تذكرة الفقهاء الجزء الأول ::: 31 ـ 45
(31)
    مسألة 7 : المضاف ما لا يصدق إطلاق الاسم عليه إلّا بقرينة ، ويمكن سلبه عنه ، كالمعتصر ، والمصعد ، والممزوج مزجاً يسلبه الاطلاق ، وهو طاهر إجماعاً ، ولا يرفع الحدث ، لقوله تعالى : ( فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيدا ) (1) وقول الصادق عليه السلام وقد سئل عن الوضوء باللبن : « إنّما هو الماء والصعيد » (2).
    وقول الصدوق بجواز الوضوء بماء الورد (3) لقول أبي الحسن عليه السلام في الرجل يتوضأ بماء الورد ويغتسل به ، قال : « لا بأس » (4) محمول على اللغوي أو على الممتزج بماء الورد بحيث لا يسلبه الاطلاق ، وإجماع الامامية على ذلك ، وبه قال الشافعي (5).
    وقال أبوبكر الاصم ، وابن أبي ليلى : يجوز الوضوء بالمياه المعتصرة
1 ـ المائدة : 6.
2 ـ التهذيب 1 : 188 / 540 ، الاستبصار 1 : 155 / 534.
3 ـ الهداية : 13 ، الفقيه 1 : 6 ، أمالي الصدوق : 514.
4 ـ الاستبصار 1 : 14 / 27 ، التهذيب 1 : 218 / 627 ، الكافي 3 : 73 / 12.
5 ـ المجموع 1 : 93 ، الاُم 1 : 7.


(32)
لأنّه يسمى ماء‌اً (1). وهو غلط.
    وقال أبو حنيفة : يجوز الوضوء بنبيذ التمر إذا طبخ واشتد عند عدم الماء في السفر ، لرواية ابن مسعود أنّه كان مع النبيّ صلّى الله عليه وآله ليلة الجن (2) فأراد أن يصلّي صلاة الفجر فقال : ( أمعك وضوء ؟ ) فقال : لا معي إداوة فيها نبيذ. فقال : ( تمرة طيبة وماء طهور ) (3) (4) وتوضأ به. وهو خطأ.
    قال ابن المنذر : راويه أبو زيد ، وهو مجهول (5). وأنكر جماعة صحبة ابن مسعود ليلة الجن (6) ، ولو سلم فهو محمول على بقاء الاطلاق ، لأنّهم شكوا ملوحة الماء فأمرهم عليه السلام بنبذ تمر قليل في الشن (7).
    والحق المنع ، وأنه نجس ، وبه قال الشافعي ، ومالك ، وأحمد ، وأبو عبيد ، وداود (8) ، لقوله تعلى : ( فلم تجدوا ماءً فتيمموا ) (9).
1 ـ المجموع 1 : 93 ، التفسير الكبير 11 : 169 ، المغني 1 : 39 ، الشرح الكبير 1 : 41.
2 ـ اُنظر : دلائل النبوة ـ للبيهقي ـ 2 : 227 و 230 ، وفتح الباري 7 : 135 ـ 136.
3 ـ مصنف ابن أبي شيء بة 1 : 25 ـ 26 ، سنن ابن ماجة 1 : 135 / 384 ، سنن الترمذي 1 : 147 / 88 ، سنن ابي داود 1 : 21 / 84 ، سنن البيهقي 1 : 9 ، سنن الدارقطني 1 : 78 / 16.
4 ـ المبسوط للسرخسي 1 : 88 ، بدائع الصنائع 1 : 15 ، الجامع الصغير : 74 ، المجموع 1 : 93 ، بداية المجتهد 1 : 33 ، تفسير القرطبي 13 : 51 ، المغني 1 : 38 ، التفسير الكبير 24 : 98 ، المحلى 1 : 203.
5 ـ المغني 1 : 39.
6 ـ صحيح مسلم 1 : 332 / 450 ، المجموع 1 : 94 ، بدائع الصنائع 1 : 16.
7 ـ اُنظر الكافي 6 : 416 / 3 ، التهذيب 1 : 220 / 629 ، الاستبصار 1 : 16 / 29.
8 ـ المجموع 1 : 93 ، المغني 1 : 38 ، الشرح الكبير 1 : 52 ، تفسير القرطبي 13 : 52 ، المحلى 1 : 203 ، سنن الترمذي 1 : 148.
9 ـ المائدة : 6.


