تسلية المُجالس وزينة المَجالس الجزء الثاني ::: 121 ـ 135
(121)
الرحمن ، وهم وإن لم ينصبوا الأنصاب جهرة ولم يتّخذوا الأصنام آلهة فقد أحدثوا من الفساد في البلاد ، والعدوان على العباد ، والظلم لآل الرسول والهضم لذرية البتول ، ما نقضوا عبادة الأوثان عن عشر عشيره ، ويختفر بعظيم الأنداد في جنب حقيره ، من ظلم سادتهم وامرائهم ، ومن قرن الله ذكره بذكرهم ، فقتلوهم في محاريب صلواتهم ، وخذلوهم في حروبهم وغزواتهم ، وأرهفوهم برحى سمومهم ، ولم يراقبوا الله في هديهم وفديتهم ، وشنّوا عليهم غاراتهم ، ونصبوا العداوة لأحفادهم وذرّيّاتهم.
    فانظر إلى صاحب المحنة العظيمة ، والواقعة الجسيمة والمصيبة الّتي أنفدت بتراكمها ماء الشؤون ، وقرحت بتفاقمها الآماق والجفون ، مصيبة أشرف الثقلين ، وسبط سيّد الكونين ، وابن صاحب بدر واحد وحنين ، أبي عبد الله الحسين ، كاتبوه وراسلوه ووعدوه وعاهدوه ، حتّى إذا انقطعت معذرته بظنة وجود الناصر ، ولزمه القيام بأمر الله في الظاهر ، خذلوه وأسلموه ، وجحدوه وقتلوه ، وسقوه من غروب سيوفهم كؤوس الحمام ، وسودوا بقتله وقتل ولده وجه الاسلام.
    فياعيوني لمصيبتة بعبرتي لا تبخلي ، ويا كربتي لرزيّته عن حشاشتي لا تنجلي ، ويا حرقتي لما ناله لا تخمدي ويا زفرتي لمصرعه من التراقي تصاعدي ، ألغيره أذخر حزني وبكائي ؟ أم على سواه أصف وجدي وبلوائي ؟ أم على هالك بعده أنثر جواهر نثري ؟ أم على قانت غيره أسمط بالمراثي شعري ؟
    يهيج في وجدي إذا ذكرت غربته ، وتضطرب أحشائي وقلبي إذا تصورت محبّته ، وتذكو آثار الأسى في جوانحي بفضيع مصرعه ، وينحلّ قلبي


(122)
بصبري ويجود طرفي بمدمعه ، إذا مثّلت شيبه بدمائه مخضوباً ، وكريمه على القناة منصوباً ، ونساءه على الأقتاب حيارى ، وأبناءه في الأصفاد اُسارى ، وشلوه على الرمضاء طريحاً ، وطفله بسهام الأعداء ذبيحاً ، وثقلة نهيباً ، ورداءه سليباً ، وجبينه تريباً ، ويومه عصيباً ، وجسده بسهام البغاة صريعاً ، وثغره بقضيب الطغاة قريعاً ، ذكت بثوران الأسى في أضلعي ، وأغرقتني بفيضها أدمعي ، ونفى ذكره عن عيني رقادي ، وأطال حزني ليلي بسهادي.
    فها أنذا لواقعته حليف الأحزان ، أليف الأشجان ، قريح الأجفان ، جريح الجنان ، أقطع ليلي بالتأسف والأنين ، ونهاري بالتأوّه والحنين ، وأوقاتي بإهداء تحيّاتي وصلواتي إليه ، وساعاتي بلعن من اجترى بكفره عليه ، ويروي لساني عن جناني ، وبناني عن إيماني ، غرراً من بدائع نثري ونظمي ، ودرراً من تواضع حكمي وفهمي ، اُشنّف بها المسامع ، واُشرّف المجامع ، واُسيل بتردادها المدامع ، وأشجي بإنشادها الطبائع ، وأقمع بها هامة الكفور الجاحد وأقطع دابر الكنود الحاسد ، وأبوح بسري في شعري ، وأنوح ودمعي من طرفي يجري ، وأقول وفؤادي بنار حزني يتأجج ، ولساني من شدّة نحيبي يتلجلج :
حـزن قلبي وهيـامي لا على عيش تقضّى لا ولا مـن فقــد آلا بل لقوم من بني المخ‍ من أبوهم صاحب الكو والذيـــن امهـم ذو أصبحوا في كربلا مـا في صعيد الطفّ قد جر ونحولــي وسقـامي لم أنل منـه مرامـي ف تناءوا عـن مقامي ‍تار سادات كــرام ثر فيب يوم القيــام شرف في المجد سامي بين مقتول وظــامي ع كاسات الحمــام


