تسلية المُجالس وزينة المَجالس الجزء الثاني ::: 436 ـ 450
(436)
وابن سعد إلّا ونضد وجدي ويزيد الغرام في مهجتي إن إذ بنو المصطفى تساق إلي‍ وكريم على سِنانِ سَنانٍ لهف قلبي وحرّ صدري على في صعيد الطفوف ثاوٍ به ش‍ منعوهن شرب المباح ولكن يا بني المصطفى وحقّ الّذي أن‍ وبما في جوانحي وفؤادي إنّ في مهجتي لعظم مصابي من دموعي قلائد في جيدي مرّ تذكار ما جرى من يزيد ‍ه في وثاق وذلّة وقيود يخجل البدر في ليالي السعود أشرف مولى نمته خير جدود ‍رف أكرم بتربة من صعيد جعلوا ورده نجيع الوريد ‍زل فيكم من المليك المجيد من وفاءٍ لكم وصدق عهود بكم ما يذيب صلد الحديد
    يا إخواني الّذين ارتضاهم الله لدينه ، وسقاهم من زلال الاخلاص أصفى


(437)
معينه ، وألزمهم كلمة التقوى ، وأمرهم بالتمسّك بالسبب الأقوى ، اعلموا أنّ هذا اليوم يوم كسف فيه بدر الايمان بل شمسه ، وذوي غصن الايمان بل غرسه ، وفتحت أبواب الجنان لأرواحٍ بذلت وسعها في طاعة ربّها ووليّها ، وسجّرت دركات النيران لأنفسٍ قادها الشقاء إلى متابعة شيطانها وغويّها.
    هذه تتلقّاها الملائكة الكرام بالبشرى بالنعيم المقيم ، وهذه يتولّاها الزبانية الغلاظ الشداد بالعذاب الأليم ، هيّء لهذه نزلٌ من غفور رحيم ، ولهذه نزل من حميم وتصلية جحيم ، هذه تعانق الحور العين ، وهذه تقرن مع الشياطين في سجّين ، هذه ربحت تجارتها ، وهذه خسرت صفقتها ، كم بين من تجاوز النبيّ والوصيّ في درجته ، وبين من يقرن مع الشيطان الغويّ في جامعته ؟ كم بين من اُريق دمه في نصرة وليّه وابن رسوله ، وبين من باع دينه بدنيا شيطانه وضليله ؟
    فيا إخواني أذيبوا القلوب في هذا اليوم بشدّة حزنكم ، وصعّدوها دماً من شؤون جفونكم بنار جزعكم ، وأطفئوا غضب ربّكم بمعين دمعكم ، ووجّهوا إلى قتلة أولاد النبيّين مطايا لعنكم وسبّكم ، واذكروا سيّدكم ، وقرّة عين نبيّكم وإمامكم ، وثمرة قلب وليّكم ، وقد ضاقت به المسالك والمذاهب ، وأحدقت به الأعداء من كلّ جانب ، ومنعوه من شرب المباح ، وجعلوا ورده نجيع الجراح.
    ترى الأطهار من ذرّيّته ، والأبرار من شيعته ، قد سقوا كؤوس الحتوف بعد الظما ، وبلغوا من حدود السيوف حدّ الردى ، ذوي أطراف مقطّعة ، وأشلاء مبضّعة ، تسفي عليهم الأعاصير بذيولها ، وتطأهم الأعداء بخيولها.
    والنسوة اللاتي يعدون النبيّ والوصيّ جدّاً وأباً ، أصحاب ( قُلْ لَا


