تسلية المُجالس وزينة المَجالس الجزء الثاني ::: 151 ـ 165
(151)
الفساد ، وقد آن لكما أن تجتمعا ، الحمد لله الّذي أصلح ذات بينكم.
    قال : فلم يجيباه بشيء في هذا ، فقال الحسين عليه السلام : هل ورد عليكم خبر من معاوية ؟ فإنّه قد كان عليلاً وقد طالت علته ، فكيف هو الآن ؟
    قال : فتأوّه الوليد ، ثمّ قال : يا أبا عبد الله ، آجرك الله (1) في معاوية ، فقد كان لك عمّ صدق ، ووالي عدل ، فقد ذاق الموت ، وهذا كتاب أمير المؤمنين يزيد.
    فقال الحسين عليه السلام : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، وعظم الله لكما الأجر ، ولكن لماذا دعوتني ؟
    فقال : دعوتك للبيعة الّتي قد اجتمع عليها الناس.
    قال : فقال الحسين عليه السلام : إنّ مثلي لا يعطي بيعته سرّاً ، وإنّما يجب أن تكون البيعة علانية بحضرة الجماعة ، ولكن غداً إذا دعوت الناس إلى البيعة دعوتنا معهم ، فيكون أمراً واحداً.
    فقال له الوليد : لقد قلت فأحسنت القول وكذا كان ظنّي فيك ، فانصرف راشداً حتّى تأتينا غدا مع الناس.
    قال : فقام مروان ، وقال : إنّه إن فارقك الساعة ولم يبايع فإنّك لا تقدر عليه بعدها أبداً حتّى تكثر القتلى بينك وبينه ، فاحتبسه عندك ولا تدعه يخرج أو يبايع وإلا فاضرب عنقه.
    قال : فالتفت الحسين إليه ، وقال : ويلي عليك ياابن الزرقاء ، أتأمره بضرب عنقي ؟ كذبت والله ولؤمت ، والله لو رام ذلك أحد من الناس لسقيت
1 ـ لفظ الجلالة أثبتناه من المقتل.

(152)
الأرض من دمه ، فإن شئت ذلك فقم أنت فاضرب (1) عنقي إن كنت صادقاً.
    قال : ثمّ أقبل الحسين على الوليد وقال : أيّها الأمير ، إنّا أهل بيت النبوّة ، ومعدن الرسالة ، وبنا فتح الله وبنا ختم ، ويزيد رجل فاسق ، شارب خمر ، قاتل النفس ، معلق بالفسق ، ومثلي لا يبايع مثله ، ولكن نصبح وتصبحون ، وننظر وتنظرون أينا أحقّ بالخلافة والبيعة.
    قال : فسمع من بالباب صوت الحسين فهمّوا أن يقتحموا الدار بالسيوف ، وخرج إليهم الحسين عليه السلام فأمرهم بالانصراف ، وأقبل الحسين إلى منزله ، فقال مروان للوليد : عصيتني حتّى أفلت الحسين من يدك ، أمّا والله لا تقدر منه على مثلها ، والله ليخرجنّ عليك وعلى يزيد.
    فقال الوليد : ويحك يا مروان ، أشرت عليَّ بقتل الحسين ، وفي قتله ذهاب ديني ودنياي ، والله ما اُحبّ (2) أن أملك الدنيا بأسرها وانّي قتلت الحسين ، ما أظنّ أحداً يلقى الله يوم القيامة بدم الحسين إلا وهو خفيف الميزان عندالله ، لا ينظر إليه ، ولا يزكّيه ، وله عذاب أليم.
    قال : وخرج الحسين عليه السلام من منزله يسمع الأخبار فإذا هو بمروان بن الحكم قد عارضه في طريقه ، فقال : يا أبا عبد الله ، إنّي لك ناصح فأطعني ترشد وتسدّد.
    فقال الحسين عليه السلام : وما ذاك ؟
    قال : إنّي آمرك ببيعة يزيد فإنّه خير لك في دينك ودنياك.
1 ـ في المقتل : فرم أنت ضرب.
2 ـ في المقتل : والله إنّي لا احب.