(33)
    مسألة 8 : ولا يجوز إزالة الخبث به عند أكثر علمائنا (1) ، وبه قال الشافعي ، ومالك ، وأحمد ، وإسحاق ، وداود ، وزفر ، ومحمد بن الحسن (2) لقصوره عن رفع الوهمية فعن رفع الحقيقية أولى ، ولأنّها طهارة تراد لاجل الصلاة فلا تحصل بالمائعات ، كطهارة الحدث ، ولأنّ الأمر ورد بالغسل بالماء فلا يصح بغيره.
    وقال السيد المرتضى : يجوز (3) ، وبه قال أبو حنيفة ، وأبو يوسف (4) لأنّه طاهر مائع بيقين ، فيزيل النجاسة كالماء.
    ويبطل بأن الماء يحصل به الوضوء ، بخلاف المائعات.

    مسألة 9 : ينجس كلّه ـ قل أو كثر ـ بكلّ نجاسة لاقته ـ قلّت أو كثرت ـ غيرت أحد أوصافه أو لا ، قاله علماؤنا أجمع ، وكذا المائع غير الماء ، لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله سئل عن فأرة وقعت في سمن ، فقال : ( إن كان مائعاً فلا تقربوه ) (5) ولأنّها لا تدفع نجاسة غيرها فكذا عنها لقصور قوتها.
    وقال أحمد في إحدى الروايتين : إنّه كالمطلق سواء كان مضافاً أو مائعاً ، كالسمن الكثير لأنّه كثير فلا ينجس كالماء (6) والفرق ظاهر.
    وطريق تطهيره إلقاء كرّ عليه إن لم يسلبه الاطلاق ، فإن سلبه فكر آخر ، وهكذا ، ولو لم يسلبه لكن غير أحد أوصافه فالأقوى الطهارة ، خلافاً
1 ـ منهم الشيخ في النهاية : 3 ، والمبسوط 1 : 5 والجمل والعقود : 169 ، والخلاف 1 : 59 المسألة 8 ، وابن حمزة في الوسيلة : 76 ، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي : 131 ، والمحقق في المعتبر : 20.
2 ـ المجموع 1 : 95 ، المغني 1 : 38 ، بدائع الصنائع 1 : 83 ، المهذب للشيرازي 1 : 11 ، مقدمات ابن رشد 1 : 57.
3 ـ الناصريات : 219 المسألة 22.
4 ـ المجموع 1 : 95 ، بدائع الصنائع 1 : 83 ، المغني 1 : 38.
5 ـ سنن ابي داود 3 : 364 / 3842 ، مسند أحمد 2 : 265.
6 ـ المغني 1 : 58 ، الشرح الكبير 1 : 61.


(34)
للشيخ (1).