(438)
أسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إلّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (1) ، يلذن به صارخات ، ويتوسّلن به ضارعات ، قد قتلت رجالهنّ ، وذبحت أطفالهنّ ، وهو يدافع عنهنّ صابراً ، ويمانع دونهنّ ثائراً ، كالأسد الهاصر ، أو النمر الجاسر ، يبري بسيفه المعاصم ، ويجزّ الغلاصم ، ويقطّ الأصلاب ، ويقصّ الرقاب ، ويندر الأكفّ مع الأعضاد ، ويفرّق بين الرؤوس والأجساد ، إن قصد قصد البطل ألقمه حصيصاً ، وإن صمد صمد مبادر غادره بغصنه حريصاً ، باع من الله روحه وجسده ، وبذل في الله ماله وولده ، لا يزيده قلّة الأنصار إلّا بصيرة من أمره ، ولا يكسبه تظافر الأشرار إلّا إخلاصاً في علانية وسرّه.
    وأعانه على امتثال أمر الله عصابة من ذويه واُسرته ، ومتابعيه من شيعته ، باعوا أنفسهم من الله بنعيم جنّته ، فربحوا الزلفى من عظيم رحمته ، فلو تراهم وقد أظلم ليل نقع الحرب ، وبلغت القلوب الحناجر لوقع الطعن والضرب ، والأعداء محدقة بهم من كلّ جانب ، والأسنّة في الدروع كالنجوم في ظلم الغياهب ، والسيوف لاختلاف المضارب كالبروق في كهول من ثقال السحائب ، والخيل راكعة ساجدة من دفع القنا في صدورها ، والرجال متلقّية جدود الصفاح ورؤوس الرماح بقلوبها ونحورها ، والولدان المخلّدون قد أترعت الأكواب والأباريق للعطاش من ذرّيّة المصطفى ، والحور العين قد هيّأت فرشاً من سندسٍ بطائنها من استبرق لأجسادهم المرمّلة بالدماء ، والملائكة الكرام تعجب من صولة سطوتهم بتصميم عزيمتهم وشدّة جردهم مع قلة عددهم لرأيت وجوهاً كالبدور في ظلم النقع مشرقة ، واُسداً في غاب الرماح مطرقة ، يرون الموت في طاعة ربّهم أحلى من العسل المشار ،
1 ـ سورة الشورى : 23.

(439)
وارتكاب الأخطار أولى من ركوب العار.
    أصبحوا في عرصة كربلاء مصرعين بين الروابي والدكادك ، وأمسوا في جنّة المأوى متّكين على الأرائك ، لقوا الله فوفى لهم بماعاهدهم ، وأنالهم الحسنى وزيادة على ما وعدهم ، أجلسهم على بساط اُنسه في ظلّ جنابه ، وسقاهم من رحيق قدسه أصفى شرابه ، وناداهم في سرائرهم ، وخاطبهم في ضمائرهم : يا من بذلوا أنفسهم في طاعة وليّي وابن أوليائي ، واُريقت دماؤهم ذابيّن عن صفيّي ونجل أصفيائي ، تبوءّوا من النعيم المقيم ما لا عين رأت ، ولا اُذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، وهذا سيّدكم أبو عبد الله الحسين على الأثر.
    ولمّا صارت أشباحهم منبوذة بالعرا ، وأرواحهم منعّمة في الرفيق الأعلى ، ورؤوسهم منتزعة عن أبدانها بحدّ الظبا ، ونفوسهم تتلقّاها الملائكة الكرام بالبشرى ، صاروا فرطاً لسبط المصطفى وقرّة عين الزهراء ، ومقدّمة بسيّد الشهداء إلى جنّة المأوى ، ناداهم : على الدنيا بعدكم العفا ، ثمّ ازدلف لقتال الظلمة بقالبه وقلبه ، وبرز لجهاد الأئمّة طاعة لربّه ، كم جدّل جليداً ، وأباد صنديداً ، وأزهق منافقاً ، وأوبق مسابقاً ، وافترس أسداً ، وفلّ عدداً ، وأرغم وأزهق أنفساً ؟ قائلاً :
أنا الحسين بن عليّ أحمي عيالات أبي آليت ألاّ أنثني أذبّ عن دين النبيّ
    حتى قَتَل صلوات الله عليه مبارزة ومطاردة ألفاً وتسعمائة وخمسين راجلاً وفارساً ، كذا ذكره الشيخ الثقة رشيد الدين بن شهراشوب المازندراني


