وصايا الرسول لزوج البتول ::: 196 ـ 210
(196)
قد كانَ ما قلتَ ولكن حينَ نزلَ برسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الأمرُ (3) ، نَزَلَت الوصيّةُ من عندِ اللّهِ كتاباً مسجّلا (4) ، نَزَل بهِ جبرئيلُ مع أُمناءِ اللّهِ ( تبارك وتعالى ) من الملائكةِ ، فقال جبرئيلُ ، يا محمّد مُر بإخراجِ مَن عندَك إلاّ وصيّك ، ليقبضَها منّا وتُشهِدَنا بدفعِكَ إيّاها إليه ضامناً لها ـ يعني عليّاً ( عليه السلام ) ـ فأمرَ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بإخراجِ مَن كانَ في البيت ما خلا عليّاً ( عليه السلام ) وفاطمةُ فيما بين السترِ والباب ، فقال جبرئيلُ ، يا محمَّد ربُّك يقرئكَ السلامَ ويقول ، هذا كتابُ ما كنتُ عهدتُ إليك وشرطتُ عليك وشهدتُ به عليك وأشهدتُ به عليك ملائكتي ، وكفى بي يا محمّد شهيداً ، قال ، فارتَعَدَتْ مفاصلُ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) (5) فقال ، يا جبرئيلُ ربّي هو السَلامُ ومنه السلامُ وإليه يعودُ السلامُ صَدَق ( عزّوجلّ ) وبَرَّ ، هاتِ (6) الكتاب ، فدفَعه إليه وأمرهُ بدفعهِ إلى أميرِ المؤمنين ( عليه السلام ) فقال له (7) ، إقرأْهُ ، فقرأهُ حرفاً حرفاً ، فقال :
    يا علي هذا عهدُ ربّي ( تبارك وتعالى ) إليَّ ، وشرطُه عليَّ وأمانتُه ، وقد بلّغتُ ونصحتُ وأدّيتُ ،

قال الإمام الصادق للإمام الكاظم يا أبا الحسن.
    (3) نزل به الأمر أي حلّ به أمر الوفاة ، ومصيبة الموت.
    (4) أي معهوداً محفوظاً ـ والسجل هو كتاب العهود والأحكام.
    (5) أي ارتعدت مفاصله من هذا العهد الشديد والميثاق الغليظ.
    (6) هات ، اسم فعل بمعنى أعطني .. وهذا خطاب النبي الأعظم لجبرئيل.
    (7) أي قال رسول الله لأمير المؤمنين عليهما وآلهما السلام.



(197)
فقال علي ( عليه السلام ) ، وأنا أشهدُ لك [ بأبي وأُمّي أنت ] بالبلاغِ والنصيحةِ والتصديقِ على ما قلتَ ويشهدُ لكَ بهِ سمعي وبصري ولحمي ودمي ، فقال جبرئيل ( عليه السلام ) ، وأنا لكما على ذلكَ من الشاهدين ، فقال رسولُ اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، يا علي أخذتَ وصيّتي ... وعرفتَها وضمنتَ للّهِ ولي الوفاءَ بما فيها ؟ فقال علي ( عليه السلام ) ، نعم بأبي أنت واُمّي عَلَيَّ ضمانُها وعلى اللّهِ عوني وتوفيقي على أدائِها ، فقال رسولُ اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
    يا علي إنّي اُريدُ أنْ أُشهِدَ عليك بموافاتي بها يومَ القيامةِ ، فقال علي ( عليه السلام ) ، نعم أَشهِد ، فقال النبيُ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، إنّ جبرئيلَ وميكائيلَ فيما بيني وبينَك الآن وهما حاضران ، معهما الملائكةُ المقرّبُون لأُشهِدَهم عليك ، فقال ، نعم لَيشهَدوا وأنا ـ بأبي أنت واُمّي ـ اُشهِدُهم ، فأَشْهَدَهم رسولُ اللّهِ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وكان فيما اشترَط عليه النبيُّ بأمرِ جبرئيلِ ( عليه السلام ) فيما أمرَ اللّهُ ( عزّوجلّ ) أن قال له (7) :
    يا علي تفي بما فيها من موالاةِ مَنْ والى اللّهَ ورسولَه ، والبراءةِ والعداوةِ لمن عادى اللّهَ ورسولَه ، والبراءة منهم ، على الصبرِ منك (8) [ و ] على كظمِ الغيظِ وعلى ذهابِ حقِّك ، وغصبِ خمسكَ ، وانتهاكِ حرمتِك (9) ؟ فقال ، نعم يا رسولَ اللّه ،