(153)
    قال : فاسترجع الحسين عليه السلام وقال : على الاسلام العفا إذ قد بليت الاُمّة براع مثل يزيد ، ثمّ أقبل الحسين على مروان ، وقال : ويحك تأمرني ببيعة يزيد ، ويزيد رجل فاسق ، لقد قلت شططاً ، لا ألومك على قولك لأنّك اللعين الّذي لعنك رسول الله صلّى الله عليه وآله وأنت في صلب أبيك الحكم بن ابي العاص ، ومن لعنه رسول الله فإنّه لا ينكر منه أن يدعو إلى بيعة يزيد ، ثمّ قال : إليك عنّي يا عدوّ الله فإنّا أهل بيت رسول الله على الحقّ والحقّ فينا ، وقد سمعت جدّي رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول : الخلافة محرمة على آل أبي سفيان الطلقاء وأبناء الطلقاء ، فإذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه (1) ، فوالله لقد رآه أهل المدينة على منبر جدّي رسول الله صلّى الله عليه وآله فلم يفعلوا ما امرهم به فابتلاهم الله بابنه يزيد.
    قال : فغضب مروان ، ثمّ قال : والله لا تفارقني أو تبايع ليزيد صاغراً ، فإنكم آل أبي تراب قد ملئتم كلاماً واشربتم بغض آل أبي سفيان ، وحقيق عليهم أن يبغضوكم.
    فقال الحسين عليه السلام : ويلك إليك عنّي ، فإنّك رجس وإنّا أهل بيت
1 ـ السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل : 151 ح 814 ، مناقب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لمحمد بن سليمان الكوفي : 2/300 ح 775 وص 305 ح 779 وص 780 وص318 ح 790 ، أنساب الأشراف : 1/128 ح 369 وص 128 ـ 129 ح 371 ، تاريخ الطبري : 10 / 58 ، الكامل لابن عديّ : 3/1255 ، وج 5/1844 وص1951 ، وج 6/2125 وص2416 ، وج 7/2544 ، معاني الأخبار : 346 ح 1 ، تاريخ بغداد : 12/181 ، شرح نهج البلاغة : 15/176 ، الملاحم والفتن : 111 وص 168 ـ 169 ب 19 ، ميزان الاعتدال : 2/613 ، الاصول الستة عشر ، كتاب عبّاد العصفري : 19 ، وقعة صفّين : 216 وص221 ، سير أعلام النبلاء : 3/149 ، البداية والنهاية : 8/133 ، المطالب العالية : 4/313 ح 4499.

(154)
الطهارة الّذي أنزل الله فينا : ( إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرِّجس أهل البيت ويطهِّركم تطهيرا ) (1) فنكس مروان رأسه ، فقال له الحسين : أبشر يا ابن الزرقاء بكل ما تكره من الرسول صلّى الله عليه وآله يوم تقدّم على جدّي رسول الله صلّى الله عليه وآله فيسألك عن حقي وحق يزيد.
    قال : فمضى مروان مغضباً حتّى دخل على الوليد فخبّره بما كان من مقالة الحسين عليه السلام ، وكان ابن الزبير قد خرج ليلاً قاصداً مكّة حين اشتغلوا بالحسين ، فبعث الوليد بن عتبة في طلبه فلم يقدروا عليه وفاتهم ، فكتب الوليد إلى يزيد يخبره الخبر بما كان من ابن الزبير ، ثمّ ذكر له بعد ذلك أمر الحسين ، فلمّا ورد الكتاب على يزيد وقرأه غضب غضباً شديداً ، وكان إذا غضب انقلبت عيناه فصار أحول ، فكتب إلى الوليد بن عتبة :
    من عبد الله أمير المؤمنين يزيد إلى الوليد بن عتبة.
    أمّا بعد :
    فإذا ورد عليك كتابي هذا فخذ البيعة ثانياً على أهل المدينة وذر عبد الله ابن الزبير فإنّه لا يفوتنا ، وليكن مع جواب كتابي رأس الحسين ، فإن فعلت ذلك فقد جعلت لك أعنّة الخيل ، ولك عندي الجائزة العظمى والحظّ الأوفر ، والسلام.
    فلمّا ورد الكتاب على الوليد وقرأه عظم ذلك عليه ، ثمّ قال : لا والله لا يراني الله بقتل ابن نبيّه (2) ولو جعل يزيد لي الدنيا بما فيها.
    قال : وخرج الحسين عليه السلام من منزله ذات ليلة وأقبل إلى قبر جدّه صلّى الله عليه وآله ، فقال : السلام عليك يا رسول الله ، أنا الحسين بن فاطمة
1 ـ سورة الأحزاب : 33.
2 ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : بنته.