(440)
في كتابه مطالب السؤول في مناقب آل الرسول. (1)
    ولمّا رأى ابن سعد تواصل صولاته ، وتتابع حملاته ، نادى في بقيّة الأحزاب من أحزابه ، وكفرة الكتاب من كتائبه وصحابه : ويلكم أتدرون لمن تقاتلون ؟ هذا ابن الأنزع البطين ، هذا ابن قتّال العرب ، فضيّقوا عليه المسالك والمذاهب ، وأحدقوا به من كلّ جانب ، ضرباً بالصفاح ، وشجراً بالرماح.
    عن ابي جعفر الباقر عليه السلام ، قال : وجد بالحسين عليه السلام ثلاثمائة وبضعة وعشرون جراحة ما بين ضربة بسيف ، أو طعنة برمح ، وكانت أكثرها في مقدّمته.
    وعن ابن جرير الطبري ، قال : وجد بالحسين ألف وتسعمائة جراحة ما بين ضربة بسيف ، أو طعنة برمح ، أو رمية بسهم ، وكانت السهام في درعه كالشوك في جلد القنفذ. (2)
    فيا إخواني ، ما للعيون لهذا الرزء العظيم لا تدمع ؟ وما للقلوب لهذا الخطب الجسيم لا تنجع ؟ وما للأكباد بسيوف الأحزان لا تتقطّع ؟ فعمىً بطرف لا يسحّ دماً لغربتهم ، وسحقاً لقلب لا يتضعضع أسفاً لمحنتهم ، أفلا تبكون على من بكت السماء دماً عليهم ؟ أفلا تأسفون على من سجدت جباه الفجر لديهم ؟ أفلا تجزعون لمصاب المصطفى والمرتضى والزهراء ؟ أفلا تحزنون لأجسادهم مرمّلة بالدماء ؟ أفلا تقرحون الأجفان لبدور غيّبت في كربلاء ؟ أفلا تجدّدون الأحزان لمصاب أشرف أهل الأرض والسماء ؟
كم سيّد لي بكربلاء خضّب من نحره المشيب ؟

1 و 2 ـ مناقب ابن شهراشوب : 4/110.

(441)
كم سيّد لي بكربلاء كم سيّد لي بكربلاء كم سيّد لي بكربلاء كم سيّد لي بكربلاء كم سيّد لي بكربلاء عسكره بالعراء نهيب ؟ ليس لما يشتكي طبيب ؟ خاتمه والرداء سليب ؟ يسمع صوتي ولا يجيب ؟ ينكت (1) في ثغرة القضيب ؟ (2)
    عن ابن عبّاس رضي الله عنه قال : رؤي رسول الله صلّى الله عليه وآله في المنام بعد واقعة الحسين عليه السلام وهو مغبّر الوجه ، حافي القدمين ، وقد ضمّ ذيل (3) قميصه إلى نفسه وهو يتلو هذه الآية : ( وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهُ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ (4) ) ، ويقول : إنّي مضيت إلى كربلاء فالتقطت دم الحسين من الأرض ، وها هو في حجري ، وأنا غداً (5) أُخاصمهم بين يدي ربي. (6)
يا قمراً غاب حين لاحا يا نوب الدهر لم تدع لي أبعد يوم الحسين ويحيى بآبائي سادة ظماة بآبائي سادة كراماً يا سادتي يا بني عليّ أكسبني فَقْدُكَ النياحا صرفك من حادث صلاحا أسْتَعْذِبُ اللهو والمزاحا ماتوا ولم يشربوا المباحا غادرهم حتفهم صباحاً بكى الهدى فقدكم وناحا

1 ـ في المناقب : ينقر.
2 ـ مناقب ابن شهراشوب : 4/126.
3 ـ في المناقب : حجز.
4 ـ سورة إبراهيم : 42.
5 ـ في المناقب : ماض.
6 ـ مناقب ابن شهراشوب : 4/84.


(442)
يا سادتي يا بني إمامي أو حشتم الحجر والمساعي أو حشتم الذكر والمثاني أقولها عنوة صراحا أنستم القفر والبطاحا والسور النزل الفصاحا (1)
    عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام ، قال : دخل الحسين على أخيه الحسن عليهما السلام ، فلمّا بصربه بكى ، فقال : ما يبكيك ، يا أبا عبد الله ؟
    قال أبكي لما يفعل بك.
    قال : وما يفعل بي هل هو إلّا سمّ يلقى إليّ فاُقتل ؟ ولكن لا يوم كيومك ، يا أبا عبد الله ، يزدلف إليك ثلاثون ألفاً ، ينتحلون دين الإسلام ، ويزعمون أنّهم من اُمّة جدّك فيجتمعون على قتلك ، وسفك دمك ، وانتهاك حرمتك ، وسبي ذراريك ونسائك ، فعندها تحلّ اللعنة ببني اُميّة ، وتمطر السماء دماً وتراباً أحمر ، ويبكي عليك كلّ شيء حتّى الوحوش في الفلوات ، والحيتان في البحار ، والطير في جوّ السماء. (2)
كربلاء كم فيك من شيب خضيب وسعيد بصعيد الطفّ ثاو بدم النحر وكم هام نقيف؟ رأسه يعلَى على رمح ثقيف

