تسلية المُجالس وزينة المَجالس الجزء الثاني ::: 316 ـ 330
(316)
فاطم الزهراء اُمّي وأبي عَبَدَالله غلاماً يافعاً يعبدون اللات والعزّى معاً وأبي شمس واُمّي قمر وله في يوم اُحد وقعةٍ ثمّ في الأحزاب والفتح معاً في سبيل الله ماذا صَنَعَتْ عترة البرّ النبيّ المصطفى قاصم الكفر ببدر وحنينِ وقريش يعبدون الوثنين وعليّ كان صلّى القبلتين فأنا الكوكب وابن القمرين شفت الغل بفضّ العسكرين كان فيها حتف أهل الفيلقين اُمّة السوء معاً بالعترتين وعليّ القرم (1) يوم الجحفلين (2)
    ثمّ وقف صلوات الله عليه قبالة القوم وسيفه مُصلت في يده آيساً من الحياة ، عازماً على الموت ، وهو يقول :
أنا ابن عليّ الطهر (3) من آل هاشم وجدّي رسول الله أكرم من مضى وفاطم اُمّي من سلالة أحمد (5) كفاني بهذا مفخراً حين أفخر ونحن سراج الله في الأرض (4) نزهر وعمّي يدعى ذو الجناحين جعفر

1 ـ في البحار : الورد.
2 ـ انظر الأبيات أيضاً في : الاحتجاج : 301 ، الفتوح لابن أعثم : 5/210 ، مطالب السؤول : 2/29 ، كشف الغمّة : 2/27 ، عبرات المصطفين : 2/93.
3 ـ في المقتل : الخير.
4 ـ في البحار : الخلق.
5 ـ في المقتل : وفاطمة اُمّي ابنة الطهر أحمد.


(317)
وفينا كتاب الله اُنزل صادقاً (1) ونحن أمان الله للناس (2) كلّهم ونحن ولاة الحوض نسقي ولاتنا وشيعتنا في الناس أكرم شيعة (4) وفينا الهدى والوحي بالخير بذكر نسرّ بها في الأنام ونهجرُ بكأس رسول الله ما ليس ينكرُ (3) ومبغضنا يوم القيامة يخسر
    وذكر أبو عليّ السلاميّ في تاريخه أنّ هذه الأبيات للحسين عليه السلام من إنشائه ، وقال : وليس لأحد مثلها :
وإن تكن الدنيا تعدّ نفيسة وإن تكن الأبدان للموت اُنشئت وإن تكن الأرزاق قسماً مقدّراً وإن تكن الأموال للترك جمعها فإنّ ثواب الله أعلى وأنبلُ فقتل امرىء بالسيف في الله أفضل فقلّة سعي المرء في الكسب أجملّ فما بال متروك به المرؤ يبخلُ؟

1 ـ في المقتل : صادعاً.
2 ـ في المقتل : في الخلق.
3 ـ في المقتل : نسقي محبّتنا ... بكأس وذاك الحوض للسقي كوثر.
4 ـ في المقتل : فيسعد فينا في القيام محبّنا.


(318)
[ سأمضي وما بالقتل عار على الفتى إذا في سبيل الله يمضي ويقتل ] (1)
    ثمّ إنّه عليه السلام دعا الناس إلى البراز ، فلم يزل يقتل كلّ من دنا منه من عيون الرجال ، حتّى قتل منهم مقتلة عظيمة.
    ثمّ (2) حمل عليه السلام على الميمنة وقال :
الموت خير من ركوب العار [ والعار أولى من دخول النّار ] (3)
    ثمّ على الميسرة ، وهو يقول :
أنا الحسين بن عليّ أحمي عيـالات أبي آلـيـت ألاّ انـثـني أمضي على دين النبيّ
    ولم يزل يقاتِل حتّى قَتَل ألف رجل وتسعمائة رجل وخمسين رجلاً سوى المجروحين.
    فقال عمر بن سعد لقومه : الويل لكم أتدرون لمن تقاتلون ؟ هذا ابن الأنزع البطين ، هذا ابن قتّال العرب ، فاحملوا عليه من كلّ جانب ، وكانت الرماة أربعة آلاف ترمية بالسهام فحالوا بينه وبين رحله.
    فصاح بهم : ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان ، إن لم يكن لكم دين ، وكنتم لا تخافون المعاد ، فكونوا أحراراً في دنياكم ، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم أعراباً.
1 ـ من المقتل.
2 ـ من هنا إلى قوله : « من كلّ جانب » نقله المؤلّف رحمه الله من مناقب ابن شهراشوب : 4/110.
3 ـ من المناقب.