    (7) هذه جملة من تلك الوصايا المعهودة من رسول الله لأمير المؤمنين سلام الله عليهم وعلى آلهم الطيبين.
    (8) أي الصبر على هذه المصائب الآتية.
    (9) وهي حرمته العظمى ، وقرينته الكبرى فاطمة الزهراء سلام الله عليها في



(198)
فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، والذي فلقَ الحبّةَ وبرأ النسمةَ لقد سمعتُ جبرئيل ( عليه السلام ) يقول للنبيّ ، يا محمّد عَرِّفْهُ أنّه يُنتهكُ الحُرمة وهي حرمةُ اللّهِ وحرمةُ رسولِ اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعلى أن تخضبَ لحيتُه من رأسِه بدم عَبيط (10) ، فقال أميرُ المؤمنين ( عليه السلام ) ، فصعقتُ (11) حين فهَمتُ الكلمةَ من الأمينِ جبرئيل حتّى سقطتُ على وَجهي وقلتُ ، نعم قبلتُ ورضيتُ وإنْ انتُهِكَت الحرمةُ وعُطّلتُ السّنن ومُزّق الكتابُ وهُدّمتُ الكعبةُ وخُضبَت لحيتي من رأسي بدم عبيط (12) صابراً محتسباً أبداً حتّى أقدمُ عليك ، ثمّ دعا رسولُ اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فاطمةَ والحسنَ والحسينَ وأعلَمَهم مِثْلَ ما أعلمَ أميرَ المؤمنين ، فقالوا مثلَ قولِهِ فخُتِمَت الوصيّةُ بخواتيمَ من ذهب ، لم تمسّهُ النارُ (13) ودُفِعَت إلى أميرِ المؤمنين ( عليه السلام ).
    فقلتُ (14) لأبي الحسنِ ( عليه السلام ) ،

الرزايا التي جرت عليها بعد فقد أبيها من ظالميها.
    (10) الدم العبيط هو الدم الخالص الطري ، والخضاب به إشارة إلى خضاب شهادته الحزينة ..
    (11) صعق الرجل صعقة أي غشي عليه من هول ما رأى ومن فزع ما سمع.
    (12) وقد وقعت هذه الِمحن بعد إستشهاد رسول الإسلام كما أخبر الأمير ( عليه السلام ).
    (13) أي النار التي كانت تُستعمل لتأثير الختم كما كان متعارفاً .. فلم تمسّه النار لعدم إحتياج تلك الرسالة الملكوتية إليها.
    (14) هذا قول الراوي عن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، وهو عيسى بن المستفاد أبو موسى الضرير.



(199)
بأبي أنت واُمّي ألا تذكُر ما كانَ في الوصيّةِ ؟ فقال ، سننُ اللّهِ وسننُ رسولِه (15) ، فقلتُ ، أكان في الوصيّةِ توثّبُهم (16) وخلافُهم على أميرِ المؤمنين ( عليه السلام ) ؟ فقال ، نعم واللّهِ شيئاً شيئاً ، وحرفاً حرفاً (17) ، أما سمعتَ قولَ اللّهِ ( عزّوجلّ ) ، ( إنَّا نَحْنُ نُحْيي المَوْتَى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْء أَحْصَيْناهُ فِي إمَام مُّبِين ) (18) واللّهِ لقد قالَ رسولُ اللّهِ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لأميرِ المؤمنين وفاطمةَ ( عليهما السلام ) ، أليس قد فهمتُما ما تقدّمتُ به إليكما وقبلتُماه ؟ فقالا ، بلى وصبرنا على ما ساءَنا وغاظَنا (19).
    ب ) وأفاد العلاّمة المجلسي بعد نقل هذا الحديث ، أنّه رواه مجملا السيّد علي بن طاووس (20) من كتاب الوصيّة لعيسى بن المستفاد .. ثمّ ذكر ( قدس سره ) (21) :
    أنّه حدّث الإمام الكاظم ، عن أبيه ( عليهما السلام ) أيضاً قال ، قال علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ،