1 ـ مناقب ابن شهراشوب : 4/119 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/155 ، عوالم العلوم : 17/550 ، زفرات الثقلين : 2/37. والأبيات للعوني.
2 ـ مناقب ابن شهراشوب : 4/86.
    وانظر : أمالي الصدوق : 101 ح 3 ، مثير الأحزان : 23 ، الملهوف : 99 ، إثبات الهداة : 2/556 ح 7 ، البحار : 45/218 ح 44.


(443)
لبني الزهراء أرباب المساعي زلف نحوهم عصبة سوء لعن الله بني الكوفة لم سل يزيداً قائماً بالقسط صلبوا من بعد خذل ثمّ قتل والمعالي والعوالي والسيوف ليس فيهم غير زنديق وكوفي يكُ فيهم مَنْ بعهد الله يوفي من حاز المعالي من تليد وطريف آه ممّا حلّ بالبدن الشريف (1)

[ حديث يوم عاشوراء ]
    عن سيّدنا ومولانا أبي الحسن الرضا عليه السلام ، قال : إنّ شهر المحرّم كان أهل الجاهليّة (2) يحرّمون فيه القتال فاستحلّت فيه دماؤنا ، وهتكت فيه حُرَمنا ، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا ، واُضرمت النيران في مضاربنا ، ولم يترك لرسول الله صلّى الله عليه وآله حرمة فينا ، إنّ يوم عاشوراء (3) أقرح جفوننا ، وأسبل دموعنا ، وأذلّ عزيزنا ، أرض كربلاء أورثتنا الكرب والبلاء ، إلى يوم الانقضاء ، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون ، فإنّ البكاء فيه محطّ الذنوب.
    ثمّ قال صلوات الله صلّى الله عليه : إنّ أبي عليه السلام كان إذا هلّ المحرّم لم ير
1 ـ تقدّمت هذه الأبيات ضمن قصيدة طويلة للمؤلّف في ص 208.
2 ـ كذا في الأمالي ، وفي الأصل : كانت الجاهليّة.
3 ـ في الأمالي : الحسين.


(444)
ضاحكاً ، وكـانت الكـآبة والحزن غالبين عليه ، فإذا كـان يوم عاشوراء كان يوم جزعه وبكائه ، ويقول : في هذا اليوم قتل جدّي الحسين عليه السلام. (1)
    وعن ابن فضّال ، عن أبيه ، عن الرضا عليّ بن موسى عليه السلام ، قال : من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى الله له حوائج الدنيا والآخرة ، [ ومن كان يوم عاشوراء يو مصيبته وحزنه وبكائه جعل الله عزّوجلّ يوم القيامة يوم فرحه وسروره وقرّت بنـا في الجنـان عينه ] (2) ومن سمّى يوم عاشوراء يوم بركة أو ادّخر بمنزلة فيه شيئاً لم يبارك فيه ، وحشره الله يوم القيامة في زمرة يزيد وعبيدالله وعمر بن سعد في أسفل درك من النار. (3)
    وعن جبّلة المكّيّة قالت : سمعت ميثم التمّار رضي الله عنه يقول : لتقتلنّ هذه الاُمّة ابن نبيّها في اليوم العاشر من المحرّم ، ويتّخذون أعداء الله ذلك اليوم يوم سرور وبركة ، أعلم ذلك بعهدٍ عهده إليّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، وأعلمني أنّه يبكي عليه كلّ شيء حتّى الوحوش في الفلوات ، والحيتان في البحار ، والطير في جوّ السماء ، وتبكي عليه الشمس والقمر والنجوم والعرش والكرسيّ وحملة العرش.
    قالت جبلة : فقلت : يا ميثم ، كيف يتّخذ الناس اليوم الّذي يقتل فيه ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله يوم سرور وعيد وبركة ؟
    قال : بحديث يضعونه ، ويزعمون أنّه اليوم الّذي تاب الله فيه على آدم
1 ـ أمالي الصدوق : 111 ح ، مناقب ابن شهراشوب : 4/86.
    وأخرجه في البحار : 44/283 ح 17 عن الأمالي.
2 ـ من الأمالي.
3 ـ أمالي الصدوق : 112 ح 4 ، مناقب ابن شهراشوب : 4/86.
    وأخرجه في البحار : 44/284 ح 18 عن الأمالي.