(319)
    فناداه شمر ، فقال : ما تقول ، يا ابن فاطمة ؟
    قال : أقول : انّا الّذي اُقاتلكم وتقاتولني ، والنساء ليس عليهنّ جناح ، فامنعوا عُتاتكم عن التعرّض لحرمي ما دمت حيّاً.
    فقال شمر : لك هذا ، ثمّ صاح شمر : إليكم عن حرم الرجل ، فاقصدوه في نفسه ، فلعمري لهو كفو كريم.
    قال : فقصدوه القوم وهو في ضمن ذلك يطلب شربة ماء ، فكلّما حمل بفرسه على الفرات حملوا عليه أجمعهم حتّى أحالوه (1) عنه ، ثمّ رماه رجل من القوم يكنّى أبا الحتوف الجعفي لعنه الله بسهم ، فوقع السهم في جبهته ، فنزعه من جبهته ، فسالت الدماء على وجهه ولحيته ، فقال صلوات الله عليه ، اللّهمّ إنّك ترى ما أنا فيه من عبادك هؤلاء العصاة ، اللّهمّ أحصهم عدداً ، واقتلهم بدداً ، ولا تذر على وجه الأرض منهم أحداً ، ولا تغفر لهم أبداً.
    ثمّ حمل عليهم كالليث المغضب ، فجعل لا يلحق منهم أحداً إلّا بعجه بسيفه فقتله ، والسهام آخذة له من كلّ ناحية وهو يتّقيها بنحره وصدره ، ويقول : يا اُمّة السوء ، بئسما خلّفتم محمّداً في عترته ، أمّا إنّكم لن تقتلوا بعدي عبداً من عباد الله فتهابوا قتله ، بل يهون عليكم عند قتلكم إيّاي ، وأيم الله إنّي لأرجو أن يكرمني ربّي بالشهادة بهوانكم ، ثمّ ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون.
    قال : فصاح به الحصين بن مالك السكوني ، فقال : وبماذا ينتقم لك منّا ؟
    قال : يلقي بأسكم بينكم ، ويسفك دماءكم ، ثمّ يصّب عليكم العذاب
1 ـ في المقتل : أجلوه.

(320)
الأليم.
    ثمّ لم يزل يقال حتّى أصابته جراحات عظيمة.
    وروي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام ، قال : وجد بالحسين عليه السلام ثلاث وثلاثون طعنة وأربع وثلاثون ضربة.
    وقال الباقر عليه السلام : اُصيب الحسين عليه السلام ووجد به ثلاثمائة وبضعة وعشرون طعنة برمح ، وضرب بسيف ، ورمية بسهم.
    وفي رواية : ألف وتسعمائة جراحة ، وكانت السهام في درعة كالشوك في جلد القُنفذ ، وروي أنّها كانت كلّها في مقدّمته.
    وهذا الروايات رواها الشيخ الثقة رشيد الدين بن شهراشوب المازندراني رضي الله عنه في كتابه المناقب. (1)
    فوقف صلوات الله عليه يستريح ساعة وقد ضعف عن القتال ، فبينا هو واقف إذ أتاه حجر فوقع على جبهته ، فأخذ الثوب (2) ليمسح الدم عن وجهه فأتاه سهم محدّد مسموم ، له ثلاث شعب ، فوقع السهم في صدره (3) ، فقال الحسين عليه السلام : بسم الله ، وبالله ، وعلى ملّة رسول الله ، ورفع رأسه إلى السماء وقال : إلهي إنّك تعلم أنهم يقتلون رجلاً ليس على وجه الأرض ابن نبيّ غيره ، ثمّ أخذ السهم فأخرجه من قفاه فانبعث الدم كالميزاب ، فوضع يده على
1 ـ مناقب ابن شهراشوب : 4/ 110 ـ 111 ، عنه البحار : 45 / 52 ، وعوالم العلوم : 17/ 295.
2 ـ كذا في المقتل والبحار ، وهو الصحيح ، وفي الاصل : التراب
3 ـ في المقتل : قلبه