    (15) أي الطريقة والنهج الذي سنّه الله ورسوله لأمير المؤمنين ( عليه السلام ).
    (16) التوثّب هو الإستيلاء على الشيء ظلماً.
    (17) أي جميعها مستوعبةً كان مذكوراً في الوصيّة.
    (18) سورة يس ، الآية 12.
    (19) اُصول الكافي ، ج 1 ، ص 281 ، كتاب الحجّة ، ح 4. وجاء في بحار الأنوار ، ج 22 ، ص 479 ، ب 1 ، ح 28.
    (20) في كتابه الطُرف ، ص 23 ـ 24.
    (21) ذكر ذلك في البحار ، ج 22 ، ص 495. ثمّ أفاد بعد نقل هذه الوصيّة الشريفة ، أنّها أُخرجت من كتاب الطرف والخصائص ، وأكثرها مروي في الصراط المستقيم للبياضي ، ولي إلى كتاب الوصيّة أسانيد جمّة ، واعتبره الكليني ، وإعتمد عليه السيّدان إبنا طاووس ، وألفاظها ومضامينها شاهدة على صحّتها.



(200)
أنّه كان في وصيّةِ رسولِ الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في أوّلِها :
    « بسمِ اللّهِ الرحمنِ الرَّحيم هذا ما عَهِدَ مُحمّدُ بن عبدِاللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وأوصى به وأسنَدَه بأمر اللّهِ إلى وصيِّه علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ».
    وكان في آخرِ الوصيّة :
    « شَهِدَ جبرئيلُ وميكائيلُ وإسرافيلُ على ما أوصى بهِ محمّدٌ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى علي بِن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وقبضَه وصيُّه ، وضمانُه على ما فيها على ما ضَمِنَ يوشعُ بن نُون لموسى بن عمران ( عليه السلام ) ، وعلى ما ضَمِنَ وأدّى وصيُّ عيسى بن مريم (22) ، وعلى ما ضَمِنَ الأوصياءُ قبلُهم على أنّ محمّداً أفضلُ النبيّين وعليّاً أفضلُ الوصيّين ، وأوصى محمّدٌ وسَلَّمَ إلى علي (23) ، وأقرّ عليٌّ وقبض الوصيّةَ على ما أوصى بهِ الأنبياءُ ،

    (22) وصيّ عيسى وخليفته هو شمعون بن حمّون الصفا الذي ورد في الحديث أنّه لمّا أراد الله تعالى أن يرفع عيسى إلى السماء أوصى إليه أن استودِعْ نور الله وحكمته وعلم كتابه شمعون خليفته على المؤمنين ، ففعل عيسى ذلك ، ولم يزل شمعون في قومه يقوم بأمر الله تعالى ويهدي بجميع مقال عيسى في قومه من بني إسرائيل ويجاهد الكفّار.
    فلمّا مضى شمعون عظمت البلوى ، وإندرس الدين ، واُضيعت الحقوق ، واُهينت الفرائض والسنن إلى أن منّ الله تعالى ببعثة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كما تلاحظه في البحار ، ج 14 ، ص 345 ، ب 24 ، الأحاديث.
    (23) في الطرف ، وسلّم الأمر إلى علي بن أبي طالب.



(201)
وسلَّم محمّدٌ الأمرَ إلى عليِ بن أبي طالب ، وهذا أمرُ اللّه وطاعتُه ، وولاّه الأمرَ على أن لا نُبوّةَ لعلي ولا لغيرِه بعدَ محمّد ، وكفى باللّهِ شهيداً » (24).
    ج ) ثمّ روى العلاّمة المجلسي حديثاً آخر في المقام نقلا عن السيّد الشريف الرضي أعلى الله مقامه في كتاب خصائص الأئمّة ( عليهم السلام ) ، عن هارون بن موسى ، عن أحمد بن محمّد بن عمّار العجلي الكوفي ، عن عيسى الضرير ، عن الإمام الكاظم ، عن أبيه ( عليهم السلام ) (25) أنّه قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لعلي ( عليه السلام ) حين دَفَعَ إليه الوصيّة :
    اتّخذْ لها جواباً (26) غداً بين يَدَي اللّهِ تباركَ وتعالى ربِّ العرش ، فإنّي مُحاجُّك يومَ القيامةِ بكتابِ اللّهِ حلالِه وحرامِه ، ومحكمِه ومتشابهِه على ما أنْزَلَ اللّهُ ، وعلى ما أمرتُك (27) ، وعلى فرائِضِ اللّهِ كما أُنزلَتُ ، وعلى الأحكامِ من الأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المنكر واجتنابِه (28) ، مع إقامةِ حدودِ اللّهِ وشروطِه ، والاُمورِ كلّها ، وإقامِ الصلاةِ لوقتِها ، وإيتاءِ الزكاةِ لأهلِها ، وحجِّ البيتِ ،

