تذكرة الفقهاء الجزء الأول ::: 106 ـ 120
(106)
التسليم محمول على الاستحباب.
    الثاني : القيء لا ينقض الوضوء ، سواء قل أو كثر ، وكذا ما يخرج من غير السبيلين ، كالدم والبصاق والرعاف وغير ذلك ، ذهب إليه علماؤنا ، وبه قال في الصحابة علي عليه السلام ، وعبدالله بن عباس ، وعبدالله بن عمر ، وعبدالله بن أبي أوفى ، ومن التابعين سعيد بن المسيب ، والقاسم بن محمد ، وعطاء ، وطاووس ، وسالم بن عبد الله بن عمر ، ومكحول ، وهو مذهب ربيعة ، ومالك ، والشافعي ، وأبو ثور ، وداود ، (1) للأصل ، ولقولهم عليهم السلام : « لا ينقض إلّا ما خرج من طرفيك الأسفلين ، أو النوم » (2).
    وقال أبو حنيفة : القيء إن كان مل‌ء الفم أوجب الوضوء وإلّا فلا ، وغيره إن كان نجساً خرج من البدن وسال أوجب الوضوء ، وإن وقف على رأس المخرج لم يوجب الوضوء ، وبه قال الأوزاعي ، والثوري ، وأحمد ، وإسحاق ، إلّا أن أحمد يقول : إن كان الدم قطرة أو قطرتين لم يوجب الوضوء (3).
    وعنه رواية اُخرى : أنّه إنّ خرج قدر ما يعفى عن غسله ـ وهو قدر الشبر ـ لم يجب الوضوء (4) ، لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال : ( من قاء أو قلس فلينصرف وليتوضأ ، وليبن على صلاته ما لم يتكلم ) (5).
1 ـ الاُم 1 : 18 ، المبسوط للسرخسي 1 : 75 ، سنن الترمذي 1 : 145 ، ذيل الحديث 87 ، المغني 1 : 208 ، المجموع 2 : 54 ، فتح العزيز 2 : 2 ، سبل السلام 1 : 106 ، نيل الأوطار 1 : 237 ، الهداية للمرغيناني 1 : 14 ، مقدمات ابن رشد 1 : 70 ، المدونة الكبرى 1 : 18.
2 ـ الكافي 3 : 36 / 6 ، الفقيه 1 : 37 / 137 ، التهذيب 1 : 8 / 12 ، الاستبصار 1 : 79 / 244.
3 ـ المبسوط للسرخسي 1 : 75 ، شرح فتح القدير 1 : 34 ، اللباب 1 : 11 ـ 12 ، المغني 1 : 209 ، المجموع 2 : 54 ، فتح العزيز 2 : 2 ، نيل الأوطار 1 : 235 و 237 ، رحمة الامة 1 : 15 ، المحلى 1 : 257.
4 ـ المغني 1 : 209 ، الشرح الكبير 1 : 211.
5 ـ سنن الدارقطني 1 : 153 / 11 و 154 / 12.