(321)
الجرح ، فلمّا امتلأت [ دماً ] (1) رمى به إلى السماء ، فما رجع من ذلك الدم قطرة ، وما عرفت الحمرة في السماء حتّى رمى الحسين عليه السلام بدمه إلى السماء ، ثمّ وضع يده ثانياً ، فلمّا امتلأت لطّخ بها رأسه ولحيته ، وقال : هكذا أكون حتّى ألقى جدّي رسول الله صلّى الله عليه وآله وأنا مخضوب بدمي ، وأقول : يا رسول الله ، قتلني فلان وفلان.
    ثمّ ضعف عليه السلام عن القتال فوقف ، فكلّما أتاه رجل من الناس وانتهى إليه انصرف عنه [ وكره أن يلقى الله بدمه ] (2) ، حتّى جاء رجل من كندة يقال له مالك بن النُّسَير (3) لعنه الله فضربه بالسيف على رأسه ، وعليه بُرنُس (4) فقطع البرنس فامتلأ دماً.
    فقال له الحسين عليه السلام : لا أكلت بها ولا شربت (5) ، وحشرك الله مع الظّالمين ، ثمّ ألقى البرنس ولبس قلنسوة واعتمّ عليها وقد أعيى ، وجاء الكنديّ وأخذ البرنس ، وكان من خزّ ، فلمّا قدم [ به ] (6) بعد الوقعة على امرأته فجعل يغسل الدم عنه ، فقالت له امرأته ، أتدخل بيتي سلب ابن رسول الله ؟ اخرج عنّي حشى الله قبرك ناراً ، فلم يزل بعد ذلك فقيراً بأسوء حال ويبست يداه ، وكانتا في الشتاء ينضحان دماً ، وفي الصيف يصيران يابستين كأنّهما
1 و 2 و 6 ـ من المقتل.
3 ـ كذا ضبطه في الكامل في التاريخ : 4/75 ، لكنّه عاد وسمّاه مالك بنَ بشير البدّي ، وذلك في ص 239 حينما أحضره المختار رحمه الله فأمر بقطع يديه ورجليه وتُرك يضطرب حتّى مات.
    وفي المقتل والملهوف : النسر ، وفي والأصل : البشير ، وفي البحار : اليسر.
4 ـ البرنس : القلنسوة الطويلة.
5 ـ في المقتل : لا أكلت بيمينك ولا شربت بها.


(322)
عودان.
    ولمّا ضعف عليه السلام نادى شمر لعنه الله : ما وقوفكم ؟ وما تنتظرون بالرجل ؟ قد أثخنته الجراح والسهام ، احملوا عليه ثكلتكم اُمّهاتكم ، فحملوا عليه من كلّ جانب ، فرماه الحصين بن تميم في فيه ، وأبو أيّوب الغنويّ بسهم في حلقه ، وضربه زرعة بن شريك التميمي على كتفه اليسرى ، وعمر بن خليفة الجعفي على حبل عاتقه ، وطعنه صالح بن وهب المزنيّ في جنبه ، وكان قد طعنه سنان (1) بن أنس النخعي في صدره ، فوق صلوات الله عليه على الأرض على خدّه الأيمن ، ثمّ استوى جالساً ونزع السهم من حلقه (2).
    ثمّ دنا عمر بن سعد من الحسين عليه السلام.
    قال حميد : وخرجت زينب بنت عليّ عليه السلام وقُرطاها يجولان بين اُذنيها ، وهي تقول : ليت السماء انطبقت على الأرض ، يا عمر بن سعد : أيُقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه ؟ ودموع عمر تسيل على خدّيه ولحيته ، وهو يصرف وجهه عنها ، والحسين عليه السلام جالس وعليه جبّة خزّ ، وقد تحاماه الناس ، فنادى شمر : ويلكم ما تنتظرون به ؟ اقتلوه ثكلتكم اُمّهاتكم ، فضربه زُرعة بن شريك فأبان كفّه اليسرى ، ثمّ ضربه على عاتقه ، ثمّ انصرفوا عنه ، وهو يكبوا مرّة ويقوم اُخرى.
    فحمل عليه سنان في تلك الحال فطعنه بالرمح فصرعه ، وقال لخوليّ بن يزيد : اجتزّ رأسه ، فضعف وارتعدت يده ، فقال له سنان : جبّ (3) الله عضدك ،
1 ـ كذا في المقتل والبحار ، وفي الأصل : سفيان ، وهو تصحيف.
2 ـ في المقتل : نحره.
3 ـ في المقتل والبحار : فتّ.