    مسألة 10 : أقسام المستعمل ثلاثة :
    الأول : المستعمل في الوضوء ، وهو طاهر مطهر عندنا إجماعاً ـ وعليه نصّ علي عليه السلام ، وبه قال الحسن البصري ، والنخعي ، وعطاء ، والزهري ، ومكحول ، وأبو ثور ، وداود وأهل الظاهر ، ومالك في إحدى الروايتين ، والشافعي في أحد القولين (2) ـ لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله مسح رأسه بفضل ما كان في يده (3) ، ولقول الصادق عليه السلام : « الماء كله طاهر حتى يعلم أنّه قذر » (4).
    وقال أحمد ، والأوزاعي ، ومحمد : إنّه طاهر غير مطهر (5) وهو القول الثاني للشافعي ، والرواية الاُخرى عن مالك ، والمشهور عن أبي حنيفة (6) ، لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله نهى أن يستعمل الرجل فضل وضوء المرأة (7) ، ولم يرد به ما أبقت في الاناء ، بل ما استعملته.
    ونمنع النهي ، ونحمله على الباقي لغير المأمونة.
1 ـ المبسوط للطوسي 1 : 5.
2 ـ المجموع 1 : 153 ، التفسير الكبير 11 : 170 ، بداية المجتهد 1 : 27 ، المغني 1 : 47 ، المحلى 1 : 184 ، تفسير القرطبي 13 : 49 ، غرائب القران 6 : 79 ، الشرح الكبير 1 : 43.
3 ـ سنن الدارقطني 1 : 87 / 2.
4 ـ التهذيب 1 : 215 / 619 ، الكافي 3 : 1 / 3.
5 ـ التفسير الكبير 11 : 170 ، المغني 1 : 47 ، الشرح الكبير 1 : 43 ، غرائب القرآن 6 : 79 ، الهداية للمرغيناني 1 : 19 ، المجموع 1 : 151.
6 ـ المحلى 1 : 185 ـ 186 ، الشرح الكبير 1 : 43 ، المغني 1 : 47 ، غرائب القرآن 6 : 79 ، الهداية للمرغيناني 1 : 19 ، المجموع 1 : 151 ، اللباب 1 : 23.
7 ـ سنن البيهقي 1 : 191 ، مصنف ابن أبي شيء بة 1 : 34.


(35)
    وقال أبو يوسف : إنّه نجس ، وهو رواية عن أبي حنيفة (1) ، لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال : ( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ، ولا يغتسل فيه من جنابة ) (2) فاقتضى أن الغُسل فيه كالبول فيه فينجسه. وهو خطأ ، فإن الاقتران في اللفظ لا يقتضي الاقتران في الحكم ، وأن النهي عن البول لا للتنجيس ، وكذا عن الاغتسال فيه ، بل لافساده بإظهار أجزاء الحمأة (3) فيه.
    الثاني : المستعمل في الغُسل الواجب مع خلو البدن من النجاسة ، وهو طاهر مطهر على الأقوى ، وبه قال المرتضى (4) لقوله تعالى : ( فلم تجدوا ماءً فتيمموا ) (5) وللاستصحاب.
    وقال الشيخان : إنّه طاهر غير مطهر (6) لقول الصادق عليه السلام : « الماء الذي يغسل به الثوب ، أو يغتسل الرجل به من الجنابة ، لا يجوز أن يتوضأ به » (7) ويحمل على نجاسة المحل ، وخلاف الجمهور كما تقدم.

فروع :
    الأول : لو كان المحل نجساً نجس الماء.
    الثاني : لو بلغ المستعمل كرّاً ، قال الشيخ في المبسوط : زال المنع (8).
1 ـ بداية المجتهد 1 : 27 ، الهداية للمرغيناني 1 : 20 ، شرح فتح القدير 1 : 77 ، المجموع 1 : 151 ، المحلى 1 : 185 ، غرائب القرآن 6 : 79.
2 ـ سنن أبي داود 1 : 18 / 70 ، كنز العمال 9 : 355 / 26422.
3 ـ الحمأة : الطين الأسود المتغير المجتمع أسفل البئر مجمع البحرين 1 : 107 ، الصحاح 1 : 45 « حمأ ».
4 ـ جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) 3 : 22.
5 ـ النساء : 43.
6 ـ المقنعة : 9 ، المبسوط للطوسي 1 : 5.
7 ـ التهذيب 1 : 221 / 630 ، الاستبصار 1 : 27 / 71.
8 ـ المبسوط للطوسي 1 : 11.