(123)
من نجيع النحـر يسقى ونســاء حـاسـرات عترة المختار خير ال‍ لهـف قلـبي لشهيـد حـر صـدري لإمـام جسمه غودر ضمنــاً طول حزني لتريب ال‍ رأسه مـن فوق رمـح وبنات المصطفى شب‍ فكذا قلبـي وطرفي وكذا عن مقلتي حز فاصطباري في انتقاض وإذا فكّرت فيمــا حــاسرات يتسترّ ويســاقون بـلا رف‍ يا بني المختار ما حل‍ وبعـــاشور يزيد ال‍ واســح الدمع من طر ثمرات نثرهــا كال‍ يزدريها الناصب الها وإليها المؤمـن المخ‍ واحتــراق وزفيــر صـــدراً بعـد الاوام غاب عنهنّ المحـامي ‍ناس من خاص وعامي ضــل مخفور الذمـام طــاهر وابن إمــام بسيـــوف وسهــام ‍خد منــه النحردامي مخجل بــدر التمــام ‍ه اُسـارى نجل حامي في احتـراق وانسحـام ني نفى طيب منامي وجوابي فـي تمامي قد جرى زاد هيامي ن بــأطراف الكمام ‍ق إلى شرّ الأنام ‍ل بكم يذكي ضـرامي ‍حزن لي في كلّ عام ف لفرط الحزن دامي ‍در في سلك النظــام ئم فـي تيـه الظلام ‍لص يصغـي باحتشام من فؤاد مستهام


(124)
يـا بني طـه مـن صفا حبكـم غذى بـه قـل‍ قد اُضيعت حرمة المخ‍ حين أصبحتـم لقـا بي‍ بكت السبــع عليـكم إن يكـن فـاتكم نص‍ فلكم أنصـر بـالحج‍ ولمن نــاواكــم ارد اهشم الهــامات من آ وزياد وابـن سعـــد وكذا افلق قحــف اب‍ وابن خطاب ومـن يت‍ وكـذا مــن قــادت وأتت في جحـفلٍ ته‍ وعلى أشياعهــم لعن‍ من حجازي وبصـري وبهذا أرتـجي مــن محشراً في ضمن قـوم أهل أركـان وبيــت بولاهم يقبــل الل‍ وعليهــم صلــوات ما شدت في الايك ورق كـم مـــن كلّ دامي ‍بي ومخـي وعظامي ‍تار في الشهر الحرام ‍ن الروابــي والآكام بدماءٍ كــالغمـام ‍ري برمحي وحسامي ‍جة فـي كـل مـقام ي بكم مـن كلامــي ل وليــد وهشــام وبني حرب اللئـــام ‍ن قحاف بملامــي ‍لوه مــن بخل اللئام الفتنة تعبــأ بالـرمام ‍وي من البيت الحرام ‍ي اُوالــي بـدوام ‍ي وكوفيّ وشــامي خالقـي يـوم قيـامي هم معاذي واعتصامـي وحطيــم ومقـــام ‍ه صلاتي وصيـامي ناميــات بســلامي ساجعــات بغــرام


(125)
المجلس السادس
في ذكر مقامات أذكر فيها ما تمّ على الحسين عليه
السلام بعد موت معاوية عليه اللعنة والعذاب ، وذكر
ولاية يزيد عليه من الله ما يستحق من العذاب
المهين أبد الآبدين إلى يوم الدين ، وغير ذلك من
رسائل صدرت إليه عليه السلام من مواليه
ومخالفيه ، وما أجاب عنها ، صلوات الله وسلامه
عليه ، وعلى آبائه الطاهرين ، وأبنائه المنتجبين.