    (24) بحار الأنوار ، ج 22 ، ص 481 ، ب 1 ، ح 29. عن كتاب الطرف ، ص 21 ـ 22.
    (25) وجاء فيها عدّة روايات بنفس السند إخترنا منها الوصايا الآتية فيما يلي.
    (26) في الخصائص ، أعدّ لها جواباً.
    (27) في المصدر الأصل ، وعلى تبليغه ما أمرتك بتبليغه.
    (28) أي إجتناب المنكر وفي الأصل ، وإحيائه ، أي إحياء كلّ واحد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.



(202)
والجهادِ في سبيلِ اللّهِ ، فما أنتَ قائلٌ يا علي (29) ؟
    فقال علي ( عليه السلام ) ، بأبي أنت واُمّي أرجو بكرامةِ اللّه لكَ ومنزلتِه عندَك ونعمتِه عليك ، أن يعينَني ربّي ويثبّتَني ، فلا ألقاكَ بين يَدَي اللّهِ مُقصِّراً ولا مُتوانياً ولا مُفرّطاً ولا أمعِزُ وجَهك (30) ، وقاهُ وجهي ووجوهُ آبائي واُمّهاتي بل تجدُني بأبي أنت وأُمّي مستمرّاً (31) متّبِعاً لوصيتِك ومنهاجِك وطريقِك ما دمتُ حيّاً حتّى أقدمُ بها عليكَ ، ثمّ الأوّلُ فالأوّلُ من وُلدي ، لا مُقصّرِينَ ولا مُفرّطين.
    قال علي ( عليه السلام ) ، ثمّ انكببتُ على وجهِه وعلى صدرِه (32) وأنا أقول ، وا وحشتاه بعدَك بأبي أنتَ وأُمّي ، ووحشةِ ابنتِك وبَنيك (33) بل وأطْوَلَ غمّي بعدَك يا أخي (34) انقَطَعَتْ من منزلي أخبارُ السماء ، وفقدتُ بعدَك جبرئيل وميكائيل ، فلا أحسُّ أثَراً ولا أسمعُ حسّاً ،

    (29) في الخصائص ، فما أنت صانع يا علي ؟
    (30) يقال ، تمعَّز وجهه أي تقبّض ، وفي الخصائص ، ولا اصفّر وجهك.
    (31) في المصدر ، مشمّراً ، أي متهيّئاً وماضياً فيها.
    (32) في الخصائص ، ثمّ أغمى صلّى الله عليه فانكببت على صدره ووجهه. واعلم انّه كان ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يُغمى عليه كما يأتي التصريح به ثمّ يفيق ، من أثر السمّ الذي هما سمّتاه كما تلاحظه في حديث البحار ، ج 28 ، ص 20 ، ب 1 ، ح 28.
    (33) في الخصائص ، وإبنيك.
    (34) تعبيره ( عليه السلام ) ومخاطبته للنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالاُخوّة يشعر بغاية التلهّف في ساعات الوداع.