(155)
فرخك وابن فرختك ، وسبطك الّذي خلّفتني في اُمّتك ، فاشهد عليهم يا نبيّ الله أنهم قد خذلوني ، وضيّعوني ، ولم يحفظوني ، وهذه شكواي إليك حتّى ألقاك.
    قال : ثمّ قام فصفّ قدميه فلم يزل راكعاً ساجداً. قال : وأرسل الوليد إلى منزل الحسين عليه السلام لينظر أخرج من المدينة أم لا ، فلم يصبه في منزله ، فقال : الحمد لله الّذي (1) خرج ولم يبتلني الله (2) بدمه.
    قال : ورجع الحسين إلى منزله عند الصبح.
    قال : فلمّا كانت الليلة الثانية (3) خرج إلى القبر أيضاً وصلّى ركعات ، فلمّا فرغ من صلاته جعل يقول : اللّهمّ هذا قبر نبيّك محمد ، وأنا ابن بنت نبيّك ، وقد حضرني من الأمر ما قد علمت.
    اللّهمّ إنّي اُحبّ المعروف ، واُنكر المنكر ، وأنا أسألك يا ذا الجلال والاكرام بحقّ هذا (4) القبر ومن فيه إلا اخترت لي ما هو لك رضى ، ولرسولك رضى.
    قال : ثمّ جعل يبكي عند القبر حتّى إذا كان قريباً من الصبح وضع رأسه على القبر فأغفى ، فإذا هو برسول الله صلّى الله عليه وآله قد أقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه وعن شماله وبين يديه حتّى ضمّ الحسين إلى صدره وقبّل بين عينيه وقال : حبيبي يا حسين كأنّي أراك عن قريب مرملاً بدمائك ، مذبوحاً
1 ـ في المقتل : إذ.
2 ـ لفظ الجلالة أثبتناه من المقتل.
3 ـ في المقتل : الثالثة.
4 ـ من المقتل.


(156)
بأرض كربلاء ، بين (1) عصابة من اُمّتي ، وأنت مع ذلك عطشان لا تسقى ، وظمآن لا تروى ، وهم مع ذلك يرجون شفاعتي ، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة.
    حبيبي يا حسين ، إنّ أباك واُمّك وأخاك قدموا عليَّ وهم مشتاقون إليك ، وإنّ لك في الجنان لدرجات لن تنالها إلا بالشهادة.
    قال : فجعل الحسين عليه السلام في منامه ينظر إلى جدّه ويقول : يا جدّاه ، لا حاجة لي في الرجوع إلى الدنيا ، فخذني إليك وأدخلني معك في قبرك.
    فقال له رسول الله صلّى الله عليه وآله : لا بدّ لك من الرجوع إلى الدنيا حتّى ترزق الشهادة ، وما قد كتب الله لك فيها من الثواب العظيم ، فإنّك وأباك وأخاك وعمك وعم أبيك تحشرون يوم القيامة في زمرة واحدة حتّى تدخلوا الجنة.
    قال : فانتبه الحسين عليه السلام من نومه فزعاً مرعوباً فقصّ رؤياه على أهل بيته وبني عبد المطّلب ، فلم يكن في ذلك اليوم في مشرق ولا مغرب قوم أشدّ غماً من أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله ولا أكثر باك ولا باكية منهم.
    قال : وتهيّأ الحسين صلوات الله عليه للخروج من المدينة ومضى في جوف الليل إلى قبر اُمّه عليها السلام فودّعها ، ثمّ مضى إلى قبر أخيه الحسن عليه السلام ففعل كذلك ، ثمّ رجع إلى منزله وقت الصبح ، فأقبل إليه أخوه محمد إبن الحنفيّة وقال : يا أخي أنت أحبّ الخلق إليّ وأعزّهم عليَّ ، ولست والله أدّخر النصيحة لأحد من الخلق ، وليس أحد أحقّ بها منك لأنّك مزاج مائي
1 ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل والبحار : من.

