تسلية المُجالس وزينة المَجالس الجزء الثاني ::: 286 ـ 300
(286)
    فقالت اُمّه : يا بنيّ ، لا تقبل (1) قولها ، وارجع فقاتل بين يدي ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله فيكون غداً في القيامة شفيعاً لك بين يدي الله ، فرجع قائلاً :
إنّي زعيــم لـك اُمّ وهـب ضرب (2) غلام مؤمن بالربّ إنّي امرؤ ذو مــرة وعصب بالطعن فيهم تارة والضرب حتى يذيق القوم مرّ الحرب حسبي إلهي من عليم حسبي (3)
    فلم يزل يقاتل حتّى قتل تسعة عشر فارساً واثني عشر راجلاً ، ثمّ قطعت يداه ، فأخذت امرأته عموداً وأقبلت نحوه ، وهي تقول : فداك أبي واُمّي ، قاتل دون الطيّبين حرم رسول الله ، فأقبل كي يردّها إلى النساء ، فأخذت بجانب ثوبه وقالت : لن أعود أو أموت معك.
    وجعل يقاتل حتّى قتل رضوان الله عليه.
    قال : فذهبت امرأته تمسح الدم عن وجهه فبصر بها شمر فأمر غلاماً له فضربها بعمود كان معه فشدخها وقتلها ، وهي أوّل امرأة قتلت في عسكر (4) الحسين عليه السلام.
1 ـ في المقتل : لا تسمع.
2 ـ في المقتل : فعل.
3 ـ روى في المقتل هذا الرجز هكذا :
إنّي امرؤ ذو مرّة وعصـب حسبي بنفسي من عليم حسبي ولست بالخوّار عند النكب إذا انتميت في كرام العرب
4 ـ في المقتل : حرب.


(287)
    ورأيت حديثاً أنّ وهب هذا كان نصرانّياً ، فأسلم [ هو واُمّه ] (1) على يد الحسين عليه السلام ، فقتل في المبارزة أربعة وعشرين رجلاً واثني عشر فارساً ، ثمّ أُخذ أسيراً ، فاُتي به عمر بن سعد ، فقال : ما أشدّ صولتك ؟ ثمّ أمر فضربت عنقه ، ورمى براسه إلى عسكر الحسين عليه السلام ، فأخذت اُمّه الرأس فقبّلته ، ثمّ رمت بالرأس إلى عسكر ابن سعد فأصابت به رجلاً فقتلته ، ثمّ شدّت بعمود الفسطاط فقتلت [ به ] (2) رجلين.
    فقال لها الحسين : ارجعي يا اُمّ وهب ، أنت وابنك مع رسول الله صلّى الله عليه وآله في الجنّة ، فإنّ الجهاد مرفوع عن النساء ، فرجعت وهي تقول : إلهي لا تقطع رجائي.
    فقال لها الحسين عليه السلام : لا يقطع الله رجاءك اُمّ وهب.
    ثمّ برز من بعده عمرو بن خالد الأزدي ، وهو يقول :
اليوم يا نفس إلى الرحمـن اليوم تجزين على الاحسان ما خطّ في اللوح لك الديّان تمضين بالروح وبالريحان قد كان منك غابر الزمـان لا تجزعي فكلّ حيّ فـان
والصبر أحظى لك بالأمان (3)
    ثمّ قاتل حتّى قتل رضي الله عنه.
1 و 2 ـ من المقتل.
3 ـ روى الرجز الأخير في المقتل هكذا :
ما خطّ باللوح لدى الديّان لا تجزعي فكلّ حيّ فان فاليوم زال ذاك بالغفـران والصبر أحظى لك بالأمان