(107)
    وهو محمول على غسل الفم ، والاستحباب ، ولأنّه متروك (1) ، لأنّه فعل كثير.
    الثالث : مسّ الذكر والدبر لا يوجب الوضوء ، سواء مسّ الباطنين أو الظاهرين ، وكذا لو مسّت المرأة قبلها أو دبرها سواء كان بباطن الكف أو ظاهره ، وسواء مسّ بشهوة أو غيرها ، وسواء كان الفرجان منه أو من غيره ، ذهب إليه أكثر علمائنا (2) ، وبه قال علي عليه السلام ، وعمار بن ياسر ، وعبدالله بن مسعود ، وابن عباس في إحدى الروايتين ، وحذيفة ، وعمران بن الحصين ، وأبو الدرداء ، وسعد بن أبي وقاص في إحدى الروايتين ، والحسن البصري ، وقتادة ، والثوري ، وأبو حنيفة وأصحابه (3) ، للأصل ، ولقوله عليه السلام وقد سئل عن مسّ الرجل ذكره بعد الوضوء : ( هل هو إلّا بضعة منه ؟ ) (4) ، ولقول الصادق عليه السلام ـ وقد سئل عن الرجل يعبث بذكره في الصلاة المكتوبة ـ : « لا بأس » (5) ، وما تقدم.
    وقال الصدوق : من مسّ باطن ذكره بإصبعه أو باطن دبره انتقض وضوؤه (6).
    وقال ابن الجنيد : من مسّ ما انضم عليه الثقبان نقض وضوؤه ، ومن
1 ـ لم ترد في نسخة ( م ).
2 ـ منهم المفيد في المقنعة : 3 ، والشيخ الطوسي في النهاية : 19 ، والمبسوط 1 : 26 ، والخلاف 1 : 112 مسألة 55 ، وسلار في المراسم : 31 ، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي : 126 ، والمحقق الحلّي في المعتبر : 29.
3 ـ المجموع 2 : 42 ، بداية المجتهد 1 : 39 ، نيل الأوطار 1 : 249 ، المبسوط للسرخسي 1 : 66 ، شرح فتح القدير 1 : 48 و 49 ، بدائع الصنائع 1 : 30 ، المحلى 1 : 237.
4 ـ سنن ابي داود 1 : 46 / 182 ، سنن النسائي 1 : 101 ، سنن الدارقطني 1 : 149 / 17.
5 ـ التهذيب 1 : 346 / 1014 ، الاستبصار : 88 / 282.
6 ـ الفقيه 1 : 39 ذيل الحديث 148.


(108)
مس ظاهر الفرج من غيره بشهوة تطهّر إن كان محرّماً ، ومن مسّ باطن الفرجين فعليه الوضوء من المحرم والمحلل (1) ، لأنّ عمارا سأل الصادق عليه السلام عن الرجل يتوضأ ثم يمس باطن دبره ، قال : « نقض وضوء‌ه » (2) ، والطريق ضعيف ، ومحمول على استصحاب نجاسته.
    وقال الشافعي : من مسّ ذكراً ببطن كفه وجب عليه الوضوء.
    وحكاه ابن المنذر ، عن عمر ، وابن عمر ، وسعد بن أبي وقاص ، وعائشة ، وأبي هريرة ، وابن عباس.
    ومن التابعين عطاء بن أبي رباح ، وسعيد بن المسيب ، وأبان بن عثمان ، وعروة بن الزبير ، وسليمان بن يسار ، والزهري ، وأبو العالية ، ومجاهد.
    وبه قال مالك ، والأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، والمزني (3) ، لأنّ بسرة بنت صفوان روت أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال : ( إذا مسّ أحدكم ذكره فليتوضأ ) (4) ، ومع التسليم يحمل على المس للغسل من البول لأنّه الغالب.
    وقال داود : إنّ مسّ ذكر نفسه انتقض ، وان مسّ ذكر غيره لم ينتقض (5) ، لأنّ الخبر ورد فيمن مسّ ذكره.
1 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 29.
2 ـ التهذيب 1 : 348 / 1023 ، الاستبصار 1 : 88 / 284.
3 ـ ألام 1 : 19 ، المجموع 2 : 41 ، مقدمات ابن رشد 1 : 69 ، المبسوط للسرخسي 1 : 66 ، المحلى 1 : 237 ، بداية المجتهد 1 : 39 ، المدونة الكبرى 1 : 8 ، الوجيز 1 : 16 ، كفاية الأخيار 1 : 22 ، فتح العزيز 2 : 37 ـ 38 ، مختصر المزني : 3 ـ 4 ، بدائع الصنائع 1 : 30.
4 ـ الموطأ 1 : 42 / 58 ، سنن ابن ماجة 1 : 161 / 479 ، سنن الدارقطني 1 : 147 / 3 ، سنن البيهقي 1 : 128.
5 ـ المحلى 1 : 235 ، المغني 1 : 204 ، الشرح الكبير 1 : 217.