(323)
وأبان يدك ، فنزل إليه شمر (1) لعنه الله ، وكان اللعين أبرص ، فضربه برجله فألقاه على قفاه ، ثمّ أخذ بلحيته ، فقال الحسين عليه السلام : أنت [ الكلب ] (2) الأبقع الّذي رأيتك في منامي.
    فقال : اتشبّهني بالكلاب ؟ ثمّ جعل يضرب بسيفه مذبح الحسين عليه السلام. (3)
    وقيل : لمّا جاء شمر والحسين عليه السلام بآخر رمق يلوك لسانه من العطش ، فطلب الماء فرفسه شمر لعنه الله برجليه ، وقال : يا ابن أبي تراب ، ألست تزعم أنّ أباك على حوض النبيّ يسقي من أحبّه ؟ فاصبر حتّى تأخذ الماء من يده ، ثمّ جلس على صدره.
    فقال له الحسين عليه السلام : أتقتلني ولا تعلم من أنا ؟
    فقال : أعرفك حقّ المعرفة ؛ اُمّك فاطمة الزهراء ، وأبوك عليّ المرتضى ، وجدّك محمد المصطفى ، وخصمك العليّ الأعلى ، أقتلك ولا اُبالي ، فضربه بسيفه اثنتا عشرة ضربة ، ثمّ جزّ رأسه صلوات الله وسلامه عليه ، ولعن الله قاتله ومقاتله والسائرين إليه بجموعهم.
    ثمّ سلبوه (4) عليه السلام لباسه وجميع ما كان عليه ؛ فأخذ عمامته جابر ابن يزيد الأزدي ، وقميصه إسحاق بن حيوة (5) ، وثوبه جعونة بن حوبة
1 ـ في المقتل : فنزل إليه نصر بن خرشة الضبابي ، وقيل : بل شمر.
2 ـ من المقتل : وفيه « رأيته » بدل « رأيتك ».
3 ـ من قوله : « ولمّا قتل أصحاب الحسين » إلى هنا نقله المجلسي رحمه الله في البحار : 45/32 ـ 56 عن كتابنا هذا.
4 ـ انظر في أسماء من سلبه عليه السلام : مناقب ابن شهراشوب : 4/111.
5 ـ كذا في الكامل : 4/80 ووقعة الطفّ : 255 ، وفي الأصل غير مقروءة ، وفي الملهوف :


(324)
الحضرمي ، وقطيفته من خزّ قيس بن الأشعث الكندي ، وسراويله بحير بن عمرو الجرمي (1)
    وكان عليه السلام قد قال لأهله : ائتوني بثوب لا يُرغب فيه لئلّا اُسلبه ، فأتوه بتبان ، فقال : هذا من لباس أهل الذمة ، فأتوه بسراويل أوسع منه فسلبوه إيّاها ، سلبها [ بحير بن ] (2) عمرو المذكور ؛ وقيل : أخذها بحر بن كعب التميمي ، وأخذ القوس والحلل الرحيل بن خيثمة الجعفي وهانىء بن ثُبيت الحضرمي وجرير بن مسعود الحضرمي ، ونعليه الأسود الاوسي ، وسيفه رجل من بني نهشل بن دارم (3) ؛ وقيل : الأسود بن حنظلة ، فأحرقهم المختار رضي الله عنه بالنار ، ثمّ مال الناس على الورس والأمتعة والإبل فانتهبوها ، ثمّ تسابقوا على نهب بيوت آل الرسول حتّى كانوا ينزعون ملحفة المرأة عن رأسها وظهرها.
    وعن فاطمة بنت الحسين قالت : لمّا دخلت العامّة علينا بالنهب دخل رجل وأنا صغيرة وفي رجليّ خلخالان فنزعهما من رجلي وهو يبكي ، فقلت : ما يبكيك ؟
    فقال : وكيف لا أبكي وأنا أسلب ابنة رسول الله ؟!
    فقلت : لا تسلبني.
    فقال : أخاف أن يأخذه غيري.
حوبة ، وفي البحار : حُويّة.
1 ـ في الكامل : 4/77 و78 ووقعة الطفّ : 255 والملهوف : بحر بن كعب التيمي ، وفي البحار : أبجَر بن كعب التيمي.
2 ـ أثبتناه للضرورة.
3 ـ في المقتل : نهشل من بني دارم.