(157)
ونفسي وروحي وبصري ، وكبير أهل بيتي ، ومن وجبت طاعته في عنقي ، لأنّ الله تبارك وتعالى قد شرّفك عليَّ وجعلك من سادات أهل الجنّة ، واريد أن اُشير عليك فاقبل منّي.
    فقال الحسين عليه السلام : يا أخي ، قل ما بدا لك.
    فقال : اُشير عليك أن تتنحّى عن يزيد وعن الأمصار ما استطعت ، وتبعث رسلك إلى الناس تدعوهم إلى بيعتك ، فإن بايعك الناس حمدت الله على ذلك وقمت فيهم بما كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يقوم به فيهم حتّى يتوفّاك الله (1) وهو عنك راض ، والمؤمنون عنك راضون كما رضوا عن أبيك وأخيك ، وإن اجتمع الناس على غيرك حمدت الله على ذلك وسكتّ ولزمت منزلك (2) فإنّي خائف عليك أن تدخل مصراً من الأمصار ، أو تأتي جماعة من الناس فيقتتلون فتكون طائفة منهم معك وطائفة عليك فتقتل بينهم.
    فقال الحسين عليه السلام : فإلى أين أذهب ؟
    قال : تخرج إلى مكّة ، فإن اطمأنّت بك الدار بها فذاك ، وإن تكن الاُخرى خرجت إلى بلاد اليمن ، فإنّهم أنصار جدّك وأبيك ، وهم أرأف الناس وأرقّهم قلوباً (3) ، وأوسع الناس بلاداً ، فإن اطمأنّت بك الدار فذاك (4) وإلا لحقت بالرمال ، وشعوب الجبال ، وجزت (5 ) من بلد إلى بلد ، حتّى تنظر ما يؤل إليه أمر الناس ويحكم الله بيننا وبين القوم الفاسقين.
1 ـ لفظ الجلالة أثبتناه من المقتل.
2 ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : حمدت الله على ذلك ، وتسكت منزلك.
3 ـ في المقتل : وهم أرأف وأرقّ قلوباً.
4 ـ من المقتل.
5 ـ في المقتل : وصرت.