    الحمد لله الّذي جعل البلاء موكّلاً بأنبيائه وأوليائه ، والابتلاء وسيلة لهم إلى اجتبائه واصطفائه ، وكلفهم ببذل الأرواح في جهاد أعدائه ، وشرى منهم الأنفس والأموال بنعيمه الباقي ببقائه ، وربحت تجارتهم لما أوقعوا عقد بيعة ربّهم ، وفازت صفقتهم لما حازوا من الزلفى بقربهم ، وشمّروا عن ساق في سوق عباده إلى طاعته ، وكشفوا عن ساعد الاستنقاذ أنامه من ورطة معصيته ، وتلقوا حر الصفاح بوجوههم وأجسادهم ، وصبروا على مضّ الجراح لاستخلاص الهلكى وإرشادهم ، فأغرى الشيطان سفهاءهم ، وحمل أولياءه على حربهم ،


(126)
فركبوا الصعب والذلول في قتالهم ، وخالفوا نص الرسول بكفرهم وضلالهم وقصدوهم في أنفسهم وأموالهم ، وحاربوهم بخيلهم ورجالهم ، فاستشعروا لباس الصبر الجميل طلباً للثواب الجزيل ، وباعوا النزر القليل بالباقي الجليل ، وجاهدوا الفجرة بجدّهم وجهدهم ، وحاربوا الكفرة بذاتهم وولدهم ، وتبرّموا بالحياة في دولة الظّالمين ، واستطابوا الممات لغلبة الضالين ، وامتثلوا أمر الله بعزائم أبية ، وانوف حمية ، واصول نبوية ، وفروع علوية ، وأرواح روحانية ، وأنفس قدسية ، وقلوب على تقوى الله جبلت ، وبالحق قضت وعدلت.
    عرجت أرواحها إلى المحلّ الأسنى ، ورقت نفوسها إلى الملكوت الأعلى ، فشاهدت بأبصار بصائرها منازل الشهداء في جنّة المأوى ، ولاحظت بأفكار ضمائرها ما اعد للمجاهدين في سبيله في دار الجزاء ، فآثرت الآخرة على الاولى ، وما يبقى على ما يفنى.
    فيا من يخطّىء صوابهم ، ويستحب عتابهم ، ويستعذب ملامهم ، ويسفّه أحلامهم ، ويتلو بنية فاسدة مشتركة : ( ولا تلقوا بأيـديكم إلى التهلـكة ) (1) ، جهلاً منه بمواقع التنزيل ، وغيّاً عن مواضع التأويل ، تبت يدك ، وفلَّ جدّك ، لقد نافقت بإسلامك ، وأخطأت عن مرامك ، وعشى عن ضوء شمس الحق إنسان عينك ، واستولى الشك على مشوب يقينك ، أتعلم من أنزل في بيوتهم ، وورد الذكر في صفاتهم ونعوتهم ، وفخر جبريل يوم العبا بصحبتهم ، واُنزلت سورة « هل أتى » في مدحتهم ؟
    يا ويلك أتورد حجتك ، وتوّرك شبهتك ، على قوم الدنيا في أعينهم أقلّ من كلّ قليل ، وعزيزها لديهم أذل من كلّ ذليل ؟ علمهم لدني ، وكشفهم
1 ـ سورة البقرة : 195.