(203)
فأغمى عليه طويلا ثمّ أفاقَ ( صلى الله عليه وآله وسلم ). قال أبو الحسن ( عليه السلام ) ، فقلتُ لأبي ، فما كان بعد إفاقتِه ؟ قال ، دَخَل عليه النساءُ يبكين وإرتفعَت الأصواتُ وضَجَّ الناسُ بالبابِ من المهاجرينَ والأنصار.
    فبينا هم كذلك إذ نُودي ، أينَ عليٌّ ؟ فأقبلَ حتّى دَخَل عليه.
    قال علي ( عليه السلام ) ، فانكببتُ عليه فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
    يا أخي ، إفهَمْ فَهّمَكَ اللّهُ وسدَّدكَ وأرشدَكَ ووفّقكَ وأعانكَ وغفر ذنَبك ورفعَ ذِكركَ ، إعلم يا أخي إنّ القومَ سيُشغلهُم عنّي ما يُشغلُهم (35) ، فإنّما مَثَلُكَ في الاُمّة مَثَلُ الكعبةِ نَصَبها اللّهُ للناسِ عَلَماً ، وإنّما تُؤتى من كلِّ فجّ عميق ونأي سحيق ولا تَأتي.
    وإنّما أنتَ عَلَمُ الهُدى ، ونورُ الدين وهو نورُ اللّهِ يا أخي.
    والذي بعثني بالحقِّ لقد قدّمتُ إليهم بالوعيد بعد أن أخبرتُهم رجلا رجلا ما افترضَ اللّهُ عليهم من حقِّك وألزَمَهُم من طاعتِك ، وكلٌّ أجابَ وسلّمَ إليكَ الأمر (36) وإنّي لأعلمُ خلافَ قولهم.
    فإذا قُبضتُ ، وفرغتَ من جميع ما أُوصيك به (37) وغيّبتَني في قبري ، فالزم بيتَك واجمعِ القرآنَ على تأليفِه ، والفرائضَ والأحكامَ على تنزيلِه ، ثمّ امضِ على غير لائمة

    (35) في الخصائص ، سيشغلهم عنّي ما يريدون من عرض الدنيا وهم عليَّ واردون فلا يشغلك عنّي ما شغلهم.
    (36) في الأصل ، فكلٌ أجاب إليك وسلّم الأمر لك وإنّي لأعرف خلاف قولهم.
    (37) في الخصائص ، ما وصيّتك به.



(204)
على ما أمرتُك به (38). وعليك بالصَّبرِ على ما ينزلُ بك وبها حتّى تَقْدِموا عليَّ (39) (40).
    د ) وفي هذه الوصايا أيضاً ، « ... أما واللّهِ يا علي ليَرجِعَنّ أكثرُ هؤلاء كفّاراً يضربُ بعضُهم رقابَ بعض ، وما بينك وبين أن ترى ذلك إلاّ أن يغيبَ عنك شخصي » (41).
    هـ ) ... يا علي ، من شاقَّكَ من نسائي وأصحابي فقد عصاني (42).
    ومن عصاني فقد عصى اللّهَ ، وأنا منهم بريء فاَبرأْ منهم.
    فقال علي ( عليه السلام ) ، نعم قد فعلت (43). فقال ، اللّهمّ إشهد.
    يا علي ، إنّ القوم يأتمرونَ بعدي ، يظلمونَ ويبيّتون على ذلك ، ومن بيَّتَ على ذلك (44) فأنا منهم بريء ، وفيهم نزلت ، ( بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ ...

    (38) في الخصائص ، ثمّ أمض ذلك على عزائمه وعلى ما أمرتك به.
    (39) في الخصائص ، وعليك بالصبر على ما ينزل بك حتّى تقدم عليّ.
    (40) الطرف ، ص 25 ـ 27. وبحار الأنوار ، ج 22 ، ص 482 ، ب 1 ، ح 30.
    (41) بحار الأنوار ، ج 22 ، ص 487 ، ب 1 ، ح 32.
    (42) « شاقّوا الله ورسوله » أي حاربوه وخانوا دينه وطاعته. ( مجمع البحرين ، ص 436).
    (43) في المصدر ، فقال علي ، فقلت ، نعم.
    (44) يقال ، بيّت فلان أمره ، أي فكّر فيه ليلا وقدّره.



