك من فوق رأسه : أن امض لما اُمرت ، فجاء وقد نشر أجنحته [ حتّى وقف ] (1) بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وآله وقال : السلام عليك يا حبيب الله ، إنّي استأذنت ربّي في النزول إليك فأذن لي ، فليت ربّي دق جناحي ولم آتك بهذا الخبر ، ولكنّي مأمور ، يا نبيّ الله ، اعلم أن رجلاً من اُمتك يقال له يزيد زاده الله عذاباً ، يقتل فرخك الطاهر ابن فرختك الطاهرة نظيرة البتول مريم ، ولم يتمتع بعد ولدك ، وسيأخذه الله معاوضة على أسوء عمله ، فيكون من أصحاب النار.
    قال : فلمّا أتى على الحسين سنتان كاملتان خرج النبيّ صلّى الله عليه وآله في سفر ، فلمّا كان (2) ببعض الطريق وقف واسترجع ودمعت عيناه ، فسئل عن ذلك ، فقال : هذا جبرائيل يخبرني عن أرض بشاطىء الفرات يقال لها
1 ـ من المقتل.
2 ـ صار ـ خ ل ـ.


(114)
كربلاء يقتل فيها ولدي الحسين بن فاطمة.
    فقيل : من يقتله ، يا رسول الله ؟
    قال : رجل يقال له يزيد ، لا بارك الله له في نفسه ، وكأنّي أنظر إلى مصرعه ومدفنه بها وقد اُهدي رأسه ، ما ينظر أحد إلى رأس الحسين ولدي فيفرح إلا خالف الله بين قلبه ولسانه ، يعني ليس في قلبه ما يقول (1) بلسانه من الشهادة.
    قال : ثمّ رجع رسول الله صلّى الله عليه وآله من سفره ذلك مغموماً ، ثمّ صعد المنبر فخطب ووعظ الناس ، والحسن والحسين بين يديه ، فلمّا فرغ من خطبته وضع يده اليمنى على رأس الحسن ، واليسرى على رأس الحسين عليهما السلام ، ثمّ رفع رأسه إلى السماء ، فقال : اللّهمّ إنّي محمد عبدك ونبيك ، وهذان أطائب عترتي ، وخيار ذرّيّتي وأرومتي ومن اُخلفهما (2) في اُمّتي.
    اللّهمّ وقد أخبرني جبرائيل بأنّ ولدي هذا مخذول مقتول.
    اللّهمّ بارك لي في قتله ، واجعله من سادات الشهداء ، إنّك على كلّ شيء قدير.
    اللّهمّ ولا تبارك في قاتله وخاذله.
    قال : فضج الناس بالبكاء في المسجد ، فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله : أتبكون ولا تنصرونه ؟ اللّهمّ فكن أنت له ولياً وناصراً.
    قال ابن عبّاس : خرج (3) النبيّ صلّى الله عليه وآله في سفر قبل موته بأيام
1 ـ في المقتل : ما يكون.
2 ـ كذا في المقتل : ، وفي الأصل : اُخلفهم.
3 ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : ثمّ خرج.