(127)
رحماني ، أطلعهم سبحانه على مصون سره ، وقلّدهم ولاية أمره في برّه وبحره ، وسهله ووعره ، فهم الوسائل إليه ، والأدلاء عليه ، قصرت الأفهام عن إدراك جلالهم ، وحصرت الأوهام عن تصور كمالهم ، فاقوا الخضر في علم الباطن والظاهر ، وفاتوا الحصر بالدليل القاطع والمعجز الباهر ، فالخليل يفخر باُبوّتهم ، والكليم يقصر عن رتبتهم ، والمسيح باسمائهم يبرىء الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله ، والروح الأمين يتنزّل عليهم في منازلهم بأمر الله.
    لما علموا أنّ الحياة الفانية مبالغة لهم عن حصول مطلوبهم ، قاطعة عن الوصول إلى محبوبهم ، حاجبة عن منازل قربهم ، حاجزة عن جوار ربّهم ، قطعوا العلائق للاتصال بالمحل الأسنى ، وخلعوا لباس العيش الدني الاولى ، وتلقوا بوجههم الصفاح والرماح ، وصبروا بشدة عزمهم على مضّ الجراح ، تشوفاً إلى الاتصال بمنازل القبول والرضوان ، وتشوقاً إلى الاستظلال بأظلة تلك العواطف والامتنان ، وبذلوا أنفسهم فنالوا فضلها ، وكانوا أحقّ بها وأهلها ، وكان أعظم من أطاع الله منهم بجدّه وجهده ، وأخلص لله ببذل نفسه وولده ، وأراد أن تكون كلمة الله العليا ، وكلمة الّذين كفروا السفلى ، وسبب الله الأقوى ، ودينه الأعلى ، إمام الاُمّة ، وأب الأئمّة ، ومنبع الحكمة ، ومجمع العصمة ، صاحب الأصل السامي ، والفرع النامي ، والمجاهد المحامي ، معاذي وملاذي يوم حشري وقيامي ، وحياتي ومماتي وارتحالي ومقامي ، والأوّاه الحليم ، الجواد الكريم ، صاحب المصيبة العامّة ، والرزيّة الطامّة ، والواقعة الكبرى ، والمحنة العظمى ، قتيل العبرة وصريع الفجرة ، وسليل البررة ، وسراج العترة ، وطاهر الاسرة.
    النبوّة أصله ، والامامة نسله ، خاتم أصحاب الكساء ، ابن خير الرجال وخير النساء ، جدّه النبيّ ، وأبوه الوصيّ ، واُمّه الزهراء ومغرسه البطحاء ، طار


(128)
بقوادم الشرف وخوافيه ، وتعالى في سماء الكرم بمعاليه ، أشرف خلق الله ، وأفضل شهيد في الله ، الباذل ذاته في الله ، البائع نفسه من الله ، القائم بأمر الله ، الصادع بحكم الله ، المخلص بجهاده في الله ، الموفي بما عاهد عليه الله.
    كتف الرسول مركبه ، وثدي البتول مشربه ، كلّ شرف لشرفه يخضع ، وكل مجد لمجده يصرع ، وكل مؤمن له ولأبيه وجده يتبع ، وكل منافق عن سبيله وسبيل آله يتكعكع ، لا يقبل الله إيمان امرىء إلا بولائه ، ولا يزكّي عمل عامل إلا باتباعه ، ولا يدخل الجنّة إلا مستمسكاً بحبله ، ولا يصلى النّار إلا منكراً لفضله ، أطول خلق في المجد باعاً وذراعاً ، وأشرف رهط في الفخر ذرّيّة وأشياعاً ، جدّه عليّ ، وجدّه نبيّ ، وأبوه وليّ ، وولده أطهار ، ونجله أبرار.
    المجاهد الصبور ، الحامد الشكور ، منبع الأئمّة ، وسراج الاُمّة ، أطهر الأنام أصلا ، وأظهرهم فضلاً ، وأزكاهم فعلاً ، وأتقاهم نجلاً ، وأنداهم كفاً ، وأعلاهم وصفاً ، وأشرفهم رهطاً ، وأقومهم قسطاً ، سؤدده فاخر ، ومعدنه طاهر ، لا يقذع صفاته ، ولا تغمز قناته ، ولايدرك ثناؤه ، ولا يحصى نعماؤه ، كم أغنى ببره عائلاً ؟ وكم آثر بقوته سائلاً ؟ أفخر أسباط الانبياء ، وأفضل أولاد الأولياء ، محيي الليل بركوعه وسجوده ، ومجاري السيل بنائله وجوده ، واقوى من بذل في الله غاية مجهوده ، وأسمى من استأثر من العلى بطارفه وتليده.
    إمام المشرقين والمغربين ، ونتيجة القمرين ، بل الشمسي ، وابن مجلي الكربين ، عن وجه سيّد الكونين ، في بدر وحنين ، ومصلي القبلتين ، وصاحب الهجرتين ، سيّدنا ومولانا أبا عبد الله الحسين ، عليه تحيّاتي بتوالي صلواتي تتلى ، وفي فضله تروى قصائدي ، وبذكره تنجح مقاصدي ، وبسببه تتّصل أسبابي ، وفي حضرته محطّ ركابي ، ولرزيته تتصاعد زفراتي ، ولمصيبته تتقاطر