(445)
عليه السلام ، وإنّما كان ذلك في ذي الحجّة.
    ويزعمون أنّه اليوم الّذي قبل الله فيه توبة داود ، وإنّما كان ذلك في ذي الحجّة أيضاً.
    ويزعمون أنّه اليوم الّذي أخرج الله فيه يونس من بطن الحوت ، وإنّما كان ذلك في ذي القعدة.
    ويزعمون أنّه اليوم الّذي استقرّت فيه سفينة نوح على الجوديّ ، وإنّما كان ذلك يوم الثامن عشر من ذي الحجّة.
    ويزعمون أنّه اليوم الّذي فرق الله فيه البحر لموسى (1) ، وإنّما كان ذلك في ربيع الأوّل.
    ثمّ قال : يا جبلة ، إنّ الحسين سيّد الشهداء عند الله ولأصحابه درجة عند الله.
    يا جبلة ، إذا رأيتِ الشمس قد طلعت حمراء كالدم العبيط فاعلمي أنّ سيّدك الحسين قد قُتل.
    قالت جبلة : فلمّا مضى صلوات الله عليه إلى العراق خرجت ذات يوم فرأيت الشمس على الحيطان كالملاحف المعصفرة ، فصحت وبكيت ، وقلت : قُتل والله سيّدي ومولاي أبو عبد الله (2).
    وعن الريّان بن شبيب قال : قال لي مولاي الرضا عليه السلام : يا ابن شبيب ، اعلم أنّ الجاهليّة فيما مضى كانت تعظّم هذا الشهر وتحرّم الظلم
1 ـ في الأمالي : فلق فيه البحر لبني إسرائيل.
2 ـ أمالي الصدوق : 110 ح 1 ، علل الشرائع : 1/227 ـ 228 ح 3 ، عنهما البحار : 45/202 ح 4.


(446)
والقتال فيه ، فما عرفت هذه الاُمّة حرمة شهرها ولا حرمة نبيّها صلّى الله عليه وآله ، لقد قتَلوا والله في هذا الشهر ذرّيّته ، وسبوا نساءه ، وانتهبوا ثقله ، فلا غفر الله لهم.
    يا ابن شبيب ، إن كنت باكياً من شيء فابك للحسين عليه السلام ، فإنّه ذبح في هذا الشهر كما يذبح الكبش ، وقُتِل معه ثمانية عشر رجلاً من أهل بيته ليس لهم شبيه في الخلق.
    ولقد حدّثني أبي ، عن جدّي أنّه لمّا قُتِل جدّي الحسين عليه السلام أمطرت السماء دماً وتراباً أحمر ، وهبط إلى الأرض أربعة آلاف ملك لينصروه فوجدوه قد قُتِل ، فهم عند قبره مقيمون يبكونه شعثاً غبراً إلى أن يقوم القائم من آل محمد فيكونون معه ، وشعارهم : « يا لثارات الحسين ».
    يا ابن شبيب ، إن بكيت على الحسين عليه السلام حتّى تسيل دموعك على خدّيك غفر الله لك كلّ ذنب أذنبته ، صغيراً كان أو كبيراً ، دقيقاً أو جليلاً.
    يا ابن شبيب ، إن يسرّك أن تلقى الله عزّوجلّ ولا ذنب عليك فزر الحسين عليه السلام.
    يا ابن شبيب ، إن سرّك أن تكون معنا في الغرف المبنيّة فالعن قَتَلة الحسين.
    يا ابن شبيب ، إن سرّك أن يكون لك من الأجر مثل ما لمن قُتِل مع الحسين عليه السلام فقل متى ما ذكرتهم : يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً.
    يا ابن شبيب ، إن سرّك أن تكون معنا في الرفيق الأعلى فافرح لفرحنا ،