(288)
    ثمّ تقدّم ابنه خالد بن عمرو ، وهو يرتجز :
صبراً على الموت بني قحطان ذي المجد والعـزّة والبرهـانِ يا ليتني قد صـرت بالجنَانِ كيما تكونوا (1) في رضى الرحمنِ وذي العـلا والطــول والاحسانِ فـي قصـر درّ حسـن البنيـان (2)
    فلم يزل يقاتل حتّى قتل رضوان الله عليه.
    ثمّ برز من بعده سعد بن حنظلة التميمي ، وهو يقول :
صبراً على الأسياف والأسنّـة وحور عين ناعمات هنّه يا نفس للراحة فاجهدنّه (3) صبراً عليها لدخول الجنّة لمن يريد الفوز لا بالظنّة وفي طلاب الخير فارغبنّه
    ثمّ حمل فقاتل قتالاً شديداً ، ثمّ قتل رضوان الله عليه.
    وخرج من بعده عمير بن عبد الله المذحجي ، وهو يرتجز :
قد علمت سعد وحي مذحج أعلو بسيفي هامة المدجّج فريسة الضبع الأزلّ الأعرج أنّي لدى الهيجاء ليث مُحرج (4) وأترك القرن لدى التعرّج (5) [ فمن تراه واقفاً بمنهج ] (5)
    ولم يزل يقاتل حتّى قتله مسلم الضبابيّ وعبد الله البجليّ.
    ثمّ برز من بعده مسلم بن عوسجة رضي الله عنه ، وهو يرتجز.
1 ـ في المقتل : نكون.
2 ـ روى آخر الرجز في المقتل هكذا :
ذي المجد والعزّة والبرهان يا أبتا قد صرت في الجنان
3 ـ في المقتل : فاطرحنّه.
4 ـ في المقتل : أنّي ليث الغاب لم أُهجهج.
5 ـ من المقتل.


(289)
إن تسألوا عنّي فإنّي ذو لبد فمن بغانا (1) حائد عن الرشد من فرع قوم من ذرى بني أسد وكافر بدين جبّار صمد
    ثمّ قاتل قتالاً شديداً فسقط إلى الأرض وبه رمق ، فمشى إليه الحسين عليه السلام ومعه حبيب بن مظاهر ، فقال له الحسين عليه السلام : رحمك الله يا مسلم ، ( فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلوُا تَبْدِيلاً ) (2) ثمّ دنا منه حبيب ، فقال : يعزّ عليّ مصرعك ، يا مسلم ، أبشر بالجنّة.
    فقال له قولاً ضعيفاً : بشّرك الله بخير.
    فقال له حبيب : لولا أعلم أنّي في الأثر لأحببت أن توصي إليَّ بكلّ ما أهمّك.
    فقال مسلم : فإنّي اُوصيك بهذا ـ وأشار إلى الحسين عليه السلام ـ فقاتِل دونه حتّى تموت.
    فقال حبيب : لأنعمنّك عيناً.
    ثمّ مات رضوان الله عليه.
    قال : فصاحت جارية له : يا سيّداه ، يا ابن عوسجتاه.
    فنادى أصحاب ابن سعد مستبشرين : قتلنا مسلم بن عوسجة.
    فقال شبث بن ربعي لبعض من حوله : ثكلتكم اُمّهاتكم ، أمّا إنّكم تقتلون أنفسكم بأيديكم ، وتذلّون عزّكم ، أتفرحون بقتل مسلم بن عوسجة ؟ أمّا والّذي
1 ـ في المقتل : بغاني.
2 ـ سورة الأحزاب : 23.