(109)
    قال الشافعي : ولو مسّ بغير بطن كفه من ظهر كفه ، أو ساعده ، أو غير ذلك من أعضائه لم ينتقض الوضوء (1) ، للاصل.
    وحكي عن عطاء ، والأوزاعي ، وأحمد في إحدى الروايتين : النقض بظهر الكف والساعد ، لأنّه من جملة يده (2).
    قال الشافعي : ولو مسّه بحرف يده ، أو بما بين الاصابع لم ينتقض (3).
    ولو مسّ الذكر بعد قطعه فوجهان عنده (4) ، ولو مسّه من ميّت انتقضت (5) ، وقال إسحاق : لا ينتقض (6) ولا فرق بين الذكر الصغير والكبير (7).
    وقال الزهري ، والأوزاعي ، ومالك : لا يجب بمس الصغير (8) ، لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله مسّ زبيبة الحسن عليه السلام ولم يتوضأ (9).
    قال الشافعي : ولو مسّ الانثيين أو الالية أو العانة لم ينتقض (10). وعن عروة بن الزبير النقض (11).
1 ـ المجموع 2 : 37 و 40 ، الاُم 1 : 20 ، المحلى 1 : 237.
2 ـ المجموع 2 : 41 ، فتح العزيز 2 : 38 ، المحلى 1 : 237 ، المغني 1 : 203 ـ 204.
3 ـ المجموع 2 : 37 ، الوجيز 1 : 16 ، فتح العزيز 1 : 67 ـ 68.
4 ـ المجموع 2 : 38 ، الوجيز 1 : 16 ، فتح العزيز 2 : 63.
5 ـ المجموع 2 : 37 ، الوجيز 1 : 16 ، الاُم 1 : 19 ، مختصر المزني : 4 ، فتح العزيز 2 : 59 ، المغني 1 : 205 الشرح الكبير 1 : 218.
6 ـ المغني 1 : 205 ، الشرح الكبير 1 : 218.
7 ـ المجموع 2 : 37 ، مختصر المزني : 4 ، الاُم 1 : 19 ، فتح العزيز 2 : 60 ، الوجيز 1 : 16.
8 ـ المغني 1 : 204 ، الشرح الكبير 1 : 217 ، الشرح الصغير 1 : 55.
9 ـ فتح العزيز 2 : 60 ، سنن البيهقي 1 : 137.
10 ـ المجموع 2 : 40 ، مغني المحتاج 1 : 35 ، الاُم 1 : 19.
11 ـ المجموع 2 : 40 ، واُنظر سنن البيهقي 1 : 137.


(110)
    ولو مسّ حلقة دبره أو دبر غيره ، قال الشافعي : انتقض (1) ، وفي القديم : لا ينتقض ، كما ذهبنا إليه ، وبه قال مالك ، وداود ، لأنّه لا يقصد مسّه (2).
    ولو مسّت المرأة فرجها انتقض وضوؤها عند الشافعي (3) ، خلافاً لمالك (4).
    والخنثى المشكل إذا مسّ فرج نفسه ، أو مسّه غيره إنتقض وضوؤه ، إذا تيقنا أن الذي مسّه فرج ، أو لمس من رجل وامرأة ، ومتى جوّزنا غير ذلك فلا نقض ، وإن مسّ نفسه ، فإن مسّ ذكره أو فرجه فلا نقض ، وإن جمع نقض.
    وإن مسّه رجل ، فإن مسّ ذكره انتقض ، لأنّه إن كان رجلاً فقد مسّ فرجه ، وإن كان امرأة فقد مسّ موضعا من بدنها ، فإن الزيادة لا تخرجه عن كونه من بدنها ، وإن مسّ الفرج فلا نقض ، لجواز أن يكون رجلاً فقد مسّ خلقة زائدة من بدنه.
    وإن مسّه امرأة ، فإن مسّت ذكره فلا نقض ، لجواز أن تكون امرأة فتكون قد مسّت خلقة زائدة من بدنها ، وإن مسّت فرجه انتقض ، لأنّها إنّ كانت امرأة فقد مسّت فرجها ، وإن كان رجلاً فقد مسّت بدنه.
    وإن مسّه خنثى ، فإن مسّ ذكره فلا نقض ، لجواز أن يكونا امرأتين ، فتكون إحداهما مسّت بدن الاُخرى ، وإن مسّ فرجه لم ينتقض ، لجواز أن
1 ـ المجموع 2 : 38 ، الوجيز 1 : 16 ، فتح العزيز 2 : 58 ، مغني المحتاج 1 : 36.
2 ـ فتح العزيز 2 : 56 ـ 57 ، المدونة الكبرى 1 : 8 ، مقدمات ابن رشد 1. 70 ، الشرح الصغير 1 : 55 ، المجموع 2 : 43 ، المحلى 1 : 237.
3 ـ المجموع 2 : 43 ، الاُم 1 : 20 ، الوجيز 1 : 16 ، المهذب للشيرازي 1 : 31 ، فتح العزيز 2 : 74.
4 ـ المدونة الكبرى 1 : 9 ، المجموع 2 : 43.