(129)
عبراتي ، ولواقعته تستهلّ شؤوني ، ولقتله لا تبخل بدمعها عيوني.
    فها أنذا أنشد من قلب جريح ، وأروي عن طرف قريح :
ولّى الشبـاب فقلبي فيه حسـرات وحين ولّى شبابي وانقضى عمري في كلّ يوم يزيد الوهن في جسدي وابيض فودي ولكن سودّت صحفي إذا تذكرتها أذكـت رسيـس جوى كم ليلـة بـتَّ أحسبهـا بمـوبقة كأن ما كان من شرح الشباب ومن أعملـت فكري فـي قوم صحبتهم سألـت ربعهـم عنّي فجــاوبني وفي حشـاي لفرط الحزن حرقات حلت بجسمي لفرط الضعـف آفات وتعترينـي من الأسقـام فتـرات كبـائر صـدرت عنــي وزلات في مهجتي وجرت في الخد عبرات تذكو لتذكارها فـي القلب جمرات لذات عيـش مضـت إلا منامات لم يبق مـن أثرهـم إلا الروايات من الصدى كلّ مـن ناديتهم ماتوا


(130)
يذيـب تذكـارهـم قلـبي ويجعلـه سبعون عاماً تقضّت صرت أحصرها لـم أستفد صالحـاً فيهـا ولا علقت سوى اعتصامي بمن في مدحهم نزلت في سورة الدهر والأحـزاب فضلهم وفي العقود مـن المجـد الرفيع لهم ليوث حرب إذا نيـرانها اضطرمت مطهّرون من الأرجـاس إن وصفوا هم المصـابيح فـي جنح الدجا فلهم هـم البحـار إذ وازنـت فضلهـم باعـوا مـن الله أرواحـاً مطهّـرة دمعـاً يصـاعده وجـد وزفرات في عدها لفناء عمـري علامـات يدي بما فيه لي في الحشر منجات مـن المهيمـن في التنزيل آيات مقامهـم قصـرت عنه المقامات عقود مـدح لهـا فيهـم إشارات غيوث جـدب إذا مـا عمّ أزمات منزّهون عـن الأدنـاس سادات فيـه مـن الله بالاخلاص حالات بهـا فعلمهــم فيــه زيـادات أثمانهـا مـن جـوار الله جنات


(131)
يطـاف منهـا عليهـم فـي منـازلهم نـاداهـم الله بـالتعظيـــم إذ لـهم أن ابذلــوا أنفســاً في طاعتي فلكم أجاب منهــم لســان الحـال ان لنا الخلــد والجنـة العليــا ولذتهــا أنت المــراد وأنت السؤل قد صدقت هذا الحسيــن الّذي وفّى ببيعته نال المعـــالي ببـذل النفس مجتهداً إن قيل في الناس من أعلى الورى نسباً أعلى الورى حسبـــاً أقواهم سببـاً الجدّ أكرم مبعــوث ووالـده من الرحيق بأيدي الحور كاسات أرواح صدق سميعات مطيعـات ببذلها في جنان الخلد روضـات رضاك روح وريحان وراحـات في جنب حبك إيانا حقيــرات منا لأمرك في الدنيا العزيمـات لله صدقاً فوافته السعـــادات لم تثنه من بني الدنيا خيـالات أومت إليه اُصول هاشميــات أزكاهم نسباً ما فيه شبهــات في الله كم كشفت منه ملمـات


(132)
حزني لمـا نالـه لا ينقضي فــإذا وينثني الطرف منّي والحشا لهمــا لم أنسه في صعيد الطفّ منعفــراً يشكوا الاوام ويستسقي وليس لعص‍ لهفي عليه تريب الخد قد قطعـت أردوه في الترب تعفوه الرياح له وصيروا رأسه مــن فوق ذابلهـم وسيدات نساء العالميــن لها تساق والصدر فيه مـن تألمها يسترن منهن بالأيدي الوجـوه وفي يندبن من كان كهف العائذيـن ومن ذكرته هـاج بي للوجد حسرات في الخد والقلب عبرات وحرقات قد أثخنته مــن القوم الجراحات ـبة به أحدقت فـي الله رغبات أوصاله من أكف القوم شفـرات من الدماء سرابيل وخلعـــات كبدر تمّ به تجلـى الدجنــات فوق الرحـال لفرط الحزن أنات عقود دمع لهـا في الخد حبـات قلوبهن مـن التبريـح جمـرات في كفه لذوي الحاجـات نعمـات