(290)
أسلمت له ، لربّ موقف له في المسلمين كريم ، لقد رأيته يوم آذربيجان قتل ستّة من المشركين قبل أن تلتئم خيول المسلمين.
    ثمّ حمل شمر بن ذي الجوشن في الميسرة ، فثبتوا له وقاتلهم أصحاب الحسين عليه السلام قتالاً شديداً وإنّما هم إثنان وثلاثون فارساً فلا يحملون على جانب من أهل الكوفة إلّا كشفوهم (1) ، فدعا عمر بن سعد بالحصين بن نمير في خمسمائة من الرماة ، فأقبلوا (2) حتّى دنوا من الحسين وأصحابه ، فرشقوهم بالنبل ، فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم ، وقاتلوهم حتّى انتصف النهار ، واشتدّ القتال ، ولم يقدروا أن يأتوهم إلاّ من جانب واحد ، لاجتماع أبنيتهم ، وتقارب بعضها من بعض ، فأرسل عمر بن سعد الرجال ليقوّضوها عن أيمانهم وشمائلهم ، ليحيطوا بهم (3) ، وأخذ الثلاثة والأربعة من أصحاب الحسين يتخلّلون [ بينها ] (4) فيشدّون على الرجل وهو يقوّض وينهب فيرمونه عن قريب فيصرعونه ويقتلونه.
    فقال ابن سعد : احرقوها بالنار وأضرموا فيها.
    فقال الحسين عليه السلام : دعوهم يحرقوها فإنّهم إذا فعلوا ذلك لم يجوزوا إليكم ، فكان كما قال صلوات الله عليه.
    وقيل : أتاه شبث بن ربعي ، وقال : أفزعنا النساء فاستحيا ، وأخذوا لا يقاتلونهم إلاّ من وجه واحد ، وشدّ أصحاب زُهير بن القَين فقتلوا أبا عُذرة
1 ـ في المقتل : كشفوه.
2 ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : فاقتتلوا ، وهو تصحيف.
3 ـ في المقتل : بها.
4 ـ من المقتل.


(291)
الضبابي من أصحاب شمر.
    فلم يزل يُقتل من أصحاب الحسين الواحد والاثنان فيبيّن ذلك فيهم لقلّتهم ، ويُقتل من أصحاب عمر العشرة [ والعشرون ] (1) فلا يبيّن فيهم ذلك لكثرتهم.
    فلمّا رأى ذلك أبو ثمامة الصيداويّ قال للحسين عليه السلام : يا أبا عبد الله ، نفسي لنفسك الفداء ، هؤلاء اقتربوا منك ، ولا والله لا تقتل حتّى اُقتل دونك ، واُحبّ أن ألقى الله ربّي وقد صلّيت هذه الصلاة ، فرفع الحسين رأسه إلى السماء وقال : ذكرت الصلاة جعلك الله (2) من المصلّين ، نعم هذا أوّل وقتها.
    ثمّ قال : سلوهم أن يكفّوا عنّا حتّى نصلّي ، فكفّوا عنهم ، فصلّى الحسين عليه السلام وأصحابه.
    فقال الحصين بن نُمير : إنّها لا تقبل.
    فقال حبيب بن مظاهر : لا تُقبل الصلاة زعمت من ابن رسول الله ، وتُقبل منك يا ختّار ، فحمل عليه الصحين بن نمير ، وحمل عليه حبيب فضرب وجه فرسه بالسيف فشبّ [ به ] (3) الفرس ووقع عنه الحصين فاحتوشه أصحابه فاستنقذوه.
    فقال الحسين عليه السلام لزهير بن القين وسعيد بن عبد الله : تقدّما أمامي حتّى أُصلّي الظهر ، فتقدّما أمامه في نحو من نصف أصحابه حتّى صلّى بهم صلاة الخوف.
1 ـ من المقتل.
2 ـ لفظ الجلالة أثبتناه من المقتل والبحار.
3 ـ من البحار.