(325)
    وقال حميد بن مسلم : انتهيت إلى عليّ بن الحسين عليه السلام وهو مضطجع على فراش له وهو مريض ، وإذا شمر معه رجل يقول : ألا نقتل هذا الصبيّ ؟
    سبحان الله ! ما معنى قتل الصبيان ؟ فما زال دأبي كذلك أدفع عنه حتّى جاء عمر بن سعد ، فقال : لا يدخلنّ أحد بيوت هذه النسوة ، ولا يتعرّض لهذا الغلام أحد ، ومن أخذ من متاعهم شيئاً فليردّه ، فوالله ما ردّ أحد شيئاً غير انّهم كفّوا.
    فقال لي عليّ بن الحسين عليه السلام : جزيت خيراً فقد دفع الله عنّا ـ بمقالتك ـ أشرار الناس. (1)
    ولمّا دخل الناس بعد قتل الحسين الفسطاط ـ فسطاط النساء ـ للنهب أقبلت امرأة من عسكر ابن سعد كانت مع زوجها ، فلمّا اقتحم الناس الفسطاط وأقبلوا يسلبون النساء أخذت سيفاً وأقبلت نحو الفسطاط ، ونادت : يا آل بكر ابن وائل ، أتسلب بنات رسول الله ؟ يا لثارات رسول الله ، فأخذها زوجها فردّها إلى رحله.
    ثمّ أمر ابن سعد بإخراج النساء من الخيمة وأضرموا فيها النّار ، فخرجن حواسر مسلّبات حافيات باكيات ، يمشين سبايا في أسر الذلّة.
    قال بعض من شهد الوقعة : ما رأيت مكثوراً (2) قطّ قتل ولده وإخوته وبنو عمّه ، وأهل بيته وأنصاره أربط جأشاً ، ولا أمضى جناناً ما رأيت قبل ولا بعده
1 ـ في المقتل : شرّ هؤلاء.
2 ـ المكثور : المغلوب.


(326)
مثله ـ أعني الحسين عليه السلام ـ لقد رأيت الرجال تنكشف عنه انكشاف المعزى إذا عاث (1) فيها الذئب.
    ثمّ إنّ عمر بن سعد لعنه الله نادى : من ينتدب للحسين فيطأه بفرسه (2) ؟ فانتدب له عشرة نفر ، منهم : أخنس بن مرثد الحضرمي ، وهو القائل (3) :
نحن رضضنا الظهر بعد الصدر [ حتّى عصينا الله ربّ الأمر بكلّ يعبوب شديد الأسر بصنعنا مع الحسين الطهر ] (4)
    وقال عمر بن سعد لعنه الله : بهذا أمر الأمير عبيدالله.
    قال الراوي (5) : فنظرنا في هؤلاء العشرة فوجدناهم أولاد زنا ، وهؤلاء أخذهم المختار رضي الله عنه وشدّ أيديهم وأرجلهم بسكك من حديد ، ثمّ أوطأهم الخيل حتّى ماتوا.
    وأقام عمر بن سعد يومه ذاك بعد الواقعة إلى الغد ، فجمع قتلاه فصلّى عليهم ودفنهم ، وترك الحسين وأصحابه منبوذين بالعراء ، فلمّا ارتحلوا إلى الكوفة وتركوهم على تلك الحال عمد أهل الغاضريّة من بني أسد فصلوا عليهم ودفنوهم. (6)
1 ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : غارت.
2 ـ في المقتل : فيوطئة فرسه.
3 ـ نسب الرجز في الملهوف : 183 إلى أسيد بن مالك.
4 ـ من المقتل.
5 ـ هو أبو عمرو الزاهد : انظر في ترجمته : وفيات الأعيان : 1/500 ، تاريخ بغداد : 2/356 ، الأعملام للزركلي : 6/254.
6 ـ من قوله : « وأقام عمر بن سعد يومه » إلى هنا نقله المجلسي رحمه الله في البحار : 45/62 عن كتابنا هذا. وكذا البحراني في عوالم العلوم : 17/306.