(115)
يسيرة ، ثمّ رجع وهو متغيّر اللون محمرّ الوجه ، فخطب خطبة بليغة موجزة وعيناه تهملان دموعاً ، ثمّ قال : أيّها الناس ، إنّي قد خلّفت فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي وأرومتي ومراح قلبي وثمرتي ، لم (1) يفترقاحتى يراد عليّ الحوض ، ألا وإنّي أنتظرهما ، ألا وإنّي لا أسألكم في ذلك إلا ما أمرني ربّي ، إنّي أسألكم المودّة في القربى ، فانظروا لا تلقوني غداً على الحوض وقد أبغضتم عترتي وظلمتموهم ، ألا وإنّه سترد علي في القيامة ثلاث رايات من هذه الاُمّة : راية سوداء مظلمة فتقف علي فأقول : من أنتم ؟ فينسون ذكري ويقولون : نحن أهل التوحيد من العرب ، فأقل : أنا أحمد نبيّ العرب والعجم ، فيقولون : نحن من اُمتك ، فأقول : كيف خلّفتموني في أهلي وعترتي من بعدي وكتاب ربّي ؟ فيقولون : أمّا الكتاب فضيعنا ومزقنا ، وأمّا عترتك فحرصنا على أن نبيدهم (2) عن جديد الأرض ، فاُوليّ وجهي ، فيصدرون ظماء عطاشاً مسودة وجوههم.
    ثمّ ترد علي راية اُخرى أشدّ سواداً من الاُولى [ فأقول لهم : من أنتم ؟ ] (3) فيقولون كالقول الأوّل بأنهم من أهل التوحيد ، فإذا ذكرت لهم اسمي عرفوني ، وقالوا : نحن اُمتك ، فاقول : كيف خلّفتموني في الثقلين الأكبر والأصغر ؟ فيقولون : أمّا الأكبر فخالفنا ، وأمّا الاصغر فخذلنا ( ومزّقناهم كلّ ممزّق ) (4) ، فأقول لهم : إليكم عنّي ، فيصدرون ظماء عطاشاً مسودة وجوههم.
    ثمّ ترد عليَّ راية اُخرى تلمع نوراً ، فأقول : من أنتم ؟ فيقولون : نحن أهل
1 ـ في المقتل : ومزاج مائي وثمرتي ، ولن.
2 ـ في المقتل : ننبذهم.
3 ـ من المقتل.
4 ـ سورة سبأ : 19.


(116)
كلمة التوحيد والتقوى ، نحن اُمّة محمد ، ونحن بقيّة أهل الحقّ الّذين حملنا كتاب الله ربّنا فحللنا حلاله ، وحرمنا حرامه ، وأحببنا ذرّيّة محمد فنصرناهم من كلّ ما نصرنا به (1) أنفسنا ، وقاتلنا معهم ، وقتلنا من ناواهم ، فأقول لهم : أبشروا ، فأنا نبيّكم محمد ، ولقد كنتم في دار الدنيا كما وصفتم ، ثمّ أسقيهم من حوضي فيصدرون رواءً.
    ألا وإن جبرئيل قد أخبرني بأنّ اُمّتي تقتل ولدي الحسين بأرض كربلاء ، ألا فلعنة الله على قاتله وخاذله آخر الدهر.
    قال : ثمّ نزل عن المنبر ولم يبق أحد من المهاجرين والأنصار إلا وتيقّن بأن الحسين عليه السلام مقتول.
    ولمّا أسلم كعب الأحبار وقدم جعل أهل المدينة يسألونه عن الملاحم الّتي تكون في آخر الزمان وكعب يخبرهم بأنواع الملاحم والفتن ثمّ قال كعب : نعم ، وأعظمها فتنة وملحمة هي الملحمة الّتي لا تنسى أبداً ، وهو الفساد الّذي ذكره الله سبحانه في الكتب ، وقد ذكره في كتابكم بقوله : ( ظهر الفساد في البرّ والبحر ) (2) وإنّما فتح بقتل هابيل ، ويختم بقتل الحسين عليه السلام. (3) روى عبد الله [ بن عبد الله ] (4) بن الأصم ، عن عمّه يزيد بن الأصم قال : خرجت مع الحسن من الحمام ، فبينا هو جالس إذ أتته اضبارة من الكتب ، فما
1 و 4 ـ من المقتل.
2 ـ سورة الروم : 41.
3 ـ مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 1/162 ـ 165.