(158)
    قال : فقال الحسين عليه السلام : يا أخي ، والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية ، فقد قال جدّي صلّى الله عليه وآله : اللّهمّ لا تبارك في يزيد.
    قال سيّدنا ومولانا علم العترة الطاهرة ، ومصباح الاسرة الفاخرة ، السيد عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس رضى الله عنه وأرضاه في كتابه الّذي ذكر فيه ما تمّ على الامام السعيد أبي عبد الله الحسين عليه السلام : ولعلّ [ بعض ] (1) من لا يعرف حقائق شرف السعادة بالشهادة معتقداً (2) أنّ الله سبحانه لا يتعبّد بمثل هذا الحال (3) ، أمّا سمع في القرآن الصادق المقال أنّه سبحانه تعبّد قوماً بقتل أنفسهم ، فقال تعالى : ( فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم ) (4) ؟
    ولعله يعتقد [ أن معنى ] (5) قوله سبحانه : ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التَّهلكة ) (6) أنّه هو القتل ، وليس الأمر كذلك ، وإنّما التعبد به من أعظم (7) درجات السعادة والفضل.
    وقد ذكر صاحب المقتل المرويّ عن الصادق عليه السلام في تفسير هذه الآية ما يليق بالعقل :
    فروى عن أسلم قال : غزونا نهاوند ـ أو قال غيرها ـ فاصطففنا والعدوّ
1 و 5 ـ من الملهوف.
2 ـ في الملهوف : يعتقد.
3 ـ في الملهوف : هذه الحالة.
4 ـ سورة البقرة : 54.
6 ـ سورة البقرة : 195.
7 ـ في الملهوف : أبلغ.


(159)
صفين لم أر أطول منهما ولا أعرض ، والروم قد ألصقوا ظهورهم بحائط مدينتهم ، فحمل رجل منّا على العدوّ ، فقال الناس : لا إله إلا الله ألقى هذا بنفسه إلى التهلكة.
    فقال أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه : إنّما تؤولون (1) هذه الآية على أنّه حمل هذا الرجل يلتمس الشهادة ، وليس كذلك ، إنّما اُنزلت فينا ، لأنّا كنّا (2) قد اشتغلنا بنصرة رسول الله صلّى الله عليه وآله وتركنا أهالينا وأموالنا لأن نقيم فيها ونصلح ما فسد منها ، فقد ضاعت بتشاغلنا عنها ، فأنزل الله سبحانه إنكاراً علينا لما وقع (3) في نفوسنا من التخلف عن [ نصرة ] (4) رسول الله صلّى الله عليه وآله لإصلاح أموالنا ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التَّهلكة ) ، معناه : إن تخلفتم عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وأقمتم في بيوتكم ألقيتم بأيديكم إلى التَّهلكة ، وسخط الله عليكم فهلكتم ، وذلك ردّ علينا فيما قلنا وعزمنا عليه من الاقامة ، وتحريض لنا على الغزو ، وما نزلت هذه الآية في رجل حمل على العدوّ يحرّض أصحابه على أن يفعلوا كفعله ويطلب الشهادة بالجهاد في سبيل الله رجاء ثواب الآخرة. (5)
    قلت : وهذا معنى قول النبيّ صلّى الله عليه وآله : كلّ برٍّ فوقه برّ حتّى يخرج الرجل شاهراً سيفه في سبيل الله فيقتل فليس فوقه برّ. (6)
1 ـ كذا في الملهوف ، وفي الأصل : تتلون.
2 ـ كذا في الملهوف ، وفي الأصل : قلنا.
3 ـ في الملهوف : فأنزل الله إنكال لما وقع.
4 ـ من الملهوف.
5 ـ الملهوف على قتلى الطفوف : 100.
6 ـ أخرجه في الوسائل : 11/10 ح 25 عن التهذيب : 6/122 ح 209 ، والخصال :