(36)
وتردد في الخلاف (1) وللشافعية قولان (2).
    الثالث : يجوز إزالة النجاسة به ـ خلافاً للشافعي في أحد القولين ـ (3) لقوله عليه السلام : ( ثم اغسليه بالماء ) (4) وهو يصدق عليه.
    الرابع : المستعمل في الاغسال المندوبة طاهر مطهر ، وكذا في غسل الثوب الطاهر إجماعاً منّا ، وهو أحد قولي الشافعي (5) لأنّه لم يرفع به حدثا ، والآخر : المنع (6) ، لأنّه مستعمل.
    الثالث : المستعمل في إزالة النجاسات إنّ تغير بالنجاسة نجس إجماعاً ، وإن لم يتغير فكذالك على الأقوى ، عدا ماءً الاستنجاء ، سواء كان من الغسلة الاُولى أو الثانية ، وسواء أزال النجاسة عن المحل أو لا ، وهو أحد قولي الشيخ (7) وبه قال أبو حنيفة ، وبعض الشافعية (8) ، لأنّه ماءً قليل لاقى نجاسة.
    والثاني للشيخ : أنّه نجس في الاُولى ، طاهر في الثانية (9) ، وبه قال
1 ـ الخلاف 1 : 173 مسألة 127.
2 ـ مغني المحتاج 1 : 21 ، الوجيز 1 : 5 ، المهذب للشيرازي 1 : 15 ، فتح العزيز 1 : 111 ـ 112 ، المجموع 1 : 157.
3 ـ المجموع 1 : 156 ، المهذب للشيرازي 1 : 15 ، الوجيز 1 : 5 ، فتح العزيز 1 : 111.
4 ـ سنن الدارمي 1 : 240 ، سنن ابي داود 1 : 100 / 363 ، سنن النسائي 1 : 155 ، موارد الظمآن : 82 / 235.
5 ـ مغني المحتاج 1 : 20 ، المجموع 1 : 157 ، المهذب للشيرازي 1 : 15 ، كفاية الأخيار 1 : 6 ، السراج الوهاج : 8.
6 ـ مغني المحتاج 1 : 20 ، كفاية الأخيار 1 : 6 ، السراج الوهاج : 8.
7 ـ المبسوط للطوسي 1 : 11.
8 ـ المجموع 1 : 158 ، بدائع الصنائع 1 : 66.
9 ـ الخلاف 1 : 179 ـ 180 مسألة 135.


(37)
الشافعي (1) لأمر النبيّ صلّى الله عليه وآله بإلقاء الذنوب (2) على بول الأعرابي (3) وهو مع التسليم غير دال.

فروع :
    الأول : ماءً الاستنجاء طاهر ، لقول الصادق عليه السلام ، وقد سئل عن الرجل يقع ثوبه في الماء الذي استنجى به أينجس ثوبه ؟ : « لا »(4) وللمشقة ، ولا فرق بين القُبل والدبر ، ولو تغير بالنجاسة أو لاقته نجاسة من خارج نجس قطعاً.
    الثاني : قال في الخلاف : لا يغسل ما أصابه ماءً يغسل به إناء الولوغ ، من الاُولى أو الثانية (5) وتردد في المبسوط في نجاسة الثانية (6) والحق النجاسة.
    الثالث : فرق المرتضى بين ورود الماء على النجاسة ، وورودها عليه ، فحكم بطهارة الأول دون الثاني (7) ، ويحتمل نجاسة الجميع.
    الرابع : لو أورد الثوب النجس على ماءً قليل نجس الماء ، ولم يطهرالثوب ، ولو ارتمس الجنب في ماءً قليل طهر ، وصار الماء مستعملاً.
1 ـ المجموع 1 : 159.
2 ـ الذنوب : الدلو المملؤ ماءً. الصحاح 1 : 129 « ذنب ».
3 ـ صحيح مسلم 1 : 236 / 284 ، صحيح البخاري 1 : 65 ، سنن أبي داود 1 : 103 / 387 ، الموطأ 1 : 64 / 111 ، سنن الترمذي 1 : 276 / 147 ، سنن الدارمي 1 : 189 ، سنن النسائي 1 : 175 ، سنن ابن ماجة 1 : 176 / 528 ، مسند أحمد 2 : 239.
4 ـ التهذيب 1 : 87 / 228.
5 ـ الخلاف 1 : 181 مسألة 137.
6 ـ المبسوط للطوسي 1 : 36.
7 ـ الناصريات : 215 المسألة 3.