(327)
    وابتلى الله سبحانه الّذين أخذوا سلب الحسين عليه السلام كلّ واحد منهم ببلاء ، فالّذي أخذ سراويله بحير بن عمرو الجرمي فلبسها فصار زمناً مقعداً ، والذي أخذ عمامته وهو جابر بن يزيد فصار مجذوماً ، والّذي أخذ درعه مالك بن نسير صار معتوهاً ، والذي أخذ خاتمه وهو بجدل بن سليم الكلبي وقطع اصبعه عليه السلام مع الخاتم أخذه المختار وقطع يديه ورجليه وتركه يتشحّط بدمه حتّى مات. (1)
    وارتفعت في السماء ـ في تلك الساعة الّتي قتل فيها صلوات الله عليه وآله ـ غبرة شديدة سوداء مظلمة ، فيها ريح حمراء ، لا يرى فيها عين ولا أثر ، حتّى ظنّ القوم أنّ العذاب قد جاءهم.
    وقتل صلوات الله عليه (2) يوم عاشوراء عاشر المحرّم الحرام سنة إحدى وستّين من الهجرة ، وهو ابن أربع وخمسين سنة وستّة أشهر ونصف.
    قال : وأقبل فرس الحسين عليه السلام وقد عدا من بين أيديهم أن لا يؤخذ ، فوضع ناصيته في دم الحسين عليه السلام ، ثمّ أقبل يركض نحو خيمة النساء ، وهو يصهل ويضرب الأرض برأسه عند الخيمة حتّى مات. (3)
    والسيف الّذي كان مع الحسين صلوات الله عليه حين قُتل ليس هو بذي الفقار ، وإنّما هو غيره ، لأنّ ذا الفقار [ كان مذخوراً ومصوناً مع أمثاله ] (4) من
1 ـ انظر ذوب النضار : 123.
2 ـ زاد في المقتل : باتّفاق الرواة ، وفي البحار : باتّفاق الروايات.
3 ـ من قوله : « وقُتل صلوات الله عليه يوم عاشوراء » إلى هنا نقله المجلسي رحمه الله في البحار : 45/60 عن كتابنا هذا. وكذا البحراني في عوالم العلوم : 17/304.
4 ـ من الملهوف.


(328)
ذخائر النبوّة والامامة لا يطّلع عليه أحد.
    وكان عدة القتلى من أصحاب الحسين عليه السلام الّذين قتلوا معه اثنين وسبعين رجلاً رضوان الله عليهم ورحمته وسلامه هؤلاء الّذين قتلوا قبل أهل بيته.
    وأمّا عدّة المقتولين من أهل بيته فالأكثرون على أنّهم كانوا سبعة وعشرين :
    سبعة من بني مسلم ومن بني عقيل (1) : مسلم المقتول بالكوفة ، وجعفر ، وعبد الرحمان [ ابنا عقيل ] (2) ، ومحمد بن مسلم ، وعبد الله بن مسلم ، وجعفر بن محمد بن عقيل ، ومحمد بن أبي سعيد بن عقيل.
    وثلاثة من ولد جعفر : محمد بن عبد الله بن جعفر ، وعون الأكبر بن عبد الله ، وعبيدالله بن عبد الله.
    وتسعة (3) من ولد أمير المؤمنين عليه السلام : الحسين عليه السلام ، والعبّاس ؛ ويقال : وابنه محمد بن العبّاس. (4)
    ذكر صاحب مقاتل الطالبيّين انّ العبّاس بن عليّ بن أبي طالب ، وعثمان ابن عليّ بن ابي طالب ، وجعفر بن عليّ بن أبي طالب ، وعبد الله بن عليّ بن أبي طالب هؤلاء الأربعة صلّوا مع الحسين عليه السلام وكانت اُمّهم اُمّ البنين بنت
1 ـ في البحار : سبعة من بني عقيل ، وفي مناقب ابن شهراشوب : 4/112 : « تسعة » بدل « سبعة » وزاد في الأسماء : عون بن عقيل فقط.
2 ـ من البحار.
3 ـ كذا في المناقب والبحار ، وفي الأصل : سبعة.
4 ـ مقال الطالبيّين : 53 ـ 56 ، عنه البحار : 45/39.