(160)
    ثمّ نرجع إلى تمام الحديث :
    قال : قطع محمد بن الحنفيّة الكلام وبكى ، فبكى [ معه ] (1) الحسين عليه السلام ساعة ، ثمّ قال : يا أخي ، جزاك الله خيراً فقد نصحت وأشرت بالصواب ، وأنا عازم على الخروج إلى مكّة ، وقد تهيّأت لذلك أنا وإخوتي وبنو أخي وشيعتي ممّن أمرهم (2) أمري ورأيهم رأيي ، وأمّا أنت يا أخي فما عليك أن تقيم بالمدينة ، فتكون لي عيناً عليهم لا تخف عنّي شيئاً من امورهم.
    ثمّ دعا الحسين عليه السلام بدواة وبياض وكتب هذه الوصيّة لأخيه محمد رضي الله عنه :
بسم الله الرحمن الرحيم
    هذا ما أوصى به الحسين بن عليّ بن أبي طالب إلى أخيه محمد المعروف بابن الحنفيّة ، أنّ الحسين يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمّداً عبده ورسوله ، جاء بالحقّ من عند الحقّ ، وأن الجنّة والنار حقّ ، وأن الساعة أتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ، وأنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً ، وإنّما خرجت لطلب الاصلاح في اُمّة جدّي صلّى الله عليه وآله ، اريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدّي محمد صلّى الله عليه وآله وأبي عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فمن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ ، ومن ردّ علي هذا أصبر (3) حتّى يقضي الله بيني وبين القوم
9 ح 31 ، والكافي : 5/53 ح 2.
1 ـ من المقتل والبحار.
2 ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل والبحار : وشيعتي وأمرهم.
3 ـ في المقتل : صبرت.


(161)
بالحق [ ويحكم بيني وبينهم ] (1) وهو خير الحاكمين ، وهذه وصيّتي يا أخي إليك ، وما توفيقي إلا بالله ، عليه توكّلت وإليه اُنيب.
    قلت : وهذه الوصيّة معنى قول أمير المؤمنين صلوات الله عليه الّذي رواه سيّدنا ومفخرنا السيد محمد الرضي بن الحسين الموسوي رضي الله عنه في كتابه الّذي جمعه من كلام جدّه أمير المؤمنين عليه السلام وسمّاه ب‍ « نهج البلاغة » في باب الكلام القصير في قوله صلوات الله عليه :
    روى ابن جرير الطبري في تاريخه (2) عن عبد الرحمن (3) بن أبي ليلى الفقيه ـ وكان ممّن خرج لقتال الحجّاج مع ابن الأشعث ـ أنّه قال فيما كان يحضّ به الناس على القتال (4) : إنّي سمعت عليّاً رفع الله روحه (5) في الصالحين ، واثابه ثواب الشهداء والصدّيقين ، يقول ـ لما (6) لقينا أهل الشام ـ : أيّها المؤمنون ، إنّه من رأى عدواناً يعمل به ومنكراً يدعى إليه ، فأنكره بقلبه فقد سلم وبرىء (7) ، ومن أنكره بلسانه فقد اجر ، وهو أفضل من صاحبه ، ومن أنكره بالسيف لتكون كلمة الله العليا وكلمة الظّالمين السفلى (8) فذلك الّذي أصاب سبيل الهدى ، وأقام على الطريقة المثلى (9) ، ونوّر في قلبه اليقين. (10)
1 ـ من المقتل.
2 ـ تاريخ الطبري : 6/357.
3 ـ كذا في الطبري والنهج ، وفي الأصل : عبد الله.
4 ـ في النهج : الجهاد.
5 ـ في النهج : درجته.
6 ـ في النهج : يوم.
7 ـ أيّ من العذاب المترتّب على فعل المنكر والرضا به لأنّه خرج بمجرّد ذلك عن العهدة.
8 ـ في النهج : هي العليا ... هي السفلى.
9 ـ في النهج : وقام على الطريق.
10 ـ نهج البلاغة : 541 رقم 373 ، عنه البحار : 32/608 ح 480 ، وج 100/89 ح 69.