(38)
    الخامس : غسالة الحمام لا يجوز استعمالها ، لعدم انفكاكها من النجاسة إلّا أن يعلم خلوّها منها.
    السادس : لا بأس للرجل أن يستعمل فضل وضوء المرأة وإن خلت به ، ويكره إذا لم تكن مأمونة ، وكذا فضلة وضوء الرجل لمثله وللمرأة ، وهو قول أكثر العلماء (1) لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله اغتسل من جفنة فضل ماؤها من اغتسال ميمونة من جنابة ، فقالت : إني قد اغتسلت منه ، فقال : ( الماء ليس عليه جنابة ) (2).
    وقال أحمد : لا يجوز أن يتوضأ الرجل بفضل وضوء المرأة إذا خلت به (3) لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله نهى أن يتوضأ الرجل بفضل وضوء المرأة (4). وحكي عنه الكراهة ، وبه قال الحسن ، وابن المسيب (5).
    والنهي يحتمل التنزيه مع التهمة أو النسخ ، لأنّ ميمونة قالت : إني قد اغتسلت منه. وهو يشعر بتقدم النهي عنه.
1 ـ الاُم 1 : 29 ، الشرح الكبير 1 : 51 ، المغني 1 : 247 ، عمدة القارئ 3 : 85 ، المجموع 2 : 191.
2 ـ سنن الدارقطني 1 : 52 / 3 ، سنن ابن ماجة 1 : 132 / 370 ، سنن الدارمي 1 : 187 ، سنن الترمذي 1 : 94 / 65 ، المصنف لابن أبي شيء بة 1 : 32 ، سنن أبي داود 1 : 18 / 68.
3 ـ نيل الأوطار 1 : 32 ، المغني 1 : 247 ، مسائل أحمد : 4 ، الشرح الكبير 1 : 50 ، المجموع 2 : 191 ، الإنصاف 1 : 48.
4 ـ سنن أبي داود 1 : 21 / 81 ، سنن ابن ماجة 1 : 132 / 373 ، سنن النسائي 1 : 179 ، مسند أحمد 5 : 66.
5 ـ الشرح الكبير 1 : 51 ، سنن الترمذي 1 : 92 / 63 ، المجموع 2 : 191.


(39)
الفصل الثالث : في الاسئار
    مسألة 11 : الاسئار كلها طاهرة إلّا سؤر نجس العين ، وهو الكلب والخنزير والكافر على الأشهر ، لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله سئل عن الحياض تنوبها السباع والدواب فقال : ( لها ما حملت في بطونها ، وما بقي فهو لنا شراب وطهور ) (1) ولم يفرق بين القليل والكثير.
    وسأل البقباق الصادق عليه السلام عن فضل الشاة والبقرة والابل ، والحمار والبغل والوحش ، والهرة والسباع ، قال : فلم أترك شيئاً إلّا سألته عنه فقال : « لا بأس » حتى انتهيت إلى الكلب فقال : « رجس نجس لا تتوضأ بفضله ، وصبّ ذلك الماء » (2) وقوله تعالى : ( أو لحم خنزير فانه رجس ) (3) والرجاسة : النجاسة ، وقوله تعالى : ( إنّما المشركون نجس ) (4).
    وحكم الشيخ في المبسوط بنجاسة ما لا يؤكل لحمه من الإنسية عدا
1 ـ سنن ابن ماجة 1 : 173 / 519 ، سنن الدارقطني 1 : 31 / 12 ، نيل الأوطار 1 : 45.
2 ـ التهذيب 1 : 225 / 646 ، الاستبصار 1 : 19 / 40.
3 ـ الأنعام : 145.
4 ـ التوبة : 28.