(111)
يكونا رجلين ، فيكون أحدهما مسّ بدن الآخر ، وإن مسّ فرجه وذكره انتقض ، لأنّه لا بدّ وأن يكون أحدهما فرجاً.
    وهذا كله ساقط عنّا.
    ولو مسّ فرج البهيمة فللشافعي قولان ، أحدهما : النقض ، وبه قال الليث ابن سعد (1).
    الرابع : مسّ المرأة لا يوجب الوضوء ، بشهوة كان أو بغيرها ، أي موضع كان من بدنها ، بأي موضع كان من بدنه ، سوى الفرجين ، وبه قال علي عليه السلام ، وابن عباس ، وعطاء ، وطاووس ، وأبو حنيفة ، وأصحابه (2) للأصل ، وللاحاديث السابقة ، ولمّا روت عائشة أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قبل امرأة من نسائه وخرج إلى الصلاة ولم يتوضأ (3).
    وقال الشافعي : لمس النساء يوجب الوضوء ، بشهوة كان أو بغير شهوة ، أي موضع كان من بدنه بأي موضع كان من بدنها ، سوى الشعر ، وبه قال ابن مسعود ، وابن عمر ، والزهري ، وربيعة ، ومكحول ، والأوزاعي (4) لقوله تعالى : ( أو لمستم النساء ) (5) وحقيقة اللمس باليد ،
1 ـ الاُم 1 : 19 ، المجموع 2 : 38 و 43 ، مغني المحتاج 1 : 36 ، الوجيز 1 : 16 ، فتح العزيز 2 : 58 ـ 59.
2 ـ المبسوط للسرخسي 1 : 67 ، نيل الأوطار 1 : 244 ، بداية المجتهد 1 : 38 ، المجموع 2 : 30 ، أحكام القرآن للجصاص 2 : 369 ، بدائع الصنائع 1 : 30 ، التفسير الكبير 11 : 168 ، تفسير القرطبي 5 : 223 ـ 224.
3 ـ سنن ابن ماجة 1 : 168 / 502 ، سنن ابي داود 1 : 46 / 179 ، سنن النسائي 1 : 104 ، سنن الدارقطني 1 : 135 / 5.
4 ـ المجموع 2 : 26 و 30 ، الاُم 1 : 15 ، بداية المجتهد 1 : 37 ، المبسوط للسرخسي 1 : 67 ، أحكام القرآن للجصاص 2 : 369 ، تفسير القرطبي 5 : 224 ، التفسير الكبير 11 : 168 ، الوجيز 1 : 16 ، فتح العزيز 2 : 29 ، المغني 1 : 220 ، الشرح الكبير 1 : 219.
5 ـ النساء : 43 ، المائدة : 6.


(112)
وهو ممنوع عرفاً.
    وقال مالك ، وأحمد ، وإسحاق : إنّ لمسها بشهوة انتقض وضوؤه وإلّا فلا ، وحكاه ابن المنذر عن النخعي ، والشعبي ، والحكم ، وحماد ، لأنّ اللمس بغير شهوة لا يحرم في الاحرام ، والصوم ، فكان كالشعر (1) ، وقال داود : إنّ قصد لمسها انتقض ، وإلّا فلا (2).
    ولمس الشعر ، أو من وراء حائل لا ينقض عند الشافعي (3) ، وقال مالك : ينقضان إن كان بشهوة وإلّا فلا (4).
    وفي لمس ذات المحارم كالام والاُخت عند الشافعي قولان (5) ، وفي الكبار والصغار وجهان (6).
    وتنتقض طهارة اللامس في صور النقص كلها ، وفي الملموس قولان (7).
    ولو لمس يداً مقطوعة أو عضواً فلا نقض (8) ، ولو مسّ ميتة فلاصحابه قولان (9).
1 ـ المبسوط للسرخسي 1 : 67 ، مقدمات ابن رشد 1 : 66 ، المجموع 2 : 30 ، المحلى 1 : 248 ، تفسير القرطبي 5 : 224 ، بدائع الصنائع 1 : 30 ، أحكام القرآن للجصاص 2 : 369 ، المغني 1 : 219.
2 ـ المحلى 1 : 244 ، المجموع 2 : 30.
3 ـ المجموع 2 : 27 ، الاُم 1 : 16 ، تفسير القرطبي 5 : 225.
4 ـ الشرح الصغير 1 : 54 ، المجموع 2 : 30 ـ 31 ، تفسير القرطبي 5 : 226 ، مقدمات ابن رشد 1 : 66 ـ 67.
5 ـ المجموع 2 : 27 ، فتح العزيز 2 : 32 ، بداية المجتهد 1 : 37 ، تفسير القرطبي 5 : 226.
6 ـ تفسير القرطبي 5 : 226 ، الوجيز 1 : 16 ، فتح العزيز 2 : 32.
7 ـ المجموع 2 : 26 ، الوجيز 1 : 16 ، بداية المجتهد 1 : 37 ، فتح العزيز 2 : 33.
8 ـ المجموع 2 : 29 ، فتح العزيز 2 : 31.
9 ـ الوجيز 1 : 16 ، فتح العزيز 2 : 32.