(162)
    وقوله عليه السلام : فمنهم المنكر للمنكر بيده ولسانه وقلبه ، فذلك المستكمل لخصال الخير.
    ثمّ قال بعد كلام يجري مجرى ذلك : وما أعمال البرّ كلّها والجهاد في سبيل الله عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلاّ كنفثةٍ (1) في بحر لجّيّ ، وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقرّبان من أجل ، ولا ينقصان من رزق ، وأفضل من ذلك كلّه كلمة عدل عند سلطان (2) جائر. (3)
    وعن أبي جُحيفة ، قال : سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول : إن أوّل ما تُغلبون عليه (4) من الجهاد [ الجهاد ] (5) بأيديكم ، ثمّ بألسنتكم ، ثمّ بقلوبكم ، فمن لم يعرف بقلبه معروفاً ، ولم ينكر منكراً ، قُلب (6) فجعل أعلاه أسفله. (7)
    قال : ثمّ طوى الحسين عليه السلام الكتاب وختمه بخاتمه ودفعه إلى أخيه محمد ، ثمّ ودّعه وخرج في جوف الليل (8) يريد مكّة في جميع أهل بيته ، وذلك لثلاث ليال مضين من شهر شعبان سنة ستّين ، فلزم الطريق الأعظم ،
1 ـ يراد ما يمازج النفس من الريق عند النفّخ.
    واللجّيّ : الكثير الموج.
2 ـ في النهج : إمام.
3 ـ نهج البلاغة : 542 رقم 374 ، عنه البحار : 100/89 ح 70.
4 ـ بمعنى يُحدث أثراً شديداً عليكم إذا قمتم به.
5 ـ من النهج.
6 ـ كذا في النهج ، وفي الأصل : قُلب قلبه.
7 ـ نهج البلاغة : 542 رقم 375 ، عنه البحار : 100/89 ح 71.
8 ـ من قوله : « فلمّا ورد الكتاب على الوليد » إلى هنا نقله المجلسي رحمه الله في البحار : 44/327 ـ 330 عن كتابنا هذا ، وكذا عوالم العلوم : 17/177.


(163)
وجعل [ يسيرو ] (1) يتلو هذه الآية : ( فخرج منها خائفاً يترقَّب قال ربّ نجِّني من القوم الظّالمين ) (2) فقاله له ابن عمّه [ مسلم بن عقيل بن أبي طالب ] (3) : يا ابن رسول الله ، لو عدلنا عن الطريق وسلكنا غير الجادّة كما فعل ابن الزبير كان عندي [ خير ] (4) الرأي ، فإنّا نخاف من الطلب.
    فقال : لا يا ابن العمّ ، لا فارقت هذا الطريق أو أنظر أبيات مكّة أو يقضي الله في ذلك ما يحبّ ، فبينا الحسين بين مكّة والمدينة إذ استقبله عبد الله بن مطيع العدويّ ، فقال : أين تريد يا أبا عبد الله ، جعلني الله فداك ؟
    فقال : أمّا في وقتي هذا فإنّي اريد مكّة ، فإذا صرت إليها استخرت الله.
    فقال عبد الله بن مطيع : خار الله لك في ذلك ، وإنّي اُشير عليك بمشورة فاقبلها منّي.
    فقال الحسين عليه السلام : ما هي ؟
    قال : إذا أتيت مكّة فاحذر أن يغرّك أهل الكوفة فإن فيها قتل أبوك ، وطعن أخوك طعنة كادت [ أن ] (5) تأتي على نفسه فيها ، فالزم فيها الحرم فأنت سيّد العرب في دهرك ، فوالله لئن هلكت ليهلكنّ أهل بيتك بهلاكك ، والسلام.
    قال : فودّعه الحسين ودعا له بالخير ، وسار حتّى وافى مكّة ، فلمّا نظر إلى جبالها جعل يتلو : ( ولمّا توجّه تلقاء مدين قال عسى ربّي أن يهديني سواء السَّبيل ) (6). (7)
1 و 3 و 4 و 5 ـ من المقتل.
2 ـ سورة القصص : 21.
6 ـ سورة القصص : 22.
7 ـ مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 1/180 ـ 189.