(117)
نظر في شيء منها حتّى دعا الخادم بإحضار مخضب فيه ماء ، ثمّ دلكها (1) ، فقلت : يا أبا محمد ، من أين هذه الكتب ؟
    فقال : من العراق ، من عند قوم لا يقصرون عن باطل ، ولا يرجعون إلى حقّ ، ثمّ قال : إنّي لست أخشاهم على نفسي ولكن أخشاهم على ذاك ـ وأشار إلى الحسين عليه السلام ـ.
    وعن ابن عبّاس رضي الله عنه : قال : أخذ بيدي عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فقال : يا عبد الله بن عبّاس ، كيف بك إذا قتلنا ، وولغت الفتنة في أولادنا ، وسبيت ذرارينا ونساؤنا كما تسبى الأعاجم ؟
    قلت : اعيذك بالله يا أبا الحسن يا ابن عمّ ، لقد كلمتني بشيء ساءني ، وما ظننت أنّه يكون ، أمّا ترى الايمان ما أحسنه ، والاسلام ما أزينه ؟ أتراهم فاعلين ذلك ؟ لعلها غير هذه الاُمة.
    قال : لا والله ، بل هذه الاُمّة ، فأمرض قلبي وساءني وصرت إلى رسول الله صلّى عليه وآله فخبرته على استحياء وخوف ، وشاركتني في ذلك ميمونة وكأنّي اُريدها بالحديث.
    فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله : الله أكبر ، من أخبرك بذلك ؟
    قلت : أخبرني به عليّ.
    فقال : رسول الله صلّى الله عليه وآله : ائت عليّاً فادعه ، فإذا هو بالباب فدخل فأمره بالجلوس ، فقال : حبيبي ما لي أراك متغيّر اللون ؟
    قال : خيراً يا رسول الله.
1 ـ في المقتل : دعا الخادم بالمخضب والماء فألقاها فيه ، ثمّ دلكها.

(118)
    قال : لعلّك ذكرت أمراً فأحزنك ؟
    قال : قد كان ذلك.
    قال : إن عبد الله قد حدّث عنك بما حدث ، فمن أين قلت ؟ لقد أمرضت قلبي وأحزنتني.
    قال : إنّ ابنتك فاطمة أخبرتني انها رأت رؤيا أقلقتني عندما قصّتها عليّ.
    فقال رسول اله صلّى الله عليه وآله : ما هيأته ؟ قال : أخبرتني انّ قائلاً يقول لها : ستكون بعدك فتنة ، وانّه يؤخذ منك ولدك وولد ولدك فلولا أنّ الله يريد ألا يهلك العباد كلّهم لرجمهم كما رجم قوم لوط بالحجارة.
    فقام النبيّ صلّى الله عليه وآله وسمع المنام من فاطمة عليها السلام وقال لها : إن ولدك يقتل ، وزوجك يقتل (1) ، وتحمل نسائي وبناتي إلى الشام ، والملائكة بذلك تخبرني ، وجاءني جبرئيل وهو يقرأ عليك السلام ويقرأ عليّاً السلام ويعزيني فيكما وفي ولديكما ولا تسكن الفتنة إلا بكما ، وإن الله جلّ جلاله وعدكما (2) الأجر والثواب ، ولك عند الله فضيلة ليس لغيرك بصبرك واحتسابك على ما ابلاك ، وعلى ولدك من بعدك ، وإنّه ليعطيك ـ يا علي ـ علماً (3) من نور فتجلس على حوضي وبين يديك ولدان من نور ، فكل من أراد الشرب من الناس والصدّيقين غير النبيّين والمرسلين والشهداء البريّين والبحريّين يكتب في رق فيعرض عليك فيأخذ الولدان أواني من نور فيسقون
1 ـ في المقتل : وذريتك تقتل.
2 ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : وفي ولدكما ... وعدك.
3 ـ في المقتل : قلَماً.