(292)
    وروي أنّ سعيد بن عبد الله الحنفي تقدّم أمام الحسين عليه السلام ، فاستهدف لهم يرمونه بالنبل ، كلّما أخذ الحسين عليه السلام يميناً وشمالاً قام بين يديه ، فما زال يرمى حتّى سقط إلى الأرض ، وهو يقول : اللّهمّ العنهم لعن عاد وثمود ، اللّهمّ أبلغ نبيّك السلام عنّي ، وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح ، فإنّي أردت ثوابك في نصرة (1) ذرّيّة نبيّك ، ثمّ مات رضي الله عنه ، فوجد به ثلاثة عشر سهماً سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح. (2)
    ثمّ خرج عبد الرحمان بن عبد الله اليزني ، وهو يقول :
أنا ابن عبد الله من آل يزن أضربكم ضرب فتى من اليمن ديني على دين حسين وحسن أرجو بذاك الفوز عند المؤتمن
ثمّ حمل فقاتل حتّى قُتل.
    ثمّ تقدّم جون مولى أبي ذرّ الغفاري وكان عبداً أسود ، فقال له الحسين عليه السلام : أنت في إذن منّي ، فإنّما تبعتنا طلباً للعافية ، فلا تبتل بطريقنا.
    فقال : يا ابن رسول الله ، أنا في الرخاء ألحس قصاعكم (3) ، وفي الشدةّ أخذلكم ؟! والله إن ريحي لمنتن ، وإن حسبي للئيم ، ولوني لأسود ، فتنفّس عليَّ بالجنّة ، فيطيب ريحي ، ويشرف حسبي ، ويبيضّ وجهي ، لا والله لا اُفارقكم حتّى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم.
1 ـ في المقتل والبحار : أردت بذلك نصرة.
2 ـ من قوله : « ثمّ برز من بعده سعد بن حنظلة » إلى هنا نقله المجلسي رحمه الله في البحار : 45/18 ـ 21 ، وكذا في عوالم العلوم : 17/261 وما بعدها.
3 ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : الرخاء الحسن اُصحابكم.


(293)
    ثمّ برز للقتال ، وهو [ ينشد و ] (1) يقول :
كيف يرى الكفار ضرب الأسود أذبّ عنهم باللسان واليد بالسيف ضرباً عن بني محمد أرجو به الجنةّ يوم المورد (2)
    ثمّ قاتل حتّى قُتل ، فوقف عليه السلام ، وقال : اللّهمّ بيّض وجهه ، وطيّب ريحه ، واحشره مع الأبرار ، وعرّف بينه وبين محمد وآل محمد.
    وروي عن الباقر ، عن عليّ بن الحسين عليهم السلام : أنّ الناس كانوا يحضرون المعركة ، ويدفنون القتلى ، فوجدوا جَوناً بعد عشرة أيّام تفوح منه رائحة المسك رضوان الله عليه. (3)
    قال : ثمّ برز عمر بن خالد الصيداويّ فقال للحسين عليه السلام : يا أبا عبد الله ، قد هممتُ أن ألحق بأصحابي ، وكرهتُ أن أتخلّف وأراك وحيداً من (4) أهلك قتيلاً.
    فقال له الحسين عليه السلام : تقدّم فإنّا لاحقون بك عن ساعة ، فتقدّم فقاتل حتّى قُتل رضوان الله عليه.
1 ـ من البحار.
2 ـ روى الأرجاز في المقتل هكذا :
كيف يرى الفجّار ضرب الأسود أحمي الخيار من بني محمد أرجو بذاك الفوز عند المورد بالمشرفيّ القاطع المهنّد أذبّ عنهم باللسان واليد من الإله الواحد الموحّد
3 ـ من قوله : « ثمّ برز للقتال وهو ينشد ويقول : كيف يرى » إلى هنا نقله المجلسي رحمه الله في البحار : 45/22 ـ 23. وكذا في عوالم العلوم : 17/266.
4 ـ في الملهوف : بين.


(294)
    قال : وجاء حنظلة بن سعد الشبامي فوقف بين يدي الحسين عليه السلام يقيه السهام والرماح والسيوف بوجهه ونحره ، وأخذ ينادي : ( يَا قَوْمِ إِنِّي أخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمَ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبَادِ وَيَا قَوْمِ إِنِّي أخَافُ عَلَيْكًُمْ يَومَ التَّنَادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عَاصِمٍ ) (1).
    يا قوم ، لا تقتلوا حسيناً فيسحتكم الله بعذابٍ وقد خابَ من افترى (2).
    ثمّ التفت إلى الحسين عليه السلام وقال : أفلا نروح إلى ربّنا ونلحق بإخواننا ؟
    فقال له الحسين عليه السلام : بلى (3) ، رُح إلى ما هو خير لك من الدنيا وما فيها ، وإلى مُلكٍ لا يبلى.
    وقاتل حتّى قَتل أبطالاً ، وصبر صبراً جميلاً على احتمال الأهوال (4) ، حتّى قُتل رضي الله عنه.
    قال : وتقدّم [ سُويد ] (5) بن عمر بن أبي المطاع ، وكان شريفاً كثير الصلاة ، فقاتل قتال الاسد الباسل ، وبالغ في الصبر على الخطب النازل ، حتّى سقط بين القتلى وقد اُثخن بالجراح ، فلم يزل كذلك وليس به حراك حتّى سمعهم يقولون : قتل الحسين ، فتحامل وأخرج سكيّناً من خفّه ، وجعل يقاتل حتّى قُتل رضوان
1 ـ سورة غافر : 30 ـ 33.
2 ـ إقتباس من الآية : 61 من سورة طه.
3 ـ في الملهوف : بل.
4 ـ في الملهوف : وصبر على احتمال الأهوال.
5 ـ من الملهوف.