(164)

    قال (1) : ولمّا دخل الحسين مكّة جعل أهلها يختلفون إليه ، وكان قد نزل بأعلى مكّة ، ونزل عبد الله بن الزبير داره ، ثمّ تحوّل الحسين إلى دار العبّاس ، وكان أمير مكّة من قبل يزيد عمر بن سعد ، وهاب ابن سعد أن يميل الحجّاج مع الحسين لما (2) يرى من كثرة اختلاف الناس إليه من الآفاق ، فانحدر إلى المدينة وكتب بذلك إلى يزيد لعنة الله ، وكان الحسين أثقل الخلق على ابن الزبير لأنّه كان يطمع أن يبايعه أهل مكّة ، فلمّا قدم الحسين صاروا يختلفون إليه وتركوا ابن الزبير ، وكان ابن الزبير يختلف بكرة وعشيّة الى الحسين ويصلّي معه.
    وبلغ أهل الكوفة أنّ الحسين قد صار في (3) مكّة ، وأقام الحسين عليه السلام في مكّة باقي شهر شعبان ورمضان وشوّال وذي القعدة ، وكان عبد الله بن عبّاس وعبد الله بن عمر بمكة فأقبلا جميعاً وقد عزما أن ينصرفا إلى المدينة ، فقال ابن عمر : يا أبا عبد الله اتّق الله ، فقد عرفت عداوة أهل هذا البيت لكم ، وظلمهم إيّاكم ، وقد وليّ الناس هذا الرجل يزيد ، ولست آمن أن تميل الناس إليه لمكان الصفراء والبيضاء فيقتلوك فيهلك بقتلك بشر كثير ، فإنّي سمعت
1 ـ أيّ أحمد بن أعثم الكوفي.
2 ـ قوله : « وهاب ابن سعد ... لما » أثبتناه كما في المقتل ، وما في الأصل مصحف.
3 ـ في المقتل : إلى.


(165)
رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول : حسين مقتول ، فلئن خذلوه ولم (1) ينصروه ليخذلنّهم الله إلى يوم القيامة ، وأنا اُشير عليك بالصلح وتدخل فيما دخل فيه الناس ، واصبر كما صبرت لمعاوية حتّى يحكم الله بينك وبين القوم الظالمين.
    فقال الحسين عليه السلام : يا با عبد الرحمن ، أنا أدخل في صلحه وقد قال النبيّ فيه وفي أبيه ما قال ؟!
    فقال ابن عبّاس : صدقت ، قد قال النبيّ صلّى الله عليه وآله : مالي وليزيد ؟ لا بارك الله في يزيد ، فإنّه يقتل ولدي وولد ابنتي الحسين عليه السلام ، والذي نفسي بيده لا يقتل ولدي بين ظهراني قوم فلا يمنعونه إلا خالف الله بين قلوبهم وألسنتهم (2) ثمّ بكى ابن عبّاس وبكى الحسين معه ، وقال : يا ابن عبّاس ، أتعلم أنّي ابن بنت رسول الله ؟
    قال ابن عبّاس : اللّهمّ نعم ، ما نعرف أحداً على وجه الأرض ابن بنت رسول الله غيرك ، وانّ نصرك لفرض على هذه الاُمّة كفريضة الصيام والزكاة ، لا يقبل الله أحدهما دون الآخر.
    فقال الحسين : فما تقول في قوم أخرجوا ابن بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله من وطنه وداره ، و [ موضع ] (3) وقراره ومولده ، وحرم رسوله ، ومجاورة قبر جدّه ومسجده ، وموضع مهاجره فتركوه خائفاً مرعوباً لا يستقرّ في قرار ، ولا يأوي إلى وطن ، يريدون بذلك قتله ، وسفك دمه ، وهو لم يشرك
1 ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : فلن.
2 ـ المعجم الكبير : 3/129 ح 2861 ، الفردوس للديلمي : 4/285 ح 6841 ، مثير الأحزان : 22 ، مجمع الزوائد : 9/190 ، الخصائص الكبرى : 2/237 ، جمع الجوامع 1/857 و1001 ، كنز العمال : 11/166 ح 061/3 ، بحار الأنوار : 44/266 ح 24.
3 ـ من المقتل.
تسلية المُجالس وزينة المَجالس الجزء الثاني ::: فهرس