(133)
أو في الأنـام فتـى وفـي ببيعته مـن عرقت فيـه أصلاب مطهّرة وامهات وآباء علــت شرفــاً إن عد علم وحكم كـان فيه لهـم في حبهـم قدمـي مـا ان لثابتها أبكي لخطبهـم بدل الدموع دمـاً إذا ذكرت ابن بنت المصطفى وبه وصار فيهم وحيداً لا نصيـر لـه قوم بغاة شروا دين الضلالة بال‍ فيا عيوني أذرفي حزناً عليه لكي إذا خبت زادها منّي رسيس جوى وخير من ربحت منه التجـارات من كلّ رجس وأرحـام زكيـات على السمـاك وأجداد وجــدات بالخطب والحرب آراء ورايـات حتى اضطجاعي في لحدي مزلات كأنّني لعظيــم الـحزن مـقلاة قد أحدقت مـن جنود البغي ثُلّات منهم ولا من له في الخير عادات ‍هدى فخابت لهم للخسر صفقات تطفي سعيراً لها في القلب لدغات يذيب ناحل جسمي منه نفحــات


(134)
يا للرجال أمّا للحقّ مـن عصب تذب عن أهل بيت للأنـام هـم قوم لهم نسب كالشمس في شرف البذل شيمتهم والمجـد همّتهـم البيت يزهو إذا طافوا بـه ولهم أخنى الزمان عليهم فانثنى وهم اُولي رؤوس وأطراف مقطعـة نفسي الفدا لهم صرعى جسومهم أرواحها فارقت أجسادها فلهـا حزني لنسوته حسرى مهتّكــة اُولي وجوه لحرّ الشمس ضاحية لهــا وفـاء وآنـاف حميـات نور به تنجلي عنهـم مغمــات تزينـه أوجــه منهـم نقيـات والذكر فيـه لهـم فضل ومدحات مجد به شرّفـت منهـم بيوتـات في كربلا لسيوف البغي طعمـات تُقرأ عليها مــن الله التحيــات تسفي عليها من الأعصاب قترات بذاك في دار عفـوا الله غرفـات إلى يزيد بها تسـري الحمـولات ما آن لها من هجير القيظ سترات


(135)
حتى إذا دخلـوا شـر البلاد على وعاده عيــد أفـراح بمقدمهـم فأظهر الكفـر والإلحـاد حينئـذ في يوم بدر رأوا فعلي وما كسبت ولا استهلوا وقالوا يا يزيـد لقـد شرّ العبـاد بدت منـه المسـرات عليه أسرى ووافتـه البشــارات بقوله ليت أشياخــي الاُولى فاتوا يدي لطابت لهم بالصفو أوقــات بك انجلت من غموم الحزن كربات (1)
    وذكر الامام أحمد بن أعثم الكوفي انّ معاوية لما حجّ حجّته الأخيرة ارتحل من مكّة ، فلمّا صار بالابواء ونزلها قام في جوف الليل لقضاء حاجته ، فاطلع في بئر الأبواء ، فلمّا اطّلع فيها اقشعرّ جلده وأصابته اللقوة في وجهه ، فأصبح وهو لما به مغموم ، فدخل عليه الناس يعودونه ، فدعوا له وخرجوا من عنده ، وجعل معاوية يبكي لما قد نزل به.
    فقال له مروان بن الحكم : أجزعت يا أمير المؤمنين ؟
    فقال : لا يا مروان ، ولكنّي ذكرت ما كنت عنه عزوفاً ، ثمّ إنّي بكيت في إحني ، وما يظهر للناس منّي ، فأخاف أن يكون عقوبة عجلت لي لما كان من دفعي حقّ عليّ بن ابي طالب عليه السلام ، وما فعلت بحجر بن عديّ وأصحابه ، ولولا هواي من يزيد لأبصرت رشدي ، وعرفت قصدي.
1 ـ سقط من الأصل ـ ما بعد هذا ـ مقدار صفحة واحدة أو صفحتين ، ولعلّ القصيدة لم تنته بعد.
تسلية المُجالس وزينة المَجالس الجزء الثاني ::: فهرس