(447)
واحزن لحزننا ، وعليك بولايتنا ، فلو أنّ أحداً أحبّ حجراً لحشر معه يوم القيامة. (1)
    فيا إخواني ، أفي غفلةٍ أنتم من هذا اليوم المعكوس الّذي ابتلى به العالم المركوس بذرّيّة نبيّهم الأطهار ، وعترته الأبرار ، الَّذين أوجبت الله مودّتهم ، وألزم محبّتهم ؟ كيف اقتطفوا ببيض الظبا رؤوسهم ، واختطفوا بسمر القنا نفوسهم ، وتركوا تلك الوجوه الّتي طال ما قبّلها الرسول ، وأكرمتها البتول ، وناغاها جبريل ، وأوجب حقّها الجليل ، يسار بها على أطراف الرماح ، مخضّباً شيبها بدم الجراح ، والنسوة اللاتي يعدّون الوصيّ والزهراء أبا ً واُمّاً ، والنبيّ والطيّار جدّاً وعمّاً ، على أقتاب الجمال اُسارى ، وبين الأعداء حيارى ، لا شفيق يجيب دعوتهنّ ، ولا رفيق يسكنّ روعتهنّ.
    فهذا كان جزاء فضل نبيهّم عليهم ، ورأفته لديهم أن يبدّلوا نعمة الله كفراً ، وأن يحلّوا بنبيّه حسداً وغدراً.
    فاستشعروا وتنبّهوا رحمكم الله في هذا اليوم شعار الأحزان ، وأفيضوا الدموع المقرحة للأجفان ، فإنّه يوم المصيبة الكبرى ، والواقعة العظمى ، وعزّوا نبيّكم المصطفى ، وإمامكم المرتضى ، وسيّدتكم الزهراء ، بهذا الرزء الّذي أبكى ملائكة السماء ، واهتزّ له عرش المليك الأعلى ، قائلين : يا سيّد الأنبياء ، ويا خاتم الأصفياء ، هذا سبطك منبوذ بالعراء ، هذا سبطك محزوز الرأس من القفا ، هؤلاء بناتك اُسارى يساربها إلى الأعداء.
يا خير من لبس النبو وة من جميع الأنبياء

1 ـ أمالي الصدوق : 112 ح 5 ، عيون أخبار الرضا عليه السلام : 1/299 ، عنهما البحار : 44/285 ح 23.

(448)
وجدي على سبطيك وج‍ هذا قتيل الأدعيا يوم الحسين ارقت دم‍ يوم الحسين تركت با يا كربلاء خلقت من كم فيك من وجه تشر نفسي الفداء لمصطلي حيث الأسنّة في الجوا فاختار درع الصبر ان وأبى إباء الاُسد إن منعوه طعم الماء لا وقضى كريماً إذ قضى من ذا لمعفور الجوا من للطريح الشلو عر من للمحنّط بالترا من لابن فاطمة المغي‍ ‍دٍ ليس يوذن بانقضاء ء وذا قتيل الأشقياء ‍ع الأرض بل دمع السماء ب الصبر مهجور الفناء كرب علا ومن بلاء رب ماؤه ماء البهاء نار الوغا أيّ اصطلاء شن كالكواكب في السماء ن الصبر من لبس الثناء (1) ن الاُسد صادقة الإباء ذاقوا لماءٍ طعم ماء ظمآن في نفر ظماء دممال أعواد الخباء ياناً مخلّى بالعراء ؟ ب وللمغسّل بالدماء ؟ ‍يب عن عيون الأولياء ؟ (2)
    إخواني لولا أنّ الجزع عند تجدّد المصائب العظام دفعه غير مقدور ، والأسف على من سلف من السادة الكرام صرفه غير منشور ، وإنّا مندوبون إلى تجديد هذه العزيّة في كلّ عامٍ ، وإظهار الجزع لهذه الرزيّة على ممرّ الأيّام ، وإنّ
1 ـ في المناقب : السناء.
2 ـ مناقب ابن شهراشوب : 4/124. والأبيات للصنوبري.