(40)
ما لا يمكن التحرز عنه ، كالفأرة والحيّة والهرة (1) ، لأنّ الصادق عليه السلام قال : « كلّ ما يؤكل لحمه فلا بأس بسؤره » (2) وهو يدل من حيث المفهوم على منع الوضوء والشرب مما لا يؤكل لحمه ، والسند ودلالة المفهوم ضعيفان.

    مسألة 12 : قسم أبو حنيفة الاسئار أربعة : ضرب نجس وهو سؤر الكلب والخنزير والسباع كلها ، وضرب مكروه ، وهو حشرات الأرض وجوارح الطير والهر ، وضرب مشكوك فيه ، وهو سؤر الحمار والبغل ، وضرب طاهر غير مكروه ، وهو كلّ مأكول اللحم (3) ، لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله سئل عن المياه تكون بأرض الفلاة وما ينوبها من السباع والدواب ، فقال : ( إذا كان الماء قلّتين لم ينجسه شيء ) (4) ولا حجة فيه لدخول الكلب والخنزير في السباع والدواب.
    وقال الشافعي : سؤر الحيوان كله طاهر إلّا الكلب والخنزير وما تولد منهما أو من أحدهما ، وبه قال عمرو بن العاص ، وأبو هريرة (5) ولم يحكم بنجاسة المشرك (6) لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله توضأ من مزادة (7) مشركة (8).
1 ـ المبسوط للطوسي 1 : 10.
2 ـ الفقيه 1 : 10 / 18 ، التهذيب 1 : 284 / 832 ، الاستبصار 1 : 25 / 64 ، الكافي 3 : 9 / 5.
3 ـ اللباب 1 : 28 ـ 29 ، الهداية للمرغيناني 1 : 23 ـ 24 ، المجموع 1 : 173.
4 ـ سنن الترمذي 1 : 97 / 67 ، سنن ابن ماجة 1 : 172 / 517 ، سنن الدارمي 1 : 186 ـ 187 ، سنن الدارقطني 1 : 14 / 1 ، مستدرك الحاكم 1 : 132.
5 ـ المحلى 1 : 134 ، الاُم 1 : 5 ، الهداية للمرغيناني 1 : 23 ، فتح العزيز 1 : 160 ـ 161 ، الوجيز 1 : 6 ، المجموع 1 : 172 ـ 173 ، بداية المجتهد 1 : 28.
6 ـ الاُم 1 : 8 حيث حكم بجواز الوضوء من فضل ماءً النصراني.
7 ـ المزادة : الراوية ، سميت بذلك لأنّه يزاد فيها جلد آخر من غيرها ولهذا انها اكبر من القربة مجمع البحرين 3 : 59 « زيد ».
8 ـ سبل السلام 1 : 46.


(41)
ولا حجة فيه لأنّ المزادة على أصل الطهارة ما لم يعلم مباشرتها لها برطوبة.
    وقال أحمد : كلّ حيوان يؤكل لحمه فسؤره طاهر ، وكذا حشرات الأرض والهر (1) وأما السباع ففيه روايتان : النجاسة والطهارة ، وأصح الروايتين عنه : النجاسة في سؤر البغل والحمار ، والثانية : أنّه مشكوك فيه (2).
    وحكم بنجاسة أواني المشركين (3) لقوله تعالى : ( انما المشركون نجس ) (4).
    وقال مالك ، والأوزاعي ، وداود : سؤر الحيوان كله طاهر ، حتى الكلب والخنزير ، وإن ولغا في الطعام لم يحرم أكله (5).
    وقال الزهري : يتوضأ به ، إذا لم يجد غيره. وقال الثوري ، وابن مسلمة : يتوضأ ويتيمم (6).
    قال مالك : وغسل الاناء الذي ولغ فيه الكلب تعبد (7) لقوله تعالى : ( فكلوا مما أمسكن عليكم ) (8) ولم يأمر بغسل ما أصابه فمه ، ولقوله عليه السلام : ( ولنا ما غبر ) (9) والسؤال وقع عما يدخلان فيه ، وإباحة الاكل لا يستلزم أكل ما مسّه بفمه ، ولا ترك الغُسل ، ونمنع من دخول الكلب والخنزير
1 ـ المغني 1 : 73.
2 ـ المغني 1 : 71.
3 ـ المغني 1 : 71 ، المحرر في الفقه 1 : 7.
4 ـ التوبة : 28.
5 ـ المغني 1 : 70 ، بداية المجتهد 1 : 28 ، رحمة الامة في اختلاف الائمة 1 : 10.
6 ـ المغني 1 : 70 ، تفسير القرطبي 13 : 45.
7 ـ المبسوط للسرخسي 1 : 48 ، الشرح الصغير 1 : 34 ، الميزان 1 : 105 ، فتح العزيز 1 : 161 و 261.
8 ـ المائدة : 4.
9 ـ سنن ابن ماجة 1 : 173 / 519.