(113)
    الخامس : القهقهة لا تنقض الوضوء ، وإن وقعت في الصلاة لكن تبطلها ، ذهب إليه أكثر علمائنا (1) ـ وبه قال جابر وأبو موسى الاشعري ، ومن التابعين القاسم بن محمد ، وعروة ، وعطاء ، والزهري ، ومكحول ، ومالك ، وبه قال الشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور (2) ـ لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال : ( الضحك ينقض الصلاة ، ولا ينقض الوضوء ) (3) ، وقول الصادق عليه السلام : « ليس ينقض الوضوء إلّا ما خرج من طرفيك » (4) الحديث.
    وقال ابن الجنيد منّا : من قهقه في صلاته متعمّداً لنظر أو سماع ما أضحكه قطع صلاته ، وأعاد وضوء‌ه (5) ، لرواية سماعة ، قال : سألته عما ينقض الوضوء ، إلى أن قال : « والضحك في الصلاة » (6) ، وهي مقطوعة ضعيفة السند.
    وقال أبو حنيفة : يجب الوضوء بالقهقهة في الصلاة ، وهو مروي عن الحسن ، والنخعي ، وبه قال الثوري ، وعن الأوزاعي روايتان (7) لأنّ أبا العالية الرياحي روى أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله كان يصلّي ، فجاء ضرير
1 ـ منهم المحقق الحلّي في المعتبر : 30 ، وابن حمزة في الوسيلة : 53 ، وسلار في المراسم : 40 ، وابن البراج في المهذب 1 : 49 ، والشيخ في الخلاف 1 : 126 مسألة 62.
2 ـ المجموع 2 : 60 ، الوجيز 1 : 15 ، بدائع الصنائع 1 : 32 ، المغني 1 : 201 ، الشرح الكبير 1 : 226 ، الهداية للمرغيناني 1 : 15 ، المنتقى للباجي 1 : 65 ، مسائل أحمد : 13.
3 ـ سنن الدارقطني 1 : 173 / 58.
4 ـ التهذيب 1 : 16 / 36.
5 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 30.
6 ـ التهذيب 1 : 12 / 23 ، الاستبصار 1 : 83 / 262.
7 ـ المبسوط للسرخسي 1 : 77 ، بداية المجتهد 1 : 40 ، الهداية للمرغيناني 1 : 15 ، المجموع 2 : 61 ، المغني 1 : 201 ، بدائع الصنائع 1 : 32 ، اللباب 1 : 13 ، فتح العزيز 2 : 3.