(205)
وَاللّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيّتُونَ ) (45) (46).
    و ) ... يا علي ، إصبِر على ظُلمِ الظالمين ، فإنّ الكفر (47) يقبلُ ، والردّةُ ، والنفاقُ مع الأوّلِ منهم ، ثمّ الثاني وهو شرٌّ منه وأظلم ، ثمّ الثالث ، ثمّ يجتمع لكَ شيعةٌ تقاتل بهم الناكثينَ والقاسطينَ والمتّبعينَ المضلّين ، واقْنُتْ عليهم (48) هم الأحزابُ وشيعتُهم.
    يا علي ، إنّ فلانةَ وفلانةَ ستشاقّانَك (49) وتُبغضانَك (50) بَعدي ، وتخرجُ فلانةُ عليكَ في عساكرِ [ عسكر ] الحديد ، وتخلّف (51)
    الاُخرى تجمعُ إليها الجموع ، هما في الأمر سَواء ، فما أنتَ صانعٌ يا علي ؟ قال ، يا رسولَ اللّه إن فَعَلَتا ذلك تلوتُ عليهما كتابَ اللّهِ وهو الحجّةُ فيما بيني وبينهما ، فإن قَبِلَتا وإلاّ خبّرتُهما (52) بالسُنّةِ وما يجب عليهما من طاعتي وحقّي المفروض عليهما ،

    (45) سورة النساء ، الآية 81.
    (46) الطرف / ص 34 ـ 35. وبحار الأنوار ، ج 22 ، ص 488 ، ب 1 ، ح 32.
    (47) في المصدر ، إصبر على ظلم المضلّين ما لم تجد أعواناً فالكفر يقبل ..
    (48) أي أدع عليهم في قنوتك.
    (49) أي تخالفانك وتعاديانك.
    (50) في المصدر ، وتعصيانك.
    (51) في المصدر ، وتتخلّف ، أي إنّ الأُولى تخرج مع العسكر ، والاُخرى تبقى لتموّنها بالجمع والعدد.
    (52) في المصدر ، وإلاّ أخبرتهما.



(206)
فإن قَبِلَتاه وإلاّ أشهدتُ اللّهَ وأشهدتُك عليهما ، ورأيتُ قتالَهما على ضلالتِهما ، قال ، وتعقرُ الجملَ وإنْ وَقَعَ في النار ؟ قلتُ ، نعم (53).
    قال ، اللّهمّ اشهَد ، ثمّ قال :
    يا علي ، إذا فَعَلَتا ما شهد عليهما القرآنُ فأبِنْهُما منّي (54). فإنّهما بائنتان ، وأَبواهُما شريكان لهُما فيما عَمِلَتا وَفَعَلَتا (55).
    ز ) ... قال علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، كان في الوصيّةِ أنْ يُدفع إليّ الحَنُوط (56) ، فدعاني رسولُ اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قبلَ وفاتِه بقليل فقال :
    يا علي ويافاطمة ، هذا حَنُوطي من الجنّةِ دَفعَهُ إليَّ جبرئيل ، وهو يقرؤُكما السَلام ويقولُ لكما ، أقسِماه واعزلا منه لي ولكما قالت ( فاطمة ( عليها السلام ) ) ، لك ثُلثُه ، وليكن الناظَر في الباقي عليُ بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، فبكى رسولُ اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وضمّها إليه وقال ، موفّقةٌ رشيدةٌ مهديّةٌ مُلهمَة.
    يا علي ، قل في الباقي.
    قال ، نصفُ ما بقي لها ، ونصفٌ لمن ترى يا رسول اللّه.

    (53) في المصدر ، قال ، وعقر الجمل ؟ قال ، قلت ، وعقر الجمل ، قال ، وإن وقع ؟ قلت ، وإن وقع في النار ، وإستطراد الوقوع في النار ، إشارة إلى انّه لا تكتفِ في منع الجمل عن الحركة بشيء غير العقر حتّى إذا أصابته النار وكان في معرض الهلاك.
    (54) المباينة ، المفارقة ، والبائن من الطلاق ما لا رجعة فيه ، أي طلّقهما.
    (55) الطرف ، ص 36 ، وعنه البحار ، ج 22 ، ص 488 ، ب 1 ، ح 33.
    (56) الحنوط ـ بفتح الحاء ـ ، هو الطيب الذي يوضع للميّت خاصّة.