(42)
في السؤال ، لو خرج بنص آخر ، أو كان الماء كثيراً.

فروع :
    الأول : يكره سؤر الجلال وليس بنجس ، لحديث البقباق (1) واستثناه المرتضى ، والشيخ في المبسوط من المباح (2) ، لعدم انفكاك رطوبة أفواهها عن غذاء نجس ، وهو ممنوع ومنقوض بسؤر شارب الخمر.
    الثاني : يكره سؤر آكل الجيف من الطيور ، إذا خلا موضع الملاقاة من النجاسة لقول الصادق عليه السلام ـ في مسائل عمار عما يشرب منه صقراً أو عقاب ـ : « كلّ شيء من الطيور يتوضأ بما يشرب منه ، إلّا أن ترى في منقاره دما » (3) وبه قال المرتضى (4) واستثناه في النهاية ، والمبسوط من المباح (5).
    ولو كان في منقاره أثر دم كان نجساً ، وكذا جميع الحيوانات إذا كان في أفواهها نجاسة والماء قليل ، وبه قال الشافعي (6).
    الثالث : لو أكلت الهرة فأرة ، ثم شربت من الماء (7) لم ينجس الماء ، سواء غابت عن العين أو لا ، قاله في المبسوط (8) ، لرواية زرارة عن الصادق عليه السلام : « في كتاب علي عليه السلام : أن الهر سبع ، ولا بأس
1 ـ التهذيب 1 : 225 / 646 ، الاستبصار 1 : 19 / 41.
2 ـ حكاه عن المرتضى المحقق في المعتبر : 24 ، المبسوط للطوسي 1 : 10.
3 ـ الكافي 1 : 9 / 5.
4 ـ الناصريات : 216 المسألة 9.
5 ـ النهاية 9 ، المبسوط للطوسي 1 : 10.
6 ـ الاُم 1 : 6.
7 ـ كذا في المصدر ، وفي نسخة ( م ) : الاناء.
8 ـ المبسوط للطوسي 1 : 10.