(329)
حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيل (1) ، وهو عامر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ، وكان العبّاس أكبرهم ، وهو آخر من قُتل من إخوته لاُمّه وأبيه.
    وفي العبّاس عليه السلام يقول الشاعر :
أحقّ الناس أن يبكي عليه أخوه وابن والده عليّ ومن واساه لا يثنيه شيء فتى أبكى الحسين بكربلاء أبو الفضل المضرّج بالدماء فجادله على عطش بماء
    وفيه يقول الكميت بن زيد :
وأبو الفضل إنّ ذكرهم الحلو قتل الأدعياء إذا قتلوه شفاء النفوس من أسقام أكرم الشاربين صوب الغمام
    وكان العبّاس رجلاً جسيماً وسيماً جميلاً ، وكان يركب الفرس المطّهم (2) ورجلاه تخطّان الأرض ، وكان يقال له قمر بني هاشم ، وكان لواء الحسين عليه السلام معه يوم قُتل.
    وكانت اُمّ البنين اُمّ هؤلاء الإخوة الأربعة تخرج إلى البقيع فتندب بنيها أشجى ندبة وأحرقها ، فيجتمع الناس إليها يسمعون منها ، وكان مروان يجيء فيمن يجيء فيسمع ندبتها ويبكي.
    وعبد الله الأصغر ، ومحمد الأصغر ، وأبوبكر ، يشكّ في قتله.
    وأربعة من بني الحسن عليه السلام : أبوبكر ، وعبد الله ، والقاسم ؛ وقيل :
1 ـ كذا في مقاتل الطالبيّين ، وفي الأصل : بنت حزام بن خويلد بن الوحيل.
2 ـ المُطَهَّمُ من الناس والخيل : الحَسَنُ التَامُّ كلّ شيء منه على حدته ، فهو بارع الجمال « لسان العرب : 12/372 ـ طهم ـ ».


(330)
وبشر ؛ وقيل : عمر وكان صغيراً.
    وستّة من أولاد الحسين عليه السلام مع اختلاف فيهم : عليّ الأكبر ، [ وإبراهيم ] (1) ، وعبد الله ، وعليّ الأصغر ، وجعفر ، ومحمد ، وذبح (2) عبد الله في حجره.
    وأسّروا الحسن بن الحسن مقطوعة يده ؛ وقيل : لم يقتل محمد الأصغر ابن الحسين (3) لمرضه ؛ ويقال : رماه رجل من بني دارم فقتله.
    والمقتولون في الحملة الاُولى من أصحاب الحسين : نُعيم بن عَجلان ، وعمران بن كعب ، وأنس بن حارث (4) الأشجعي ، وحنظلة بن عمرو الشيباني (5) ، وقاسط بن زهير ، وكنانة بن عتيق ، وعمرو بن مشيعة (6) ، وضرغامة ابن مالك ، وعامر بن مسلم ، وسيف بن مالك النميري ، وعبد الرحمان الأرحبي ، ومجمع العائذي ، وحباب بن الحارث ، وعمرو الجندعي ، والحلاس ابن عمرو الراسبي ، وسوّار بن حمير (7) الفهمي ، وعمّار بن سلامة (8) الدالاني ،
1 ـ من المناقب والبحار.
2 ـ في المناقب : عبد الله ومحمد وحمزة وعلي وجعفر وعمر وزيد ، وذبح ....
3 ـ في المناقب : محمد الأصغر بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام.
4 ـ في المناقب والبحار : عمران بن كعب بن حارث ، وما في المتن يوافقه ما في تسمية من قتل مع الحسين بن عليّ عليه السلام : 152 رقم 27 وص 153 رقم 53.
5 ـ ذكر فيما مرّ حنظلة بن سعد الشبامي.
6 ـ كذا في المناقب والبحار ، وفي الأصل : عمر بن شيبة ، وسمّاه في تسمية من قُتل مع الحسين بن عليّ عليه السلام : 153 رقم 42 : عمرو بن ضبيعة.
7 ـ في المناقب : سوّار بن أبي عمير ، وفي البحار : سوّار بن أبي حمير ، وسمّاه في تسمية من قُتل مع الحسين عليه السلام : 156 رقم 103 : سوّار بن حمير الجابري.
8 ـ في المناقب والبحار : عمّار بن أبي سلامة.
تسلية المُجالس وزينة المَجالس الجزء الثاني ::: فهرس