(207)
قال ، هو لك فاقبضه (57).
    ح ) وجاء في حديث الوصيّة أيضاً :
    ... يا علي ، أَضَمِنْتَ دَيْني تقضيهِ عنّي ؟
    قال ( عليه السلام ) ، نعم.
    قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، اللّهمّ فاشهَدْ ثمّ قال ، يا علي ، تغسّلني (58) ولا يغسِّلني غيُرك فيعمى بصرُه.
    قال علي ( عليه السلام ) ، ولِمَ يا رسولَ اللّه ؟
    قال ، كذلك قال جبرئيل ( عليه السلام ) عن ربّي ، أنّه لا يَرى عورتي غيرُك إلاّ عَمِيَ بصرُه.
    قال علي ، فكيف أقوى عليكَ وحدي ؟
    قال ، يعينُك جبرئيلُ وميكائيلُ وإسرافيلُ وملكُ الموت وإسماعيلُ صاحبُ السماءِ الدنيا (59).

    (57) الطرف ، ص 41 ـ 42 ، وعنه البحار ، ج 22 ، ص 492 ، ب 1 ، ح 37 ، ووردت في مصباح الأنوار ، ص 270 ، والمستدرك ، ج 2 ، ص 197 ، ب 30 ، ح 5 ، المسلسل 179.
    (58) في المصدر ، غَسّلني.
    (59) وورد هذا المضمون في مصباح الأنوار (1) مع زيادة ، فقال جبرئيل ، يا محمّد قل لعلي ، إنّ ربّك يأمرك أن تغسل ابن عمّك ، فإنّها السنّة أن لا يغسل الأنبياء إلاّ أوصياؤهم ، وإنّما يغسل كلّ نبي وصيّه من بعده وهي من حجج الله عزّوجلّ

1 ـ مصباح الأنوار ، ص 270.

(208)
    قلت ، فمن يناولُني الماء ؟
    قال ، الفضلُ بن العبّاس من غيرِ أن ينظُرَ إلى شيء منّي...
    فإذا فرغتَ من غُسلي فضَعْني على لَوح ، وأفرِغْ عَلَيَّ مِن بئري ـ بئرِ غرس ـ أربعينَ دلواً مفتّحةَ الأفواه (60).
    ثمّ ضَعْ يدَك يا علي على صدري ... تُفَهَّم ما كان وما هو كائن إن شاء اللّهُ تعالى.
    ط ) وفي حديث شيخ القمّيين محمّد بن الحسن الصفّار (61) ، جاء قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لعلي ( عليه السلام ) :
    فإذا فرغتَ من غُسلي فأدرِجني في أكفاني ثمّ ضَع فاكَ على فمي ، قال ، ففعلتُ وأنبأني بما هو كائنٌ إلى يومِ القيامة.
    ى ) وجاء بعد هذا في حديث البحار ،

لمحمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على اُمّته من بعده فيما قد اجتمعوا عليه من قطيعة ما أمرهم الله تعالى به.
    وأعلم أنّه ورد ذكر هذا الملك الموكّل بالسماء الدنيا في حديث المعراج في البحار ، ج 18 ، ص 321 ، وجاء في حديث أبي حمزة ، عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) أنّه قال :
    « إنّ في الهواء ملكاً يقال له ، إسماعيل ، على ثلاثة ألف ملك ، كلّ واحد منهم على مائة ألف ، يحصون أعمال العباد ، فإذا كان رأس السنة بعث الله إليهم ملكاً يقال له ، السجلّ فانتسخ ذلك منهم ، وهو قول الله تبارك وتعالى ( يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ) سورة الأنبياء ، الآية 104. ( بحار الأنوار ، ج 5 ، ص 322 ، ب 17 ، ح 8).
    (60) في الحديث ، « أو أربعين قربة » ترديداً من الراوي.
    (61) في كتابه بصائر الدرجات ، ص 284 ، ب 6 ، ح 10.