(43)
بسؤره ، وإني لاستحي من الله أن أدع طعاماً لأنّ الهر أكل منه » (1) وهو عام ، وهو أحد أقوال الشافعي ، لقوله عليه السلام : ( إنّها من الطوافين عليكم والطوافات ) (2) يريد عدم تمكن الاحتراز منها.
    وثانيها : أنّه نجس لاصالة بقاء النجاسة في فمها.
    وثالثها : الطهارة بعد غيبة محتملة للولوغ في الماء الكثير (3).
    الرابع : سؤر الهر ليس بمكروه ، لحديث زرارة (4) ، وروت عائشة أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله توضأ بفضلها (5).
    وقال أبو حنيفة : إنّه مكروه لأنّ لبنها نجس (6) ، وهو ممنوع.
    الخامس : يكره سؤر الحائض المتهمة ، قاله في النهاية (7) ، لأنّ الصادق عليه السلام قال في سؤر الحائض : « يتوضأ منه إذا كانت مأمونة » (8) وأطلق في المبسوط ، والمرتضى في المصباح (9).
    السادس : الأقوى طهارة المسوخ ، ولعابها ، كالدب والقرد ، والثعلب والأرنب ، لحديث البقباق (10) ، والأصل ، وقال الشيخ : المسوخ نجسة (11).
1 ـ الكافي 3 : 9 / 4 ، التهذيب 1 : 227 / 655.
2 ـ سنن ابي داود 1 : 20 / 75 ، سنن النسائي 1 : 55 ، سنن الدارقطني 1 : 70 / 22.
3 ـ الوجيز 1 : 9 ، فتح العزيز 1 : 270.
4 ـ التهذيب 1 : 227 / 655 ، الكافي 3 : 9 / 4.
5 ـ سنن ابن ماجة 1 : 131 / 368 ، سنن ابي داود 20 / 76 ، سنن الدارقطني : 69 / 17 ـ 18.
6 ـ اللباب 1 : 29 ، المجموع 1 : 173 ، الهداية 1 : 96
7 ـ النهاية : 4.
8 ـ التهذيب 1 : 222 / 633 ، الاستبصار 1 : 17 / 31.
9 ـ المصباح : مخطوط عنه في المعتبر : 25 ، المبسوط للطوسي 1 : 10.
10 ـ التهذيب 1 : 225 / 464 ، الاستبصار 1 : 19 / 41.
11 ـ المبسوط للطوسي 2 : 165 ـ 166.


(44)
    السابع : يكره سؤر الدجاج لعدم انفكاكها عن ملاقاة النجاسة.
    الثامن : قال في النهاية : الأفضل ترك ما خرجت منه الفأرة والحية ، ولا يجوز استعمال ما وقع فيه الوزغ ، وإن خرج حياًَ (1) ، والوجه الكراهة من حيث الطب ، لقول الكاظم عليه السلام ـ وقد سأله أخوه عن العضاء‌ة ، والحية ، والوزغ يقع في الماء فلا يموت أيتوضأ منه للصلاة ؟ ـ : « لا بأس » (2).

    مسألة 13 : لا تجوز الطهارة بالماء المغصوب مع العلم بالغصبية ، وكذا التيمم بالتراب المغصوب بالإجماع ، لأنّه تصرف في ملك الغير بغير إذنه ، وهو قبيح عقلا ، ولا فرق في ذلك بين الطهارة عن الحدث أو الخبث ، لأنّ المقتضي للقبح ـ وهو التصرف ـ موجود فيهما.

فروع :
    الأول : لو توضأ المحدث ، أو اغتسل الجنب ، أو الحائض ، أو المستحاضة أو النفساء ، أو من مسّ ميتا ، به (3) عالماً بالغصب لم يرتفع حدثه ، لأنّ التعبد بالمنهي عنه قبيح ، فيبقى في العهدة.
    الثاني : لو أزال النجاسة عن بدنه ، أو ثوبه ، أجزأ وإن فعل محرماً ، ولا يحتمل بطلان الصلاة مع بقاء الرطوبة ، لأنّه كالإتلاف.
    الثالث : لو اشتبه المغصوب بغيره وجب اجتنابهما معاً ، فإن توضأ بكل واحد منهما فالأقرب البطلان ، للنهي المضاد لإرادة الشارع ، ويحتمل الصحة ، لأنّه توضأ بماء مملوك.
1 ـ النهاية : 6.
2 ـ التهذيب 1 : 419 / 1326 ، الاستبصار 1 : 23 / 1 ، قرب الاسناد : 84.
3 ـ اي بالماء المغصوب.


(45)
    الرابع : جاهل الحكم غير معذور ، بخلاف جاهل الوصف.
    الخامس : لو سبق العلم بالغصب كان كالعالم.
تذكرة الفقهاء الجزء الأول ::: فهرس