(119)
أولياءك (1) بإذنك ، وإذا أذن لأحد منهم إلى الجنّة كتبت له رقعة إلى رضوان فهي جوازه حتّى يدخل الجنة.
    عليك السلام بعدي ، وأنت الخليفة على كلامي (2) وكتاب ربّي وسنّتي فلا تكن من القاعدين ، والعن الكسلين ، إنّ الله سبحانه قد منعك من حرام الدنيا ولم يجعل لها عليك سبيلاً ولا على ولدك ، وجعل قوتهم قدراً منها ليقل حسابهم (3) ، ووهب لمن تمسك بسيرتك واعتقد محبتك ونصرة ولدك ، شفاعتك والنظر اليك جزاء بما كانوا يكسبون لا يطردون (4) عنها ولهم فيها ما تشتهي أنفسهم ، فإن كانت لهم حاجة عند ربّهم في آبائهم وأزواجهم وأولادهم وإخوانهم قضاها ، فبشر عنّي اُمّتي وعرفها ذلك ، فان السعيد يقبل ، والشقي يحرم. (5)
    قلت : سعير وجدي بتأسّفي لا تخمد ، وغزير دمعي بتلهفي لا يجمد ، وزفراتي من التراقي تصاعد ، وحسراتي بتجدّد ساعاتي تتجدّد ، حزناً على دين الحق كيف قوّضت أركانه ، ونقضت ايمانه ، وبدّلت أحكامه ، ونكست أعلامه ، وانمحت آثاره ، وخمدت أنواره ، وارتفعت اوغاد المنافقين على أمجاده ، وعلت كلمة المارقين في بلاده ، وارتدّت أهل ملته على الأعقاب ، وعلت على الرؤوس فيه الأذناب ، لمّا مات صاحب الشريعة الغرّاء ، والملّة الزهراء ، والدين الظاهر ، والنسب الطاهر ، والحسب الفاخر ، محمد سيّد
1 ـ في المقتل : تكتب لهم برقّ من نور فيأخذه الولدان وتملأ أواني ... اُولئك
2 ـ في المقتل : كتابي.
3 ـ في المقتل : الحساب.
4 ـ في المقتل : لا يصرفون.
5 ـ مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 1/166 ـ 169.


(120)
الأوائل والأواخر.
    ظهر الفساد في البرّ والبحر (1) ، واشتهر العناد في البدو والحضر ، واظهرت الأحقاد القديمة ، وغيرت الطرائق القويمة ، وعلت الأسافل على الأعالي ، وانحط من سعر الاسلام كلّ غالي ، وصار زمامه في أيدي أرذاله ، وقواُمّه في قبضة جهاله ، وسلطانه إلى أعداء صاحب دعوته مفوضاً ، وبنيانه بأكف الملحدين في آياته مقوضاً ، فأجهدوا جهدهم في إدحاض حجته ، وبذلوا وسعهم في إبطال أدلته ، ولمّا رأوا دعوته قد حكمت ، وفروضه قد استحكمت ، وقدمه في صعيد القوّة راسخة ، وفروعه في سماء العزّة شامخة ، واصوله في القلوب ثابتة ، ومسله (2) في النفوس ثابتة ، وأنواره في الآفاق ساطعة ، وحدوده لأسباب الشرك قاطعة.
    لم يتمكنوا من إطفاء نوره ، ولم يتحكّموا في إخفاء منشوره ، ولم يجدوا إلى هدم بنيانه سبباً ، وما استطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقباً ، أظهروا النصيحة للأنام والغدر حشو صدورهم ، وأضمروا هدم الاسلام بزخرفهم وغرورهم.
    فكان أوّل تدبيرهم في تغيير قواعده ، وأعظم تزويرهم في إبطال مقاصده ، صرف الأمر عن ذرّيّة نبيّهم ، والعدول بالحقّ عن عترة وليّهم ، فنقضوا عهد الرسول إليهم فيهم ، وخالفوا نصّه في الغدير وغيره عليهم ، وراموا بوارهم عن جديد الغبراء ، وإعدامهم من أقطار الدنيا ، ولو يجدوا موافقاً على جاهليّتهم ، مدافعاً عن معتقدهم ونحلتهم ، لعبدوا الأصنام ، ولاقتسموا بالأزلام ، ولعظموا الرِّجس من الأوثان ، ولا شتغلوا بعبادة الشيطان عن عبادة
1 ـ إقتباس من الآية : 41 من سورة الروم.
2 ـ كذا في الأصل.
تسلية المُجالس وزينة المَجالس الجزء الثاني ::: فهرس