(209)
    قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، يا علي ما أنتَ صانعٌ لو قد تأَمَّرَ القومُ عليك بَعدي ، وتقدّموا عليكَ وبَعَثَ إليك طاغيتُهم يدعوكَ إلى البيعةِ ، ثمّ لُبِّبْتَ بثوبِك تُقادُ كما يُقادُ الشاردُ من الإبل مذموماً مخذولا محزوناً مهمُوماً ، وبَعدَ ذلك ينزل بهذه ـ أي فاطمة الزهراء سلام الله عليها ـ الذُّل ؟
    قال ، فلمّا سَمِعَتْ فاطمةُ ما قال رسولُ اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) صَرَخَتْ وبكت ، فبكى رسولُ اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لبكائِها وقال ، يابُنيّة لا تبكين ولا تُؤذِين جلساءَك من الملائكة ، هذا جبرئيلُ بكى لبكائِك ، وميكائيلُ ، وصاحبُ سرِّ اللّه إسرافيل ، يابُنيّة لا تبكين فقد بَكَت السماواتُ والأرضُ لبكائِك.
    فقال علي ( عليه السلام ) ، يا رسولَ اللّه أَنقادُ للقومِ وأصبِرُ على ما أصابني من غير بَيعة لهم ، ما لم أُصِبْ أعواناً لم أُناجز القوم.
    فقال رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، اللّهمّ اشهَد ، فقال ، يا علي ، ما أنتَ صانعٌ بالقرآن والعزائِم (62) والفرائض ؟
    فقال ، يا رسولَ اللّه أجمعُهُ ، ثمّ آتيهم به ، فإنْ قَبِلُوه وإلاّ أشهدتُ اللّهَ عزّوجلّ وأشهدتُك عليه.
    قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، أَشهد.
    ك ) وكان فيما أوصى به رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنْ يُدفَن في بيته الذي قُبض فيه ، ويُكفّن بثلاثة أثواب ، أحدها ، يمان ، ولا يدخل قبره غير علي ( عليه السلام ).
    ثمّ قال ، يا علي ، كُنْ أنتَ وابنتي فاطمةُ ...

    (62) قال الشيخ الطريحي ، عزائم الله ، موجباته والأمر المقطوع عليه الذي لا ريب فيه ولا شبهة ولا تأويل فيه ولا نسخ ( مجمع البحرين ، ص 526).


(210)
والحسنُ والحسينُ وكبِّروا خمساً وسبعينَ تكبيرة. وكَبِّرْ خمساً وانصرف ، وذلك بعدَ أن يُؤذنَ لكَ في الصلاة.
    قال علي ( عليه السلام ) ، بأبي أنت واُمّي من يأذنُ غداً ؟
    قال ، جبرئيلُ ( عليه السلام ) يُؤْذِنُك (63).
    قال ، ثمّ مَن جاء من أهلِ بيتي يُصلّون عليَّ فوجاً فوجاً ، ثمّ نساؤُهم ، ثمّ الناسُ بعد ذلك (64).
    ل ) ... ثمّ دَعا (65) عليّاً وفاطمةَ والحسنَ والحسينَ ( عليهم السلام ) وقال لمن في بيته ، اُخرجُوا عنّي ، وقال لاُمِّ سَلَمة ، كوني على البابِ (66) فلا يقربْهُ أحد ، فَفَعَلَت.
    ثمّ قال ، يا علي ، أُدْنُ منّي ، فدَنا منه ، فأخذ بيدِ فاطمة فوضَعها على صدرِه طويلا ، وأخذ بيَدِ عليّ بيده الأُخرى ،

    (63) في المصدر ، ومن يأذن لي بها ؟ قال ، جبرئيل ، قال ، ثمّ من جاءك يؤذنك.
    (64) كما في الطرف ، ص 42 ـ 45 ، وعنه في البحار ، ج 22 ، ص 492 ، ب 1 ، ح 38. وفي حديث ابن عبّاس هنا في البحار ، ج 22 ، ص 507 ، ب 2 ، ح 9 ، فأوّل من يصلّي عليّ الجبّار جلّ جلاله من فوق عرشه ، ثمّ جبرئيل وميكائيل واسرافيل في جنود من الملائكة لا يحصي عددهم إلاّ الله جلّ وعزّ ، ثمّ الحافّون بالعرش ، ثمّ سكّان أهل سماء فسماء ، ثمّ جُلّ أهل بيتي الأقربون فالأقربون.
    (65) في المصدر ، لمّا كان اليوم الذي ثقل فيه وجع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وحفّ عليه الموت دعا ... الخ.
    (66) في المصدر ، تكوني ممّن على الباب.
وصايا الرسول لزوج البتول ::: فهرس