(295)
الله عليه.
    ثمّ خرج الحجّاج بن مسروق وهو مؤذّن الحسين عليه السلام ، وهو يقول :
أقدم حسين هادياً مهديّاً ثمّ أباك ذا الندى (1) عليّا وذا الجناحين الفتى الكميّا اليوم تلقى جدّاك النبيّا [ والحسن الخير الرضا الوليّا وأسد الله الشهيد الحيّا ] (2)
    ثمّ حمل ، فقاتل حتّى قُتل.
    ثمّ خرج من بعده زُهير بن القَين [ البجلي ] (3) رضي الله عنه ، وهو يرتجز :
أنا زهير وأنا ابن القين إنّ حسيناً أحد السبطين ذاك رسول الله غير المين أذودكم بالسيف عن حسين من عترة البّر التّقي الزين أضربكم ولا أرى من شينِ
* يا ليت نفسي قسمت قسمينِ *
    فقاتل حتّى قَتَل مائة وعشرين رجلاً ، فشدّ عليه كُثير بن عبد الله الشعبيّ ومهاجر بن أوس التميميّ فقتلاه.
    فقال الحسين عليه السلام حين صرع زهير : لا يبعدك الله [ يا زهير ] (4) ، ولعن قاتلك لعن الّذين مسخوا قردة وخنازير.
    ثمّ خرج سعيد بن عبد الله الحنفي ، وهو يرتجز :
أقدم حسين اليوم تلقى أحمدا وشيخك الحبر عليّاً ذا الندى

1 ـ في المقتل : العلا.
2 و 3 ـ من المقتل.
4 ـ من البحار.


(296)
وحسناً كالبدر وافى الأسعدا حمزة ليث الله يدعى أسدا وعمّك القرم الهمام الأرشدا (1) وذا الجناحين تبوّأ مقعدا
* في جنّة الفردوس يعلو صعدا (2) *
    فلم يزل يقاتل حتّى قُتل.
    ثمّ برز حبيب بن مظاهر الأسدي ، وهو يقول :
أنا حبيب وأبي مظهّر وأنتم عند العديد أكثر [ وأنتم عند الهياج غدّر فارس هيجاء وحرب تسعر ونحن أعلى حجّة وأقهر (3) ونحن أوفى منكم وأصبر ] (4)
    فقتل اثنين وستّين رجلاً ، فقتله الحصين بن نمير وعلّق رأسه في عنق فرسه.
    ثمّ برز هلال بن نافع البجلي (5) ، وهو يقول :
أرمي بها معلمة أفواقها مسمومة تجري بها أخفاقها والنفس لا ينفعها إشفاقها ليملأنّ أرضها رشاقها
    فلم يزل يرميهم حتّى فنيت سهامه ، ثمّ ضرب بيده إلى سيفه فاستلّه ،
1 ـ في المقتل : القرم الهجان الأصيدا.
2 ـ روى الرجز الأخير في المقتل هكذا :
وحمزة ليث الإله الأسدا في جنّة الفردوس نعلو صعدا
ومن قوله : « فقاتل حتّى قَتَل مائة وعشرين » إلى هنا نقله المجلسي رحمه الله في البحار : 45/25 ـ 26.
3 ـ في المقتل : وأظهر.
4 ـ من المقتل.
5 ـ لعلّه هو نفسه نافع بن هلال الجملي. وقد ذكرنا أنّ نسبة الجملي أصحّ.