(114)
فتردّى في بئر فضحك طوائف من القوم فأمر النبيّ صلّى الله عليه وآله الذين ضحكوا أن يعيدوا الوضوء والصلاة (1) ، وهو مرسل ، قال ابن سيرين : لا تأخذوا بمراسيل الحسن وأبي العالية فانهما لا يباليان عمّن أخذا (2).
    السادس : لا وضوء من أكل ما مسته النار ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، وبه قال علي عليه السلام ، وجماعة من الصحابة ، وعامة الفقهاء (3).
    وحكي عن عمر بن عبد العزيز ، وأبي قلابة ، وأبي مجلز ، والزهري ، والحسن البصري أنهم كانوا يتوضؤون منه (4) ، لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال : ( توضؤوا مما مسته النار ) (5) ، وهو منسوخ ، لأنّ جابر بن عبد الله قال : كان آخر الأمرين من رسول الله صلّى الله عليه وآله ترك الوضوء مما مسّت النار (6).
    السابع : أكل لحم الجزور لا يوجب الوضوء ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ـ وهو قول أكثر العلماء (7) ـ للأصل ، لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله
1 ـ سنن الدارقطني 1 : 163 / 5 و 6 ، سنن البيهقي 1 : 146.
2 ـ سنن الدارقطني 1 : 171 / 44 ـ 45 ، سنن البيهقي 1 : 146.
3 ـ الاُم 1 : 21 ، المبسوط للسرخسي 1 : 79 ، بداية المجتهد 1 : 40 ، المجموع 2 : 57 ، فتح العزيز 2 : 4 ، نيل الأوطار 1 : 262 ، المحلى 1 : 241 ، الوجيز 1 : 15 ، مسائل الامام أحمد : 15 ، عمدة القارئ 3 : 104 ، مجمع الزوائد 1 : 251 ، الموطأ 1 : 26 / 22 ، سنن الترمذي 1 : 116 / 79.
4 ـ المجموع 2 : 57 ، المحلى 1 : 243 ، نيل الأوطار 1 : 253 ، عمدة القارئ 3 : 104. المغني 1 : 216 ـ 217.
5 ـ صحيح مسلم 1 : 273 / 352 و 353 ، سنن البيهقي 1 : 155 و 157 ، سنن النسائي 1 : 105 ، سنن ابن ماجة 1 : 164 / 486 ـ 487.
6 ـ سنن ابي داود 1 : 49 / 192 ، سنن النسائي 1 : 108 ، سنن البيهقي 1 : 155 ـ 156.
7 ـ المجموع 2 : 57 ، المبسوط للسرخسي 1 : 79 ، نيل الأوطار 1 : 252 ، سنن الترمذي 1 : 125 ذيل الحديث 81 ، المغني 1 : 211 ، الشرح الكبير 1 : 222.


(115)
قال : ( الوضوء مما يخرج لا مما يدخل ) (1).
    وللشافعي قولان ، القديم : النقض ـ وبه قال أحمد (2) ـ لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله سئل أيتوضأ من لحوم الإبل ؟ فقال : ( نعم ) (3) ، ولو سلم حمل على غسل اليد.
    الثامن : الردة لا تبطل الوضوء ، للأصل ، ولقول الصادق عليه السلام : « لا ينقض الوضوء إلّا ما خرج من طرفيك » (4) ، الحديث.
    وقال أحمد : ينقض (5) لقوله تعلى : ( لئن أشركت ليحبطن عملك ) (6) وهو مقيد بالموافاة.
    التاسع : حكي عن مجاهد ، والحكم ، وحماد ، أن في قص الشارب وتقليم الأظفار ، ونتف الإبط الوضوء ، بغير حجة ، وأنكره جمهور العلماء (7).
    تنبيه : كلّ ما أوجب الوضوء فهو بالعمد والسهو سواء بلا خلاف.
1 ـ سنن الدارقطني 1 : 151 / 1 ، سنن البيهقي 1 : 116.
2 ـ المجموع 2 : 57 ، بداية المجتهد 1 : 40 ، نيل الأوطار 1 : 252 ، سبل السلام 1 : 107 ، كشاف القناع 1 : 130 ، مسائل الامام أحمد : 15 ، عمدة القارئ 3 : 104 ، المغني 1 : 211 ، الشرح الكبير 1 : 222.
3 ـ صحيح مسلم 1 : 275 / 360 ، سنن البيهقي 1 : 158.
4 ـ الكافي 3 : 35 / 1 ، التهذيب 1 : 10 / 17 و 16 / 36 ، الاستبصار 1 : 86 / 271.
5 ـ المجموع 2 : 61 ، المغني 1 : 200 ، الشرح الكبير 1 : 225.
6 ـ الزمر : 65.
7 ـ المغني 1 : 229 ، الشرح الكبير 1 : 228.