(449)
لنا في ذلك قرّة العين ، فكأنّا لعظيم مصابها ممّن استشهد بين يدي الحسين ، لكان اللائق إظهار شعار السرور ، وإبداء تمام الحبور ، إذ سادتنا حضوا من السعادة الأبديّة بأعظم السعادات ، وحضوا من الشهادة العليّة بأرفع الدرجات ، إذ لم يسمع بأحدٍ جاهد في الله جهادهم ، ولم يجتهد لإقامة دين الحقّ اجتهادهم ، باعوا أنفسهم من الله بالثمن الأوفر ، فربحوا أحسن الثناء في الدنيا والفوز في الاُخرى لعظيم هذا المتجر ، أحلّهم الله بذلك على منازل رضوانه ، ومنحهم حياة باقية ببقائه في جنانه ، وغرفاً صاروا إليها في كتابة المكنون بقوله سبحانه : ( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ اللهِ أمْوَاتاً بَل أحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (1).

[ في فضيلة الشهادة وثوابها وأجرها ]
    عن رسول الله صلّى الله عليه وآله : كلّ برّ فوقه برّ حتى يخرج الرجل شاهراً سيفه في سبيل الله فيقتل فليس فوقه برّ. (2)
    وروي عن إمام الهدى عليّ بن موسى الرضا عليه السلام ، عن آبائه عليهم السلام ، عن أبي عبد الله الحسين عليه السلام ، قال : بينا أمير المؤمنين عليه السلام يخطب الناس ويحضّهم على الجهاد إذ قام إليه شابّ فقال : يا أمير المؤمنين ، اخبرني عن فضل الجهاد والغزو في سبيل الله.
    فقال صلوات الله عليه : كنت رديف رسول الله صلّى الله عليه وآله على ناقته العضباء ونحن منقلبون (3) من غزاة ذات السلاسل ، فسألته عمّا سألتني
1 ـ سورة آل عمران : 169.
2 ـ الخصال : 9 ح 31 ، الكافي : 5/53 ح 2 ، التهذيب : 6/122 ح 209.
3 ـ كذا في المجمع ، وفي الأصل : منتقلون.


(450)
عنه ، فقال : إنّ الغزاة إذا همّوا بالغزو باهى الله بهم الملائكة ، فإذا ودّعهم أهلوهم بكت عليهم الحيطان والبيوت ، ويخرجون من الذنوب كما تخرج الحيّة من سلخها ، ويوكّل الله بكلّ واحدٍ أربعين ملكاً يحفظونه من بين يديه ، ومن خلفه ، وعن يمينه ، وعن شماله ، ولا يعمل حسنة إلّا ضوعفت له ، ويكتب له بكلّ يوم عبادة ألف رجل يعبدون الله ألف سنة ، كلّ سنة ثلاثمائة وستّون يوماً ، اليوم مثل عمر الدنيا ، فإذا صاروا بحضرة عدوّهم انقطع علم الخلائق عن ثواب الله إيّاهم ، وإذا برزوا لعدوّهم وأشرعت الأسنّة وفوّقت السهام وتقدّم الرجل إلى الرجل حفّتهم الملائكة بأجنحتها يدعون الله تعالى بالنصر والتثبّت ، وينادي مناد : الجنّة تحت ضلال السيوف ، فتكون الضربة على الشهيد أهون من شرب الماء البارد في اليوم الصائف.
    وإذا زال الشهيد عن فرسه بضربة أو طعنة لم يصل إلى الأرض حتّى يبعث الله إليه زوجة من الحور العين ، فتبشّره بما أعدّ الله له من الكرامة ، وتقول له الأرض : مرحباً بالروح الطيّبة الّتي اُخرجت من البدن الطيّب ، أبشر فإنّ لك ما لا عين رأت ، ولا اُذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، ويقول الله سبحانه ؛ أنا خليفته في أهله ، من أرضاهم فقد أرضاني ، ومن أسخطهم فقد أسخطني ، ويجعل الله روحه في حواصل طيور خضر تسرح في الجنّة حيث تشاء ، تأكل من ثمارها ، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلّقة بالعرش ، ويعطي الرجل منهم سبعين غرفة من غرف الفردوس ، سلوك كلّ غرفة ما بين صنعاء والشام ، علا نورها ما بين الخافقين ، في كلّ غرفة سبعون باباً ، على كلّ باب سبعون مصراعاً من ذهب ، على كلّ باب ستور مثله ، في كلّ غرفة سبعون خيمة ، في كلّ خيمة
تسلية المُجالس وزينة المَجالس الجزء الثاني ::: فهرس