(297)
    وجعل يقول :
أنا الغلام اليمني البجليّ (1) إن اُقتل اليوم فهذا أملي ديني على دين حسين وعليَّ فذاك رأيي واُلاقي عملي
    فقَتَل ثلاثة عشر رجلاً فكسّروا عضديه ، واُخذ أسيراً ، فقام إليه شمر فضرب عنقه.
    قال : ثمّ خرج شابّ قُتل أبوه في المعركة ، وكانت اُمّه معه ، فقالت له اُمّه : اخرج يا بنيّ وقاتل بين يدي ابن رسول الله ، فخرج ، فقال الحسين عليه السلام : هذا شابّ قُتل أبوه ، ولعلّ اُمّه تكره خروجه.
    فقال الشابّ : اُمّي أمرتني بذلك ، فبرز وهو يقول :
أميري حسين ونعم الأمير عليّ وفاطمة والداه له طلعة مثل شمس الضحى سرور فؤاد البشير النذير فهل تعلمون له من نظير ؟ له غرة مثل بدر منير
    وقاتل حتّى قُتل ، وحزّ رأسه ورمي به إلى عسكر الحسين عليه السلام ، فحملت اُمّه رأسه وقالت : أحسنت يا بنيّ ، يا سرور قلبي ، ويا قرّة عيني ، ثمّ رمت برأس ابنها رجلاً فقتلته ، وأخذت عمود خيمة وحملت عليهم ، وهي تقول :
أنا عجوز سيّدي ضعيفة (2) أضربكم بضربة عنيفة خاوية بالية نحيفة دون بني فاطمة الشريفة

1 ـ في المقتل : الجملي.
2 ـ في المقتل : أنا عجوز في النساء ضعيفة.


(298)
    وضربت رجلين فقتلتهما ، فأمر الحسين عليه السلام بصرفها ودعا لها.
    وجاء عابس بن أبي شبيب (1) الشاكري ومعه شَوذب مولى شاكر ، فقال : يا شوذب ، ما في نفسك أن تصنع ؟
    قال : ما أصنع ؟! اُقاتل حتّى اُقتَل.
    قال : ذاك الظنّ بك ، تقدّم بين يدي أبي عبد الله حتّى يحتسبك (2) كما احتسب غيرك ، فإنّ هذا يوم ينبغي لنا أن نطلب فيه الأجر بكلّ ما نقدر عليه ، فإنّه لا عمل بعد اليوم وإنّما هو الحساب.
    فتقدّم فسلّم على الحسين عليه السلام ، وقال : يا أبا عبد الله ، [ أمّا ] (3) والله ما أمسى على وجه (4) الأرض قريب ولا بعيد أعزّ [ عليَّ ] (5) ولا أحبّ إليَّ منك ، ولو قدرت على أن أدفع عنك الضيم أو القتل بشيءٍ أعزّ عليَّ من نفسي ودمي لفعلت ، السلام عليك يا أبا عبد الله ، أشهد أنّي على هداك وهدى أبيك ، ثمّ مشى (6) بالسيف نحوهم.
    قال ربيع بن تميم : فلمّا رأيته مقبلاً عرفته ـ وقد كنت شاهدته في المغازي ـ وكان أشجع الناس ، فقلت : أيّها الناس ، هذا أسد الاُسود ، هذا ابن أبي شبيب ، لا يخرجنّ إليه أحد منكم ، فأخذ ينادي : ألا رجل ؟ ألا رجل ؟
    فقال عمر بن سعد : أرضخوه بالحجارة ، فرمي بالحجارة من كلّ جانب ،
1 ـ كذا الصحيح ، وفي الأصل : عابس بن شبيب. وكذا في الموضع الآتي.
2 ـ في المقتل : حتّى أحتسبك ويحتسبك.
3 و 5 ـ من البحار.
4 ـ في المقتل : مطهر.
6 ـ في البحار : مضى.