(116)

(117)
    يستحب الاستتار عن العيون ، لأنّ جابراً قال : خرجت مع رسول الله صلّى الله عليه وآله في سفر ، فإذا هو بشجرتين بينهما أربعة أذرع ، فقال : ( يا جابر انطلق إلى هذه الشجرة فقل : يقول لك رسول الله صلّى الله عليه وآله : الحقي بصاحبتك حتى أجلس خلفكما ) فجلس النبيّ صلّى الله عليه وآله خلفهما ، ثم رجعتا إلى مكانهما (1).
    ويجب ستر العورة لقول النبيّ صلّى الله عليه وآله : ( احفظ عورتك ، إلّا من زوجتك أو ما ملكت يمينك ) (2) ، وقول الصادق عليه السلام : « لا ينظر الرجل إلى عورة أخيه » (3).
    والعورة هي القُبل والدبر ، لقول الكاظم عليه السلام : « العورة عورتان : القُبل والدبر » (4).

    مسألة 31 : المشهور بين علمائنا تحريم استقبال القبلة واستدبارها حالة
1 ـ سنن البيهقي 1 : 93.
2 ـ سنن الترمذي 5 : 110 / 2794 ، مسند أحمد 5 : 3 ، مستدرك الحاكم 4 : 180 ، سنن البيهقي 1 : 199.
3 ـ التهذيب 1 : 374 / 1149.
4 ـ الكافي 6 : 501 / 26 ، التهذيب 1 : 374 / 1151.


(118)
البول والغائط ، في الصحارى والبنيان ، ويجب الانحراف في موضع قد بني على ذلك ـ وبه قال الثوري ، وأبو حنيفة ، وأحمد في إحدى الروايتين (1) ـ لقول النبيّ صلّى الله عليه وآله : ( إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ) (2) ، وقوله عليه السلام : ( إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يولها ظهره ، شرقوا أو غربوا ) (3).
    وعن علي عليه السلام : « أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال : إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة ولا تستدبرها » (4) ولمّا فيه من الاحترام والتعظيم لشعائر الله تعالى.
    وقال ابن الجنيد : يستحب ترك الاستقبال والاستدبار (5) ، وبه قال عروة ، وربيعة ، وداود (6) ، لقول جابر : نهى النبيّ صلّى الله عليه وآله أن يستقبل القبلة ببول ، ورأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها (7) ، ويحمل مع التسليم على الاستقبال حالة التنظيف ، إذ لا أقل من الكراهة.
    وقال المفيد منّا وسلار : يجوز في البنيان الاستقبال والاستدبار (8) ـ وبه قال ابن عباس ، وابن عمرو ، ومالك ، والشافعي ، وابن المنذر ، وأصح
1 ـ المجموع 2 : 81 ، المغني 1 : 185 ، نيل الأوطار 1 : 94 ، المحلى 1 : 194 ، فتح الباري 1 : 198 ، عمدة القارئ 2 : 277.
2 ـ صحيح مسلم 1 : 224 / 265.
3 ـ صحيح البخاري 1 : 48.
4 ـ التهذيب 1 : 25 / 64 ، الاستبصار 1 : 47 / 130.
5 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 31.
6 ـ المجموع 2 : 81 ، المغني 1 : 184 ، عمدة القارى 2 : 278 ، فتح الباري 1 : 198 ، نيل الأوطار 1 : 94.
7 ـ سنن ابي داود 1 : 4 / 13 ، سنن ابن ماجة 1 : 117 / 325 ، سنن الترمذي 1 : 15 / 9.
8 ـ المقنعة : 4 ، المراسم : 32.


(119)
الروايتين عن أحمد (1) ـ لأنّ الكاظم عليه السلام كان في داره مستراح إلى القبلة (2) ، ولا حجة فيه لاحتمال شرائها كذلك ، وكان عليه السلام ينحرف أو له غيره.
    ورواية عائشة ـ ان النبيّ صلّى الله عليه وآله قال : ( استقبلوا بمقعدتي القبلة ) (3) ـ ضعيفة ، لبرائته عليه السلام من الأمر بالمكروه ، أو المحرم.
    وعن أحمد رواية أنّه يجوز استدبار الكعبة في الصحارى والبنيان (4) ، لأنّ ابن عمر قال : رأيت النبيّ صلّى الله عليه وآله على حاجته مستقبل الشام مستدبر القبلة (5) ، ويضعف بما تقدم.