(299)
فلمّا رأى ذلك ألقى درعه ومِغفَره ، ثمّ شدّ على الناس ، فوالله لقد رأيته يطرد أكثر من مائتين من الناس ، ثمّ إنّه (1) تعطّفوا عليه من كلّ جانب ، فقُتل ، فرأيت رأسه في أيدي رجال ذوي عدّة ، هذا يقول : أنا قتلته ، والآخر يقول كذلك.
    فقال عمر بن سعد : لا تختصموا هذا لم يقتله إنسان واحد ، حتّى فرّق بينهم بهذا القول.
    ثمّ جاءه عبد الله وعبد الرحمن الغفاريّان ، فقالا : يا أبا عبد الله ، السلام عليك ، أحببنا أن نقتل بين يديك وندفع عنك.
    فقال : مرحباً بكما ، ادنوا منّي ، فدنوا منه (2) ، وهما يبكيان ، فقال : يا ابني أخي ما يبكيكما ؟ فوالله إنّي لأرجو أن تكونا بعد ساعة قريري العين.
    فقالا : جعلنا الله فداك ، والله ما على أنفسنا نبكي ولكن نبكي عليك نراك قد اُحيط بك ولا نقدر على أن نمنعك. (3)
    فقال : جزاكما الله يا ابني أخي بوجدكما من ذلك ومواساتكما إيّاي بأنفسكما أحسن جزاء المتّقين ، ثمّ استقدما وقالا :
    السلام عليك يا ابن رسول الله.
    فقال : وعليكما السلام ورحمة الله وبركاته.
    فقاتلا حتّى قُتلا رضي الله عنهما.
1 ـ في البحار : إنّهم.
2 ـ كذا في المقتل والبحار ، وزاد في الأصل : ثمّ قاتلا حتّى قُتلا ، ثمّ جاءه سيف بن الحارث بن سريع ومالك بن سريع فدنوا منه.
3 ـ في البحار : ننفعك.


(300)
    قال : ثمّ خرج غلام تركيّ كان للحسين عليه السلام ، وكان قارئاً للقرآن ، فجعل يقاتل [ ويرتجز ] (1) ويقول :
البحر من طعني وضربي يصطلي إذا حسامي بيميني ينجلي والجوّ من سهمي ونبلي يمتلي ينشقّ قلب الحاسد المبجّل
    فقتل جماعة ، ثمّ سقط صريعاً ، فجاءه الحسين عليه السلام فبكى ووضع خدّهُ على خدّهِ ، ففتح عينيه فرأى الحسين عليه السلام فتبسّم ، ثمّ صار إلى ربّه رضي الله عنه.
    [ قال : ثمّ رماهم يزيد بن زياد بن الشعثاء بثمانية أسهم ما أخطأ منها بخمسة أسهم ، وكان كلّما رمى قال الحسين عليه السلام : اللّهمّ سدّد رميته ، واجعل ثوابه الجنّة ، فحملوا عليه فقتلوه ] (2)
    وكان يأتي الحسين عليه السلام الرجل بعد الرجل ، فيقول : السلام عليك يا ابن رسول الله ، فيجيبه الحسين ، ويقول : وعليك السلام ونحن خلفك ، ثمّ يقرأ : ( فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ) (3) حتّى قتلوا عن آخرهم رضوان الله عليهم ، ولم يبق مع الحسين إلاّ أهل بيته.
    وهكذا (4) يكون المؤمن يؤثر دينه على دنياه ، وموته على حياته في سبيل الله ، وينصر الحقّ وإن قتل ، قال سبحانه : ( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أمْوَاتاً بَلْ أحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (5) وقال النبيّ صلّى الله عليه
1 و 2 ـ من البحار.
3 ـ سورة الأحزاب : 23.
4 ـ الكلام من هنا للخوارزمي.
5 ـ سورة آل عمران : 169.
تسلية المُجالس وزينة المَجالس الجزء الثاني ::: فهرس