    مسألة 32 : يكره له أشياء.
    الأول : استقبال الشمس والقمر بفرجيه ، لقول الباقر. عليه السلام عن آبائه عليهم السلام : « إنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله نهى أن يستقبل الرجل الشمس والقمر بفرجه وهو يبول » (6).
    الثاني : استقبال الريح بالبول ، لقول الحسن بن علي عليهما السلام : « ولا تستقبل الريح » (7) ، ولئلا ترّده الريح إليه.
    الثالث : البول في الأرض الصلبة ، لئلا يترشش عليه ، ولقول الصادق
1 ـ المجموع 2 : 78 ـ 79 ، المغني 1 : 185 ، المدونة الكبرى 1 : 7 ، عمدة القارئ 2 : 278 و 281 ، مقدمات ابن رشد 1 : 64 ، بُلغة السالك 1 : 37.
2 ـ التهذيب 1 : 26 / 66 ، الاستبصار 1 : 47 / 132. وفيهما عن ابي الحسن الرضا عليه السلام.
3 ـ سنن ابن ماجة 1 : 117 / 324 ، سنن الدارقطني 1 : 60 / 7 ، مسند أحمد 6 : 137.
4 ـ المجموع 2 : 81 ، الإنصاف 1 : 101 ، نيل الأوطار 1 : 94.
5 ـ صحيح مسلم 1 : 225 / 62 ، سنن الترمذي 1 : 16 / 11.
6 ـ التهذيب 1 : 34 / 91.
7 ـ الفقيه 1 : 18 / 47 ، التهذيب 1 : 33 / 88 ، الاستبصار 1 : 47 / 131.


(120)
عليه السلام : « كان رسول الله صلّى الله عليه وآله أشد الناس توقيا للبول ، حتى أنّه كان إذا أراد البول يعمد إلى مكان مرتفع من الأرض ، أو إلى مكان يكون فيه التراب الكثير ، كراهية أن ينضح عليه البول » (1).
    الرابع : البول في جحرة الحيوان ، لئلا يؤذيه.
    الخامس : البول في الماء الجاري والراكد ، لأنّ علياً عليه السلام نهى أن يبول الرجل في الماء الجاري ، إلّا من ضرورة ، وقال : « إنّ للماء أهلاً » (2) ، وقال الصادق عليه السلام : « يكره أن يبول في الراكد » (3).
    السادس : الجلوس في المشارع والشوارع ، وتحت الأشجار المثمرة ، فيضمن على إشكال ، وأفنية الدور ، ومواطن النزال ، ومواضع اللعن وهي : أبواب الدور.
    وقال الصادق عليه السلام : « قال رجل لعلي بن الحسين عليهما السلام : أين يتوضأ الغرباء ؟ قال : يتّقى شطوط الأنهار ، والطرق النافذة ، وتحت الأشجار المثمرة ، ومواضع اللعن » (4).
    وسأل أبو حنيفة من الكاظم عليه السلام أين يضع الغريب ببلدكم ؟ فقال : « اجتنب أفنية المساجد ، وشطوط الأنهار ، ومساقط الثمار ، وفيء النزال ، ولا تستقبل القبلة ببول ولا غائط ، وارفع ثوبك ، وضع حيث شئت » (5).
1 ـ الفقيه 1 : 16 / 36 ، التهذيب 1 : 33 / 87 ، علل الشرائع : 278 باب 186.
2 ـ التهذيب 1 : 34 / 90 ، الاستبصار 1 : 13 / 25 وفيهما ، عن علي عليه السلام ، قال : نهى النبيّ صلّى الله عليه وآله.
3 ـ التهذيب 1 : 31 / 81 ، الاستبصار 1 : 13 / 23.
4 ـ الكافي 3 : 15 / 2 ، الفقيه 1 : 18 / 44 ، التهذيب 1 : 30 / 78 ، معاني الأخبار : 368 / 1.
5 ـ الكافي 3 : 16 / 5 ، التهذيب 1 : 30 / 79 ، تحف العقول : 411 ، الاحتجاج 2 : 387 ـ 388.
تذكرة الفقهاء الجزء الأول ::: فهرس